الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة المرأة الغامدية وصدقها في التوبة
أيها الأحبة! ولقد جاء في سير الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ما يدل على صدق توبتهم وصدق أوبتهم إلى الله جل وعلا، فمن الماضي والصدر الزاهر من عصر النبوة أذكر لكم قصة امرأة زنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلسعها حر المعصية، وآلمها حر الكبيرة، وأقلقها حر الفاحشة، فجاءت إلى رسول الله، وقالت: يا نبي الله! أصبت حداً فطهرني، عجباً لها ولشأنها ولأمرها، تعلم أنها جاءت وهي محصنة حدها الرجم بالحجارة حتى الموت، جاءت إلى رسول الله تقول: يا رسول الله! إنني حبلى من الزنا فطهرني، فانصرف عنها صلى الله عليه وسلم بوجهه يمنة، فعادت إليه، فالتفت يسرة، فعادت إليه، حتى الرابعة، فقال:(اذهبي حتى تضعي هذا الذي في بطنك) فذهبت فلما أن تمت حمله فصاله، عادت إلى رسول الله، قالت: يا رسول الله! أنا المرأة التي جئتك حبلى من الزنا فانصرفتَ عني وقلتَ: (اذهبي حتى تضعي حملك) وها أنا وضعته وهذا هو بين يديك، أقم حد الله علي، طهرني من ذنبٍ ارتكبته، ومن فحشٍ أجرمته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اذهبي حتى ترضعيه حولين كاملين) فذهبت به ترضعه حولين كاملين، وحرارة المعصية تلسع فؤادها، وتحرق قلبها، وتقض مضجعها، وتقلق ضميرها، فلما أن أتمت فصاله جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أنا المرأة التي جئتك حبلى من الزنا، فقلت:(اذهبي حتى تضعي جنينك) فذهبت فوضعته، ثم جئتك، فقلت:(اذهبي حتى تكملي رضاعه) وقد أتممت رضاعه حولين كاملين، وجاءت بالصبي وفي يده كسرة خبزٍ إشارة إلى أنه استغنى بأكله عن ثديها، لماذا؟ حتى لا يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر واحداً من الصحابة بكفالة رضيعها، فشدت عليها ثيابها رضي الله عنها، وجمعنا بها في دار كرامته مع نبينا والصحب الراشدين والأبرار الصادقين، فشدت عليها ثيابها، فرجمت، فأخذ أحد الصحابة فهراً رمى به على رأسها؛ فسالت دماؤها على ثوبه؛ فكأنه نال منها، فقال صلى الله عليه وسلم:(والله لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) لو زنا أهل المدينة، أو شربوا الخمر، أو أكلوا المكس كلهم لوسعتهم توبة هذه المرأة، مما بلغ بقلبها من الخوف والتعظيم لله، ومن كان بالله أعرف، كان منه أخوف.
أيها الأحبة! هذه قصة وحادثة، وحديثٌ ما كان يفترى من الصدر الأول، دليلٌ على عمق التربية الإيمانية التي ربى النبي صلى الله عليه وسلم الفرد والأسرة والمجتمع عليها، وإنها والله لمؤثرة، وفي القصص تأثير وعبر:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] ليس من نسج الأوهام والخيال.