المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو للدكتور/ حسن موسى الشاعر أستاذ مشارك - خطاب الماردي ومنهجه في النحو

[حسن موسى الشاعر]

الفصل: ‌ ‌خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو للدكتور/ حسن موسى الشاعر أستاذ مشارك

‌خطَّاب المارديّ

ومنهجه في النحو

للدكتور/ حسن موسى الشاعر أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية

خطَّاب المارديّ

عصره:

عاش خطَّاب المارديّ حياته في الأندلس، في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، وشهد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، على إثر انهيار الدولة العامرية سنة 399 هـ، وانقسام بلاد الأندلس إلى دول متعددة تقوم في كل منها دولة أو مملكة تزعم لنفسها الاستقلال، ولا تربطها بجاراتها أو زميلاتها أية رابطة، إلا المنافسة والحرب الأهلية، وقد عرف هذا العصر بعصر دول الطوائف 1.

وقد ذكرت المصادر أن خطاباً كان من أهل قرطبة، ثم سكن بطليوس، وأنه توفي آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس 2.

وكانت مملكة بطليوس تشمل رقعة كبيرة تمتد من غرب مملكة طليطلة عند مثلث نهر وادي يانه غرباً حتى المحيط الأطلسي، وتشمل أراضي البرتغال كلها تقريباً حتى مدينة باجه في الجنوب. وكانت العاصمة بطليوس تتوسط هذه الرقعة الكبيرة التي تشمل عدا العاصمة عدة مدن هامة أخرى مثل: ماردة، ويابرة، وأشبونة، وشنترين، وقلمرية وغيرها 3.

وكان بنو سلمة أو بنو الأفطس، كما اشتهر اسمهم، سادة هذه المملكة الشاسعة التي حكموها نيفاً وسبعين عاماً، وسطع بلاطهم أيام الطوائف.

وينتمي أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن الأفطس إلى قبيلة من قبائل مكناسة المغربية، وأصله من ولاية قرطبة. وقد استولى على حكم بطليوس سنة 413 هـ، وتلقب

1 دول الطوائف. محمد عبد الله عنان ص 3 (المقدمة) ، التاريخ الأندلسي للحجي 354.

2 التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار 1/ 291.

3 دول الطوائف ص 80.

ص: 107

بالمنصور، وكان رجلا كثير المعرفة والدهاء، وافر الحزم والسياسة، توفي سنة 437 هـ، فخلفه محمد بن عبد الله بن أفطس، وتلقب بالمظفر، وكان عالماً وفارساً شجاعاً، وكان يرى في بني عباد - حكام إشبيلية - خصومه الأوائل، ويعمل لاتقاء عدوانهم، واستطاع ابن الأفطس أن يوقع بالمعتضد بن عباد هزيمة شديدة سنة 439 هـ. ثم جهز المعتضد قوة كبيرة وتوغلت في أراضي ابن الأفطس، والتقى الفريقان على مقربة من يابرة، فهزم ابن الأفطس سنة 442 هـ، وقتل كثير من جنده، واستمرت الحرب عدة شهور ثم عقد الصلح بينهما سنة 443 هـ.

وأخذ المظفر يتعرض لخطر جديد، وذلك من قبل نصارى الشمال، الذين أخذوا يتحينون الفرص ويستولون على بعض المدن، وكان أعظم خطب نزل بالمسلمين هو فقد مدينة قلمرية، أعظم مدن البرتغال الشمالية، وذلك سنة 456 هـ، وتوفي المظفر بن الأفطس سنة 461 هـ 1.

وقد كان المظفر من أعلم أهل عصره، وكان رأسًا في الأدب والشجاعة والرأي، وكان مناغراً للروم، شجىً في حلوقهم. وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسة يجلس فيها كل جمعة ويحضره العلماء. وقد اشتهر في عالم الأدب بكتابه الضخم الموسوم بالمظفري، نسبه إلى اسمه، وهو موسوعة أدبية وتاريخية عظيمة، على هيئة عيون الأخبار لابن قتيبة، يحتوي على كثير من الأخبار والسير الطرائف والنوادر

وقيل: إن المظفري كان يحتوي على خمسين مجلدا، وقيل عشرة أجزاء ضخمة 2.

اسمه ونسبه:

هو خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، من أهل قرطبة، وسكن بطليوس، يكنى أبا بكر 3.

وذكر بعضهم في نسبه أيضاً "المالكي"4. وأعتقد أن خطّاباً كان مالكي المذهب، وإن لم أجد له ترجمة في طبقات المالكية، إذ كان مذهب الإمام مالك منتشراً في الأندلس

1 دول الطوائف باختصار 80-87 باختصار.

2 سير أعلام النبلاء للذهبي 18/514، دول الطوائف 87. الأعلام للزركلي 6/228.

3 انظر في ترجمته: التكملة كتاب الصلة لابن الأبار 1/291، إشارة التعيين لعبد الباقي اليماني 112، البلغة للفيروز آبادي 77، بغية الوعاة للسيوطي 1/553، معجم المؤلفين 4/103، كشف الظنون 1/507، هدية العارفين 1/347، إيضاح المكنون 1/281.

4 هدية العارفين 1/347.

ص: 108

وقد ذكر أن شيخه ابن الفخار القرطبي الحافظ كان مالكياً 1.

وزاد بعضهم في نسبه "الأنباري" 2، ولا أرى له وجهاً، ولم أجد أحداً من القدامى ذكره، ولعله وهم سببه أن خطّاباً صنف مختصر الزاهر لابن الأنباري، فالتبس ذلك على بعضهم، فأدخل " الأنباري " في نسب خطّاب.

و"المارديّ" نسبة إلى ماردة. قال أبو حيان 3: "أبو بكر خطّاب به يوسف بن هلال الماردي، أندلسي من ماردة".

قال ياقوت 4: "ماردة كورة واسعة من نواحي الأندلس، من أعمال قرطبة، إحدى القواعد التي تخيرتها الملوك للسكنى من القياصرة والروم.. وهي مدينة رائقة كثيرة الرخام، عالية البنيان، فيها آثار قديمة حسنة، تقصد للفرجة والتعجب، وبينها وبين قرطبة ستّة أيام.. ينسب إليها غير واحد من أهل العلم والرواية".

وكانت ماردة إحدى المدن الهامة في مملكة بطليوس التي يعيش بها خطّاب في عصر دول الطوائف 5.

وقد وقع تحريف كثير في لفظة "المارديّ" في عدد من المصنفات: ففي فهرسة ابن خير الإشبيلي ذكر في مواضع "المارديّ" وفي مواضع أخرى "الماوردي"6.

وفي إشارة التعيين والبلغة ذكر "المازريّ"7.

وفي توضيح المقاصد للمراديِّ ورد "الماورديّ"8.

وفي التصريح للشيخ خالد ورد "خطاب الماردي"9. وورد مرة "خطّاب الماوردي" 10. ومرة "خطاب المرادي"11.

1 الصلة لابن بشكوال / القسم الثاني 510، نفح الطيب 2/61.

2 كشف الظنون 1/507، هدية العارفين 1/347.

3 تذكرة النحاة 278.

4 معجم البلدان 5/38-39، باختصار.

5 دول الطوائف 80.

6 فهرسة ما رواه عن شيوخه 319، 480، 484، 509، 524، 527.

7 إشارة التعيين 112، البلغة 77.

8 توضيح المقاصد والمسالك شرح ألفية ابن مالك للمرادي 1/345.

9 التصريح 2/336.

10 التصريح 1/223.

11 التصريح 2/289.

ص: 109

وذكره صاحب ضياء السالك باسم "خطّاب الماوردي" 1 تبعاً لما ورد في التصريح. وفي إيضاح المكنون وهدية العارفين ذكر "المادري"2.

أما محقق ارتشاف الضرب ففي قسم الفهارس ذكر خطاباً مرتين باسم "المارزي" 3 مع أسماء المصنفين، ولعله من أخطاء الطباعة وهو يقصد "المازري" لأنه ذكره مرتين أيضاً باسم "المازري" 4 في فهرس أسماء الكتب.

هذا مع أن الاسم ورد صحيحاً مرات كثيرة في أصل كتاب الارتشاف باسم "خطّاب الماردي "5.

وفي الأشباه والنظائر للسيوطي ورد "خطاب المارديني"، وعلق عليها المحقق في الحاشية بقوله:"في النسخ الثلاث "الماريني " وفي (ط) فقط "المارديني " ولعل الصواب "الماردي" 6.

وفي شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي ورد "خطاب بن يوسف الماردي"7. ويبدو أن المحققَيْنِ اختارا ذلك اعتماداً على كتاب إيضاح المكنون الذي أشارا إليه في الحاشية.

وأنا أرى أن هذه التحريفات من أخطاء النساخ أو المحققين أو الناشرين للكتب من غير تدقيق؛ لأنه ورد باسم "خطّاب المارديّ " في معظم الكتب التي ترجمت له، وفي مواضيع كثيرة من كتب النحو التي ذكرته.

نشأته ومنزلته:

لا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا إلا بشذرات قليلة عن حياة خطّاب، لا تتضح بها حياة خطّاب من ولادته أو نشأته، ولكنها تدل على علو منزلته.

فقد ذكرت المصادر أنه من أهل قرطبة وسكن بطليوس 8. ويبدو لي أنه ولد في قرطبة ونشأ بها، لأنه روى عن أبي عبد الله بن الفخار الفقيه 9.

1 ضياء السالك للنجار 1/290.

2 إيضاح المكنون 1/281، هدية العارفين 1/347.

3 إرتشاف الضرب تحقيق: د. النماس / قسم الفهارس 3/658.

4 إرتشاف الضرب 3/684.

5 انظر الارتشاف 1/286، 1/442، 2/144، 2/197، 3/27،29 ومواضع أخرى.

6 الأشباه والنظائر للسيوطي: تحقيق: د. عبد العال سالم 1/247.

7 شرح أبيات مغني اللبيب تحقيق: أحمد دقاق وزميله 5/216.

8 التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112.

9 التكملة لكتاب الصلة 1/291.

ص: 110

وشيخه هذا هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف المالكي الحافظ، يعرف بابن الفخار، من أهل قرطبة، قدم مصر وحج وجاور بالمدينة المنورة، وأفتى بها، وكان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم، عارفاً بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء، يحفظ المدونة والنوادر لأبي زيد. قيل توفي بمدينة بلنسية سنة 417 هـ، وقيل 419 هـ. وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس 1.

أمّا خطّاب فقال عنه ابن الأبّار (المتوفي سنة 659 هـ) : كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققا بالنحو، يؤخذ عنه، ويرغب فيه، وقعد لإقراء ذلك، وعاصر الأستاذ أبا عبد الله بن يونس الحجاري2.

وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي (المتوفى سنة 703 هـ) : كان من جلّة النحاة، ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان على الإطلاق، روى عن أبي عبد الله بن الفخار وأبي عمر أحمد بن الوليد وهلال بن عريب، وروى عنه ابناه عبد الله وعمر، وتصدر لإقراء العربية طويلاً، وصنف فيها3.

وفاته:

تشير أكثر المصادر التي ترجمت لخطّاب المارديّ أنه توفي بعد الخمسين والأربعمائة 4، في آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس. وقد اختلف في سنة وفاة المظفر بن الأفطس فقيل توفي سنة 460 هـ 5، وقيل سنة 461 هـ 6.

وعليه أرجّح أن تكون وفاة خطّاب نحو سنة 460 هـ.

مصنفاته:

ترك خطّاب مصنفات كثيرة، ذكرها ابن خير الإشبيلي في كتابه "فهرسة ما رواه عن شيوخه". ثم قال 7: "وكل ذلك من تأليف الشيخ الأستاذ أبي بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ النحوي رحمه الله. حدثني بذلك كله الشيخ الحاج أبو حفص عمر بن عياد

1 الصلة لابن بشكوال / القسم الثاني 510. نفح الطيب للمقري 2/60-61.

2 التكملة لكتاب الصلة 1/291.

3 بغية الوعاة 1/553.

4 التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77، بغية الوعاة 1/553.

5 الأعلام 6/228، التاريخ الأندلسي 333.

6 دول الطوائف 87.

7 فهرسة ما رواه عن شيوخه / ابن خير ص 319.

ص: 111

ابن أيوب بن عبد الله اليحصبي رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب بن يوسف عن أبيه مؤلفها رحمه الله. وحدثني بها أيضا الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد بن محرز عن أبيه رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب المذكور عن أبيه خطّاب بن يوسف رحمه الله.

وهذه هي مصنفاته التي ذكرها ابن خير، وما أضفته إليها، مما وجدته عند غيره، رتبتها فيمايلي:

1-

الترشيح في النحو، وهو أشهر كتبه، وقد وصلتنا منه نقول كثيرة، وسوف أعرض له بالتفصيل.

2-

أرجوزة في مخارج الحروف وصفاتها 1.

3-

إعراب مسألة (الحسن الوجه) بعللها وتصريف وجوهها 2.

4-

الترجمة 3.

5-

التمحيص 4.

6-

الدلائل في النحو 5.

7-

الدلالة 6.

8-

الفصول في النحو 7.

9-

شرح مسألة الزي 8.

10-

المشعر 9.

11-

اختصار الزاهر لابن الأنباري 10.

12-

شعر فيما يذكر ويؤنث 11.

1 فهرسة ما رواه عن شيوخه 319،369.

2 فهرسة ما رواه عن شيوخه 319،473.

3 فهرسة ما رواه عن شيوخه 480، 319، التذكرة لأبي حيان 292.

4 فهرسة ما رواه عن شيوخه 483،319.

5 فهرسة ما رواه عن شيوخه 490،319، التذكرة لأبي حيان 292.

6 فهرسة ما رواه عن شيوخه 319.

7 فهرسة ما رواه عن شيوخه 509، 319.

8 فهرسة ما رواه عن شيوخه. 524، 319.

9 فهرسة ما رواه عن شيوخه. 527،319.

10 فهرسة ما رواه عن شيوخه494، التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77، بغية الوعاة 1/553.

11 التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77.

ص: 112

كتاب الترشيح في النحو لخطّاب:

الترشيح في النحو أشهر مصنفات خطّاب، وقد ذكره معظم الذين ترجموا له، كما وصلتنا نقول كثيرة منه، تمثل آراء خطّاب النحوية.

قال السيوطي في ترجمة خطّاب: "وهو صاحب كتاب الترشيح، ينقل عنه أبو حيان وابن هشام كثير"ا 1.

ووصف بعضهم كتاب الترشيح في النحو بأنه كبير 2.

وقد لخص أبو حيان السّفر الأول من كتاب الترشيح في كتابه (تذكرة النحاة)، بدأه بقوله 3:"أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، أندلسي من ماردة، له تصانيف في النحو، منها كتاب الترشيح، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي".

وبلغ ما لخصه أبو حيان نحو خمس وعشرين صحيفة، ثم قال 4:"انتهى ما لخص من السفر الأول من كتاب الترشيح".

وقد ذكر البغدادي 5 نصوصاً من كتاب الترشيح منقولة عن كتاب التذكرة لأبي حيان، وليست في الجزء المطبوع منه، ولعله في الأجزاء المفقودة من كتاب التذكرة.

الترشيح أم التوشيح؟

ذكرت معظم كتب التراجم وكتب النحو أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح " بالراء. ولكن ورد في مصدرين أن اسمه "التوشيح" وذلك في فهرسة ما رواه عن شيوخه 6 لابن خير، وفي كشف الظنون 7 لحاجي خليفة.

وأنا أرى أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح" لأنه ورد بهذا اللفظ في معظم كتب التراجم التي ذكرته، وفي جميع كتب النحو التي نقلت عنه في مواضع كثيرة.

فأما تسميته "التوشيح" فذلك وهم أو تحريف بلا شك. ومما يقطع بذلك نصّ صريح جاء في التصريح للشيخ خالد الأزهري، عند قول ابن هشام في إحدى المسائل "

خلافا

1 بغية الوعاة 1/553.

2 إشارة التعيين 112، البلغة 77.

3 تذكرة النحاة 278.

4 تذكرة النحاة 303.

5 خزانة الأدب 6/251، شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.

6 فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير 319،484.

7 كشف الظنون 1/507.

ص: 113

لصاحب الترشيح "قال الشيخ خالد "بالراء، وهو خطاب الماردي" 1.

وقد ورد بلفظ "الترشيح" في المصادر التالية: إشارة التعيين، وفي البلغة، وفي بغية الوعاة، وفي إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، وفي هدية العارفين، وفي معجم المؤلفين.

وورد بلفظ "الترشيح" أيضاً في كتب النحو التالية:

- في ارتشاف الضرب - في نحو ثلاثين موضعاً.

- في أوضح المسالك لابن هشام 2، وفي التصريح على التوضيح 3.

وفي حاشية يس على التصريح 4، وفي الأشموني وحاشية الصبان 5.

وفي الأشباه والنظائر للسيوطي 6، وفي خزانة الأدب للبغدادي 7. وفي شرح أبيات مغني اللبيب 8 للبغدادي.

وقد اضطرب محقق كتاب همع الهوامع للسيوطي في ضبط اسم الكتاب فجاء في الجزء الأول منه: قال خطّاب في الترشيح 9، وعلق عليه في الحاشية بقوله: في نسخة أ "التوشيح" بالواو تحريف.

وجاء في الجزء الثاني منه: خطاب بن يوسف المارديّ صاحب "التوشيح" 10، وعلّق عليه في الحاشية بقوله: في البغية والأشموني "الترشيح" بالراء تحريف، صوابه من النسخ الثلاث وكشف الظنون.

وهكذا اختلف حكم المحقق في اسم الكتاب فقال: "التوشيح" تحريف، ثم قال في الموضع الثاني:" الترشيح" تحريف.

وجاء في الجزء الخامس من الهمع أيضاً: خطّاب في الترشيح 11.

1 التصريح على التوضيح 1/223.

2 أوضح المسالك 1/346.

3 التصريح 1/223، 1/266، 2/336.

4 حاشية يس على التصريح 2/104.

5 شرح الأشموني وحاشية الصبان 1/281.

6 الأشباه والنظائر 1/96.

7 خزانة الأدب 6/251.

8 شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 5/119، 216، 217.

9 همع الهوامع 1/141.

10 همع الهوامع 2/174.

11 همع الهوامع 5/44.

ص: 114

أقول: والصحيح أنه "الترشيح". فأما تسميته "التوشيح" فهو تحريف وقع في فهرسة ابن خير، ووهم من أوهام كشف الظنون.

وكتاب كشف الظنون على الرغم من غزارة مادته، لا يمكن الاطمئنان إلى كل ما ورد فيه، فقد وقعت فيه أوهام كثيرة بحاجة إلى توقف ونظر.

بين الترشيح لخطّاب والترشيح لابن الطراوة:

عرفنا أن كتاب الترشيح لخطّاب المارديّ كتاب كبير يقع في عدة أجزاء، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي، ومنه نقول كثيرة في كتب النحو، كما سيأتي.

وابن الطراوة 1 (المتوفى سنة 528 هـ) له كتاب في النحو باسم "الترشيح" أيضاً.

وكتاب الترشيح لابن الطراوة كتاب صغير، وصفه ابن عبد الملك المراكشي فقال:"وله مجموع في النحو مختصر، سماه "الترشيح " يكون على قدر النصف من جمل الزجاجي "2.

ويقول عنه الدكتور عياد الثبيتي: "إنه مقدمة صغيرة في النحو"3. ثم يقول: "وهذا الكتاب مما لم أجد له ذكرا في الكتب النحوية التي اطلعت عليها، ولا أعلم عنه شيئاً".

وينبه الدكتور عياد على وهم وقع في كشف الظنون يتعلق بوصف كتاب الترشيح لابن الطراوة 4، حيث جاء في كشف الظنون "وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه" فيبين الدكتور عياد أن هذا الوهم في كشف الظنون أوقعه فيه قول السيوطي عن ابن الطراوة:"وألف الترشيح وهو مختصر، المقدمات على كتاب سيبويه"، فقوله "المقدمات على كتاب سيبويه" كتاب آخر لابن الطراوة غير الترشيح.

وهذا ملحظ جيد من الدكتور عياد، لم أجد أحداً نبه عليه.

وعلى الرغم من هذه الفروق بين كتاب الترشيح لخطّاب وكتاب الترشيح لابن الطراوة فقد وقع لبس في عنوان كتاب خطّاب من جهة، ووقع خلط بينه وبين كتاب الترشيح لابن الطراوة عند بعض الباحثين من جهة أخرى.

1 انظر عنه الذيل والتكملة 4/79، إنباه الرواة 4/113، إشارة التعيين 135. ابن الطراوة النحوي للدكتور عياد الثبيتي.

2 الذيل والتكملة 4/80.

3 ابن الطراوة النحوي 104.

4 المصدر السابق نفسه.

ص: 115

فالدكتور محمد البنا وهو يتحدث عن مصنفات ابن الطراوة، يذكر منها كتاب الترشيح، ويقول: "وهو مفقود

ولم يُحل عليه ابن الطراوة في الإفصاح". ثم يقول الدكتور البنا: "وإن من يقرأ الارتشاف لأبي حيان يرى اسم "الترشيح" يتردد كثيرا، وقد يظن أن هذا هو الكتاب الذي نحن بسبيله، وقد وقعنا في هذا الظن فترة، ثم تبين لنا أنه "التوشيح " بالواو لا بالراء، وأن صاحبه هو أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال الماردي 1.

وهكذا يوفق الدكتور البنا إلى معرفة صاحب الكتاب وهو خطّاب، ولكنه يلتبس عليه ضبط اسم الكتاب، فلا يقنعه أن يتردد كثيراً باسم "الترشيح "، بل يجزم بأنه "التوشيح" بالواو لا بالراء، اعتمادا على ما ذكره صاحب كشف الظنون الذي لا يخلو من أوهام كثيرة.

والدكتور عياد الثبيتي في رسالته عن ابن الطراوة، يرجّح أيضاً أن مصنف الكتاب المذكور هو خطّاب، ولكنه يرى أن عنوانه محرف عن "التوشيح" وهو يذكر أنه رجع إلى شرح كتاب سيبويه للصفّار فوجده يذكر "الترشيح" مرتين، ثم يقول الدكتور عياد: "فالمتبادر إلى الذهن هو أن هذا كتاب ابن الطراوة، ولكن الراجح أن هذا المنقول منه هو كتاب التوشيح لخطّاب المارديّ وقد نقل عنه أبوحيان كثيرا في التذييل والتكميل وفي ارتشاف الضرب وفي التذكرة، كما نقل عنه السيوطي في الهمع وفي الأشباه والنظائر، ويصيبه التحريف في كثير من المواضع فيكتب بالراء، فيشتبه بكتاب ابن الطراوة

" 2.

ولا أدري لماذا يجعل الدكتور عياد وجود التحريف في المصادر الكثيرة التي تكتبه بالراء، ولا يجعل التحريف في المصادر القليلة التي كتبته بالواو، وما الذي يمنع أن يكون "الترشيح " لكل من خطّاب وابن الطراوة!

وفي شرح أبيات مغنى اللبيب ورد كتاب الترشيح مرتين، جاء في المرة الأولى "وذكر صاحب الترشيح" 3. فعلق المحققان عليه في الحاشية بقولهما:" الترشيح في النحو لسليمان ابن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه " وأحالا على كشف الظنون 1/ 399.

وجاء في المرة الثانية: "

نقله أبو حيان في تذكرته من كتاب الترشيح لخطّاب

" 4 فعلّق المحققان عليه في الحاشية بقولهما: " الترشيح في النحو للأديب

1 أبو الحسين بن الطراوة /د. محمد إبراهيم البنا ص50.

2 ابن الطراوة النحوي /د. عياد الثبيتي ص105.

3 شرح أبيات مغني اللبيب 5/119.

4 شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.

ص: 116

أبي بكر خطاب بن يوسف بن هلال المارديّ القرطبي النحوي المتوفى سنة 450 هـ" وأحالا على إيضاح المكنون 1/281.

وهكذا اضطرب المحققان في تحديد صاحب الترشيح، فنسباه مرة إلى ابن الطراوة ومرة إلى خطّاب.

وفي خزانة الأدب للبغدادي ذكر كتاب الترشيح مرة واحدة منسوبا إلى خطاب بنص صريح، إذ قال البغدادي عن بيت من الشعر: "

وكذا رواه خطّاب بن يوسف في كتاب الترشيح" 1. ولم يعلق عليه المحقق في الحاشية، ولكنه في القسم الخاص بالفهارس، في فهرس الكتب والمصادر قال: " الترشيح لخطاب بن يوسف نقلاً عن تذكرة أبي حيان" 2.

وليت المحقق اكتفى بذلك، ولكنه علق عليه في الحاشية فقال:" في كشف الظنون: الترشيح في النحو لسليمان بن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه، فهذا كتاب آخر، وصواب تسمية كتاب خطاب هو التوشيح بالواو كما في كشف الظنون 1/345، وكذا في فهرسة ابن خير الإشبيلي 319، وفاة خطّاب هذا كانت بعد سنة 450هـ، وقال صاحب الكشف المتوفى تقريبا سنة 450هـ، كذا ذكر صاحب البغية، وجاء فيها اسم الكتاب بالراء محرفا".

وفي كتاب ارتشاف الضرب لأبي حيان تردد ذكر كتاب "الترشيح" مرات كثيرة، وكثر النقل عن هذا الكتاب، وقد صرّح المصنف بنسبة الكتاب إلى خطاب، فقال:"وقال خطاب الماردي، في كتاب الترشيح"3.

فماذا كان موقف المحقق من تحديد صاحب الترشيح؟

لقد اضطرب المحقق كثيراً في نسبة كتاب الترشيح، فهو أحياناً ينسبه إلى ابن الطراوة 4، وأحيانا ينسبه إلى خطّاب 5، وأحيانا أخرى يقع في حيرة فيذكر ابن الطراوة وخطاباً معا، ومن ذلك تعليقه عليه في الحاشية 6: " كتاب الترشيح في النحو لسليمان

1 خزانة الأدب بتحقيق هارون 6/251.

2 خزانة الأدب 13/30.

3 ارتشاف الضرب 2/197، 297، 3/27.

4 ارتشاف الضرب 1/128، 405، 512، 521 الحواشي.

5 ارتشاف الضرب 1/286، 381، 2/118 الحواشي.

6 ارتشاف الضرب 1/253، 544، 2/191.

ص: 117

بن محمد بن الطراوهّ المالقي المتوفى سنة 528 هـ كما في كشف الظنون 1/399، ولكن في البغية 1/533 أن كتاب الترشيح لخطاب المارديّ القرطبي مات بعد سنة 450هـ وينقل عنه أبو حيان كثيراً ".

وفي قسم الفهارس، - في فهرس الكتب - ذكر المحقق الترشح في النحو لابن الطراوة وأحال عليه في عدد من الصفحات، ثم ذكر الترشيح لخطاب وأحال عليه في عدد من الصفحات 1. علماً بأن النقول كلها عن الترشيح لخطّاب.

وهكذا كان كتاب كشف الظنون من أهم أسباب الوهم والاضطراب في ضبط عنوان كتاب "الترشيح" وفي نشبته إلى صاحبه خطّاب.

بين خطّاب ودُريود:

عرفنا أن خطابا صنف كتابه "الترشيح" في النحو في عدة أسفار، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي.

ودريود اسمه عبد الله بن سليمان بن المنذر الأندلسي القرطبي النحوي، الملقب بدَرْوَد، وربما صغر فقيل دُرَيْود، معروف بالنحو والأدب، شرح كتاب الكسائي، توفي سنة 325 هـ 2.

وقيل اسمه محمد بن أصبغ، وله شرح على نحو الكسائي في ستة أجزاء سمع عليه.3

فإن كان كتاب دريود في ستة أجزاء، فلا بد أن يكون كتاب الترشيح لخطاب نحو ذلك أيضا لأنه عارضه به.

ويبدو لي أن دريوداً نهج نَهْج الكوفيين في شرحه لكتاب الكسائي، فدفع هذا خطّاباً إلى معارضته بكتاب الترشيح، والانتصار لمذهب سيبويه والبصريين.

وكثيراً ما نرى دريوداً تابعاً للكسائي أو الكوفيين في آرائه النحوية، ومن ذلك في قولك:"نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ". ذهب سيبويه ومعظم البصريين إلى أن في (نِعْمَ) ضميرا مستكناً هو

1 ارتشاف الضرب قسم الفهارس 3/684.

2 بغية الوعاة 2/44-45، وانظر طبقات النحويين واللغويين للزبيدي 323، بغية الملتمس للضبي 344، جذوة المقتبس للحميدي 262، التكملة لكتاب الصلة 2/778، معجم المؤلفين 6/61.

3 إشارة التعيين 299، البلغة 211.

ص: 118

فاعل (نعم) . و (رجلاً) تمييز لذلك الضمير. وذهب الكسائي والفراء أنه لا ضمير، والفاعل بنعم هو زيد، والمنصوب عند الكسائي حال، وتبعه دريود 1.

ومن ذلك أيضاً أنة يشترط فيما يجمع جمع المذكر السالم أن يكون خاليا من تاء التأنيث لا يكون عوضاً، نحو طلحة، خلافاً للكوفيين وتبعهم دريود، فإنهم يجيزون جمعه بحذف التاء، فيقولون طلحون

2.

ويقوم خطاب بتعقب دريود في عدد من المسائل، فيغلطه ويرد عليه، ومن ذلك في أسلوب (لا سيما) قال خطاب 3:"وقد قال دريود في كتابه: إن في قولك: (لا سيما) لغتين التثقيل والتخفيف، فمن خفف خفض بها، ومن ثقل رفع - وهو غلط منه، لأنها اسم مضاف في كلا الحالين، وإنما علة الخفض زيادة (ما) وعلة الرفع كون (ما) بمعنى الذي. وقد صرح الأخفش في كتابه بإجازة الرفع والخفض في التثقيل والتخفيف، دون تفضيل، وهو الذي لا يجوز غير في القياس".

وفي إنابة الظرف عن الفاعل، يقول خطاب 4: "وأما الأيام المعروفة بأعيانها كيوم السبت والأحد ويوم الأحد، والأزمنة المحدودة كالشتاء والصيف والربيع، وأوقات الليل والنهار مثل بكرة وعشية

فإنك تقيمها مقام الفاعل، وكان دريود لا يرى ذلك ويقول: "كل وقت محدود يحسن فيه (ائتني) فانصبه أبدا، كقولك: سير به يوم الجمعة، وهذا غلط منه، لأنك تقول: ائتني شهر رمضان، وأيام التشريق، ثم تقيم ذلك مقام الفاعل، تقول: سير عليه شهرُ رمضان وأيام التشريق، وهذا ما لا اختلاف فيه، لأنه موقوف محدود محصور العدد، وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ وغدوةٌ ويومُ الجمعة ويومُ السبت، بالرفع على أن تقيمها مقام الفاعل

"

وقد يذكر رأي سيبويه ويضعّف رأي دريود، كما جاء في الاستثناء حيث قال خطاب 5: "وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ} 6 بالرفع فهو على البدل مِن (مَن) ، أو من الضمير الفاعل في (يغفر) العائد عليها، وجاز هذا لأن في الكلام معنى نفي

1 الارتشاف 3/20، همع الهوامع 5/33.

2 ارتشاف الضرب 1/266.

3 تذكرة النحاة ص 298.

4 تذكرة النحاة 291، ارتشاف الضرب 2/192.

5 تذكرة النحاة 296-297.

6 سورة آل عمران آية 135.

ص: 119