المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف عروة بن الزبير في الصبر والرضا - دروس الشيخ أحمد فريد - جـ ٥٧

[أحمد فريد]

فهرس الكتاب

- ‌مواقف إيمانية في الصبر على البلاء

- ‌أنواع الصبر وحاجة الإنسان إليه

- ‌تعريف الصبر وذكر مراتبه

- ‌منزلة الرضا ومحلها من الصبر

- ‌الفرق بين الرضا والصبر

- ‌فضل الصبر

- ‌فضل الصبر في القرآن الكريم

- ‌فضل الصبر في السنة النبوية

- ‌آثار عن السلف الصالح في الصبر والرضا

- ‌بعض الدوافع والأسباب التي تعين على الصبر والرضا

- ‌مواقف إيمانية في الصبر على البلاء والرضا بمر القضاء

- ‌موقف أيوب عليه السلام في الصبر على البلاء والرضا بالقضاء

- ‌موقف أم سليم الأنصارية في الصبر والرضا

- ‌موقف رجل صالح مع ملك ظالم في الصبر والرضا

- ‌موقف أبي عبيدة بن الجراح في الصبر والرضا

- ‌موقف عروة بن الزبير في الصبر والرضا

- ‌موقف الخنساء رضي الله عنها في الصبر والرضا

- ‌موقف سعد بن أبي وقاص في الصبر والرضا

- ‌موقف رجل أنصاري في الصبر والرضا

- ‌موقف عمر بن عبد العزيز في الصبر والرضا

- ‌موقف صفية بنت عبد المطلب في الصبر والرضا

- ‌موقف أسماء بنت أبي بكر في الصبر والرضا

- ‌موقف معاذة العدوية في الصبر والرضا

- ‌موقف امرأة عربية في الصبر والرضا

- ‌موقف إبراهيم الحربي في الصبر والرضا

- ‌موقف أم عقيل الأعرابية في الصبر والرضا

الفصل: ‌موقف عروة بن الزبير في الصبر والرضا

‌موقف عروة بن الزبير في الصبر والرضا

وهذا فارس آخر من فرسان الصبر وهو عروة بن الزبير: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: وقعت الأكلة في رجله فقيل له: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: إن شئتم، والأكلة الظاهر أنها مرض يصيب الأطراف وينتقل.

فجاء الطبيب فقال: أسقيك شراباً يزول به عقلك، وطبعاً يجوز أخذ البنج أو شيء يذهب العقل؛ لأن هذه الآلام قد تذهب بحياة الإنسان، فقد يدخل في صدمة عصبية، وقد يموت من ذلك، فالعلماء رخصوا في العمليات الجراحية، وعمليات البتر بتعاطي البنج ونحوه، ولكن عروة بن الزبير اختار المقام الذي لا يصبر عليه إلا من هو إمام في الصبر.

فجاء الطبيب فقال: أسقيك شراباً يزول به عقلك؟ فقال: امض لشأنك، ما ظننت أن خلقاً يشرب شراباً يزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه! قال: فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا له حساً، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت.

وما ترك حزبه من القراءة تلك الليلة.

وقال عامر بن صالح عن هشام بن عروة: إن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى وجد في رجله شيئاً، فظهرت به قرحة، ثم زاد به الوجع، فلما قدم على الوليد قال: يا أبا عبد الله! اقطعها، قال: دونك، فدعا له الطبيب، وقال له: اشرب المرقد، فلم يفعل، فقطعها من نصف الساق، فما زاد على قوله: حسي حسي، فقال الوليد: ما رأيت شيخاً أصبر من هذا.

وأصيب عروة رحمه الله في هذا السفر بابنه محمد؛ ركضته بغلة في إصطبل، فلم نسمع منه كلمة في ذلك، فلما كان بوادي القرى قال:{لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62]، اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحداً وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة، فإن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت.

فهذا موقف إيماني في الصبر على البلاء والرضا بمر القضاء، فكم من إنسان يدعي الإيمان، فإذا نزل به البلاء أو المصيبة تزلزل إيمانه، وأساء الظن بربه عز وجل! والمواقف الإيمانية كما ذكرنا غير مرة ثمرة من ثمرات الإيمان، فالدافع لها قوة الإيمان ومحبة الرحمان، ولا يصبر هذا الصبر الجميل إلا إذا اكتمل إيمانه، وعلا يقينه، وقد كان على هذا أئمة العلم والعمل والعبادة والجهاد.

فقد كان عروة يسرد الصيام، ويقوم بربع القرآن كل ليلة، ويحكم ما عند خالته عائشة رضي الله عنها من مرويات قبل وفاتها بثلاث سنوات.

وقد ورد أنه نظر إلى ساقه التي قطعت فقال: الله يعلم أني ما مشيت بها إلى معصية قط وأنا أعلم.

فرحم الله أئمتنا وجزاهم عنا خير الجزاء، فقد أسندوا لنا الأحاديث النبوية، وضربوا لنا أروع الأمثلة في العبادة والصبر والجهاد، ولا شك في أن هذه النماذج وهذه الهمم في العلم والعمل كلها تدل على بركة رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن توجد في أمة من الأمم مثل هذه الثمرات الطيبة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورحم الله علماء المسلمين وأعظم مثوبتهم.

ص: 16