الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقلت من
الجزء الثاني
، وليس فيه سماعي:
24 -
بإسنادٍ، قال: كتب ابن الزبير إلى معاوية: قد علمت أني صاحب الدار، وأني الخليفة بعد عثمان، ولأفعلن ولأفعلن. فدعا معاوية يزيد، فقال: ما ترى؟ قال: أرى -والله- أن لو كنت أنت وهذا على السواء، ما كان ينبغي أن تقبل منه هذا. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تبعث إليه خيلاً؛ قال: ويحك، إني لا أصل إلى ابن الزبير حتى أقتل دونه رجالاً من قريشٍ؛ فكم ترى أن أرسل إليه؟ قال: أربعين ألف فارسٍ. قال: فكم ترى يكفيها لمخاليها؟ قال: أربعون ألف مخلاةً، لكل مخلاةٍ درهمٌ، فذلك أربعون ألف درهمٍ. فقال معاوية: يا غلام، اكتب إلى ابن الزبير: إن أمير المؤمنين قد بعث إليك ثلاثين ألف درهمٍ، تستعين بها على أمرك.
قال: فكتب ابن الزبير: وصلت أمير المؤمنين رحمٌ. فقال معاوية ليزيد: ربحنا على ابن الزبير عشرة آلاف درهمٍ في المخالي.
25 -
وبإسناده، قال: أتي معاوية بقطائف، فقسمها بين أهل الشام، وأعطى شيخاً
⦗ص: 28⦘
قطيفةٌ، فتسخطها، وحلف ليضربن بها رأس معاوية؛ فبلغ معاوية فقال له: أوفِ بنذرك، وليرفق الشيخ بالشيخ.
26 -
وبإسنادٍ: أن أعرابياً كان على عهد معاوية، قالت له امرأته وبناته: لو أتيت أمير المؤمنين، فسألته وأخبرته بحالك، لعل الله يرزقك منه شيئاً. قال: إنه ليس بيدي شيءٌ. فباعوا حلياً ومتاعاً لهم، وتجهز حتى أتى معاوية، فدخل عليه وقد نصب في الطريق، فرأى جماعة الناس على معاوية، فلم يقدر على كلامه، فدار خلفه فقعد خلف السرير على مثل بين وسادتين، فجعل يخفق برأسه لما لقي من العياء في طريقه، فنام وتفرق الناس عن معاوية.
فلما أمسوا وخرج للمغرب، ثم رجع فتعشى وخرج لصلاة العشاء، والشيخ نائمٌ لا يعلم، حتى ذهب هوي من الليل، فدخل معاوية على أهله، فانتبه الشيخ لما أصابه برد الليل، فإذا هو بالسرج، وإذا ليس بالبيت أحدٌ غيره، فقام فخرج إلى الدار، فإذا الأبواب مقفلةٌ، فاسترجع، وقال: إنا لله، جئت أطلب الخير، فالآن أوخذ بظن أني جئت أغتال أمير المؤمنين. فجعل يطلب مكاناً يختبئ فيه إلى أن يصبح، فلم يجد، فدخل تحت سرير معاوية.
فلما ذهب هوي من الليل، إذا معاوية قد أقبل؛ شيخٌ ضخم البطن، متوشحٌ بملحفةٍ حمراء، حتى قعد على السرير، والشيخ ينظر، وهو يسترجع في نفسه، يقول: الآن أقتل. ثم قال معاوية: يا غلام؛ فأتاه بعض الوصفاء، فقال: انطلق إلى ابنة قرظة، فادعها. فأتاها، فقالت: لا أستطيع؛ فرده إليها، فقال: عزمت عليك؛ فجاءت تمشي
⦗ص: 29⦘
ومعها جوارٍ يسترنها، حتى قعدت على السرير معه، وطرن الجواري. فكلمها معاوية ساعةً ثم قال: عزمت عليك إلا نزلت فمشيت؛ ورمى عنها ثيابها، وبقيت في درعٍ رقيقٍ من قز، يستبين منه جميع جسدها، فمشت؛ فقال: أقبلي، فأقبلت؛ ثم قال: أدبري، فأدبرت؛ والشيخ ينظر، ثم أقبلت، فإذا هي ببريق عين الشيخ من تحت السرير، فصاحت وقالت: افتضحت؛ وقعدت وتقنعت بيدها، فقام معاوية إليها فقال: ما لك، ويحك، قالت: رجلٌ تحت السرير. فأدخل معاوية يده، فأخذ برأسه، فإذا شعيراتٌ، فجعل لا يقدر على أن يقبض على شعره؛ فلما علم أنه شيخٌ كبيرٌ تركه. ولبست ابنة قرظة ثيابها، وانطلقت إلى بيتها؛ وخرج الشيخ إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لينفعني عندك الصدق. قال: هيه. فقص عليه القصة، فقال: لا بأس عليك، وجعل معاوية يضحك، وجعل يسائله؛ فإذا الأعرابي منظرٌ، لا يسأله عن شيءٍ إلا أخبره.
فلما أصبح دعا معاوية خصياً له، فقال: خذ بيد هذا، فأدخله على بنت قرظة، وقل لها: إن هذا الذي تخلاك البارحة، وللخلوة نحلةٌ، فأعطيه نحلته.
فأدخله الخصي عليها، وأخبرها بما قال معاوية، فصاحت بالخادم فخرج، وحبست الأعرابي وقالت: ويحك، ما قصتك؟ فقص عليها القصة، فأعطته، وأوقرت راحلته ثياباً وغير ذلك، وقالت له: إذا خرجت من عندي، فلا تقيمن في هذه البلاد، فإن رآك أحدٌ بها نكلت بك؛ وخافت أن يقيم، فكلما ذكره معاوية دعاه فذكر له ما كان؛ ثم قالت لغلام لها: انطلق فاحمله وما معه على الراحلة، ثم انخس به حتى تخرجه من هذه الأرض.
⦗ص: 30⦘
فانطلق الأعرابي وقد أصاب حاجته.
27 -
وبإسناده عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: خطبهم معاوية على منبر مكة، فقال: إن عتبة بن أبي سفيان كتب إلي، يذكر أن أناساً من باهلة دلوا الروم على عورات المسلمين، وبالله لقد هممت أن أكتب إليه أن يحملهم في البحر، ثم يغرقهم. فقام عبدٌ أسود، فقال: والله لا نرضى بكل رجلٍ منهم رجلاً من ولد أبي سفيان. فقال معاوية: اجلس يا غراب. فقال: أبالسودة تعيرني؟ الغراب ينقر عين الرخم.
وقال عمرو بن العاص: ألا تضرب عنق هذا الكلب؟ قال: إنا -والله- لا نحول بينهم وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا.
28 -
وبإسناده عن قتادة، قال: لقي معاوية ابن عباس، فقال له: يا ابن عباسٍ، احتسب الحسن، لا يحزنك الله ولا يسوؤك. قال: أما ما أبقى الله أمير المؤمنين فلا يحزني ولا يسؤوني. قال: فأعطاه على كلمته ألف ألفٍ رقةً وعروضاً وأشياء. قال: خذها فاقسمها في أهلك.
29 -
وبإسناده عن الشعبي، قال: قدم رجلٌ على معاوية، فسأله فأعطاه، فقال: آجرك الله يا أمير
⦗ص: 31⦘
المؤمنين. فقال: يا ابن أخي، والله لئن كنا نؤجر فيما نعطي، وليس علينا إثمٌ فيما نأخذ، ما كان في الدنيا شيخان أقل حظاً من أبي بكرٍ وعمر؛ وليس كما ذكرت، وسأنبئك به: فتحنا لكم باب الهجرة، وسددنا الثغور، وأدررنا الأعطية، وأجرينا الرزق، وبقي بعد ذلك مالٌ كثيرٌ، عاث فيه معاوية وآل معاوية، وسيلقون الله فيحاسبهم، فإن شاء غفر لهم، إنه غفورٌ رحيمٌ.
30 -
وبإسناده قال: قدم شاب من قريشٍ على معاوية، فحجبه عبيدٌ حاجبه، فقام إليه في بعض ما كان يرده عن الباب، فأغلظ له عبيدٌ، فرثمه الفتى، فدخل على معاوية وعليه قميصٌ مدلوكٌ عليه الدماء؛ فغضب معاوية حتى عرف الغضب في وجهه، ثم سكت طويلاً، ثم رفع رأسه فقال للحاجب: انطلق، فإن القدرة تذهب الحفيظة، يعني الغضب.
31 -
وبإسنادٍ، قال: كان شداد بن أوسٍ فيمن ترك معاوية واعتزله، فقال له معاوية: قم فاخطب؛ فقام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ألا إن الدنيا عرضٌ حاضرٌ، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة وعدٌ صادقٌ، يحكم فيه ملكٌ قادرٌ؛ ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، {من يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} غفر الله لي ولكم.
⦗ص: 32⦘
وفي رواية أخرى: أن معاوية قال لشداد بن أوسٍ: قم فاخطب. فقال شدادٌ: الحمد لله الذي افترض الحمد على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا خلقه، على ذلك مضى أولهم، وعليه يمضي آخرهم. أيها الناس: ألا إن الآخرة وعدٌ صادقٌ، يحكم فيه ملكٌ قادرٌ؛ وإن الدنيا أجلٌ حاضرٌ، يأكل منه البر والفاجر؛ وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له؛ وإن الله تبارك وتعالى إذا أراد بالناس صلاحاً عمل فيهم صلحاؤهم، وقضى بينهم فقهاؤهم، وجعل الملك في سمحائهم. وإذا أراد الله بالعباد شراً، عمل عليهم سفهاؤهم، وقضى بينهم جهلاؤهم، وجعل المال عند بخلائهم؛ وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤها، ونصحك -يا معاوية- من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل.
فقال له معاوية: اجلس؛ وأمر له بمال. فقال: إن كان من مالك دون مال المسلمين، تعاهدت جمعه مخافة تبعته، فأصبته حلالاً، وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن كان مما شركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً، وأنفقته إسرافاً؛ فإن الله عز وجل يقول:{إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} .
32 -
وبإسناده: قال الفضيل: إن وفداً من أهل العراق قدموا على معاوية، فيهم
⦗ص: 33⦘
صعصعة بن صوحان، فقال لهم معاوية: مرحباً بكم وأهلاً، قدمتم خير مقدمٍ، قدمتم على خليفتكم وهو جنةٌ لكم، وقدمتم أرضاً بها قبور الأنبياء، وقدمتم الأرض المقدسة وأرض المحشر.
فقال صعصعة: أما قولك: مرحباً بكم وأهلاً، فذاك من قدم على الله وهو عنه راضٍ. وأما قولك: قدمتم على خليفتكم وهو جنةٌ لكم، وكيف لنا بالجنة إذا احترقت. وأما قولك: قدمتم الأرض المقدسة، فإنها لا تقدس كافراً. وأما قولك: قدمتم أرضاً بها قبور الأنبياء، فمن مات بها من الفراعنة أكثر ممن مات بها من الأنبياء. وأما قولك: قدمتم أرض المحشر، فإنه لا يضر بعدها مؤمناً، ولا ينفع قربها كافراً. قال: اسكت، لا أرض لك. قال: ولا لك يا معاوية، إنما الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده. قال: أما -والله- لقد كنت أبغض أن أراك خطيباً. قال: وأنا -والله- لقد كنت أبغض أن أراك خليفةً.
33 -
وبإسناده، قال: لما بايع الناس معاوية، أتاه أبو موسى، فدخل عليه، فقال: السلام عليك يا أمير الله. قال: ما تقول يا أبا موسى؟ ما هذه؟ قال: رأيت الله أمرك ونحن كارهون، فأنت أمير الله. قال: صدقت.
34 -
وبإسنادٍ، قال: جاء رجلٌ إلى معاوية، وهو يبايع الناس بالكوفة، فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله. فقال له معاوية: أنت الذي لا أمير لك. قال الرجل: وأنت الذي لا بيعة لك. فقال معاوية: وما خير بيعةٍ ليس فيها سنة الله وسنة رسوله؟ فبايعه، ثم قال: يا ابن أخي، اتق غضب السلطان، فإن السلطان يغضب غضب الصبي، ويأخذ أخذ الأسد.
35 -
وبإسناده: أن معاوية بن أبي سفيان، كان يلقاه الحسن بن علي، فيقول: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحباً وأهلاً؛ يا غلام، أعطه مئة ألفٍ. ويلقاه عبد الرحمن بن أبي بكرٍ، فيقول: مرحباً بابن الصديق؛ يا غلام، أعطه مئة ألفٍ، فيأخذها. ويلقاه ابن عمر، فيقول: مرحباً بابن الفاروق، أعطه مئة ألفٍ، فيعطاها. ويلقاه ابن الزبير، فيقول: مرحباً بابن عمة رسول الله عليه السلام، أعطه مئة ألف، فيعطاها.
36 -
وبإسناده، قال: جاء رجلٌ إلى معاوية، فقال: سرق ثوبي هذا، فوجدته مع هذا الرجل. فقال: لو كان لهذه علي بن أبي طالبٍ!
37 -
وبإسنادٍ، قال: قال معاوية لرجلٍ من يهود، أحد بني الحارث بن كعب: هل تروي من شعر أبيك شيئاً؟ قال: أي شعره أردت؟ قال: أبياتاً كانت قريشٌ تغبطه بها. قال: نعم:
هل أضرب الكبش في ملمومةٍ قدماً
…
أم هل سمعت بسر كان لي نشرا
أم هل يلومونني قومي إذا نزلوا
…
أم هل يقولون يوماً: قائلٌ بسرا
نقريهم الوجه ثم البذل يتبعه
…
لا نمنع العرف منا قل أو كثرا
قال معاوية: أنا -والله- أحق بها من أبيك. قال اليهودي: كذبت، لعمرو الله، لأبي أحق بها إذ سبق إليها.
فاستلقى معاوية، ووضع ساعده على وجهه؛ فقال الوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن أم الحكم: اسكت يا ابن اليهودية؛ وشتماه. فقال اليهودي: كفا عن شتمي، فإن لم تفعلا، شتمت صاحب السرير.
فرفع معاوية وجهه ضاحكاً، وقال: كفا عنه. يكفف عن عرضي؛ ثم قال لليهودي: إنكم أهل بيتٍ كنت تجيدون صنعة الهريسة في الجاهلية، فكيف صنعتكم لها اليوم؟. قال: اليهودي: نحن اليوم -يا أمير المؤمنين- لها أجود صنعةً. قال: فاغد بها علي. وأمر له بأربعة آلافٍ، فخرج. فقال الوليد وعبد الرحمن: كذبك، وأمرت له بجائزة!. قال: أنتما أجزتماه بها؛ شتمتماه، فأردت أن أستل سخيمته. وغدا عليه بالهريسة.
38 -
وبإسنادٍ، قال: قال قومٌ من قريشٍ: ما نظن معاوية أغضبه شيءٌ قط. قال بعضهم: بلى، إن ذكرت أمه غضب؛ فقال مالك بن أسماء المنى القرشي -وهي أمه، وإنما قيل لها: المنى، من جمالها-: والله لأغضبنه إن جعلتم لي جعلاً. فأتاه، وقد حضر معاوية ذلك العام الموسم، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه عينيك بعيني أمك. قال: تك عينان طالما أعجبتا أبا سفيان؛ يا أبن أخي، انظر ما أعطيت من الجعل، فخذه ولا تتخذنا متجراً. فرجع الغلام، فأخذ جعله؛ فقال له رجلٌ منهم: لك ضعفا جعلك إن أتيت عمرو بن الزبير، فشبهته بأمه؛ فأتاه، فقال: يا ابن الزبير، ما أشبه وجهك بوجه أمك. فأمر به، فضرب حتى مات.
فبعث معاوية بديته إلى أمه، وقال:
ألا قل لأسماء المنى أم مالكٍ
…
فإني لعمرو الله أقتلت مالكا
39 -
وبإسنادٍ، قال: لما بايع معاوية ليزيد، قال رجلٌ: اللهم اكفني شر معاوية. فقال معاوية: تعوذ بالله من شر نفسك، فهو أشد عليك، وبايع. قال: إني لا أبايع وأنا كاره، فقال معاوية: بايع -رحمك الله- فإن في الكره خيراً كثيراً.