الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى الذي جعل التقوى زينة للمتقين
، وحلية للصالحين، والصلاة والسلام على قُدوة العالمين، وعلى آله وأصحابه شموس العارفين.
وبعد:
أخي المسلم: ما زال الصالحون يلتمسون الدرجات العليَّة .. ويَسْعَون إلى تحصيل المناقب البَهيَّة .. حتى غدا ليلُهم في صباح .. وجدُّهم في نجاح .. وسعيُهم في رباح ..
أخي: وأنت، تُرى ألا تحب أن تكون من أصحاب الفضائل الزَّكيات! ومن أنصار الهمم العاليات؟ !
أخي في الله: كم هو جميل بالإنسان أن يتخلق بالفضائل .. ويسعى دومًا إلى إدراك المحاسن ..
أخي: إنك لن تبلغ المنزلة الرفيعة في الدنيا والآخرة إلا بصادق الهداية .. وكريم الفضائل والسَّجايا ..
أخي المسلم: إن طهارة القلب
.. لا يضر صاحبها أن يكون دنس الثَّوب .. وإن زينة الثياب مع دَنَس الألباب .. لا ترفع صاحبها عن طبائع الذئاب ..
أخي: ألَا تستنشق معي عبير الصالحات؟ ! ألا تقف معي بتلك الربوع الطاهرات؟ ! نقضي لحظات طيِّبات .. بين ظلال ودَوْح الأعمال الرابحات ..
أخي: هل تدري أن خلقًا من الأخلاق إذا اتَّصف به المسلم كان لقلبه كالصابون للثوب! يزيل أوساخه .. ويُطَهِّر أدناسه ..
أخي: أتدري أي خُلُق هو هذا الخُلُق؟ !
ذاك هو (الوَرَعُ! ) خُلُق النبيين .. وزينة المتقين .. وبهاء الصالحين .. صاحبه في شواهق عاليات .. تتقطع دونها الهمم الصادقات ..
أخي في الله: ذاك هو الضياء الذي حار في بيان جلائه الحكماء .. وتداخلت فيه عبارات العلماء .. وتنافس في بيانه البلغاء ..
* فقالوا: هو: (تجنب الشبهات ومراقبة الخطرات! ).
* وقالوا: (الورع عبارة عن ترك التسرع إلى تناول أعراض الدنيا).
* وقال يونس بن عبيد: (الورع الخروج من كل شبهة! ومحاسبة النفس في كل طرفة عين! ).
* وقالوا: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس! ).
* وقال الإمام ابن القيم: (ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة).
* وقال الجرجاني: (هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات! ).
* وقالوا: (النظر في المطعم واللباس، وترك ما به بأس).
* وقالوا: (هو ملازمة الأعمال الجميلة).
* وقالوا: (الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات).
أخي: ذاك هو كلام العارفين في الورع، فلا يهولنك كثرته! فما هو إلا كحبات در نفيس! نظمتها في عقد واحد فكان عقدًا بديعًا فاق الوصف! فهنيئًا لأهل الورع وقد ازدان جيدهم ببهائه وسنائه!
أخي: هو (الورع! ) كيفما عرفته فيبقى أنه: هو ذلك الخُلُق الرفيع، والصفة الجميلة ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة! وخير دينكم الورع! » رواه الحاكم والطبراني في الأوسط/ صحيح الجامع: 4214.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا! حفظ أمانة، وصدق حديث، وحُسْن خليقة، وعفة في طعمة» رواه أحمد/ تصحيح أحمد شاكر: 6652.
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (لكل شيء حد وحدود الإسلام: الورع، والتواضع، الشكر، والصبر، فالورع ملاك الأمور، والتواضع براءة من الكبر، والصبر النجاة من النار، والشكر الفوز بالجنة).
وقال ابن المبارك رحمه الله: (ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف فلس يتصدق بها! ).
أخي المسلم: أين أنت من تلك المحاسن الباهرات؟ !
أخي: أما حدثتك نفسك يومًا بشيء من الحنان إلى تلك الربوع الطاهرة؟ !
أما قالت لك: هل أنت في صفوف أهل الورع والعفاف؟ !
هل أنت يا هذا طالب لتلك القمم العالية؟ !
هل أنت ممن إذا ذُكرَ الورع وأهله أعجبته تلك الديار؟ !
أخي: ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمك كيف يكون الورع؟ ! ومن أين يبدأ الورع؟ !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات! لا يعلمهن كثير من الناس! فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام! كالراعي
يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه! ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه! ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله! وإذا فسدت فسد الجسد كله! ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم.
أخي: هل وقفت يومًا عند هذا الحديث فحاسبت نفسك به حساب الصادقين؟ !
أخي: كم يحمل هذا الحديث من معان عظيمة في الورع! ولقد استنار الصالحون بضيائه فها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (كنا ندع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع في الشبهة أو في الحرام! ).
وهذا ابن الفاروق عبد الله رضي الله عنهما أخذ من نفس ذلك الهدى الطاهر، فقال:(إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها! ).
أخي في الله: كيف أنت إذا اشتبهت عليك الأمور! فصرت في بيداء الظَّن! لا تفرق بين الحلال والحرام؟ !
كيف أنت يومها أخي؟ ! هل ستقف صيانة لدينك؟ والتماسًا لرضا ربك تعالى؟ أم أنك ستخرق الستر فتقع في المشتبه؟ ! ولا تدري يومها كيف تكون نجاتك؟ !
أخي: كن كما قال سفيان الثوري رحمه الله يوم أن قال: (ما رأيت أسهل من الورع! ما حاك في نفسك فاتركه).
أخي: نعم الزينة للمسلم الورع! ومن أدرك بابًا واحدًا منه فهو على خير عظيم ..
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (من عرف ما يدخل جوفه كتب عند الله صديقًا! فانظر عند من تفطر يا مسكين! )
وقال طاووس رحمه الله: (مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا شيئًا سماه - وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها! ولا خير في إنسان لا ورع له! ).
وقال حبيب بن أبي ثابت رحمه الله: (لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعًا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقًا! ).
وقال خالد بن معدان رحمه الله: (من لم يكن له حلم يضبط به جهله، وورع يحجزه عما حرَّم الله عليه، وحسن صحابة عمَّن يصحبه فلا حاجة لله فيه! ).
أخي المسلم: ذاك هو الورع! كما وصف لك مكانه العارفون، فهلا وقفت أخي في معرفة حدوده وأقسامه؟
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (الورع ورعان: ورعُ فرض. وورع حذر.
فورع الفرض: الورع عن معاصي الله تعالى. وورع الحذر: الورع عن الشبهات).
وقسَّم الرَّاغب الأصفهاني الورع إلى ثلاث مراتب:
* واجب: وهو الإحجام عن المحارم؛ وذلك للناس كافة.
* مندوب: وهو الوقوف عن الشبهات، وذلك للأواسط.
* فضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات، والاقتصار على أقل الضرورات؛ وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.