الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا تأملت في كتب الأديان والملل فإنك تجد أن التزامهم إنما هو نتيجة طبيعية لإيمانهم بوجوب العدل مطلقاً، وإدراكهم أن نقد الأديان والملل لا يستقيم لهم مع الإخلال في عرضها، لأن ذلك يتيح للخصم أن يحتج عليهم بان العرض ناقص، والنقد كاذب
(1)
.
يقول ابن تيمية في رده على النصارى: "وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظهم بأعيانها فصلا فصلاً، وأتبع كل فصل بما يناسبه من الجواب فرعاً وأصلاً، وعقداً وحلاً"
(2)
.
ومن ذلك عدم إطلاق حكم عام على أهل دين وملة ما قبل حصول البحث والاستقراء، فحرصوا على شمولية الاستقراء، وعدم إطلاق الأحكام العامة، إلا بعد التثبت والتدقيق.
وبهذه الدقة الناتجة عن سعة الاطلاع، وشمول الاستقراء كان السلف يعرضون عقائد أهل الأديان والملل، وآراءهم.
3 -
العرض الموحي بالحكم الشرعي: من خصائص منهج أهل السنة في عرض العقائد، وأفكار المخالفين للإسلام أن الحكم الشرعي للأديان التي تدرس يظهر من خلال العرض، والسياق، الذي يوردون فيه، وما يعرضون من مقدمات ومنطلقات توحي إلى حكم ما سيعرض، ومن خلال الالتزام بالألفاظ الشرعية التي أطلقها الشارع على أهل الأديان والملل كتسميتهم بالكفار، والأعداء، ثم بحرصهم أن يعرض الباطل في صورته الحقيقية التي تظهر فساده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فأما القول الباطل فإذا بين فبيانه يظهر فساده"
(3)
.
ثانياً- في المناقشة والرد:
إذا كان بعض مؤرخي الأديان والملل اكتفى بوصف الأديان، وعرضها دون بيان صحيحها من فاسدها، فإن علماء السلف كانوا يصفونها، ويعرضونها من أجل المناقشة والنقد.
وترجع قدرتهم على المناقشة إلى الأمور الآتية:
1 -
كونهم أصحاب منهج واضح سليم من الأخطاء والمتناقضات والاضطراب.
2 -
شدة حماسهم وغيرتهم وحرصهم على حماية الدين، وتفانيهم في الدفاع عنه ضد كل الخصوم، وقد دفعهم هذا الحماس والغيرة إلى خوض المناقشات والمناظرات مع المخالفين، وبالتالي أكسبهم خبرة ودراية في أساليب الحوار والمناقشة.
3 -
سعة اطلاعهم، وعلو كعبهم في العلوم الشرعية.
(1)
انظر: مسلمو أهل الكتاب وأثرهم في الدفاع عن القضايا القرآنية، د. محمد السحيم، ص 2/ 774، دار الفرقان، الطبعة الأولى.
(2)
الجواب الصحيح 1/ 99.
(3)
مجموع الفتاوى: ص 2/ 145. انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص 225 - 233.
وقد ناقشوا عقائد الأمم وأفكارها نقاشاً قائماً على العلم والعدل، وبعيداً عن العاطفة المثيرة، أو الادعاء والتشهي، وكان من ركائز هذا النقاش التحليل النقدي: المقارنة العلمية البعيدة عن التعصب الممقوت، والرد المحكم.
والمقارنة عند علماء السلف تارة تكون بين الحق والباطل، كالمقارنة بين الإسلام والأديان المحرفة
(1)
، وتارة تكون بين حقين كالمقارنة بين الإسلام وبين الديانة اليهودية قبل تحريفها ونسخها، وتارة تكون بين باطلين كالمقارنة بين الأديان الباطلة، وذلك لبيان أن كفر بعضها وفساد عقائدها أشد من بعض، وهو منهج قرآني، قال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]
(2)
.
والقصد من هذه المقارنات كلها بيان الحق، وكشف الباطل. وقد تميز الرد عند السلف بأمور أهمها:
قوة الرد، وإحكام النقض لشبهات أهل الأديان والملل، بحيث لا تقوم قائمة لما يظنه أهل الباطل حججاً، وبراهين، ولأهمية هذا الأمر نهى السلف أن يناظر من ليس له أهليه في المناظرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ينهون عن المجادلة، والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة
…
"
(3)
.
(1)
الجواب الصحيح 2/ 4، 2/ 52، 4/ 46
(2)
سورة المائدة الآية: 82.
(3)
درء تعارض العقل والنقل: 7/ 173. انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص 233 - 235.