الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول: اعتقاد السلف عامة
.
…
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد.
فإن من أولى ما شغلت به الأوقات، تعلم العلم وتعليمه، ونشره بين الناس، ولاسيما علم أصول الدين الذي به يعرف الله عز وجل، وأسماؤه وصفاته، وما يجب له على خلقه، وما ينبغي في حقه وما لا يجوز، وغير ذلك من مسائل الإيمان، والقدر، واليوم الآخر، وغيرها كثير وقد اجتهدت طوائف المبتدعين في الانتصار لعقائدها، ونشرها بين الناس وأهل السنة والجماعة، من سلف هذه الأمة الصالحين ومن تبعهم -أولى بذلك منهم، فإنهم على الحق والهدى.
هذا ومما يؤسف له أن بعض الجامعات الإسلامية في كثير من البلدان، لم تعط عقائد السلف ما تستحقه من العناية والدراسة، والبحث والنشر، وإذا
نشرت شيئاً من الكتب والبحوث في مجال العقيدة، فإنما هي عقيدة الأشعرية والماتريدية وأشباههم، وإن كان هناك وجود لكتب تتحدث عن عقيدة السلف. أهل السنة والجماعة- فإنها مشوبة بكلام المتكلمين ومصطلحاتهم الحادثة المبتدعة، وليست بصفاء عقائد السلف المأثورة عنهم، البعيدة عن التكلف والكلام والجدل، المقصورة على ما جاء في كتاب الله، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد أحببت- مستعيناً بالله تعالى- أن أسهم بهذا الجهد المتواضع في نشر عقيدة السلف الصالح والذب عنها، وإظهار ما كانوا عليه في مسائل أصول الدين، وما ردُّوا به على أصناف المبتدعة والملحدين.
وقد بدأت في جمع أقوال عدد من أئمة السلف أهل السنة والجماعة في مسائل أصول الدين، وذلك من مصادر مختلفة، حيث حكى كل منهم ما يعتقده من مسائل أصول الدين، وما يدين به لله رب العالمين، ورتبت ذكر هؤلاء الأئمة وكلامهم على حسب الزمن، فبدأت بأقدمهم ثم الذي يليه وهكذا وقد بلغت عدتهم ثمانية وعشرون إماماً مرتبة أقوالهم وعقائدهم، وذلك على الترتيب الآتي:
1-
أبو حنيفة "155" هـ.
2-
الأوزاعي "157" هـ.
3-
الثوري "161" هـ.
4-
مالك "179" هـ.
5-
ابن المبارك "181" هـ.
6-
ابن عيينه "198" هـ.
7-
الشافعي "204" هـ.
8-
الحميدي "219" هـ.
9-
بشر بن الحارث "227" هـ.
10-
ابن المديني "234" هـ.
11-
أبو ثور "240" هـ.
12-
أحمد بن حنبل "241" هـ.
13-
البخاري "256" هـ.
14-
الذهلي "258" هـ.
15-
أبو زرعة الرازي "264" هـ.
16-
أبو حاتم الرازي "277" هـ.
17-
ابن أبي حاتم "327" هـ.
18-
ابن جرير "310" هـ.
19-
أبو بكر بن أبي داود "316" هـ.
20-
نصر المقدسي "490" هـ.
21-
القادر بالله "422" هـ.
22-
الهاشمي "428" هـ
23-
الصابوني "449" هـ
24-
الخطيب البغدادي "463" هـ
25-
الزنجاني "471" هـ.
26-
الكلوذاني "510" هـ.
27-
الكرجي "532" هـ.
28-
السلفي "576" هـ.
كما قمت بعمل ترجمة مختصرة لكل واحد منهم أذكرها عند الكلام عن عقيدته، وذلك لبيان منزلته عند أهل العلم.
1-
اعتقاد الإمام أبي حنيفة
أ- أقوال الإمام أبي حنيفة في التوحيد:
أولاً: عقيدته في توحيد الله وبيان التوسل الشرعي وإبطال التوسل البدعي:
قال أبو حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1
…
"2.
2-
قال أبو حنيفة: "يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام"3.
3-
وقال أبو حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك4، أو بحق خلقك"5.
1 سورة الأعراف، الآية 180.
2 الدر المختار مع حاشية رد المحتار "6/ 396- 397".
3 شرح العمدة الطحاوية ص 234، وإتحاف السادة المتقين 2/285، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص 198.
4 كره الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أن يقول الرجل في دعائه: "اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك" لعدم وجود النص في الإذن به، وأما أبو يوسف فقد جوّزه لوقوفه على نص من السنة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من دعائه:"اللهم إني أسألك بمعاقد العزَّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك".. وهذا الحديث أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات الكبيرة كما في البناية 9/382، ونصب الراية "4/272"، وفي إسناده ثلاثة أمور قادحة:
ا- عدم سماع داود بن أبي عاصم لابن مسعود.
2-
عبد الملك بن جريج مدلس ويرسل.
3-
عمر بن هارون متهم بالكذب من أجل ذلك قال ابن الجوزي كما في البناية "9/382"، "هذا حديث موضوع بلا شك وإسناده محبط كما ترى".
انظر تهذيب التهذيب "3/189"، "6/405"، "7/501"، وتقريب التهذيب "1/520".
5 التوسل والوسيلة، ص 82، وانظر شرح الفقه الأكبر ص 198.
ثانياً: قوله في إثبات الصفات والرد على الجهمية:
4-
وقال: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السُّنَّة والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حيُّ قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه"1.
5-
وقال: "وله يد ووجه ونفس، كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس، فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال"2.
6-
وقال: "لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئاً تبارك الله وتعالى رب العالمين"3.
7-
ولما سئل عن النزول الإلهي قال: "ينزل بلا كيف"4.
8-
وقال أبو حنيفة: "والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء"5.
9-
وقال: "وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه"6.
1 الفقه الأبسط ص 56.
2 الفقه الأكبر ص 302.
3 شرح العقيدة الطحاوية "2/427"، تحقيق د. التركي، جلاء العينين ص 368.
4 عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 42، ط دار السلفية، الأسماء والصفات للبيهقي ص 456 د وسكت عليه الكوثري، وشرح العقيدة الطحاوية ص 245، تخريج الألباني، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص 60.
5 الفقه الأبسط ص 51.
6 الفقه الأبسط ص56، وسكت عليه محقق الكتاب الكوثري
10-
وقال: "ولا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته"1.
11-
وقال: "وصفاته بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويسمع لا كسمعنا، ويتكلم لا ككلامنا"2.
12-
وقال: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين"3.
13-
وقال: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر"4.
14-
وقال: "وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة؟ والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته"5.
15-
وقال: "ولم يزل فاعلاً بفعله والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق"6.
16-
وقال: "من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض"7.
1 الفقه الأكبر ص 301.
2 الفقه الأكبر ص 302.
3 الفقه الأبسط ص 56.
4 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 25.
5 الفقه الأكبر ص 301.
6 الفقه الأكبر ص 301.
7 الفقه الأبسط ص 46. نقل نحو هذا اللفظ شيح الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/48) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 139، والذهبي في العلو ص 101- 102، وابن قدامة في العلو ص 116، وابن أبي العزّ في شرح الطحاوية ص 301.
17-
وقال للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده قال: "إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} 1 قال: هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه"2.
18-
وقال كذلك: "يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه"3.
19-
وقال: "إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} 4 قال: هو كما تكتب لرجل إني معك وأنت غائب عنه"5.
25-
وقال: "قد كان متكلماً ولم يكن كلم موسى عليه السلام"6.
21-
وقال: "ومتكلماً بكلامه والكلام صفة في الأزل"7.
22-
وقال: "وتكلم لا ككلامنا"8.
23-
وقال: "وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 9 وقد كان الله تعالى متكلماً ولم يكن كلم موسى عليه السلام"10.
24-
وقال: "والقران كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنزل"11.
1 سورة الحديد، الآية 4.
2 الأسماء والصفات ص 429.
3 الفقه الأبسط ص 56.
4 سورة الحديد، الآية 4.
5 الأسماء والصفات (2/ 170) .
6 الفقه الأكبر ص 302.
7 الفقه الأكبر ص 301.
8 الفقه الأكبر ص 302.
9 سورة النساء، الآية 164.
10 الفقه الأكبر ص 302.
11 الفقه الأكبر ص 301.
25-
وقال: "والقرآن غير مخلوق"1.
ب- أقوال الإمام أبي حنيفة في القدر
1-
جاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة يجادله في القدر فقال له: "ما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس كلما إزداد نظراً إزداد تحيراً"2.
2-
يقول الإمام أبو حنيفة: "وكان الله تعالى عالماً في الأزل بالأشياء قبل كونها"3.
3-
وقال: "يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدوماً، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجوداً ويعلم كيف يكون فناؤه"4.
4-
يقول الإمام أبو حنيفة: "وقدره في اللوح المحفوظ"5.
5-
وقال: "ونقر بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب فقال القلم: ماذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} 6"7.
6-
وقال الإمام أبو حنيفة: "ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته"8.
1 الفقه الأكبر ص 301.
2 قلائد عقود العقيان (ق- 77- ب) .
3 الفقه الأكبر ص 302، 303.
4 الفقه الأكبر ص 302، 303.
5 الفقه الأكبر ص 302.
6 سورة القمر، الآيتان 52- 53.
7 الوصية مع شرحها ص 21.
8 الفقه الأكبر ص 302.
7-
ويقول الإمام أبو حنيفة: "خلق الله الأشياء لا من شيء"1.
8-
وقال: "وكان الله تعالى خالقاً قبل أن يخلق"2.
9-
وقال: "نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقاً فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة"3.
10-
وقال: "جميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره"4.
11-
قال الإمام أبو حنيفة: "وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلاقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره، ومشيئته لا بمحبته ولا برضاه ولا بأمره"5.
12-
وقال: "خلق الله تعالى الخلق سليماً من الكفر والإيمان6 ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له"7.
13-
وقال: "وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر، فجعلهم عقلاء فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر، فأقروا له بالربوبية فكان ذلك منهم إيماناً فهم يولدون على تلك الفطرة، ومن كفر بعد
1 الفقه الأكبر ص 302.
2 الفقه الأكبر ص 304.
3 الوصية مع شرحها ص 14.
4 الفقه الأكبر ص 303.
5 الفقه الأكبر ص 303.
6 الصواب: خلق الله تعالى الخلق على فطرة الإسلام كما سيبينه أبو حنيفة في قوله الآتي.
7 الفقه الأكبر ص 302 – 303.
ذلك فقد بذل وغيّر، ومن آمن وصدّق فقد ثبت عليه وداوم"1.
14-
وقال: "وهو الذي قدّر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، وكتبه في اللوح المحفوظ"2.
15-
وقال: "لم يجبر أحداً من خلقه على الكفر ولا على الإيمان، ولكن خلقهم أشخاصاً والإيمان والكفر فعل العباد، ويعلم تعالى من يكفر في حال كفره كافراً، فإذا آمن بعد ذلك فإذا علمه مؤمناً أحبه من غير أن يتغيّر علمه"3.
ج- أقوال الإمام أبن حنيفة في الإيمان
1-
قال: "والإيمان هو الإقرار والتصديق"4.
2-
وقال: "الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان والإقرار وحده لا يكون إيماناً"5. ونقله الطحاوي عن أبي حنيفة وصاحبه"6.
3-
وقال أبو حنيفة: "والإيمان لا يزيد ولا ينقص"7.
قلت: قوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه وقوله في مسمى الإيمان وأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان.
قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الإمام أبي حنيفة في الإيمان وبين عقيدة سائر أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم والحق معهم، وقول أبي حنيفة مجانب للصواب وهو مأجور في
1 الفقه الأكبر ص 302.
2 الفقه الأكبر ص 302.
3 الفقه الأكبر ص 303.
4 الفقه الأكبر ص 304.
5 كتاب الوصية مع شرحها ص 2.
6 الطحاوية مع شرحها ص 360.
7 كتاب الوصية مع شرحها ص 3.
الحالين، وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العزّ ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن قوله والله أعلم1.
د- أقوال الإمام أبي حنيفة في الصحابة:
1-
قال الإمام أبو حنيفة: "ولا نذكر أحداً من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بخير"2.
2-
وقال: "ولا نتبرأ من أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نوالي أحداً دون أحد"3.
3-
ويقول: "مقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال"4.
4-
وقال: "ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين"5.
- وقال: "أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بذكر جميل"6.
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين
1-
قال الإمام أبو حنيفة: "أصحاب الأهواء في البصرة كثير، ودخلتها عشرين مرة ونيفاً وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظاناً أن علم
1 التمهيد لابن عبد البر (9/247) ، شرح العقيدة الطحاوية ص 395.
2 الفقه الأكبر ص 304.
3 الفقه الأبسط ص 40.
4 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 76.
5 الوصية مع شرحها 14.
6 كما في النور اللامع (ق 119- ب) عنه.
الكلام أجل العلوم"1.
2-
وقال: "كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغاً يشار إليّ فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة فقالت: رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟.
فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حماداً ثم ترجع فتخبرني فسألت حماداً فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلّت للأزواج، فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام وأخذت نعلي فجلست إلى حماد"2.
3-
وقال: " لعن الله عمرو بن عبيد فإنه أحدث للناس الطريق إلى الكلام فيما لا ينفعهم في الكلام"3.
وسأله رجل وقال: "ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: "مقالات الفلاسفة عليك بالأثر وطريق السلف، وإيّاك وكل محدثة فإنها بدعة"4.
4-
قال حماد ابن أبي حنيفة: "دخل عليّ أبي- رحمه الله يوماً وعندي جماعة من أصحاب الكلام ونحن نتناظر في باب، قد علت أصواتنا فلما سمعت حسَّه في الدار خرجت إليه فقال لي يا حماد من عندك؟ قلت: فلان وفلان وفلان، سمَّيتُ من كان عندي، قال: وفيم أنتم؟ قلت: في باب كذا وكذا، فقال لي: يا حماد دع الكلام- قال: ولم أعهد أبي صاحب تخليط ولا ممن يأمر بالشيء ثم ينهي
1 مناقب أب حنيفة للكردي ص 137.
2 تاريخ بغداد 13/333.
3 ذم الكلام للهروي ص 28-31.
4 ذم الكلام للهروي (194/ ب) .
عنه. فقلت له: يا أبت ألست كنت تأمرني به، قال: بلى يا بني وأنا اليوم أنهاك عنه، قلت: ولم ذاك، فقال: يا بني إن هؤلاء المختلفين في أبواب من الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم فألقى بينهم العداوة والاختلاف فتباينوا...." 1.
5-
وقال أبو حنيفة لأبي يوسف: "إيّاك أن تكلم العامة في أصول الدين من الكلام فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك"2.
هذه طائفة من أقواله- رحمه الله وما يعتقده في مسائل أصول الدين وموقفه من الكلام والمتكلمين.
1 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 183-184.
2 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 373.
2-
اعتقاد أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي1-2 المتوفى 157هـ
قال اللالكائي أخبرنا الحسن بن عثمان قال أخبرنا أحمد بن حمدان قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحاق قال: سألت الأوزاعي فقال: اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم.
وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة- القول بخلق القرآن- بعدما ردها عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام واستحلتها ألسنتهم (وأصابهم) ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيه.
ولو كان هذا خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم فإنه لم يدخر عنهم خير خبىء لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم وبعثه فيهم ووصفهم (بما وصفهم) به فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29] .
1 أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه كان رأساً في العلم والعمل جم المناقب. قال إسماعيل بن عباس: سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. وقال عبد الله الخريبي: أفضل أهل زمانه. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهاداً في العبادة من الأوزاعي، وفي تهذيب النووي عن عبد الرحمن بن مهدي قاد: الأئمة في الحديث أربعة الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد، ولد سنة ثمان وثمانين كما قال ابن ناصر الدين وتوفي رحمه الله سنة سبع وخمسين ومائة. شذرات الذهب 1/241، 42.
2 شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 2/174.
3-
اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه1 المتوفى سنة 161
قال اللالكائي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال حدثنا أبو الفضل شعيب بن محمد بن الراجيان قال حدثنا علي بن حرب الموصلي- بسر من رأي سنة سبع وخمسين ومائتين- قال سمعت شعيب بن حرب يقول: قلت لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه فقال لي من أين أخذت هذا؟ قلت يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري وأخذته عنه فأنجو أنا وتؤاخذ أنت.
فقال يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر.
والإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ولا يجوز القول إلا بالعمل ولا يجوز القول والعمل إلا بالنية ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة.
قال شعيب:
فقلت له يا أبا عبد الله وما موافقة السنة؟
قال: تقدمة الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
1 أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً قال عنه أحمد بن حنبل: لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرها: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال يحيى القطان: ما رأيت أحفظ من الثوري، وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره، مات رحمه الله بالبصرة عام 161هـ وله ست وستون سنة، شذرات الذهب 1/250.
يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى تقدم عثماناً وعلياً على من بعدهما.
يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم من قريش.
يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك.
يا شعيب بن حرب: ولا ينفعك ما كتبت حتى يكون إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أفضل عندك من أن تجهر بهما.
يا شعيب بن حرب: لا ينفعك الذي كتبت حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره كل من عند الله عز وجل.
يا شعيب بن حرب: والله ما قالت القدرية ما قال الله ولا ما قالت الملائكة ولا ما قالت النبيون (ولا ما قال أهل الجنة) ولا ما قال أهل النار ولا ما قال أخوهم إبليس لعنه الله.
قال الله عز وجل {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] . وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] . وقال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] .
وقال نوح عليه السلام: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] .
وقال شعيب عليه السلام:
{وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [الأعراف: 89] .
وقال أهل الجنة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] .
وقال أهل النار:
{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون: 106] .
وقال أخوهم إبليس لعنه الله:
{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] .
يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى ترى: الصلاة خلف كل بر وفاجر. والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل.
قال شعيب: فقلت لسفيان يا أبا عبد الله: الصلاة كلها؟
قال: لا. ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة.
يا شعيب بن حرب: إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فسألك عن هذا الحديث فقل: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان بن سعيد الثوري ثم خل بيني وبين ربي عز وجل.
4-
اعتقاد الإمام مالك بن أنس (179) هـ
أ- قوله في التوحيد:
(1)
أخرج الهروي عن الشافعي قال: سُئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال مالك:"محال أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم، أنه علَّم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" 1 فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد"2.
(2)
وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: "سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت"3.
(3)
وقال ابن عبد البر: "سُئل مالك أيُرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم. يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 4. وقال لقوم آخرين: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 5.6
وأورد القاضي عياض في ترتيب المدارك7 عن ابن
1 أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة (3/ 262) ح (1399) ، ومسلم كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/5) ح (32) ، والنسائي كتاب الزكاة باب مانع الزكاة (5/14) ح (2443) ، جميعهم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود كتاب الجهاد باب على ما يقاتل المشركون (3/101) ح (2640) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
2 ذم الكلام (ق- 210) .
3 أخرج هذا الأثر الدارقطني في الصفات ص 75، والآجري في الشريعة ص 314، والبيهقي في الاعتقاد ص 118، وابن عبد البر في التمهيد (7/149) .
4 سورة القيامة، الآية 22.
5 سورة المطففين، الآية 15.
6 الانتقاء ص 36.
(2/42) .
نافع1 وأشهب2 قالا: وأحدهم يزيد على الآخر يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين؛ فقلت له: فإن قوماً يقولون لا ينظر إلى الله، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب قال: كذبوا بل ينظر إلى الله، أما سمعت قول موسى عليه السلام:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 3 أفترى موسى سأل ربه محالاً؟ فقال الله: {لَنْ تَرَانِي} 4 أي في الدنيا لأنها دار فناء، ولا ينظر ما يبقى بما يفنى، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله:{كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 5.
وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال: "كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟
فما وجد6 مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء -يعني العرق- ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه
1 الذي يروي عن الإمام مالك باسم ابن نافع رجلان، أما الأول فهو عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري أبو بكر المدني قال عنه ابن حجر:"صدوق مات سنة 216 هـ "، وأما الثاني فهو عبد الله بن نافع بن أبي نافع المخزومي مولاهم أبو محمد المدني قال عنه ابن حجر:"ثقة صحيح الكتاب في حفظه ليّن مات سنة 206 هـ وقيل بعدها"، تقريب التهذيب (1/ 445-456) ، وتهذيب التهذيب (6/50-51) .
2 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة فقيه مات سنة 204هـ"، تقريب التهذيب (1/80) ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/359) .
3 سورة الأعراف، الآية 143.
4 سورة الأعراف، الآية 143.
5 سورة المطففين، الآية 15.
6 جاء في لسان العرب (3/446)(وجد عليه في الغضب يجد ويجد وجداً مَوْجِدَة ووجداناً غضب وفي حديث الإيمان أفي سائلك فلا تجد علي، أي لا تغضب من سؤالي) .
غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج"1.
(5)
وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال: "كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟
فقال مالك: زنديق2 فاقتلوه، فقال: يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاماً سمعته، فقال: لم أسمعه من أحد إنما سمعته منك، وعظم هذا القول"3.
(6)
واخرج ابن عبد البر عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يتوب"4.
(7)
وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال: "قال مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان"5.
1 الحلية (6/ 325، 326) وأخرجه أيضاً الصابوني في عقدة السلف أصحاب الحديث ص 17- 18، من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك وابن عبد البر ني التمهيد (7/151) من طريق عبد الله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص 408. من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ بن حجر في الفتح (13/406، 407) إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو ص 103.
2 الزنديق: كلمة معربة عن الفارسية استعملها المسلمون أولاً في الدلالة على القائلين بالأصلين النور والظلمة على مذهب المانوية وغيرهم ثم اتسع معناها عندهم فشمل الدهريين والملحدين وسائر أصحاب المعتقدات الضالة بل أطلق على المتشككين وكل متحرر عن أحكام الدين فكراً وعملاً.
انظر الموسوعة الميسرة (1/929) وتاريخ الإلحاد لعبد الرحمن بدوي ص 14-32.
3 الحلية (6/ 325) وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/249) من طريق أبي محمد يحيى بن خلف عن مالك، وأورده القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/44) .
4 الانتقاء ص 35.
5 رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 263، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ص11، الطبعة القديمة، وابن عبد البر في التمهيد (7/138) .
ب- قوله في القدر:
(1)
أخرج أبو نعيم عن ابن وهب1 قال: "سمعت مالكاً يقول لرجل سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم، قال: إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 2.
فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى"3.
(2)
وقال القاضي عياض: "سُئل الإمام مالك عن القدرية مَن هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسُئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا"4.
(3)
وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: رأي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا- يعني القدرية-"5.
(4)
وقال ابن عبد البر: "قال مالك: ما رأيت أحداً من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة"6.
(5)
وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: "سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 7
…
"8.
1 هو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم المصري قال عنه ابن حجر: "الفقيه ثقة حافظ عابد مات سنة 197هـ"، تقريب التهذيب (1/460) .
2 سورة السجدة، الآية 13.
3 الحلية (6/326) .
4 ترتيب المدارك (2/48) ، وأنظر شرح أصول اعتقاد أهل السُّنّة والجماعة (2/701) .
5 السنة لابن أبي عاصم (1/ 87، 88) وأخرجه أيضاً أبر نعيم في الحلية (6/326) .
6 الانتفاء ص 34.
7 سورة البقرة، الآية 221.
8 السُّنّة لابن أبي عاصم (1/88) الحلية (6/326)
(6)
وقال القاضي عياض: قال مالك: لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو1، ولا الخارجي والرافضي"2.
(7)
وقال القاضي عياض: "سُئل مالك عن أهل القدر أنكف عن كلامهم؟ قال: نعم إذا كان عارفاً بما هو عليه، وفي رواية أخرى قال: لا يصلي خلفهم ولا يقبل عنهم الحديث وإن وافيتموهم في ثغر فأخرجوهم منه"3.
جـ- قوله في الإيمان:
(1)
أخرج ابن عبد البر عن عبد الرزاق بن همام قال: "سمعت ابن جريج4 وسفيان الثوري ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"5.
(2)
وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل"6.
(3)
وأخرج ابن عبد البر عن أشهب بن عبد العزيز قال: "قال مالك: فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم أُمروا بالبيت الحرام فقال الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 7 أي صلاتكم إلى بيت المقدس، قال مالك: وإني لأذكر بهذه قول المرجئه:
1 يدعو إلى بدعته.
2 ترتيب المدارك (2/47) .
3 ترتيب المدارك (2/47) .
4 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي، قال عنه الذهبي:"الإمام الحافظ فقيه الحرم أبو الوليد" مات سنة 150هـ، تذكرة الحفاظ (1/169) ، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (10/400) .
5 الانتقاء ص 34.
6 الحلية (6/327) .
7 سورة البقرة، الآية 143.
إن الصلاة ليست من الإيمان"1.
د- قوله في الصحابة:
(1)
أخرج أبو نعيم عن عبد الله العنبري2 قال: "قال مالك بن أنس: من تَنَقَّصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه عليهم غِل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 3. فمن تَنَقَّصهم أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق"4.
(2)
وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير5 قال: "كنا عند مالك - فذكروا رجلاً يَتَنَقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} 6. فقال مالك: "من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته الآية"7.
1 الانتقاء ص 34.
2 هو عبد الله بن سوار بن عبد الله العنبري البصري القاضي، قال عنه ابن حجر:"ثقة مات سنة 228 هـ" وقيل غير ذلك. تقريب التهذيب (1/421) ، وتهذيب التهذيب (5/348) .
3 سورة الحشر، الآية 10.
4 الحلية (6/327) .
5 الذي تتلمذ على مالك وسمع منه من ولد الزيير بن العوام هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وقد تقدم التعريف به، ومصعب بن عبد الله بن مصعب، وسيأتي التعريف به.
6 سورة الفتح، الآية 29.
7 الحلية (6/327) .
(3)
وأورد القاضي عياض عن أشهب بن عبد العزيز قال: "كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه: يا أبا عبد الله فأشرف له مالك، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه، فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله، إذا قدمت عليه فسألني، قلت له: مالك قال لي.
- فقال له: قل.
- فقال: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
- قال: أبو بكر، قال العلوي: ثم مَن؟ قال مالك: ثم عمر. قال العلوي: ثم مَن؟ قال: الخليفة المقتول ظلماً، عثمان قال العلوي: والله لا أجالسك أبداً.
- قال له مالك: فالخيار إليك"1.
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
(1)
أخرج ابن عبد البر عن مصعب بن عبد الله الزبيري2 قال: "كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أحَبُّ إليَّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل"3.
(2)
وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: "سمعت مالكاً يقول: لو
1 ترتيب المدارك (2- 44- 45) .
2 هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المدني نزيل بغداد قال عنه ابن حجر: "صدوق عالم بالنسب مات سنة 236 هـ"، تقريب التهذيب (2/252) ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 162) .
3 جامع بيان العلم وفضله ص 415، ط/ دار الكتب الإسلامية.
أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعد ألا يشرك بالله ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع- وذكر كلاماً- دخل الجنة"1.
(3)
وأخرج الهروي عن إسحاق بن عيسى2 قال: "قال مالك: من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب"3.
(4)
وأخرج الخطيب عن إسحاق بن عيسى قال: "سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم"4.
(5)
وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "دخلت على مالك - وعنده رجل يسأله فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام، ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع "5.
(6)
وأخرج الهروي عن أشهب بن عبد العزيز قال: "سمعت مالكاً يقول: إيّاكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلّمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"6.
(7)
وأخرج أبو نعيم عن الشافعي قال: "كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بيّنة من ربي وديني، وأما أنت
1 الحلية (6/325) .
2 هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي قال عنه ابن حجر: "صدوق مات سنة 214 هـ" تقريب التهذيب (1/ 60) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/245) .
3 ذم الكلام (ق 173- أ) .
4 شرف أصحاب الحديث ص 5.
5 ذم الكلام (ق 173- ب) .
6 ذم الكلام (ق-173- أ) .
فشاكٌّ فاذهب إلى شاكٍّ فخاصمه"1.
(8)
روى ابن عبد البر عن محمد بن أحمد بن خويز منداد المصري المالكي قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف: قال مالك لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتباً ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ إجارة في ذلك"2.
فهذه لمحات من موقف الإمام مالك وأقواله في التوحيد والصحابة والإيمان وعِلم الكلام وغيره.
1 الحلية (6/324) .
2 جامع بيان العلم وفضله ص 416، 417 ط/ دار الكتب الإسلامية.
5-
اعتقاد عبد الله بن المبارك1 المتوفى سنة 181 هـ
قال ابن المبارك2 رحمه الله: أدركت الناس بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وبمصر وخراسان، فأدركتهم مجتمعين على السنة والجماعة، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وفوض الأمر إلى الله عز وجل، وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، الخير والشر والكفر والإيمان، وعرف حق السلف الماضين، الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقدم أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين وترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرهم وصغيرهم، وحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم، وصلى العيدين وعرفات والجماعات، مع كل إمام بر أو فاجر، والقرآن كلام الله وتنزيله، ليس بمخلوق، والإيمان قول وعمل ونية مع إصابة السنة، والإيمان يزيد وينقص بالقلب والجوارح، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة يقاتلون الدجال لا يضر جور جائر، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والحوض، والشفاعة، والميزان، أهل الجنة يرون ربهم عز رجل، وما أتت به الأنبياء والرسل عليهم السلام نؤمن بها، ولا نضرب لها الأمثال، وأن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله عز وجل، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وترك الرأي والقياس، فهذا الذي أدركت عليه علماءنا القدماء، يرزقنا الله- وإياكم- الاستقامة واللحوق بالصالحين.
وقال رحمه الله تعالى: "
…
إنا لنحكى كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية".
1 هو الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي، سمع هشام بن عروة وحميد الطويل قال أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، وقال شعبة ما قدم علينا مثله، وقال ابن ناصر الدين: الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأنام ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة حدث عنه ابن معين وابن منيع وأحمد بن حنبل وغيرهم، وقال الفضيل بن عياض: ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك، توفي في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، شذرات الذهب 1/ 295، 297.
2 مختصر الحجه في بيان المحجة
6-
اعتقاد سفيان بن عيينه رضي الله عنه1 المتوفى سنة 118هـ
قال اللالكائي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن التوجي قال حدثنا محمد بن إسحاق بن عباد التمار قال حدثنا عبد العزيز بن معاوية قال حدثنا محمد بن عبد الجبار السلمي قال حدثنا بكر بن الفرج أبو العلا قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ومن ترك (منها) فقد ترك السنة:
إثبات القدر. وتقديم أبي بكر وعمر. والحوض. والشفاعة. والميزان والصراط.
والإيمان: قول وعمل، والقرآن: كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم.
ولما اطلع رحمه الله "على مقالة المريسي في كتابه الذي ألفه في التعطيل والقول بخلق القرآن؟ قال رحمه الله تعالى: "ما أشبه هذا الكلام بكلام النصارى؟!؟ "2.
1 أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي الحافظ نزيل مكة قال الشافعي رحمه الله: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز. وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة. حج رحمه الله سبعين حجة. سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار، وروى عن الأعمش وابن جريج وشعبة وهم من شيوخه والشافعي وابن المبارك وأحمد وخلق، توفي رحمه الله في أول رجب سنة ثمان وتسعين ومائة. شذرات الذهب 1/ 354، 355.
2 انظر شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام 65.
7-
اعتقاد الإمام الشافعي (204) هـ
أ- قوله في التوحيد:
(1)
أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: "قال الشافعي: من حلف بالله أو باسم من أسمائه فحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بشيء غير الله مثل أن يقول الرجل والكعبة وأبي وكذا وكذا ما كان، فحنث فلا كفارة عليه، ومثل ذلك قوله لعمري.. لا كفارة عليه ويمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت" 1..2.
وعلّل الشافعي لذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة، فمن حلف باسم الله فحنث فعليه الكفارة3.
(2)
وأورد ابن القيَّم في اجتماع الجيوش عن الشافعي أنه قال: "القول في السُّنّة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء"4.
(3)
وأورد الذهبي عن المزني قال: "قلت"إن كان أحد يخرج ما في
1 أخرجه البخاري كتاب الإيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم (11/ 530) ، ومسلم كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله (3/1266) ح (1646) .
2 مناقب الشافعي (1/ 405) .
3 رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص 193، وأبو نعيم في الحلية (9/112، 113) ، والبيهقي في السُّنن الكبرى (10/28) ، وفي الأسماء والصفات ص 255، 256، وذكره البغوي في شرح السُّنّة (1/188) ، وانظر العلو ص121، ومختصره ص 77.
4 اجتماع الجيوش الإسلامية ص 165، إثبات صفة العلو ص 124، وانظر مجموع الفتاوى (4/181-183) ، والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص 176.
ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي؛ فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوتُ بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبَلَغَكَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا. قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجماً في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مِمَّ خُلق؟ قلت: لا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شيء منه فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 1. فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك"2.
(4)
وأخرج ابن عبد البر عن يونس بن عبد الأعلى3 قال: "سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى أو الشيء غير الشيء فاشهد عليه بالزندقة"4.
(5)
وقال الشافعي في كتابه الرسالة: " الحمد لله.. الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه"5.
1 سورة البقرة، الآيتان 163، 164.
2 سير أعلام النبلاء (10/31) .
3 هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي الصمري قال عنه ابن حجر: "ثقة من صغار العاشرة مات سنة 264 هـ"، تقريب التهذيب (2/385) ، وانظر ترجمته في شذرات الذهب (2/149) ، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 28.
4 الانتقاء ص 79، ومجموع الفتاوى (6/187) .
5 الرسالة ص 7، 8.
06) وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال: "نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 "2.
(7)
وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 3 أعلمنا بذلك أن ثم قوماً غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته"4.
(8)
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال: "حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال الشافعي: فلما أن حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلاً على أنهم يرونه في الرضا قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم وبه أدين الله"5.
وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي6 قال: "ذكر عند الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن عليه7 فقال: أنا مخالف له في كل شيء وفي قول لا إله إلا الله لست أقول كما يقول أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلّم موسى عليه السلام تكليماً من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله
1 سورة الشورى، الآية 11.
2 السير (20/341) .
3 سورة المطففين، الآية 15.
4 الانتقاء ص 79.
5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2 /506) .
6 لعله موسى بن أي الجارود قال عنه النووي: "أحد أصحاب الشافعي والآخذين عنه والرواة عنه"، وقال ابن هبة الله:"كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي ولا يعلم تاريخ وفاته" تهذيب الأسماء واللغات (2/120) ، وطبقات الشافعي لابن هداية الله ص 29.
7 هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية قال عنه الذهبي: "جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة 218هـ" ميزان الاعتدال (1/20) ، وانظر ترجمته في لسان الميزان (1/34، 35) .
الذي خلق كلاماً أسمعه موسى من وراء حجاب"1.
(10)
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان، قال الشافعي:"من قال القرآن مخلوق فهو كافر"2.
(11)
وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشافعي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تقر بأن القرآن كلام الله، قال: نعم. قال الشافعي: سبقت في هذه الكلمة قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ} 3 {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 4. قال الشافعي: فتقر بأن الله كان وكان كلامه؟ أو كان الله ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله وكان كلامه.
قال: فتبسم الشافعي وقال: يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام: إن الكلام الله، أو سوى الله، أو غير الله، أو دون الله؟ قال: فسكت الرجل وخرج"5.
(12)
وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي- من رواية أبي طالب العشاري6- ما نصه قال: وقد سُئل عن صفات الله عز وجل وما
1 الانتقاء ص 79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، اللسان (1/ 35) .
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 252) .
3 سورة التوبة، الآية 6.
4 سورة النساء، الآية 164.
5 مناقب الشافعي (1/ 407، 408) .
6 هو محمد بن علي العشاري شيخ صدوق معروف، وقد تفرد برواية هذا الجزء وهو مما أدخل عليه فحدث به بسلامة باطن قاله الذهبي في الميزان (3/ 656) ، لكن اعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق بن قدامة في كتاب صفة العلو ص 124، وابن أبي يعلى في الطبقات (1/283) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش ص165، والذهبي نفسه في السير (10/79) ، ثم إن هذه الرسالة التي سأنقلها بنصها قد قرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي ونقلها جميعها ابن أبي يعلى في الطبقات وسأثبت الفروق بينهما.
ينبغي أن يؤمن به، فقال: الله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، أمته لا يسع1 أحداً من خلق الله عز وجل قامت لديه2 الحجة إن القرآن نزل به وصحيح عنده3 قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عنه العدل خلافه4 فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله5 عز وجل، فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية6 والفكر ونحو ذلك أخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} 7 وأن له يميناً بقوله عز وجل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 8، وأن له وجهاً بقوله عز وجل:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} 9 وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 10 وأن له قدماً بقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه" 11 يعني جهنم لقوله صلى الله عليه وسلم، للذي قتل في سبيل
1 في الطبقات: (لا يسمع) .
2 في الطبقات: (عليه) .
3 في الطبقات: (عنه بقوله) .
4 في الطبقات: (سقطت كلمة خلافة) .
5 في الطبقات: (فهو بالله كافر) .
6 في الطبقات: (ولا بالرواية) .
7 سورة المائدة، الآية 64.
8 سورة الزمر، الآية 67.
9 سورة القصص، الآية 88.
10 سورة الرحمن، الآية 27.
11 أخرجه البخاري كتاب التفسير باب: "وتقول هل من مزيدا"(8/ 594) ح (4848) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2187) ح (2848) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
الله عز وجل أنه: "لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه" 1 وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال فقال:"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" 2 وإن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له أصبعاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل"3.
وإن4 هذه المعاني التي وصف الله عز وجل بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يدرك5 حقه6 ذلك بالفكر والدراية7 ولا يكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه وإن8 كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع "وجبت الدينونة"9 على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
1 أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب الكبائر يقتل المسلم (6/ 39) ح (2826) ، ومسلم كتاب الإمارة باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة (3/ 1504) ح (1890) كلاهما من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
2 أخرجه البخاري كتاب الفتن باب ذكر الدجال (13/91) ح (7131) ، ومسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته (4/2248) ح (2933) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
3 أخرجه بنحو هذا اللفظ أحمد في المسند (4/182)، وابن ماجه في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية (1/72) ح (199) والحاكم في المستدرك (1/525) ، والآجري في الشريعة ص (317) وابن منده في الرد على الجهمية ص87، جميعهم من حديث النواس بن سمعان قال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في التلخيص، وقال عنه ابن منده:"حديث النواس بن سمعان حديث ثابت رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم".
4 في الطبقات: (فإن) .
5 في الطبقات: (مما لا يدرك) .
6 في الطبقات: (حقيقته) .
7 في الطبقات: (والروية) .
8 في الطبقات: (فإن كان) .
9 ما بين القوسين مثبت من الطبقات.
ولكن نثبت1 هذه الصفات وننفي2 التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3
…
" 4 آخر الاعتقاد.
ب- قوله في القدر:
(1)
أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان، قال: "سئل الشافعي عن القدر فقال:
ما شئت كان وإن لم أشأ
…
وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت
…
ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت
…
وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد
…
ومنهم قبيح ومنهم حسن5
(2)
أورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال: "إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى ولا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين، فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وإن القدر خيره وشره من الله عز وجل، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار حق، وغير ذلك مما جاءت من السنن"6.
(3)
وأخرج اللالكائي عن المزني قال: "قال الشافعي: تدري ما القدري؟ الذي يقول إن الله لم يخلق الشيء حتى عمل به"7.
1 في الطبقات: (يثبت) .
2 في الطبقات: (وينفي) .
3 سورة الشورى، الآية 11.
4 نقلت هذا الاعتقاد من نسخة مصورة من أصل خطي محفوظ في المكتبة المركزية بجامعة ليدن بهولندا.
5 مناقب الشافعي (1/412، 413) ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 777) .
6 مناقب الشافعي (1/ 415) .
7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 776) .
(4)
وأورد البيهقي عن الشافعي أنه قال: "القدرية الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم مجوس هذه الأمة" 1 الذين يقولون إن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون2.
(5)
وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة خلف القدري3.
جـ- قوله في الإيمان:
(1)
أخرج ابن عبد البر عن الربيع قال: "سمعت الشافعي يقول: "الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب، ألا ترى قول الله عز وجل:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 4، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيماناً وهي قول وعمل وعقد"5.
(2)
وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"6.
(3)
وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يقبل عملاً إلا به، قال: وما ذاك؟ قال الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظاً. قال الرجل ألا تخبرني عن الإيمان: قول وعمل، أو قول بلا عمل؟ قال الشافعي: الإيمان عمل
1 أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في القدر (5/ 66) ح (4691) والحاكم في المستدرك (1/85) ، كلاهما من طريق أبي حازم عن ابن عمر، قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
2 مناقب الشافعي (1/413) .
3 مناقب الشافعي (1/413) .
4 سورة البقرة، الآية 143.
5 الانتقاء ص 81.
6 مناقب الشافعي (1/387) .
لله والقول بعض ذلك ألعمل، قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه، قال الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه، والناقص البين نقصانه، والراجح الزائد رجحانه؛ قال الرجل: وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد؟ قال الشافعي: نعم، قال: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسّمه فيها، وفرّقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى:
فمنها: قلبه الذي يعقل به، ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره.
ومنها: عيناه اللتان ينظر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباهُ من قبله، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه.
فرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.
فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله. {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} 1 وقال:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 2 وقال:
1 سورة النحل، الآية 106.
2 سورة الرعد، الآية 28.
{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} 1 وقال: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 2 فذلك ما فرض الله على القلب من إيمان، وهو عمله، وهو رأس الإيمان.
"وفرض {الله} على اللسان: القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقرّ به، فقال في ذلك:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} 3. وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} 4 فذلك ما فرض الله على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان.
وفرض الله على (السمع) : أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم الله، وأن يُغض عما نهى الله عنه، فقال في ذلك:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} 5 ثم استثنى موضع النسيان، فقال جلَّ وعزَّ:{وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: فقعدت معهم {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 6 وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} 7 وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} 8 وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} 9 وقال:
1 سورة المائدة، الآية 41.
2 سورة البقرة، الآية 284.
3 سورة البقرة، الآية 136.
4 سورة البقرة، الآية 83.
5 سورة النساء، الآية 140.
6 سورة الأنعام، الآية 68.
7 سورة الزمر، الآيتان 17، 18.
8 سورة المؤمنون، الآيات من 1-4.
9 سورة القصص، الآية 55.
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} 1 فذلك ما فرض الله، جلَّ ذكره، على السمع من التنزيه عمّا لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.،
و"فرض على العينين": ألا ينظر بهما إلى ما حرَّم الله، وأن يغضهماة عمّا نهاه عنه، فقال تبارك وتعالى، في ذلك:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} 2 الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه.
وقال: كل شيء من حفظ الفرج، في كتاب الله، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر.
فذلك ما فرض الله على العينين من غضّ البصر، وهو عملها، وهو من الإيمان.
ثم أخبر عمّا فرض على القلب والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال، سبحانه وتعالى، في ذلك:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} 3 قال: يعني وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرّم الله عليه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 4 وقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} 5 الآية يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عمّا لا يحل له، وهو عملها.
"وفرض على اليدين": ألا يبطش بهما إلى ما حرَّم الله تعالى، وأن يبطش بهما، إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل
1 سورة الفرقان، الآية 72.
2 سورة النور، الآيتان 30، 31.
3 سورة الإسراء، الآية 36.
4 سورة المؤمنون، الآية 5.
5 سورة فصلت، الآية 22.
الله، والطهور للصلوات، فقال في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 1 إلى آخر الآية، وقال:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 2 لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.
"وفرض على الرجلين ": ألا يمشي بهما إلى ما حرّم الله، جل ذكره، فقال في ذلك:{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} 3.
"وفرض على الوجه": السجود لله بالليل والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 4 وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 5 يعني بالمساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته، من الجبهة وغيرها.
قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح.
وسمّى الطهور والصلوات إيماناً في كتابه، وذلك حين صرف الله، تعالى، وجه نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة. وكان المسلمون قد صلّوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا؟
1 سورة المائدة، الآية 6.
2 سورة محمد، الآية 4.
3 سورة الإسراء، الآية 37.
4 سورة الحج، الآية 77.
5 سورة الجن، الآية 18.
فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1 فسمّى الصلاة إيماناً، فمن لقي الله حافظاً لصلواته، حافظاً لجوارحه، مؤدياً بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها -لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركاً متعمداً مما أمر الله به- لقي الله ناقص الإيمان. قال: وقد عرفت نقصانه وإتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟
قال الشافعي قال الله، جل ذكره:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} 2. وقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 3.
قال الشافعي: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة،، وبالنقصان من الإيمان دخل المُفرِّطون النار.
قال الشافعي: إن الله، جل وعز، سابق بين عباده كما سُوبق بين الخيل يوم الرهان. ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل امرىء على درجة سبقه، لا ينقصه فيها حقه، ولا يُقدّم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل. وبذلك فضل أول هذه الأمة على آخرها. ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه- للحق آخر هذه الأمة بأولها"4.
1 سورة البقرة، الآية 143.
2 سورة التوبة، الآيتان 124، 125.
3 سورة الكهف، الآية 13.
4 مناقب الشافعي (1/387-393) .
د- قوله في الصحابة:
(1)
أورد البيهقي عن الشافعي أنه قال: "أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله، وهنأهم بما أتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، فهم أدوا إلينا سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سُنَّته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم"1.
(2)
وأخرج البيهقي عن ربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في التفضيل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"2.
(3)
وأخرج البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم3 قال: "سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي- رضي الله عنهم"4.
(4)
وأخرج الهروي عن يوسف بن يحيى البويطي قال: "سألت الشافعي أأصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجىء، قلت: صفهم لنا، قال: من قال: الإيمان قول فهو
1 مناقب الشافعي (1/442) .
2 مناقب الشافعي (1/432) .
3 هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري أبو عبد الله، قال عنه الشيرازي:"صحب الشافعي وتفقه به وحمل في المحنة إلى بغداد إلى ابن أبي داود ولم يجب إلى ما طلب منه ورد إلى مصر.. مات في سنة اثنتين وستين ومائتين" طبقات الفقهاء ص 99 وانظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن هداية الله ص30 وشذرات الذهب (2/ 154) .
4 مناقب الشافعي (1/433) .
مرجىء، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري"1.
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
(1)
أخرج الهرري عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول:
…
لو أن رجلاً أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم"2.
(2)
وأخرج الهروي عن الحسن الزعفراني قال: "سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحداً في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك"3.
(3)
وأخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال: "قال الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتاباً كبيراً لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إليّ منه شيء"4.
() وأخرج ابن بطة عن أبي ثور قال: "قال لي الشافعي: ما رأيت أحداً ارتدى شيئاً من الكلام فأفلح"5.
(5)
وأخرج الهروي عن يونس المصري قال: "قال الشافعي: لأن يبتلي الله المرء بكل ما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه بالكلام"6.
فهذه أقوال الإمام الشافعي- رحمه الله في مسائل أصول الدين، وهذا موقفه من علم الكلام.
1 ذم الكلام (ق-215) وأورده الذهبي في السير (10/31) .
2 ذم الكلام (ق-213) وأورده الذهبي في السير (10/30) .
3 ذم الكلام (ق-213) وأورده الذهبي في السير (10/30) .
4 ذم الكلام (ق-215) .
5 الإبانة الكبرى ص 535، 536.
6 مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص 182.
8-
اعتقاد أبي بكر عبد الله الحميدي1 المتوفى سنة 219 هـ
قال بشر بن موسى: حدثنا الحميدي قال:
1-
السنة: أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ذلك كله فضل من الله عز وجل.
2-
وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة.
3-
والترحم على أصحاب محمد كلهم، فإن الله عز وجل قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} [الحشر: 10] ، فلم يؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن يسبهم أو ينقصهم أو أحداً منهم، فليس على السنة، وليس له في الفيء حق.
أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: قسم الله تعالى الفيء فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [الحشر:10] ، الآية، فـ (من) لم يقل هذا لهم، فليس ممن له الفيء.
1 الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي. روى عن الفضيل بن عياض وطبقته وكان إماماً حجة. قال أحمد بن حنبل: الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماماً أو كلاماً هذا معناه. وصحب الحميدي الشافعي ووالاه وقال ابن ناصر الدين: حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة. توفي رحمه الله سنة تسع عشرة ومائتين. شذرات الذهب 2/ 45، 46.
4-
والقرآن كلام الله:
سمعت سفيان يقول: القرآن كلام الله، ومن قال (مخلوق) فهو مبتدع، لم نسمع أحداً يقول هذا.
5-
وسمعت سفيان يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص. فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، لا تقل: ينقص. فغضب، وقال: اسكت يا صبي، بلى، حتى لا يبقى منه شيء.
6-
والإقرار بالرؤية بعد الموت.
7-
وما نطق به القرآن والحديث، مثل:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 164]، مثل:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا نزيد فيه ولا نفسره.
نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة.
8-
ونقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي.
9-
وأن لا نقول كما قالت الخوارج: "من أصاب كبيرة فقد كفر".
10-
ولا نكفر بشيء من الذنوب، إنما الكفر في ترك الخمس، التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت".
فأما ثلاث منها فلا يناظر تاركها: من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم، لأنه لا يؤخر من هذا شيء عن وقته، ولا يجزىء من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته.
فأما الزكاة، فمتى ما أداها، أجزأت عنه، وكان آثماً في الحبس.
وأما الحج، فمتى وجب عليه، ووجد السبيل إليه، وجب عليه، ولا يجب عليه في عامه ذلك، حتى لا يكون له منه بُد، متى أداه، كان مؤدياً،
ولم يكن آثماً في تأخره إذا أداه، كما كان آثماً في الزكاة؛ لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين، حبسه عليهم، فكان آثماً حتى وصل إليهم. وأما الحج، فكان فيما بينه وبين ربه، إذا أداه، فقد أدى، وإن هو مات، وهو واجد مستطيع، ولم يحج، سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجوا أن يكون ذلك مؤدياً عنه، كما لو كان عليه دين فقضى عنه بعد موته1.
1 أصول السنة المطبوعة في آخر سنن الحميدي 2/546-548.
9-
اعتقاد بشر بن الحارث المتوفى سنة 227
قال أبو حفص عمر بن ياسر العطار: وأخرج صحيفة يزعم أنها بخط بشر بن الحارث1 رضي الله عنه دفعها إليهم، وقال تحفظوه، وتعلموه، فلتع أصل الإيمان، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإقرار بما جاءت به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعقد قلبه على ما ظهر من لسانه، ولم يشك في إيمانه، ولم يكفر أحد أحداً من أهل التوحيد بذنب، وأرجأ ما غاب من الأمور إلى الله عز وجل وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، والخير والشر من الله عز وجل، ورجأ لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإحسان عمله ولا ينزله النار بذنب اكتسبه، حتى يكون الله عز وجل ينزل خلقه حيث يشاء، ويعرف حق السلف رضي الله عنهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقدم أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وترحم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم، وحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم، وصلى الجمعة والعيدين وعرفات مع كل أمير بر أو فاجر، والمسح على الخفين في الحضر والسفر، وأن يقصر الصلاة في السفر، والجهاد ماض منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى خير عصابة، يقاتلون الدجال لا يضرهم جور جائر، والقرآن كلام الله عز وجل وتنزيله ليس بمخلوق، والبيع والشراء حلال إلى يوم القيامة، على حكم السنة والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والتكبير على الجنائز أربعاً،
1 الرباني القدوة أبو نصر بشر بن الحارث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي سمع من حماد بن زيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما، قال الخطيب: هو ابن عم علي بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكرهها ودفن كتبه لأجل ذلك وكان في الفقه على مذهب الثوري توفي ببغداد في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، الشذرات 2/60، 61، 62.
والدعاء لأئمة المسلمين والصلاح، ولا يخرج عليهم بالسيف، ولا يقاتل في الفتنة، وتلزم بيتك، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والإيمان بالحوض والشفاعة، والميزان، والإيمان بأن قوماً من الموحدين يخرجون من النار كما جاءت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأشياء نؤمن بها ولا نضرب لها الأمثال، ومن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الرأي والابتداع، ونشهد أن الله يقول ويخلق، وقوله قول وخلقه خلق، قوله باين من خلقه، وخلقه باين من قوله، وقوله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] ، وقوله: كن ليس بمخلوق، والحمد لله الذي ليس له شريك ولا شبيه، ولا وزير، ولا نظير، ولا ضد، ولا يشرك في حكمه أحداً.
قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمداً بن يحيى الذهلي في المنام بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي ولمن صلى على جنازتي، ورفعت كتبي في أعلى عليين، وكتبت بماء الذهب، ثم رأيته مرة أخرى في المنام، فقلت: كنت رأيتك في المنام فسألتك ما فعل الله بك، فقلت: غفر لي أغفر لك؟ قال نعم، وقلت غفر لمن صلى على جنازتي، أغفر لهم؟ قال نعم: فقلت ورفعت كتبك في أعلى عليين وكتبت بماء الذهب؟ قال: نعم كما قلت.
10-
اعتقاد علي بن المديني 1-2. المتوفى سنة 234
ومن نقل عنه ممن أدركه من جماعة السلف
قال اللالكائي أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث النخعي قال حدثنا أبو سعيد يحيى بن أحمد قال سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن بسطام يقول سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن عبد الله بن جعفر المديني فقال له: قلت أعزك الله: السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها:
الإيمان بالقدر خيره وشره.
ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها لا يقال، لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفى ذلك واحكم عليه. الإيمان به والتسليم.
مثل حديث زيد بن وهب عن ابن مسعود قال حدثنا الصادق المصدوق ونحوه من الأحاديث المأثورة عن الثقات.
ولا يخاصم أحداً ولا يناظر ولا يتعلم الجدل.
والكلام في القدر وغيره من السنة مكروه ولا يكون صاحبه وإن أصاب السنة بكلامه من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم، ويؤمن بالإيمان.
1 أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف، سمع من حماد بن زيد وعبد الوارث وطبقتهما. قال البخاري: ما استصغرتُ نفسي إلا عند ابن المديني، وقال أبو داود:(ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل) وقال عبد الرحمن بن مهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة بحديث سفيان بن عيينه، توفي رحمه الله في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة، سنة أربع وثلاثين ومائتين، شذرات الذهب 2/81.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/185.
والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله عز وجل ليس بباين منه وليس منه شيء مخلوق يؤمن به ولا يناظر فيه أحداً.
والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن العبد ولا يزن جناح بعوضة. يوزن أعمال العباد كما جاءت به الآثار، الإيمان به والتصديق والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته.
وإن الله عز وجل يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم ليس بينهم وبينه ترجمان، الإيمان بذلك والتصديق.
والإيمان بالحوض: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر آنيته كعدد نجوم السماء على ما (جاء) في الأثر ووصف. ثم الإيمان بذلك.
والإيمان بعذاب القبر، إن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكما أراد الإيمان بذلك والتصديق.
والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإخراج قوم من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر كيف شاء الله وكما شاء إنما هو الإيمان به والتصديق.
والإيمان بأن المسيح الدجال مكتوب بين عينيه "كافر" للأحاديث التي جاءت فيه الإيمان بأن ذلك كائن، وإن عيسى بن مريم ينزل فيقتله بباب لد، والإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية.
والإيمان يزيد وينقص وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً.
وترك الصلاة كفر ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد حل قتله.
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان بن عفان نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في ذلك.
ثم من بعد الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك، كلهم يصلح للخلافة كلهم إمام كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أفضل الناس بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم كلهم.
من صحبه سنة أو شهراً أو ساعة أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبة هو أفضل من الذين لم يروه ولو لقوا الله عز وجل بجميع الأعمال، كان الذي (صحب) النبي صلى الله عليه وسلم ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين كلهم ولو عملوا كل (أعمال) الخير.
ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم.
لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين.
والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك.
وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمة الماضية ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة قد برئ من دفعها إليهم وأجزأت عنه براً كان أو فاجراً.
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة قائمة ركعتان من أعادها فهو مبتدع تارك للإيمان مخالف وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم والسنة أن يصلوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك.
ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت برضا كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة.
ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتى يدفع عنه في مقامه.
وليس (له) إذا فارقوه إن تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم وقد سلم منهم، ذلك إلى الأئمة، إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه. وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً فإن إتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول. وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشهادة كما في الأثر.
وجميع الآثار إنما أمر بقتاله ولم يؤثر بقتله.
ولا يقيم عليه الحد ولكنه يدفعه إلى من ولاه الله أمره فيكون هو يحكم فيه.
ولا يشهد على أحد من أهل القبلة بعمل عمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف على الطالح المذنب ونرجو له رحمة الله عز وجل.
ومن لقي بذنب يجب (له) بذنبه النار تائباً منه غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
ومن لقي الله وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجبت بها العقوبة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
ومن لقيه مشركاً عذبه ولم يغفر له.
والرجم على من زنا وهو محصن إذا اعترف بذلك وقامت عليه البينة، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم الأئمة الراشدون من بعده.
ومن تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه فهو مبتدع حتى يترحم عليهم جميعاً فيكون قلبه لهم سليماً.
والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله عز وجل ويعبد غيره في السر ويظهر الإيمان في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منهم الظاهر فمن أظهر الكفر قتل.
وهذه الأحاديث التي جاءت:
"ثلاث من كن فيه فهو منافق " 1 جاءت على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نفسرها.
مثل: "لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "2.
ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"3.
ومثل: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"4.
ومثل: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"5.
ومثل: "كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق"6.
ونحو هذه الأحاديث مما ذكرناه ومما لم نذكره في هذه الأحاديث. مما صح وحفظ فإنه يسلم له وإن لم يعلم تفسيره فلا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا يتكلم فيه ما لم يبلغ لنا منه ولا نفسر الأحاديث إلا على ما جاءت ولا نردها.
1 رواه البخاري (33) ومسلم (59) بلفظ (آية المنافق ثلاث.. "وأما باللفظ المذكور فقد رواه أبو يعلي في مسنده (4098) وهو حسن بشواهده.
2 رواه البخاري (121) ومسلم (65) وغيرهما.
3 رواه البخاري (31) ومسلم (2888) وغيرهما.
4 رواه البخاري (48) ومسلم (116) وغيرهما.
5 رواه البخاري (6103) ومسلم (111) وغيرهما.
6 حسن رواه أحمد (2/ 215) وابن ماجة (2744) وغيرهما، انظر صحيح الجامع (4485)
…
والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً1 ورأيت الكوثر2 " و "اطلعت في الجنة فإذا أكثر أهلها كذا واطلعت في النار فرأيت كثر أهلها كذا"3.
فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالأثر ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، وقوله "أرواح الشهداء تسرح في الجنة"4 وهذه الأحاديث التي جاءت كلها نؤمن بها.
ومن مات من أهل القبلة موحداً مصلياً صلينا عليه واستغفرنا له لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصلاة عليه لذنب صغير أم كبير وأمره إلى الله عز وجل.
وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له. ويترحم عليه (فارج) خيره واعلم أنه بريء من البدع.
وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيراً إن شاء الله.
وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والإقتداء بهم (فارج) خيره.
ثم من بعد هؤلاء: حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء محنة أهل البدع.
وإذا رأيت الرجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرف وابن ابجر وابن حيان التيمي ومالك بن مغول وسفيان بن سعيد الثوري وزايدة (فارجه) .
ومن بعدهم: عبد الله بن إدريس ومحمد بن عبيد وابن أبي عتبه والمحاربي (فارجه) .
وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه فلا تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماماً.
1 رواه البخاري (5226) ومسلم (2394) وغيرهما.
2 رواه البخاري (4964) وغيره.
3 رواه البخاري (3241- 5198) وغيره.
4 رواه مسلم (1887) وغيره.
11 -
اعتقاد أبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي1-2 الفقيه رحمه الله، المتوفى سنة 240هـ
قال اللالكائي: أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا أحمد بن حمدان قال حدثنا أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم قال: أرسل رجل من أهل خراسان إلى أبي ثور إبراهيم بن خالد بكتاب يسأل عن الإيمان ما هو؟ ويزيد وينقص؟ وقول؟ أو قول وعمل؟ أو قول وتصديق وعمل؟
فأجابه: إنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان وعمل الجوارح.
وسأله عن القدرية من هم؟
فقال: إن القدرية من قال أن الله لم يخلق أفاعيل العباد، وأن المعاصي لم يقدرها الله على العباد ولم يخلقها. فهؤلاء قدرية لا يصلى خلفهم ولا يعاد مريضهم ولا يشهد جنائزهم ويستتابون من هذه المقالة فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.
وسألت: الصلاة خلف من يقول القرآن مخلوق؟
فهذا كافر بقوله لا يصلى خلفه. وذلك أن القرآن كلام الله جل ثناؤه ولا اختلاف فيه بين أهل العلم.
ومن قال: كلام الله مخلوق فقد كفر وزعم: أن الله عز وجل حدث فيه شيء لم يكن.
وسألت: يخلد في النار أحد من أهل التوحيد؟
والذي عندنا أن نقول: لا يخلد موحد في النار.
1 أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام، تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره وبرع في العلم، ولم يقلد أحداً. قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي في صلاح سفيان الثوري قال ابن الأهدل: صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه واستعمل أولاً مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق وصحبه فاتبعه وهو غير مقلد لأحد- توفي رحمه الله سنة أربعين ومائتين، شذرات الذهب 2/93.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 193) .
12-
اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه1 المتوفى سنة 241 هـ
قال اللالكائي: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله السكري قال حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله بن بريد الدقيقي قال حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الوهاب أو العنبر- قراءة من كتابه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين ومائتين- قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري - بتنيس- قال حدثني عبدوس بن مالك العطار قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول:
أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين.
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن.
وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هي الإتباع وترك الهوى.
ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:
1 أبو عبد الله أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي شيخ الإسلام وعالم أهل العصر، سمع من هشيم وابن سعد وطبقتهما، وكان إماماً في الحديث ودروبه، إماماً في الفقه ودقائقه، إماماً في السنة ودقائقها إماماً في الورع وغوامضه، إماماً في الزهد وحقائقه، قال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثاً لن يرى مثلهم يعجز النساء أن يلدن مثلهم: أبا عبيد القاسم بن سلام وبشر بن الحارث وأحمد بن حنبل، وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث، ولد عام 164هـ وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين، شذرات الذهب 2/96، 97، 98.
الإيمان بالقذر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها لا يقال لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها.
ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليم له مثل حديث الصادق والمصدوق وما كان مثله في القدر.
ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع فإنما عليه الإيمان بها وإن لا يرد منها جزءاً واحداً وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات.
لا يخاصم أحداً ولا يناظره ولا يتعلم الجدل فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه ولا يكون صاحبه- إن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم.
ويؤمن بالآثار. والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا تضعف إن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق وإياك ومناظرة من أحدث فيه ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال لا أدري، مخلوق أو ليس بمخلوق؟ وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق. والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه وأنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس. والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحداً.
أقول: جواب العبارة هكذا:
"يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة".
وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر.
والإيمان به والتصديق به والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته.
وأن الله تبارك وتعالى يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان والإيمان به والتصديق به.
والإيمان بالحوض وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه.
والإيمان (بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن الإيمان) والإسلام ومن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكيف أراد، والإيمان به والتصديق به.
والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر كيف شاء الله؟ وكما شاء؟ إنما هو الإيمان به والتصديق به. والإيمان أن المسيح الدجال (خارج مكتوب) بين عينيه كافر والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن. وأن عيسى بن مريم ينزل فيقتله بباب لد. والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً".
ومن ترك الصلاة فقد كفر وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله.
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان. نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في ذلك.
ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى- الخمس- كما في الأصل والصواب الخمسة1- علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام.
1 يجوز الوجهان في نحو هذه المسألة وهي فيما إذا تأخر العدد عن المعدود فتقول جاء قومنا الثلاث أو الثلاثة. كما في حاشية الصبان. والله أعلم.
ونذهب إلى حديث ابن عمر: (كنا نعد- ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت) .
ثم من بعد أصحاب الشورى: أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة (أولاً فأولاً) .
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم.
كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه (نظرة) .
فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال.
كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه (ومن) رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير.
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به.
ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين.
والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك.
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم.
ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً.
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين من أعادهما
فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا: برهم وفاجرهم فالسنة أن تصلي معهم ركعتين (من أعادهما فهو مبتدع) وتدين بأنها تامة ولا يكن في صدرك من ذلك شك.
ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.
وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر عليه.
وليس له إذ فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ليس لأحد إلا للإمام أو ولاة المسلمين إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً فإن أتى عليه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا: إنما أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله ولا إتباعه ولا (يجهز) عليه إن صرع أو كان جريحاً وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه.
ولا يشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار يرجو للصالح ويخاف عليه ويخاف على المسيء المذنب ويرجو له رحمة الله.
ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي قد استوجب به العقوبة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له.
والرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رجمت الأئمة الراشدون. ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً.
والنفاق هو الكفر إن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وهذه الأحاديث التي جاءت)1.
"ثلاث من كن فيه فهو منافق" هذا على التغليظ.
ونرويها كما جاءت ولا نفسرها.
وقوله: "لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض".
ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
ومثل: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
ومثل: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما".
ومثل: "كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق".
ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم يعلم (تفسيرها) ولا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا تفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ولا نردها إلا بالحق منها.
والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت
1 سبق تخريج هذه الأحاديث ص: 61 و 62.
الجنة فرأيت قصراً ورأيت الكوثر" و "اطلعت في الجنة فرأيت لأهلها كذا واطلعت في النار فرأيت كذا ورأيت كذا" فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار. ومن مات من أهل القبلة موحداً يصلى عليه (وتستغفر له ولا تترك الصلاة عليه)(لذنب أذنبه) صغيراً كان أو كبيراً وأمره إلى الله عز وجل.
المستدرك لعقيدة الإمام أحمد بن حنبل:
أ- قوله في التوحيد:
(1)
جاء في طبقات الحنابلة1: "إن الإمام أحمد سئل عن التوكل، فقال: قطع الاستشراق باليأس من الخلق".
(2)
وجاء في كتاب المحنة2 لحنبل أن الإمام أحمد قال: "لم يزل الله. عز وجل متكلماً والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق وعلى كل جهة، ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه عز وجل".
(3)
وأورد ابن أبي يعلى عن أبي بكر المروزي قال: "سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها وقال: تلقتها الأمة بالقبول تمرّ الأخبار كما جاءت"3.
(4)
قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة: إن أحمد قال: "من زعم أن الله لا يتكلم فهو كافر إلا أننا نروي هذه الأحاديث كما جاءت4.
(5)
وأخرج اللالكائي عن حنبل5 أنه سأل الإمام أحمد عن الرؤية فقال: "أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر"6.
1 طبقات الحنابلة (1/416) .
2 كتاب المحنة ص (68) .
3 طبقات الحنابلة (1/56) .
4 السنة ص (71 ط دار الكتب العلمية) .
5 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو علي الشيباني وهو ابن عم أحمد بن حنبل قال عنه الخطب: "ثقة ثبت" مات سنة "273" هـ تاريخ بغداد (8/286، 287) .
6 شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 507) .
(6)
وأورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنبل لمسدد1 وفيه: "صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه
…
"2.
(7)
جاء في كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد قوله: "وزعم- جهم بن صفوان- أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عن رسوله كان كافراً وكان من المشبهة"3.
(8)
وأورد ابن تيمية في "الدرء" قول الإمام أحمد: "نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله منه وله وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار"4.
(9)
وأورد ابن أبي يعلى عن أحمد أنه قال: "من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر مكذب بالقرآن "5.
(10)
وأورد ابن أبي يعلى عن عبد الله بن أحمد قال: "سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلّم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال أبي: تكلم الله بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت"6.
(11)
وأخرج اللالكائي عن عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: "
…
والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق"7.
1 هو مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري قال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ الحجة"مات سنة (228) هـ، سير أعلام النبلاء (10/ 591) .
وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/107) .
2 مناقب الإمام أحمد 221.
3 الرد على الجهمية ص 104.
4 درء تعارض العقل والنقل (2/30) .
5 طبقات الحنابلة (1/ 59، 145) .
6 طبقات الحنابلة (1/185) .
7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 157) .
ب- قوله في القدر:
(1)
أورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنبل لمسدد وفيه: "ويؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومرّه من الله"1.
(2)
وأخرج الخلال عن أبي بكر المروزي قال: "سُئل أبو عبد الله فقال: الخير والشر مقدر على العباد؟ فقيل له: الله خلق الخير والشر، قال: نعم، الله قدره"2.
(3)
وجاء في كتاب السنة للإمام أحمد قوله: "والقدر خيره وشره وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومُرّه، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيّئه، وأوله وآخره من الله قضاء قضاه على عباده وقدر قدره، ولا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل ولا يجاوز قضاءه"3.
(4)
وأخرج الخلال عن محمد بن أبي هارون عن أبي الحارث قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: فالله عز وجل قدّر الطاعة والمعاصي، وقدّر الخير والشر، ومن كتب سعيداً فهو سعيد، ومن كتب شقياً فهو شقي"4.
(5)
قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي وسأله علي بن جهم عمن قال بالقدر يكون كافراً؟ قال: "إذا جحد العلم إذا قال: إن الله لم يكن عالماً حتى خلق علماً فعلم فجحد علم الله فهو كافر"5.
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدري، فقال: إن كان يخاصم فيه ويدعو إليه فلا تصل خلفه"6.
1 مناقب الإمام أحمد ص 169، 172، ط/ دار الآفاق الجديد.
2 السُّنَّة للخلال (ق- 85) .
3 السُّنَّة ص 68.
4 السُّنَّة للخلال (ق- 85) .
5 السُّنَّة لعبد الله بن أحمد ص 119.
6 السُّنَّة ص (1/384) .
ب- قوله في الإيمان:
(1)
أورد ابن أبي يعلى عن أحمد قال: "من أفضل خصال الإيمان الحب في الله والبغض في الله"1.
(2)
وأورد ابن الجوزى عن أحمد قال: "الإيمان يزيد وينقص كما جاء في الخبر: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً"2
…
"3.
(3)
وأخرج الخلال عن سليمان بن أشعث4 قال: "إن أبا عبد الله قال: الصلاة والزكاة والحج والبر من الإيمان والمعاصي تنقص الإيمان"5.
(4)
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن رجل يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ولكن لا يستثنى أمرجىء؟ قال: أرجو ألا يكون مرجئاً. سمعت أبي يقول: الحجة على ما لا يستثني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل القبور: "وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون" 6
…
"7.
قال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي- رحمه الله سُئل عن الإرجاء فقال: نحن نقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، إذا زنى وشرب الخمر نقص إيمانه"8.
1 طبقات الحنابلة (2/275) .
2 أخرجه أحمد في المسند (2/250) وأبو داود في كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (5/60) ح (4682) ح (1162) جميعهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال عنه الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".
3 مناقب الإمام أحمد ص 173، وانظر أيضاً ص 153، 168.
4 هو أبو داود سليمان بن أشعث بن إسحاق السجستاني صاحب السُّنن، قال عنه الذهبي:"الإمام الثبت سيد الحفّاظ" مات سنة (275 هـ) ، تذكرة الحفاظ (2/591) ، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (9/55) .
5 السنة للخلال (ق-96) .
6 أخرجه مسلم كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2/ 669) ح (974) من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها.
7 السنة لعبد الله (1/307، 308) ، ط/ المحققة.
8 السنة لعبد الله بن أحمد (1/307) .
د- قوله في الصحابة:
(1)
جاء في كتاب السنة للإمام أحمد ما يأتي: "ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم فهو مبتدع، رافضي خبيث، مجلف، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والإقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة". ثم قال: "ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الأربعة خير الناس، ولا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه"1.
(2)
أورد ابن الجرزي رسالة أحمد إلى مسدد وفيها: "وأن تشهد للعشرة أنهم في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، شهدنا له بالجنة"2.
(3)
قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي"3.
(4)
وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن قوم يقولون: إن علياً ليس بخليفة، قال هذا قول سوء ردي"4.
(5)
وأورد ابن الجوزي عن أحمد قال: "من لم يثبت الخلافة لعلي فهو أضل من حمار أهله"5.
1 كتاب السنة للإمام احمد ص (77-78) .
2 مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص170، ط دار الآفاق الجديدة.
3 السُّنَّة ص 235.
4 السُّنَّة ص 235.
5 مناقب الإمام أحمد ص 163، ط/ دار الآفاق.
(6)
وأورد ابن أبي يعلى عن أحمد قال: "من لم يربع علي بن أبي طالب الخلافة فلا تكلموه، ولا تناكحوه"1.
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
(1)
أخرج ابن بطة عن أبي بكر المروزي قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: من تعاطى الكلام لم يفلح، ومن تعاطى الكلام لم يخل أن يتجهم"2.
(2)
وأورد ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن أحمد قال: "إنه لا يفلح صاحب كلام أبداً ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل"3.
(3)
وأخرج الهروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان4 لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله أو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود"5.
(4)
وأخرج ابن الجوزي عن موسى بن عبد الله الطرسوسي قال: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالسوا أهل الكلام وإن (ذبوا) عن السنة"6.
(5)
وأخرج ابن بطة عن أبي الحارق الصايغ قال:"من أحب الكلام لم يخرج من قلبه، ولا ترى صاحب كلام يفلح"7.
1 طبقات الحنابلة (1/45) .
2 الإبانة (2/538) .
3 جامع بيان العلم وفضله (2/95) ط/ دار الكتب العلمية.
4 هو أبو الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ثم البغدادي، قال عنه الذهبي: "الوزير الكبير
…
وزير للمتوكل وللمعتمد.. وحظي عند المتوكل وكان سمحاً جواداً"، وقال ابن أبي يعلى: "نقل عن إمامنا أشياء منها أنه قال: سمعت أحمد يقول: "أنزه نفسي عن مال السلطان وليس بحرام"، مات سنة (263هـ) ، سير أعلام النبلاء (13/ 9) ، طبقات الحنابلة (1/204) .
5 ذم الكلام (ق-216- ب) .
6 مناقب الإمام أحمد ص 205.
7 الإبانة لابن بطة (2/539) .
(6)
وأخرج ابن بطة عن عبيد الله بن حنبل قال: "حدثني أبي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: عليكم بالسنة والحديث وينفعكم الله به، وإياكم والخوض والجدال والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام، وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة، لأن الكلام لا يدعو إلى خير، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا، ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير، أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة"1.
(7)
أورد ابن بطة في الإبانة عن أحمد قال: "إذا رأيت الرجل يحب الكلام فاحذره"2.
فهذه أقواله- رحمه الله في مسائل أصول الدين وهذا موقفه من علم الكلام.
1 الإبانة لابن بطة (2/539) .
2 الإبانة لابن بطة (2/540) .
13-
اعتقاد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري1-2 رحمه الله، المتوفى سنة 256
في جماعة من السلف الذين يروى عنهم
قال اللالكائي: أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص الهروي قال حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا أبو الحسين محمد بن عمران بن موسى الجرجاني قال سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البخاري
-بالشاش- يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول:
لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر: لقيتهم كرات قرناً بعد قرن ثم قرناً بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد. بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ومنهم: المكي بن إبراهيم ويحيى بن يحيى وعلي بن الحسن بن شقيق وقتيبة بن سعيد وشهاب بن معمر.
وبالشام: محمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وأبا المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وأبا اليمان الحكم بن نافع ومن بعدهم عدة كبيرة.
1 الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزية البخاري مولى الجعفين صاحب الصحيح والتصانيف. ولد سنة أربع وتسعين ومائة. وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاءً ولم يخلف بعده مثله. قال ابن وضاح ومكي بن خلف: سمعنا محمد بن إسماعيل يقول: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عن من قال الإيمان قول وعمل وعن ابن إسحاق الريحاني أن البخاري كان يقول صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته في ست مائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري. توفي رحمه الله ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد الظهر سنة ست وخمسين ومائتين. شذرات الذهب 2/ 134، 135، 136.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/193) .
وبمصر: يحيى بن كثير وأبا صالح كاتب الليث بن سعد وسعيد بن أبي مريم وأصبغ بن الفرح ونعيم بن حماد.
وبمكة: عبد الله بن يزيد المقري والحميدي وسليمان بن حرب قاضي مكة وأحمد بن محمد الأزرقي.
وبالمدينة: إسماعيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن نفاع الزبيري وأحمد بن أبي بكر أبا مصعب الزهري وإبراهيم بن حمزة الزبيري وإبراهيم بن المنذر الحزامي.
وبالبصرة: أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني وأبا الوليد بن هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال وعلي بن عبد الله بن جعفر المدني.
وبالكوفة: أبا نعيم الفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى وأحمد بن يونس وقبيصة بن عقبة وابن نمير وعبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة.
وببغداد: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبا معمر وأبا خيثمة وأبا عبيد القاسم بن سلام.
ومن أهل الجزيرة: عمرو بن خالد الحراني.
وبواسط: عمرو بن عون وعاصم بن علي بن عاصم.
وبمرو: صدقة بن الفضل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً وأن لا يطول ذلك فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء:
أن الدين قول وعمل وذلك لقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 1.
وأن القرآن كلام الله غير مخلوق لقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
1 سورة البينة (5) .
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1.
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال ابن عيينة: فبين الله الخلق من الأمر لقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 2.
وأن الخير والشر بقدر لقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 3 ولقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 4 ولقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 5.
ولم يكونوا يكفرون أحداً من أهل القبلة بالذنب لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 6.
وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: أمروا أن يستغفروا لهم، وذلك لقوله:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 7.
وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 8 ولقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ} 9.
1 سورة الأعراف (54) .
2 هذه الآية جزء من التي قبلها.
3 سورة الفلق (21) .
4 سورة الصافات (96) .
5 سورة القمر (49) .
6 سورة النساء (48) .
7 سورة الحشر (10) .
8 سورة آل عمران (103) .
9 سورة النور (54) .