الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوجه الاتفاق بين الحد والتعزير
وبين الحدود وبين التعزيرات فروق: فالفرق بين الحد والتعزير: أن الحد والتعزير كلاهما يتفقان في مسألتين، ويختلفان في سبع: فالحد هو ما حده الله تعالى حداً معيناً دون زيادة ولا نقصان لجرم بعينه، بشروط معينة.
والتعزير: ما لم يتوافر فيه ذلك، إلا أن التعزير والحد يتفقان في مسألتين: الأولى: أنهما عقوبتان شرعيتان يستند في إقامتهما إلى دليل شرعي.
فلو أن والداً أعطى ولده ديناراً ليشتري أشياء للبيت، فاشترى الولد لنفسه أشياء أخرى، فضربه الوالد ضربة أو ضربتين أو ثلاثاً، فنقول: إن الوالد هنا إنما يعزر ويؤدب ولده على تلك المخالفة، بخلاف ما لو أن هذا الولد أخذ من بيت الغير خمسمائة جنيه، أو ألف جنيه فإننا نقول في هذه الحالة: إن هذا لا يعزر، وإنما يحد، فقد وجب إقامته الحد عليه؛ لأنه سارق.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا حد في أقل من ربع دينار).
وفي رواية أنه قال: (حد السرقة في ربع دينار وما زاد).
والدينار والدرهم لغة المال في الكتاب والسنة، ويقصد بها: الذهب والفضة، فالذي يسرق ربع دينار ذهب -يعني: ما يقرب من مائة وأربعين جنيهاً، أو مائة وستين جنيها- فالذي يسرق هذا المبلغ لا بد- أنه قد استوجب حداً من حدود الله عز وجل، فلا يعزر، بخلاف الذي يسرق عشرة جنيهات فإنه يعزر ويؤدب ويلام ويؤنب بما يتناسب مع رده إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله.
أما الذي يسرق فوق حد النصاب، ويسرقه من حرز؛ لأن السرقة لها شروط، فلو أن رجلاً فتح الدرج وأخذ منه مالاً بلغ حد النصاب فإنه سارق، بخلاف من وجد مالاً في الطريق العام فالتقطه، وإن كان قد بلغ حد النصاب، فإنه لا يعد سارقاً، أي: أن اللقطة لها حكم، والسرقة لها حكم آخر.
وهنا نقول: إن الذي يلتقط هذا المال من الطريق العام إن كان هذا المال ذا قيمة فوجب على الملتقط أن يعرفه عاماً كاملاً في المكان الذي التقط فيه هذا المال، فإن ظهر صاحبه دفعه إليه، وإن لم يظهر صاحبه تملكه هو بشرط أن لو ظهر صاحبه بعد ذلك وجب رد المال إليه.
أما لو التقط رجل شيئاً يسرع إليه الفساد، حتى وإن بلغت قيمته النصاب؛ فإنه لا يلزمه الاحتفاظ بهذا الشيء؛ لأنه لو احتفظ به فسد، كمن وجد طعاماً، أو فاكهة يسرع إليها الخراب مع الوقت، فإننا لا نطالبه بالإبقاء والاحتفاظ بهذا الشيء عاماً كاملاً ليعرفه، ولكن نجيز لهذا الملتقط أن ينتفع بهذا المال، بل له أن يبيع هذا المال، وأن ينتفع بثمنه وبقيمته، فإن ظهر صاحبه فإما أن يشتري له مثل تلك البضاعة، وإما أن يدفع إليه المال الذي باع به تلك السلعة.
فهذا لا يقال عنه: سارق، وإنما السارق هو الذي يأخذ المال من حرز مغلق على هذا المال، يأخذه عنوة، يدخل المكان، ويأخذ المال ويهرب، فهذا الذي يقال عنه: سارق، فإن سرق أقل من النصاب استوجب التعزير، وإن سرق النصاب وما زاد استوجب الحد.
الشاهد من هذا: أنه لا يقام حد السرقة على كل من سرق، وإنما على من سرق مالاً بلغ النصاب، وسرقه من حرز، فيقام عليه الحد بهذين الشرطين، فالحد والتعزير إنما هما عقوبتان شرعيتان تستندان إلى دليل شرعي.
الوجه الثاني من أوجه الاتفاق بين الحد والتعزير: أنهما شرعا على سبيل الزجر، والتنكيل ورد العاصي الذي خرج عن سبيل الصراط المستقيم، وعن كتاب الله وسنة رسوله إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله، ويعمل بتقوى الله عز وجل، فإنما شرع الحد والتعزير للتنكيل والزجر، ورد العاصي إلى الطاعة، ولذلك حد واحد يقام في الأرض خير للناس جميعاً من أن يمطروا -مع الجدب وشدة الفقر والحاجة- أربعين صباحاً.
فلو أن رجلاً وقع على امرأة أجنبية فزنى بها، فجيء به في ميدان عام، ونقل أمره وأذيع على الهواء، ونظرت إليه تلك الملايين المملينة هنا وهناك وهو يقام عليه الحد -حد الرجم، أو حد الجلد- فلابد وأنه يعطي ردة فعل عند كل من تسول له نفسه أن يزني.
فإقامة الحد إنما هي أكبر عامل على طهارة المجتمعات، وليست فوضى ولا وحشية، وإنما يضحي المجتمع بأسره بواحد للحفاظ على بقية المجتمع، ولذلك أنت لو نظرت كم عقوبة زنى أقامها النبي عليه الصلاة والسلام لوجدتها اثنتين فقط، في المرأة الغامدية وماعز الأسلمي.
وكم حالة حد للسرقة أقامها النبي عليه الصلاة والسلام؟ قيل: واحدة.
وقيل: لا شيء؛ لأن الناس يخافون من إقامة الحد، ولا بأس بذلك؛ لأنني كما قلت: إذا كنت تدعي أن ذلك وحشية فلا بد وأن تنظر أن مالك معرض للسرقة.
فلو عطلت هذه الحدود فإن الواحد منا لا يأمن على نفسه ولا ماله، ولا أهله ولا أولاده في أي مكان؛ لأن الأمانة رفعت من الناس، فإن الواحد منا إذا كان يأخذ راتبه في آخر الشهر الذي شقي به ثلاثين يوماً لا يأمن أن يصل بهذا الراتب إلى بيته.
ولذلك تجد الناس في وقت قبضهم لرواتبهم واضعين الراتب في الجيب وواضعين أيديهم على جيوبهم خوفاً على الراتب؛ لأن الأمانة رفعت من كثير من الناس، فعندما يسعى الرجل ويشتغل الشهر كاملاً بهذا المرتب الذي لا يصلح أن يكون ثمنا