المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولى الْمَعْرُوف بَين النَّاس بشاه ولى العينى الحنفى الخلوتى العَبْد - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - جـ ٤

[المحبي]

الفصل: ولى الْمَعْرُوف بَين النَّاس بشاه ولى العينى الحنفى الخلوتى العَبْد

ولى الْمَعْرُوف بَين النَّاس بشاه ولى العينى الحنفى الخلوتى العَبْد الصَّالح كَانَ فى بداية أمره جنديا من أُمَرَاء الْمقَام العثمانى ثمَّ ترك ذَلِك وَصَحب رجلا صَالحا يُقَال لَهُ الشَّيْخ يَعْقُوب فتربى على يَدَيْهِ وسلك السّير الى الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ الشَّيْخ يَعْقُوب وَلم يحصل للشَّيْخ شاه ولى كَمَال فصحب بعده خَلِيفَته الشَّيْخ أَحْمد ثمَّ لما مَاتَ الشَّيْخ أَحْمد كَانَ شاه ولى كَامِلا فى دَرَجَات النَّفس فاستقل بالمشيخة بعده فأرشد ونصح ورتب الاوراد والخلوات وَأخذ العهود وربى ودعا الى الله عز وجل فَكثر مريدوه واتباعه وهذب نَفسه وأدبها مَعَ الصّلاح وَالْكَرم والعفاف والزهد فى الدُّنْيَا وَكَانَ مثابرا على طَاعَة الله تَعَالَى مُقبلا على النَّصِيحَة مكفوف اللِّسَان سَاكن الْجَوَارِح عفيف النَّفس زكى الاخلاق حسن الْحَال رَاغِبًا فى الْعُزْلَة ملازم الصَّبْر يقْضى أوقاته بِالْمرضِ وَعدم صِحَة المزاج وَلم يزل حَتَّى توفى فى ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث عشرَة بعد الالف خرج الى دَار عزه لاجل ادخال مريديه الى الْخلْوَة فَمَرض بهَا بحصر الْبَوْل فجِئ بِهِ الى حلب فبقى نَحْو عشرَة أَيَّام على تِلْكَ الْحَالة ثمَّ توفى وَدفن بِالْقربِ من مقَام ابراهيم الْخَلِيل عليه السلام

ولى الدّين بن أَحْمد بن مُحَمَّد ولى الدّين بن أَحْمد الفرفورى الدمشقى الحنفى ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على بعض مشايخها وَكَانَ فى خدمَة أَخِيه عبد الْوَهَّاب يبيض الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتوى وَولى نِيَابَة الْقَضَاء بمحكمة الميدان وَقِسْمَة الْمَوَارِيث والعونية وَكَانَ لَهُ على ذَلِك نهمة شَدِيدَة وَولى قَضَاء الركب الشامى وَكَانَ كثير الْحَرَكَة قَلِيل الْبركَة قلق الْعَيْش دَائِم الطيش

(كريشة فى مهب الرّيح سَاقِطَة

لَا تَسْتَقِر على حَال من القلق)

كثير التملق كأخيه مشدودة بِهِ فى المكرا واخيه وَلِهَذَا لقبا بالوسواس الخناس واشتهرا بِعَدَمِ الرابطة بَين النَّاس الا ان ولى الدّين فى ذَلِك أشهر كَمَا أَن أَخَاهُ فى طَرِيق المداراة أمهر وَكَانَ ولى الدّين يزِيد بأَشْيَاء ذَاك سَالم الْعرض مِنْهَا بعيد الساحة عَنْهَا وَعلمه وَكَرمه ساتران مِنْهُ كل عيب موجبان لَهُ الْمَدْح فى كل محْضر وغيب وَكَانَت وَفَاة ولى الدّين فى أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بتربتهم لصيق مَزَار الشَّيْخ أرسلان قدس سره الْعَزِيز

(حرف لَام ألف خالى)

(حرف الْيَاء)

يحيى بن أَبى السُّعُود بن يحيى بن الشَّيْخ الْعَلامَة بدر الدّين الشهاوى المصرى

ص: 462

الحنفى الامام الْعَلامَة الْفَقِيه الْمُفِيد ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن واشتغل فَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ كالشهاب أَحْمد الغنيمى والبرهان اللقانى وَالشَّمْس مُحَمَّد المحبى والشهاب الشوبرى والنور على الحلبى وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم وَأَجَازَهُ غَالب شُيُوخه وَكَانَ من اكابر عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة فى زَمَانه خُصُوصا فى معرفَة الْكتب وسعة الِاطِّلَاع وَكَانَت تعرض عَلَيْهِ كتب منخرمة الاوائل لَا يعرفهَا أحد من اقرانه فبمجرد وُقُوفه عَلَيْهَا يعرفهَا بِسُرْعَة من غير تردد وَلَا نظر وَكَانَ فَاضلا صَالحا متواضعا عفيفا شرِيف النَّفس والطبع مجللا عِنْد خَاصَّة النَّاس وعامتهم قَلِيل التَّرَدُّد الى أحد الا فى مهمة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين تجاه تربة الشَّيْخ أَحْمد الشلبى شَارِح الْكَنْز رَحمَه الله تَعَالَى

يحيى بن أَبى الصَّفَا بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن محَاسِن الدمشقى الحنفى الْفَاضِل الاديب كَانَ أحسن آل بَيته فضلا وكمالا وأبرعهم اسْتِيلَاء على المعارف واشتمالا قَرَأَ وَحصل وَفرع وأصل ونظم فأجاد وأقرأ فَأفَاد وَقد أَخذ جملَة الْعُلُوم من مَنْطُوق وَمَفْهُوم عَن جمَاعَة أَََجَلًا واشياخ ازدان بهم الدَّهْر وتحلى مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ يُوسُف الفتحى وَلما ورد أَبُو الْعَبَّاس المقرى دمشق لزمَه لُزُوم الظل للشبح وَأخذ عَنهُ غرائب الظّرْف وَالْملح وَكنت رَأَيْت بِخَطِّهِ مجموعا ذكر فِيهِ كثيرا من أمالى شَيْخه الْمَذْكُور وبدع فِيهِ بتحف وَصفه الْمَحْمُود المشكور وَولى من الْمدَارِس الْمدرسَة الغزالية ودرس بهَا الْعلم فى بلهنية من الْعَيْش رضية الا انه لم تطل مُدَّة ايامه ففاجأه فى نهنهة الشَّبَاب حمامه وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَرَأَيْت هَذِه الابيات لاديب الدَّهْر أَحْمد بن شاهين كتبهَا على شعر لصَاحب التَّرْجَمَة وقف عَلَيْهِ وهى تشبه أَن تكون رثاء فِيهِ فَذَكرتهَا هُنَا وهى

(رحم الْمُهَيْمِن ناظما

قدما لهَذَا الشّعْر راوى)

(يحيى الذى قد مَاتَ

وَهُوَ لمفخر الاحياء حاوى)

(قد كَانَ روح بنى المحاسن وجده لَهُم يساوى

)

(مدح الديار وَأَهْلهَا

وَمضى فروض الانس ذاوى)

(نشر الثَّنَاء وانه

لرداء مَا فى الْعَيْش طاوى)

(يَا رب وسع مرقدا

هُوَ فى مضيق مِنْهُ ثاوى)

(فنو المحاسن كلهم

من بعد مشهده مساوى)

ص: 463

السَّيِّد يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفى الْيُمْنَى عماد الاسلام والجهبذ الْهمام عَالم الزَّمن وفقيه الْيمن أَخذ عَن كثير من الاشياخ والائمة مِنْهُم الْعَلامَة عبد الحفيظ المهلا وَولده النَّاصِر وَغَيرهمَا من الاكابر وَله مبَاحث واشعار رائقة مِنْهَا ابيات فى تَحْرِيم النتن مطْلعهَا

(الْحَمد لله مولى الْفضل والمنن

حمدا أكرره فى السِّرّ والعلن)

(ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر

وَآله من هم لِلْخلقِ كالسفن)

(ثمَّ الصَّحَابَة ثمَّ التَّابِعين لَهُم

من كل مَاض عَن الاحسان لَيْسَ بنى)

(وَبعد أَشْكُو الى الرَّحْمَن خالقنا

من مُنكرَات بَدَت فى أهل ذَا الزَّمن)

(وَمن مضلات أهواء لَهَا ابتعدوا

وَأَجْمعُوا أَمرهم فِيهَا على سنَن)

وَمِنْهَا

(وَالله أنزل تَحْرِيم الْخَبَائِث فى

كِتَابه فاتخذه حجَّة تعن)

وَالْتمس من القاضى حُسَيْن بن النَّاصِر المهلا أَن يُرْسل لَهُ المتحصل من تأليفه الْمَوَاهِب السّنيَّة فَأرْسلهُ اليه وَكتب صحبته ارتجالا

(الى الحضرة العلياء والسؤددة الَّتِى

أَفَادَ جَمِيع الْعَالمين امامها)

(ومحفل أهل الْعلم والحلم والتقى

فَحق على هَذَا الانام احترامها)

(ومربع علم الِاجْتِهَاد الذى بِهِ

ينَال المعالى والامانى كرامها)

(ليحيى الذى يحيا بِهِ الْمجد والعلى

حَلِيف المعالى فى الهداة نظامها)

(سَلام كنشر الْمسك فى رَوْضَة ربت

فراقت بهَا أزهار وكمامها)

(وَمن حَضْرَة الاحباب يأتى مقَامه

فيا حبذا مِنْهَا ليه سلامها)

(وَبعد فأشواق الْمُحب عَظِيمَة

الى من بِهِ يأتى النُّفُوس مرمها)

(الى من بِهِ يلقى الْهِدَايَة طَالبا

فَيرجع بِالْفَضْلِ الْعَظِيم همامها)

(الى موقظ الاسلام من سنة الْكرَى

وَيَا طالما استولى عَلَيْهِ منامها)

(الى غيث أهل الْفضل والغوث للورى

اذا ضن بالامطار يَوْمًا غمامها)

(غرست بارض الْعلم غرسا وأثمرت

براهين فالاعداء حَان اخترامها)

(وأعليت للدّين الْمُبين مناره

فَطلب لارباب الْعُلُوم مقَامهَا)

(فأوليت أهل الْعلم فضلا ونعمة

يَدُوم على مر الزَّمَان دوامها)

(فمنك قرى أَرْوَاحهم بعلومها

ومنك قرى الاشباح هام ركامها)

(وأبرزت من تِلْكَ الْعُلُوم دقائقها

فاحيت نفوسا حِين زَالَ سقامها)

ص: 464

(فأروت نفوسا طالما صديت لَهَا

فَعَاد بِحَمْد الله ريا أوامها)

(طلبت بهَا تِلْكَ الْمَوَاهِب فانثنى

بأسواقها بَين الْعُلُوم قِيَامهَا)

(فَأَنت لَهَا يَا ذَا الْمَوَاهِب كعبة

يطيب لَهَا عِنْد الْوُصُول التزامها)

(فأعذب لَهَا من زَمْزَم الْعلم مشربا

ليحسن مِنْهَا للخليل مقَامهَا)

فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله

(أجونة مسك فضل عَنْهَا ختامها

وَعقد لآل زانهن نظامها)

(وَروض أريض صَافح الْقطر فاغتدت

أزاهير يسبى الْقُلُوب ابتسامها)

(أم النّظم وافى من بليغ محبر

حسان القوافى فى يَدَيْهِ زمامها)

(يحبر مِنْهَا كَيفَ شَاءَ بدائعا

يحير أَرْبَاب الْعُقُول وشامها)

(ويودعها اسرار كل غَرِيبَة

من الْعلم عَال فى الْعُلُوم مقَامهَا)

(فيبرز للطالبين قريبَة

مسهلة اذ كَانَ صعبا مرامها)

(وَذَلِكَ من تثنى الخناصر باسمه

اذا عددت فى المكرمات كرامها)

(وأوحدهم فى حوز كل فَضِيلَة

ينافس فِيهَا غير وان همامها)

(وَأما فنون الشّعْر فَهُوَ مجيدها

وَأما فنون الْعلم فَهُوَ امامها)

(اذا قَالَ عَاد الدّرّ عِنْد مقاله

حَصى قد علاهُ فى الفلاة رغامها)

(وان أبرز التَّحْقِيق مِنْهُ دقائقا

من الْعلم حلت فى الصُّدُور فخامها)

(وان أظلمت فى المشكلات عويصة

جلا صبحها وانجاب عَنهُ ظلامها)

(على المقامات الْحُسَيْن بن نَاصِر

حميد السجايا القاصرات سهامها)

(قفا اثرهم فِيمَا بنوا من مَكَارِم

بنى ضعفهم فَاشْتَدَّ ركنا شمامها)

(ووفت معاليه معالى جدوده

فَكَانَ بهَا من غير نقص تَمامهَا)

(أعالم هَذَا الْعَصْر والمنهل الذى

موارده عذب كثير زحامها)

(ومفزع طلاب الْعُلُوم فكلهم

بحبلك فى سبل الرشاد اعتصاهما)

(جمعت فنون الْفضل فانتظمت حلى

بك ازدان فِي جيد الزَّمَان انتظامها)

(فهناك مَا أولاك رَبك من على

معال قصارى السؤل مِنْهَا دوامها)

(وأبقاك محروس الجناب لانه

يزورك مِنْهَا كل حِين سلامها)

وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة بالقويعة بِالتَّصْغِيرِ من أَعمال الشّرف الاعلى لَيْلَة الثلاثا لثلاث عشرَة خلت من ذى الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وعمره نَحْو سبعين

ص: 465

سنة ورثاه جمع من الْعلمَاء بالقصائد الطنانه

يحيى بن تقى الدّين بن عبَادَة بن هبة الله الشافعى الحلبى الدمشقى الشهير بالفرضى أحد الْعلمَاء الاجلاء كَانَت الْعُلُوم نصب عينه فقها ونحوا وأدبا وَكَانَ يقْرَأ بمكتب جَامع الدرويشية وَكَانَ رَئِيسا بالهندسة والهيئة والحساب والفرائض ولد بِمَدِينَة سرمين وَقَرَأَ الْقُرْآن بحلب وَلما ميز وَكبر قدم الى دمشق وَقَرَأَ وبرع خُصُوصا فى الْفَرَائِض والحساب حَتَّى فاق فيهمَا على جَمِيع معاصريه واشتغل عَلَيْهِ كثير مِمَّن أدْركهُ وانتفعوا بِهِ وَكَانَ يُبَاشر جَمِيع ظائفه بِنَفسِهِ من غير أَن يُقيم أحدا من تلامذته ليَكُون وَفَاء لما شَرطه أَصْحَابهَا وَله التصانيف الْحَسَنَة مِنْهَا شرح النزهة فى مجلدين ذكر فِيهَا كثيرا من الالغاز وفوائد ضمهَا اليه ثمَّ اخْتَصَرَهُ فى مُجَلد وَاحِد وَشرح الْمِنْهَاج للنووى وَشرح منظومة الجعبرى فى الْفَرَائِض وَكَانَ لَهُ فى الشّعْر والالغاز والاجوبة يَد طولى قَالَ البورينى فى تَرْجَمته زارنى فى منزلى بِدِمَشْق يَوْم الِاثْنَيْنِ التَّاسِع وَالْعِشْرين من صفر سنة احدى وَعشْرين بعد الالف وأنشدنى من لَفظه هَذِه الابيات

(امولى المعالى والمعارف وَالْمجد

وَعين العلى كَهْف الورى مُنْتَهى الْقَصْد)

(وَيَا فَاضلا طَال الانام بفضله

وَقصر عَن معشاره كل ذى جد)

(وَيَا كَامِلا حَاز الْعُلُوم بعزمه

وأحرز فخرا قد تزايد عَن حد)

(وَلَا سِيمَا فن الْحساب فانه

أقرّ لَهُ كل من الالف والضد)

(واحرز مِنْهُ غَايَة لَيْسَ مدْركا

ذراها وَلم يلْحق بهَا قطّ ذُو كد)

(وَهَذَا وَقد وافى الْفَقِير رِسَالَة

تضمن لغزا ضَاعَ فى حلّه رشدى)

(فها هى يَا ذَا الْعلم فاسمح وَكن لنا

معينا عَلَيْهَا دمت فى طالع السعد)

(وَلما تجلى الْحبّ فى غيهب الدجى

وأقلق قلبى بالصدود وبالبعيد)

(وَقَالَ وصالى لَا ينَال لطَالب

فَقير فجد بِالْمَالِ ان كنت ذَا نقد)

(فأعطيته سدسا وَسبعا وثمنه

وتسعيه مَعَ عشر وَمَعَ وَاحِد فَرد)

(وأبقيت لى ألفا أعيش بِكَسْبِهِ

فكم كَانَ هَذَا المَال ان كنت ذَا وجد)

(فَلَا زلت كشاف الغوامض للورى

ومفتاح كنز المشكلات بِلَا عد)

وَهَذَا جَوَاب اللغز لصَاحب التَّرْجَمَة

(فهاء وياء ثمَّ قَاف رمزتها

وَأَرْبع آلَاف صِحَاح من الْعد)

(وهاء وكاف ذى كسور كَمَا ترى

عَلَيْك بهَا فَافْهَم وَكن حَافظ الود)

ص: 466

(مخارجها جِيم وياء وخاؤها

مقامات كسر من لدن قسْمَة الْعد)

(هى المَال قطعا لَا خلاف بِوَضْعِهِ

فسدد مقالى يَا أَخا الْفضل وَالْمجد)

(وَقد أَخذ المحبوب ماقد جمعته

وَأبقى لنا ألفا على الْقرب والبعد)

(فدونك شكلا مِنْهُمَا مَا رمزته

على طرق الْحساب يَا كَامِل السعد)

(وناظمه عبد حقير وَذَا اسْمه

كَمَا قيل دم يحيى مَعَ الشُّكْر وَالْحَمْد)

وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير من قرب بِلَال الحبشى

يحيى بن زَكَرِيَّا بن بيرام شيخ الاسلام واوحد عُلَمَاء الرّوم بِاتِّفَاق الاعلام ذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ فى حَقه سُلْطَان عُلَمَاء الْمغرب والمشرق ومطلع كَوْكَب أفق السَّعَادَة الْمشرق شيخ الْكل فى الْكل من الدق والجل وَاحِد الزَّمَان وثانى النُّعْمَان من بمكارم الاخلاق فى الْآفَاق مَوْصُوف وفى تعداد افراد النَّوْع الانسانى وَاحِد يعدل أُلُوف كَبِير المملكة السُّلْطَانِيَّة دون مُنَازع بركَة الدولة العثمانية من غير مدافع عُمْدَة الْمُلُوك مرشد اهل الطَّرِيق والسلوك بَحر المعارف بدر اللطائف صَاحب الْكَلم النوابغ من ثوب انعامه على الانام سابغ الذى ألقيت اليه أزمة السّلم واحتوى على جَوَامِع الْعلم وبدائع الحكم محط رحال الآمال وكعبة أَرْبَاب الْكَمَال من لم تسمح بِمثلِهِ الادوار وَلم يَأْتِ بنده الْفلك الدوار يُقَال فِيهِ

(هَيْهَات لَا يأتى الزَّمَان بِمثلِهِ

ان الزَّمَان بِمثلِهِ لبخيل)

ولد بقسطنطينية وَنَشَأ بهَا واجتهد فى التَّحْصِيل على عُلَمَاء عصره حَتَّى برع وتفوق ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول كَمَا أَن وَالِده لَازم من وَالِد السَّيِّد الْمَذْكُور ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية وَحج فى خدمَة وَالِده سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ وَالِده اذ ذَاك مُنْفَصِلا عَن قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى وَلما رَجَعَ ترقى فى الْمدَارِس الى ان وصل الى احدى الثمان وَمَات أَبوهُ وَهُوَ مدرس بهَا ثمَّ درس بمدرسة الشهرزاده وَنقل مِنْهَا الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث باسكدار وَكَانَ لَهَا شَأْن عَظِيم فى حَيَاة بانيتها فَأعْطى مِنْهَا قَضَاء حلب وَكَانَت أول مناصبه وَكَذَلِكَ وَقع لوالده فَدَخلَهَا فى سنة أَربع بعد الالف خلفا عَن الْمولى الْكَمَال ابْن طاشكبرى ثمَّ بعد مُدَّة قَليلَة وَقع بَينهمَا مُبَادلَة فَنقل صَاحب التَّرْجَمَة الى قَضَاء دمشق

ص: 467

والكمال الى قَضَاء حلب وَقيل فى تَارِيخ تَوليته لَهَا

(لما أحيى شرع الهادى

قَاض عَنهُ شاع الْعدْل)

(يحيى الْمولى السامى قَالُوا

حَقًا أرخ قَاض عدل)

وَكَانَت سيرته فى هذَيْن القضاءين من أحسن سيرة لقاض ثمَّ عزل وَتوجه من دمشق الى معرة النُّعْمَان قَاصِدا دَار الْخلَافَة وَكَانَ خرج من دمشق وَعَلِيهِ دين سَابق لم يقدر على وفائه وَكَانَ قصد ان يمر على حلب ويستدين من بعض أَهلهَا مبلغا يُوفى بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ وَاتفقَ ان كتخداه دخل عَلَيْهِ وشكى من المضايقة فَلم يستتم الْكَلَام الا وَدخل عَلَيْهِم قَاصد من طرف الدولة وَمَعَهُ أَمر بتوجيه قَضَاء مصر الى صَاحب التَّرْجَمَة فسر بذلك وَعَاد مبلغ المُرَاد وَسَار اليها وسلك مسلكه الْمُعْتَاد ة وَنقل انه كَانَ فى خدمته أحد عشر نَائِبا من ملازمى وَالِده وَمن طلبته فاتفق أَنه ولى مِنْهُ سنة قَضَاء مصر بعد مُدَّة وعزل عَن قَضَاء مصر فَأعْطى كلا مِنْهُم مبلغا من الدَّرَاهِم من مَاله زِيَادَة على مَا حصل لَهُم من الِانْتِفَاع فى أَيَّام قَضَائِهِ وَكَانَ ابْن أُخْته اسماعيل الذى صَار آخر أمره أحد صناجق مصر فى خدمته وَكَانَ وَجه اليه نِيَابَة المحاسبات فَبَلغهُ انه أَخذ من بعض النظار عشرَة سلطانية من غير وَجه فناداه اليه وَهُوَ فى دَاخل الْحمام وَقَالَ لَهُ بلغنى انك أخذت من فلَان كَذَا فاعترف فَقَالَ لَهُ اذن ترحل عَنى الى الرّوم وَالْيَوْم سفينة فلَان متجهزة فَلَا تتخلف عَنْهَا فأقلع من وقته وَلما عزل أَقَامَ ببولاق بعض أَيَّام عِنْد القاضى زين الدّين العبادى كَاتب المحاسبات بأوقاف مصر وَكَانَ العبادى الْمَذْكُور من الرياسة وَالنعْمَة بمَكَان لَكِن حصل مِنْهُ تَقْصِير فى خدمته وَاتفقَ انه شكى اليه كَثْرَة الناموس وَطلب مِنْهُ ناموسية فتهاون فى ارسالها اليه فَبعث صَاحب التَّرْجَمَة الى محافظ مصر يَسْتَأْذِنهُ فى الذّهاب بحرا فَلَمَّا وصل رَسُوله الى المحافظ وَعرض عَلَيْهِ أَجَابَهُ بِأَن يتربص أَيَّامًا فَقَامَ الرَّسُول ليذْهب واذا ببريد قدم من قسطنيطينية وَمَعَهُ أَمر بتقرير صَاحب التَّرْجَمَة فى قَضَاء مصر فَعَاد الرَّسُول مسرعا وَأخْبرهُ ثمَّ أرسل الْوَزير الامر فَدخل الزين العبادى مهنيا وَأظْهر كَمَال الريا وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة حقد عَلَيْهِ جدا فَأخْرج فى الْحَال عَنهُ جَمِيع مَا فى يَده من جِهَات ومعاليم ووجهها الى فُقَرَاء الازهر وَكَانَت اشياء كَثِيرَة مَعَ عدم احْتِيَاجه اليها لكَونه فى غنية زَائِدَة وعزله عَن كِتَابَة المحاسبات وبقى مقهورا مُدَّة أَيَّام ثمَّ مَاتَ من قهره ثمَّ عزل وَسَار الى قسطنطينية بعد مُدَّة صَار قَاضِيا ببروسة ثمَّ ولى قَضَاء

ص: 468

أدرنه ثمَّ قَضَاء قسطنطينة ثمَّ صَار قاضى الْعَسْكَر باناطولى مُدَّة يسيرَة وَنقل الى روم ايلى ثمَّ عزل وأعيد مرّة ثَانِيَة سنة ثَمَان عشرَة وَقيل فى تَارِيخه فضل حق وَوَقع فى أَيَّام قَضَائِهِ ان درويش باشا الْوَزير الاعظم أَمر بقتل رجل فى الدِّيوَان فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة مَا الذى أوجب قَتله فَقَالَ لَهُ أَنْت مَالك علاقَة بِهَذَا فَقَامَ من الدِّيوَان وَترك منصب قَضَاء الْعَسْكَر فَلَمَّا سمع السُّلْطَان أَحْمد بذلك بعث اليه يستخير مِنْهُ عَن قَضِيَّة تَركه فَأَجَابَهُ بقوله ان الْقَضَاء أَمَانَة وَالسُّلْطَان انما يُولى قَضَاء الْعَسْكَر لسَمَاع الدَّعَاوَى وانصاف الظَّالِم من الْمَظْلُوم والآن قد قتل رجل من غير ان يُوجب الشَّرْع قَتله فَلم يُوجد اتصاف بِمَا ولينا لاجله الْقَضَاء فتركنا المنصب لذَلِك ففى ذَلِك الْيَوْم قتل السُّلْطَان أَحْمد درويش باشا الْمَذْكُور وَحصل لصَاحب التَّرْجَمَة غَايَة الاقبال من السُّلْطَان وعزل بعد مُدَّة وأعيد ثَالِثا ثمَّ ولى الافتاء السلطانى فى يَوْم جُلُوس السُّلْطَان مصطفى وَهُوَ الْيَوْم السَّادِس من رَجَب سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَقَالَ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى مؤرخا تَوليته بقوله

(لقد صَار مفتى الرّوم يحيى الذى سما

سناء سَمَاء الْمجد وَالْعلم وَالتَّقوى)

(فَنَادَى بشير السعد فِيهَا مؤرخا

لمولاى يحيى منصب الْعلم وَالْفَتْوَى)

وَكَانَ أول سُؤال كتب اليه اول وَاجِب على الْمُكَلف مَا هُوَ فَأجَاب هُوَ معرفَة الله تَعَالَى فَاعْلَم انه لَا اله الا الله وَبنى فى تَوليته هَذِه مدرسته الْمَعْرُوفَة قَرِيبا من دَاره بمحلة جَامع السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وأرخ عَام تَمامهَا الاديب مُحَمَّد الحتاتى المصرى بقوله

(مفتى البرايا بنى لله مدرسة

لَهَا من الانس أنوار تغشها)

(على الْهدى أست واليمن أرخها

دَار الْعُلُوم فيحيى الْعدْل منشها)

ثمَّ عزل وأعيد ثَانِيًا وَكَانَ أول سُؤال رفع اليه الْمُؤمن اذا أَرَادَ الشُّرُوع فى أَمر ذى بَال بِمَاذَا يبْدَأ حَتَّى يكون مَا شرع فِيهِ مُبَارَكًا فَأجَاب يبْدَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ عزل ثَانِيًا فى رَجَب سنة احدى وَأَرْبَعين فى حَرَكَة الْعَسْكَر بمخامرة الْوَزير رَجَب باشا وَشَيخ الاسلام حُسَيْن ابْن اخى وجمعوا جمعا عَظِيما عِنْد السُّلْطَان مُرَاد وَأَرْسلُوا الى صَاحب التَّرْجَمَة رَسُولا يطلبونه الى الدِّيوَان على لِسَان السُّلْطَان وَكَانُوا صمموا على قَتله فى الطَّرِيق اذا جَاءَ حَتَّى انهم رأوى الْمولى مُحَمَّد الشهير بجشمى قاضى الْعَسْكَر باناطولى وَهُوَ مُتَوَجّه فظنوه هُوَ وَمَا حققوه بِعَيْنِه فَلَمَّا عرفوه أطْلقُوا سَبيله فَأرْسل الى

ص: 469

صَاحب التَّرْجَمَة رَسُولا يحذرهُ الْحُضُور من الطَّرِيق الْعَام فَسَار من طَرِيق آخر فَلَمَّا رَآهُ السُّلْطَان عرف انها مكيدة فَأَشَارَ اليه بِالْعودِ بِيَدِهِ فَلم يُمكنهُ ذَلِك فَأرْسل اليه السُّلْطَان رَسُولا وَأَخذه الى الدَّاخِل ثمَّ ان الْعَسْكَر قتلوا الْحَافِظ الْوَزير الاعظم ونصبوا رَجَب باشا مَكَانَهُ وَجعلُوا ابْن أخى مفتيا وخمدت الْفِتْنَة ثمَّ ان السُّلْطَان الْتفت الى صَاحب التَّرْجَمَة وَقَالَ لَهُ قد عزلك الْقَوْم وَأَنا مَا عزلتك فسر الى حديقتك واشتغل لنا بِالدُّعَاءِ واذا صَار سلطانك سُلْطَانا كَمَا كَانَ صرت مفتيا كَمَا كنت ثمَّ فَارقه فَسَار الى دَاره ثمَّ توجه الى بستانه الْمَعْرُوف بِهِ بطوب قبوسى من أَبْوَاب قسطنطينية وبقى ثمَّة الى أَن قتل ابْن أخى فى رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فأعيد وبقى فى هَذِه الْمرة الى ان مَاتَ وَلم يتَّفق لَاحَدَّ من الْمُفْتِينَ مَا اتّفق لَهُ من طول الْمدَّة والاقبال وَالْحُرْمَة وَالْجَلالَة وَلم يمدح أحد بِمَا مدح بِهِ من مشاهير الشُّعَرَاء ومدائحه الَّتِى جمعهَا التقى الفارسكورى وَقد تقدم ذكر خَبَرهَا فى تَرْجَمَة من ابْتِدَاء تَوليته قَضَاء حلب الى ان ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَمَا بعد ذَلِك فقد تكفل والدى بِجمع حِصَّة مِنْهَا بلغت مِقْدَار ثَلَاثَة كراريس وهى قَطْرَة من بَحر ورزق السَّعَادَة فى الجاه والحفدة بِحَيْثُ صَار أحد ملازميه وَهُوَ الْمولى عبد الله بن عمر خواجه زَاده قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى وَولى الافتاء من جماعته ثَلَاثَة وهم مصطفى البولوى وَمُحَمّد البورسوى وَمُحَمّد الانقروى وَأما من ولى مِنْهُم قَضَاء العسكرين وَغَيرهمَا من المناصب والمدارس وَالْقَضَاء من أهل الرّوم ودمشق وحلب وَغَيرهَا فَلَا يُحصونَ كَثْرَة وَأَكْثَرهم شاعت فضائلهم وعمت فواضلهم وَبِالْجُمْلَةِ فانه أستاذ الاساتذة وَأعظم الصُّدُور الجهابذة وَقد جمع شيخ الاسلام مُحَمَّد البورسوى فَتَاوِيهِ الَّتِى وَقعت فى عَهده فى كتاب سَمَّاهُ فَتَاوَى يحيى وَهُوَ الْآن مَشْهُور متداول وَأما شعره العربى فَمِنْهُ تخميس الْبردَة للبوصيرى يَقُول فى مستهله

(لما رَأَيْتُك تذرى كالغنم

غرقت فى لجج الاحزان والالم)

(فَقل وسر الْهوى لَا تخش من نَدم

أَمن تذكر حيران بذى سلم)

(مزجت دمعا جرى من مقلة بِدَم

)

(تمسى بِعَين بوبل الدمع ساجمة

ونار وجد بجوف الْقلب ضارمة)

(فَهَل بريد أَتَى من حى فَاطِمَة

أم هبت الرّيح من تِلْقَاء كاظمة)

(وأومض الْبَرْق فى الظلماء من اضم

)

ص: 470

(مَتى السلو لاهل الْعِشْق عَنهُ مَتى

وَحب حب سليمى فى الحشا بِنَا)

(ان تنكر الوجد عندى بعد مَا ثبتا

فَمَا لعينيك ان قلت اكففا همتا)

(وَمَا لقلبك ان قلت استفق يهم

)

(تُرِيدُ تخفى الْهوى والدمع منسجم

وفى حشاك لظى الاشواق مضطرم)

(هَيْهَات كاتم سر الْعِشْق منعدم

أيحسب الصب أَن الْحبّ منكتم)

(مَا بَين منسجم مِنْهُ ومضطرم

)

(تَقول قلبى سلا عَن أعين نجل

وتدعى السحو والسلوان عَن مقل)

(انى أَخَاف وَحقّ الود من وغل

لَوْلَا الْهوى لم ترق دمعا على طلل)

(وَلَا أرقت لذكر البان وَالْعلم

)

مِنْهَا

(اذا وجدت امْرأ بِاللَّه معتصما

اسْمَع ماقلته مسترشدا فهما)

(وَكن لصحبة العلياء مغتنما

وَخَالف النَّفس والشيطان واعصهما)

(وان هما محضاك النصح فاتهم

)

(حكمت نَفسك والشيطان فاحتكما

يَا قلب وَيحك مَاذَا الْخبط وَيحك مَا)

(لَا تقبلن مِنْهُمَا حكما وان حكما

وَلَا تُطِع مِنْهُمَا خصما وَلَا حكما

فَأَنت تعرف كيدا الْخصم وَالْحكم)

وَمن لطائف شعره أَيْضا

(ورد النسيم بأطيب الاخبار

طَابَ الْوُرُود وَسَائِر الازهار)

(سَكِرُوا بِخَمْر الشوق حَتَّى أظهرُوا

مَا فى ضمائرهم من الاسرار)

(فى جمعهم لم تلق الا ماسكا

قدحا من الابريز والبلار)

(والحوض فِيهِ مجَالِس ملكية

والورد كالسلطان فى الانوار)

(لعب الشُّمُول بهم فحركهم كَمَا

لعب الشمور بزمرة الشطار)

وَقَوله هوه // معنى جيد //

(كَانَ ورد خَدّه عقار

شربتها حَتَّى بدا البلار)

والبلار لُغَة فى البلور رَأَيْته فى اسْتِعْمَال المولدين مِنْهُم المعتمدين بن عباد على مَا ذكره الْفَتْح فى قلائد العقيان

(جاءتك لَيْلًا فى ثِيَاب نَهَار

من نورها وغلالة البلار)

وَالشرب فى بَيته كِتَابَة عَن التقبل زَالَت بِهِ الْحمرَة فَبَدَا الْبيَاض وَمن لطائفه)

ص: 471

أَيْضا قَوْله

(بحلة حَمْرَاء جَاءَ وَقد

تفوح بالعنبر أذيالها)

(حليتها الْعَسَل وياقوتة

صبغ من العسجد خلْخَالهَا)

وَمن انشائه الباهر مَا كتبه على كتاب فى الطِّبّ اسْمه مغتى الشفا ياله من رَوْضَة شحاريرها أَقْلَام المادحين من التحارير وألحان سواجعها مَا سمع لَدَى التَّحْرِير من الصرير غصونها أورقت وَلَكِن بصحائف كانها مَمْلُوءَة باللطائف أطباق وأثمرت وَالْعجب ان منابت ثمارها بطُون الاوراق من وقف عَلَيْهَا وَتوقف فِيمَا قلته من الْوَصْف العارى عَن المراء فَلَا شكّ انه مبتلى بداء التّرْك وَلَيْسَ لَهُ دَوَاء وَلما أجلت نظرى فى ربوة حسنها وبهجتها ونشقت شذار رياحينها وشممت عرف نفحتها وعاينت مجَالِس أُنْسُهَا وقضيت مِنْهَا الْعجب وحرك منى سطور طروسها مَا يحدثه القانون من الطَّرب تَوَجَّهت بِمَجَامِع قلبى اليها وَقلت موثرا موجز القَوْل فى الثَّنَاء عَلَيْهَا هَذِه الابيات وفى قولى

(يَا رَوْضَة فى رباها

دوح غَدا سجع طيره)

(مغنى الشِّفَاء ومغن

عَن الشِّفَاء وَغَيره)

وَكَانَت وِلَادَته فى سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن عِنْد وَالِده بمدرسته الْمَعْرُوفَة بِهِ وَقَالَ الْمولى مُحَمَّد عصمتى مؤرخا وَفَاته بقوله

(مفتى الورى يحيى بِهِ

سما العلى وحية)

(لما مضى موليا

عَن هَذِه الدنية)

(سَمِعت من جهزه

بِأَحْسَن التَّحِيَّة)

(يَقُول تَارِيخا لَهُ

فى جنَّة علية)

يحيى بن زَكَرِيَّا المعصرانى من أَوْلَاد نامر القدسى كَانَ فَقِيها نحويا يقرى بالخلوة النحوية بِطرف سطح الصَّخْرَة القبلى حكى بعض طلبته انه كَانَ يدرس فى الْجَامِع الصَّغِير فى آخر أمره بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَكَانَ آخر عَهده أَنه وقف على حَدِيث من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت اللَّهُمَّ لَا عَيْش الا عَيْش الْآخِرَة وَصلى الْعشَاء بقوله تَعَالَى كل شئ هَالك الا وَجهه وَكَانَ آخر عَهده من دُخُول الْمَسْجِد وَأوصى بِجَمِيعِ كتبه الى طلبته وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف

يحيى بن عبد الْملك بن جمال الدّين بن صدر الدّين بن عِصَام الدّين الاسفراينى

ص: 472

الاصل المكى المولد الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه أديب منفسح الخطا وأريب مَأْمُون العثار والخطا لَهُ فى الادب الْمقَام الْمَحْمُود والطبع الذى مَا شان سلسال قريحته جمود وَقد وقفت لَهُ على تأليف سَمَّاهُ أنموذج النجباء من معاشرة الادباء تكلم فِيهِ شارحا قَول الْقَائِل

(حاشا شمائلك اللطيفة أَن ترى

عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى)

غير انه لم يعرف قَائِله فَقَالَ ولعمرى انه وان جهل بانيه فَهُوَ من الْبيُوت الَّتِى أذن الله أَن تسكن فَمَا اللَّفْظ الا بمعانيه وان كَانَ قَائِله ألكن ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْبَيْت مِمَّا يكثر الاستشهاد بِهِ أهل الْآدَاب فى محاضرة الاصدقاء والاحباب وَهُوَ من أَرْبَعَة أَبْيَات معمرة بلطيف العتاب مبرورة بِصدق الْمنطق واقتضاء الصَّوَاب محاسنها غرر فى أجياد القصائد والمعانى البديعة بهَا صلَة ومفرداتها عَائِد تشرق شموس التَّهْذِيب فى سَمَاء بلاغتها وترشف الاسماع على الطَّرب من ريق سلافتها فَمَا أحقها بقول الْقَائِل

(أَبْيَات شعر كالقصور وَلَا قُصُور بهَا يَلِيق

)

(وَمن الْعَجَائِب لَفظهَا

حر وَمَعْنَاهُ رَقِيق)

وهى

(انى لاعجب من صدودك والجفا

من بعد ذَاك الْقرب والايناس)

(حاشا شمائلك اللطيفة ان ترى

عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى)

(أَو ثغرك الصافى يرد حشاشة

تَشْكُو لهيبا من لظى انفاسى)

(تالله مَا هَذَا فعالك فى الْهوى

لَكِن حظوظ قسمت فى النَّاس)

انْتهى كَلَامه قلت وَقد وقفت انا على مَجْمُوعَة قديمَة بِخَط ابى البقا الوفائى الوداعى الحنفى يَقُول فِيهِ القاضى عَلَاء الدّين على بن فضل الله أَبُو الْحسن صَاحب ديوَان الانشاء أَخُو القاضى شهَاب الدّين أَحْمد الْعُمْرَى وقف على بَيْتَيْنِ للصلاح الصفدى وهما

(انى لاعجب من صدودك والجفا

من بعد ذَاك الْقرب والايناس)

(حاشا شمائلك

)

الخ فَقَالَ مجيزا لَهما أَو

(ثغرك الصافى يرد حشاشة

)

الخ انْتهى فَعلم من هَذَا ان الْبَيْت الذى شَرحه للصلاح الصفدى وَقَوله انه من أَرْبَعَة أَبْيَات لَيْسَ بصواب لايهامه ان الاربعة قَائِلهَا وَاحِد وَقد علمت انها الشاعرين وَمن شعر الاديب الْمَذْكُور وَقَوله موجها باسماء الانغام فِيمَن اسْمه حُسَيْن وَقد ورد الْمَدِينَة من مَكَّة فَقَالَ

ص: 473

(أَقُول لمعشر العشاق لما

بدا ركب الْحجاز وقرعينى)

(أمنتم من نوى المحبوب فَاسْعَوْا

لَهُ رملا وغنوا فى حسينى)

وَمَا ألطف قَول مُحَمَّد بن جَابر الاندلسى فى مثل ذَلِك

(يَا أَيهَا الحادى اسقنى كاس السرى

نَحْو الحبيب ومهجتى للساق)

(حى الْعرَاق على النَّوَى واحمل الى

أهل الْحجاز رسائل العشاق)

وَله

(رأى سقم الكئيب فمل عَنهُ

سقيم الجفن ذُو حسن بديع)

(فَقلت لَهُ فدتك الرّوح هلا

مُرَاعَاة النظير من البديع)

وَله

(قَالُوا أضافك يَا يحيى لخدمته

حبيب قَلْبك فى سر وفى علن)

(فَقلت لما رآنى غير منصرف

عَن حبه رام كسْرَى فَهُوَ يجبرنى)

وَقَوله

(ان الدَّرَاهِم مرهم

قد جَاءَ فى تصحيفها)

(فدع التطير قَائِلا

الْهم بعض حروفها)

كَأَنَّهُ يُشِير الى قَول الْقَائِل

(النَّار آخر دِينَار نطقت بِهِ

والهم آخر هَذَا الدِّرْهَم الجارى)

(والمرء مَا دَامَ مشغوفا بحبهما

معذب الْقلب بَين الْهم وَالنَّار)

وَقَوله وَقد أهْدى نبقا وفلا

(أهديت نبقا لنبقى فى الوداد على

صدق الوداد وارغام العدا أبدا)

(وَمَعَهُ يَا سيدى فل يبشركم

بانه فل من يشناكم كمدا)

وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن على وَالِده بالقيع

يحيى بن على بن نصوح الْمَعْرُوف بنوعى وَالِد عطائى صَاحب ذيل الشقائق الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ عَالما محققا أجيبا باهرا وَهُوَ من حَيْثُ لطافة الشّعْر عِنْد الروميين مَعَ باقى شَاعِرهمْ فرسا رهان وَفرقُوا بَينهمَا فى التَّرْجِيح بِأَن باقى فى القصائد أرجح كَمَا ان نوعى فى الاغزال أرجح مولده بقصبة طغرة من بِلَاد الرّوم ثمَّ قدم الى قسطنطينية وابتدأ بالاشتغال فى سنة سبع وخمسي فَأخذ عَن الْمولى أَحْمد الشهير بِابْن القرمانى ثمَّ اتَّصل بأَخيه الْمولى مُحَمَّد وَهُوَ مدرس الصحن وَقد اجْتمع عِنْد فى ذَلِك الْعَهْد من أَرْبَاب المعارف والكمالات مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد قبله من جُمْلَتهمْ الْمولى سعد الدّين وباقى الشَّاعِر ورمزى زَاده وخسرو زَاده وَمن

ص: 474

الْقُضَاة الهى الاسكوبى ومحيى القرمانى ومجدى وجورى وحامى زَاده ولازم من قاضى زارده الرومى ودرس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى احدى الثمان فى ذى الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين ثمَّ ولى مِنْهَا قَضَاء بَغْدَاد فى ثانى وعشرى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان وَتِسْعين فى ثامن شهر ربيع الآخر من هَذِه السّنة عين لتعليم السُّلْطَان مصطفى ابْن السُّلْطَان مُرَاد ثمَّ سلم اليه من أَوْلَاد السُّلْطَان الْمَذْكُور من فِيهِ قابلية الْقِرَاءَة مِنْهُم السُّلْطَان بايزيد وَالسُّلْطَان عُثْمَان وَالسُّلْطَان عبد الله ونال بِسَبَب ذَلِك كَمَال التَّقْرِيب الى السُّلْطَان مُرَاد وحظى حظوة عَظِيمَة وَاسْتمرّ الى أَن ولى الْخلَافَة السُّلْطَان مُحَمَّد بعد موت أَبِيه السُّلْطَان مُرَاد وَقتل اخوته الْمَذْكُورين فأبقيت فى يَده الادرارات من المشاهرة واليومية وَغَيرهمَا وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر وَعين لَهُ عشرَة من الملازمين ثمَّ أضيف اليه بعد ذَلِك مدرسة حموه مُحَمَّد بيك بِخَمْسِينَ عثمانيا وتفرغ للافادة والتأليف وَمن تآليفه الفائقة متن فى علم الْكَلَام سَمَّاهُ مُحَصل الْكَلَام وَله شرح الرسَالَة القدسية لشمس الدّين الفنارى وَتَفْسِير سُورَة الْملك وحاشية على التهافت للخواجه زَاده وحاشية على هياكل النُّور وتعليقه على أَوَائِل المواقف وتعليقات على التَّلْوِيح وَالْهِدَايَة والمفتاح وَله ثَلَاثُونَ رِسَالَة فى فنون مُتَفَرِّقَة مِنْهَا رِسَالَة فى الْكَلَام النفسى ورسالة قلمية وَمن آثاره التركية تَرْجَمَة فصوص الحكم أَلفه باسم السُّلْطَان مُرَاد وَكتاب سَمَّاهُ نتائج الْفُنُون ذكر فِيهِ اثنى عشر فَنًّا وترجمة العقائد ورسالة منطق نواى عشاق وَشرح دوبيت المثنوى وترجمة قصَّة الْخضر ومُوسَى عليهما السلام وترجمة منشآت خواجهة جهان وَله ديوَان منشآت وَتَحْقِيق مسئلة الايجاب وَالِاخْتِيَار وديوان شعر وَله رِسَالَة منظومة سَمَّاهَا حسب حَال ومناطرة طوطى وزاغ ومثنوى من بَحر ليلى وَمَجْنُون ليلى وَمَجْنُون وَمَا عدا ذَلِك مِمَّا أَلفه بِأَمْر السُّلْطَان مُرَاد وَضَبطه خَارج عَن الطوق وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاربعاء آخر يَوْم من ذى الْقعدَة سنة سبع بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ صبح يَوْم الْخَمِيس بِجَامِع السُّلْطَان مَحْمُود وَدفن بِجَامِع الشَّيْخ وفا رحمه الله

الامير يحيى بن على باشا الاحسائى المدنى الحنفى الامير الخطير والسرى الْكَبِير الذى حوى من الْفضل أجمعه وَمن الْكَمَال أعذبه وأبدعه ولد بِمَدِينَة الاحساء وَبهَا نَشأ فى حجر وَالِده وتأدب بأكابر عُلَمَاء بَلَده وَأخذ عَن الْعَلامَة ابراهيم بن حسن

ص: 475

الاحسائى الْفِقْه والْحَدِيث وعلوم الْعَرَبيَّة وَأَجَازَهُ بمروياته وَجَمِيع مؤلفاته وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وصافح من طَرِيق المعمر ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين الهندى النقشبندى قدس سره عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الشهير بمحاجى رمزى قَالَ صافحنى الشَّيْخ حَافظ على الاوبهى قَالَ صافحنى الشَّيْخَانِ مَحْمُود الاسفرازى وَالسَّيِّد مير على الهمدانى قَالَ صافحنى أَبُو سعيد الحبشى المعمر قَالَ صافحنى النَّبِي

وللامير يحيى المدكور أشعار وَمِنْهَا قَوْله يمدح النبى

(أَتُرِيدُ جارا حاميا لَك سيدا

ومقام عز عَالِيا مستفردا)

(وترود شرقا للبلاد ومغربا

متفكرا متحيرا مترددا)

(وتروم ذَا وَالْحَال مِنْك مقصر

عَمَّا ترى وَالْفِعْل لَيْسَ مُسَددًا)

(فَعَلَيْك ان ترد النجَاة وتبتغى

خوف الْعقَاب تِلَاوَة والمسجدا)

(وَانْزِلْ بدار الْمُصْطَفى متأوبا

ولجوده مستمطرا متقصدا)

(واعرف لفيض الْفضل مِنْهُ موسما

فِيهَا وَكن مترقبا مترصدا)

(فَلَعَلَّ أَن تحيا كَمَا أَحْيَا بِهِ

للدّين رسما قد عَفا وتهددا)

(فاجهد تكن جارا لَهُ ودخيله

وابذل لذى روحا ومالا مجهدا)

وَقَوله

(ظلمت نفسى وَلم أعمل بموجبها

وَمَا علمت بِأَن الغى يتلفنى

)

(يقْضى على الْمَرْء فى أَيَّام محنته

حَتَّى يرى حسنا مَا لَيْسَ بالْحسنِ)

وَكَانَ وَالِده على باشا واليا على الاحساء والامير يحيى هَذَا أَمِيرا على الْعَطف بأَمْره فَأرْسل وَالِده أكبر أَوْلَاده مُحَمَّدًا بهدية الى ملك الرّوم على عَادَتهم فزور كتابا من وَالِده مضمونه انه كبر وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يُقيم وَلَده مُحَمَّدًا بمرسوم وَأجِيب الى ذَلِك وَلما وصل الى الاحساء رشى أكَابِر الْعَسْكَر وأعلمهم بالامر وتلقاه وَالِده واخوته فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرج المرسوم وَتَوَلَّى وَأَرَادَ حبس وَالِده واخوته فطلبوا أَن يجهزهم الى الْحَرَمَيْنِ ويعين لَهُم مصروفا وجاوروا بِالْمَدِينَةِ وَتوفى والدهم بهَا وَتوفى وَلَده أَبُو بكر يَوْم عَرَفَة وَتوفى الامير يحيى رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة خمس وَتِسْعين وَألف بِالْمَدِينَةِ عَن نَحْو خمس وَسبعين سنة رحمه الله

السَّيِّد يحيى بن عمر الشهير بِابْن عَسْكَر الحموى الشافعى كَانَ من الافاضل الْبَالِغين رُتْبَة التفرد الصارفين الى التَّحْصِيل عَزمَة الهمة والتجرد قَرَأَ بحماه على عُلَمَاء زَمَانه وبرع الى ان فاق على جَمِيع اقرانه ثمَّ دخل الرّوم مرَارًا عديدة وَأقَام بهَا مُدَّة

ص: 476

مديدة وَأعْطى فى بعض المرات الْمدرسَة القيمرية بِدِمَشْق فوردها وقطن بهَا ودرس وَأفَاد وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُضَلَاء ثمَّ ارتحل الى بَلَده فَمَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة سبعين وَألف وَقد تقدم ذكر وَلَده أَحْمد

يحيى بن عمر المنقارى الرومى شيخ الاسلام وعلامة الْعلمَاء الاعلام صَاحب التَّقْرِير والتحرير الراقى بعلو جده رُتْبَة الْفلك الاثير أَخذ بالروم فنون الْعلم عَن أكَابِر علمائها مِنْهُم شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم الْمُفْتى وَتمكن من التَّحْقِيق كل التَّمَكُّن وأحرز من أول أمره فى الْفضل كَمَال التعين ثمَّ لَازم على دأبهم ودرس بمدارس قسطنطينية وَولى المناصب الْعلية مِنْهَا قَضَاء مصر وَليهَا فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وأعبد اليها مرّة ثَانِيَة وَعقد بهَا درسا بِمَجْلِس الحكم فى تَفْسِير البيضاوى وحضره أكَابِر علمائها وأذعنوا لَهُ بالتحقيق الذى لَيْسَ لَهُ فِيهِ مساوى ومدحه فضلاؤها بالاشعار الرائقة وخلدوا مآثره فى صحف محامدهم الفائقة مِنْهُم المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الحموى حَيْثُ قَالَ فِيهِ

(قد شرفت مصر بِرَبّ الحجى

الْعَالم التَّحْرِير متقارى)

(وَالنَّاس فى تمداحه أَصْبحُوا

من كَاتب ينشى وَمن قارى)

وَقَالَ فِيهِ أَيْضا

(اذا ذكر التَّحْقِيق فى فصل مُشكل

فيحيى الذى تثنى عَلَيْهِ الخناصر)

(وان ذكر الْمَعْرُوف والحلم والندى

فَذَاك لَهُ مِنْهُ حَلِيف وناصر)

(بِهِ الله أَحْيَا مَا انطوى من معارف

رفاتا غَدَتْ أجداثهن الدفاتر)

ثمَّ تولى قَضَاء مَكَّة ودرس فِيهَا فى الْمدرسَة السليمانية فى تَفْسِير البيضاوى أَيْضا وحضره أَكثر الْعلمَاء وَطلب من الشَّمْس البابلى ان يحضر درسه هُوَ وطلبته فَحَضَرُوا فشرع يُقرر من أول سُورَة مَرْيَم وأتى بالعجب العجاب مِمَّا يدل على انه أَخذ من الْفُنُون بلب اللّبَاب مَعَ حسن التأدية وَالتَّعْبِير وسعة الملكة ولطف التَّقْرِير ثمَّ ولى بعد ذَلِك قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَنقل من قَضَاء الْعَسْكَر الى منصب الْفَتْوَى فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَقبل فى تَارِيخ تَوليته شيخ الاسلام وَسَار أحسن سير مَعَ التعفف وَحسن السيره وسلامة النَّاحِيَة والسريره وراجت فى زَمَنه بضَاعَة الافاضل وَرغب النَّاس فى تَحْصِيل المعارف والفضائل وَكَانَ دأبه المطالعة والمذاكره فَلَا يُوجد الا مُسْتَعْملا لَهما

ص: 477

المبادره وَألف تآليف عديدة فى فنون شَتَّى مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى وحواش على حَاشِيَة ميرابى الْفَتْح على شرح آدَاب الْبَحْث وَله رِسَالَة فى الْكَلَام على قَوْله سبحانه وتعالى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} سَمَّاهَا الِاتِّبَاع فى مسئلة الِاسْتِمَاع وانتهت اليه الرياسة فى عصره بالعلوم وحظى حظوة لم يحظها أحد مثله عِنْد ملك الرّوم ثمَّ اعتراه ريح فى يَده الْيُمْنَى أبطل حركتها وعالجها مُدَّة فَلم يفد علاجها فَكَانَ ذَلِك سَببا لعزله عَن الافتاء وَأمر بالاقامة ببستانه الْمَعْرُوف بِهِ ببشكطاش وَأقَام ثمَّة معزولا الى ان مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن باسكدار فى مَكَان عينه فى وَصيته وَأوصى ان يعمر عِنْده مدرسة فنفذ ابْنه وَصيته بعد مَوته وَقيل فى تَارِيخ مَوته رَحمَه الله تَعَالَى

(فرحمة رَبنَا ارخ

تؤم الحبر منقارى)

يحيى بن عِيسَى الكركى من كرك الشويك وَيُقَال السلطى الملحد الزنديق كَانَ رجلا اسود خَفِيف العارضين قيل انه سَافر الى مصر فى طلب الْعلم وكانه عَاشر بعض الْمَلَاحِدَة فَغلبَتْ عَلَيْهِ اعتقادات فَاسِدَة وَبث فِيهَا شَيْئا من اعتقاداته حَتَّى ضرب ثمَّة ثمَّ انْتقل الى الكرك وَأخذ يسْعَى على ترويج أمره فَكَانَ يكْتب أوراقا مشحونة بالفاظ الْكفْر ويرسلها من الكرك الى عجلون وَكَانَ بعجلون رجل من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة يُقَال لَهُ عبد الله بن المدله فَلَمَّا شَاهد مَا كتبه يحيى الْمَذْكُور استشاط وثار وأخذته الْغيرَة الدِّينِيَّة فَأرْسل اليه من جَانب حَاكم الْبِلَاد الامير حمدَان ابْن الامير فَارس بن ساعد الغزاوى فَلَمَّا وصل الى عجلون ادّعى عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد الله الْمَذْكُور فأدبه القاضى بِضَرْب خَمْسمِائَة سَوط على رجلَيْهِ وعَلى بدنه وَرجع الى مقره فى بِلَاد الكرك فَأخذ أهل الكرك يشنعون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ لَهُ لَوْلَا الحادك مَا ضربك القاضى فان كنت تريدا غماض الْعين عَنْك وَترك التَّعَرُّض لَك فَاذْهَبْ الى دمشق واستكتب علماءها على كلامك هَذَا بانه من قَوَاعِد أهل الايمان وَكَانَ قبل ذَلِك يراسل الشَّيْخ شمس الدّين الميدانى من عُلَمَاء دمشق بالثناء عَلَيْهِ ثمَّ بَث اعتقاداته القبيحة ويقوله لَهُ اريد ان تكون نصيرى ووزيرى حَتَّى أظهر الدّين وَكَانَ الميدانى يكتم تِلْكَ الرسائل وَيَقُول لَعَلَّه مَجْنُون أَو جَاهِل ثمَّ دخل دمشق وَسكن الْقبَّة الطَّوِيلَة بمحلة القبيبات وَاجْتمعَ بعوام هوَام لَا يفرقون بَين الصَّحِيح والمعتل وَلَا يميزون بَين المنتظم والمختل وَشرع يكْتب أوراقا مُشْتَمِلَة على عِبَارَات فَاسِدَة

ص: 478

التَّرْكِيب مختلة الْمَعْنى وَالتَّرْتِيب لَا لفظ لَهَا وَلَا معنى وَلَا سَاكن فى حيها وَلَا معنى وَرُبمَا تشْتَمل الصَّحِيفَة مِمَّا يَكْتُبهُ على مكفرات عديده وموجبات للردة جَارِيَة عَن فكرة لَيست بسديده وخاض فى ذَلِك حَتَّى غرق فى بَحر الضلاله وَجعل الشَّيْطَان كفره لَهُ حباله فَمن جملَة مَا كتب وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى انه صعد الى الْعَرْش وانه شَاهد الله تَعَالَى وَشَاهد فَوْقه الله أعظم ثمَّ شَاهد تَحْتَهُ الله غَيرهمَا فَصرحَ بالاشراك وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَكتب الْخضر عليه السلام أَخطَأ فى خرق السَّفِينَة وان الذى اعْترض عَلَيْهِ أَجْهَل مِنْهُ وَحمل عَنهُ بعض الطّلبَة رِسَالَة من رسالاته فِيهَا كثير من ضلالاته وَهُوَ غير مُنكر عَلَيْهِ فِيهَا بل أَتَى بهَا الى الشهَاب العيثاوى يقرظها ويزكيها وَكَانَ الكركى قبل ذَلِك بِيَوْم وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وَألف قد حضر الى الْجَامِع الاموى وَعقد مَجْلِسا اجْتمع عَلَيْهِ فِيهِ كثير بَث فيهم ضلالاته فَحمل الى قاضى الْقُضَاة السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد برهَان الدّين فَأمر بِوَضْعِهِ فى البيمارستان ثمَّ ذهب الشَّمْس الميدانى فى الْيَوْم الثانى الى قاضى الْقُضَاة لمذكور وَعرض عَلَيْهِ رِسَالَة كَانَ بعثها الكركى اليه من عجلون مُشْتَمِلَة على الْحَط من مقَام النبى

وعَلى لعن الشَّيْخ تقى الدّين الحصنى وَشتم الْعلمَاء ودعاوى فَاسِدَة واعتقادات مكفرة فَدَعَا قاضى الْقُضَاة الكركى اليه لَيْلًا وَسَأَلَهُ عَن الرسَالَة فاعترف بهَا وانها بِخَطِّهِ وَذكر انه تكلم بذلك فى وَقت الْغَيْبَة وفى اثناء ذَلِك وصلت الرسَالَة الاخرى الى العيثاوى وهى بِخَطِّهِ أَيْضا فى سنة أَو سَبْعَة كراريس وَكَانَت مُشْتَمِلَة على الطعْن فى الدّين وَأَهله وعَلى انكار وجود الصَّانِع جلّ وَعلا وَفعله بل على سبّ رب الْعَالمين وتجهيل الانبياء وَالْمُرْسلِينَ صَلَاة الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ والحط من مقامات الْعلمَاء والانحراف عَن طَريقَة الْحُكَمَاء تَارَة يدعى فِيهَا الْحُلُول والاتحاد وَتارَة يعْتَقد حل مَا فى ايدى الْعباد وَتارَة يعْتَقد التناسخ والانتقال وَتارَة يصف بِالْعَجزِ والحيرة الْكَبِير المتعال وَتارَة يشْتم أول الامه وَتارَة يُنكر الْفضل وَالرَّحْمَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك دَاعِيَة ضلاله ودجال بِأَمْر بالجهاله والعوام اتِّبَاع كل دجال لَا يفرقون بَين هداة وضلال فثار الْعلمَاء بِدِمَشْق لذَلِك وتحزبوا واجتمعوا لازالة هَذَا الْخَبيث وانتدبوا ثمَّ ذهب مِنْهُم أَولا الى القاضى الشهَاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى وَالْحسن البورينى والنجم الغزى والقاضى تَاج الدّين التاجى فبادر القاضى لِلْخُرُوجِ

ص: 479

اليهم وَقَالَ لَهُم وَالله لقد أزلتم عَنى كربَة بت فِيهَا وشبهة قَامَت عندى أَسَأْت بهَا الظَّن فى عُلَمَاء هَذِه الْبَلدة فانى تَأَمَّلت كفريات هَذَا الملعون واعلانه بهَا وَقد قبضت عَلَيْهِ واستودعته البيمارستان دون السجْن خوفًا ان تغلب علينا الْعَامَّة وتستخرجه خُصُوصا وَقد بلغنى ان بعض اكابر الْجند واشقاهم يَعْتَقِدهُ وَقلت فى نفسى سُبْحَانَ الله أكون فى مَدِينَة دمشق وَتَقَع لى هَذِه الْحَادِثَة وَلَا اجد فِيهَا من يساعدنى على انكارها ويعضدنى فى دفع ضَلَالَة هَذَا الْخَبيث وَأَنْتُم الْآن بحضوركم قد أزلتم عَنى العبئ الذى أثقلنى والشبهة الَّتِى اساءت فى الْعلمَاء اعتقادى ثمَّ حضر بَقِيَّة عُلَمَاء مِنْهُم مفتى الشَّام عبد الله البخارى والخطيب يحيى البهنسى ومفتى الْحَنَابِلَة الشهَاب أَحْمد الوفائى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن الغزال رَئِيس الاطباء وَالشَّيْخ مُحَمَّد الحزرمى وَالشَّيْخ حليمى مدرس الجقمقيه فى آخَرين فَلَمَّا تَكَامل الْمجْلس أَمر بالضال فَاحْضُرْ فى الاغلال وَقَامَ الشَّيْخ الميدانى اليه وبادر فَادّعى عَلَيْهِ فاعترف بِمَا ادّعى بِهِ وَلم يُنكر سَببا من اسبابه فاتفق أهل الْمجْلس على اكفاره وَحكم القاضى باراقة دَمه بعد تحقق اصراره وَكتب سجلا بِمحضر من الْعلمَاء وجم غفير من النَّاس وَأرْسل مَا كتب الى الْوَزير الْحَافِظ ليأمر بقتْله حذرا من الْفِتْنَة والباس فَوَقع الْوَزير بقتْله واشار بتطويفه كَمَا يفعل بِمثلِهِ وَحضر عِنْد القاضى أعوان الوالى وَأَرَادُوا تشهيره فى الْبَلَد فَأَشَارَ بعض الْعُقَلَاء بانه رُبمَا تظاهر بعض الْعَوام بتخليصه فَيَقَع الْخِصَام واللدد فالاولى ان يهرق دَمه عِنْد مجْلِس الشَّرْع الشريف ليظْهر بذلك ان سيف الشَّرِيعَة طائل الوقع لاهل الضلال والتحريف فَضربت عُنُقه بِفنَاء المحكمة وأطفئت نَار ضلالته الْمظْلمَة وَكَانَ ذَلِك يَوْم الثلاثا الثَّامِن من ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وطمس قَبره حافة نهر قليط فى حُدُود مَقْبرَة بَاب الصَّغِير وَقَالَ النَّجْم الغزى مؤرخا لمهلكه

(لقد لقى الشقى يحيى الكركى مهْلكا

جَاءَ دمشق ليضل أَهلهَا فأهلها)

(فَقلت فى تَارِيخ قَطعك عنق يحيى مُشْركًا

)

وَقَالَ الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى

(وَلما أَن طَغى الزنديق يحيى

بِدَعْوَى انه الرب اللَّطِيف)

(اتى فى قَتله تَارِيخ صحب

دم الدَّجَّال اهدره الشريف)

يحيى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الاصيلى المصرى الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُود ذكره

ص: 480

الخفاجى فى كِتَابيه واثنى عَلَيْهِ كثيرا وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فى مَجْمُوع الاخ الْفَاضِل الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله وَلست ادرى لمن هى قَالَ فِيهَا شَاعِر ناط شعره بالشعرى وقلد جيد الدَّهْر درا فَسَماهُ شعرًا مَعَ رقة طبع وخفة روح ودمائه اخلاق توسى بهَا الجروح ومجون يسلب الْحَكِيم ثوب وقاره وينسى الخليع كأس عقاره وَتعلق بفنون الالحان يُدِير بهَا من سلاف الطَّرب مَا يهزأ بسلاف الحان يهزأ اتِّفَاق نظامه بِالْعقدِ الثمين وتتلو ألسن سامعيه ان هَذَا الا سحر مُبين كم فصل ببيانه من الادب مُجملا

(ألذ من السلوى وَأطيب نفحة

من الْمسك مفتونا وأيسر محملًا)

وَلم يزل موفور الجاه بالديار المصرية لَا سِيمَا عِنْد الْمَشَايِخ البكرية حَتَّى قصد الْحَج لاداء الْفَرْض وطوى لمشاهدة تِلْكَ الْمشَاهد مهامه الارض فَلَمَّا قضى مَنَاسِكه وتفثه وَلم من وعثاء السّفر شعثه طافت بِهِ الْمنية طَوَافه بِتِلْكَ البنيه فانتقل من جوَار بَيت الله وَحرمه الى مقرّ رَحمته وَكَرمه ولد بدمياط وَبهَا نَشأ ثمَّ هَاجر الى مصر فَتخرج بِالنورِ العسيلى حَتَّى حلا فى ذوقه شهد آدابه وتزينت حقاق افكاره بفرائد خطابه وَكَانَ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ويقرط بِصَوْتِهِ الْحسن الآذان وَكَانَ فَردا فى فنون الْغناء والطرب فاذا ترنم أسكر فى مجَالِس الانس ابْنة الْعِنَب فيميت الهموم وَيبْعَث الابدان فتخاله نسيم الصِّبَا وَالنَّاس اغصان وَله شعر يروق السَّامع والناظر ويحسد ازهاره الرَّوْض الناضر فَمِنْهُ قَوْله

(لى فى الْمحبَّة عَن ملام العاذل

بِجَمَال من أهواه أشغل شاغل)

(أغرت عيونى بالسهاد وانما

دمعى الذى أضحى بِوَصْف السَّائِل)

(ان غردت قمرى الحمائم جددت

شوقا أهاج من الغرام بلابلى)

(بأبى غزال ارْض نجد دَاره

لَكِن لواحظه عزين لبابل)

(لدن المعاطف رق مرشف ثغره

فاعجب لَهُ من ذابل فى ذابل)

(ولحاظه حفت بأصداغ فيا

لله من سيف سَطَا بحمائل)

(تتطاول الاغصان تحكى قده

والى التناهى مرجع المتطاول)

(أعيا الفصيح بنبت عَارضه فَقل

قس الفصاحة من أُسَارَى بَاقِل)

وَله فِيمَن اسْمهَا شمس الضُّحَى موريا

(لما وفت شمس الضُّحَى

لى موعدى وشفت غليلى)

ص: 481

(شاهدت أى عَجِيبَة

شمس الضُّحَى عِنْد الاصيلى)

وَله فى عرب العشير وأجاد فى التورية

(عَن العشير أبعد وَكن سالما

وَكن فَتى بالبعد عَنْهُم مشير)

(عاشرت مِنْهُم وَاحِدًا خاننى

عهدى وميثاقى فبئس العشير)

وَله فى مليح يعرف بالمنهلى

(يناديك حب المنهلى اذا بدا

تنقل فلذات الْهوى فى التنقل)

(وَقَالَت لنا أَصْحَابه دع مقاله

ورد كل صَاف لَا تقف عِنْد منهل)

وفى تَذكرته قَالَ كُنَّا بِخِدْمَة الاستاذ مُحَمَّد البكرى قدس سره بِمَنْزِلَة ببولاق انا وَجَمَاعَة من فقرائه وذوى ولائه فَأرْسل لكل وَاحِد حِصَّة من الرُّمَّان وَكنت قد ظَهرت من الْمنزل لقَضَاء الْحَاجة فَلَمَّا حضرت أخْبرت بذلك فَكتبت اليه

(مولاى يَا أكْرم الانام وَمن

بحار جدوى نداه منصبه)

(قد جَاءَ رمانك الورى جملا

وَالْعَبْد مَا جَاءَهُ وَلَا حبه)

فَأرْسل مِنْهُ جملَة وافرة وَكتب مجيبا

(نأمر بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان بِمَا

يفِيض مِنْهُ غيث العطا صبه)

(فَلَيْسَ هَذَا الْفَقِير يعرف من

أَتْبَاعه مثلكُمْ غادصيه)

(فاعذر وَلَا عتب فى الْحساب على

مُخطئ محبوبه وَلَا حبه)

فَانْظُر الى قَوْله نامر بِالْقَلْبِ فانه رمان ثمَّ قَالَ لى احتفظ بِهَذِهِ الْوَقْعَة فان لَك فِيهَا غَايَة الرّفْعَة وهى تشهد باعترافى بأنى لَا أعرف أحدا من اتباعى يحبنى كمحبتك ويودنى كمودتك وَقَالَ أَيْضا كنت أَنا وَشَيخنَا الْعَلامَة نور الدّين العسيلى جالسين عِنْده وَقد ذكر فى الْمجْلس جمَاعَة من أفاضل الدَّهْر وادباء الْعَصْر توفوا فى مُدَّة قريبَة كالعلامة الفارضى والشهاب السيفى والبرهان البلط وخلائق لَا يُحصونَ فانشد بديهة

(أَقُول وَقد قيل لى كم مضى

أديب لَهُ حسن نظم جليل)

(دعوا كل ذى أدب ينقضى

وَيحيى العسيلى وَيحيى الاصيلى)

وَمن شعره مَا كتبه مقرظا على نظم فى الْعَرَبيَّة لبَعض الْفُضَلَاء سَمَّاهُ الاشارات فَقَالَ فِيهِ

(ان الاشارات للْعلم الْعَزِيز حوت

وحازت الرّفْع مثل الْمُفْرد الْعلم)

ص: 482

(وان تقل مادحا فى نعتها كلما

ففى الاشارات مَا يغنى عَن الْكَلم)

وَقَالَ اقترح على مَوْلَانَا الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد السبفى المالكى ان أنظم بَيْتَيْنِ من بَحر المديد عِنْدَمَا وصلت فى الْقِرَاءَة عَلَيْهِ الى هَذِه الْموضع من ابْن الْحَاجِب وَشَرحهَا لِابْنِ وَاصل فَقَالَ

(وجنود المحبوب ذَات احمرار

من لظى الْقلب اسْتعَار اسْتعَار)

(فَلهَذَا صَار قلبى كليما

حَيْثُ من خديه آنست نَارا)

وَقَالَ فى كتاب الى الشريف حسن بن أَبى نمى

(أيد الله تَعَالَى سيدا

كَامِلا فى سره والعلن)

(بدر فضل أشرقت أنواره

من ذرى الشَّام لاقصى الْيمن)

(من حوى رق المزايا العلى

وشرى الْمجد بأغلى ثمن)

(مجده من ذَاته من أَصله

حسن فى حسن فى حسن)

وَقَالَ من قصيدة يمدح بهَا الاستاذ مُحَمَّد البكرى

(أَلا ان لى يَا آل صديق أَحْمد

لشمس هدى مِنْكُم بِهِ الكرب ينجلى)

(فلى مِنْهُ أستاذ ولى مِنْهُ مرشد

ولى مِنْهُ قطب ذُو اتِّصَال ولى ولى)

هَذَا نوع من البديع سَمَّاهُ ابْن الوردى ايهام التَّأْكِيد وَزعم انه ابتدعه وَمثله قَول ابْن مكناس

(نعم نعم محضتهم

صدق الولا تطولا)

(ومارعوا عهدا وَلَا

مَوَدَّة وَلَا وَلَا)

وَقَوله

(أتيت جنينة أستاذنا

وَقد جمعت كل معنى كمل)

(بهَا أى ورد وآس بِهِ

تفرق شَمل عداهُ وفل)

الفل نوع من الياسمين بلغَة أهل الْيمن ذكى الرَّائِحَة وَلم يذكرهُ أهل اللُّغَة وَلَعَلَّه مولد وَسَماهُ ابْن البيطار فى مفرداته النمارق وَكتب الى مُحَمَّد الصالحى يَسْتَأْذِنهُ فى الدُّخُول عَلَيْهِ لانه كَانَ شَدِيد التوحش

(على الْبَاب من كَاد من شوقه

يَمُوت وَذَلِكَ يحيى الاصيلى)

(أَتَى يتَغَنَّى بأوصافكم

فَهَل تأذنون لَهُ فى الدُّخُول)

فَأَجَابَهُ

(لمولاى يحيى رَقِيق الطباع ولطف السماع وَحسن الْقبُول)

(أمولاى هَل خَارج صوتكم

لتحتاج للاذن وَقت الدُّخُول)

وَهَذَا كَقَوْل الجزار حَيْثُ قَالَ

ص: 483

(أمولاى مَا من طباعى الْخُرُوج

وَلَكِن تعلمته فى خمولى)

(أتيت لبابك أَرْجُو الْغِنَا

فأخرجنى الضَّرْب عِنْد الدُّخُول)

الدُّخُول عِنْد المولدين حسن الصَّوْت الجارى على قانون الموسيقى وضده الْخُرُوج وَالضَّرْب النقرات الْمُسَمَّاة بالاصول وَبِهَذَا يَتَّضِح حسن الايهام فى الشّعْر الْمَذْكُور وَله أَيْضا

(قيل لى ان فلَانا

قد تَعَالَى وتكبر)

(وَلمن قد سَاءَ رَأس

قلت لَا بل رَأس منسر)

وَقَوله

(مذبان من أَهْوى هَمت

عينى بِمَاء منهمر)

(نقلت للقلب اذا

لم تلف صبرا فاستعر)

وَقَوله

(رب قَاض قبل الرِّشْوَة لما أَن تملك

)

(قَالَ للظالم انى

سأنجيك وَأهْلك)

وَله

(رِسَالَة من لطفها أشبهت

ريح الصِّبَا مرت بزهر الرِّبَا)

(وَلم يزل مَا بَين أهل الْهوى

رسائل العشاق ريح الصِّبَا)

وَقَوله

(وبى عروضى اذا

أبصره الْبَدْر احتجب)

(أعطافه لصبه

فاصلة بِلَا سَبَب)

وَله

(يَا ذَا العروضى الذى

أضحى بسيط الْحسن كَامِل)

(وَعَن ابْن قطاع روى

هلا رويت عَن ابْن وَاصل)

وَقَوله

(من منصفى من شادن

بَيت الْمَظَالِم بَيته)

(أخفيه خشيَة بأسه

وأود لَو سميته)

وَمِنْه قَول السراج الْوراق

(رزقت بِنْتا ليتها لم تكن

فى لَيْلَة كالدهر قضيتها)

(فَقيل مَا سميتها قلت لَو

مكنت مِنْهَا كنت سميتها)

قَالَ الخفاجى وَخَطأَهُ بعض الادباء إِنَّه انما يُقَال من السم سممتها وَهُوَ لحن وَاعْتذر عَنهُ بِأَنَّهُ ايهام النورية فالمخطئ مُخطئ فيغتفر فِيهِ مثله وَأَصله سممتها من التفعيل وَمثله لتوالى الافعال فِيهِ يُبدل ثَالِث حرف مِنْهُ بِحرف عِلّة وهى الْيَاء يُقَال فى تقضض البازى تقضى وَقد قَالَ بعض النُّحَاة انه مطرد وَكتب لخاله شغر الاسكندرية يَقُول

(لخالى فى الاسكندرية رَغْبَة

وَمن بعده قد حَال لى فى الْهوى حَال)

ص: 484

(فان يَك أضحى ثغرها موطنا لَهُ

فيا حبذا فى ذَلِك الثغر لى خَال)

واشعاره كلهَا من هَذَا النمط عَلَيْهَا مسحة الْحَلَاوَة وَكَانَت وَفَاته لثلاث خلون من الْمحرم سنة عشر بعد الالف بِمَكَّة كَمَا تقدم والاصيلى نِسْبَة لاصيل الدّين أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَيُّوب

يحيى بن مُحَمَّد بن الْقسم الملقب شرف الدّين بن شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن المنقار الدمشقى الْفَقِيه الحنفى كَانَ فَقِيها يستحضر فقه الْحَنَفِيَّة أحسن استحضار ويحفظ نقُوله وفصوصه وَكَانَ عَجِيب الْحَال فى الْمسَائِل الَّتِى تقع لَهُ فِيهَا الْخُصُومَة خُصُوصا مَعَ أَبِيه ثمَّ مَعَ أَقَاربه وَكَانَ مغاضبا لابيه خَارِجا عَن طَاعَته وَكَانَ أَبوهُ شَدِيد الْغَضَب مِنْهُ كثير الْحَط عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ اذا ذكر أَبَاهُ يذكرهُ بِلَفْظ الشَّيْخ وَيذكر بعض مساويه مسكنة وأناة وَكَانَ أهل دمشق يرَوْنَ انه مسلط عَلَيْهِ قصاصا عَن تشدده على النَّاس واطلاق لِسَانه فيهم وَذهب أَبوهُ مرّة الى القاضى بِدِمَشْق وَسَأَلَهُ ان يحضر وَلَده ويعزره فَأحْضرهُ وعزره بَين يَدَيْهِ وسافر يحيى بِسَبَب ذَلِك الى الرّوم وَرمى نَفسه فى أُمُور مهلكة حَتَّى وصل خَبره الى السُّلْطَان وَعرضت عَلَيْهِ قصَّته ثمَّ آل أمره الى انه استخرج حكما دفتر يَا ان بَرَاءَة أَبِيه فى الجوالى لَا قيد لَهَا وانها مفتعلة وأوصل الحكم الى دفترى الشَّام فَحصل بَينه وَبَين أَبِيه فتْنَة عَظِيمَة ثمَّ لما مَاتَ أَبوهُ عَاشَ مَعَ أَقَاربه عيشة مكدرة وَكَانَت عيشته مَعَ زَوجته وهى بنت عَمه أَشد نكرا وكدرا حَتَّى أَبَانهَا من عصمته ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العزية فى الشّرف الاعلى غربى دمشق وَولى النّظر على الْمدرسَة المردانية وَحج مرَّتَيْنِ الثَّانِيَة مِنْهُمَا فى سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وَرجع مستضعفا ثمَّ لم يزل على ذَلِك وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يقوم وَيقْعد وَيظْهر التجلد وَالْقُوَّة الى ان مَاتَ يَوْم الاربعاء ثَالِث شهر ربيع الاول سنة تسع عشرَة وَألف وَدفن من الْغَد فى الْمدرسَة المردانيه بِوَصِيَّة مِنْهُ

يحيى بن مُحَمَّد بن نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الايجى الدمشقى قاضى الْقُضَاة الْفَاضِل الشريف الحسيب كَانَ من فضلاء زَمَانه أديبا مطبوعا لطيف الطَّبْع خلوقا اشْتغل بِدِمَشْق على وَالِده وَغَيره من الافاضل ثمَّ رَحل الى قسطنطينية فى أَيَّام شبابه وقطن بهَا ولازم ودرس وأحبه صدورها وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ لما فِيهِ من الاهلية حَتَّى تزوج بابنة شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين وسما حَظه وَلم يزل ينْتَقل فى الْمدَارِس الى ان وصل الى السليمانية ثمَّ ولى قَضَاء الْقُدس وَقدم الى دمشق ونال اقبالا من

ص: 485

علمائها وصدورها لدماثة اخلاقه واعتنوا بِهِ كثيرا ومدحوه وَمن مادحيه الامير المنجكى حَيْثُ يَقُول فِيهِ

(من ترى يملك وَصفا لامرئ

قلد الْمِنَّة أَعْنَاق السماح)

(ذَاك يحيى من بِهِ يحيا العلى

ولناديه غدوى ورواحى)

(حَامِل نشر ثنائى فى الورى

عنبر اللَّيْل وكافور الصَّباح)

ثمَّ نقل من قَضَاء الْقُدس الى قَضَاء مَكَّة وَرجع مِنْهَا وَتوجه الى الرّوم فأدركه أَجله اثر وُصُوله وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى

يحيى بن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى أَبُو زَكَرِيَّا النايلى الشاوى الملبانى الجزائرى المالكى شَيخنَا الاستاذ الذى ختمت بعصره أعصر الاعلام وأصبحت عوارفه كالاطواق فى أجياد الليالى والايام الْمُقَرّر براهين التطبيق بتوحيده فَلَا تمانع فِيهِ الا من معاند علم مرجعه عَن الْحق ومحيده آيَة الله تَعَالَى الباهرة فى التَّفْسِير والمعجزة الظَّاهِرَة فى التَّقْرِير والتحرير من روى حَدِيث الفخار مُرْسلا وَنقل خبر الفخار مرتلا وَهُوَ فى الْفِقْه امامه وَمن فَمه تُؤْخَذ أَحْكَامه وَأما الاصول فَهُوَ فرع من علومه والمنطق مُقَدّمَة من مُقَدمَات مَفْهُومه وان أردْت النَّحْو فَلَا كَلَام فِيهِ لَاحَدَّ سواهُ وان اقترحت الْمعَانى وَالْبَيَان فهما انموذج مزاياه اذا استخدم الْقَلَم أبدى سحر الْعُقُول وان جرت الْحُرُوف على وفْق لِسَانه وفْق بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول واذا نَاظر عطل من مجاريه مجارى الانفاس واستنبط من بَيَان مَنْطِقه علم الجدل وَالْقِيَاس وَبِالْجُمْلَةِ فتقصر همم الافكار عَن بُلُوغ أدنى فضائله وتعجز سوابق الْبَيَان عَن الْوُصُول الى أَوَائِل فواضله ولد بِمَدِينَة ملبانه وَنَشَأ بِمَدِينَة الجزائر من أَرض الْمغرب وَقَرَأَ بهَا وبملبانة بَلَده على شُيُوخ أجلاء صالحين مِنْهُم الْعَلامَة الْمُحَقق سيدى الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بهْلُول وَالشَّيْخ سعيد مفتى الجزائر وَالشَّيْخ على بن عبد الْوَاحِد الانصارى وَالشَّيْخ مهدى وَغَيرهم وروى عَنْهُم الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهمَا من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للافادة بِبَلَدِهِ وَكَانَت حافظته مِمَّا يقْضى مِنْهَا بالعجب وَقدم مصر فى سنة أَربع وَسبعين ألف قَاصد الْحَج فَلَمَّا قضى حجه رَجَعَ الى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بِهِ فضلاؤها وَأخذُوا عَنهُ وروى هُوَ من علمائها كالشيخ سُلْطَان وَالشَّمْس البابلى والنور الشبراملسى وأجازوه بمروياتهم ثمَّ تصدر للاقراء بالازهر واشتهر بِالْفَضْلِ وحظى عِنْد أكَابِر الدولة وَاسْتمرّ

ص: 486

على الْقُرَّاء مُدَّة قَرَأَ فِيهَا مُخْتَصر خَلِيل وَشرح الالفية للمرادى وعقائد السنوسى وشروحها وَشرح الْجمل للخونجى لِابْنِ عرفه فى الْمنطق ثمَّ رَحل الى الرّوم فَمر فى طَرِيقه على دمشق وَعقد بِجَامِع بنى أُميَّة مَجْلِسا اجْتمع فِيهِ علماؤها وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام وتلقوه بِمَا يجب لَهُ ومدحه شعراؤها واستجاز مِنْهُ نبلاؤها ثمَّ توجه الى الرّوم فَاجْتمع بِهِ أكَابِر الموالى وَبَالغ فى اكرامه شيخ الاسلام يحيى المنقارى والصدر الاعظم الْفَاضِل وَحضر الدَّرْس الذى تَجْتَمِع فِيهِ الْعلمَاء للبحث بِحَضْرَة السُّلْطَان فبحث مَعَهم واشتهر بِالْعلمِ ثمَّ رَجَعَ الى مصر مجللا مُعظما مهابا موقرا وَقد ولى بهَا تدريس الاشرفية والسليمانية والصرغتمشية وَغَيرهَا وَأقَام بِمصْر مُدَّة ثمَّ رَجَعَ الى الرّوم فأنزله مصطفى باشا وَصَاحب السُّلْطَان فِي دلره وَكنت الْفَقِير إِذْ ذك بالروم فَالْتمست مِنْهُ الْقِرَاءَة فَأذن فشرعت أَنا وَجَمَاعَة من بلد تنا دمشق وَغَيرهَا مِنْهُم الاخ الْفَاضِل أَبُو الاسعاد بن الشَّيْخ أَيُّوب وَالشَّيْخ زين الدّين البصرى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المجلد وَالسَّيِّد أَبُو الْمَوَاهِب سبط العرضى الحلبى فى الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فقرأنا تَفْسِير سُورَة الْفَاتِحَة من البيضاوى مَعَ حَاشِيَة العصام ومختصر الْمعَانى مَعَ حَاشِيَة الْحَفِيد والخطائى والالفية وَبَعض شرح الدوانى على العقائد العضدية وأجازنا جَمِيعًا باجازة نظمها لنا وَكَانَ مَا كتبه لى هَذَا الْحَمد لله الحميد وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الطَّاهِر الْمجِيد وعَلى آله أهل التمجيد

(أجزت الامام اللوذعى المعبرا

أَمينا امين الدّين روحا مصورا)

(سليل محب الدّين بَيت هِدَايَة

وَبَيت منار الْعلم قدما تقررا)

(باقرائه متن البخارى الذى بِهِ

تقاصر عَنهُ من عداهُ وقصرا)

(موطا شِفَاء والشفاء لمُسلم

اذا مُسلما تقريه حَقًا تصدرا)

(وباقى رجال النَّقْل حَقًا مُبينًا

وَتَفْسِير قَول الله فى الْكل فررا)

(أجزت الْمُسَمّى الْبَدْر فى الشَّرْع كُله

كَمَا صَحَّ لى فاترك مراه تكدرا)

(وَعلم كَلَام خالى عَن أكاذب الفلاسفة الضلال وَالْعدْل نكرا

)

(أَقُول لكل فلسفى يدينه

أَلا لعنة الرَّحْمَن تعلو مزورا)

(أجبريل فلك عَاشر يَا عداتنا

أعادى شرع الله نلتم تحيرا)

(بأى طَرِيق قُلْتُمْ عشر عشرَة

وَنفى صِفَات وَالْقَدِيم تحجرا)

(حكمتم على الرَّحْمَن حجرا محجرا

ومنعكم خلق الْحَوَادِث دمرا)

ص: 487

(أبرى الحبيب اللوذعى عَن الردى

مجَازًا بدين الشَّرْع كلا محررا)

(وَلَكِن عَلَيْهِ النصح وَالْجد والتقى

وان ناله آمُر الْقَضَاء تصبرا)

(حماه اله الْعَرْش من كل فتْنَة

ونجاه من أسواء سوء تسترا)

(وصل وَسلم بكرَة عَشِيَّة

على من بِهِ أَحْيَا الْقُلُوب تحيرا)

ثمَّ رَجَعَ الى مصر وَصرف أوقاته الى الافادة والتأليف وَله مؤلفات عديدة فى الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا حَاشِيَة على شرح ام الْبَرَاهِين للسنوسى نَحْو عشْرين كراسا ونظم لامية فى اعراب الْجَلالَة جمع فِيهَا أقاويل النَّحْوِيين وَشَرحهَا شرحا حسنا أحسن فِيهِ كل الاحسان وَله مؤلف صَغِير فى اصول النَّحْو جعله على اسلوب الاقتراح للسيوطى أَتَى فِيهِ بِكُل غَرِيبَة وَجعله باسم السُّلْطَان مُحَمَّد وقرظ لَهُ عَلَيْهِ عُلَمَاء الرّوم مِنْهُم الْعَلامَة المنقارى قَالَ فِيهِ لَا يخفى على النَّاقِد الْبَصِير ان هَذَا التَّحْرِير كنسج الْحَرِير مَا نسج على منواله فى هَذِه العصور تَنْشَرِح بمطالعته الصُّدُور وَله شرح التسهيل لِابْنِ مَالك وحاشية على شرح المرادى وَكَانَ لَهُ قُوَّة فى الْبَحْث وَسُرْعَة الاستحضار للمسائل الغريبة وبداهة الْجَواب لما يسئل عَنهُ من غير تكلّف ومحاضرة بديعة وسافر فى آخر أمره الى الْحَج بحرا فَمَاتَ وَهُوَ فى السَّفِينَة فى يَوْم الثلاثا عشرى شهر ربيع الاولى سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَأَرَادَ الملاحون القاءه فى الْبَحْر لبعد الْبر عينهم فَقَامَتْ ريح شَدِيدَة قطعت شراع السَّفِينَة فقصدوا الْبر وأرسوا بمَكَان يُقَال لَهُ رَأس أَبى مُحَمَّد فدفنوه بِهِ ثمَّ نَقله وَلَده الشَّيْخ عِيسَى بعد بُلُوغه خَبره الى مصر وَدَفنه بهَا بالقرافة الْكُبْرَى بتربة السَّادة الْمَالِكِيَّة وَوصل الى مصر وَلم يتَغَيَّر جسده وَاتفقَ انه لما أرسل وَلَده بعض الْعَرَب ليكشف لَهُ عَنهُ الْقَبْر ويأتوا بِهِ اليه تاهوا عَن قَبره فاذا هم بِرَجُل يَقُول لَهُم مَا تُرِيدُونَ فَقَالُوا قبر الشَّيْخ يحيى فَأَرَاهُم اياه فكشفوا عَنهُ فوجدوه بِحَالهِ لم يتَغَيَّر مِنْهُ شئ فوضعوه فى تَابُوت وأتوابه الى مصر فدفنوه بتربة الْمَالِكِيَّة الَّتِى كَانَ جددها ورممها وَلم يلبث بعده وَلَده الشَّيْخ عِيسَى الا نَحْو سنة أشهر فَمَاتَ فدفنوه على أَبِيه ووجدوه على حَاله لم يتَغَيَّر مِنْهُ شئ رحمهمَا الله تَعَالَى

يحيى بن مهدى المنسكى الْيُمْنَى الشَّاب الاديب الْكَامِل الاريب ولد بالدهنا من أَرض صَبيا من بِلَاد الْيمن وَنَشَأ وجد فَوجدَ وتعانى النّظم والنثر فأجاد فيهمَا وَكَانَ بَينه وَبَين صاحبنا الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله مكاتبات مِنْهَا مَا كتبه لَهُ يستدعى تَارِيخا فى أَبْيَات مِنْهَا قَوْله

ص: 488

(رُبمَا لَا يفوت صَادِقَة الرأى بِأَن الضياء سر الْهلَال

)

(وَأرى الْبَحْر عِنْده الْجَوْهَر الشفاف لكنه يُرِيد مِنْهُ اللآلى

)

فَأَجَابَهُ الشَّيْخ مصطفى وَكَانَ اذ ذَاك مُتَوَجها الى مَكَّة من جدة فى غرَّة شهر رَمَضَان بقوله رحمه الله

(يَا ابْن مهدى يَا كريم الْخِصَال

وأخا الْفضل والنهى والكمال)

(قد أتانى بديع لفظ شهى

صَار قلبى من بعده فى اشتعال)

(وَذكرت الْهوى وعهدا تقضى

بعد أَن لم يكن يمر ببالى)

(وطلبتم من الْمُحب كتابا

بفنون التَّارِيخ قد صَار حالى)

(فلك الْعذر يَا ابْن ودى فانى

لذرى مَكَّة أَشد رحالى)

(واذا عدت جدة بعد عيد

ستراه دَانَتْ اليك المعالى)

(وأبق واسلم فى ظلّ عيشى ظَلِيل

مَا تغنى الْحمام فى الاطلال)

وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتِّينَ وَألف وَتوفى فى رَابِع عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بمقبرة الشبيكة

السَّيِّد يحيى الْحسنى صَاحب الْقدَم الراسخة فى الْعِبَادَة وَكَانَ من أهل الفنوة وَالْحَال صَاحب جد واجتهاد اجْتمع بأكابر الْقَوْم كالمرصفى واضرابه وَكَانَ دَائِم الطَّهَارَة وَالذكر وَكَانَت ذَاته تشهد لَهُ بِالْولَايَةِ وانه من أولى الْعِنَايَة وَاخْبَرْ انه رأى النبى

يقظة كثيرا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من مشاهير الاولياء وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس عشرَة بعد الالف وَدفن بالصحراء

يحيى الشهير بامام الكاملية المصرى الشافعى كَانَ بارعا فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَلامَة فى الاصول والنحوذ وَلَفظ فصيح وذهن صَحِيح اشْتغل بالعلوم وجد واجتهد فَحصل وبرع وَمن شُيُوخه الْعَلامَة النَّاصِر اللقانى وَالشَّيْخ الامام الشهَاب الرملى وَولده الشَّمْس وَغَيرهم وَله تعاليق مفيدة مِنْهَا شرح على وَرَقَات امام الْحَرَمَيْنِ فى اصول الْفِقْه وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم السبت ثانى عشر شهر جُمَادَى الاولى سنة خمس عشرَة بعد الالف عَن نَحْو تسعين سنة فَمَا فَوْقهَا رَحمَه الله تَعَالَى

السَّيِّد يحيى الشهير بالصادقى الحلبى الاديب اللَّطِيف ذكره البديعى فَقَالَ فى وَصفه هُوَ مَعَ شرف الاصل جَامع بَين أدوات الْفضل صافى ورد الاخوه ضافى برد الفتوه مطبوع على التَّوَاضُع وَالْكَرم مَعْرُوف بِحسن الاخلاق والشيم وَكَلَامه

ص: 489

لَيْسَ بِهِ عشثار وَلَا عَلَيْهِ غُبَار كَمَا قيل فِيهِ

(وان أَخذ القرطاس خلت يَمِينه

تفتق نورا أَو تنظم جوهرا)

وَهُوَ الْآن فى الشَّهْبَاء فَارس ميدانها فضلا وناظر انسانها نبْلًا ثمَّ قَالَ وأذكر لَيْلَة من الليالى خيلت لحسنها لَيْلَة الْقدر رقد عَنْهَا الدَّهْر الى ان انتبه الْفجْر فى منزل حف بامراء النّظم والنثر مِنْهُم بدر ترمقه الْمقل فتجرح مِنْهُ مواقع الْقبل أفرغ فى قالب الْجمال وَلم يُوصف بِغَيْر الْكَمَال وَاتفقَ انه بدد نَارا هُنَالك بِغَيْر اخْتِيَاره فَقَالَ الصادقى

(ضمنا مجْلِس لتاج الموالى

عَالم الْعَصْر بكر هَذَا الزَّمَان)

(غرَّة الدَّهْر أَحْمد ذُو الايادى

وَابْن خير الانام من عدنان)

(بفريد الحسان خلقا وخلقا

عِنْد ليب الاخوان نور الْمَكَان)

(فانثنى كالقضيب تفيده نفسى

عابثا بالسياط والمجان)

(فَأصَاب الكانون سَوط فطار الْجَمْر من وقعه على الاخوان

)

(فسألنا مَاذَا فَقَالَ نثار الْحبّ جمر لَا بدرة من جمان

)

(واعتراه الحيا فأخمدها من

غير بؤس بساعد وبنون)

(ففرقنا عَلَيْهِ مِنْهَا فَنَادَى

وَكَذَا النُّور مخمد النيرَان)

وَقَالَ فِيهِ أَيْضا

(لاموا الذى حَاز لطفا

وبهجة وجلاله)

(اذا بدد النَّار عمدا

لَيْلًا وَأبْدى الخجاله)

(وصاغ فى الْبسط شهبا

اذ كَانَ بَدْرًا بهاله)

(وكفل الطفى يمناه

تَارَة وشما لَهُ)

(كَذَلِك الشَّمْس تدنى

لكل نجم زَوَاله)

(فَقلت لَا تعذلوه

دَعوه يُوضح حَاله)

(بانه بدرتم

حينا وحينا غزاله)

وَقَالَ

(انشدت من أَهْوى وَقد أَخذ الْهوى

تمجامعى واستحوذ استحواذا)

(كبدى سلبت صَحِيحَة فَامْنُنْ على

رمقى بهَا ممنونة أفلاذا)

(فَأَشَارَ للكانون فانثالت على الْجلاس جمرا وابلا ورذاذا

)

(وبدا يكفكفه حَيا وَيَقُول لى

من كَانَ ذَا لب أيطلب هَذَا)

ص: 490

فَقَالَ السَّيِّد أَحْمد النَّقِيب

(قد قلت اذا عثر الذى ألحاظه

فعلت بِنَا فَغَلَّ الشُّمُول مشعشعه)

(فى مجْلِس بالنَّار فانتشرت على

بسطى فكاله الحايء وبرقعه)

(واكب يرفع غيها بأكفه

مستعظما ذَاك الصَّنِيع وموقعه)

(جمرات حبك لَو علمت بِفِعْلِهَا

فى الْقلب مَا استعظمت حرق الامتعه)

وَقَالَ فِيهِ أَيْضا

(لَا تحسب النَّار الَّتِى مَا بَيْننَا

نثرت من الكانون كَانَ شتاتها)

(بل انما ذَاك الذى ألحاظه

سلبت عقول أولى النهى فتراتها)

(لما رأى عشاقه تخفى الْهوى

ولهيب نَار رابه زفراتها)

(وَأَرَادَ يفضحها أَشَارَ بكفه

لقلوبها فتناثرت جمراتها)

وَقَالَ فِيهِ أَيْضا الشَّيْخ عبد الْقَادِر الحموى

(ان الذى أخجل شمس الضُّحَى

فى منزل الْمولى الرفيع الْعِمَاد)

(بدد نَارا كَانَ لللاصطلا

فانبث كالياقوت بَين الاياد)

(فانصاغ يزوى الْجَمْر فى أنمل

كالخزان حاولت مِنْهَا انْعِقَاد)

(وَقَالَ اذ رامت بتأجيجها

تحكى سنا خدى ومنك الْفُؤَاد)

(نثرتها عمدا على بسط من

أروى نداه كل غاد وصاد)

وولاه بعض قُضَاة حلب نِيَابَة محكمَة السَّيِّد خَان بهَا فَكتب اليه

(أَصبَحت مَعَ الشَّمْس ببرج الْمِيزَان

اذ أنزلنى الْهمام بالسيد خَان)

(لَكِن وعلاك كل من نَاب يخن

وَالْعَبْد يعاف كلمة السَّيِّد خَان)

يس بن زين الدّين بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عليم الحمصى الشافعى الشهير بالعليمى نزيل مصر الامام البليغ شيخ الْعَرَبيَّة وقدوة أَرْبَاب الْمعَانى وَالْبَيَان الْمشَار اليه بالبنان فى محفل التِّبْيَان مولده بحمص ورحل مَعَ وَالِده الى مصر وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ فى أَوَائِله على الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى ثمَّ على الشهَاب الغنيمى ولازمه فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس الشوبرى وَكَانَ ذكيا حسن الْفَهم وبرع فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وشارك فى الاصول وَالْفِقْه وتصدر فى الازهر لاقراء الْعُلُوم ولازمه أَعْيَان أفاضل عصره وحظى كثيرا وشاع ذكره وَبعد صيته وَكَانَ مطبوعا على الْحلم والتواضع وَله مَال جزيل وانعام كثير على طلبة الْعلم وَكلمَة مسموعة وَألف كتبا

ص: 491

مفيدة مِنْهَا حَاشِيَة على المطول وحاشية على الْمُخْتَصر وحاشية على شرح التَّوْضِيح وحاشية على شرح الْقطر للفاكهى وحاشية على شرح التَّهْذِيب للخبيصى وحاشية على شرح ألفية ابْن مَالك وَغير ذَلِك من الرسائل النافعة وَله شعر كثير أَكْثَره جيد فَمِنْهُ قَوْله فى لحظه

(سحر فَسلم أر صَارِمًا

فى غمده يفرى سواهُ فَمن أرى)

(عجبا لغصن البان من أعطافه

فَوق الْكَثِيب لبدر تمّ أثمرا)

(قد صَامَ عَن وصل زَكَاة جماله

قربا فَقير الْقلب رام ففطرا)

(صبرت عَنهُ الْقلب فَهُوَ بهجره

ميت عَسى يرثى لمَيت صبرا)

(وَحَدِيث دمعى مُرْسل لما غَدا

مِنْهُ الصدود مسلسلا ياما جرى)

(فالرأس مشتعل بشيب صدوده

والعظم أضحى واهيا وَقد انبرى)

(وَالْقلب من مُوسَى لحاظ قد غدى

مرضى كلما وَهُوَ لن يتغيرا)

(ان رام مرأى من بديع جماله

جعل الْجَواب لَهُ وحقى لن ترى)

(واللحظ منى حِين أبْصر خَدّه

فِيهِ الرّبيع جرى عَلَيْهِ جعفرا)

(يَا ذَا الذى قدر زار طيف خياله

وأتى بَخِيلًا مَا تأهل للقرى)

(بالطيف قد منيت لَكِن بالاذى

أتبعته فسلبت عَن عينى الكرا)

(مَا زار الا كى يعاتبنى على

نومى فينفيه ويجنح للسرى)

(ولرب ليل طَال حَتَّى اننى

قد قلت لَو كَانَ الصَّباح لَا سفرا)

(لَكِن ذكرت بِطُولِهِ وسواده

شعر الحسان فطاب لى ان أسهرا)

وَاسْتمرّ ملازما للتدريس والافادة منعكفا على تَحْصِيل الْعلم ملازما لِلْعِبَادَةِ ممتعا بحواسه نَافِعًا بأنفاسه وَكَانَ مغرما بالطيب وَذَا دخل الْجَامِع الازهر يشم من بصدره رَائِحَة الْمسك والعنبر والغالية فَيعلم أهل الْجَامِع بقدومه وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار الاحد عشرى شعْبَان سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى

يس بن على بن أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الحنبلى الْفَقِيه الْفَاضِل الرحلة رَحل الى مصر لطلب الْعلم فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَمكث الى سنة احدى وَخمسين وَأخذ عَن الشَّيْخ مَنْصُور البهوتى الْفِقْه والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ على الشَّيْخ عَامر الشبراوى بشرح ألفية العراقى للقاضى زَكَرِيَّا وَأَجَازَهُ بهَا وَبِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَكَانَ يُفْتى على مَذْهَب الامام أَحْمد بن حَنْبَل رضى الله تَعَالَى عَنهُ بِبِلَاد نابلس وَكَانَ دينا صَالحا تقيا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَخمسين بعد

ص: 492

الالف تَقْرِيبًا

يس بن مُحَمَّد الخليلى نزيل الْمَدِينَة ابْن أخى الشَّيْخ غرس الدّين الخليلى الْمُقدم ذكره الْفَاضِل المطلع كَانَ مُتَمَكنًا من عُلُوم كَثِيرَة لَا سِيمَا الْفِقْه والْحَدِيث أَخذ عَن عَمه الْمَذْكُور وَالشَّمْس البابلى وَغَيرهمَا وجد واجتهد ودرس بالحرمين وصنف كنبا مفيدة مِنْهَا شرح على ألفية السِّيرَة لابى الْفضل زين العراقى فى مجلدين وَشرح رياض الصَّالِحين للنووى لكنه لم يكمل وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت الثانى شهر ربيع الثانى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى

يس بن مصطفى البقاعى الدمشقى الْفَقِيه الفرضى الحنفى قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وَضبط وَقيد وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ قوى الحافظة فى فروع الْمَذْهَب وَكتب الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتاوى وَكَانَ يقْعد فى الْجَامِع الاموى عِنْد بَاب الْبَرِيد وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ اقبال زَاد وَولى امامة مَسْجِد بالمحلة الجديدة وَسكن هُنَاكَ وَكَانَ عِنْد أهالى تِلْكَ الْمحلة وَمَا يقرب مِنْهَا هُوَ الْمُفْتى حَقِيقَة وَكَانَ يُبَاشر لَهُم جَمِيع مَا يَقع من أنكحة وخصومات وَغَيرهَا وَلما ولى قَضَاء الشَّام الْمولى عُثْمَان الكردى نَهَاهُ عَن تعاطى شئ من ذَلِك الا باذنه فَلم ينْتَه فعزره تعزيرا بليغا ثمَّ كف بعد ذَلِك عَن مُخَالطَة شئ من ذَلِك الا نَادرا واستبد بِكِتَابَة الاسئلة وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى

يُوسُف بن أَبى الْفَتْح بن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن السقيفى الدمشقى الحنفى امام السُّلْطَان وعلامة الزَّمَان فاق على أهالي عصره وأذعنت لَهُ بِالْفَضْلِ عُلَمَاء دهره ذكره الشهَاب الخفاجى فى الخبايا فَقَالَ فى حَقه فَاضل كَامِل قدمه الزَّمَان على غَيره من الافاضل لما صَار مقتدى دَار الخلافه فأضحى كل مجلى ومصلى لَا يُطيق خِلَافه فلاحت من بروج الشّرف شمس سعادته المشرقه وَصحت سَمَاء عزته من غيوم الغموم المطبقة

(وانثنى الزَّمَان ينشد فِيهِ

هَكَذَا تخْدم الْمُلُوك السُّعُود)

فَقَالَ مجده طلع الصَّباح ونادى مُؤذن اقباله حى على الْفَلاح فَقَامَتْ الامانى خَلفه صُفُوفا وظلت أَرْبَاب الْفَضَائِل بسدنه عكوفا حَتَّى غص بِذَاكَ نَادِيه وشرق بِمَاء الْحَسَد معاديه وبحار مكارمه تقذف بدره وَالْمجد عِنْده حل بمستقره وَقَالَ البديعى فِيهِ امام السُّلْطَان الماضى شكرا لله مساعيه وامام السُّلْطَان الباقى أدام

ص: 493

الله معاليه يُرِيد أَنه ولى الامامة للسُّلْطَان عُثْمَان أَولا ثمَّ للسُّلْطَان مُرَاد ثَانِيًا فالاول الماضى والثانى الباقى قلت ووليها ايضا للسُّلْطَان ابراهيم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ الباقى ثمَّ قَالَ فَاضل عرف الدَّهْر قدره فَأطلع فى فلك النباهة بدره وميزه على أترابه وأقرانه تميز سميه على اخوانه وبلغه الرُّتْبَة الَّتِى تتقاعس عَنْهَا رُتْبَة التمنى واعتنى بِهِ فأوصلها اليه بِغَيْر مشقة التعنى وَذَلِكَ انه مَا شعر الا وخيل الْبَرِيد أَمَامه بأوامر ولى الامر ليَكُون امامه فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ بِتِلْكَ البقعه وَكَانَ محاصرا احدى ممالك شاه تِلْكَ الرقعة

(تطلع فى أَعلَى الْمصلى كَأَنَّمَا

تطلع فى محرا دَاوُد يُوسُف)

وفى ثَالِث يَوْم وَصله بلغ السُّلْطَان من تِلْكَ الممنعة غَايَة مأموله واعتقد أَن ذَلِك الْفَتْح ببركة قدومه وقارن اعْتِقَاده فِيهِ غزارة علومه فاستخلصه لنَفسِهِ واتخذه نديمه أَوْقَات أنسه هَذَا وَله الْخط الذى يسحر عقول أولى الالباب حَتَّى كَأَنَّهُ اقتبس نَفسه من سَواد مقل حسان الْكتاب

(اذا كتب القرطاس خلت يَمِينه

تطرز بالظلماء أردية الشَّمْس)

وَالشعر النَّضر الذى تبدو مِنْهُ نغثات السحر والنثر الْعطر الذى تروى عَنهُ نفحات الزهر انْتهى قلت ومولده بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره مِنْهُم الْحسن البورينى وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ أَحْمد العسالى وَأَعْطَاهُ الله تَعَالَى مَا لم يُعْطه لاقرانه من الذكاء وَحسن الطَّبْع ولطف الشّعْر وحلاوة الْمنطق وَحسن الصَّوْت وَولى فى اول أمره خطابة السليمية ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة اشْتهر بهَا أمره وشاع وملا خبر فَضله وَحسن صَوته الاسماع وَلم يزل حَتَّى بلغ خَبره مسامع السُّلْطَان عُثْمَان فاستدعاه اليه وصيره امامه الْمُقدم فى المكانة وَالْمَكَان وَكَانَ فى الْعَهْد السَّابِق لكل سُلْطَان يلى السلطنة نظارة على جَامع بنى أُميَّة أظنها أَرْبَعِينَ عثمانيا فَجَعلهَا السُّلْطَان الْمَذْكُور خطابة ثَانِيَة فى الْجَامِع الْمَذْكُور وَأحسن بهَا اليه فَلَمَّا قتل السُّلْطَان عُثْمَان أقلع عَن الرّوم وَقدم الى دمشق وباشر الخطابة الْمَذْكُورَة ووجهت اليه الْمدرسَة السليمية فَأَقَامَ بِدِمَشْق يُفْتى ويدرس ويخطب الى السّنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد فى تِلْكَ السّنة قصد روان فتوفى امامه فى الطَّرِيق وَطلب اماما فَقيل لَهُ ان امام أَخِيك السُّلْطَان عُثْمَان فى دمشق وَأَنه أحسن امام يُوجد الْآن فَأرْسل اليه فَتوجه

ص: 494

من دمشق وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد بِمَنْزِلَة خوى وَولى الامامة الى ان مَاتَ ثمَّ وَليهَا لاخيه السُّلْطَان ابراهيم وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء العسكرين وَبلغ الرُّتْبَة الَّتِى مَا فَوْقهَا مطمح وَوَقع بَينه وَبَين الْمولى أَحْمد بن يُوسُف المعيد مناظرة فى مسَائِل من فنون كَانَت الْغَلَبَة فى جَانب صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ لَهُ قدرَة على المناظرة وَله تحريرات وتآليف مِنْهَا شرح على منظومة جدى القاضى محب الدّين فِيمَا سَمِعت وَكتب قِطْعَة صَالِحَة على الشفا للقاضى عِيَاض وَكَانَ أقرأه بِدِمَشْق ايام عودته وَكتب عَلَيْهِ من شعره قَوْله

(حتام نَلْهُو والنفوس رهينة

فى قَبْضَة التمليح ولاحماض)

(وعلام نستحلى مرارات الْهوى

بِمَا طب وملاعب وغياض)

(وإلاما نسترضى الانام وَكلهمْ

غَضْبَان يمشى فى ملابس رَاض)

(هلا معينا فى خلاص نفوسنا

من ربقة الاغراض والاعراض)

ط

(مستمسكين بِحَبل مدح مُحَمَّد

خير الْبَريَّة ذى الْهدى الْفَيَّاض)

(وشفيعنا يَوْم الْجَزَاء بموقف

رب الْخَلَائق فِيهِ أعدل قَاض)

(يَا أَيهَا الجانى الذى عَن دائه

أضحى الطَّبِيب يروح بالاغماض)

(أَتعبت نَفسك عج بهَا فدواؤها

وشفاء علتها شِفَاء عِيَاض)

(فَهُوَ الشِّفَاء بِهِ صِفَات الْمُصْطَفى

تذكارها يبرى من الامراض)

(لله مَا ضمت سطور طروسه

من معجزات كالسيوف مواض)

(وخلائق وشمائل نفحاتها

تزرى بعرف حدائق ورياض)

(صلى عَلَيْهِ الله مَا سرت الصِّبَا

مختالة فى ذيلها الفضفاض)

(والآل والصحب الْكِرَام مُسلما

مَا دَامَ برق الجو فى ايماض)

(وَسَقَى الاله ثرى عِيَاض كلما

سقيت منَازِل للورى وأراضى)

وَمن شعره قَوْله ايضا من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا

(سقتك وَهنا يَا دارها الديم

وجاد مغناك الوابل الرذم)

(وَلَا أغبتك كل غادية

وطفاء ينهال غبها الاكم)

(يخلفها فَوق جلهتيك من الخصب ربيع بِالنورِ مبتسم

)

(حَتَّى نرَاهَا تختال فى حبر

دون حلاها مَا نمنم الرقم)

(كم مر لى فِيك من بلهنية

وآنسات الظباء لى خدم)

ص: 495

(وَمن هَنَات بالرقمتين وفى الترب شِفَاء وفى الصِّبَا سقم

)

(كَانَت وريا دارين فى فمها

بل أَيْن مِنْهَا دارين واللطم)

(وَبَان أحقافها لنا علم

وَالْيَوْم لَا بانها وَلَا الْعلم)

(خطْفَة برق طارت شرارتها

على فؤادى فكله ضرم)

(آه لَهَا وَالْوَفَاء يغدر بى

وآه ذى الْحبّ فى الْهوى ذمم)

(من فلتات قضيتها خلسا

وسارقتنى ايامها الْقدَم)

(لله ايامنا بذى سلم

مرت سَرِيعا كَأَنَّهَا حلم)

(أَيَّام واليت كل ذى هيف

كالبدر تنزاح دونه الظُّلم)

(حَيْثُ ثغو والحسان باسمة

والشمل بالغانيات مُنْتَظم)

(نصلت مِنْهُ مؤزرى علم الله برِئ والطرف مُتَّهم

)

(يَا من رأى الْبَرْق فَوق كاظمة

يخضب من كف ليله العنم)

(يبسم للارض وهى عابسة

جذوة نَار خلالها فَحم)

(قَامَت فتاة فى الحى مقبسة

نَارا من الربض مَالهَا ضرم)

(ضل ابْن ليل فى الركب يخدعه

يرشده خلف والهوى أُمَم)

(ويلاه مالى ان شمت بارقة

ظلت زفيرى بالنَّار تضطرم)

(وان سرت من سقط اللوى سحرًا

نسيمة هَب فى الحشا ألم)

(حتام هَذَا الجفا وكل هوى

على صروف الزَّمَان ينصرم)

(يَا بانة الواديين من اضم

سقيت غيثا مَا أبرقت اضم)

(ايه ويار برق هَات عَن نفر

ايْنَ اسْتَقَرَّتْ ظباؤه الجثم)

(هَل عهد لمياء بالعقيق على

مَا كَانَ أم قد أَحَالهُ الْقدَم)

(وَهل لليلاتنا على سلمات الْجزع عود أم صوح السّلم

)

(وَهل ظباء النقا بوجرة أم

طارت بِهن الوخادة الرَّسْم)

(يَا خَابَ سعى الوشاة كَيفَ سعوا

مَا بَيْننَا لَا مشت بهم قدم)

(باتوا وَفِيهِمْ هيفاء مترفة الْجِسْم زهاها العفاق وَالْكَرم

)

(مصغية الحجل والسوار على

ان الوشاحين فيهمَا نغم)

(قد نشأت والغرام بكنفها

وأرضعتها فى حجرها النعم)

(مَا نطقت بالصفاء مصفقة

من مَاء صد نميرها الشبم)

ص: 496

(قد روحتها الْجنُوب آونة

وصافتحتها الْعَوَارِض السحم)

(فَبَاتَ طل الْغَمَام يزعجها

بوقعه تَارَة ويحتشم)

(تصقلها رَاحَة النسيم ضحى

وتنتديها تَحت الدجى الديم)

(أبرد من ظلمها على كبدى

اذا تدانى منا فَم وفم)

(وَمَا رياض بالحزن باكرها

نوء السماكين وَهُوَ منسجم)

(فاعتم بِالنورِ جوها فغدت

جنَّة لَهو من دونهَا ارْمِ)

(قد توج الرفد هام ربوتها

ومنطقت خصر دوحها الحزم)

(ترنوا لى الْورْد عين نرجسها

شزرا وثغر الاقاح يبتسم)

(تغص مِمَّا ضَاعَ العبير بهَا

اذا تمشى نسيمها الفغم)

(ألطف من خلق من غَدا وعَلى

منهل فتواه الْخلق تزدحم)

وَقَالَ متغزلا فى وادى التل من ضواحى دمشق

(أَقَمْنَا بوادى التل نستجلب البسطا

بِحَيْثُ دنا منا السرُور وَمَا شطا)

(وَجِئْنَا لروض فتقت نسماته

رَوَائِح يبْعَثْنَ الالوة والقسطا)

(وَقد ضربت افنان اغصانه لنا

ستائر اذ مدت خمائله بسطا)

(يُبَارى بِهِ الْوَرق الهزار كراهب

يحاكى بعبرانى أَلْفَاظه القبطا)

(ويعطف مَا بَين الغصون نسيمه

كَمَا اجْتمع الالفان من بعد مَا شطا)

(ويملى أَحَادِيث الغرام الحوضه

فيرويه لَكِن رُبمَا نسيت شرطا)

(جلسنا على الرخبراض فِيهِ هنيئة

وَقد نظمت كالدر حصباؤه سمطا)

(بِهِ من لجين المَاء ينساب جدول

تجعده أيدى النسيم اذا انحطا)

(حكى مُسْتَقِيم الْخط عِنْد انسيابه

فنقط مِنْهُ الجو زهر الربى نقطا)

(سقى الله دهرا مر فى ظله لقد

أصَاب بِمَا أولى وان طالما أخطا)

(وحيى على رغم النَّوَى كل لَيْلَة

تقضت بِهِ لَا بالغوير وذى الارطا)

(ليالى لاريحانة اللَّهْو صوحت

وَلَا وجدت فى أرْضهَا الجدب والقحطا)

(صَحِبت بِهِ مثل الْكَوَاكِب فتية

احاديثهم فى مسمعى لم تزل قرطا)

(يفضون مختوم الصبابة والهوى

ويروعن حب الْقلب لَا البان والخمطا)

(اذا نثروا من جَوْهَر اللَّفْظ لؤلؤا

أود وَلَو بِالسَّمْعِ ألقطه لقطا)

(يديرون من كاس الحَدِيث سلافة

وربتما تحكى الاحاديث اسفنطا)

ص: 497

وَقَالَ متغزلا فى الصالحية ورياضها ومتشوقا اليها

(لله ايام لنا

سلفت بسفح الصالحيه)

(قد طَابَ لى فى ظلها

عرف الصبيحة والعشيه)

(أَيَّام كنت من الشبيبة فى بلنهية هنيه

)

(وبساعدى خنث الشَّمَائِل ذُو لحاظ جؤذريه

)

(رشأ يُدِير سلافة

من مقلتيه البابليه)

(أضحى يفوق للحشا

من قَوس حَاجِبه حنيه)

(كَيفَ النجَاة وَلَيْسَ لى

من سهم ناظره تقيه)

(قسما بمبسمه الشهى وَمَا أحيلاه اليه

)

(وَبِمَا حواه من ثناياه الْعَذَاب الؤلؤيه

)

(وبطلعة كالبدر تحملهَا قناة سمهرية

)

(وبمقلة قد علمت

هاروت كَيفَ الساحريه)

(وبريقة كالمسك

ممزوجا براح قرقفيه)

(وبصبح فرق تزدرى

أنواره الشَّمْس المضيه)

(وبليل أصداغ بِهِ

سفهت رى المانويه)

(مَا حلت عَن سنَن الغرام وَلَو تجرعت المنيه)

(تفدى ليالينا الَّتِى

سمحت بِهِ نفسى الابيه)

(حَيْثُ الرياض ظلالها

بالوصل وارفة نديه)

(وَالْوَرق تهتف فى الغصون بِطيب أحلان شجيه

)

(باتت تبث لى الْهوى

وأبثها وهى الخليه)

(بعثت لى الاشواق حَتَّى حركت منى السجيه

)

وَكتب الى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى فى صدر كتاب قَوْله

(الْقلب أصدق شَاهد

عل على صدق المحبه)

(وَمن الْقُلُوب الى الْقُلُوب موارد للحب عذبه

)

(طُوبَى لمن يسقى بكاس شرابها الْمَخْتُوم شربه

)

فَكتب اليه العمادى فى الْجَواب قَوْله

(الْحبّ اظهر من اقمة شَاهد بَين الاحبه

)

ص: 498

(ومحية برهانها

غير العيان تعد حبه)

(وان ارتضى الْمولى بفتوى الْقلب فليستفت قلبه

)

وَكتب الى الامير منجك يَدعُوهُ الى الصالحية فَقَالَ

(يَا روحه ان لم تكن شقيقه

لما حوى من كرم الخليقه)

(يَدْعُوك صب لم تزل صديقه

بَان تكون فى غَد رَفِيقه)

(فى رَوْضَة أريضة أنيقه

غصونها ناضرة وريقه)

(تبدى لَهُ اشعارك الرقيقة

تروى حَدِيث جودة السليقه)

(عَن كرم الخيم عَن الحقيقه

وَعَن عرى اخائك الوثيقه)

(فانهض وَمن اخلاقه خليقه

بِحِفْظ ود حفظوا حُقُوقه)

(لَا زَالَ يهديك العلى طَرِيقه

)

// وَمن محَاسِن شعره // قَوْله أَيْضا

(يَا من هَوَاهُ بقلبى لَيْسَ يبرح من

بَين الترائب الشوق والاسف)

(ألية بليالينا الَّتِى سلفت

وبالغرام وان أدّى الى تلفى)

(وبالدموع الَّتِى أجريتها غدرا

ومدمع فِيك لم يطعم كرى ذرف)

(لأَنْت أَنْت على مَا فِيك حبك فى

جوانحى كامن كالدر فى الصدف)

وَقَوله عاقدا للْحَدِيث الشريف أحبب حَبِيبك هونا مَا فَعَسَى ان يكون عَدوك يَوْمًا مَا وَأبْغض عَدوك هونا مَا فَعَسَى أَن يكون صديقك يَوْمًا مَا

(بَين الْمحبَّة والتباغض برزخ

فِيهِ بَقَاء الود بَين النَّاس)

(بِخِلَاف اقصى الْحبّ أَو أقْصَى الذى

هُوَ ضِدّه من كل قلب قاسى)

(

فمآل كل مِنْهُمَا نَدم على

تفريطه نَدم بِغَيْر قِيَاس)

وَمن مقاطيعه

(أحببتها هيفاء يزرى قدها

بالغصن حركه النسيم فحركا)

(مرت فَضَاعَ الْمسك من أردانها

فوودت بالاردان ان أتمسكا)

وَقَوله

(يَا وَيْح قلبى من هوى شادن

يجرحه اللحظ بتكراره)

(أرنو فتغدو وردتا خَدّه

بنفسجا يزهى بنواره)

وَقَوله

(أُفٍّ لدُنْيَا لم تزل

عَن وَجه ذَلِك سافره)

(تعميرها مُسْتَلْزم

تخريب دَار الْآخِرَه)

ص: 499

وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف بِمَدِينَة قسطنطينية وَدفن باسكدار والسقيفى نِسْبَة الى جَامع السقيفه بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا فَاء جَامع بِدِمَشْق خَارج بَاب توما مَعْرُوف كَانَ جده مَنْصُور خَطِيبًا بِهِ فَقيل لَهُ السفيفى انْتهى

يُوسُف بن أَحْمد الملقب جمال الدّين أَبُو المحاسن العلموى الشَّاعِر كَانَ فى طَلِيعَة عمره يتكسب بِالشَّهَادَةِ ثمَّ تَركهَا وَولى بعض التداريس وَله شعر كثير وَكَانَ كثيرا مَا يراسل ابناء عصره بالقصائد المطولة والالغاز والاحاجى ويمتدح الموالى الواردين وخلفاء آل عُثْمَان ويلتمس من ادباء دمشق التقريظ وَمن جملَة مَاله قصيدة رائية نظمها فى مدح الْمولى فيض الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالقاق حِين كَانَ قَاضِيا بِدِمَشْق وقرظ عَلَيْهَا عَامَّة الادباء وَقد جمع التقاريظ عبد الْكَرِيم الطارانى فى دفتر مُسْتَقل سَمَّاهُ بالفياح المسكيه فى المدائح الفيضيه وَمِنْهَا قصيدة فى مدح السُّلْطَان مُرَاد بن سليم جمع الطارانى أَيْضا تقاريظها وسماها بُلُوغ المُرَاد فى مدح السُّلْطَان مراه وهى مرتبَة على حُرُوف المعجم وَكَانَ فى مشيته خطل مَعَ نِهَايَة الطول حَتَّى قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء

(قَالَ الاديب العلموى

الشّعْر عَنى ينْقل)

(لاننى نظامه

أَلَيْسَ انى اخطل)

وَمن شعره

(لما رَأَيْت مناصبى قد وجهت

لملفق مَعَ أَحمَق ترياقى)

(وَعلمت أَنى لَا أفوز بردهَا

ادركت مُنْتَفعا بِبيع الباقى)

(وَبقيت فى ايامكم ذَا فافة

مَشْهُورَة فى سَائِر الْآفَاق)

وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاحد سادس عشر صفر سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة الفراديس

يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف المنعوت جمال الدّين الْعَدْوى البقاعى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب كَانَ حسن الْخط كَثِيرَة الْخِبْرَة بأساليب المتقدميين لحق ابْن قاضى نابلس وَأخذ عَنهُ وَولى رياسة الْكتاب بعد ابْن خطاب وَكَانَ يكْتب بَين يدى الموالى وَلم يكن بِالْعَرَبِيَّةِ بالعارف لكنه كَانَ دينا عفيفا فى شَهَادَته لَا يكْتب خطه فى الصكوك الَّتِى لم يحضر وقائعها وَلَو دفع لَهُ المَال الْكثير وَلَا يتجاسر أحد عَلَيْهِ فى طلب ذَلِك مِنْهُ وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس وعشرى جُمَادَى الاخرة سنة

ص: 500

سبع وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير

يُوسُف بن زَكَرِيَّا المغربى نزيل مصر الاديب الشَّاعِر قَالَ الشهَاب فى تَرْجَمته عَزِيز مصره بنانا وبيانا ويوسف عصره حسنا واحسانا نَشأ يتعاى صَنْعَة الادب ويربط بِأَوْتَادٍ شعره كل سَبَب ويشارك فى تِجَارَة الْفضل بِنَصِيب ويرمى لاغراضها كل سهم مُصِيب بطبع ألطف من نسمَة الشمَال سرت سحرة بليلة الاذيال متتابعة الانفاس فنبهت طرف نور فى مهد الرياض نُعَاس وَقد خمشت الصِّبَا خد الشَّقِيق وخاضت بحار الدياجى من كل فج عميق مرتدية برداء السحر معانقة لقدود الشّجر ثمَّ قَالَ وَله مورد من الادب صفى وديوان سَمَّاهُ الذَّهَب اليوسفى والذى رَأَيْته من خَبره أَنه قَرَأَ بِمصْر وَأخذ عَن يحيى الاصيلى وَبِه تخرج والبدر القرافى وأبى النجا سَالم السنهورى والاستاذ مُحَمَّد البكرى قدس سره وَغَيرهم وَمن شعره قَوْله

(أوصيك ان شخص غَدا

يضْحك ان مر بكا)

(لَا تغتترر بضحكه

فان هَذَا كالبكا)

وَقَوله

(اشرب وَلَا تعتب على عاذل

فَمثله فى النَّاس لم يعتب)

(وان تكن يَا سيدى طَالبا

درا وياقوتا من الْمطلب)

(فالكاس والصهباء فِيهَا الْغِنَا

فَخذ حَدِيث الْكَنْز عَن مغربى)

وَله أَيْضا

(جعلُوا الشُّعُور على الخصور بنودا

والراح ريقا والشقيق خدودا)

(جعلُوا لاصباح مباسما ثمَّ الظلام ضفائرا ثمَّ الرماح قدودا

)

(والورد خدا والغصون معاطفا

وَالشَّمْس فرقا والغزالة جيدا)

(وَرَأَتْ غصون البان أَن قدد وهم

فاقت فاضحت ركعا وسجودا)

وَهَذَا كَقَوْل ابْن قلاقس من قصيدة أَولهَا

(عقدوا الشُّعُور معاقد التيجان

وتقلدوا بصوارم الاجفان)

وَله فى مليح اسْمه رَمَضَان

(رَمَضَان قد جِئْته رمضانا

وَهُوَ بدر يفوق كل الحسان)

(قلت صلنى فَقَالَ وَهُوَ مُجيب

لَا يجوز الْوِصَال فى رَمَضَان)

وَهَذَا كَقَوْل الآخر فى هَذَا الْمَعْنى

(بليت بِهِ فَقِيها ذَا جِدَال

يُجَادِل بِالدَّلِيلِ وبالدلال)

ص: 501

(طلبت وصاله والوصل حُلْو

فَقَالَ نهى النبى عَن الْوِصَال)

قَالَ الشهَاب وَاعْلَم ان هَذَا كُله لَيْسَ بِشعر ترتضيه الادباء وَهُوَ كل شعر اكثر فِيهِ من البديع قَالُوا وَأول من أتلف الشّعْر العربى بِهَذَا النمط مُسلم بن الْوَلِيد ثمَّ تبعه أَبُو تَمام وَأحسن هَذِه الصَّنْعَة التَّجْنِيس والتورية وهما فى الشّعْر كالزعفران قَلِيله مفرح وَكَثِيره قَاتل وَلذَا لم نجد فى أهل مصر من يعرف الشّعْر وَلَا ينظمه وَمِنْهُم من غلط فى ذَلِك فَأكْثر من اللُّغَات الغريبة وتوهم بذلك انه يصير بليغا على ان بَاب التورية قفله ابْن نَبَاته والقيراطي ثمَّ رميا الْمِفْتَاح فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَهَذَا لَا يعرفهُ إِلَّا من لَهُ سليقة عَرَبِيَّة وَكتب الى الخفاجى سؤالا ادبيا صورته أَيهَا الاخ الشَّقِيق الشفيق والرفيق الرَّقِيق الامام الْهمام الهادى لسبالة الافهام اذا ضلت فى مهامه الاوهام اننى اشكل على قَول أَبى مَنْصُور الثعالبى فى الْيَتِيمَة اتّفق لى أَيَّام الصِّبَا معنى بديع حسبت انى لم اسبق اليه وَهُوَ هَذَا

(قلبى وجدا مشتعل

وبالهموم مشتغل)

(وَقد كستنى فى الْهوى

ملابس الصب الْغَزل)

(انسانة فتانة

بدر الدجى مِنْهَا خجل)

(اذا زنت عينى بهَا

فبالدموع تَغْتَسِل)

هَل استعارته لنظر الحبيب الزِّنَا مِمَّا يعد فى الادب // معنى حسنا // أَو هُوَ مِمَّا تجَاوز الْحَد فَاسْتحقَّ بِالزِّنَا الْحَد فَكتب اليه مجيبا ايها الاخ قُرَّة الْعين وَبدر هَالة الْمجَالِس الذى هُوَ لَهَا زين انه من الْمعَانى القبيحة المورثة للفضيحة وَقد سبقه اليه ابْن هِنْد فى قَوْله

(يَقُولُونَ لى مَا بَال عَيْنك مذ رَأَتْ

محَاسِن هَذَا الظبى أدمعها هطل)

(فَقلت زنت عينى بطلعة وَجهه

فَكَانَ لَهَا من صوب أدمعها غسل)

وَهُوَ // معنى قَبِيح // واستعارة بشعة أَلا ترى الى مَا قيل فى الذَّم

(أَيهَا الناكح فى الْعين جوارى الاصدقاء

)

وَقَول صردر فى قصيدته الْمَشْهُورَة وان كَانَ معنى آخر

(يَا عين مثل قذاك رُؤْيَة معشر

عَار على دنياهم وَالدّين)

(نجس الْعُيُون وان رأتهم مقلتى

طهرتها فَنُزِحَتْ مَاء عيونى)

وَكَيف يَتَأَتَّى لهَؤُلَاء مَا قَالُوهُ بعد قَول يزِيد بن مُعَاوِيَة فى شعره الْمَشْهُور

ص: 502

(وَكَيف ترى ليلى بِعَين ترى بهَا

سواهَا وَمَا طهرتها بالمدامع)

(أَجلك يَا ليلى عَن الْعين انما

أَرَاك بقلب خاشع لَك خاضع)

وَمِنْه أَخذ الْعَفِيف التلمسانى

(قَالُوا اتبكى من بقلبك دَاره

جهل العواذل دَاره بجميعى)

(لم ابنكه لَكِن لرؤية غَيره

طهرت أجفانى بفيض دموعى)

وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاربعاء ثامن عشر ذى الْقعدَة سنة تسع عشرَة بعد الالف ورثاه النُّور الاجهورى

(رحم الله الْمَعْنى يوسفا

كَانَ زهرا فى رياض الادب)

(فَسَقَاهُ الْمَوْت كاسات الردى

فَبكى الشرق لفقد المغربى)

الامير يُوسُف بن سَيْفا أَمِير طرابلس الشَّام وأوحد الْمَشَاهِير بِالْكَرمِ والانعام ولى حُكُومَة طرابلس مُدَّة طَوِيلَة واشتهر عَنهُ عزة عَظِيمَة ونعمة جزيلة وقصده الشُّعَرَاء بالمدائح وأهدوا اليه أنفس بدايه المدائح وَكَانَ فى نفس الامر مِمَّن تفرد بالهبات الطائلة وَرغب فى ادخار الثَّنَاء الْحسن بالعطايا الشاملة واقتدى بِهِ أَخُوهُ الامير على وَابْنه الامير حُسَيْن وَابْن أَخِيه الامير مُحَمَّد فَكَانَت دولتهم السيفية اليوسفية كَمَا سَمِعت عَن الدولة البرمكية والمعتمدية جمعُوا للمعالى شملا واصبحوا للمكارم أَهلا وَكَانَت لَهُم بِلَاد طرابلس صافيه ووعود الزَّمَان بالمراد لمن قَصدهَا وافيه وَكَانَ الامير يُوسُف أكبر الْقَوْم سنا وأحدهم فى النجدة والبأس سنا وَهُوَ الذى أسس لَهُم الدولة فبنوا عى اساسه وَاقْتَدوا بِهِ فى أَمر الْحُكُومَة مستضيئين بنبراسه وَله من الْآثَار مَسْجِد بناه بطرابلس فَقيل فى تَارِيخه

(بِنَا ابْن سَيْفا يُوسُف مَسْجِدا

دَامَ أَمِيرا للعلى راقيا)

(وَمن بنى لله بَيْتا يكن

عَلَيْهِ فى تَارِيخه رَاضِيا)

وقصة مقاتلته ابْن جانبولاذ وانكساره قد قدمناها فى تَرْجَمَة ابْن جانبولاذ فَلَا حَاجَة الى اعادتها وَكَانَت وَفَاته فى عشر الثَّلَاثِينَ وَالله أعلم

يُوسُف بن عبد الرَّزَّاق الاستاذ أَبُو الاسعاد بن أَبى الْعَطاء بن وَفَاء المالكى المصرى كَانَ عَلامَة زَمَانه فى التَّحْقِيق وَله الشُّهْرَة التَّامَّة بالمعرفة التَّامَّة بَين ذَلِك الْفَرِيق وَله // الشّعْر الْحسن والنثر الذى يعجز عَن محاكاته // ارباب الفصاحة واللسن أَخذ الْعُلُوم عَن أَبى النَّجَاء السنهورى وأبى بكر الشنوانى وَعَن الدنوشرى

ص: 503

وَالشَّيْخ فَايِد الازهرى والاجهورى وَلبس الْخِرْقَة وتلقى طريقتهم الوفائية الشاذلية عَن عَمه الاستاذ مُحَمَّد عَن وَالِده أَبى المكارم ابراهيم عَن وَالِده أَبى الْفضل مُحَمَّد المجذوب عَن وَالِده الاستاذ أَبى المراحم مُحَمَّد عَن أَبى الْفضل عبد الرَّحْمَن الشَّهِيد عَن وَالِده الشهَاب سيدى أَحْمد أخى على عَن والدهما الاستاذ الْكَبِير أَبى الْفضل سيدى مُحَمَّد وَفَاء عَن سيدى دَاوُد باحلا مؤلف عُيُون الْحَقَائِق وشارح حزب الْبَحْر عَن الاستاذ الْكَبِير تَاج الدّين بن عَطاء السكندرى مؤلف التَّنْوِير وَالْحكم ولطائف المنن وَغَيرهَا عَن الاستاذ أَبى الْعَبَّاس المرسى عَن القطب الربانى الاستاذ الشريف الحسيب النسيب أَبى الْحسن الشاذلى عَن الشريف عبد السَّلَام ابْن بشيش عَن الشريف أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار الْحسنى الادريسى عَن أَبى مَدين التلمسانى عَن الشاشى عَن أَبى سعيد المغربى عَن أَبى يَعْقُوب النهرحوى عَن الْجُنَيْد عَن خَاله السقطى عَن مَعْرُوف الكرخى عَن على الرِّضَا عَن أَبِيه مُوسَى الكاظم عَن أَبِيه جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر عَن أَبِيه على زين العابدين عَن أَبِيه الْحُسَيْن عَن أَبِيه على بن ابى طَالب رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ودرس وأملى الْكثير وَحضر دروسه الاجلاء من الشُّيُوخ كالغنيمى والاجهورى والحلبى وَحج مَرَّات وأتى الْبَيْت الْمُقَدّس وَله شعر كثير من ذَلِك قَوْله

(قسما بكم يَا سادتى وغرامى

مَا حلت عَن عهدى لكم وذمامى)

(وَأَنا الْمُقِيم لكم على عهد الوفا

وعَلى هواكم تنقضى ايامى)

(غيرى يُغَيِّرهُ الْجفَاء عَن الْهوى

فيميل نَحْو ملامة اللوام)

(وَأَنا الذى لَو مت فِيكُم لم احل

عَنْكُم وَلَا يثنى الملام زمامى)

(يَا سادتى عطفا على عبد لكم

فعساكم تحنوا على الخدام)

(فالقلب فى نيران تبريح الجوى

يصلى وجفنى من جفاكم دامى)

وهى طَوِيلَة وَمن ظرائف لطائفه قَوْله

(حيهم ان جئتهم يَا سعد حى

فهم أهل الوفا فى كل حى)

(عش بهم سبا ومت فى حبهم

من يمت فى حب حى فَهُوَ حى)

(هم مُلُوك الارض سَادَات الورى

فاروعنهم واطو ذكر الفى طى)

(لم يزل احسانهم يغمرنا

مُطلقًا بالفيش من نشروطى)

مِنْهَا

(يَا لسانى أَدَم الْمَدْح لَهُم

دَائِم الدَّهْر وَيَا فكرى تهى)

ص: 504

(أَنا وَالله محب لكم

صدقونى لَيْسَ بعد الله شى)

(مختف حبكم فى مهجتى

عَن جَمِيع الْخلق الا ملكى)

(مذ منحتم بوفا دون جَفا

فَكَذَا أنسيتمونى ابوى)

الخ وَكَانَت وَفَاته فى مرجعه من الْحَج غرَّة صفر سنة احدى وَخمسين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الازهر فى محفل لم ير فى هَذِه الاعصار مثله وَدفن رَحمَه الله تَعَالَى فى زَاوِيَة سلفه السادات بنى الْوَفَاء رضى الله عَنْهُم ورثاه الشهَاب الخفاجى بقوله

(قضى نحبه وَالْحج قطب لروحه

دَعَا ربه نَحْو الْجنان فلبت)

(فَمن حج للبيت الْعَتِيق على تقى

فَروح أَبى الاسعاد لله حجت)

(وَمن حج للرحمن احرام حجَّة

مُجَرّدَة من جِسْمه دون موقت)

(فَلَا بَرحت سحب الرِّضَا حول قَبره

تظل لَهُ هطالة سحب رَحْمَة)

وانما ذكرت رجال هَذِه الطَّرِيقَة على التَّفْصِيل لكَونهَا خَاصَّة بِهَذَا الْبَيْت وَيتَعَلَّق بالْمقَام فَائِدَة جليلة فى لبس الْخِرْقَة الَّتِى تقدم ذكرهَا وهى مَا قَالَ الصّلاح ان من الْقرب لبس الْخِرْقَة وَقد استخرج لَهَا بعض الْمَشَايِخ أصلا من السّنة وهى حَدِيث أم خَالِد قَالَت أَتَى النبى

بِثِيَاب فِيهَا خميصة سَوْدَاء صَغِيرَة فَقَالَ ائتونى بِأم خَالِد فَأتى بى قَالَت فالبسنيها بِيَدِهِ وَقَالَ ابلى وأخلقى وَهُوَ مخرج فى الصَّحِيح قَالَ ولى فى الْخِرْقَة اسناد عَال جدا وَذكره ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ بقادح فِيمَا أوردناه كَون لبس الْخِرْقَة غير مُتَّصِل الى منتهاه على شَرط أَصْحَاب الحَدِيث فى الاسانيد فان المُرَاد مَا تحصل بِهِ الْبركَة والفائدة باتصالها بِجَمَاعَة من الصَّالِحين انْتهى

يُوسُف بن عبد الْملك البغدادى الدمشقى الْمَعْرُوف بالحمار كَانَ أحد الاعاجيب فى حسن الْعشْرَة ومخالطة النَّاس وسعة الرِّوَايَة فى الاخبار والنوادر وَكَانَ وجيها كَبِير الْعمة أَبيض اللِّحْيَة وَصرف عمره فى الطّلب وَالْقِرَاءَة وَحُضُور دروس الْعلم وَلزِمَ الشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ عبد البافى الحنبلى وَغَيرهمَا الا انه لم يحصل شَيْئا الا الْقَلِيل لغباوة كَانَت فِيهِ وَلِهَذَا لقب بالحمار وانما ذكرته لَان كثيرا من الادباء كَانُوا يعرضون بِهِ فى بعض اشعارهم ويبنون على لقبه اشياء وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء سَابِع عشرى شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَخلف مَالا كثيرا وَقَالَ الامير منجك فى التَّعْرِيض بِهِ

(قيل عاشت بِمَوْتِهِ وارثوه

حَيْثُ كَانُوا من فَقرهمْ فى اكتئاب)

ص: 505

(قلت لابدع قد سمعنَا قَدِيما

يَوْم موت الْحمار عيد الْكلاب)

يُوسُف بن عمرَان الحلبى الشَّاعِر الْمَشْهُور قَالَ الخفاجى فى تَرْجَمته أديب نظم ونثر فَأصْبح ذكره جمال الْكتب وَالسير الا انه لعبت بِهِ ايدى النَّوَى رحْلَة وَنَقله فَجعل الآمال على كؤوس الْآدَاب نَقله وَهُوَ لعمرى اديب اريب مَاله فى ضروب النّظم ضريب وحاله غير مُحْتَاج لدَلِيل انى وَلَا لمى فانه كَمَا عرفت الشَّاعِر الامى كَمَا قيل

(أَصبَحت بَين النَّاس اعجوبة

بَين ذوى الْمَعْقُول والفهم)

(حموى جدى فاعجبوا وانظروا

عمى خالى وأبى أمى)

وفى آخر عمره داسته اقدام النوب وادركته حرفه الادب فَصَبر على الايام المكدرة الى ان صفت وعَلى الليالى الجائرة فَمَا انصفت وَقَالَ السَّيِّد أَحْمد ابْن النَّقِيب الحلبى فى حَقه هُوَ أحد الْمَشْهُورين بِهَذِهِ الصِّنَاعَة والمتعيشين بكسب هَذِه البضاعة وَكَانَ فى أول أمره ذَا تِجَارَة وَمَال ونباهة وَحسن حَال فقارن الادباء من ابناء عصره وتشبث باذيالهم وَقصد أَن ينخرط فى سلكهم وينسج على منوالهم فنثر ونظم واستسمن كل ذى ورم وَأقَام على ذَلِك مُدَّة مديدة بحلب الى ان ادركته بهَا حِرْفَة الادب فَطَافَ بِلَاد الشَّام والقاهرة المعزية ثمَّ توجه الى دَار السلطنة السنيه وامتدح اكابر علمائها وانتجع ندى رؤسائها وَمن شعره

(قُولُوا لمن بهزال الْفقر يذكرنى

ظَنَنْت انك فى أَمن من المحن)

(فالشاة يُؤْكَل مِنْهَا اللَّحْم ان عجفت

وَلَيْسَ يُؤْكَل لحم الْكَلْب بالسمن)

وَقد جمع ديوانا من شعره كتب عَلَيْهِ بعض الشُّعَرَاء

(لشعر يُوسُف بَحر فى تموجه

يهدى لافهامنا روحاً وريحانا)

(ذُو منطق سَاحر مطر وَذَا عجب

للسحر ينشئه وَهُوَ ابْن عمرانا)

وَمن منتجات أشعاره قَوْله

(غُصْن تمايل فى قبَاء اخضر

بَين الْكَثِيب وَبَين بدر نير)

(ريم أحم المقلتين اذا رنا

فتن الانام بِسحر طرف احور)

(يَسْطُو على بأبيض من أسود

وَمن القوام اذا ثناه بأسمر)

(سلب النهى مِنْهُ بقوسى حَاجِب

اذ حل صبرى عقد بند الخنجر)

ص: 506

وَمِنْهَا فى الْمَدْح

(يعْطى الْكثير عفاته ويظنه

نزرا فيشفعه حَيا بالاكثر)

(لما أرانى جعفرا من جوده

فأريته شعر الْوَلِيد البحترى)

وَله

(جَاءَت تهز قوامها الا ملودا)

حسناء ألبسها الْجمال برودا)

(حورية فى اللَّيْل ان هى أسفرت

خرت لطلعتها البدور سجودا)

(لم يكفها تحكى الغزالة طلعة

حَتَّى حكتها مقلتين وجيدا)

(لعساء بَارِدَة اللمى وجناتها

كالجمر أحرقت الْفُؤَاد وقودا)

(هى رَوْضَة لِلْحسنِ صَار خدودها التفاح وَالرُّمَّان صَار نهودا

)

(فالحسن يكسو كل حِين وَجههَا

ثوبا اغر من الْجمال جَدِيدا)

(يستوقف الاطيار حسن غنائها

وغنائها ابدا تظن العودا)

وَقَالَ

(لَا تنكروا رمدى وَقد ابصرت من

أَهْوى وَمن هُوَ شمس حسن باهر)

(فالشمس مهما ان أطلت لنحوها

نظرا تُؤثر ضعف طرف النَّاظر)

(وَلَقَد أطلت الى احمرار خدوده

نظرى فعكس خيالها فى ناظرى)

وَله

(انْظُر الى أجفائه الرمد

تبدل النرجس بالورد)

(تحمر لَا من عِلّة انما

تأثرت من حمرَة الخد)

وَله أَشْيَاء كَثِيرَة من كل معنى مبتكر وَبِالْجُمْلَةِ فان // شعره جيد // وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَسبعين وَألف

يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو المحاسن الْقصرى الفاسى القطب النورانى المجدد على رَأس الالف الشَّيْخ الامام الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فى أنوار التجلى مَرْكَز أقطاب الدُّنْيَا أَخذ عَن البستى وَابْن جلال وَغَيرهمَا وَأخذ عَنهُ خلق كثير مِنْهُم أَخُوهُ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن وَكَانَ وَارِثا لمقام استاذه الاكبر سيدى عبد الرَّحْمَن بن عباد المجذوب فانه بِهِ تخرج وَقد أَشَارَ الشَّيْخ المجذوب الْمَذْكُور الى مقَام الوراثة مِنْهُ

الى عصره بقوله الحبيب مولاى مُحَمَّد الْقُلُوب مِنْهُ رويه الْكتاب عِنْد أهل السّنة وَالشرَاب عِنْد الصوفيه وَقد أفرد التَّرْجَمَة لشأنه وَذكر أخباره وَمَاله من الشُّيُوخ والتلامذة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الاحد ثامن عشر شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث عشرَة وَألف

ص: 507

يُوسُف بن مُحَمَّد البلقينى المصرى ثمَّ المكى رَئِيس الْقُرَّاء كَانَ من الافاضل الاجلاء حسن الْقِرَاءَة والتأدية ولقراءته وَقع عَظِيم فى الْقُلُوب انْتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة نَهَار الاربعاء حادى عشر الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالمعلاة

يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطهوائى المالكى كَانَ من أكَابِر عُلَمَاء الْقَاهِرَة فى الْفِقْه والْحَدِيث والاصلين وَالْكَلَام أَخذ عَن الْبُرْهَان اللقانى وأبى الْعَبَّاس المقرى وَمن فى طبقتهما وَألف مؤلفات لَطِيفَة مِنْهَا منظومة حَسَنَة فى العقائد سَمَّاهَا فيروزج الصَّباح وَله غير ذَلِك من تحريرات وتقريرات وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف

يُوسُف بن مُحَمَّد القاضى جمال الدّين بن محب الدّين الايوبى الانصارى الدمشقى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب كَانَ من دهاة الْكتاب شَدِيد الْبَأْس خَبِيرا باحوال النَّاس وَكَانَ فى أساليب الصكوك وَحسن الْخط وسط الْحَال تعانى فى اول أمره الشَّهَادَة بالكبرى وَصَارَ رَئِيسا بهَا ثمَّ نقل الى محكمَة الْبَاب وأثرى جدا وتملك الاملاك الْعَظِيمَة من الْبَسَاتِين وَغَيرهَا وَقفهَا على أَوْلَاده ثمَّ تفرغ عَن الرياسة وَلزِمَ الْعُزْلَة وعمى فى آخر أمره وَنقل ان سَبَب عماه حلف يَمِينا فاجرة فى خُصُومَة وَالله أعلم وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف عَن نَحْو تسعين سنة

يُوسُف بن القاضى مَحْمُود بن الملا كَمَال الدّين الكورانى الصديقى الاستاذ الْكَامِل الْعَالم الْعَامِل الحسيب النسيب الزَّاهِد أَخذ عَن كثير من شُيُوخ بِلَاده مِنْهُم ميرزا ابراهيم الحسينى الهمدانى وَعنهُ وَلَده الْعَلامَة مُحَمَّد وَغَيره وَله حَاشِيَة على حَاشِيَة الخيالى على شرح العقائد وحاشية على الخطائى وحاشية على تَفْسِير البيضاوى وَله رِسَالَة فى الْمنطق وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة بعد الالف

يُوسُف بن يحيى بن مرعى الطوركرمى الحنبلى رَحل الى مصر لطلب الْعلم فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ مَنْصُور البهوتى وَعَن عَمه الشَّيْخ أَحْمد وَغَيرهمَا وَعَاد فى سنة تسع وَأَرْبَعين وَكَانَ يُفْتى بِبِلَاد نابلس وَكَانَ يمِيل الى

ص: 508

القَوْل بِعَدَمِ وُقُوع الطَّلَاق فى كلمة مُوَافقَة لِابْنِ تَيْمِية وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ عَاشر صفر سنة ثَمَان وَسبعين وَألف

يُوسُف بن يُوسُف بن كريم الدّين الدمشقى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب بِدِمَشْق كَانَ شهما حاذقا أديبا مَشْهُور الصيت بعيد الهمة متمولا وَلم يكن فى الاصل مِمَّن سَاد بآبائه بل نبغ مجدا فى طلب المعالى فنالها باعتنائه وَصَارَ أَولا كَاتبا فى بعض المحاكم ثمَّ نقل الى محكمَة الْبَاب فَكَانَ بهَا مُدَّة ثمَّ صاهر القاضى أكمل بن مُفْلِح وَزوج كل من الآخر بنته ثمَّ لم يلبث القاضى أكمل حَتَّى مَاتَ فاستولى على مَا بِيَدِهِ من الاوقاف وَغَيرهَا وَكَانَ حُلْو اللِّسَان وَله دربة فى مصانعة الْقُضَاة ثمَّ مَاتَ مُحَمَّد نَاصِر الدّين الاسطوانى فتمت لَهُ الرياسة وَعظم شَأْنه وَلما كَانَ أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِبا بِدِمَشْق هدده فَتَنَاول مِنْهُ مَا شَاءَ من المَال ثمَّ ولاه قَضَاء الْعَسْكَر لما خرج الى قتال ابْن معن وَولى قَضَاء الركب الشامى وَجمع مَالا كثيرا ثمَّ سَافر الى الرّوم وانتمى الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَكَانَ يَوْمئِذٍ مُنْفَصِلا عَن قَضَاء العسكرين فَأعْطى رُتْبَة الدَّاخِل بمعونة شيخ الاسلام الْمَذْكُور ثمَّ عَاد الى دمشق وتصدر بهَا وَعمر الْقصر بصالحية دمشق وَهُوَ من أحسن المنتزهات وَفِيه يَقُول الامير منجك

(قُصُور الشَّام محكمَة المبانى

وَلَا قصر كقصر بنى الكريمى)

وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف

يُوسُف الاصم الصفرانى الكردى سمى الاصم لانه كَانَ يطالع وَمر عَلَيْهِ عَسْكَر كثير وتلوثت ثِيَابه بالطين من مَشى خيلهم وَلم يشْعر بهم فَسمى أَصمّ أحد أعاظم الْمُحَقِّقين قَرَأَ ببلاده على شُيُوخ كثيرين وَمن مؤلفاته تَفْسِير الْقُرْآن مَشْهُور بِبِلَاد الاكراد وَله فى الْفِقْه الْمسَائِل والدلائل وحاشية على حَاشِيَة عِصَام على الجامى وحاشية على حَاشِيَة شرح القطب للشمسية لقره دَاوُد وحاشية على حَاشِيَة الفنرى لقَوْل أَحْمد وحاشية على شرح الانموذج لسعد الله وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الالف بِقَلِيل

يُوسُف الزفزانى المغربى قَالَ المناوى فى تَرْجَمته تحول جده من الْمغرب الى زفزان قَرْيَة بالبحيرة فاستوطنها ثمَّ ولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة فحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده التصوف وسلك بِهِ وَمن آدابه قَالَ مَا رفعت بصرى الى وَجه والدى مُنْذُ سلوكى عَلَيْهِ وَلَا جَلَست بِحُضُورِهِ وَلَا واكلته ثمَّ تحول من مصر الى بولاق وَأَقْبل على الْعِبَادَة

ص: 509

الى ان مَاتَ فى سنة خمس عشرَة وَألف

يُوسُف القره باغى نِسْبَة لقره بَاغ من قرى همذان أحد أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين توفى فى نَيف وَثَلَاثِينَ وَألف

يُوسُف القيسى المالكى أحد أكَابِر مَشَايِخ الازهر الملازمين للدرس قَرَأَ عُلُوم الْعَرَبيَّة على الشَّيْخ أَبى بكر الشنوانى ولازم الْبُرْهَان اللقانى وشاركه فى كثير من مشايخه وَجلسَ للتدريس فاشتهر بالنفع التَّام وَكَانَ فِيهِ حِدة فاذا غضب يضْرب الطّلبَة وَله مؤلفات مِنْهَا حواش على شرح الشذور وَشرح الْقطر وَشرح الازهرية وَغَيرهَا وَكَانَت وَفَاته سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف

يُوسُف الْمَعْرُوف بالبديعى الدمشقى الاديب الذى زين الطروس برشحات اقلامه فَلَو أدْركهُ البديع لاعتزل صَنْعَة الانشاء والقريض عِنْد اسْتِمَاع نثره ونظامه خرج من دمشق فى صباه فَحل فى حلب فَلم يزل حَتَّى بلغ الشُّهْرَة الطنانة فى الْفضل والادب وَألف المؤلفات الفائقة مِنْهَا كِتَابه الصُّبْح المنبى فى حيثية المتنبى وَكتاب الحدائق فى الادب وَلما رأى كتاب الخفاجى الريحانة عمل كتاب ذكرى حبيب فَأحْسن وأبدع وَأطَال وَأَطْنَبَ وأعرب عَن لطافة تَعْبِيره وحلاوة ترصيعه الا أَنه لم يساعده الْحَظ فى شهرته فَلَا أعلم لَهُ نُسْخَة الا فى الرّوم عِنْد استاذى الشَّيْخ مُحَمَّد عزتى ونسخة عندى وَمن شعره مادحا ومودعا ابْن الحسام شيخ الاسلام حِين انْفَصل عَن قَضَاء دمشق

(أحاشيه عَن ذكرى حَدِيث وداعه

وأكبره عَن بثه واستماعه)

(وَمَا كَانَ صبرى عِنْد وَشك النَّوَى على الجوى غير صَبر الْمَوْت عِنْد نزاعه

)

(وَنحن بأفق الشَّام فى خدمَة الذى

يضيق الفضا عَن صَدره باتساعه)

(أجل حماة الدّين وَابْن حسامه

وحامى حمى أَرْكَانه وقطاعه)

(عَشِيَّة توديع المآثر والعلى

وكل فخار للورى فى رباعه)

(وَمَا سرت عَن وادى دمشق وَلم يسر

وسودده فى مدنه وضياعه)

وَلها تَتِمَّة وَله فى مدح النَّجْم الحلفاوى

(رويدا هُوَ الوجد الذى جلّ بارحه

وَقد بَعدت مِمَّن أحب مطارحه)

(هوى تاهت الافكار فى كنه ذَاته

وَمتْن غرام عَنهُ يعجز شَارِحه)

مِنْهَا فى الْمَدْح

(امام أَطَاعَته البلاغة مارقا

ذرى مِنْبَر الا وكادت تصافحه)

ص: 510

(تعد الْحَصَى وَاللَّيْل تحصى نجومه

وَلم يحص جُزْءا من سجاياه مادحه)

وشعره كثير أوردت مِنْهُ فى كتابى النفحة مَا فِيهِ مقنع ثمَّ ولى قَضَاء الْموصل ثمَّ توفى بالروم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف

يُوسُف الْمَعْرُوف بالحليق أحد مجاذيب دمشق الْمَشْهُورين بالكشف كَانَ يسكن بِالْمَدْرَسَةِ الحجازية وَكَانَ يمحو شعر وَجهه حَتَّى حواجبه وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت فَلَا يتَكَلَّم الا نَادرا وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته منتصف شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف

يُوسُف الرضى القدسى الحنفى الْخَطِيب بالاقصى وَرَئِيس عُلَمَاء الْقُدس فى وقته كَانَ من الْفُضَلَاء أهل النباهة حسن الْخلق والخلق سخى الطَّبْع أديبا فصيحا قَرَأَ على مَشَايِخ عصره وتفوق وَكَانَ يلى نِيَابَة الْقَضَاء بالقدس وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خِيَار أهالى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَت وَفَاته فى سنة ارْبَعْ وَسبعين بعد الالف انْتهى تمّ يَقُول مصححه الْفَقِير السقيم مصطفى وهبى أمده الله بفيضه الْعَظِيم ان أبهى مَا تسطره أيدى الفصحاء وازهى مَا تنمقه أَقْلَام البلغاء حمد الاله العلى شَأْنه الْعَظِيم سُلْطَانه وأعذب مَا ترتاح لَهُ النُّفُوس وتتزين بِهِ الطروس دوَام الصَّلَاة وَالسَّلَام على أكمل انسان سيدنَا مُحَمَّد الْمُخْتَار من جرثومة عدنان وعَلى آله أَعْيَان السادات وسادات الاعيان الَّذين شيدوا مبانى الدّين وقواعد الايمان وَبعد فان أجمل مَا تحلت بِهِ الهمم واعتنت بِشَأْنِهِ الامم علم التَّارِيخ اذ هُوَ مرْآة الزَّمَان وسجل غرائب الْحدثَان الْمُتَكَلف بابراز نكت الاخبار وابداء محَاسِن آثَار الاخيار بِهِ يعرف الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وأحوال الْعَالم فى البدو والحضر كم مشكلة أماط عَنْهَا اللثام وابرزها مجلوة على طرف الثمام وَكَفاهُ شرفاً أَن الْقُرْآن الْكَرِيم

ص: 511

احتوى على كثير من الاخبار ليذكر بهَا أولو الالباب والابصار وَلما كَانَت الْكتب فى هَذَا الْفَنّ الْجَلِيل لَا تدخل تَحت انحصار الا ان أَكْثَرهَا بعيد الْعَهْد متطاول الاعصار وَالنَّفس تتوق لاستكشاف مَا قرب مِنْهَا وَلم تبعد بِكَثِير عَنْهَا ابتدر الامير المتحلى بأنواع الْكَمَال الْمُرَجح لنشر الْعُلُوم بطبعه على سَائِر الآمال ذُو المعارف والعوارف مُحَمَّد باشا عَارِف اُحْدُ اعضاء مجْلِس الْأَحْكَام بِمصْر الْمُعْتَرف بفضائله الْعَصْر لطبع هَذَا السّفر الْمُفِيد وَالْكتاب الفريد الْمُسَمّى بخلاصة الاثر فى الْقرن الحادى عشر فانه حوى من آثَار الْفُضَلَاء ونكات الادباء مَا يشْهد لَهُ بِحسن النظام وَأَنه جدير بقول الاديب الْهمام

(وَرَأَيْت كل الفاضلين كَأَنَّمَا

رد الاله نُفُوسهم والأعصرا)

فَعندهَا لباه هَذَا العَبْد الضَّعِيف مجياله فى انجاز هَذَا الْغَرَض المنيف فبذل فى تَصْحِيحه جهده وجدد بجميل الطَّبْع عَهده فَظهر فى محلّة الْوُجُود على الْوَجْه الاتم لمقصود وَكَانَ تَمام طبعه وايناع طلعه بالمطبعة الوهبيه بِمصْر المحميه فى أواسط ذى الْحجَّة ختام أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة المحمدية على صَاحبهَا أزكى سَلام وابهى تَحِيَّة مالاح بدر تَمام وفاح مسك ختام م

ص: 512