المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهجه في النحو - خطاب الماردي ومنهجه في النحو

[حسن موسى الشاعر]

الفصل: ‌منهجه في النحو

وتقديره: لا يغفر أحد الذنوب إلا الله، وقال دريود: ومثل ذلك {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللهُ لَفَسَدَتَا} 1 على البدل، وهذا عند سيبويه ومن وافقه رفع على النعت، لأن (إلا) مع ما بعدها قد تكون نعتا للنكرات وللأجناس غير المعهودة كما تكون (غير)

والبدل الذي ذكره قد أجازه غيره وفيه ضعف، لأن معنى النفي في (لو) ليس قويا كقوته في معنى (ما) و (من) في الاستفهام

وقد يكون خطّاب معتدلا في رده على دريود، فيكتفي بمخالفته، ومن ذلك في باب الوقف، قال خطاب في الترشيح 2:"هاء السكت ساكنة أبدا، وزعم دريود أنها زيدت للسكت، ولتكون عوضا من الألف الذاهبة، ولا أرى قوله، لأن العوض يكون لازما، وهاء السكت ليست لازمة إلا في كل فعل يعود إلى حرف واحد نحو: (قِهْ، وعِهْ) ". انتهى.

ومن ذلك أيضا أن جواب (لو) إذا كان ماضيا مثبتا فالأكثر أن يجيء باللام، وقد يجيء بلا لام، نحو قوله تعالى:{لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} 3 وجواب لولا ماض مثبت مقرون باللام نحو قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ} 4 وحذف اللام ضرورة، وقيل: قليل. قال صاحب الترشيح 5: "حذف اللام مع لولا جائز، وأكثر ما تأتي في الشعر، وسوّى دريود بين حذف اللام وإثباتها في (لو) و (لولا) . انتهى.

1 سورة الأنبياء آية 22.

2 ارتشاف الضرب 1/405.

3 سورة الأعراف آية 155.

4 سورة النور آية 14.

5 ارتشاف الضرب 2/577.

ص: 120

‌منهجه في النحو

خطّاب المارديّ كما قال عنه ابن الأبّار: "كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققاً بالنحو"1.

وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي: "كان من جلّة النحاة ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان"2.

والباحث المدقق في آرائه النحوية، من خلال هذه النقول المتعددة من كتابه

1 التكملة لكتاب الصلة 1/291.

2 بغية الوعاة 1/553.

ص: 120

"الترشيح " يجد صدق هذه المقولات، بل يجد نفسه أمام عالم متبحر في النحو واللغة، شديد الثقة بنفسه، مع التواضع والتقدير للعلماء الآخرين، والقدرة على الموازنة والترجيح والاختيار. ولو قدر لنا أن نطلع على مصنفاته لاتضحت لنا جوانب أكثر إشراقا وعمقاً.

ويمكن أن نتناول منهجه في النحو من خلال الجوانب التالية:

مذهبه النحوي:

لم يصرخ خطّاب بمذهبه في النحو، ولكنه كان كثير الاستدلال بآراء النحاة البصريين، مما يدل على تقديره لهم، وميله إلى مذهبهم، ولعله صنف كتاب "الترشيح" في الردّ على دريود انتصارا لمذهب البصريين، ولكنه لم يكن متعصباً لهم، بل نلمح دائما شخصيته المتفردة، وقدرته على اختيار الرأي الراجح لديه، وهذه سمة عامة للنحو الأندلسي.

ومن الأمثلة على ميله إلى البصريين، ما جاء في أسلوب "لاحبذا" من نحو قولك: حبذا زيذ راكباً. قال أبو حيان 1: "اختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا) ، فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً، وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز.."

وكان خطّاب كثيرا ما يذكر سيبويه على سبيل الإعجاب والتقدير، ومن ذلك ما ذكره في حركة الحرف المضعّف المجزوم نحو: لم يردّ، ولم يعضّ، ولم يفرّ. قال 2:"ومن العرب من يكْسر هذا كلّه، ومنهم من يحركه بحركة ما قبله: لم يرُدُّ، ولم يعضَّ، ولم يفِرِّ، فإن اتصلت بهذا المضاعف هاء الإضمار للمؤنث فتحت في كل اللغات: لم يعضَّها، ولم يفرَّها، ولم يردَّها، وإن اتصلت به هاء الإضمار لمذكر ضممت في كل لغة فقلت: لم يردُّهُ، ولم يعضُّه، ولم يفرُّه. وهذا قول سيبويه وجلّة النحويين".

وقال فيما ينوب عن الفاعل من الظرف، وهو يردّ على دريود:"وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ، وغدوةٌ، ويومُ الجمعة.."3.

ويبدو وعيه بآراء سيبويه في الرد على من ينسب رأياً لسيبويه وليس له، ومن ذلك أنه لا يجيز تقديم خبر ليس عليها، قال 4: "تقول: ليس عالماً زيدٌ، ولو قلت: عالماً ليس زيدٌ،

1إرتشاف الضرب 3/30.

2 تذكرة النحاة 288.

3 تذكرة النحاة 291.

4 تذكرة النحاة 287.

ص: 121

لم يجز، لأن (ليس) لا تتصرف، لما فيها من معنى الجحد، وقد أجاز تقديم خبرها ابن النحاس، ونسبه إلى سيبويه وليس يصح عنه".

وذكر خطاب أن أبا إسحاق الزجاج يجيز: لولاك ولولاه، على مذهب سيبويه 1.

موقفه من مصادر الاحتجاج:

اعتمادا على النصوص الواردة إلينا من آراء خطاب، يبدو لنا اهتمام خطّاب بمصدرين رئيسيين من مصادر الاحتجاج وهما: القرآن الكريم، وكلام العرب (من شعر نثر) . ولم أجد له احتجاجا بالحديث النبوي.

وقد صرّح خطّاب بموقفه هذا عندما تعرض لحذف الخبر بعد لولا، نحو: لولا زيدٌ لقمت. قال: "تقديره بالحضرة، أو بهذا المكان. وقال قوم: يجوز إظهار الخبر، وليس ما ذكروه بجيد، لأن ذلك لم يأت في قرآن ولا شعر فصيح، وهذا الخبر عند جلة النحويين من المضمر الذي لا يجوز إظهاره"2.

ويظهر اهتمامه أيضاً بكلام العرب في قول أبي حيان: "وزعم أبو العباس وخطاب الماردي أن بدل الغلط لا يوجد في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها". قال خطّاب: "وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر، فلم أجده، فطالبت غيري فلم يعرفه"3.

أما القرآن الكريم فهو مصدر مهم من مصادر الاحتجاج عنده، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحتاج إلى بيان.

ولكن خطّاباً وقف موقفاً عجباً في رفض بعض القراءات القرآنية الثابتة، لأنها خالفت القياس النحوي الذي يراه.

وهذا يذكرنا بما أورده السيوطي عن موقف قوم من النحاة في رفض بعض القراءات القرآنية، إذ يقول السيوطي 4: "كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية. وقد ردّ المتأخرون، منهم ابن مالك، على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية، وإن منعه الأكثرون مستدلا به.

1 تذكرة النحاة 285.

2 تذكرة النحاة 284.

3 إرتشاف الضرب 2/625-626.

4 الاقتراح 49.

ص: 122

وقد صرّح خطّاب برفض الاحتجاج بقراءة لحمزة، فقال:"ورأيت ابن الأنباري يجيز أن تقول: لم يخشى، ولم يسعى، بإثبات الألف، واحتج بقراءة حمزة {لاتخفْ دركاً ولا تخشى} 1 بإثبات الألف وهذا لا يجوز عندنا "2.

ولكن العكبري يرى لهذه القراءة وجوهاً سائغة، فيقول:"ولا تخشى" على قراءة الجزم هو حال، أي: وأنت لا تخشى.. وقيل: الألف في تقدير الجزم شبهت بالحروف الصحاح. وقيل: نشأت لإشباع الفتحة ليتوافق رؤوس الآي" 3.

بل نجد خطّاباً يتهم حمزة بالجهل بالعربية، ويجعل ذلك سبيلا لردّ قراءته. ومن ذلك أنه يرى أن إسكان لام الأمر مع "ثم " يكون في ضرورة الشعر، ولا يجوز في الكلام. قال:"وإن كان حمزة قد قرأ {ثّم لْيقْطَعْ} 4 بسكون اللام، لأنه لم يكن له علم بالعربية"5.

قال السيوطي: "وهو مردود"، قال أبو حيان:"ما قرئ به في السبعة لا يردّ ولا يوصف بضعف ولا بقلة"6.

ويستدل خطّاب بالقراءة إذا وافقت القاعدة النحوية، ومن ذلك رفع الفاعل بفعل محذوف بعد المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله، نحو: ضُربَ زيدٌ وعمرو. قال: "وعلى ذلك قراءة بعضهم {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُم} 7 أي زيّنه شركاؤهم"8.

وهذه القراءة شاذة ذكرها ابن جني في المحتسب، ونسبها إلى أبي عبد الرحمن السلمي، قال أبو الفتح:"يحتمل رفع "شركاء" تأويلين: أحدهما وهو الوجه أن يكون مرفوعا بفعل مضمر دلّ عليه قوله "زين" كأنه لما قال: "زُيّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم " قيل: من زيّنه لهم؟ فقيل: زيّنه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دلّ عليه "زُين "

1 سورة طه آية 77.

2 إرتشاف الضرب1/423.

3 التبيان 899.

4 سورة الحج آية 15.

5 الارتشاف 2/541، التذكرة 288.

6 همع الهوامع 4/308.

7 سورة الأنعام آية 137.

8 التذكرة 290.

ص: 123

وقد يذكر القراءة الشاذة على وجه الإنكار، ومن ذلك قوله:"حكى أبو حاتم (السجستاني) عن هارون القارئ أن الأعمش قرأ {وما كان صلاتَهم عند البيت إلا مكاءٌ وتصديةٌ} 2 فنصب الصلاة ورفع المكاء والتصدية، وهذا من شواذ القراءات"3.

قال السمين 4: "وخطّأ الفارسي هذه القراءة، وقال: لا يجوز أن يخبر عن النكرة بالمعرفة إلا في ضرورة

"

وقد حاول ابن جني توجيه هذه القراءة ودفع القبح أو اللحن عنها 5.

موقفه من القياس والسماع:

"إنما النحو قياس يتبع". ولهذا قيل في حد النحو 6: "إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب".

وقد اعتنى النحاة بالقياس في بناء قواعدهم النحوية، كما اهتم به خطّاب المارديّ في توجيه الآراء والمذاهب النحوية.

ومن ذلك في باب ما لا ينصرف للعلمية والتأنيث، قال خطاب في الترشيح 7: "ما لا علامة فيه فبعض النحويين يجريه مجرى ما فيه الهاء، ولا يصرفه معرفة، قلّت حروفه أو كثرت، ويصرفه نكرة، وهو القياس

"

وقد يتبع خطاب القياس فيرى رأياً حسنا في القياس، ولكنه مخالف لآراء العلماء، فيؤثر الاتّباع على الابتداع، والالتزام برأي الأئمة، وهذا تواضع منه واحترام للعلماء.

ومن ذلك في باب أفعال المقاربة، في نحو قولك: عسى أن يقوم زيدٌ. قال أبو بكر خطّاب 8: " (أن يقوم) : فاعل (بعسى) ، هذا قول النحويين، وقد كان عندي قياساً أن يكون مفعوله توسط بين الفعل وفاعله، كما تقول: يريد أن يضربك زيدٌ. المعنى: يريد زيدٌ أن يضربك. وجاز أن يتوسط مفعول (عسى)، كما توسط خبر (ليس) في قولنا: ليس قائماً زيدٌ.

1 المحتسب 1/229، انظر التبيان للعكبري 1/541.

2 سورة الأنفال آية 35.

3 تذكرة النحاة 287.

4 الدر المصون 5/602.

5 المحتسب 1/279.

6 الاقتراح 94.

7 ارتشاف الضرب 1/440.

8 ارتشاف الضرب 2/132.

ص: 124

وهذا قول حسن في القياس، غير أنه رأي رأيناه، ولم يقل به أحد غيرنا، واتباعنا لأئمة النحويين أحق وأجمل". انتهى.

وفي باب المفعول الذي لم يسم فاعله، قال خطّاب المارديّ في الترشيح 1:"وكان قياسها، يعني اختير وانقيد، أن يجري مجرى (قيل وبيع) في الإشمام، وفي قلب الياء واواً، كما قيل: بوع وكول الطعام، ولكني لم أره قولا لأحد".

أقول: يبدو أن خطابا هو صاحب هذا الرأي، ثم تبعه فيه ابن مالك وغيره. قال الشيخ خالد 2: "وادعى ابن عذرة وطائفة من متأخري المغاربة امتناعها في افتعل كاختار، وانفعل كانقاد مما زاد على الثلاثة، فلا يقال اختور ولا انقود. والمشهور الأول، وهو قول ابن عصفور والأبذي وابن مالك.

قال ابن مالك في الألفية:

وما لفا باع لما العين ثلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي

وكان خطّاب يهتم أيضاً بالسّماع، ويرى أن بعض مسائل النحو تؤخذ سماعاً ولا تنقاس.

ومن ذلك باب جمع المؤنث السالم، قال في الترشيح 3:"ومن قال الاثنان لليوم فجعل الرفع والنصب والخفض في النون جمعه الاثنانات، كما تقول رمضانات وشعبانات، وأجاز ابن قتيبة: الأثانين، كما تقول الدهاقين، وتكسير هذا على فعاليل لا ينقاس، وإنما هو يؤخذ سماعا عن العرب، وإلا فهو مجموع على السلامة". انتهى.

وفي دخول (ما) على إنّ وأخواتها فيبقى بعضها عاملا، يقول خطّاب 4: "وبعض العرب يقول: ليتما زيداً منطلقٌ. ولا يجوز هذا في غير (ليت) . وقد أجاز بعض النحويين النصب بهذه الحروف قياساً على (ليتما) فتقول: لكنّما زيداً مقبلٌ، ولعلّما عمراً خارجٌ، وإنما أخاك ذاهبٌ. وهو مذهب أبي القاسم الزجاجي، وأبي بكر بن السراج، والقول الأول مذهب الأخفش، وهو أقوى، لأنه المسموع من العرب الذي لا يُعرف غيره

"

ويستعمل خطّاب مصطلحات في السّماع مثل: قليل، وقبيح، وشاذ، ولا يطرد، وقد

1 ارتشاف الضرب 2/197-198.

2 التصريح على التوضيح 1/295.

3 إرتشاف الضرب 1/273.

4 تذكرة النحاة 281.

ص: 125

يلجأ إلى الوقوف عند ظاهر النصّ المسموع عن العرب إذا خالف القاعدة التي يراها، ومن ذلك قوله في الترشيح 1:"ومن العرب من يثبت الألف في الاستفهام إذا دخل عليها حرف الجر، فيقول: عمّا تسأل؟ وفيما ترغب؟ وذلك قليل وقبيح. فإن كانت بمعنى الذي أثبت الألف. وحكى أبو زيد أن من العرب من يقول: سَلْ عمّ شئت، كأنهم حذفوا لكثرة الاستعمال. وهذا شاذ عندي ولا يطّرد، يحفظ كما وقع، ولا يصرف من لفظه غير ما سمع، ولو قلت: سَلْ عمّ تشاء، لم يجز، لأن ذلك إنما سمع مع شئت". انتهى.

ومن قواعد خطّاب في السّماع أن الظروف تؤخذ سماعاً ولا تقاس 2. والشاذ يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه 3.

ومن الشاذ عنده وزن (فُعَلَى) من أوزان ألف التأنيث المقصورة، فقد عدّ ابن مالك وزن (فُعَلى) من الأوزان المشهورة لألف التأنيث المقصورة نحو: أُرَبى للداهية، وأُدَمى وشُعَبى لموضعين.

فاعترض عليه ابن هشام بأن جعل هذا الوزن في الأوزان المشهورة مشكل 4.

قال الشيخ خالد: "لأنها من الأوزان النادرة، بل قال خطّاب الماردي: إنها شاذة"5.

آراؤه النحوية:

تعد مصنفات أبي حيان الأندلسي هي المصادر الأساسية لعدد من نحاة الأندلسيين، إذ لولا أبو حيان لضاع كثير من التراث النحوي الأندلسي.

ومن هؤلاء النحاة الأندلسيين خطّاب المارديّ، الذي عاش في القرن الخامسِ الهجري، ومع ذلك لم أجد أحداً ذكر له رأياً قبل أبي حيان، الذي نقل إلينا في مصنفاته كثيرا من آراء خطاب النحوية، كما أنه لخص لنا في تذكرته السّفر الأول من كتاب الترشيح لخطّاب.

وقد ذكر بعض آراء خطّاب عدد من النحاة الذين جاءوا بعد أبي حيان، كالمرادي، وابن هشام، وابن عقيل، والشيخ خالد الأزهري، والأشموني، والسيوطي، وعبد القادر البغدادي.

1 إرتشاف الضرب 1/544، شرح أبيات مغني اللبيب 5/217.

2 إرتشاف الضرب 2/257.

3 إرتشاف الضرب 3/43، تذكرة النحاة 292.

4 أوضح المسالك 4/288.

5 التصريح 2/289.

ص: 126

وقد صرّح عبد القادر البغدادي بالنقل عن تذكرة أبي حيان في أكثر من موضع 1.

وسوف أختار هنا أشهر آراء خطّاب النحوية، مع توضيحها وتوثيقها، ومراعاة ألاّ أكرر آراءه التي وردت سابقاً، بقدر الإمكان.

(1)

من مواضع قلب الياء همزة

تقلب الواو والياء والألف همزة إذا وقعت إحداها بعد ألف مفاعل وكانت مدة زائدة في الواحد، نحو: عجوز عجائز، وصحيفة صحائف، ورسالة رسائل. فلو كانت المدة عيناً لم تهمز نحو: معاون ومعايش ومثاوب جمع معونة ومعيشة ومثوبة. وشذّ الهمز في معائش ومنائر ومصائب.

أما مسائل جمع مسيل فذهب الزبيدي إلى أن الهمزة أصلية فهمزها قياس. وذهب الأعلم وغيره إلى أن مسيلاً مَفعِل من سال، فالهمز في جمعه شاذ 2.

قال خطّاب في الترشيح 3: "مسيل الماء جمعه مسايل بلا همزة، لأنه من سال يسيل، قال زهير-:

(فقال شياهٌ راتعاتٌ بقفْرةٍ)

بمُستأسدِ القُرْيان حُوٍ مَسايلُهْ 4

وإن شئت همزت، تجعل الميم أصلية، لأن الجمع مُسُل. وحكَى يعقوب 5 في مسيل الماء أن جمعه أمسلة ومُسل ومُسْلان ومسائل، قال: يقال للمسيل مَسَل 6. وقوله يدل على أن الميم أصل، كأنه من مَسَل يمسلُ. انتهى.

وقال الجوهري 7: "ومسيل الماء موضع سيله، والجمع مسايل، ويحمع أيضاً على مُسُل وأمْسلة ومُسلان على غير قياس؛ لأن مسيلاً إنما هو مَفْعِل، ومَفْعِل لا يجمع على ذلك، لكنهم شبهوه بفعيل، كما قالوا: رغيف ورُغُف وأرغفة ورُغفان. ويقال للمسيل أيضاً مَسَل بالتحريك".

1 خزانة الأدب 6/251، شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.

2 أوضح المسالك 4/374، ارتشاف الضرب 1/128، منجد الطالبين للشيخ عمارة 34.

3 ارتشاف الضرب 1/128.

4 المستأسد: ما طال من النبت وقوي، القربان: مجاري الماء، حوّ: خضر.

5 هو يعقوب بن السكيت المتوفي سنة 246 هـ، صاحب إصلاح المنطق.

6 إصلاح المنطق لابن السكيت 371.

7 الصحاح (مادة سيل) .

ص: 127

(2)

تثنية المركَّب

من شروط التثنية عدم التركيب، فلا يثنى المركّب تركيب إسناد ولا يجمع، نحو تأبط شراً.

وأما تركيب المزج كبعلبك وسيبويه، فالأكثر على منعه لعدم السماع.

وقال خطّاب في الترشيح 1: "فإن ثنيت على من جعل الإعراب في الآخر، قلت: معدي كربان ومعدي كريبين، وحضرموتان وحضرموتين أو على من أعرب إعراب المتضايفين قلت: حضْراموتٍ وحضرَي موتٍ. وقال في المختوم بويه: تلحقه العلامة بلا حذف نحو: سيبويهان وسيبويهون.

(3)

في النسب إلى محذوف اللام

إذا كانت لام الكلمة تردّ في التثنية أو الإضافة أو الجمع بالألف والتاء، وجب ردّها عند النسب، نحو: أب أبوي، أخ أخوي، سنة سنوي أو سنهي، لأن لامها تردّ بالجمع بالألف والتاء، ولامها هاء في لغة أهل الحجاز، وواو عند غيرهم.

وإذا لم يثبت ردّ اللام في موضع من هذه المواضع فأنت في النسب مخير بين الردّ والترك. نحو: غد ويد، تقول: غديّ أو غدويّ، يدي أو يدويّ. وفي شفة تقول: شفيّ أو شفهيّ 2 قال أبو حيان 3: "ولم يذكر أبو البقاء العكبري في شفة إلا الردّ فتقول شفهي. وذكر خطّاب المارديّ فيها الوجهين".

قال ابن هشام بعد قوله: "شفيّ أو شفهيّ " 4: "قاله الجوهري وغيره، وقول ابن الخباز "إنه لم يسمع إلا شفهيّ بالردّ" لا يدفع ما قلناه، إن سلّمناه، فإن المسألة قياسية لا سماعية. ومن قال "إن لامها واو" فإنه يقول إذا ردّ: شفويّ. والصّواب ما قدمناه بدليل شافهت والشفاه.

(4)

في النّسب إلى الكلمة الدالة على جماعة

ينسب إلى الكلمة الدالة على جماعة على لفظها إن أشبهت الواحد، بكونها اسم جمع له مفرد من لفظه أولا، فالأول كصحْبيّ ورَكْبيّ. والثاني كقوميّ ورهطيّ، ولا يردّ إلى مفرده في اللفظ، فلا يقال: صاحبيّ وراكبيّ. ولا إلى مفرده في المعنى فلا يقال: رجُليّ؛ لأن اسم

1 ارتشاف الضرب 1/253، همع الهوامع 1/141.

2 ارتشاف الضرب 1/286، شرح المفصل لابن يعيش 6/2، التصريح 2/334.

3 ارتشاف الضرب 1/286.

4 أوضح المسالك 4/338.

ص: 128

الجمع بمنزلة الفرد. أو بكونها اسم جنس كشجريّ. لا يقال يحتمل أن يكون منسوبا إلى مفرده وهو شجرة، وحذفت التاء كما في مكّي، لأنا نقول ليس الأمر كذلك، وإنما هو منسوب إلى الجماعة، بدليل قولهم في النسب إلى الشعّير شعيريّ، بإثبات الياء بعد العين. ولو كان منسوباً إلى الشَّعيرة لقيل شَعَريّ بحذف الياء المثناة تحت، لأن شعيرة فعيلة، وقياس فعيلة فعَليِّ، كفَرضيّ في فريضة. قاله خطّاب الماردي في الترشيح 1 (5) ما لا ينصرف للوصفية الأصلية ووزن الفعل

قال ابن مالك:

فالأدهمُ القيد لكونهِ وُضع

في الأصل وصفا انصرافه منع

قال المرادي 2: "أدهم للقيد، وأسود للحية، وأرقم لحية فيها نقط كالرقم، فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظراً إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها

"

قال سيبويه 3: "وأما أدهم إذا عنيت القيد، والأسود إذا عنيت به الحية، والأرقم إذا عنيت الحية، فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، لم تختلف في ذلك العرب".

وفي الترشيح 4: "قولهم للقيد أدهم، وللحية أسود وأرقم، الأقيس ألا تصرف، لأنها صفات عند ابن النحاس. وقوله هذا يؤدي إلى ترك الصرف لغة فيها. وسيبويه يزعم أن العرب لم تختلف في ترك صرفها لأنها صفات". انتهى.

(6)

دخول اللام في خبر إنَّ

قال ابن مالك:

وبعد ذات الكسر تصحبُ الخَبرْ

لامُ ابتداء نحو: إني لَوَزَرْ

ولا يلي ذي اللام ما قد نُفيا

ولا من الأفعال ما كرضيا

وقد يليها مع قد كـ "إنّ ذا

لقد سما على العدا واستحوذا"

1 التصريح 1/336.

2 توضيح المقاصد والمسالك 4/125.

3 الكتاب 3/201.

4 ارتشاف الضرب 1/430-431.

ص: 129

قال ابن هشام 1: "تدخل لام الابتداء بعد إن المكسورة على أربعة أشياء، أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط: كونه مؤخراً، ومثبتاً، وغير ماض، نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} 2 {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} 3. بخلاف {إِنَّ الله اصْطَفَى} 4. وأجاز الأخفش والفراء، وتبعهما ابن مالك: إن زيداً لقد قام، لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع لقربه زمانه من الحال. وليس جواز ذلك مخصوصاً بتقدير اللام للقسم لا للابتداء، خلافاً لصاحب الترشيح".

قال الشيخ خالد في شرحه 5: "وهو خطّاب المارديّ، حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على قد، وادّعى أن هذه اللام الداخلة عليها لام جواب القسم، والتقدير: إن زيداً والله لقد قام. ووافقه على ذلك محمد بن مسعود الغزني".

وقال السيوطي 6: "وذهب خطّاب بن يوسف المارديّ في الترشيح إلى أنها لا تدخل على الماضي مطلقاً، لا مع قد ولا خالياً عنها، لأنه ليس له معنى اسم الفاعل. قال: وما سمع من ذلك فاللام فيه للقسم، لا للابتداء".

قال خطّاب 7: "إن قلت: إن زيداً قام، أو قد قام لم يجز أن تدخل عليه اللام، لأن الفعل الماضي ليس له معنى اسم الفاعل، وهذا مما يضربُ عنه لدقته. ويجوز أن تقول: إن زيداً لقام، إذا جعلت اللام جواباً ليمين محذوفة، والمعنى: إن زيداً والله لقد قام. كما قال عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} 8.

(7)

هل تعدّ "لاسيّما" و"إلا أن يكون" من أدوات الاستثناء؟

قال السيوطي 9: "عدّ الكوفيون وجماعة من البصريين كالأخفش وأبي حاتم والفارسي والنحاس وابن مضاء من أدوات الاستثناء "لا سيّما". وقال خطّاب 10: وقد ألحق "لا سيّما"

1 أوضح المسالك 1/344 وما بعدها.

2 سورة إبراهيم آية 39.

3 سورة النمل آية 74.

4 سورة آل عمران آية 23.

5 التصريح 1/223، توضيح المقاصد للمرادي 1/345، الجنى الداني 163، مغني اللبيب 252، شرح الأشموني مع الصبان 1/281.

6 همع الهوامع 2/174.

7 تذكرة النحاة 280.

8 سورة التين آية 4.

9 همع الهوامع 3/291.

10 تذكرة النحاة 298، ارتشاف الضرب 2/328.

ص: 130

بحروف الاستثناء جماعة من النحويين، منهم الأخفش وأبو حاتم وابن النحاس. وأضرب عن ذكرها في باب الاستثناء سيبويه والمبرّد. وما أرى لإلحاقها في باب الاستثناء وجهاً، لأنك إذا قلت: جاءني القوم ولاسيما زيدٌ؛ فمعناه: ولامثل زيد فيمن جاءني، فكأنك قلت: لا يأتي مثل زيد، فإنما نفيت أن يكون أحد ممن جاءك شبهاً لزيد، ولعل زيداً قد جاءك أو لم يأتك".

وقال خطّاب 1: "ورأيت جماعة من النحويين ألحقوا "إلا أن يكون" في عدد حروف الاستثناء، وليس لها فيه حظ، وإنما حرف الاستثناء إلاّ ".

(8)

المنادى المضاف إلى ياء المتكلّم

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم إذا كان صحيح الآخر، نحو: يا غلامي، جاز فيه ست لغات.

قال ابن هشام 2: "فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسر نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 3.ثم ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} 4. أو مفتوحة نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 5. ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفا نحو: {يا حسرتا} 6. وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة، كقوله:

بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لو انّي

أصله بقولي: يا لَهْفَ. َ

ومنهم من يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم، كما تُضم المفردات وإنما يفعل ذلك فيما يكثر فيه ألاّ ينادَى إلاّ مضافاً، كقول بعضهم: يا أمُّ لا تفعلي، وقراءة آخر:{ربُّ السجنُ أحبُّ إليّ} 7.

قال خطّاب المارديّ عن هذه اللغة الأخيرة 8: "والخامسة قليلة رديئة، وهي: يا غلامُ

1 تذكرة النحاة 296.

2 أوضح المسالك 4/37.

3 سورة الزمر آية 16.

4 سورة الزخرف آية 68.

5 سورة الزمر آية 53.

6 سورة الزمر آية 56.

7 سورة يوسف آية 33.

8 ارتشاف الضرب 2/539.

ص: 131

بحذف الياء وبضم الميم، وأنت تريد يا غلامي. وهذا قبيح لأنه يلتبس المضاف بغيره كقولك: يا غلامُ، إذا أردت يا أيها الغلام، وهذه لغة ذكرها أبو القاسم الزجاجي 1، ولم ينص عليها بالضم، ولكن بعض شيوخنا كان يرويه بالضم، وذلك لا يصحّ. والصواب يا غلامَ بالفتح، فحذف الألف المنقلبة عن الياء، كما حذف الياء من غلامي، وهي قليلة لأن الألف خفيفة والياء ثقيلة، فجاز حذف الياء، وقبح حذف الألف. انتهى.

فخطاب يضعّف لغة الضم، ويصفها بأنها قليلة رديئة قبيحة، بله يخطئها، ويصوّب أن تكون بالفتح، مع أن لغة الفتح عنده قليلة أيضاً.

ولكن لغة الضم التي أنكرها خطاب أجازها بعض النحاة بشرط أمن اللبس، أي ألاّ تستعمل إلا فيما يكثر فيه النداء بالإضافة.

قال أبو حيان 2: "وأقلُّها: يا غلامُ، وقال الأستاذ أبو علي: "وهذا إذا لم يلبس، يعني بالمنادى المقبل عليه"، وقال ابن هشام اللخمي: "يا غلامُ أقبل، لا يجوز على مذهب الجماعة، إنما أجاز سيبويه الضم فيما يراد فيه الإضافة، فيما كثر حتى إذا ضممته علم أن المراد فيه الإضافة".

(9)

بدل الاشتمال

اختلف النحاة في المشتمل في بدل الاشتمال على أقوال 3:

ذهب الفارسي في أحد قوليه، والرماني في أحد قوليه، وخطّاب المارديّ إلى أن الأول مشثمل على الثاني. قال خطّاب: "ولا يجوز: سرّني زيدٌ داره، ولا أعجبني زيدّ فرسه، ولا رأيتُ زيداً فرسه. ويجوز: سرّني زيدٌ ثوبُه، وسرَّني زيدٌ قلنسوتُه، لأن الثوب يتضمنه جسده.

وذهب الفارسي في الحجة إلى أن الثّاني مشتمل على الأول نحو: سُرق زيدٌ ثوبُه.

وذهب المبرّد والسيرافي وابن جني والرماني في أحد قوليه وابن الباذش وابن أبي العافية وابن الأبرش إلى أن المعنى المسند إلى المبدل، فيكون إسناده إلى الأول

1 قال الزجاجي في كتابه الجمل 160: "ومن العرب من يقول: يا غلامُ أقبل".

2 ارتشاف الضرب 2/538-539.

3 ارتشاف الضرب 2/624. وانظر هذه المسألة في كتاب ابن الباذش النحوي للدكتور دردير ص 98 وما بعدها.

ص: 132

مجازا، وإلى الثاني حقيقة، إذ المسلوب في الحقيقة هو الثوب لا الرجل، والمعجب هو العِلم لا زيد.

(10)

أسلوب نعم وبئس

يجوز في الفصيح "نِعْمَ الفتاةُ" في المدح، و "بئس الفتاة" في الذم بترك التاء فيهما، لأن المراد بالفتاة فيهما الجنس، وهو مؤنث مجازي.

وأل في الفتاة جنسية، خلافا لمن زعم أنها عهدية، ومع كون الحذف حسناً الإثبات أحسن منه 1.

وفصّل خطّاب في الترشيح فقال 2: "يجوز نعم الجارية، والأحسن التاء، وتقول: بئست المرأتان أختاك، وبئس المرأتان، وبئس النساء أخواتك، وبئست، إلاّ أن ترك التأنيث في الجماعة أحسن منه في الواحد والاثنين، وقد يجوز: نِعْمَ الزيدُ زيدُ بن حارثة، ونِعْم العمر عمر بن الخطاب، لأنك أردت واحداً من جماعة فصار جيداً حسنا لكل من له هذا الاسم، وكل معنى لا نظير له، ولا هو واحد من جنس يشركه في اسمه فلا يجوز وقوع نعم وبئس عليه، ولو قلت: نعمت الشمس هذه، ونعم القمر هذا، لم يجز من حيث جاز نعم الرجل، فلو قلت: نعم الشمس هند، ونعم القمرُ زيدٌ، جاز على التشبيه، ولو قلت: نعم القمرُ ما يكون لأربع عشرة، ونعمت الشمس شمس السعود جاز، لأنك أردت تفصيل أحوالها، كما تقول: هذه الشمس حارة وهذه الشمس باردة

".

(11)

أسلوب حبذا

يقال في المدح: "حبذا"، ويقال في الذم:"لا حبذا".

وقد اختلف في هذا التركيب "حبذا زيدٌ" على أقوال:

فمذهب سيبويه أن "حبّ" فعل، و"ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما، وقيل: ركّبا وغلّبت الفعلية لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلاً، وما بعده فاعل، وقيل: ركّبا وغُلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسماً مبتدأ وما بعده خبر، ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير، لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل 3.

1 شرح الأشموني 2/55.

2 تذكرة النحاة 285-286، ارتشاف الضرب 3/17.

3 أوضح المسالك 3/284-285.

ص: 133

فهذه ثلاثة أقوال. ذهب قوم منهم الأخفش وخطّاب المارديّ إلى القول الثاني منها. أي أن حبّ تركبت مع ذا وصار فعلاً، والمخصوص هو الفاعل 1.

قال خطّاب في الترشيح 2: "ومن زعم أن زيداً بدل من "ذا" لزمه أن يقول: حبذان الزيدان، وحبذه هندو وهذا لم يقله أحد علمناه، ولكن تقول:(حبذا أخوك، وحبذا أخواك، وحبذا إخوتك، وحبذا أخواتك، وحبذا النساء الحسان) . فهذا كلّه فاعل مرفوع بحبّذا، وهذا على لفظ واحد في ذلك كله، لأنه صار كالمثل

"

قال ابن عقيل 3: "وردّ بعدم النظير، فلم يركب فعل من فعل واسم، وبأنه دعوى بلا دليل".

واختلف النحاة أيضاً في الاسم المنصوب بعد حبذا 4، نحو قولك: حبذا زيد رجلاً. فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً.

وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز

(12)

أسلوب التعجب

للتعجب صيغتان قياسيتان هما (ما أفعَلَه) نحو: ما أحسنَ زيداً! (وأَفْعِل به) نحو: أَحْسِنْ بزيدٍ.

ويبنى هذان الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط 5، وهي: أن يكون فعلاً، ثلاثياً، متصرفاً، قابلا للتفاضل، غير مبني للمفعول، تاماً، مثبتاً، وليس الوصف منه على وزن أَفَعْل.

وفيه مسائل تتعلق بآراء خطّاب:

المسألة الأولى:

يشترط فيما يصاغ منه فعلا التعجب أن يكون ثلاثياً، فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج. إلا ما كان على وزن (أَفْعَلَ) فقيل: يجوز مطلقاً، وقيل: يمتنع مطلقاً، وقيل: يجوز

1 ارتشاف الضرب 3/29.

2 تذكرة النحاة 285.

3 المساعد على تسهيل الفوائد 2/142.

4 تذكرة النحاة 285، ارتشاف الضرب 3/30.

5 أوضح المسالك 3/265، وما بعدها. شرح الأشموني 3/22.

ص: 134

إن كانت الهمزة لغير النقل، نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان! وشذّ على هذين القولين: ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف!، وعلى الثلاثة: ما أتقاه، وما أملأ القربة! لأنها من اتقى وامتلأت 1.

قال خطّاب 2: "قد يتعجبون من لفظ الرباعي على غير قياسٍ في قولهم: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه للمعروف! ولكنها شاذة، والشاذ يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه. وقد شرحناها في كتاب الدلائل وفي كتاب الترجمة 3.

المسألة الثانية:

يشترط فيما يبنى منه فعلا التعجب ألاّ يكون مبنياً للمفعول، فلا يبنيان من نحو ضُرِب، لا يقال: ما أضربَ زيداً! وأنت تتعجب من الضرب الذي حلّ به. وبعض النحاة يستثني ما كان ملازماً لصيغة (فُعِلَ) نحو: عُنيت بحاجتك، وزُهي علينا. فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا! 4.

وقال ابن مالك في التسهيل: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أُمن اللبس".

قال ابن عقيل في شرح التسهيل 5: "قالوا: ما أشغله! من شُغِل، وما أجنَّه! من جُنَّ، في ألفاظ. وهو في التفضيل أكثر من التعجب، كأزهى من ديك، وأشهر من غيره، وأشغل من ذات النحيين. واختار المصنف (يعني ابن مالك) أن نحو هذا وهو ما لا يلبس لا يقتصر فيه على السّماع، وهو مذهب خطّاب المارديّ. والمصحح أنه لا يجوز إلا حيث سمع، وهو قول الجمهور.

فابن مالك إذًا اتبع خطّاباً في إجازة هذه المسألة بشرط أمن اللبسِ. قال خطّاب في الترشيح 6: "فإن قلت: ضُربَ زيدٌ - لم يجز أن تقول فيه: ما أَضرب زيدًا! لأنه كان يلتبس بالفاعل، ولكن تقول: ما أَشدَّ ما ضُربَ زيدٌ! ولو قلت: ما أخوف زيداً! على أنه هو المخوف، وما أحمى زيداً! على أنه هو المحمي لم يجز ذلك لالتباسه بالفاعل، إلاّ أن يأتي من ذلك ما ليس فيه التباس. وقد ردّ على الرمادي قوله:

1 أوضح المسالك 3/266، شرح الأشموني 3/21.

2 تذكرة النحاة 292، ارتشاف الضرب 3//43.

3 كتاب الدلائل وكتاب الترجمة سبق ذكرهما في مصنفات خطاب.

4 أوضح المسالك 3/267.

5 المساعد 2/162 ،163. انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك 1087.

6 تذكرة النحاة 293.

ص: 135

ولا شبل أحمى من غزال كأنه

من الخوف والأحراس في حبس ضيغمِ

ولا عيب فيه عندي لقلة التباسه. وقد جاء مثله لكعب بن زهير في مدحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:

فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه

وقيل إنك مسلوبٌ ومقتولُ

من ضيغمٍ من ضراء الأسد مخدرُه

في بطن عثَّر غيلٌ درنه غيلُ

قال أبو حيان 1: "وتبع ابن مالك خطابّاً، فقال: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس، نحو: ما أجنّه، وما أبخته، وما أشغفه! وهو في أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب، كأزهى من ديك، وأشغل من ذات النحيين، وأشهر من غيره، وأعذر، وألوم، وأعرف وأنكر، وأخوف، وأرجى - من شُهر، وعُذر، وليم، وعُرف، ونُكر، وخيف، ورُجي، وإذا لم يلبس فلا يقتصر فيه على السماع، بل يحكم باطراده في فعل التعجب وأفعل التفضيل". انتهى.

المسألة الثانية:

أجاز ابن مالك 2 أن يبنى فعلا التعجب من الأفعال التي يدل على فاعلها بوزن (أفعل) مما يفهم جهلاً، نحو: ما أحمقه، وما أهوجه، وما أرعنه، وما أنوكه! حملا على ما أجهله! لتقاربهما في المعنى". وقال في التسهيل:"ومن فِعْل (أَفَعْلَ) مُفْهِمَ عُسرٍ أو جَهْل".

قال ابن عقيل في شرحه 3: "كحمق ورعن ولُدّ إذا كان عسر الخصومة، وإن كان مذكرها على أفعل ومؤنثها على فعلاء، ناسبت في المعنى جَهِل وعسر، فجرت في التعجب مجراهما، فقيل: ما أحمقه وألدّه! وهو أحمق منه وأرعنُ وألدّ. وأكثر المغاربة عدّوا هذا في الشواذ. وما ذكره المصنف ذكره خطّاب المارديّ. وقال بعض المغاربة: إنه يظهر من كلامِ سيبويه".

وقال خطّاب في الترشيح 4: "وأما قوله: ما أحمقه، وما أرعنه، وما أنوكه، وما ألدَّه! من الخصم الألدّ، فإنما جاز فيه هذا والاسم منه (أفعل) وهو في معنى العاهات والأدواء، لأنهم أخرجوه عن معنى العلم ونقصان الفطنة، وليس بلون، ولا خلقة في الجسد، وإنما هو كقولك: ما أنظره! تريد نظر الفكرة، وما ألسنه! تريد البيان والفصاحة.

1 ارتشاف الضرب 3/45، انظر: شفاء العليل للسلسيلي 606، همع الهوامع 6/42.

2 شرح الكافية الشافية 1088.

3 المساعد 2/163، انظر ك شفاء 606.

4 تذكرة النحاة 292.

ص: 136

المسألة الرابعة:

يجوز التعجب من كل فعل ثلاثي تنقله إلى (فَعُلَ) مضموم العين، فيصير غير متعّدٍ أيضاً، نحو: ضَرُبَ زيدٌ، في معنى ما أضربه. ولا يلزم فاعله أن يكون معرّفاً بالألف واللام. وإذا بنيته من فعل معتلِّ اللام من ذوات الياء قلبت الياء واواً لانضمام ما قبلها كرَمُو الرجل، في معنى ما أرماه! ومن كلام العرب: لسَرُوَ الرجل، في معنى: ما أسراه! 1.

وقد جعل ابن هشام هذه المسألة في باب نعم وبئس، تبعاً لابن مالك، فقال 2:"وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه فإنه يجوز استعماله على (فَعُلَ) بضم العين- إما بالأصالة كـ "ظرف وشرف" أو بالتحويل كـ "ضَرُب وفَهُم" ثم يُجرى حينئذٍ مجرى نِعْم وبئس في إفادة المدح والذمّ، وفي حكم الفاعل وحكم المخصوص، تقول: فَهُمَ الرجلُ زيدٌ

".

وهذا الذي ذكره ابن هشام من حكم هذا الفعل مع فاعله هو مذهب الفارسي وأكثر النحويين، فيلحق بباب "نعم وبئس" ويثبت له جميع أحكامه. وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه يجوز إلحاقه بباب التعجب، فلا يلزم فاعله (أل) والإضمار. قال الشيخ خالد:"وهو الصحيح". وعلى هذا يجوز لك في فاعل (فَعُل) المذكور أن تأتي به اسماً ظاهراً مجرداً من أل، وأن تجره بالباء الزائدة تشبيهاً بفاعل أفعَل في التعجب. نحو: فَهُمَ زيد 3.

قال أبو حيان 4: "وحكى الأخفش الاستعمالين له في الكبير عن العرب، تقول: حَسُنَ الرجل، ولَحَسُنَ زيدٌ - في معنى ما أحسنه! ".

ويبدو أن خطّاباً في هذه المسألة تبع الفارسي ورأياً للأخفش، في إجراء هذا الفعل مجرى نعم وبئس- قال 5:"لَفَعُلَ الرجل" هذا البناء يضمُ فيه عين كل فعل، وهو بمنزلة "نعم وبئسِ " لا يقع إلا على ما فيه الألف واللام خاصة، ولا يكون إلا من ثلاثي، تقول مِنْ كتَب وفهِم وحَسُن: لَكَتُبَ الرجلُ زيدٌ - ولَفَهُمَ، ولَحسُنَ- بضم العين للتعجب. والرجل: رفع بفعله، وزيدٌ: مبتدأ، وخبره فيما قبله. وإن شئت كان خبر مبتدأ مضمر، كما تقدم في نعم وبئس. واللام لام قسم، وإن شئت حذفتها، فقلت: كَرُمَ الرجلُ، وشَرُفَ الغلامُ- بمعنى ما أكرمه وأشرفه!، لا يقع هذا الفعل في التعجب إلا على ما فيه الألف واللام خاصة في قول الأخفش ومن وافقه وقد رأيت في كتاب المقتضب 6 لأبي

1 شرح جمل الزجاج لابن عصفور 1/589.

2 أوضح المسالك 3/280.

3 التصريح 2/98.

4 ارتشاف الضرب 3/27.

5 تذكرة النحاة 292. ارتشاف الضرب 3/28.

6 المقتضب للمبرد 2/149.

ص: 137

العباس (المبرد) أنه يجيز: كَرُمَ زيدٌ، وشرُفَ عمرو- وهو يريد التعجب، ولا أدري ما قوله.

ثم يفصِّل خطّاب في أحكام هذا الفعل، وطريقة استعماله من الأجوف والناقص، ومن ذلك قوله 1: "فإن كان موضع لامه واواً تركتها على حالها واواً، أو ياء قلبتها واواً لانضمام ما قبلها، تقول من دعا وهجا وغزا: لَدَعُو الرجّلُ، وهَجُوَ، وغَزُوَ بضم العين. وتقول من رمى وقضى: لَرَمُوَ الرجل ولَقَضُوَ، فتقلب الياء واواً لانضمام ما قبلها

".

المسألة الخامسة:

ذكر خطّاب أنهم استغنوا بقولهم: (أفْعَلُ الفِعْل فِعْلُه) للتعجب من الرباعي أو الألوان والعاهات، مما فقد شروط بناء باب (فعُلَ) في التعجب.

قال في الترشيح 2: "فإن تعجبت من الرباعي فصاعداً أو الألوان والعاهات، فإنهم عدلوا فيه عن الأصل في هذا البناء، واستغنوا عنه بقولهم: أفْعَلُ الفعلِ فِعْلُه. تقول: أشدُّ الحمرةِ حمرتُه، وأسرعُ الانطلاقِ انطلاقهُ، وأفحشُ الصّمم صممُه. فالاسم الأول: مبتدأ، والثاني مضاف إليه، وما بعد المضاف إليه خبر الابتداء. وكان القياس أن يقولوا: لَفَحُشَ الصّممُ صَممُه، ولَشدَّت الحمرةُ حمرتُه. فيرفعونه من حيث رفعوا: لكَرُمَ الرجلُ زيدٌ، ولكنهم استغنوا عنه بما ذكرت لك.

(13)

أسماء الأصوات

قال خطّاب في الترشيح 3: "تقول للشيء إذا رضيته بَخْ بَخْ ساكن الثاني لأنه معرفة. وبَخٍ بَخٍ منون مكسور لالتقاء الساكنين، وكذلك ما أشبهه من الأصوات الثنائية".

وقال أيضاً 4: فإن كان الصوت المحكي ثلاثياً ساكن الوسط كسرت آخره لالتقاء الساكنين، ولم تنونه إن أردت المعرفة، وإن نكرت نونت، تقول: قال الغرابُ غاقِ، وقال الحجرُ طاقِ، وقال الغزالُ ماءِ. تريد المعرفة، ومعناه قال هذا الصوت بعينه. وإن نكرت نونت فقلتَ: غاقٍ وطاقٍ وماءٍ. والمعنى قال صوتاً يشبه هذا. انتهى.

1 تذكرة النحاة 293.

2 تذكرة النحاة 293، ارتشاف الضرب 3/27، همع الهوامع 5/44.

3 ارتشاف الضرب 3/300.

4 ارتشاف الضرب 3/218.

ص: 138

(14)

من أسماء الأفعال

من أسماء الأفعال "حيَّ " بمعنى أقبل.

قال الرّضي 1: "يعدَّى بعلى نحو: حيَّ على الصلاة، أي أقبل عليها. وعن أبي الخطاب أن بعض العرب يقول: حيَّهل الصلاة) ومعناه ائتوا الصلاة (، وقد جاء متعديا بمعنى ائت، قال:

أنشأتُ أسأله ما بالُ رفقتِه

حيَّ الحمُولَ فإن الركب قد ذهبا

قال البغدادي 2: "وهو شاهد على أن حيَّ جاء متعدياً بمعنى ائت الحمول، جمع حِمْل بالكسر. وهذه رواية الجوهري في الصحاح 3. وكذا رواه خطّاب بن يوسف في كتاب الترشيح، وقال: أخذ يسأل غلامه: ما بال الرفقة؟ وأين أخذت؟ ثم قال له: حيَّ الحمُول يا غلام، أي ائتها وحثَّها". انتهى. نقله عنه أبو حيان في التذكرة.

أقول: ولم أجد هذا النقل في الجزء المطبوع من التذكرة لأبي حيان، فلعله ذكره في الأجزاء المنقودة من التذكرة.

(15)

تصويبات لغوية

ذكر خطّاب أنه لا يجوز حذف (لا) من (ولا سيّما) . قال 4: وقد أولعت به العامة، ولا يوجد ذلك لا شعر فصيح البتة، وإنما يقول به المحدثون من الكتاب والشعراء، وهو لحن.

وقد ذهب أبو حيان مذهب خطّاب فقال 5: "حذف (لا) من (لا سيما) . إنما يوجد في كلام الأدباء المولّدين، لا في كلام من يحتج بكلامه.

وفي الترشيح 6 "تقوله: لا آتيك ما أنَّ في السماء نجماً، أي ما دام أن في السماء نجماً، أو ما كان أنّ، لأن هذا من مواضع الفعل، لأن (ما) تكون مع الفعل مصدراً، ولا يكون الاسم صلة لـ"ما". ومن قال من أصحابنا إنّ (أنّ) فعل ماض من الأنين فقد غلط، لأن النجم لا يئن. ويجوز عندي أن يكون الأصل: ما عَنَّ في السماء نجمٌ، أي ما عرض وأبدل من العين همزة، لأن الهمزة والعين يبدل بعضها من بعض". انتهى.

1 شرح الكافية للرضي 2/72.

2 خزانة الأدب 6/251.

3 الصحاح (هلل) 1854 وقائل البيت ابن أحمر.

4 تذكرة النحاة 298.

5 ارتشاف الضرب 3/330.

6 ارتشاف الضرب 1/521.

ص: 139

(16)

رأي في التضمين

تعرّض لموضوع التضمين عدد من العلماء القدامى، كما بحث فيه بعض المتأخرين وقد سجل الدكتور عباس حسن في كتابه "النحو الوافي" 1 بعض البحوث المقدمة إلى المجمع اللغوي القاهري حول "التضمين"، ثم كان قرار المجمع على النحو التالي 2:

"التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو ما في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم"، ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:

الأول: تحقيق المناسبة بين الفعلين.

الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.

الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي.

ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي.

وقد كان لخطّاب المارديّ رأي في التضمين يتعلق بباب ظن وأخواتها، نقله السيوطي في موضوع "التضمين" من الأشباه والنظائر، جاء فيه 3:

وقال ابن هشام في تذكرته: "زعم قوم من المتأخرين منهم خطّاب المارديّ، أنه يجوز تضمين الفعل المتعدي لواحد معنى صيّر، ويكون من باب ظن، فأجاز: حفرت وسط الدار بئراً، أي صيّرت، قال خطاب: "وليس (بئرا) تمييزا إذ لا يصلح لـ (من)، وكذا أجاز: بنيت الدارَ مسجداً، وقطعت الثوبَ قميصاً، وقطعت الجلد نعلاً، وصبغت الثوب أبيض، وجعل من ذلك قول أبي الطيب:

فمضت وقد صبغ الحياءُ بياضها

لوني كما صبغ اللجينُ العسجدا

لأن المعنى: صيّر الحياء بياضها لوني، أي مثل لوني.

وقال ابن هشام: "والحق أن التضمين لا ينقاس".

وقال أبو حيان 4: "والصحيح أن هذا كله من باب التضمين الذي يحفظ ولا يقاس عليه".

1 النحو الوافي 2/564.

2 النحو الوافي 2/594.

3 الأشباه والنظائر للسيوطي 1/247، وانظر ك ارتشاف الضرب 3/62، همع الهوامع 2/220.

4 همع الهوامع 2/221.

ص: 140