الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحثون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه لقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.
وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مسلم: إخلاص العمل لله وطاعة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم. فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" 2 ثم أكد في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} 3.
وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الفضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد.
قال ابن المبارك: يا معلم الخير من يجترىء على هذا غيرك.
والخوارج مراق.
ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر.
ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي.
ومن وقف في القرآن جاهلاً علم وبدع ولم يكفر.
ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي.
قال! أبو محمد وسمعت أبي يقول:
1 سورة الأنعام (153) .
2 صحيح رواه الترمذي (2658) وابن ماجة (230) وغيرهما.
3 النساء: 59.
وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر. وعلامة الزنادقة. تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار.
وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة.
وعلامة القدرية: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية.
وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة.
ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء.
14-
اعتقاد محمد بن يحيى الذهلي المتوفى سنة 258 هـ
قال أبو عمرو أحمد بن محمد بن حفص الحبري أملى علينا محمد بن يحيى الذهلي1 قال: السنة عندنا الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهو قول الميثاق عليه عهدنا أهل العلم، وأن القدر خيره وشره من الله عز وجل، قد جف القلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، علم الله جل وعلا العباد ما هم عاملون، وإلى ما هم صائرون، وأمرهم ونهاهم فمن لزم (أمر) الله تعالى وأطاعه وآثره، فبتوفيق الله عز وجل، ومن ترك أمر الله تبارك وتعالى وركب معاصيه فيخذله الله، ومن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل بالجوارح إليه إن شاء عمل وإن شاء لم يعمل فقد كذب بالقدر، ورد كتاب الله عز وجل نصاً وزعم أنه يستطيع ما لم يرده الله عز وجل ثناؤه، ونحن نتبرأ إلى الله عز وجل من هذا القول، ولكن نقول الاستطاعة في العبد مع الفعل فإذا عمل عملاً بالجوارح من بر وفجور، علمنا أنه مستطيعٌ للفعل الذي فعل، فأما قبل أن يفعل فإنا لا ندري لعله يريد أمراً فحال بينه وبين ذلك، والله جل اسمه يريد لتكوين أعمال الخلق، ومن ادعى خلاف ما وصفناه فقد وصف الله عز وجل بالعجز، وهلك في الدارين، والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، من جهاته، وحيث ينصرف من الوجوه كلها فكلامه، وليس شيء منه مخلوق، ومن زعم أن كلام الله مخلوق، فقد زعم أن في الله عز وجل شيئاً مخلوقاً، وأن الله تعالى عن هذا، قال الله تعالى في محكم كتابه {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] ففصل الخلق من الأمر، وبأمره خلق الخلق، وكون الأشياء وقال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ
1 هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي النيسابوري أحد الأئمة الأعلام الثقات سمع عبد الرحمن وطبقته وكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يحبه ويعظمه. قال أبو حاتم كان إمام أهل زمانه. وقال أبو بكر بن أبي داود: هو أمير المؤمنين في الحديث، توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين، شذرات الذهب 2/ 138.
أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] فمن زعم أن كن الذي به كون خلقه مخلوق فقد كفر، ومن وقف فقال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، كان محله محل من زعم أن القرآن مخلوق، ومن تكلم في اللفظ فقد بدع لأنه اخترع شيئاً لم يتكلم في السلف إلا رجل من أهل عصرنا، ممن كان ينتحل الحديث يقال له: الكرابيسي فنقل كلامه إلى إمامنا أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه فبدعه وأنكر عليه أشد الإنكار، وأمر بمهاينته ومجانبته، ونهى عن مجالسته، فمات متهلكاً خائباً مخذولاً، ونحن نستوفق الله بتوفيقه ونستهديه بهداه، فإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ومتى ما تكلم في اللفظ، انشعب عليه فيه، فلم يتخلص المراد منه، وخيف عليه الفتنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر"1.
وقال عبد الله بن عمرو "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون في القرآن، فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا الكتاب بعضه ببعض فلا تكذبوا بعضه ببعض ما علمتوه فقولوه، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه"2. قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} [آل عمران: 7] فهم الذين عنى الله عز وجل فاحذروهم3.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7] ويقول الراسخون في العلم آمنا به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تضربوا القرآن بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم. وقال أبو موسى: من علم علماً فليعلمه الناس وإياه أن يقول ما لا يعلم فيكون من المتكلفين ويعوق من الدين.
وأشياء لهذه الأشياء كثيرة مما قد ذكره الأسالف من أهل العلم، الخوض
1 حسن. رواه أحمد (4/ 170) وغيره.
2 حسن. رواه أحمد (2/ 195- 196) وابن ماجة (85) وغيرهما.
3 رواه البخاري (4547) ومسلم (2665) وأحمد (6/ 48) واللفظ له.
فيه والتنازع، ولا يجب التلفظ فيما لم يحط علماً به من المشكلات التي لم يتقدمنا فيها إمام ولا الخوض فيه، فإنهم كانوا أعلم بالتنزيل والتأويل، وعنهم أخذنا هذا، وبه نعتقد، فأعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن، وأن نسمع ونطيع لولاة الأمر مع حب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ولا نرى شق العصيى مع النصح للجماعة في السر والعلانية وأن المتقدم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نشهد عليهم بشرك، إلا ما كان من جهم وأصحاب جهم، ونفوض ما غاب عنا من الأمور إلى الله عز وجل، لا نقطع بالذنوب العصمة من عندنا، ونرجو لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ونخاف على سيئهم، ونستغفر لذنبهم، ونقبل علانيتهم ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل، ولا ندخل لمحسنهم الجنة بإحسان، ولا ناراً بذنب، حتى يكون الله جل ثناؤه هو يحكم بينهم يوم الفصل وهو أحكم الحاكمين، وأن الجهاد ماض من يوم بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم لا يضره جور جائر ولا ينفعه عدل عادل حتى تقوم الساعة وأن أفعال العباد جميعها من خير وشر مخلوقة مسطورة في اللوح المحفوظ، ومن زعم أنها غير مسطورة فقد كفر، لأنه رد كتاب الله تعالى نصاً. قال الله تعالى:{وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الإسراء: 58] ، فإذا قال ذلك فقد رد نص كتاب الله عز وجل وكفر، وقد قال الله جل ثناؤه:{بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 21- 22] ونظيره أيضاً قوله تعالى: {وكل صغير وكبير مستطر} [القمر: 53]، وقال تعالى:{إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الأحزاب: 33] وأن ترك الصلاة كفر للحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه، ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة1، هذا المعنى وألفاظهم مختلفة، وأن العشرة رضي الله تعالى عنهم في الجنة نشهد عليهم أنهم في الجنة للحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن بالحمل أو الاعتراف،
1 رواه مسلم (82) وغيره.
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله تعالى عنهم بعده.
وأن الجنة والنار مخلوقتان قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده فقد عرضت على الجنة والنار في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أر كاليوم في الخير والشر"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا في الجنة فرأيت فيها قصراً فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل لعمر رضي الله عنه"3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت النار فإذا فيها أخا بني دُعْدُع"4.
وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت النار فيها صاحبة الهرة"5.
(قال)"وقالت الجنة يا رب مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ومساكينهم قال وقالت النار: أوثرت بالجبارين والمتكبرين فقال الله جل ثناؤه أنتما خلق من خلقي"6.
فمن زعم أنهما غير مخلوقتين، أو أنهما كانتا مخلوقتين فإنهما يفنيان، كما يفنى سائر الخلق فقد كذب من زعم هذا وأنكر الملة.
وأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار يراه أهل الجنة فأما من سواهم من بني آدم فلا.
والحجة في ذلك أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قيل له يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة. الحديث"7.
وفيما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23] .قال: النظر إلى وجه الله الكريم عز وجل.
وفيما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منكم أحد إلا سيكلمه الله يوم
1 رواه البخاري (7089) .
2 رواه البخاري (3342) ومسلم (163) وغيرهما.
3 رواه البخاري (5226) ومسلم (2394) وغيرهما.
4 حسن رواه أحمد (2/ 159- 188) وغيره.
5 حسن رواه أحمد (2/ 159- 188) وغيره.
6 رواه مسلم (2846) وغيره.
7 رواه البخاري (806) ومسلم (182) .
القيامة ليس بينه وبينه ترجمان"1.
وإنما عنى بذلك أهل التوحيد، وإن كان فيهم من استوجب العقوبة لأن مصيرهم بعد العقوبة الجنة، والله جل ثناؤه عفو كريم يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء.
"وأن لله عز وجل مائة اسم غير واحد فإنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنة" 2، يؤثر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [الأعراف: 180] .
فمن آمن بهذا وصدق به فقد أفلح ولزم أمر الله تعالى، ومن كذب به بتأول أو احتجاج في إبطاله فقد ضل وزاغ عن الحق وهلك في الدارين، إلا أن يتوب توبة نصوحاً، يعلم الله تعالى من قلبه أنه مفارق لهذه الأهواء راجع إلى الحق وبالله التوفيق.
وأن الإيمان بهذه الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية الرب جل وعلا يوم القيامة.
والقدر والشفاعة وعذاب القبر والحوض والميزان والرجم والنزول والحساب والجنة والنار ونحوها من الأحاديث والتصديق بها، وللعباد، أن يؤمنوا بها.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان إذا أصبح قال: الحمد لله الذي ذهب بالليل وجاء بالنهار. ونحن منه في عافية مرحباً بخلق جديد، مرحباً بكما من آخرين وكاتبين وحافظين، اكتبا بسم الله في غرة يومي هذا، أني أشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى بالله شهيداً، وأشهدكما على مقالتي هذه في ساعتي هذه، أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً صمداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أمين الله ووفيه وخيرة الله من خلقه، وأشهد أنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته. وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور،
1 رواه البخاري (6539) ومسلم (1016) وغيرهما.
2 رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) وغيرهما.
وأن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً وأقول على ذلك، وعلى كل نعمة أنعم بها على ربي عز وجل، الحمد لله عدد آياته وأسمائه، والحمد لله عدد ما في أرضه وسمائه، والحمد لله عدد ملائكته وخلقه، والحمد لله عدد ما في دنياه، وآخرته، الباعث الوارث يحيي الموتى ويميت الأحياء، ويحيي العظام وهي رميم، ومن التسبيح والتهليل والتكبير مثل ذلك، حسبي الله من لم يكلني إلى نفسي وهو كلائي في الليل والنهار، وغذائي في رحم أمي وحفظني حتى بلغت أشدي، وكنت ميتاً فأحياني، ومن بعد حياتي يميتني، حسبي الله ربي، لا أشرك به شيئاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب ورب أبائي الأولين، يا من دنى في علوه، ويا من تعالى في قربه، ويا من رفع السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، مسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا (لا تكون) إلا بأمره يا الله يا الله يا الله لا شريك لك، ولك الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل والآلاء والقدرة والكبرياء والعظمة عدد ما خلقت، وعدد ما هو سابق في علمك، وعدد ما أنت خالقه إلى يوم القيامة، وعدد ما يعجز عنه عقول أولي الألباب، عن مبلغ صفة ذلك عندك عملت سوء أو ظلمت نفسي وأنت العفو فاعف عني، وأنت الغفور فاغفر لي، وأنت التواب فتب علي، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الحمد يا رب العالمين، ولك الكبرياء يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم يا مهيمن، لا إله إلا أنت، وأشهد جميع من خلقته، ومن أنت خالقه إلى يوم القيامة، على مقالتي هذه في ساعتي هذه، إنك أنت الله رب الحق المبين، لا إله إلا أنت، وبأنك أنت الله الرحمن الرحيم، وأن محمداً عبدك ورسولك نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام ديني، أسألك تمام ذلك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنك تبعث من في القبور، وأنك على كل شيء قدير، وأنك أحطت بكل شيء علماً، وأحصيت كل شيء عدداً، وأنك ما تشاء من أمر يكون، كان شهادة خالصة مخلصة، أنال بها منج جزيل كرامة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، الحمد لله الذي لم أصبح ميتاً ولا سقيماً ولا مضروباً على عرق، ولا مأخوذاً بأسوأ ما على ولا مقطوعاً يدي ولا مرتداً عن ديني، ولا منكراً لربي عز وجل، ولا مستوحشاً عن ديني، ولا مستهلاً من عقلي، ولا معذباً
بعذاب، من الأمم قبلي، ولا أصبحت عبداً مملوكاً ظالماً لنفسي.
لك الحجة علي ولا حجة لي، أصبحت لا أملك لنفسي خيراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وقيتني، فوفقني اللهم لما يرضيك عني، أصبحت وما بي وبغيري من نعمة أو عافية صغيرة أو كبيرة قديمة أو حديثة، فمنك وحدك لا شريك لك، أنت أحق المنعمين أن ينعم نعمته، وأحق المفضلين أن يتم فضله ونعمته، اللهم بك كنا ما كنا، وبك نكون ما كنا على الله أمورنا وتسديدنا وتوفيقنا وعصمتنا، أن نضل عن قولك، أو نفتن عن دينك، أو نتابع هدى دون الذي جاء من عندك، يا من أظهر الجميل وسر القبيح علي، يا من لم يؤاخذني بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، ويا كريم المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، يا حسن التجاوز، يا شاهد كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، يا علام الغيوب، وما تخفي الصدور، ويا معتق الرقاب وفكاك الأعناق، ويا مقبل العثرات والسيئات ويا مهتدينا بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه يا إلهاه، أسألك أن تجيرني من شر ما أحاذر في الدنيا والآخرة.
وقال إبراهيم بن بشار الصوفي رحمه الله تعالى خادم إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: كان إبراهيم بن أدهم يقول كل هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح عشر مرات وإذا أمسى عشر مرات يقول مثل ذلك: مرحباً بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب الشهيد، يومنا هذا يوم عيد، أكتب لنا ما نقول فيه: بسم الله الحميد المجيد، الرؤوف الودود، والفعال لما يريد أصبحت بالله مؤمناً، وبلقاء الله عز وجل مصدقاً، وبحجته معترفاً، ومن ذنبي مستغفراً ولربوبيته خاضعاً، ولسوى الله جاحداً، وإلى الله فقيراً، وعلى الله متوكلاً، وإلى الله منيباً، أشهد الله وأشهد ملائكته وأنبياءه وحملة عرشه، ومن خلق ومن هو خالقه، بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق والحوض حق، والشفاعة حق، ومنكر ونكير حق، ولقاؤك حق، ووعدك حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، على ذلك أحيا، وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله، اللهم أنت ولا رب لي إلا أنت خلقتني وأنا عبدك،
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، أنا بك وإليك، أستغفرك وأتوب إليك، آمنت اللهم بما أرسلت من رسول، وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، خاتم كلامي ومفتاحه، وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين، اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بكأسه شرباً روياً سائغاً هنيئاً، لا نظمأ بعده أبداً، واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكسين، ولا مرتابين ولا مفتونين، ولا مغضوب علينا ولا ضالين، اللهم اعصمني من فتن الدنيا، ووفقني لما تحب من العمل وترضى، وأصلح لي شأني كله، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، ولا تضلني وإن كنت ظالماً، سبحانك سبحانك يا عظيم يا بر يا رحيم يا عزيز يا جبار، سبحان من سبحت له السماوات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، سبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراجها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها، وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، سبحانك سبحانك يا حي يا حليم، سبحانك لا إله إلا أنت وحدك.
وعن سويد بن الحارث الأزدي قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي، فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا، فقال ما أنتم؟ فقلنا مؤمنون، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ قال سويد رضي الله عنه: فقلت خمسة عشر خصلة، خمس منها أمرتنا بها، وخمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلقنا بها في الجاهلية ونحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ فقلت: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال فما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ فقلت: أمرتنا رسلك أن نقول جميعاً لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا، ونصوم شهر رمضان، فنحن على ذلك، قال فما الخمس التي تخلقتم بها أنتم؟ قال قلت: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء والصدق في مواطن اللقاء، والرضاء بمواقع القضاء، وترك الشماتة بالمصائب إذا حلت بالأعداء، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أدباء حكماء فقهاء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء من خصال، ما أشرفها وأعظم ثوابها؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأنا أوصيكم بخمس خصال لتكمل عشرين خصلة، قلنا أوصنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون، وأرغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون1.
قال أبو سليمان الداراني: قال علقمة رضي الله عنه: فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفظوا وصيته وعملوا بها، ولا والله يا أبا سليمان ما بقي من أولئك النفر ولا من أتباعهم غيري، ثم قال اللهم اقبضني إليك غير مبدل ولا مغير.
قال أبو سليمان: فمات والله بعد أيام قلائل.
1 إسناده ضعيف. رواه أبو نعيم في الحلية (9/291) والبيهقي في الزهد (970) وغيرهما. وراجع النهاية لابن كثير (5/ 94) ، والمغني عن حمل الأسفار (84) وكنز العمال (1363) .
15-
16- اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبي1 حاتم محمد بن إدريس بن المنذر2 الرازيين3 المتوفى سنة 277هـ
قال اللالكائي: أخبرنا محمد بن المظفر المقري قال حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم:
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
والقرآن كلام الله غير مخلوق. بجميع جهاته.
والقدر خيره وشره من الله عز وجل.
وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وهم الخلفاء الراشدون المهديون.
وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالجنة على ما
1 الإمام أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولى الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام. قال أبو حاتم: لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في الكشوف، والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل. توفي رحمه الله سنة أربع وستين ومائتين.
2 الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الإمام محمد بن إدريس الحنظلي كان بارع الحفظ واسع الرحلة في أوعية العلم كان يقول: مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ وتال ابن ناصر الدين: أبو حاتم الرازي كان في مضمار البخاري، وأبو زرعة جارياً وبمعاني الحديث عالماً، وفي الحفظ غالباً، وأثنى عليه خلق من المحدثين. توفى سنة سبع وسبعين ومائتين رحمه الله.شذرات الذهب 2/171.
3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/197.
شهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق. والترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والكف عما شجر بينهم.
وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف؟ أحاط بكل شيء علما {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] .
أنه تبارك وتعالى يُرى في الآخرة: يراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء. وكما شاء.
والجنة حق والنار حق، وهما مخلوقان لا يفنيان أبداً والجنة ثواب لأوليائه والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عز وجل.
والصراط حق.
والميزان حق. له كفتان توزن فيه أعمال العباد حسنها وسيئها حق.
والحوض المكرم به نبينا حق.
والشفاعة حق.
والبعث من بعد الموت حق.
وأهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل.
ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل أسرارهم إلى الله غز وجل.
ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان.
ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن (ولاه) الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة.
فإن الجهاد ماض منذ بعث الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء.
والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين.
والناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم ولا ندري ما هم عند الله عز وجل.
فمن قال أنه مؤمن حقاً فهو مبتدع ومن قال: هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين. ومن قال: هو مؤمن بالله حقاً فهو مصيب.
والمرجئة مبتدعة ضُلَاّل.
والقدرية مبتدعة ضُلَاّل.
فمن أنكر منهم: أن الله عز وجل لا يعلم ما لم يكن قبل أن يكون فهو كافر.
وأن الجهمية كفار.
وأن الرافضة رفضوا الإسلام.
والخوارج مراق.
ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر.
ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول لا ادري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي.
ومن وقف في القرآن جاهلاً عُلِّم وبُدِّع ولم يكفر.
ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي.
قال أبو محمد وسمدت أبي يقول:
وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر. وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار.
وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشهبة.
وعلامة القدرية: تسميتهم أهل الأثر مجبرة.
وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية.
وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة.
ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء.
وقال أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم
وسمعت أبي وأبا زرعة يهجران أهل الزيغ والبدع يغلظان في ذلك أشد التغليظ وينكران وضع الكتب برأي في غير أثار.
وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبدا.
قال أبو محمد: وبه أقول! أنا.
وقال أبو علي بن حبيش المقري: وبه أقول.
قال شيخنا (ابن المظفر) 1: وبه أقول.
وقال شيخنا: يعني المصنف وبه أقول.
وقال الطريثيني: وبه أقول.
وقال شيخنا السلفي: وبه نقول.
ووجدت في بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي رحمه الله مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم لإحسان وترك النظر في موضع بدعهم والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل: أبي عبد الله بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأبي عبيد القاسم بن سلام والشافعي. ولزوماً الكتاب والسنة والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل:
1 الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ابن الحافظ الجامع التميمي الراوي قال أبو يعلي الخليلي، أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأنصار وقال ابن الأهول: هو صاحب الجرح والتعديل والعلل والمبوب على أبواب الفقه وغيرها. توفي رحمه الله سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. شذرات الذهب 2/308.
مالك بن أنس في المدينة والأوزاعي بالشام والليث بن سعد: بمصر، وسفيان الثوري وحماد بن زياد بالعراق، من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.
وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين.
وترك النظر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه، وشاجر ديه1 مثل: داود الأصبهاني وأشكاله ومتبعيه.
والقرآن كلام الله علمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ليس بمخلوق بجهة من الجهات.
ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر بالله كفراً ينقل عن الملة. ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر.
والواقفة واللفظية جهمية. جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل.
والإتباع للأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان.
وترك كلام المتكلمين وترك مجالستهم وهجرانهم وترك مجالسة من وضع الكتب بالرأي بلا آثار.
واختيارنا أن الإيمان: قول وعمل إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان، مثل الصلاة والزكاة لمن كان له مال، والحج لمن استطاع إليه سبيلا. وصوم شهر رمضان وجميع فرائض الله التي فرض على عباده: العمل به من الإيمان.
والإيمان يزيد وينقص.
ونؤمن بعذاب القبر.
وبالحوض المكرم به النبي صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بالمساءلة في القبر.
وبالكرام الكاتبين.
1 هكذا في جميع النسخ.
وبالشفاعة المخصوص بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ونترحم على جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نسب أحداً منهم لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] .
والصواب نعتقد ونزعم1 أن الله على عرشه بائن من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
ولا نرى الخروج على الأئمة ولا نقاتل في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولي الله عز وجل أمرنا.
ونرى الصلاة والحج والجهاد مع الأئمة ودفع صدقات المواشي إليهم.
ونؤمن بما جاءت به الآثار الصحيحة بأنه يخرج قوم من النار من الموحدين بالشفاعة.
ونقول إنا مؤمنون بالله عز وجل. وكره سفيان الثوري أن يقول: أنا مؤمن حقاً عند الله ومستكمل الإيمان وكذلك قول الأوزاعي أيضاً. وعلامة أهل البدع: أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة.
وعلامة القدرية: أن يسموا أهل السنة مجبرة.
وعلامة الزنادقة: أن يسموا أهل الأثر حشوية. ويريدون إبطال الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفقنا الله وكل مؤمن لما يحب ويرضى من القول والعمل وصلى الله على محمد وآله وسلم.
1 والزعم لا يجوز إطلاقه على الأمور اليقينية وقضايا العقيدة ينبغي أن تكون في مرتبة اليقين لا مرتبة الزعم ولهذا فلا ينبغي استعمال الزعم هنا. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "بئس مطية الرجل: زعموا" رواه أبو داود: ح/4972.
17-
اعتقاد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري1-2 المتوفى سنة 310هـ
قال اللالكائي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد- قراءة عليه- قال أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال أبو جعفر محمد بن جرير:
فأول ما نبدأ فيه القول من ذلك كلام الله عز وجل وتنزيله إذ كان من معاني توحيده: فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله عز وجل غير مخلوق، كيف كتب و (كيف) تلى. وأي موضع قريء، في السماء وجد أو في الأرض، حيث حفظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوباً في الواح صبيان الكتاتيب مرسوماً، في حجر نقش أو في ورق خط، في القلب حفظ أو باللسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآناً في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه، أو قال بلسانه دايناً به فهو بالله كافر حلال الدم، وبريء من الله والله بريء منه لقول الله جل ثناؤه:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [سورة البروج 21، 22] وقال وقوله الحق: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [سورة التوبة: 6] . فأخبرنا جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع وهو قرآن واحد من محمد مسموع وفي اللوح المحفوظ مكتوب وكذلك في الصدور محفوظ وبألسن الشيوخ والشبان متلو.
فمن روى عنا أو حكى عنا أو تقول علينا، أو ادعى علينا أنا قلنا غير
1 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة كان مجتهداً لا يقلد أحداً. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. قال الخطيب: كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. توفى رحمه الله سنة عشر وثلاثمائة، شذرات الذهب 2/260.
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/206.
ذلك، فعليه لعنة الله وغضبه، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وهتك ستره وفضحه على رؤوس الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وأما الصواب من القول لدينا في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وهو ديننا الذين ندين الله به وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصواب لدينا في القول فيما اختلف فيه من أفعال العباد وحسناتهم وسيئاتهم إن جميع ذلك من عند الله والله مقدره ومدبره لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يحدث شيء إلا بمشيئته له الخلق والأمر.
والصواب لدينا من القول: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مضى أهل الدين والفضل.
والقول في ألفاظ العباد بالقرآن: فلا أثر فيه أعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفي إلا عمن في قوله الشفاء والغنا رحمة الله عليه ورضوانه وفي إتباعه الرشد والهدى ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل.
فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية لقول الله عز وجل: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ممن يسمع؟
وأما القول في الاسم أهو المسمى (أو) غير المسمى فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ولا قول من إمام فيستمع والخوض فيه شين والصمت عنه زين، وحسب امرىء من العلم به والقول فيه أن ينتهى إلى قول الصادق عز وجل وهو قوله {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] .
ويعلم أن ربه هو الذي على {الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 5،6] .
فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر فليبغ الشاهد منكم أيها الناس من بعد منا فنأي أو قرب فدنا:
إن الدين الذي ندين به في الأشياء التي ذكرناها ما بيناه لكم على ما وصفناه، فمن روى خلاف ذلك أو أضاف إلينا سواه أو نحلنا في ذلك قولاً غيره فهو كاذب (مفتر) معتد متخرص يبوء بإثم الله وسخطه، وعليه غضب الله ولعنته في الدارين وحق على الله أن يورده المورد الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرباه، وأن يحله المحل الذي أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحله أمثاله.
18-
اعتقاد أبي بكر بن أبي داود1 المتوفى سنة 316هـ
قال الإمام الحجة العالم الأثري الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشهير بالذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) أخبرنا أحمد بن عبد الحميد أنبأنا محمد بن قدامة سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرتنا فاطمة بنت على، أنبأنا على بن بيان، أنبأنا الحسين ابن علي الطناحيري، أنبأنا أبو حفص ابن شاهين لمحال: قال شيخنا أبو بكر عبد الله بن سليمان هذه القصيدة وجعلها محسنة.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
…
ولا تك بدعياً لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي
…
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
…
بذلك دان الأولياء وافصحوا
ولا في القرآن بالوقف قائلاً
…
كما قال اتباع لجهم وصصحوا
ولا تقل القرآن خلق قراءة2
…
فإن كلام الله باللفظ يوضح
وقل ينجلي3 الله للخلق جهرة
…
كما البدر لا يخفي وربك أوضح
وليس بمولود وليس بوالد
…
وليس له شبه تعالى المسبح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
…
بمصداق ما قلنا حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد
…
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح
1 هو أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعت الحافظ السجستاني ابن الحافظ ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين. قال ابن شاهين كان ابن أبي داود يملى علينا من حفظه، ومن روى عنه ابن المظفر والدارقطني وأبو أحمد الحاكم وغيرهم. توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة، شذرات الذهب 2/ 273.
2 أي لا تقل القرآن مخلوق ولا لفظي بالقرآن مخلوق وانظر مجموعة رسائل الكمالية رقم (5) في المناظرات بين الفحول من علماء الإسلام وأعلامه: "البخاري ومحمد بن يحيى الدهلي".
3 يتجلى: فيراه المؤمنون.
وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه
…
وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة
…
بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله
…
فتفرج أبواب السماء وتفتح
يقول ألا مستغفر يلق غافراً
…
ومستمنحا خيراً ورزقاً فيمنح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهم
…
ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
وقل إن خير الناس بعد محمد
…
وزيراه قدما ثم عثمان الأرجح
وأربعهم خير البرية بعدهم
…
على حليف الخير للخير ممنح
وإنهم والرهط لا ريب فيهم
…
على نجب الفردوس بالنور تسرح
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة
…
وعامر فهر والزبير الممدح
وقل خير قول في الصحابة كلهم
…
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم
…
وفي الفتح آي1 في الصحابة تمدح
وبالقدر المقدور أيقن فإنه
…
دعامة عقد الدين والدين أفيح2
ولا تنكرن جهلا نكيراً ومنكراً
…
ولا الحوض والميزان إنك تنصح
وله منظومة في العقيدة السلفية
ومن عقود السنة الإيمان
…
بكل ما جاء به القرآن
وبالحديث المسند المروي
…
عن الأئمة عن النبي
وأن ربنا قديم لم يزل
…
وهو دائم إلى غير أجل
كلم موسى عبده تكليماً
…
ولم يزل مدبراً حكيماً
كلامه وقوله قديم
…
وهو فوق عرشه العظيم
والقول في كتابه المفصل
…
بأنه كلامه المنزل
على رسوله النبي الصادق
…
ليس بمخلوق ولا بخالق
1 هي "محمد رسول الله والذين معه" إلخ السورة
2 الدعامة عماد البيت والأفيح الواسع السمح.
من قال فيه إنه مخلوق
…
أو محدث فقوله مروق
والوقف فيه بدعة مضلة
…
ومثل ذاك اللفظ عند الجلة
أهون بقول جهم الحسيس
…
وواصل وبشر المريسي
ذي السخف والجهل وذي العناد
…
معمر وابن أبي دؤاد
وابن عبيد شيخ الاعتزال
…
وشارع البدعة والضلال
والجاحظ القادح في الإسلام
…
وجبت هذه الأمة النظام
والفاسق المعروف بالجبائي
…
ونجله السفيه ذي الخناء
واللَاّحقيِّ وأبي هذيل
…
مؤيدي الكفر بكل ويل
وذي العمى ضرار المرتاب
…
وشبههم من أهل الارتياب
وبعد فالإيمان قول وعمل
…
ونية عن ذاك ليس ينفصل
هو على ثلاثة مبني
…
خلاف ما يقوله المرجي
وزعم الإمام الأشعري
…
وصحبه وكلهم مرضى
فتارة يزيد بالتشمير
…
وتارة ينقص بالتقصير
وحب أصحاب النبي فرض
…
ومدحهم تزلف وفرض
وأفضل الصحابة الصديق
…
وبعده المهذب الفاروق
ومن صحيح ما أتى به الخبر
…
وشاع في الناس قديماً وانتشر
نزول ربنا بلا امتراء
…
في كل ليلة إلى السماء
من غير ما حد ولا تكييف
…
سبحانه من قادر لطيف
ورؤية المهيمن الجبار
…
وأننا نراه بالأبصار
يوم القيامة بلا ازدحام
…
كرؤية البدر بلا غمام
وضغطه القبر على المقبور
…
وفتنة المنكر والنكير
فالحمد لله الذي هدانا
…
لواضح السنة واجتبانا1
1 سير أعلام النبلاء 18/ 81- 82- 83.
وله منظومة أخرى في فضل أهل الحديث وعقائده.
وقل يخرج الله العظيم بفضله
…
من النار أجساداً من الفحم تطرح
على النهر في الفردوس تحيا بمائة
…
كحبة حمل السبل إذ جاء يطفح
وأن رسول الله للخلق شافع
…
وقل في عذاب القبر حق موضح
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
…
فكلهم يعصى وذو العرش يصفح
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه
…
مقال لمن يهواه يردى ويفضح
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه
…
ألا إنما المرجي بالدين يمزح
وقل إنما الإيمان قول ونية
…
وفعل على قول النبي مصرح
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة
…
بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
…
فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهوا بدينهم
…
فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه
…
فأنت على خير تبيت وتصبح
قال الإمام الكبير، والحافظ الشهير، شمس الدين الذهبي في كتابه العلو:
هذه القصيدة متواترة عن ناظمها، رواها الآجري وصنف لها شرحاً، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، قال ابن أبي داود. هذا قول أبي وقول شيوخنا، وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب، كان أبو بكر من الحفاظ المبرزين، ما هو بدون أبيه، صنف التصانيف وانتهت إليه رئاسة الحنابلة ببغداد، توفي سنة 316 ست عشرة وثلثمائة آهـ.
19-
اعتقاد نصر المقدسي
قال الشيخ الإمام الفقيه نصر رحمه الله1 المتوفى سنة 490هـ
إن قال قائل: ذكرت ما يجب على أهل الإسلام من إتباع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الأئمة والعلماء، ممن عرف بالعلم والدين والصدق واليقين، وذكرت المنع من البدع، وذم الكلام، والأهواء الخارجة عن الحق والصواب، ووجوب ترك ذلك، والأخذ بما عليه أهل السنة والجماعة، فأذكر مذاهبهم، وما أجمعوا عليه من اعتقادهم، وما يلزمنا المصير إليه من إجماعهم، لنعلم ذلك ونصير إليه ونعتقده ونعتمد عليه.
فالجواب وبالله التوفيق:
إن الذي أدركت عليه أهل العلم2، ومن لقيتهم، وأحدث عنهم، ومن بلغني قوله من غيرهم، ممن يعول عليه ويرجع في النوازل إليه، ممن ينطق عن علم صائب، وفهم ثاقب، وأمانة قوية، وديانة أصلية، مشهور في وقته بالإمامة، موصوف بالقوة والزعامة، ناطق عن الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة، مجانب للبدعة والضلالة والأهواء والجهالة3 أنه لا يجوز اعتقاد ما لم يكن له أصل في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان عليهم من الله
1 أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف، كان إماماً علامة مفتياً محدثاً حافظاً زاهداً متبتلاً ورعاً كبير القدر عديم النظير. ومن تصانيفه التهذيب والتقريب وكتاب المقصود له وهو أحكام مجردة وكتاب الكافي وله شرح متوسط على كتاب الإشارة لشيخه سليم وله كتاب الحجة على تارك المحجة وغيرها توفي رحمه الله سنة تسعين وأربعمائة. شذرات الذهب 3/395.
2 يعني أئمة أهل الحديث أئمة أهل السنة والجماعة.
3 جاء في حاشية الأصل ما نصه: "قف على ما يجب اعتقاده على كل مسلم".
الرحمن، الرحمة والرضوان، ولا يحل الكلام فيه، وأنه بدعة وضلالة ومعصية وجهالة، ثم الاعتقاد بعد ذلك أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وأنه خلق العالم وبعث الأنبياء والرسل وأنزل عليهم الكتب وشرع لخلقه الشرائع، وأمرهم ونهاهم، وأنه يميتهم أجمعين، ثم يحييهم ليوم الدين، فيحاسبهم بما أسلفوا، ويقابلهم بما قدموا وأخروا (ما) نطقت به كتبه فهو الحق، وأخبرت به رسله فهو الصدق، وأنه لا يجوز لأحد مخالفة أمره تعالى وجل، ولا تجاوزه، نصفه بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لا نجاوز ذلك. ولا تزيد عليه، ولا نقيس بعقولنا غيره عليه، بل نسلم لذلك إليه، ونتوكل في توفيقنا عليه.
وأن الإيمان قول وعقد وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
وأن القرآن كلام الله عز وجل وحيه وتنزيله غير مخلوق كيف تلي وكيف قريء وكتب.
وأن القدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله عز وجل، قدر جميع أعمال العباد وقضاها، قبل أن يخلق أعمالهم فهم يعملون ما قدر لهم عمله وقضاه وكتبه وأمضاه، ولا يجاوز ذلك تقديره ولا يفارق ترتيبه، ولا يخرج من علمه ولا يزول عن حكمه.
وأن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم على بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وأنهم هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتباعهم ونهى عن خلافهم.
وأن العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد على ما شهد به، وكذلك من سواهم ممن أخبر عنه بذلك، أو وعده على عمل عمله أو فعل فعله الجنة. والترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر فضائلهم، وترك الخوض والنظر فيما شجر بينهم.
وأن الله تعالى مستو على عرشه، باين من خلقه، كما قال في كتابه العزيز الحكيم، {أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28]{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] .
وأن الله تعالى يرى في الآخرة يراه المؤمنون بأبصارهم والكفار عن رأيته محجوبون.
وأن الجنة حق وأن النار حق وأنهما مخلوقتان لا يفنيان أبداً.
وأن الميزان حق.
وأن الحوض المكرم به نبينا صلى الله عليه وسلم حق.
وأن الشفاعة حق، وأن أناساً من أهل التوحيد يخرجون من النار، ولا يبقى فيها من كان في قلبه شيء من الإيمان.
وأن عذاب القبر حق.
وأن منكر ونكير حق.
وأن الكرام الكاتبين حق.
وأن أهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، بل نحكم بإيمانهم وأحكامهم وموازينهم ونكل سرائرهم إلى الله تعالى.
ونرى الحج والعمرة والجهاد والجمعة والصلوات وجميع الطاعات مع أئمة المسلمين ماض إلى يوم القيامة.
والسمع والطاعة لولاة الأمر في طاعة الله عز وجل دون معصيته.
فهذا ما أدركتهم عليه، وبلغني عنهم رحمهم الله تبارك وتعالى ووفقنا وإياكم لما يرضيه، واستعملنا فيما يحبه ويرتضيه، فإنما نحن به وإليه. وأنا أذكر بعد هذا، ما بلغني عمن أشرت إليه من الأئمة في ذلك بأسانيده مع اختلافهم في البسط والاختصار، واتفاق المعاني واختلاف الألفاظ، وأنقل قبل ذلك خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق.
عن عبد الرحمن العمي عن أبيه عن أربعين من التابعين عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تسع من سنن الهدى وفيهن الجماعة (ومن) خرج منهن خرج من الجماعة، لا تشهدوا على أحد من أهل قبلتكم بكفر ولا شرك ولا نفاق، وردوا سرائرهم إلى الله عز وجل وصلوا على من مات من أهل قبلتكم وأشهدوا الصلوات الخمس والجمعة في الجماعة، مع كل إمام بار أو فاجر، وجاهدوا المشركين مع كل خليفة، لكم جهادكم وعليهم مآثمهم، ولا تخرجوا عن أئمتكم بالسيف وإن جاروا وادعو لأئمتكم بالصلاح والمعافاة، ولا تدعوا عليهم، وجانبوا الأهواء كلها فإن أولها وآخرها باطل.
20-
اعتقاد أحمد القادر بالله1 المتوفى سنة 422 هـ
قال ابن الجوزي: "أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخرج الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبو جعفر بن القادر بالله في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة الاعتقاد القادري، الذي ذكره القادر فقريء في الديوان وحضر الزهاد والعلماء، وممن حضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني، فكتب خطه تحته قبل أن يكتب الفقهاء وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر وهو:
يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك وهو أول لم يزل وآخر لا يزال، قادر على كل شيء غير عاجز عن شيء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون غني غير محتاج إلى شيء لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يطعم ولا يُطعم ولا يستوحش من وحدة ولا يأنس بشيء وهو الغني عن كل شيء لا تخلفه الدهور والأزمان وكيف تغيره الدهور والأزمان وهو خالق الدهور والأزمان والليل والنهار والضوء والظلمة والسموات والأرض وما فيها من أنواع الخلق والبر والبحر وما فيهما وكل شيء حي أو موات أو جماد. كان ربنا
1 هو القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة قال الخطيب: كان من أهل الستر والديانة وإدامة التهجيد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه صنف كتاباً في الأصول فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن.
عده الشيخ تقي الدين بن الصلاح من فقهاء الشافعية ومدته في الخلافة من أطول المدد قال الذهبي: لما مات القادر بالله استخلف ابنه القائم بأمر الله وله إحدى وثلاثون سنة فبايعه الشريف المرتضى ثم إن الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة فقال إن القادر لم يخلف مالأ وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء توفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، شذرات الذهب 2/ 221، 222، 223.
وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجته إليه فاستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة كما يستريح الخلق وهو مدبر السموات والأرضين ومدبر ما فيهن ومن في البر والبحر ولا مدبر غيره ولا حافظ سواه يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون كلهم والخلق كلهم أجمعين وهو القادر بقدرة والعالم بعلم أزلي غير مستفاد وهو السميع بسمع والمبصر ببصر يعرف صفتهما من نفسه لا يبلغ كنههما أحد من خلقه متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه عليه السلام وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقية لا مجازية ويعلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلم به تكليماً وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل بعد ما سمعه جبريل منه فتلاه جبريل على محمد وتلاه محمد على أصحابه وتلاه أصحابه على الأمة ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقاً لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم الله به فهو غير مخلوق فبكل حال متلواً ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً ومن قال أنه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ويعلم أن الإيمان قول وعمل ونية وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح وتصديق به يزيد وينقص: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو ذو أجزاء وشعب فأرفع أجزائه لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ولا بماذا يختتم له فلذلك يقول: مؤمن إن شاء الله وأرجو أن أكون مؤمناً ولا يضره الاستثناء الرجاء ولا يكون بهما شاكاً ولا مرتاباً لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه من أمر الآخرة وخاتمته وكل شيء يتقرب به إلى الله تعالى ويعمل لخالص وجهه من أنواع الطاعات فرائضه وسننه وفضائله فهو كله من الإيمان منسوب إليه ولا يكون للإيمان نهاية أبداً لأنه لا نهاية للفضائل ولا للمتبوع في الفرائض أبداً.
ويجب أن يحب الصحابة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ونعلم أنهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ويشهد للعشرة بالجنة ويترحم على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سب عائشة فلا حظ له في الإسلام، ولا يقول في معاوية إلا خيراً ولا يدخل في شيء شجر بينهم، ويترحم على جماعتهم قال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وقال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] .
ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها، فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر"1 ولا يزال كافراً حتى يندم، ويعيدها، فإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد، لم يصل عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وسائر الأعمال لا يكفر بتركها وإن كان يفسق حتى يجحدها ثم قال: هذا قول أهل السنة والجماعة الذي من تمسك به كان على الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق الواضح ورجي به النجاة من النار ودخول الجنة إن شاء الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم" 2 وقال عليه السلام: "أيما عبد جاءته موعقة من الله تعالى في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها يشكر وإلا كانت حجة عليه من الله يزداد بها إثما ويزداد من الله سخطا" 3 جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين لما.
1 رواه مسلم (82) وغيره.
2 رواه مسلم (55) وغيره.
3 ضعيف. رواه البيهقي في الشعب (7415) وغيره. انظر ضعيف الجامع (2245) .
21-
اعتقاد محمد بن أحمد أبي علي الهاشمي1 المتوفى سنة 8 م 2 هـ
جاء في طبقات الحنابلة:
عنه قال: "باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات:
حقيقة الإيمان عند أهل الأديان: الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان:
أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير على كبير ولي نصير قوي مجير، ليس له شبيه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير، سبق الأشياء فهو قديم لا كقدمها، وعلم كون وجودها في نهاية عدمها. لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأبصار فتصفه، ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأبين ولم يقدم زمان فينطلق عليه التأبين، ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجرى ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] .
أراد ما الخلق فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو أراد أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه. خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا سمي له في
1 هو أبو علي الهاشمي الحنبلي محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي صاحب التصانيف قال ابن أبي يعلى في طبقاته كان سامي الذكر له القدم العالي والحظ الوافر عند الإماميين القادر بالله والقائم بأمر الله، صنف الإرشاد في المذهب وشرح كتاب الخرقي، ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وتوفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/238، 239، 240، 241.
أرضه وسمواته، على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء. كذلك سئل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه قوله عز وجل {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فقال: علمه.
والقرآن كلام الله تعالى وصفته من صفات ذاته غير مخلوق ولا محدث كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى السن الناطقين وفي أسماع السامعين وأكف الكاتبين وملاحظة الناظرين، برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزة باهرة وأن الله عز وجل كلم موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً وأنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها.
والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وأن مع كل عبد رقيباً وعتيداً وحفيظاً وشهيداً يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر، يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته.
وأن منكراً ونكيراً إلى كل أحد ينزلانه- سوى النبيين- فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الأديان.
وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب بالعذاب الأليم، وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأنه جل اسمه يعيد خلقهم كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور.
وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأنه يخرج أقواماً من النار فيسكنهم الجنة دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار.
وأن الميزان حق. توضع فيه أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من
النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار. وأن الصراط حق يجوزه الأبرار وأن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفار، وأن الإيمان غير مخلوق فهو قول وإخلاص بالجنان وعمل الأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين وأفضلهم: القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وأفضل القرن الذي صحبوه: أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم: أهل بدر إذ نصروه وأفضلهم: أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم: عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار: الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار، وأفضل الأربعة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام وأفضل القرون القرن الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم الذين يتبعونهم.
وأن نتولى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأسرهم، ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بإحسان الذكر لهم. وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ما كان فيهم من علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم فيما شجر بينهم أتباعا لقول رب العالمين:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
22-
اعتقاد أبي عثمان الصابوني1 المتوفى سنة 449هـ
قال السبكي في طبقات الشافعية: وهذه وصيته وقد وجدت بها بدمشق عند دخوله إليها حاجاً:
هذا ما أوصى به إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل أبو عثمان الصابوني، الواعظ، غير المتعظ، الموقظ، غير المتيقظ، الأمر، غير المؤتمر، الزاجر، غير المنزجر، المتعلم، المعترف، المنذر، المخوف، المخلط، المفرط، المسرف، المقترف للسيئات، المغترف، الواثق مع ذلك برحمة ربه، الراجي لمغفرته، المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيعته، الداعي الناس إلى التمسك بسنته وشريعته صلى الله عليه وسلم.
أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً [أحداً] ، فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يشرك في حكمه أحداً، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، الباقي بعد فناء خلقه، المطلع على عباده، العالم بخفيات الغيوب، الخبير بضمائر القلوب، المبدىء، المعيد، الغفور، الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
هو مولانا، فنعم المولى، ونعم النصير، يشهد بذلك كله مع الشاهدين، مقراً بلسانه، عن صحة اعتقاد، وصدق يقين، ويتحملها عن المنكرين الجاحدين، ويعدها ليوم الدين:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً
1 شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الشافعي الواعظ المفسر المصنف أحد الأعلام. قال ابن ناصر الدين كان إماماً حافظاً عمدة مقدماً في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم، وقال الذهبي: كان شيخ خراسان في زمانه. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: شيخ الإسلام صدقاً وإمام المسلمين حقاً هو أبو عثمان الصابوني. توفي رحمه الله سنة تسع وأربعين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/282، 283.
عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان: 41، 42] .
ويشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ويشهد أن الجنة حق، وجملة ما أعد الله تبارك وتعالى فيها لأوليائه حق. ويسأل مولاه الكريم، جل جلاله أن يجعلها مأواه، ومثواه، فضلاً منه وكرماً.
ويشهد أن النار، وما أعد الله فيها لأعدائه حق، ويسأل الله مولاه أن يجيره منها، ويزحزحه عنها، ويجعله من الفائزين، قال الله عز وجل:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] .
ويشهد أن صلاته، ونسكه، ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمر وهو من المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
وأنه رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، على ذلك يحيى وعليه يموت إن شاء الله عز وجل.
ويشهد أن الملائكة حق، وأن النبيين حق، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
ويشهد أن الله سبحانه وتعالى قدر الخير وأفز به، ورضيه، وأحبه، وأراد كونه من فاعله، ووعد حسن الثواب على فعله، وقدر الشر، وزجر عنه، ولم يرضه، ولم يحبه، وأراد كونه من مرتكبه غير راض به، ولا محب له، تعالى ربنا عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وتقدس أن يأمر بالمعصية، أو يحبها، ويرضاها، وجل أن يقدر العبد على فعل شيء لم يقدره عليه، أو يحدث من العبد ما لا يريده، ولا يشاؤه.
ويشهد أن القرآن كتاب الله، وكلامه، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوق، وهو الذي في المصاحف مكتوب، وبالألسنة مقروء، وفي الصدور محفوظ، وبالآذان مسموع، قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} [فاطر: 29]{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] .
ويشهد أن الإيمان تصديق بالقلب، بما أمر الله أن يصدق به، وإقرار باللسان بما أمر الله أن يقر به، وعمل بالجوارح بما أمر الله أن يعمل به، وانزجار عما زجر عنه، من كمسب قلب، وقول لسان، وعمل جوارح، وأ ركان.
ويشهد أن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه، استوى عليه كما بينه
في كتابه، في قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] وقوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان: 59] في آيات أخر، والرسول صلى الله عليه وسلم تسليماً، ذكره فيما نقل عنه، من غير أن يكيف استواءه عليه، أو يجعل لفعله، وفهمه، أو وهمه سبيلاً إلى إثبات كيفيته، إذ الكيفية عن صفات ربنا منفية.
قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، في جواب من سأله عن كيفية الاستواء:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة، وأظنك زنديقاً، أخرجوه من المسجد".
ويشهد أن الله تعالى موصوف بصفات العُلَي، التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، لا ينفي شيئاً منها ولا يعتقد شبها
له بصفات خلقه، بل يقول: إن صفاته لا تشبه صفات المربوبين، كما لا تشبه ذاته ذوات المحدثين، تعالى الله عما يقول المعطلة، والمشبهة علواً كبيراً.
ويسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات البارىء، جل جلاله، والأخبار التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بابها، كآيات مجيء الرب يوم القيامة، وإتيان الله في ظلل من الغمام، وخلق آدم بيده، واستوائه على عرشه، وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والضحك، والنجوى، ووضع الكنف على من يناجيه يوم القيامة، وغيرها، مسلك السلف الصالح، وأئمة الدين، من قبولها، وروايتها على وجهها، بعد صحة سندها، وإيرادها على ظاهرها، والتصديق بها، والتسليم لها، واتقاء اعتقاد التكييف، والتشبيه فيها، واجتناب ما يؤدي إلى القول بردها، وترك قبولها، أو تحريفها بتأويل يستنكر، ولم ينزل الله به سلطاناً، ولم يجر به للصحابة، والتابعين، والسلف الصالحين لسان.
وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه [و] في الاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به، ونهوا، وزجروا عنه، فالجدال فيه والتعمق في دقائقه، والتخبط في ظلماته، كل ذلك يفسد القلب، ويسقط منه هيبة الرب، جل جلاله، ويقع الشبه الكبيرة فيه، ويسلب البركة في الحال، ويهدى إلى الباطل، والمحال، والخصومة في الدين، والجدال، وكثرة القيل والقال، في الرب ذي الجلال، الكبير المتعال، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، الحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، حمداً كثيراً.
ويشهد أن القيامة حق، وكل ما ورد به الكتاب والأخبار الصحاح من أشراطها، وأهوالها، وما وُعدنا به، وأوعدنا به فيها فهو حق، نؤمن به ونصدق الله سبحان، ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عنه، كالحوض، والميزان، والصراط، وقراءة الكتب، والحساب، والسؤال، والعرض، والوقوف،
والصَّدَر عن المحشر إلى جنة أو [إلى] نار، مع الشفاعة الموعودة لأهل التوحيد، وغير ذلك، مما هو مبين في الكتاب، ومدون في الكتب الجامعة لصحاح الأخبار.
ويشهد بذلك كله في الشاهدين، ويستعين بالله تبارك وتعالى في الثبات على هذه الشهادات إلى الممات، حتى يتوفى عليها، في جملة المسلمين، المؤمنين، الموقنين، الموحدين.
ويشهد أن الله تبارك وتعالى يمن على أوليائه بوجوه ناضرة، إلى ربها ناظرة، ويرونه عياناً في دار البقاء، لا يضارون في رؤيته، ولا يمارون، ولا يضامون، ويسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل وجهه من تلك الوجوه، ويقيه كل بلاء، وسوء ومكروه، ويبلغه كل ما يؤمله من فضله، ويرجوه بمنه.
ويشهد أن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، ويترحم على جميع الصحابة، ويتولاهم، ويستغفر لهم، وكذلك ذريته، وأزواجه أمهات المؤمنين، ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله معهم، ويرجو أن يفعله به، فإنه قد صح عنده من طرق شتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المرء مع من أحب"1.
ويوصي إلى من يخلفه من ولد، وأخ، وأهل، وقريب، وصديق، وجميع من يقبل وصيته من المسلمين عامة أن يشهدوا بجميع ما شهد به، وأن يتقوا الله حق تقاته، وألا يموتوا إلا وهم مسلمون {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] .
ويوصيهم بصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، والأقارب، والإخوان، ومعرفة حق الأكابر، والرحمة على الأصاغر.
1 رواه البخاري (3688) - 6167- 6170) ومسلم (2639- 264) والترمذي (2385) وغيرهم.
وينهاهم عن التدابر، والتباغض، والتقاطع والتحاسد.
ويأمرهم أن يكونوا إخواناً على الخيرات، أعواناً، وأن يعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، ويتبعوا الكتاب والسنة، وما كان عليه علماء الأمة، وأئمة الملة، كمالك بن أنس، والشافعي، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وغيرهم من أئمة المسلمين، وعلماء الدين، رضي الله عنهم أجمعين، وجمع بيننا وبينهم في ظل طوبى ومستراح العابدين.
أوصى بهذا كله إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، إلى أولاده، وأهله، وأصحابه، ومختلفة مجالسه.
وأوصى أنه إذا نزلت به المنية، التي لا شك أنها نازلة، والله يسأل خير ذلك اليوم الذي تنزل المنية به فيه، وخير تلك الليلة التي تنزل به فيه، وخير تلك الساعة وخير ما قبلها، وخير ما بعدها، أن يلبس لباساً طيباً، حسناً، طاهراً، نقياً، ويوضع على رأسه العمامة التي كان يشدها في حال حياته، وضعاً على الهيئة التي كان يضعها على رأسه أيام حياته، ويوضع الرداء على عاتقيه ويضجع مستلقياً على قفاه، موجهاً إلى القبلة، وتجلس أولاده عند رأسه، ويضعوا المصاحف على حجورهم، ويقرءوا القرآن جهراً، وحرج عليهم ألا يمكنوا امرأة لا قرابة بينه وبينها، ولا نسب، ولا سبب من طريق الزوجية تقرب من مضجعه تلك الساعة، أو تدخل بيتاً يكون فيه، وكذلك يحرج عليهم أن يأذنوا لأحد من الرجال في الدخول عليه في تلك الساعة، بل يأمرون الأخ، والأحباب، وغيرهم أن يجلسوا في المدرسة، ولا يدخلوا الدار، وليساعدوا الأصحاب في قراءة القرآن، وإمداده بالدعاء، فلعل الله سبحانه وتعالى [أن] يهون عليه سكرات الموت، ويسهل له اقتحام عقبة الموت على الإسلام والسنة، في سلامة وعافية.
وأوصى إذا قضى نحبه، وأجاب ربه، وفارقت روحه جسده، أن يشد ذقنه، وتغمض عيناه، وتمد أعضاؤه، ويسجى بثوب، ولا يكشف عن
وجهه لينظر إليه، إلا أن يأتيه غاسله، فيحمله إلى مغتسله، جعل الله ذلك الحمل مباركاً عليه، ونظر بعين الرحمة إلهي، وغفر له ما قدمه من الأعمال السيئة بين يديه.
وأوصى ألا يناح عليه، وأن يمنع أولياؤه، وجميع الناس من الرجال والنساء أنفسهم عن الشق، والحلق، والتخريق للثياب، والتمزيق، وألا يبكوا عليه إلا بكاء حزن قلب، ودموع عين، لا يقدرون على ردهما، ودفعهما، وأما دعاء بويل، ورن شيطان وخمش وجوه، وحلق شعر، ونتفه، وتخريق ثوب وتمزيقه، وفتقه، فلا، وهو بريء ممن فعل شيئاً من ذلك كما برىء النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
وأوصى أن يعجل تجهيزه، وغسله، وتكفينه، وحمله إلى حفرته، ولا يحبس، ولا يبطأ به، وإن مات ضحوة النهار، أو وقت الزوال، أو بكرة، فإنه لا يؤخر تجهيزه إلى الغد، ولا يترك ميتاً بين أهله بالليل أصلاً، بل يعجل أمره، فينقل إلى حفرته نقلاً، بعد أن يغسل وتراً، ويجعل في آخر غسلة من غسلاته كافور، ويكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية1 إن وجدت، فإن لم توجد سحولية كفن في ثلاثة أثواب بيض، ليس فيها قميص، ولا عمامة، ويجمر2 كفنه وتراً، لا شفعاً قبل أن يلف عليه، ويسرع بالسير بجنازته، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل للصلاة عليه إلى ميدان الحسين، ويصلى عليه ولده أبو نصر، إن كان حاضراً، فإن عجز عن القيام بالصلاة عليه، فأمر الصلاة عليه إلى أخيه أبي يعلى، ثم يرد إلى المدرسة، فيدفن فيها بين يدي والده الشهيد، رضي الله تعالى عنه، ويلحد له لحد3 وينصب عليه اللبن نصباً، ولا يشق له شق4، ولا يتخذ له
1 نسبة إلى السحول، وهو القصار، أو إلى سحول، وهي قرية باليمن. النهاية 2/ 347.
2 جمر ثوبه تجميراً: بخره. المصباح المنير.
3 في الأصول: "لحداً".
4 في الأصول: "شقاً".
تابوت أصلاً، ولا يوضع في التابوت للحمل إلى المصلى، وليوضع على الجنازة ملفوفاً في الكفن، مسجى بثوب أبيض، ليس فيه إبريسم1 بحال، ولا يطين قبره، ولا يجصص، ويرش عليه الماء، ويوضع عليه الحصا، ويمكث عند قبره مقدار ما ينحر جزور، وينقسم لحمه حتى يعلم ما يراجع به رسل ربه، جل وعلا، ويسأل الله تعالى على رأس قبره له التثبيت الموعود لجملة المؤمنين، في قوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] ويستغفر له، ولوالديه، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ولا ينسى، بل يذكر بالدعاء، فإن المؤمن إذا قبر كان كالغريق المغتوت2، ينتظر دعوة صالحة تلحقه، ولا يمكن أحد من الجواري، والنسوان [أن] يكشفن رؤوسهن، وأن يندبنه في ذلك الوقت، بل يشتغل الكل بالدعاء والاستغفار، لعل الله سبحانه وتعالى يهون عليه الأمر في ذلك الوقت، وييسر خروج منكر ونكير من قبره، على الرضا منه، وينصرفان عنه، وقد قالا له: نم نومة العروس، فلا روعة عليك، ويفتحان في قبره باباً من الجنة، فضلاً من الله ومنه، فيفوز فوزاً عظيماً، ويحوز ثواباً كريماً، ويلقى روحاً وريحاناً، ورباً كريماً رحيماً آخر الوصية.
1 الإبريسم: الحرير.
2 غته في الماء يغته غتاً: غطه، والمغتوت: المغموم، اللسان (غ ت ت) 2/63.
23-
اعتقاد الخطيب البغدادي1 المتوفى سنة 463هـ
أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي، قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي- قراءة عليه، وأنا أسمع، في شوال سنة أربع وتسعين وأربع مئة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب:
أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى البزار- بهمدان- حدثنا صالح بن أحمد الحافظ، قال:
سمعت عبد الله بن إسحاق بن سيامرد يقول: التقيت مع المروذي بطسوس، فقلت له: يا أبا بكر، كيف سمعت أبا عبد الله يقول في القرآن؟
قال: سمعت أبا عبد الله يقول:
القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال:(مخلوق) فهو كافر.
قلت: كيف سمعته يقول فيمن وقف؟
قال: هذا رجل سوء، وأخاف أن يدعو إلى خلق القرآن.
قلت له: يا أبا بكر، كيف سمعت أبا عبد الله يقول في اللفظ؟
قال: من قال: لفظه في القرآن مخلوق فهو جهمي.
1 أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ أحد الأئمة الأعلام وصاحب التأليف المنتشرة في الإسلام ولد في جمادى الآخرة سنة 392 هـ روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما، قال ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظاً وإثباتاً وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفنناً في علله وأسانيده وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره، قال لم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله.
وله تاريخ بغداد الذي لم يصنف مثله، وقال ابن الأهدل: تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة وبرع فيه ثم غلب عليه الحديث والتاريخ مات رحمه الله سنة ثلاث وستين وأربعمائة، الشذرات ج3/311، 312.
قلت أنا له: وأيش الجهمي؟
قال: شك في الله أربعين صباحاً.
قلت: من شك في الله، فهو كافر.
قال: نعم.
أخبرنا الشيخ أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي- إذناً- قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني قراءة عليه، وأنا أسمع في ربيع الأول من سنة ست وخمس مئة- قال: أخبرنا الخطيب الحافظ أبو بكر أحمد بن علي البغدادي، قال:
كتب إلي بعض أهل دمشق يسألني عن مسائل- ذكرها- فأجبته عن ذلك- وقرأه لنا في جواب ما سئل عنه- فقال:
وقفت على ما كتب به الشيخ الفاضل، أدام الله تأييده وأحسن توفيقه وتسديده، وسكنت إلى ما تأدى إلي من علم أخباره، أجراها.. على آثاره، وأجيبه بما أرجو أن يقع وفاق اختياره، واسأل الله العصمة من الزلل والتوفيق، لإدراك صواب القول والعمل، بمنته ورحمته.
أما الكلام في الصفات:
فإن ما روى منها في السنن الصحاح مذهب السلف- رضوان الله عليهم- إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها.
وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف.
والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمور، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.
والأصل في هذا:
أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل هو إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله تعالى يد، وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا تشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، وأدوات للفعل.
ونقول: إنما وجب إثباتها؟ لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تبارك وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقوله عز رجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] .
ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبسوا على من ضعف علمه، بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد، ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه، وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات، يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات، لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى، ومنزلة على هذا التنزيل، يرد المتشابه منها إلى المحكم، ويقبل الجميع.
فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام:
منها: أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها، لاستفاضتها وعدالة نقلتها، فيجب قبولها والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما
يقتضى تشبيه الله بخلقه، ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات، والتغير والحركات.
والقسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية، وألفاظ شنيعة، أجمع أهل العلم (بـ) النقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها، ولا التعريج عليها.
والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها، فقبلها البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها، لتلحق بأهل القبول، أو تجعل في حيز الفساد والبطول.
وأما تعيين الأحاديث، فإني لم أشتغل بها، ولا تقدم مني جمع لها، ولعل ذلك يكون فيما بعد، إن شاء الله.
24-
اعتقاد سعد بن علي الزنجاني المتوفى سنة 471هـ1
له قصيدة أبدى عقيدة السلف ونقل منها الإمام ابن القيم في الجيوش والذهبي في السير وهي من أبلغ القصائد:
تدبر كلام الله واعتمد الخبر
…
ودع عنك رأياً لا يلائمه الأثر
ونهج الهدى فالزمه واقتد بالألى
…
هم شهدوا التنزيل علّك تنجبر
وكن موقناً أنَّا وكل مكلف
…
أمرنا بقفوا الحق والأخذ بالحذر
وحكم فيما بيننا قول مالك
…
قدير حليم عالم الغيب مقتدر
سميع بصير واحد متكلم
…
مريد لما يجري على الخلق من قدر
وفي ترك أمر المصطفى فتنة فذر
…
خلاف الذي قد قاله واتل واعتبر2
في اجتماع الجيوش:
تمسك بحبل الله واتبع الأثر
…
ودع عنك رأياً لا يلائمه خبر
1 هو أبو القاسم الزنجاني سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين شيخ الحرم والحفاظ كان حافظاً قدوة علماً ثقة زاهداً روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء وعبد الرحمن بن ياسر. توفى في أول سنة إحدى وسبعين وأربعمائة أو في آخر سنة سبعين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/ 339، 340.
2 سير أعلام النبلاء (18/ 387- 388) .
قال ابن القيم: وقال في شرح هذه القصيدة: والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص ونطق القرآن، وليس معنى اسوائه أنه ملكه واستولى عليه لأنه كان مستولياً عليه قبل ذلك وهو أحدثه، لأنه مالك جميع الخلائق ومستولي عليها، وليس معنى الاستواء أيضاً أنه ماس العرش أو اعتمد عليه أو طابقه فإن كل ذلك ممتنع في وصفه جل ذكره ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه1.
1 اجتماع الجيوش الإسلامية (تحقيق د. عواد عبد الله) . ص: 197.
25-
اعتقاد الشيخ الإمام الجليل ناصح الإسلام أبي الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني الحنبلي المتوفى سنة 510هـ، رحمه الله تعالى وعفا عنه1
دع عنك تذكار الخليط المنجد
…
والشوق نحو الآنسات الخرد
والنوح في أطلال3 سعدى إنما
…
تذكار سعدي شغل من لم يسعد
واسمع مقالي إن أردت تخلصاً
…
يوم الحساب وخذ بهذا تهتد
واقصد فإني قد قفيت موفقاً
…
نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
خير البرية بعد صحب محمد
…
والتابعين إمام كل موحد
ذي العلم والرأي الأصيل ومن حوي
…
شرفاً علا فوق السما والفرقد4
واعلم بأني قد نظمت مسائلاً
…
لم آل5 فيها النصح غير مقلد
وأجبت عن تسال كل مهذب
…
ذي صولة يوم الجدال مسود6
هجر الرقاد وبات ساهر ليله
…
ذي همة لا يستلذ بمرقد
قوم طعامهم دراسة علمهم
…
يتسابقون إلى العلا والسؤدد
قالوا بما عرف المكلف ربه؟
…
فأجبت بالنظم الصحيح المرشد
قالوا فهل رب الخلائق واحد؟
…
ملت الكمال لربنا المتفرد
1 هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي وليست الكلواذني حيث إنها خطأ على ما في معجم البلدان حيث يقول "الكلواذي ويقال الكلوذي" وضبطها بكسر الكاف. كان إماماً علامة ورعاً صالحاً وافر العقل غزير العلم تفقه على القاضي أبي يعلى وحدث عن الجوهري، وروى عنه ابن ناصر وأبو المعمر الأنصاري وقال السلفي: أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد يفتي في مذهبه توفي رحمه الله في جمادي الآخرة سنة عشرة وخمسمائة، شذرات الذهب 4/27، 28.
2 الخليط العشير المخالط والمجاور، والمنجد المسافر إلى نجد كالمعرق والمتهم والخرد جمع خريدة وهي البكر لم تمس قط.
3 الإطلال جمع طلل وهو الشاخص من الآثار.
4 الفرقد نجم قريب من القطب الشمالي يهتدي به.
5 لم آل أي لم أقصر.
6 أي أجبت فيها عما يتساءل عنه كل مهذب يصول بسيف الحجة في ميدان الجدال فيعترف له بالسيادة على الأقران.
قالوا فهل تصف الإله؟ أبِنْ لنا
…
قلت الصفات لذي الجلال السرمدي
قالوا فهل تلك الصفات قديمة
…
كالذات؟ قلت كذاك لم تتجدد
قالوا فهل لله عندك مشبه؟
…
قلت المشبه في الجحيم الموقد
قالوا فهل هو في الأماكن كلها؟
…
قلت الأماكن لا تحيط بسيدي
قالوا فتزعم أن ذي العرش استوى؟
…
قلت الصواب كذلك أخبر سيدي
قالوا فما معنى استواه أبِنْ لنا؟
…
فأجبتهم هذا سؤال المعتدي
قالوا فأنت تراه جسما مثلنا
…
قلت المجسم عندنا كالملحد
قالوا تصفه بأنه متكلم؟
…
قلت السكوت نقيصة بالسيد
قالوا فما القرآن؟ قلت كلامه
…
لا ريب فيه عند كل موحد
قالوا النزول؟ قلت ناقله له
…
قوم هموا نقلوا شريعة أحمد
قالوا فكيف نزوله؟ فأجبتهم
…
لم ينقل التكييف لي في مسند
قالوا فأفعال العباد؟ فقلت ما
…
من خالق غير الإله الأمجد
قالوا فهل فعل القبيح مراده؟
…
قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده نقيصة
…
سبحانه عن أن يعجزه الردي
قالوا فما الإيمان؟ قلت مجاوباً
…
عمل وتصديق بغير تردد
قالوا فمن بعد النبي خليفة؟
…
قلت الموحد قبل كل موحد
حاميه في يوم العريش1 ومن له
…
في الغار أسعده من مسعد
قالوا فمن ثاني أبو بكر2 الرضا
…
سند الشريعة باللسان وبالي
قالوا فثالثهم؟ فقلت مجاوباً
…
من بايع المختار عنه باليد
صهر النبي على ابنتيه ومن حو
…
فضلين: فضل تلاوةوتهجد
1 العريش كالعرش خيمة أو شبه بيت من الجريد والمراد بيوم العريش يوم بدر إذ صنع النبي صلى الله عليه وسلم عريشاً كان فيه ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفيه استغاث ربه ودعا على المشركين وكان أبو بكر رضي الله عنه يسليه، وفي ذلك نزول قوله تعالى {اذ تستغيثون ربكم} الآية في سورة الأنفال.
2 رفع أبا بكر على لغة من يلزم الكنية الرفع على الحكاية أو سهواً من النسخ.
أعني ابن عفان الشهيد ومن دعى
…
في الناس ذو النورين صهر محمد
قالوا فرابعهم؟ فقلت مجاوباً
…
من جاز دونهم أخوة أحمد
زوج البتول وخير من وطىء الحصى
…
بعد الثلاثة عند كل موحد
أعنى أبا الحسن الإمام ومن له
…
بين الأنام فضائل لم تجحد
ولابن هند1 في الفؤاد محبة
…
ومودة فيرغمن المعتدي
ذاك الأمين المجتبي لكتابة الو
…
حي المنزل ذو التقي والسؤود
فعليهم وعلى الصحابة كلهم
…
صلوات ربهم تروح وتغتدي
إني لأرجو أن أفوز بحبهم
…
وبما اعتقدت من الشريعة في غد2
قالوا أبان الكلوذاني الهدى
…
قلت الذي رفع السماء مؤيدي
1 هو معاوية رضي الله عنه .
2 في غد متعلق فأفوز.
26-
اعتقاد أبي الحسن الكرجي1 إمام الحرمين، المتوفى سنة 532هـ
هذا الإمام كان من كبار سيوف السنة المهتدين، أعطاه الله قوة البيان وفصاحة اللسان وقوة البلاغة، يعرف ذلك من قرأ له الأبيات التي سنذكرها إن شاء الله، وهذا الإمام من الأئمة الذين أغضبوا الشيخ النجدي- الكوثري- وحمل عليهم، فذكره في السيف الصقيل بأبشع الألقاب، وأما ابن السبكي فلا تسأل عن حماقته وتأويله البارد ودفاعه السمج عن القصيدة الرائعة التي تسمى عروس القصائد. وهي من خيرة الآثار التي خلفها الشيخ وهاك نذر يسير منها جاء في طبقات الشافعية:
ثم قال ابن السمعاني وله قصيدة تائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت، قرأتها عليه بداره في الكرج.
ثم قال: السبكي فاعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ وتلقب "بعروس القصائد في شموس العقائد".
ومنها:
عقائدهم أن الإله بذاته
…
على عرشه مع علمه بالغوائب
ومنها:
ففكرج والله من خوف أهلها
…
يذوب بها البدعي ياشر ذائب
1 هو أبو الحسن الكرجي عمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي شيخ الكرج وعالمها. قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه ثبت محدث أديب أفنى عمره في طلب العلم ونشره، وله مختصر في الفقه يقال له الذرائع في علم الشرائع. ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وتوفى في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، شذرات الذهب 4/100.
يموت ولا يقوى لإظهار بدعة
…
مخافة حز الرأس من كل جانب
ومنها:
طرائق تجسيم وطرق تجهم
…
وسبل اعتزال مثل نسج العناكب
وفي قدر الرفض طرق عمية
…
وما قيل في الإرجاء من نعب ناعب
وخبث مقال الأشعري تخنث
…
يضاهي تلويه تلوي الشغازب
يزين هذا الأشعري مقاله
…
ويشبه بالسم ياشر قاشب
فينفي تفاصيلاً ويثبت جملة
…
كناقضة من بعد شد الذوائب
يؤول آيات الصفات برأيه
…
فجرأته في الدين جرأة خارب
ويجرم بالتأويل في سنن الهدى
…
ويخلب أغماراً فأشئم بخالب
ومنها:
ولم يكن ذا علم ودين وإنما
…
بضاعته كانت مخوق مداعب
وكان كلامياً بالاحساء موته
…
بأسوأ موت ماته ذو السوائب
ومنها:
كذا كل رأس للضلالة قد مضى
…
بقتل وصلب باللحى والشوارب
كجعد وجهم والمريسي بعده
…
وذا الأشعري المبتلي شرُّ دائب
ومنها:
معايبهم توفي على مدح غيرهم
…
المبتلي المفتون عيب المعايب
وذاوللشيخ كتاب مهم بين فيه عقيدة السلف ومذاهبهم سماه الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول. ذكره شيخ الإسلام في غير ما موضع من كتبه، ونقل منه جملة كبيرة، انظر مجموع الفتاوى "الجزء الرابع".
وكذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال رحمه الله: "وله أي لأبي الحسن الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد".
27-
اعتقاد الحافظ أحمد السِّلَفِي1 المتوفى سنة 576هـ
وها أنا شارع في شرح ديني
…
ووصف عقيدتي وخفي حالي
وأجهد في البيان بقدر وسعي
…
وتخليص العقول من العقال
بشعرٍ لا كشعر بل كسحر
…
ولفظ كالشمول بل الشمال
فلست الدهر إمعة وما إن
…
أزل ولا أزول لذي النزال
فلا تصحب سوى السني دينا
…
لتحمد ما نصحنك في المآل
وجانب كل مبتدع تراه
…
فما إن عندهم غير المحال
ودع آراء أهل الزيغ رأسا
…
ولا تغررك حذلقة الرذال
فليس يدوم للبدعي رأي
…
من أين المقر لذي ارتحال
1 هو أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير سند الدنيا ومعمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني قال ابن السمعاني هو ثقة ورع متقن مثبت حافظ له حظ من العربية مات يوم الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة، شذرات الذهب 4/255.
يوافي حائراً في كل حال
…
وقد خلى طريق الاعتدال
ويترك دائباً رأياً لرأي
…
ومنه كذا سريع الإنتقال
وعمدة ما يدين به سفاها
…
فأحداث من أبواب الجدال
وقول أئمة الزيغ الذي لا
…
يشابهه سوى الداء العضال
كمعبد المضلل في هواه
…
وواصل أو كغيلان المحال
وجعد ثم جهم وابن حرب
…
حمير يستحقون المخالي
وثور كاسمه أو شئت فاقلب
…
وحفص القرد قرد ذي افتعال
وبشر لا رأى بشرى فمنه
…
تولد كل شر واختلال
وأتباع بن كُلَاّبٍ كِلَابُ
…
على التحقيق هم من شر آل
كذاك أبو الهذيل وكان مولى
…
لعبد القيس قد شان الموالي
ولا تنس ابن أشرس المكني
…
أبا معن ثمامة فهو غالي
ولا أبن الحارث البصري ذاك الـ
…
مضل على اجتهاد واحتفال
ولا الكوفي أعنيه ضرار بـ
…
ـن عمرو فهو للبصري تالي
كذاك ابن الأصم ومن قفاه
…
من أوباش البهاشمة النغال
وعمرو هكذا أعني بن بحر
…
وغيرهم من أصحاب الشمال
فرأي أولاء ليس يفيد شيئاً
…
سوى الهذيان من قيل وقال
وكل هوى ومحدثةٍ ضلال
…
ضعيف في الحقيقة كالخيال
فهذا ما أدين به الهي
…
تعالي عن شبيه أو مثال
وما نفاه من خدع وزور
…
ومن بدع فلم يخطر ببالي
أبياته في العقيدة السلفية:
ضل المجسم والمعطل مثله
…
عن منهج الحق المبين ضلالا
وأبي أمثالهم بنكر لازعوا
…
من معشر قد حاولوا الإشكالا
غدوا يقيسون الأمور برأيهم
…
ويد لسون على الوري الأقوالا
فالأولون تعذروا الحق الذي
…
قد حل في وصف الإله تعالى
وتصوروه صورة من جنسنا
…
جسما وليس الله عز مثالاً
والآخرون يعطلون ما جاء في الـ
…
قرآن أقبح بالمقال مقالا
وأبوا حديث المصطفى أن يقبلوا
…
ورأوه حشوا لا يفيد منالاً
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد:
فهذا القسم الثاني من سلسلة: (اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث) وكان القسم الأول (اعتقاد السلف عامة) وهذا القسم الثاني، وهو عبارة عن مقدمة كتاب (شعار أصحاب الحديث) للإمام الحافظ أبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحاكم الكبير شيخ الإمام أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك، وهو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة أهل الحديث بخراسان في وقته قال تلميذه الحاكم: "هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي
والكنى، طلب الحديث وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بالعراق والجزيرة والشام، وكان من الصالحين الثابتين على سنن السلف. سمع كثيراً من الشيوخ منهم ابن خزيمة والبغوي والسراج وغيرهم، وتخرج عليه كثيرون كأبي عبد الله الحاكم، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن منجوية، والكنجروذي وغيرهم.
توفي رحمه الله في ربيع الأول سنة ثلاثمائة وثمان وسبعين للهجرة.
وسبب الاهتمام بذكر عقيدة أهل الحديث، أننا في زمان كثر فيه أهل البدع، وتعددت طرائقهم، وكثر وقوعهم في أصحاب الحديث، وغمزهم إياهم، وطعنهم فيهم، لذلك رأيت من واجبي أن أهب للدفاع عنهم، وإبراز عقيدتهم، وذكر أصولهم، حتى يكون القاريء على بصيرة من أمر دينه، عارفاً بعقيدته التي يلقى الله عليها ومن علامات أهل البدع في زماننا - بل وفي كل زمان- أنهم يقعون في أهل الحديث بالغمز والطعن، بل وبالتصريح في مصنفاتهم، ويضيقون عليهم، إن كان لأهل البدع سلطة ومكانة، كما في بعض البلدان الإسلامية، فيطردونهم من مساجدهم، ويضيقون عليهم في مدارسهم، وغير ذلك، بدعوى أنهم وهابية وأنهم مجسمة ومبتدعة.. الخ تلك النعوت التي يطلقونها عليهم.
وهذا يذكرني بقول الإمام أحمد بن سنان القطان: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه"1.
وكذلك يقول أبي حاتم الرازي رحمه الله: "علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"2، قال الصابوني بعد إيراده: "وكل ذلك عصبية، ولا يلحق
1 سير أعلام النبلاء 16/372.
2 عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص 304.
الحديث كل من اشتغل بدراسة الحديث وسماعه وكتابته، بل هم من تمسك بالكتاب والسنة، واقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في ذكر شيء من فضائلهم: "وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما، وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبهما"3.
وللإمام أبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله كتاب مؤلف في فضلهم سماه: "شرف أصحاب الحديث" فلله درهم على ما خدموا به الإسلام، وقمعوا من البدع، وأظهروا من السنة.
وما نقله الإمام أبو أحمد الحاكم رحمه الله عن أهل الحديث وقرره في أصولهم في العقيدة لم يحظ بما يستحقه من العناية ولم يلق ما يناسبه من الاهتمام- حسب ما أعلم- فلذا وضعت هذا الشرح المختصر لكلامه في تعبيرهم.
ومنهجي فيه كما يلي:
1-
وضعت للكتاب أبواباً لتقسيمه بما يناسب كلام المصنف حتى تكتمل الاستفادة منه.
2-
جعلت كلام المصنف في أعلى الصفحة، وجعلت الشرح تحته، مع تخريج الأحاديث والآثار.
3-
جعلت لكل فقرة خلاصة حتى نوجز الفائدة منها، وبعدها مناقشة لتنبيه القاريء وإثارة اهتمامه.
1 المصدر السابق ص305.
2 مجموع فتاوى ابن تيمية (4/95) .
3 المصدر نفسه الصفحة نفسها.
هذا وقد استفدت كثيراً من تعليقات محمد هارون على كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين.
هذا والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر لي الخطأ والزلل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بقلم د. محمد بن عبد الرحمن الخميس
باب إثبات العلو والاستواء
ويعرف الله في السماء السابعة على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 5- 6] .
الشرح:
يؤمن أهل السنة بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه كما وردت بذلك الآيات والأحاديث الصحيحة، وليس استواؤه كاستواء أحد من خلقه، إنما هو استواء على الكيفية اللائقة بجلاله عز وجل، نؤمن به ولا نكيف بل نكل علم الكيفية إلى الله تعالى، لكنه علا وارتفع واستقر على عرشه من غير حاجة إليه، وأنكرت ذلك الجهمية الأولى وطوائف من أهل الضلال كالمعتزلة، والمتفلسفة، والحنفية الماتريدية والأشعرية الكلابية والصوفية الإلحادية والصوفية الزنادقة الحلولية.
وإليك البيان بشيء من البرهان فأقول:
إن عقيدة أن الله تعالى فوق عباده عال على خلقه مستو على عرشه قد أجمعت عليها الشرائع السماوية والكتب الإلهية والأنبياء والمرسلون1.
وأهل الأديان كلهم أجمعون مع المسلمين2.
حتى الفلاسفة اليونانيين الكافرين3.
وحتى اليهود والنصارى4.
1 انظر الغنية للجيلاني 1/63.
2 انظر خلق أفعال العباد 15-16، وتأويل مختلف الحديث 272.
3 انظر مناهج الأدلة 176.
4 خلق أفعال العباد 15-16.
بل العرب والعجم1.
والآدميون كلهم عربهم وعجمهم مؤمنيهم وكافريهم2.
واتفقت بذلك كلمة المسلمين والكافرين3.
وكل عاقل من مسلم وكافر4.
وجميع بني آدم5.
وعلى ذلك إجماع الأولين والآخرين العالمين منهم والجاهلين وكل من مضى وعبر حتى فرعون ونمرود6.
وعليه فطرة المسلمين علمائهم وجهالهم أحرارهم ومماليكهم ذكرانهم وإناثهم بالغيهم وأطفالهم وكل من دعا الله7.
المخالفون لهذه العقيدة والخارقون لهذا الإجماع والخارجون على هذه الفطرة فرق شتى وكلهم معطلة زنادقة.
1-
الجهمية الأولى: قالوا: إن الله في كل مكان. معاذ الله.
2-
الصوفية الحلولية: قالوا الله في كل شيء حتى في الكلب والخنزير والقرد والفهد. معاذ الله.
وهذا القول يرجع إلى الأول فقول الجهمية وهؤلاء الصوفية قول بالحلول المطلق وهو أخبث من قول النصارى.
3-
الصوفية الاتحادية: قالوا: الله كل شيء حتى الخنزير! والفرج والذكر. معاذ الله عن ذلك.
1 تأويل مختلف الحديث 172، والتمهيد لابن عبد البر 7/134.
2 مجموع الفتاوى 5/320 عن ابن كلاب إمام الكلابية.
3 رد الدارمي على المريسي 25.
4 درء التعارض 6/208 عن أب يعلى.
5 نقض النطق 52.
6 الرد على الجهمية للدارمي 20- 21.
7 التوحيد لابن خزيمة 1/254.
وهم أكفر من اليهود والنصارى والمجوس والهندوس وغيرهم من الكفرة المشركين الوثنيين.
4-
المعتزلة وأفراخهم من الحنفية الماتريدية ومتأخرة الأشعرية الكلابيين.
قالوا: إن الله لا فوق العالم ولا تحته ولا يمين العالم ولا شماله ولا أمام العالم ولا خلفه1.
وأنه ليس على العرش ولا فوق العرش. ولا فوق العالم2.
وأن من وصف الله بأنه في السماء أو بأنه فوق فهو كافر3.
وهؤلاء هم أهل الجحود والإنكار كما صرح بذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
وفيما يلي نصوص أن الإسلام في إثبات علو الله تعالى على خلقه وفوقيته على عباده واستوائه على عرشه وتكفير عن خالف حضرة العقيدة الراسخة:
1-
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (150هـ) إمام الحنفية: "من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر.."4.
2-
وقال إمام أهل الشام الأوزاعي (157 هـ) : "كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعالى فوق عرشه"5.
1 شرح العقائد 40، شرح المواقت 8/19، حاشية الكستيلي 72، وبدء الأمالي مع شرح ضوء المعالي 23- 25 والنبراس 180.
2 أصول الدين للبزدوي 28، 31، وانظر ضوء المعالي للقاري 25.
3 البحر الرائق 3/120.
4 الفقه الأبسط 49-52.
5 الأسماء والصفات للبيهقي 408.
3-
وقال إمام الهجرة مالك (179هـ) : "الله في السماء وعلمه في كل مكان"1.
4-
وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) : "إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله قد كلم موسى وأن يكون على العرش يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم"2.
5-
وسئل الإمام علي بن عبد الله المديني (234هـ) ما قول أهل السنة والجماعة فقال: "يؤمنون بالرؤية والكلام وأن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه استوى"3.
6-
وقال الإمام قتيبة بن سعيد (240هـ) : "هذا قول الأئمة في الإسلام نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه"4.
7-
وسئل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241هـ) : الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟ فأجاب: "نعم هو على عرشه وعلمه لا يخلو منه مكان"5.
وسئل رحمه الله عمن يقول: إن الله تعالى ليس على العرش.
فقال: "كلامهم كله يدور على الكفر"6.
8، 9- وقال الإمامان الجليلان أبو زرعة (264هـ) وأبو حاتم (277هـ) الرازيان:"أجمع أهل الإسلام على إثبات الصفات لله تعالى وأنه على عرشه بائن من خلقه وعلم الله في كل مكان من قال غير هذا فعليه لعنة الله"7.
1 التمهيد لابن عبد البر (7/138) ، وأبي داود في مسائل الإمام أحمد ص 263.
2 مسائل أبي داود 262.
3 الحموية 53 عنه.
4 تلبيس الجهمية 2/38 عنه.
5 السنة لأحمد ورواية الأصطخري 75 والسنة للالكائي 3/ 445.
6 اجتماع الجيوش عنه 200.
7 انظر أصول السنة 37-43 وانظر السنة للالكائي 1/198.
10-
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة (311هـ) : "من لم يقر بأن الله تعالى - على عرشه قد استوى فوق سماواته بائن من خلقه فهو كافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من الدين إذ المسلم لا يرث الكافر"1.
11-
وقال الإمام الذهبي ناقد الرجال والفرق (748هـ) "مقالة السلف وأئمة السنة بل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون: أن الله عز وجل في السماء وأن الله على العرش وأن الله فوق سماواته....
ومقالة الجهمية:
أنه في جميع الأمكنة:
ومقالة متأخري المتكلمين:
أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا في العالم ولا هو بائن من خلقه ولا هو متصل بهم.
قال لهم أهل السنة والأثر
…
فإن هذه السلوب نعوت العدوم تعالى الله جل جلاله عن العدم!
بل هو يخبر خلقه بما وصف فيه:
في أنه فوق العرش بلا كيف"2.
1 معرفة علوم الحديث للحاكم 84.
2 العلو 107، 195، ومختصر العلوم 146-147، 187.
باب ذكر الدليل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق1
10-
أخبرنا أبو عروبة الحسين بن أبي معشر السلمي بحران، نا سلمة بن شبيب، نا الحكم بن عمد، نا سفيان بن عينية، عن عمرو بن دينار قال: سمعت مشيختنا منذ تسعين سنة، وأخبرنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس واللفظ له، نا محمد يعني ابن إسماعيل البخاري، قال: الحكم بن محمد أبو مروان الطبري حدثناه، سمع ابن عيينة، قال: أدركت مشيختنا منذ تسعين سنة منهم عمرو بن دينار يقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
الشرح: وهذا باب آخر من أبواب هذا الكتاب، وهو متعلق ببيان مذهب السلف في شأن كلام الله عز وجل، ومسألة كلام الله تعالى هي من أهم المسائل التي اضطربت فيها آراء الناس واختلفت أقوالهم وتفرقوا شيعاً وأحزاباً. ومنها حدثت فتنة خلق القرآن الكريم وإنكار صفة الكلام لله تعالى وأول من أظهر هذه الفتنة في الإسلام- فتنة خلق القرآن- الجعد بن درهم، في أوائل المائة الثانية، وضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بواسط، يوم الأضحى، حيث خطب فقال: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه2.
_________
1 خلق أفعال العباد ص 118 الرد على الجهمية للدارمي ص 133.
الرد على بشر المريسي ص 476، الإبانة لابن بطة 2/ 12/456، السنة لللالكائي 1/ 55/ 2.
2 خلق أفعال العباد ص 118، الرد على الجهمية للدارمي ص 113- الرد على بشر المريسي ص 476 الإبانة لابن بطة 2/12/456 والسنة لللالكائي 1/ 55/ 2.
والرد على من يقول القرآن مخلوق 86 ق الأسماء والصفات ص 254، ثم حمل لواء هذه الفتنة بعد الجعد جهم بن صفوان الذي قتله سلمة بن أحوز بخراسان. خلق أفعال العباد ص 131، تاريخ ابن الأثير 5/163 الرسائل والمسائل لابن تيمية 3/132.
وبعد ذلك قوى عظامها بشر المريسي في أوائل القرن الثالث، حتى بلغت ذروتها، وتعرض علماء السلف- كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره على أيديهم فيها إلى أنواع من البلاء والأذى.
ثم إن اختلاف الناس في مسألة القرآن يرجع إلى اختلافهم في صفة الكلام، ويجدر بنا في هذا المقام أن نسرد بعض هذه المقالات التي قيلت في هذه الصفة، ونشأت منها هذه الفتنة، أعنى فتنة خلق القرآن.
مذهب السلف:
قالوا إن الكلام صفة لله كسائر الصفات الأخرى، وهي صفة ذات وفعل، يتكلم بها متى شاء وكيف شاء، وهو حروف وأصوات يسمعها من يشاء من مخلوقاته، وإن الكلام بصوت ليس كصوت المخلوقين وكلامه قديم النوع، كما أن سائر صفات الله تعالى قديمة.
* كما أنهم أجمعوا على أن موسى عليه السلام سمع كلام الله من الله تعالى، لا من الشجر أو الحجر، أو من غيره، كما قالت الجهمية والمعتزلة، لأنه لو سمع من غير الله تعالى، لكان بنو إسرائيل أفضل من ذلك منه، فإنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى لكونهم سمعوا من موسى عليه السلام، وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة، وهو غير معقول1.
* وكذلك لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتاً وحرفاً، وليس معنى في النفس، فإنه لو كان معنى في النفس كما زعمت الكلابية والأشاعرة والماتريدية، لم يكن ذلك تكليماً لموسى عليه السلام ولا هو شيء يسمع.
فالقرآن عند السلف كلام الله تعالى. ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته وأنه غير مخلوق بحروفه ومعانيه فهو كلام الله تعالى
1 مجموع الفتاوى 12/ 39- مختصر الصواعق المرسلة 3/ 296- 298- شرح العقيدة الطحاوية ص 181 لوامع الأنوار 1/140.
حقيقة، ويضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغاً ومؤدياً، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية كلام الله أو عبارة عنه، كما قالت الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
* ولما شاعت المحنة في عهد المأمون، وكثر اختلاف الناس وتنازعهم في ذلك، التزم السلف بوصف القرآن أنه غير مخلوق بياناً للحق ورداً على ما شاع من بدعة الجهمية والمعتزلة من أن القرآن مخلوق.
* قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد: "القرآن كلام الله غير مخلوق ".
* قال البخاري: "حركاتهم وأصواتهم، واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة وأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعي في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق، قال الله تعالى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} 1 [العنكبوت: 49] .
* ويقول ابن خزيمة في التوحيد: "باب من الأدلة التي تدل على أن القرآن كلام الله الخالق وقوله غير مخلوق، لا كما زعمت الكفرة من الجهمية المعطلة" ثم ذكر الأدلة على ذلك2.
* وذكر اللالكائي مذهب السلف في القرآن فقال: "ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم به على الحقيقة، وأنة أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأمره بالتحدي، وأنه يدعو الناس إليه، وأن القرآن على الحقيقة، متلو في المحاريب، مكتوب في المصاحف محفوظ في صدور الرجال ليس بحكاية ولا عبارة عن القرآن، وهو قرآن واحد غير مخلوق، وغير مجهول ومربوب، بل صفة من صفات ذاته لم يزل به متكلماً، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف
1 خلق أفعال العباد ص 138.
2 كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 166.
لمذاهب السنة والجماعة، ثم أورد الأدلة على ذلك1.
* وقال ابن بطة في الإبانة بعد كلام سبق: "ثم من بعد ذلك يعلم بغير شك ولا مرية ولا وقوف، أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته، وصفات أسمائه، وهو علم من علمه غير مخلوق، كيف قرأ وكيف كتب وكيف تلي وفي أي موضع كان في السماء وجد أو في الأرض حفظ، في اللوح المحفوظ وفي المصاحف وفي ألواح الصبيان مرسوماً أو في حجر منقوشاً وعلى كل الحالات وفي كل الجهات كلام الله غير مخلوق"؟ 2.
* هذا مذهب السلف في صفة الكلام ومن جملة ذلك القرآن عندهم كلام الله لفظه ومعانيه، فلا يقال اللفظ دون المعنى كما قالت الجهمية والمعتزلة، ولا المعنى دون اللفظ كما قالت الكلابية والأشاعرة، والماتريدية، وهو منزل غير مخلوق سمعه جبريل من الله والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، فهو المكتوب بالمصاحف والمحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة، فالسلف أثبتوا لله سبحانه صفة الكلام، منزهين الله تعالى عما لا يليق بجلاله من سمات النقص كما أثبتوا له سائر الصفات إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل. ويرى هذا كله عبرة تقال للماتريدية والأشعرية الذين خالفوا عقيدة السلف في القرآن وقالوا إن كلام الله هو كلام نفسي لا يسمع ولا بحروف ولا صوت وأن هذا القرآن العربي مخلوق وليس هو كلام الله على الحقيقة وإنما هو دال على كلام الله النفسي فهؤلاء الماتريدية والأشعرية من القائلين ببدعة خلق القرآن ومن أعظم المعطلين لصفة كلام الله ومن أعظم المبتدعين لبدعة الكلام النفسي فهم أبشع وأشنع من المعتزلة فإن أولئك كانت بدعتهم بدعة واحدة وهؤلاء بدعتهم بدعتان. والله المستعان3.
1 السنة لللالكائي 2/364.
2 الإبانة الصغرى ص 50.
3 انظر الماتريدية للدكتور شمس الدين الأفغاني- رحمه الله تعالى 3/ 73- 82.
الخلاصة:
1-
إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى على الحقيقة، وهو غير مخلوق تكلم الله تعالى به، وسمعه جبريل من الله تعالى، ونزل به على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب بالمصاحف، متلو بالألسنة، محفوظ بالصدور.
2-
كل ما سبق بيانه فهو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى.
3-
خالفت في هذا الباب طوائف من أهل الضلال كالجهمية والمعتزلة، والكلابية والأشعرية والماتريدية.
المناقشة:
1-
اذكر مذهب أهل السنة والجماعة في شأن القرآن الكريم.
2-
هل القرآن المتلو بالألسن، المكتوب في المصاحف، هو كلام الله على الحقيقة؟
3-
اذكر أهم الفرق التي خالفت في هذا الباب، مع بيان مذهبها باختصار شديد.
باب في إثبات الرؤية1
* ونؤمن بالرؤية، والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية حق.
الشرح:
أجمع السلف على إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، كما أنهم اتفقوا على عدم حصول رؤيته سبحانه وتعالى في الدنيا بأبصارهم مع اختلافهم في رؤية النبي صير ربه ليلة الإسراء رالمعراج وقالوا: إن الله سبحانه رقعالى يرى جموم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدو صحوا، وكما ترى الشمس في الظهيرة رؤية حقيمة من غير شك ولا ارتياب.
* وتكون هذه الرؤية من فوقهم لاستحالة أن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو أمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم، وعليه يدل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين.
* وقال ابن خزيمة: إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم الميعاد، ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين2.
* قال الآجري: وأما أهل السعادة فهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، فآمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئاً وصدقوا القول بالفعل، فأماتهم على ذلك فهم في قبورهم ينعمون وعند المحشر يبشرون، وفي الموقف إلى الله عز وجل بأعينهم ينظرون، وإلى الجنة بعد ذلك وافدون، وفي نعيمها يتفكهون، وللحور العين يعانقون، والولدان لهم يخدمون، وفي جوار مولاهم الكريم أبداً خالدون، ولربهم عز وجل في داره زائرون.
_________
1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يلائم مضمون الباب.
2 حادي الأرواح: ص 245.
* وبالنظر إلى وجهه الكريم يتلذذون، وله مكلمون وبالتحية لهم من الله عز وجل، والسلام منه عليهم يكرمون1.
* قال الصابوني. ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:"إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي2.
* وذكر الأشعري مذهب أهل السنة والحديث في الرؤية فقال: ويقولون إن الله سبحانه وتعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عز وجل {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وأن موسى عليه السلام سأله الله سبحانه الرؤيا في الدنيا، وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة3.
* قال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقديته: وأجمع أهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق، أن الله يرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح به النقل عن رسوله ثم ذكر بعض الأدلة على ذلك وقال: قال أحمد بن حنبل: من قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر4.
وذكر ابن قدامة مذهب السلف في الرؤية فقال: والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23] . وقال تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فلما حجب أولئك في حالة السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حالة الرضا، وإلا لم يكن بينهما
1 الشريعة: كتاب التصديق بالنظر إلى وجه الله عز وجل ص 251.
2 عقيدة السلف أصحاب الحديث 1/122.
3 مقالات الإسلاميين 1/322.
4 عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص 30- 31 ضمن المجموعة العلمية السعودية.
فرق ثم ذكر حديث جرير في الرؤية وقال: وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئى بالمرئى، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير1.
وهذه الرؤية هي أكبر سعادة للمؤمنين وأجلها وأعلاها على الإطلاق.
*قال عثمان بن سعيد الدارمي: فأما في الآخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إلا النظر إلى وجهه، والخيبة لمن حرمه، وما تعجبون من أن كان الله ولا شيء من خلقه ثم خلق الخلق، ثم استوى على عرشه فوق سمواته واحتجب من خلقه بحجب النار والظلمة، كما جاءت به الآثار ثم أرسل رسله، يعرفهم نفسه بصفاته المقدسة ليبلو بذلك إيمانهم أيهم يؤمن به ويعرفه بالغيب ولم يره وإنما يجزي العباد على إيمانهم بالله بالغيب إلى أن قال
…
"فإذا كان يوم القيامة تجلى لمن آمن به وصدق رسله وكتبه وآمن برؤيته، وأقر بصفاته التي وصف بها نفسه حتى يروه عياناً، مثوبة منه لهم وإكراماً ليزدادوا بالنظر إلى من عبدوه بالغيب نعيماً وبرؤيته فرحاً واغتباطاً ولم يحرموا رؤيته في الدنيا والآخرة جميعاً وحجب عنه الكفار يومئذ إذ حرموا رؤيته كما حرموها في الدنيا ليزدادوا حسرة وثبوراً2.
* وأما أدلة السلف على إثبات رؤيته سبحانه فكثيرة جداً وقد ذكر المؤلف بعضها ونذكر البعض الآخر.
* منها: قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة:22-23] وجه الاستدلال من الآية هو أن النظر في اللغة يرد لمعان مختلفة فإذا تجرد عن الصلات وتعدى بنفسه كان بمعنى التوقف والانتظار منه قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] . وإذا عدى بفي كان معناه التفكر والاعتبار كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 3.
1 لمعة الاعتقاد ص 33.
2 الرد على الجهمية للدارمي: ص 64.
3 الأعراف: 185.
وإذا عدى بإلى كان معناه المعاينة بالأبصار خاصة إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر وألا يحتمل إلا الرؤية1.
قال الأشعري: لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العين ولذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار الذي يكون للقلب2.
* وقال ابن قتيبة: ما ننكر أن نظرت قد يكون بمعنى انتظرت وأن الناظر قد يكون بمعنى المنتظر غير أنه يقال: "أنا لك ناظر أي أنا لك منتظر ولا يقال أنا إليك ناظر أي إليك منتظر إلا أن يريد نظر بعين، والله يقول:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23] ولم يقل لربها ناظرة3.
* فالمراد بهذه الآية رؤية الله تعالى بالأبصار صريحة الدلالة ولم ينكرها إلا المعطلة من الجهمية والمعتزلة.
* ومنها قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، وقوله:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] . ذكر المفسرون أن المراد بالزيادة في الآية الأولى هي رؤية الله تبارك وتعالى وهو تفسير مأثور رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وموقوفاً.
* فروى ابن صهيب أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، نودي بأهل الجنة أن لكمم موعداً قالوا: وما هو ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار قال: فيكشف الحجاب فينتظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم منه ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} .
* عن أنس بن مالك: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي
1 حادي الأرواح ص 210.
2 الإبانة للأشعري: 536 (طبعة دار الأنصار بمصر) .
3 الاختلاف في اللفظ والرد عل الجهمية: ص 238.
الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله1.
كما ورد ذلك أيضاً عن أبي موسى الأشعري وأبي بن كعب، وكعب بن عميرة وغيرهم من الصحابة2.
وأيضاً ورد أن أبا بكر قرأ هذه الآية أو قرئت عليه فقال له تدرون ما الزيادة، الزيادة النظر إلى وجه ربنا.
* وقال البيهقي: وروينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي موسى، وغيرهم ولم يرو عن أحد منهم نفياً، ولو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا، فلما نقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف يعني في الآخرة كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا، علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين مجتمعين3.
وكذلك فسرت المزيد في الآية الأخرى بما فسرت به الزيادة. قال ابن كثير: {ولدينا مزيد} كقوله عز وجل {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ، وقد سبق أن معنى الزيادة في النظر إلى وجه الله الكريم ثم سرد بعض الأحاديث والآثار الدالة على ذلك4.
وهنها: قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: 44] وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} [البقرة: 223] وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] .
* قال الآجري في الشريعة: واعلم- رحمك الله- أن عند أهل العلم باللغة أن اللقى ها هنا لا يكون إلا مغاينة، يراهم الله عز وجل ويرونه
1 تفسير الطبري 11/106.
2 انظر التوحيد لابن خزيمة: ص 184، الرد على الجهمية للدارمي ص 56، 57، الشريعة ص 260، 270، الاعتقاد ص 48، الرؤية للدار قطني 2/99/ 2.
3 الاعتقاد: ص 53.
4 تفسير ابن كثير: 4/ 229.
ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه1.
وقال ابن بطة: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا يقول: "أجمع أهل اللغة على أن اللقاء ها هنا لا يكون إلا معاينة ونظراً بالأبصار"2.
* قال ابن القيم: وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع، اقتضى المعاينة والرؤية3.
منها قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} 4.
* قال الرازي: "فإن إحدى القراءات في هذه الآية، ملكاً- بفتح الميم وكسر اللام- وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله وعندي التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها5.
وقال الآلوسي: قيل هو النظر إلى الله عز وجل6.
فعلى القراءة المذكورة تكون دلالة الآية على الرؤية ظاهرة.
ومنها قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:106] وجه الاستدلال من هذه الآية هو أن الله سبحانه وتعالى إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به، وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجودياً لتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ولهذا لم يتمدح بعدم محض الذي لا يتضمن أمراً ثبوتياً، فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر
1 الشريعة. ص 152.
2 حادي الأرواح: ص 245.
3 حادي الأرواح: ص 204.
4 الإنسان: 20.
5 التفسير الكبير للرازي: 13/ 131.
6 روح المعاني:29/161.
يشترك هو والمعدوم فيه، فلو كان المراد بقوله {لا تدركه الأبصار} أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في تلك، فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جلا جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض. فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به، لأن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية1.
قال ابن خزيمة: ولو كان معنى قوله: لا تدركه الأبصار ما تتوهمه الجهمية المعطلة، الذين يجهلون لغة العرب فلا يفرقون بين النظر وبين الإدراك، لكان معنى قوله لا تدركه الأبصار: أي أبصار أهل الدنيا قبل الممات2.
منها قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} 3.
والاستدلال بالآية من عدة وجوه:
* الوجه الأول: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية، ولو امتنع كونه تعالى مرئياً لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعها أو يجهله، فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال الممتنع لأنه عبث والأنبياء منزهون عنه، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبياً كليماً، قد قال تعالى {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 4.
* قال ابن قتيبة: وفي قوله موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أبين الدلالة بأنه يرى في القيامة ولو كان الله لا يرى في حال من الأحوال ولا يجوز عليه
1 حادي الأرواح: 208.
2 التوحيد لابن خزيمة: ص 185.
3 الأعراف: 143.
4 سورة الأعراف: آية 144، ضوء الساري: 38 ق.
النظر، لكان موسى قد خفي عليه من صفة الله ما علموه1.
الوجه الثاني: أن الله لم ينكر عليه لما طلب الرؤية ولو كانت محالة لأنكر عليه كما أنكر على نوح لما سأل نجاة ابنه من الغرق حيث قال {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} ففي إنكاره تعالى على نوح دليل عدم جواز ما طلب وعدم الإنكار على موسى دليل الجواز وعدم الامتناع2.
الوجه الثالث: أنه تعالى علق الرؤية على أمر جائز، وهو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز، فيلزم كون الرؤية في نفسها جائزة3.
* قال عثمان بن سعيد الدارمي: ألا ترى أنه يقول فإن استقر مكانه فسوف تراني، ولو شاء لاستقر الجبل ورآه موسى. ولكن سبقت منه الكلمة أنه لا يراه أحد في الدنيا فلذلك قال {لن تراني} فأما في الآخرة فإن الله تعالى ينشر خلقه فيركب أسماعهم وأبصارهم للبقاء، فيراه أولياؤه جهراً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم4.
ومنها قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] والاستدلال بهذه الآية على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة استدلال بالمفهوم حيث قال سبحانه عن اللقاء {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فجعل عقوبتهم كونهم محجوبين عن رؤيته سبحانه وهذا يدل على أن المؤمنين لا يحجبون، وإلا لا يكون فضل للمؤمنين على الكفار5.
* قال الإمام الشافعي: لما حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا6.
1 الاختلاف في اللفظ: ص 238.
2 حادي الأرواح: ص 203.
3 الإنصاف ص 179، المحصل: ص 191، حادي الأرواح ص 203.
4 الرد على الجهمية: ص 65.
5 إغاثة اللهفان: 1/32.
6 حادي الأرواح 1/32.
قال عثمان بن سعيد الدارمي: ففي هذا دليل أن الكفار كلهم محجوبون عن النظر إلى الرحمن عز وعلا، وأن أهل الجنة غير محجوبين عنه1.
* قال البيهقي: فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه2.
ولذا قال الإمام أحمد: إنا لنرجوا أن يكون الجهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم، ويحجبون عن الله، لأن الله تعالى قال للكفار:{كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فإذا كان الكافر يحجب عن الله، والمؤمن يحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر3.
وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على الرؤية فمتواترة، رواها عنه صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة وعشرين صحابياً:
* قال ابن تيمية: إنه قد ثبت بالسنة المتواترة وباتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام الذين ائتموا بهم من دينهم، أن الله سبحانه وتعالى يرى في الدار الآخرة بالأبصار عياناً، وقد دل على ذلك القرآن في مواضع كما ذلك مذكور في مواضعه، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أعتنى بجمعها أئمة4.
* وقال ابن كثير في النهاية: وأحاديث الرؤية لله يوم القيامة متواترة رواها جماعة الصحابة5.
منها: حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 الرد على الجهمية: ص 53.
2 الاعتقاد: ص 46، 47.
3 الرد على الزنادقة ص 34.
4 بيان تلبيس الجهمية: 1/348.
5 النهاية لابن كثير: 2/285.
ليلة البدر فقال هل ترون هذا القمر؟ قلنا: نعم قال: "هكذا ترون ربكم يوم القيامة لا تضارون في رؤيته"1.
منها حديث أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما. متفق عليه2.
ومنها حديث أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس دونه حجاب؟ قالوا: لا. قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليس دونها حجاب؟ قالوا: لا. قال: فلا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما3.
* ومنها حديث عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان4.
فهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الكثيرة تدل على ما ذهب إليه أهل السنة وهو أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم وأن الكفار والمشركين يحجبون عنه- سبحانه- رواها جماعة من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغت حد التواتر.
قال ابن قتيبة: والخبر في الرؤية ليس من الأخبار التي يدفعها إلا جاهل أو معاند ظالم لتتابع الروايات به من الجهات الكثيرة عن الثقات5.
1 أخرجه البخاري (573- 7435) ومسلم (212) كتاب المساجد.
2 البخاري كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة} الآية: 9/158. مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 1/113.
3 أخرجه البخاري (6573) ومسلم (305) كتاب الإيمان.
4 أخرجه البخاري (7512) ومسلم (67) كتاب الزكاة.
5 الاختلاف في اللفظ: ص 238.
قال عثمان بن سعيد الدارمي: بعد ذكر الأحاديث الدالة على الرؤية: فهذه الأحاديث كلها أو أكثر منها قد رويت في الرؤية على تصديقها والإيمان بها، أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ولم يزل المسلمون قديماً وحديثاً يرونها ويؤمنون بها، لا يستنكرونها ولا ينكرونها ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال بل كان من أكبر رجائهم وأجزل ثواب الله تبارك وتعالى في أنفسهم النظر إلى وجه الله الكريم، خالقهم يوم القيامة حتى ما يعدلون به شيئاً من نعيم الجنة1.
الخلاصة:
1-
أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم عياناً من غير توهم ولا تشبيه، وهذا أكبر نعيم أهل الجنة.
2-
خالفت الجهمية وغيرهم في ذلك وأنكروا إثبات الرؤية.
المناقشة:
1-
ما هي عقيدة السلف في مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة؟
2-
اذكر ثلاثة أدلة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
3-
اذكر أربعة من النصوص عن السلف في إثبات الرؤية.
1 الرد على الجهمية للدارمي ص 63.
باب ذكر الدليل على أن الإيمان في القلب
1-
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ببغداد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان"1.
الشرح:
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثال حبة من خردل من كبر، هذا الحديث يوضح خطورة الكبر، ويغلظ من شأنه، وذلك لأن الكبر يدفع الإنسان إلى رد الحق، واحتقار الناس، لكنه إن لم يكن عن استحلال كبيرة لا يكفر بها المرء ومعنى: "لا يدخل الجنة" لا يدخلها ابتداء، لكنه قد يكتب له دخولها بعد أن يعذب في النار لتكبره.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
وهذا الشطر من الحديث فيه دليل لما ترجم عليه المصنف من كون الإيمان في القلب، وإن كانت الأعمال جزءاً من الإيمان، والمقصود من نفي دخوله النار، أنه لا يخلد فيها، وإلا فإن ناساً من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم رغم وجود التوحيد في قلوبهم، ثم يخرجون منها بسبب توحيدهم، كما قال صلى الله عليه وسلم:"يخرج من النار من كان في قلبه جزء من شعيرة من خير ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال: "لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير"2.
_________
1 أخرجه مسلم (91) كتاب الإيمان حديث (148) والترمذي (1998) وابن ماجة (59) .
2 أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه (1/103) ح (44) ومسلم كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/182) ح، (325) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك.
باب ذكر الدليل على أن الإيمان يزيد وينقص [وأنه قول وعمل] 1
2-
الإمام العالم الثقة مجد الدين شيخ الإسلام أبو علي النيسابوري المعروف بابن الصغير فيما كتبه قال إن المشايخ أبو محمد عبد الله بن سهل ابن عمر
…
وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي وأبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي وأبو القاسم سهل بن إبراهيم السبيعي قراءة عليهم في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة، وأجاز فيه أيضاً الشيخ الفقيه أبو روح عبد المضر بن محمد بن أبي الفضل البازاز الهروي قال: أخبرني أبو القاسم زاهر من طاهر بن محمد بن الشحامي سماعاً عليه قال: أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ فيما قريء عليه فأقر به قال:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
[باب زيادة الإيمان ونقصانه]
قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 2.
وقال سبحانه {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 3.
1 العنوان زيادة مني.
2 سورة الأنفال: الآية 2.
3 سورة الفتح: الآية 4.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} 1.
الشرح: الآيات التي ساقها المصنف رحمه الله، وغيرها كثير هي مما يدل دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص، ففيها:{لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً} وفيها {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وفيها {زَادَهُمْ هُدىً} فهي صريحة جداً في إثبات زيادة الإيمان وما كان قابلاً للزيادة فهو قابل للنقص، وزيادته تكون بالطاعات، ونقصانه يكون بالمعاصي وما ذكرناه من أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، هو قول أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى، وهذا من المسائل التي خالف فيها طوائف من المبتدعة، ونصوص الكتاب والسنة متضافرة لإثبات صحة هذا القول، كما قال تعالى:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 2.
وهذا أمر يعرفه كل عاقل، بل إن الإيمان قد يزيد وينقص عند نفس الشخص من حين لآخر، على حسب حاله، وعلى قدر طاعته أو معصيته. وفي هذا كله عبرة للماتريدية المخالفين لمذهب السلف.
الخلاصة:
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وزيادته بالطاعات، ونقصه بالمعاصي.
المناقشة:
س 1- ما هو مذهب أهل السنة في مسألة زيادة الإيمان؟
س 2- هات ثلاثة أدلة على إثبات زيادة الإيمان.
1 سورة محمد، الآية 17.
2 سورة التوبة، الآية 124.
2-
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد العزبز البغوي ببغداد، () النسائي، نا حماد يعني ابن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبيه، عن جده محمد بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص. قيل: ما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا بالله فحمدناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذاك نقصانه. قال: وسمعت أبا نصر التمار يقول: الإيمان يزيد وينقص.
أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، نا هارون بن عبد الله، نا يزيد بن هاورن، عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، أن جده عمير بن حبيب وكانت له صحبة.
3-
وأخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفى قال: سمعت محمد بن علي بن يعني ابن الحسن بن شفيق قال: سألت أحمد بن حنبل عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان فقال: حدثنا الحسن بن موسى، نا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبيه، عن جده، عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص. فقيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحانه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه.
هذا لفظ حديث أحمد بن حنبل عن الحسن بن موسى.
4-
أخبرنا أبو الحسن بن أحمد بن زهير القيس بطوس، نا عمرو بن شميل المروزي، أنا بقية يعني ابن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن أبي مجاهد يعني عبد الوهاب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الإيمان يزداد وبنقص.
5-
أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي، حدثنا هارون بن عبد الله، نا حجاج بن محمد، نا إسماعيل بن عباس، عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن عبد الله بن لهيعة الحضرمي، عن أبي هريرة قال: الإيمان يزيد وينقص.
6-
أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، نا محمد بن يحيى، نا أبو معمر، نا إسماعيل بن عياش، عن حريز بن عثمان، عن الحارث بن محمد، عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينقص.
7-
أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال: سمعت محمد بن سهل بن عسكر، نا عبد الرزاق قال: سمعت مالكاً والأوزاعي وابن جريج والثوري ومعمرا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
8-
أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجوني، نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، نا إسحاق يعني الفروي، قال: جئت عند مالك قال: الإيمان يزيد وبنقص.
قال الله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1 وقال إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} 2. قال فطمأنينة قلبه زيادة في إيمانه.
9-
أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ببغداد، نا هشام يعني ابن عمار، نا يحيى بن سليم، نا ابن جريج ومالك ومحمد بن مسلم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان والمثنى وسفيان الثوري قالوا: الإيمان قول وعمل.
الشرح:
أجمع السلف على الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان بعدما أجمعوا على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، نظراً إلى التفاوت الموجود في أعمال أفراد المكلفين. فمنهم من أتى بما أمر الله وانتهى عما نهى عنه على أكمل وجه مصدقاً بقلبه تصديقاً جازماً.
ومنهم من قام بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي إلا أنه اكتفى بالإتيان بالواجبات ولم يتطرق إلى ما سواها من النوافل والسنن.
وصدق الآخر بكل ما جاء من الله ورسوله غير أنه كان متهاوناً ومقصراً في أداء الواجبات، وقد تصدر منه المخالفات.
فلا يمكن التسوية فيما بينهم لأن التفاوت بينهم موجود ودرجاتهم متباينة وبناء على هذا الفرق الواضح، قال علماء السلف إن الإيمان قابل للزيادة والنقصان.
_________
1 الفتح (4) ..
2 البقرة (260) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب أهل السنة والحديث على أن الإيمان يتفاضل وجمهورهم يقولون يزيد وينقص.
ثم قال: زيادة الإيمان الذي أمر الله به والذي يكون من عباده المؤمنين من وجوه. ثم ذكر عدة وجوه على زيادة الإيمان من جهة التصديق وبالتالي من جهة الأعمال1.
وهذا هو قول جميع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وسيذكر المؤلف رحمه الله بعض الآثار التي تدل على ذلك،
وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وإسحق بن راهويه والثوري والأوزاعي، وابن عيينة، والحسن البصري، وابن المبارك، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ووكيع بن الجراح، وحماد بن سلمة، وغيرهم كثير من السلف الذين قالوا بأن الأعمال من الإيمان2.
وهذا هو رأي جماعة من المتكلمين كالبغدادي والغزالي، والامدي والأيجي وكثير من الأشاعرة الذين قالوا إن الإيمان الذي هو التصديق يزيد وينقص3.
فهؤلاء يوافقون السلف في الزيادة والنقصان من هذه الجهة وأما الخلاف بينهم وبين السلف فهو من جهة أخرى وهي الأعمال. فخالفوا السلف في هذه الجهة وقالوا الأعمال ليست من الإيمان وهذا قول باطل
1 الإيمان لابن تيمية ص 219.
2 انظر الإيمان لابن أبي شيبة ص 35، لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 72، الإيمان لأبي عمرو العدني. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص 76. الشريعة للآجري ص 117، السنة لأبي القاسم اللالكائي 4/911 الإيمان لأبي يعلى البغدادي به قال أبو الحسن الأشعري في قوله الجديد بعد العودة إلى مذهب السلف 1/ 322.
3 أصول الدين للبغدادي، ص252، الاقتصاد ص 208، المواقف ص 388، إتحاف المريد ص 49.
مصادم للنصوص وعقيدة السلف. وذهب قوم إلى أن الإيمان يقبل الزيادة ولا يقبل النقصان وهو قول بعض الأشاعرة1.
وقد روي عن الإمام مالك في إحدى الروايات أنه قال بزيادة الإيمان وأما النقصان فتوقف فيه فلم يجزم بنفي ولا بإثبات2
وذكر النووي سبب توقفه فقال: ولذلك توقف مالك رحمه الله في بعض الروايات عن القول بالنقصان إذ لا يجوز نقصان التصديق لأنه إذا نقص صار شكاً وخرج عن اسم الإيمان.
وقيل إنما توقف مالك خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي، من المؤمنين بالذنوب3.
لكن هذه الرواية لم تصح عن الإمام مالك.
ولعل السبب الذي دفع هؤلاء القائلين بهذا الرأي وهم قليل جداً وهو قول شاذ والدافع. إلى هذا الرأي هو عدم ورود آية في القرآن، تدل بالصراحة على نقصان الإيمان.
وقالت المعتزلة والخوارج إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص أبداً، لأن الإيمان عندهم شيء واحد لا يتجزأ إذ لا يمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه الآخر فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار.
ونرى منهم على هذا الباطل الماتريدية وقد وافقهم أكثر الأشعرية،
وبناء على هذا قالوا: بعدم زيادة الإيمان ونقصانه وأولوا تلك الآيات والأحاديث التي وردت في الزيادة وقالوا بأن الزيادة والنقصان في الإيمان
1 أصول الدين للبغدادي ص 252، تحفة المريد ص 51، وبه قال الحسين النجار من المتكلمين كما ذكره البزدوي في أصول الدين ص 153.
2 ترتيب المدارك 1/ 174. الإيمان لابن تيمية ص 210.
3 شرح مسلم للنووي 1/146.
تعتبر من ناحية التكاليف وهو شيء نسبي بين المكلفين فذاك الشخص إيمانه أكثر من إيمان هذا، لأن ذلك كلف بشيء زائد لم يكلف به الآخر، والآخر غير مؤاخذ على تركه لأنه لم يكلف به لعدم قدرته عليه، فالغني عندهم أكثر إيماناً من الفقير لأنه مكلف بأمر زائد وهو الزكاة1.
وإن المعصية لا اعتبار لها في زيادة الإيمان ونقصه، لأن الإيمان عندهم لا يتجزأ فالزيادة والنقصان في الكم الذي يكون بطاعات الجوارح وأما الكيف فلا زيادة فيه ولا نقصان لاستواء المكلفين في وجوب التصديق القلبي2.
وبه قالت المرجئة والجهمية والكرامية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه عبارة عن شيء واحد وهو التصديق والمعرفة والإقرار، إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه البر والفاجر3. فالتصديق لا يقبل التفاوت عندهم لأن التفاوت فيه إنما هو لاحتمال النقيض وهو الشك وهو غير مفيد، وكذلك الإقرار غير قابل للتفاوت. وبه جزم الأشعري في قوله القديم4.
وإليه ذهب أبو حنيفة وجمهور الحنفية كالطحاوي والماتريدية وكالنسفي والتفتازاني وملا علي القاري وغيرهم5.
قال أبو حنيفة: فالإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه لا يتصور نقصانه إلا بزيادة الكفر ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمناً وكافراً، والمؤمن مؤمن حقاً والكافر
1 شرح الأصول الخمسة ص 707، متشابه القرآن 1/ 312، 0313 الإيمان لابن تيمية ص 210.
2 الإيمان لابن تيمية: ص 210.
3 مقالات الإسلاميين 1/ 198، أصول الدين للبغدادي 252، شرح السنة للبغوي 1/41، الملل والنحل: 1/88، لوامع الأنوار: 1/ 424.
4 أصول الدين ص 348.
5 انظر الماتريدية 1/ 404 لشمس الدين السلفي الأفغاني- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
كافر حقاً، وليس في الإيمان شك كما أنه ليس في الكفر شك1.
وفي الفقه الأكبر: وإيمان أهل السماء لا يزيد ولا ينقص والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال2.
قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى3.
ويقول أبو حفص النسفي في عقيدته: والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وشرح التفتازاني هذا القول فقال: "إن حقيقة الإيمان لا تزيد ولا تنقص لما مر من أنه التصديق القلبي الذي بلغ حد الجزم والإذعان وهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، حتى إن من حصل له حقيقة التصديق فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه باق على حاله لا تغير فيه أصلا"4.
وقال ملا علي القاري: فالتحقيق أن الإيمان- كما قال الإمام الرازي لا يقبل الزيادة والنقصان من حيثية أصل التصديق لا من جهة اليقين5.
وهو قول الأشعرية الكلابية
قال الباقلاني: وإن كان الزيادة والنقصان فهو من حيث الحكم لا من حيث الصورة ويكون المراد: زيادة في الثواب والجزاء والمدح والثناء دون نقص وزيادة في تصديق من حيث الصورة6.
1 الوصية: ص 18.
2 الفقه الأكبر مع شرحه ص 87.
3 العقيدة الطحاوية شرح وتعليق ص 43، 44.
4 شرح العقائد النسفية: ص 157.
5 شرح الفقه الأكبر ص 70.
6 الإنصاف: ص 58.
وبه قال الرازي في المحصل وأقره الطوسي الوثني الساحر الكافر1.
وحاصل الكلام أن الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية والكرامية وجمهور الأشعرية من الماتريدية وبعض الأشاعرة وجماعة من المتكلمين ذهبوا إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وكل منهم استدل بأدلة مختلفة ولكل منهم وجهة وكلهم هدفهم واحد، وهو أن الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان. والحق هو ما قاله السلف والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة كثيرة جداً، وقد ذكر المؤلف رحمه الله منها مجموعه لا بأس بها، وسنذكر أدلة أخرى تدل على صحة ما ذهب إليه السلف.
فمن الكتاب: قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 2.
فهذه الزيادة عند تلاوة القرآن هي حصول رغبة ورهبة في القلب المؤمن فزاد علمه بالله ومحبته لطاعته، وهذا زيادة الإيمان.
فهذه الزيادة عند تخويفهم بالعدو فازدادوا يقيناً وطمأنينة وتوكلاً على الله وثباتاً على الجهاد.
1 نعم كان ساحراً وثنياً كافراً منكراً للمعاد يعبد الأصنام وقد جر ويلات على المسلمين وناصر التتار انظر إغاثة اللهفان 2/ 380- 381 وانظر الصواعق المرسلة 2/90، 3/ 1077- 1078، القصيدة النونية مع شرحها للهراس 1/158، 159، وتوضيح المقاصد 1/358- 364.
2 الأنفال آية 2.
3 آل عمران: آية 173.
4 التوبة: آية 124.
فهذه الزيادة في الإيمان هي حسب مقتضى الآية التي أنزلت. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1.
فالسكينة والطمأنينة جعلت موجبة لزيادة الإيمان. وقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} 2، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} 3، وقوله تعالى:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 4. فالمقصود من زيادة الهدى في الآيتين هو زيادة الإيمان كما دل عليه قول ابن مسعود في تفسير الآية5.
وأما الأحاديث: فقوله في حديث شعب الإيمان: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"6.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"7.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها" 8 الحديث.
1 الفتح:4.
2 المدثر:31.
3 محمد:17.
4 الكهف:13.
5 تفسير الطبري: 15/ 207.
6 أخرجه البخاري (9) ومسلم (36) وغيرهما.
7 أحمد في المسند 3/ 20، 49. وأخرجه مسلم في صحيحه (1/ 69/ ح 49) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
والترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح.
كتاب الفتن: باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب 4/469- 470 ح: 2172. والنسائي: كتاب الإيمان، تفاضل أهل الإيمان 2/265.
8 البخاري كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال:(1/12) .
فهذه الأحاديث كلها على أن أهل الإيمان ليسوا في أصله سواء بل بينهم تفاضل واضح، وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وهو المقصود.
قال عمير بن حبيب الخطمي، الإيمان يزيد وينقص، قيل له ما زيادته ونقصانه، قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وخشيناه فذلك زيادته، فإذا عقلنا وضيفاه فذلك نقصانه.
وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: هلموا نزدد إيمانا. فيذكرون الله1.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه "اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً"2.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه3.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام "فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا كما اقتصصناه في كتابنا هذا، إن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا وأنه درجات بعضها فوق بعض إلا إن أولها وأعلاها الشهادة باللسان كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله بضعة وسبعين جزءاً. فإذا نطق بها القائل وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله ولا على تزكية النفوس وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد إيمانا4.
فهذه الآيات والأحاديث والآثار كلها تدل على زياد الإيمان وأنها تزيد في قلب المؤمن طمأنينة وطاعة، وتصديقاً وخضوعاً ويقيناً وأنه ينقص حتى يكون مثل ذرة ومثقال حبة وأنقص من ذلك.
1 الإيمان لابن أبي شيبة ص 36، الشريعة: ص 112.
2 كتاب الإيمان لأحمد: 111/ 1.
3 الإيمان لأحمد: 111/ 4 الإيمان لابن أبي شيبة ص 35، الإيمان لأبي عبيد ص 72. وكذلك أورده البخاري في صحيحه تعليقاً: كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس 1/9.
4 الإيمان لأبي عبيد: ص 66.
الخلاصة:
1-
مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد، كما أنه ينقص وزيادته بالطاعات، ونقصانه بالمعاصي.
2-
النصوص الشرعية في الباب تؤيد كلها ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة.
3-
خالف في هذا الباب طوائف منهم: المرجئة، والجهمية، والكرامية، وجمهور الماتريدية، وكثير من الأشعرية، فقالوا بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
المناقشة:
1-
اذكر مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه.
2-
ما هي أهم الفرق التي خالفت هذا الباب؟
3-
اذكر ثلاثة نصوص في هذا الباب من القرآن تؤيد ما ذهب إليه السلف.
في الجهاد والإمارة ومرتكب الكبيرة1
* "والمسح على الخفين والجهاد مع كل خليفة جهاد الكفار لك جهاده وعليه شره".
الشرح:
إن أهل الحديث والسنة يرون المسح على الخفين بالشروط الواردة في كتب الفقه، ثلاثة أيام بليالهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم وكذلك المسح على الجوربين والنعلين، وقد خالفت الرافضة في ذلك، غير أن المسح على الخفين متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما خالفت الحنفية في المسح على الجوربين والنعلين بقيود لا دليل عليها2.
ويرون الحج والجهاد باقيين مستمرين مع أمراء المسلمين، البر والفاجر، لا يبطلهما شيء ولا ينقصهما، ولا يرفع حكم وجوبهما وذلك إلى قيام الساعة، كل ذلك مع الأئمة العدول والجورة، فالجائر قوته للمسلمين وجوره على نفسه، ما داموا باقين في حظيرة الإسلام، أما إن خرجوا من الإسلام فذلك شيء آخر.
_________
1 هذا التبويب كذلك من عندي بما يجمع شتات المسائل المتفرقة في الباب.
2 كقولهم لا بد من أن يكون الجوربان بحيث يمكن فيهما المشي ثلاثة أيام، ولا يشفان، ويتماسكان على القدم بدون ربط ونحوها.
* والجماعة مع كل بر وفاجر- يعني الجمعة والعيدين- والصلاة على من مات من أهل القبلة سُنَّة.
الشرح:
يرى أهل السنة الصلاة خلف كل مسلم براً كان أم فاجراً، مع تقديم البر إلا أن يكون في الصلاة خلفه مشقة، أو يكون هناك فتنة إن تركت الصلاة خلف الفاجر كما لو كان السلطان قد عينه، وذلك ما لم يكن صاحب بدعة مكفرة، وكذلك يرون الصلاة على المسلم الميت، براً أو فاجراً، إلا أن يكون قد مات على غير الملة.
* ولا نكفر بذنب إلا ترك الصلاة:
الشرح:
ولا يحكم أهل القبلة بجنة ولا نار على سبيل اليقين والقطع، لأحد من المسلمين بل من أحسن منهم رجونا له الجنة ولم نأمن عليه مكر الله، ومن أساء أشفقنا عليه ولم نقنطه من رحمة الله- تعالى- ولا نشهد على مسلم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، مما يخرج من الملة الإسلامية، إلا أن يكون قد ظهر منهم شيء من ذلك مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ويذرون السرائر إلى الله تعالى- حيث أنه العليم بها ويآخذون الناس بما ظهر منهم.
* لا يكفر أحد بذنب إلا ترك الصلاة وإن عمل الكبائر.
الشرح:
أهل السنة من السلف الصالح يقولون بأن المسلم لا يكفر بارتكابه للمعصية، صغيرة أو كبيرة، ما دام مقراً بحرمتها ويقولون بأنه إن استحلها كفر باستحلاله لها، لجحده معلوماً من الدين حرمته وليس كفره بالمعصية نفسها، وقد ضلت طوائف في هذا الباب كالخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة، بل إن الغلاة منهم كفروا عموم العصاة، وهذا ضلال بيّن وقد جر إلى كثير من المفاسد، والحق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم من أن العاصي يفسق بمعصيته لكنه ليس كافراً إلا باستحلالها، والله - تعالى- لم ينف الإيمان عن العصاة، وانظر إلى قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1، فلم ينف عنهم الإيمان رغم اقتتالهم، والشواهد على ذلك كثيرة فتأمل.
_________
1 سورة الحجرات، الآيتان 9، 10.
* ولا نخرج على الأمراء بالسيف وإن حاربوا ونتبرأ من كل من يرى السيف في المسلمين كائنا من كان.
* الشرح
ويرى أهل السنة حرمة الخروج على الأئمة وولاة الأمور، لو ظلموا الناس، وحتى إذا ظهر منهم فسوق في أنفسهم، وذلك لما للخروج من آثار سيئة: كإراقة الدماء، ونشر الفوضى، وذلك ما دام الأمراء باقين في حظيرة الإسلام، ولم يبدلوا دين الله، ولم يظهر منهم الكفر ولا يدعون عليهم، ولا يعصونهم، ويرون طاعتهم واجبة ما داموا يأمرون بمعروف أما إذا أمروا بمعصية فلا يسمع لهم ولا يطاع، لقوله، صلى الله عليه وسلم:"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب. وكره ما لم يؤمر بمعصية"1.
وقوله: "إنما الطاعة في المعروف" 2 وغير ذلك، ويدعون للأمراء بالصلاح في دينهم والمعافاة، فإن صلاحهم صلاح للأمة وفسادهم فساد وإفساد لها- والله أعلم.
_________
1 أخرجه البخاري كتاب باب السمع والطاعة للإمام (13/121 ح (44/7) . ومسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 3/1469 ح (1839) من حديث عبد الله بن عمر.
2 أخرجه مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3/1469) ح (1840) من حديث علي رضي الله عنه.
باب في الإيمان بالقدر1
12-
سمعت محمد بن إسحاق الثقفي قال: سمعت الثقفي قال: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد قال: المأخوذ في الإسلام والسنة والرضا بقضاء الله والإسلام لأمره، والصبر على حكمه الإيمان بالقدر خيره وشره، والأخذ بما أمر الله عز وجل والنهي عما نهى الله عنه، إخلاص العمل لله.
الشرح:
(الإيمان بالقدر) وهذا من أصول أهل السنة والجماعة، ومن أصول الإيمان الستة كما قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 2، وقال عز وجل:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 3، وقال سبحانه وتعالى:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 4، فكل شيء كائن في هذا الكون إنما قدره الله وقضاه، (خيره وشره، حلوه ومره) . كما قال- تعالى – {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 5، فالخير والشر مقدران وكل ذلك قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذا الكون إلا إذا أراده الله- تعالى- وكون الشيء أو وجوده- في حد ذاته دليل على أن الله قدره وقضاه، هذا وإن الإيمان بالقدر على أربع درجات:
الأولى: في الإيمان بأن الله علم كل شيء وذلك قبل أن يخلق السموات والأرض.
_________
1 وهذا التبويب من عندي كذلك حيث إن الباب هنا يتعلق بإثبات القدر.
2 سورة القمر، الآية 49.
3 سورة الفرقان، الآية:2.
4 سورة الأحزاب، الآية:(38) .
5 سورة النساء، الآية:(78) .
الثانية: الكتابة وهي الإيمان بأن الله تعالى- كتب كل ما هو كائن من خير أو شر، صغير أو كبير، كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ثبت في الحديث:"أول ما خلق الله القلم، قال: اكتب. قال يا رب وماذا اكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"1.
والمرتبة الثالثة: للإيمان بالقدر هي الإيمان بالإرادة المقتضية لكون الشيء، فالله تعالى أراد أن توجد الأشياء فوجدت كما أراد لا خروج لأحد عن إرادته ومشيئته، فالخير بقضائه، والشر بقضائه، ولا يكون شيء إلا بإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقد قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 2 وقال- عز وجل: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3 والآيات في هذا المقام كثيرة لا تحصى.
* والمرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقدر هي الإيمان بأن- تعالى- خلق كل شيء وأوجده طبق ما سبق علم وكتب وأراد، وهي رتبة التنفيذ فإذا حصل خير فالله- تعالى- هو الذي خلقه وأوجده طبق ما سبق علم وكتب وأراد، وإذا وجد شر فالله- تعالى- هو الذي خلقه وأوجده لحكمة بالغة لكن لا يكون شيء بغير إذنه وخلقه، وقد نفت الطوائف من المنحرفين أن يكون الله- تعالى- قد أراد الشر أو خلقه، وقالوا الإنسان هو الموجد للشر، فجعلوا الإنسان خالقاً مع الله- تعالى- في نهاية الأمر. ومنهم المعتزلة وغيرهم.
1 أخرجه أبو داود في السنة باب في القدر (4700) والترمذي في القدر (1256) وفي التفسير (3316) . وهو حديث صحيح.
2 سورة البقرة، الآية:253.
3 سورة الأنعام، الآية:39.
* فهذه أربع مراتب للإيمان بالقدر، من كفر بواحدة منها كان كافراً بالقدر، ومن كفر بالقدر كان كافراً بالله العظيم، وهذا من كمال الاعتقاد الحسن في الله العظيم، أن يعتقد الإنسان بأنه ليس هناك شيءخارج عن إرادة الله تعالى ومشيئته،من اهتدى فا الله هداه بفضله، ومن ضل فا الله أضله بعدله وكل شيء جار على ما أراد الله-تعالى-وقدر. {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 1.
وفي الإيمان بالقدر الرضى بكل ما قدر وفعل من خير وشر بدون الاعتراض على الله تعالى.
1 سورة الأنبياء، الآية:23.
باب في مسائل الإيمان باليوم الآخر1
"وعذاب القبر حق "
الشرح:
ومن أصول أهل السنة الإيمان بسؤال القبر ويباشره ملكان هما منكر ونكير وقد ثبت في حقهما عدة أحاديث صحيحة.
منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير، فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل"2.
الحديث. وهكذا فإن أهل السنة يؤمنون بأن الروح ترجع إلى الجسد في القبر للسؤال، وهذا حق ثبتت به الأحاديث الصحيحة، وكذلك ضغطه القبر وعذابه حق، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ومنها الحديث السابق، وهذا كله حق كائن للكفار لا شك فيه، وقد وردت فيه النصوص الكثيرة من القرآن والسنة، فلا سبيل لإنكاره، وأثبتت النصوص كذلك أن عصاة المؤمنين يجوز أن يعذب الله من يشاء منهم في القبر بذنوبه حتى يقضي ما عليه.
_________
1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب مضمون الباب.
2 الترمذي (ب/383/ ح 1071) في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر من حديث المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً وقال الترمذي: حسن غريب، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع 1/ 186/ ح 724) .
* والميزان حق والحوض حق والشفاعة حق وقوم يخرجون من النار حق.
الشرح:
شفاعة الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} 1 فشفاعتهم ثابتة لكنها إنما تكون بإذن الله تعالى، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من المسلمين الذين استوجبوا العقاب بذنوبهم، هذه الشفاعة حق ثابت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" 2 شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين حق إن شاء الله تعالى.
ووزن الأعمال بالميزان يوم القيامة حق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، عنه، وكذلك حوض النبي صلى الله عليه وسلم حق ثابت، وهو حوض عظيم، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ورائحته كريح المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً يرده المؤمنون يوم القيامة، ويصد عنه أهل البدع والمحدثات، وهو حوض عظيم الاتساع قال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم:"حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً "3 وهذا الحوض المورود مما يكرم به نبينا صلى الله عليه وسلم.
_________
1 سورة البقرة الآية 255.
2 أحمد (3/213) وأبو داود (5/106/ ح/ 4739) في السنة باب في الشفاعة والترمذي 4 (625 ح 2435) في صفة القيامة كلهم من حديث أنس مرفوعاً وورد من حديث جابر وابن عباس وابن عمر وكعب بن عجرة وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في (صحيح الجامع 1/ 691/ رقم 3714) .
3 البخاري (11/ 472/ ح 6579) في الرقاق باب صفة الحوض من حديث ابن أبي مليكة عن ابن عمرو مرفوعاً.
* وخروج الدجال حق:
الشرح:
ومما يؤمن به أهل السنة والجماعة ما وردت به النصوص من أشراط الساعة وعلاماتها ومنها خروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام من السماء وغيرها، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الساعة:"إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج" 1 الحديث فكل هذه العلامات وغيرها مما وردت به الأخبار الصحيحة كله حق كائن ولا بد وذلك بمقتضى تصديقنا الخبر، والله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الخلاصة:
1-
يؤمن أهل السنة باليوم الآخر وما وردت به الآثار مما يتعلق به كأشراط الساعة ومنها الدجال، وفتنة القبر وعذابه، والحساب، والميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم، والشفاعة، وغير ذلك.
المناقشة:
1-
اذكر ثلاثا من مسائل الإيمان باليوم الآخر عند أهل السنة مع الاستدلال لكل منها.
_________
1 أخرجه مسلم (4/ 2226) ح 2901 في الفتن باب الآيات التي تكون قبل الساعة، وأحمد (614) وغيرهما من حديث أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري.
باب الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان1
الشرح:
مما يعتقد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وموجودتان لا تفنيان أبداً، خلافاً لقول من قال غير ذلك من أهل البدع، والحور العين خالدات لا يمتن أبداً بل خالدات بخلود الجنات، وكذلك فإن النار لا تفنى، ولا يفنى عذابها، فعقاب الله دائم لا ينقطع، وثوابه تعالى دائم لا ينقطع. وقد قال الله تعالى في كتابه {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106-108] ومما يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فنظر إليها ثم قال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكارة"2. وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وقال تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 89] .
الخلاصة:
1-
مما يعتقده أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان لله تعالى، وأنهما موجودتان الآن وباقيتان لا تفنيان.
المناقشة:
11-
هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟ وهل تفنيان؟
2-
اذكر دليلين من القرآن يوضحان أن الجنة والنار موجودتان الآن.
_________
1 وهذا الترتيب من عندي.
2 حسن. رواه أبو داود (4744) والنسائي (7/ 3- 4) والترمذي (2560) وغيرهم.
القول في الصحابة1
* [وأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي]
الشرح:
(1)
أهل السنة يرون أن أفضل الصحابة هم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضوان الله عليهم- ويقدرونهم قدرهم ويثنون عليهم بالثناء الجميل. وينزلون كل واحد منهم منزلته فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. فهم يقدمون أبا بكر وعمر، على عثمان وعلي- رضوان الله عليهم أجمعين- لقيام الأدلة: الصريحة على أفضليتهما وتقديمهما على غيرهما.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى- خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان. ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب، ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته2.
وذكر الأشعري في مقالاته: مذهب أهل السنة فقال: ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم أجمعين، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم3.
_________
1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب مضمون الباب.
2 السنة للإمام أحمد بن حنبل ص 78.
3 مقالات الإسلاميين 1/ 323.
وقال ابن بطة: ثم الإيمان والمعرفة بأن خير الخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلة- عند الله عز وجل بعد النبيين والمرسلين وأحقهم بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان وهو عتيق بن أبي قحافة ونعلم أنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على وجه الأرض أحد بالوصف الذي قدمنا ذكره ثم من بعده على هذا الترتيب والصفة أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الفاروق ثم من بعدهما على الترتيب والنعت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أبو عبد الله أبو عمرو ذو النورين ثم على هذا النعت والصفة من بعدهم أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه1.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته: ونعتقد أن خير هذه الأمة وأفضلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه الأخص وأخوه في الإسلام ورفيقه في الهجرة والغار، أبو بكر الصديق وزيره في حياته، وخليفته بعد وفاته عبد الله بن عثمان عتيق بن أبي قحافة ثم من بعده الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب، الذي أعز الله به الإسلام وأظهر الدين، ثم من بعده ذو النورين أبو عبد الله عثمان بن عفان الذي جمع القرآن، وأظهر العدل والإحسان، ثم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين فهؤلاء الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون2.
فالسلف اتفقوا على تقديم الشيخين أبي بكر وعمر- على غيرهما من الصحابة- وسجلوا ذلك في كتبهم حتى جعلوه من أصولهم. قال ابن تيمية: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر كما تواتر ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقوفاً ومرفوعاً كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمة العلم3.
* ثم إننا لم نجد أن أحداً من علماء السلف خالف في تقديم أبي بكر
1 الإبانة الصغرى ص 61.
2 عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص40.
3 الرسائل والمسائل: 371.
وعمر على عثمان وعلي إلا ما ذكره الأشعري في مقالاته حيث قال: وشذ قوم منهم فقال أن علياً أفضل من الشيخين- أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما1.
وقال ابن حزم: ذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه2.
لكن هذا الشذوذ الذي ذكره الأشعري وابن حزم لا قيمة له نظراً إلى وجود نصوص صريحة وكثيرة على تقديمهما، ثم إن الأشعري لم يذكر أسماء القائلين بهذا القول وكذا ابن حزم.
* وأما ما قاله ابن عبد البر في الاستيعاب بأن السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي.
فقد أجاب عنه ابن حجر الهيتمي، فقال: أما ما حكاه أولاً أن السلف اختلفوا في تفضيلهما فهو شيء غريب انفرد عن غيره ممن هو أجل منه حفظاً وإطلاعاً فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة جماعة من أكابر العلماء ثم سرد الهيتمي أسماءهم3.
*قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي كما دلت عليه الآثار4.
* وأما الذي اختلف فيه أهل السنة وعلماء السلف فهو تقديم عثمان على علي في الفضل فذهب الجمهور منهم أن عثمان أفضل الأئمة بعد الشيخين فهو الثالث في الترتيب في الخلافة والفضيلة واستدلوا على هذا بما
1 مقالات الإسلاميين 2/ 131.
2 الفصل: 4/ 111.
3 الصواعق المحرقة ص 63.
4 العقيدة الواسطية ص 64- 65.
حصل من إجماع الصحابة على تقديمه في الخلافة وما ورد من الآثار الدالة على تفضيله.
وقال قوم من أهل السنة أن علياً أفضل من عثمان وهو مذهب أكثر أهل الكوفة وإليه ذهب الثوري، وأبو حنيفة في روايته عنه. وتوقف قوم في عثمان وعلي ولم يفضل أحدهما على الآخر وإليه ذهب يحيى القطان، وابن معين، وابن حزم والإمام مالك في أحد قوليه1.
* قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: إن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق ثم عمر ثم اختلفوا فالأكثرون ومنهم الشافعي، وأحمد وهو المشهور عن مالك أن الأفضل بعدهما عثمان ثم علي. وجزم الكوفيون ومنهم الثوري بتفضيل علي على عثمان.
* وقيل بالوقوف عن التفاضل بينهما وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبد الله المازري في المدونة أن مالكاً رحمه الله سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم فقال أبو بكر ثم عمر ثم قال أو في ذلك شك؟ فقيل له وعلي وعثمان فقال: ما أدركت أحداً ممن اقتدى به يفضل أحدهما على الآخر.
* ثم قال الهيتمي: وتوقفه هذا رجع عنه. فقد حكى القاضي عياض أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان2.
* وقال الخطابي في معالم السنن: وقد ثبت عن سفيان أنه قال في آخر قوليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم3.
* قال الحافظ بن حجر في الفتح: ونقل البيهقي بسنده إلى ثور بن
1 مقالات الإسلاميين 2/131، الفصل: 4/111، معالم السنن 5/ 25، الإرشاد: ص 431، أصول الدين للبغدادي ص 293، فتح الباري 7/16، الصواعق المحرقة ص 58، شرح العقيد ة الطحاوية: ص 548.
2 الصواعق المحرقة ص 57.
3 معالم السنن 5/35.
يزيد عن الشافعي أنه قال أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي1.
فأهل السنة اتفقوا على تعظيم هؤلاء الخلفاء الأربعة وتقديمهم على غيرهم لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم كما إنهم يرون أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة فأبو بكر أول الخلفاء وأفضلهم ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم.
قال شارح الطحاوية: وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الفضل لترتيبهم في الخلافة ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإتباع سنة الخلفاء الراشدين، ولم يأمرنا في الإقتداء بالأفعال إلا بأبي بكر وعمر فقال: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر". وفرق بين اتباع سنتهم والإقتداء بهم فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهما2.
1 فتح الباري: 7/ 17.
2 شرح العقيدة الطحاوية: ص 548.
* والكف عن مساوىء أ! حاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحد منهم بسوء ولا ينقص أحد منهم.
الشرح:
أجمع أهل السنة والجماعة على أنه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه وهي واضحة وصريحة في أن الصحابة هم خيار الناس بعد الأنبياء مطلقاً، ولا يجوز أحد من المسلمين أن يطعن فيهم أو يسب أحداً منهم، ومن فعل هذا فهو مبتدع ضال وقد يؤدي هذا العمل إلى الكفر والخروج عن الملة.
* قال الإمام أحمد: ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحداً منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
* بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة1.
* وذكر ابن بطة مذهب السلف في الصحابة فقال: ونحب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأول من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان، وأحد، فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة سبقت لهم السوابق رحمهم الله أجمعين2.
قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم.
_________
1 السنة: ص 78.
2 الإبانة الصغرى: ص 65.
* ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
* وتثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون1.
وقال ابن قدامة: "ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} 2.
* قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 3.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"4.
فأهل السنة يعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم جميعاً، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
1 الطحاوية شرح وتعليق ص 57.
2 سورة الحشر: 11.
3 الفتح: 29.
4 رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1. فأثبت الخيرية لهم على سائر الأمم ولا شيء يعادل شهادة الله لهم بذلك.
* وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} 2.
* قال ابن حجر الهيتمي: والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب3.
* وقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} 4. وقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 5.
وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
1 آل عمران: 110.
2 البقرة: 143.
3 الصواعق المحرقة: ص 209.
4 التوبة: 100.
5 الفتح:18.
6 الأنفال: 72.
سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1.
* قال البيهقي بعد ذكر بعض الآيات الدالة على فضائل الصحابة: فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل- والقرآن الكريم ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 2 وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3 4.
فهذه الآيات تتضمن الثناء على الصحابة من المهاجرين والأنصار وتذكر حسناتهم وتدل على أن الله رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، وهو دليل واضح على إثبات عدالتهم وعظمة قدرهم عند الله وعلو مراتبهم.
وجاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"5.
وعن عبد الله مرفوعاً: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيىء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن أم مبشر مرفوعاً: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها" الحديث6.
1 الحشر:8-10.
2 سورة الفتح: الآية (29) .
3 التوبة: الآية10.
4 الاعتقاد: ص 159.
5 متفق عليه وسبق ص 197.
6 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة 7/ 169.
* فهذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على عدالة الصحابة رضي الله عنهم فأهل السنة يقدرون قدرهم ويثنون عليهم بالثناء الجميل وينزلون كل واحد منهم منزلته، والتزموا بذكرهم في أصولهم خلافاً للخوارج والرافضة والنواصب.
قال ابن تيميه:
ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله في قوله {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" متفق عليه.
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من انفق من قبل الفتح- وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل ويقدمون المهاجرين والأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ""وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة" كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ويشهدن بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة1.
* كما أنهم يرون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أفضل وأقرب إلى الحق من معاوية وممن قاتله معه لما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى
1 العقيدة الواسطية ص 63.
الطائفتين بالحق) متفق عليه واللفظ لمسلم1.
* ويعتقدون ما جرى بمن الصحابة هم فيه مجتهدون إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد والإصابة وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطأهم مغفور.
* قال الأشعري في الإبانة: فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم فإنما كان على تأويل واجتهاد، وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم.
* كذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم ويقيدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عن جميعهم2.
فيجب على المسلم السكوت والإمساك عما شجر بينهم وصيانة لسانه عن ذكر مصائبهم مع إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه والإقرار بأنه أقرب إلى الحق من غيره.
* قال الصابوني: ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم ويرون قدر أزواجه رضي الله عنهن والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين3.
* وقال شارح الطحاوية: والفتن التي كانت في أيامه قد صان الله عنها أيدينا فنسأل الله أن يصون عنها ألسنتنا بمنه وكرمه4.
1 البخاري كتاب الأدب ما جاء في قول الرجل ويلك 8/ 47، كتاب التوحيد باب قول الله تعالى تعرج الملائكة إلخ 9/154. مسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 3/ 106. باب التحريض على قتل الخوارج: 3/113.
2 الإبانة: ص 190.
3 عقيدة السلف أصحاب الحديث 130.
4 شرح العقيدة الطحاوية: ص 547.
وذهب الخوارج إلى أن عثمان وعلياً كانا إمامين عادلين وهما على حق في أوائل أمرهما ولكنهما أخطآ في الأخير كفرا بذلك.
* أما عثمان فإنه أحدث بدعاً وجب بها خلعه وإكفاره.
* وأما علي فإنه حكم الرجال مع أنه لا حكم إلا لله فكفر بذلك التحكم واعتلوا بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . قالوا: إن الله أمر بقتال أهل البغي وترك علي قتالهم لما حكم فكان تاركاً لحكم الله عز وجل مستوجبا للكفر لقوله فأولئك هم الكافرون وكذلك كفروا الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ومن وافقهما في تحكيمهما1.
وذكر البغدادي اتفاق الخوارج على تكفير عثمان وعلي والحكمين فقال: إن الذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار علي، وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين2.
وقال الشهرستاني في الملل والنحل: اجتمعوا على تكفير عثمان وعلي والتبرؤ منهما3.
وذكر المقريزي قول الخوارج في الخلفاء فقال: وهم الغلاة في حب أبي بكر وعمر وبغض علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، ولا أجهل منهم فإنهم القاسطون المارقون خرجوا على علي رضي الله عنه وانفصلوا بالجملة وتبرؤوا منه4.
* وقال الرازي في اعتقادات فرق المسلمين: إن سائر فرق الخوارج متفقون على تكفير عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة كما أنهم يعظمون
1 مقالات الإسلاميين 2/ 26، 128، الفصل: 4/ 153. أصول الدين ص 286-287، 292، مجموع الفتاوى 3/ 355.
2 الفرق بين الفرق ص 55.
3 الملل والنحل: 1/ 115.
4 الخطط والآثار 2/ 354.
أبا بكر وعمر رضي الله عنهما1.
فالخوارج متفقون على تكفير عثمان وعلي والحكمين- أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص- رضوان الله عليهم أجمعين كما ذكره الأشعري في مقالاته2.
ثم إنهم اختلوا في كفرهم هل هو كفر شرك أو كفر النعمة فقال قوم: هو كفر شرك، وهم الأزارقة. وقال الآخرون: هو كفر نعمة وليس بكفر شرك، وهم الأباضية3.
ولكن الخوارج لم يقفوا عند هذا الحد من تكفير عليّ بل جعلوا لعنه رضي الله عنه من شعارهم وعاداتهم، حتى إن قوماً منهم جاوزت سخافة عقولهم الحد فزعموا أن الله تعالى أنزل في حق علي رضي الله عنه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} 4.
وهؤلاء صوبوا فعل عبد الرحمن بن ملجم- قاتل علي- وزعموا أن الله تعالى أنزل في حق ابن ملجم- قبحه الله- قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} 5.
وفي ذلك يقول عمران بن حطان أحد شيوخ الخوارج وزهادهم في ضربة ابن ملجم لعلي رضي الله عنه
يا ضربة من تقى ما أراد بها
…
إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
إني لأذكره يوما فأحبه
…
أوفى البرية عند الله ميزاناً 6
1 اعتقادات فرق المسلمين: ص 51.
2 مقالات الإسلاميين 1/156.
3 المرجع السابق 2/ 126.
4 البقرة: 204.
5 البقرة: 207.
6 الاستيعاب 3/ 1128، مروج الذهب: 2/ 427. والملل والنحل: 1/120.
* وهناك طائفة أخرى- وهم النواصب- الذين بالغوا في حب عثمان ومعاوية ويزيد وقالوا إنهم كانوا أئمة حق وهم أفضل من علي كما أنهم ناصبوا العداء والبغض لأهل البيت عامة ولعلي رضي الله عنه خاصة وقالوا إن عليا لم يكن إماماً لأنه لم يجتمع عليه الأمة، وإن معاوية كان إماماً بعد عثمان وبعد معاوية ابنه يزيد، لأن المسلمين اجتمعوا على إمامتهما في وقتهما1.
* قال ابن قتيبة وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلو الرافضة في حب علي، وتقديمه على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عليه وادعائهم له شركة النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته، وعلم الغيب للأئمة من ولده، تلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منه قابلوا ذلك أيضاً بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه وبخسه حقه ولحنوا في القول وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق، ونسبوه إلى الممالأة على قتل عثمان رضي الله عنه وأخرجوه بجهلهم عن أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن، ولم يوجبوا اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه واتهموا من ذكره بغير خير2.
* أما الرافضة فإنها غالت في حب علي رضي الله عنه وأهل البيت كما أنها غالت في بغض الخلفاء الثلاثة -أبي بكر وعمر وعثمان فسبوهم ولعنوهم ثم كفروهم.
* كما أنهم لعنوا وكفروا أم المؤمنين عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وجماعة من الصحابة جميعاً سوى عدد قليل وقالوا إنهم- الصحابة- تركوا بيعة علي وبايعوا أبا بكر ثم عمر لأنهم يرون أن علياً كان
1 مقالات الإسلاميين 1/ 156، ومجموع الفتاوى 3/ 411، وبه قال الأصم من المعتزلة وبعض أهل الشام. أصول الدين: ص 287.
2 الاختلاف في اللفظ: ص 244.
أحق بالخلافة من الشيخين- أبي بكر وعمر1.
* وقال الشهرستاني في الملل والنحل: ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعناً وتكفيرا وأقله ظلما وعدوانا2.
* وقال البغدادي في الفرق: أجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة وهذا خلاف قول من زعم من الرافضة أن الصحابة كفرت بتركها بيعة علي رضي الله عنه3.
وقال في أصول الدين: "وزعمت الروافض أن طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا في قتالهم علياً وكذلك قالوا في معاوية وأصحابه بصفين4.
وأما جميع طوائف الشيعة بما فيهم من الرافضة فإنهم أجمعوا على أنه لا ولاء إلا ببراء- أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة.
قال الشهرستاني: "أجمعوا على القول بالتولي والتبرؤ قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حالة التقية"5.
كما اتفقت جميع طوائف الشيعة على لعن الشيخين- أبي بكر وعمر- وجعلوه من شعارهم وعاداتهم، حتى جعلوا هذا اللعن دعاء يدعون به في صلاتهم ويقولون: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما
…
الخ.
1 الفرق ص 22 الوافي للصفدي: 2/ 47. مختصر التحفة الأثني عشرية ص 0284 الوشية في نقد عقائد الشيعة.
2 الملل والنحل: 1/ 164.
3 الفرق: ص 352.
4 أصول الدين ص. 29.
5 الملل والنحل: 1/ 146.
ويريدون بالجبت والطاغوت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وبابنتيهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما1.
* فقد جاء في كتاب أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ما نصه: واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنهم بذلك في النار مخلدون2.
* فأهل السنة وسط بين الطرفين الخوارج والنواصب من جهة وبين الرافضة من جهة فإنهم يحبون عثمان وعليا ويؤمنون بأنهما على حق كما أنهم يرون أن الشيخين- أبا بكر وعمر- أفضل منهما لما خصهما الله له من الفضائل فيوالونهم كلهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده وصار قوم ممن يحب عثمان ويغلو فيه ينحرف عن علي رضي الله عنه مثل كثير من أهل الشام ممن كان إذ ذاك يسب علياً رضي الله عنه ويبغضه وقوم ممن يحب علياً رضي الله عنه ويغلو فيه ينحرف عن عثمان رضي الله عنه مثل كثير من أهل العراق ممن كان يبغض عثمان رضي الله عنه ويسبه ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وزاد البلاء بهم حينئذ والسنة محبة عثمان وعلي جميعاً وتقديم أبا بكر وعمر عليهما لما خصهما الله من الفضائل التي سبقا بها عثمان وعليا جميعا فهذا موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله فإن السنة مبناها على العلم والعدل والاتباع لكتاب الله وسنة رسوله3.
1 مفتاح الجنان ص 114. عن الخطوط العريضة ص 18، مختصر التحفة الاثني عشرية ص 285.
2 أوائل المقالات ص10 عن الخطوط العريضة ص 46.
3 رسالة الوصية الكبرى ص 59-60.
* كما أن السلف يعظمون جميع الصحابة ولا يسبون أحداً منهم ولا يطعنون فيهم ويتبرؤون من طريقة الخوارج، والنواصب الذين يكفرون علياً ويلعنون أهل البيت.
* ومن طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم بل ويكفرونهم.
الخلاصة:
- أهل السنة يحبون جميع الصحابة وأمهات المؤمنين، ويوالونهم، وينزلونهم منازلهم، ويعرفون لهم قدرهم.
2-
وهم يقدمون في الفضل أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي على ترتيبهم في الخلافة.
3-
يتبرأ أهل السنة من طريقة النواصب والروافض والخوارج وغيرهم في شأن الصحابة.
المناقشة:
1-
ما موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
2-
ماذا تعرف عن الناصبة والرافضة؟
3-
ماذا يجب تجاه من يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو يكفر أحداً منهم؟
باب (القول في الخلافة بعد رسوله صلى الله عليه وسلم
11-
وسمعت أبا عروبة الحسين بن أبي معشر السلمي (بحران) قال:
سمعت الميموني يعني عبد الملك بن عبد الحميد يقول: سمعت أحمد بن حنبل وقيل له إلى ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: قال فقيل له: كأنك تذهب إلى حديث سفينة؟ قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يَتَسَمّ بأمير المؤمنين ولم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن قبل ذلك.
الشرح:
ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر الصديق تفضيلاً له وتقديماً على سائر الأمة، إذ فضله الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدمه وألمح إلى خلافته في عدة أحاديث، وهو أولى الأمة بالفضل والتقديم، وقد اتفق المسلمون على بيعته يوم السقيفة ومن بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث استخلفه أبو بكر على الناس، وهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده عثمان بن عفان ذو النورين- رضي الله عنه زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده علي بن أبي طالب- رضي الله عنه ابن عمه- رضي الله عنه وزوج فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأربعة هم أفضل الصحابة، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهتدون، الذين أوصى رسول صلى الله عليه وسلم، بإتباع سنتهم.
_________
1 هذا التبويب وضعته بما يلائم فحوى الفصل، وإلا فهو موجود في الكتاب أصلاً بعنوان (باب) دون أي زيادة.
الخلاصة:
1-
يثبت أهل السنة والجماعة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
2-
يفضل أهل السنة هؤلاء الأربعة على غيرهم من الأمة، ويجعلون فضلهم على حسب ترتيبهم في الخلافة.
المناقشة:
1-
من هم الخلفاء الراشدون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من هو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن الذي يليه؟
باب محبة أئمة السلف1
وإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري ومالك بن أنس وأيوب السختياني وعبد الله بن عوف ويونس بن عبيد وسليمان التيمي وشريكاً وأبا الأحوص والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وابن المبارك ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فاعلم أنه على الطريق.
الشرح:
* العلماء السابقون، من الصحابة والتابعين، أهل الصلاح وأتباع السنن وأهل الفقه، ولا نذكرهم إلا بالجميل والثناء ومن ذكرهم بسوء فهو على سبيل الضلالة، فإن محبتهم واجبة، ولحومهم مسمومة لمن ذكرهم بسوء، ومحبتهم من علامات كون الرجل صاحب حق وسنة.
وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] وهؤلاء المذكورون من أئمة السنة والهدى، ومحبتهم دليل على محبة الهدى، وبغضهم دليل على بغضه، والواجب على المؤمن أن يحبهم، فإنه من الحب في الله، وهو أوثق عرى الإيمان.
_________
1 هذا التبويب من عندي بما يعبر عن مضمون الباب.
باب علامات أهل البدع وحكم الصلاة خلفهم1
إذا رأيت الرجل يقول هؤلاء الشكاك فاحذروه فإنه على غير الطريق.
وإذا قال المشبهة فاحذروه فإنه جهمي، وإذا قال المجبرة فاحذروه فإنه قدري. والإيمان يتفاضل، والإيمان قول وعمل ونية والصلاة من الإيمان، والزكاة من الإيمان، ونقول الناس عندنا مؤمنون بالاسم الذي سماهم الله والإقرار والحدود والمواريث والعدل ولا نقول ولا يقول عبد الله ولا بقوله كإيمان جبريل وميكائيل لأن إيمانهما متقبل. ولا يصلى خلف القدري ولا الرافضي ولا الجهمي ومن قال إن هذه الآية مخلوقة فهو كافر {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} 2 وما كان الله ليأمر موسى أن يعبد مخلوقاً.
الشرح:
من علامات أهل البدع أنهم يكرهون السنة وأهلها وأئمتها، ويرمونهم بالألقاب السيئة تنفيراً للناس منهم، كما هو دأب الجهمية المعطلة والقدرية والمرجئة والأشعرية والماتريدية والقبوربة والصوفية وغيرهم من أصناف المبتدعة. والإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان والصلاة والزكاة والحج وجميع الأعمال حتى إماطة الأذى عن الطريق. كل ذلك داخل في مسمى الإيمان.
ولا بد من إقامة الحدود والمواريث والعدل، ولا يصلى خلف القدرية والروافض والجهمية، فمن قال إن قوله تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} مخلوق فهو كافر لأنه ظن أن هذا القول خرج من الشجرة ولأنه تعالى لم يأمر موسى أن يعبد مخلوقا.
_________
1 هذا التبويب كذلك وضعته بما يناسب مضمون الباب.
2 سورة طه: 14.
باب (في ترك الجدال في الدين)
* وترك الجدال والمراء والخصومات في الدين.
الشرح:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أوتوا الجدل" 2 ثم قرأ قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} 3، ولكن يجوز للمسلم أن يجادل أهل الباطل بالحسنى إن رجا منهم الاستجابة للحق والرجوع إليه وترك كل ما أحدثه المحدثون، فإنه قد ثبت في الحديث أن كل محدثة بدعة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، والإحداث في الدين بغير إذن الله تبديل للشريعة، وفي الكتاب:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 4، فلا يجوز الابتداع في دين الله- تعالى- بحال، بل يجب على الإنسان هجران البدع ولزوم السنن فإن الرد على أهل البدع وقمع شبهاتهم وكسر جموعهم وبغضهم وعداوتهم، ومناصرة السنن وأهلها من أعظم الجهاد في سبيل الله ومن أجل الطاعات لله عز وجل، ولذلك فسوف درساً وتدريساً وتأليفاً لأن اللين على أهل البدع يسبب تقوية شوكتهم، وظهور أمرهم ورفع رؤوسهم فضلاً عن موالاتهم ومناصرتهم.
_________
1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب فحوى الكتاب.
2 الحديث أخرجه أحمد (5/ 252، 256) والترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم من حديث أبي أمامة مرفوعاً وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 984/5633) . وتخريج المشكاة 1/64.
3 سورة الزخرف، الآية:58.
4 سورة الشورى، الآية:21.
القسم الثاني: شرح اعتقاد أهل الحديث الذي قرره الإمام أبو أحمد الحاكم (378هـ) في كتابه: "شعار أصحاب الحديث
".
…
* ولا نكفر بذنب إلا ترك الصلاة:
الشرح:
ولا يحكم أهل القبلة بجنة ولا نار على سبيل اليقين والقطع، لأحد من المسلمين بل من أحسن منهم رجونا له الجنة ولم نأمن عليه مكر الله، ومن أساء أشفقنا عليه ولم نقنطه من رحمة الله- تعالى- ولا نشهد على مسلم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، مما يخرج من الملة الإسلامية، إلا أن يكون قد ظهر منهم شيء من ذلك مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ويذرون السرائر إلى الله تعالى- حيث أنه العليم بها ويآخذون الناس بما ظهر منهم.