المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ١٨٧

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌سر الخائفين

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله

- ‌خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه عند قراءته القرآن

- ‌خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أثناء الصلاة

- ‌بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة ابن مسعود القرآن عليه

- ‌نماذج من الخائفين

- ‌خوف عمر بن عبد العزيز من ربه

- ‌خوف أبي بكر الصديق

- ‌خوف ابن أبي ذئب

- ‌خوف عمر بن الخطاب

- ‌نماذج من سيرة النساء الخائفات من الله

- ‌خوف عائشة رضي الله عنه

- ‌خوف أم سليم رضي الله عنها

- ‌خوف الخنساء

- ‌بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس

- ‌تميز الصحابة بالخوف من الله

- ‌أسباب الخوف من الله

- ‌زيارة المقابر

- ‌تذكر الموت دائماً وأبداً

- ‌تذكر أن الله شديد العقاب

- ‌أسباب عدم مخافة الله

- ‌الغفلة

- ‌المعاصي

- ‌كثرة المباحات

- ‌ضياع الوقت

- ‌علامات الصدق في الخوف

- ‌أن يستوي ظاهر العبد وباطنه

- ‌أن يكون العبد صادقاً مع الله عز وجل في جميع أحواله

- ‌الندم على السيئة والفرح بالحسنة

- ‌أن يكون يومك خير من أمسك وغدك خير من يومك

الفصل: ‌النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله

‌النبي صلى الله عليه وسلم أخوف الناس من الله

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، عزّ جاهك، وجلّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، هدى الله به البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

سلام الله عليكم يوم اجتمعتم على ذكر الله، وقلب لا يخاف الله عز وجل فليس بقلب، وحي لا يرجو موعود الله عز وجل فليس بحي وإنما هو ميت، قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].

ومن يوم وقع رأس الإنسان في الأرض وهو مسئول أمام الله عز وجل، وهو واقع في مشكلة أريبة معقدة لا يقطعها ولا يحلها إلا الخوف من الحي القيوم، قال تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50 - 51].

ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

وأشرف ما يشرف هذا العبد الحي عبودية الواحد الأحد، فلا شرف له ولا خروج من المأزق إلا بأن يكون عبداً لله تبارك وتعالى، ولذلك شرف الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكره في أشرف المواطن بالعبودية، فقال:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

وقال في حقه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19]، وقال عنه:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1].

فالذي لا يتشرف بهذه العبودية، سوف يبقى ضالاً في الدنيا والآخرة ويحشر أعمى يوم يعرض الله الناس أولهم وآخرهم ليوم لا ريب فيه، ولذلك طالبنا سبحانه وتعالى بالخوف منه، وأخبرنا بأنه أعد جنتين اثنتين لمن خافه، حيث قال:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، وقال:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41].

ولذلك أجمع أهل العلم على أن أفضل المنازل منزلة الخوف مع الإخلاص، فمن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، والذي يخاف الله عز وجل يعمل، لأن المؤمن يحسن العمل ويخاف، والمنافق يسيئ العمل ويرجو، ولذلك فرق عند أهل السنة والجماعة بين أهل الإرجاء وأهل العمل الصالح من ناحيتين:

1 -

أهل العمل الصالح يخافون ويعملون.

2 -

وأهل التواكل والإرجاء يسيئون ويرجون.

وفرق بين الطائفتين وبون بين الفريقين.

ولذلك كان أخوف الناس هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ولا وجد أخوف منه لربه تبارك وتعالى، ولذلك يقول للصحابة وهم يجتهدون في العبادة، بعضهم من شباب الصحابة يرى ألا ينام الليل إلى الصباح، فقل لي بالله! أين شبابنا الذين يسهرون إلى الفجر على الليالي الحمراء وعلى الكلام الآثم الماجن الضائع؟

وقل لي بالله! أي جلسات تلك الجلسات التي يقطعها شيوخنا -إلا من رحم الله- في أعراض الناس بالغيبة والنميمة؟

يرى بعض الصحابة أن يقوم الليل ولا ينام حتى الفجر في عبودية الله، ويرى الفريق الآخر أن الأحسن أن يصوم النهار فلا يفطر أبداً إلا مع الغروب، ليجوع بطنه، ولتظمأ كبده، وليروى من الحوض المورود، يوم يذاد عن الحوض المورود بسبعين ألف ملك مع كل ملك مرزبَّةٍ من حديد، يريد أن يري وأن يشبع في ذلك اليوم، فيأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويعرضون عليه أحوالهم، فيقول:{أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له} وصدق عليه الصلاة والسلام، ولذلك أتى به الإمام البخاري في كتاب العلم في باب الخشية وعدها من أعمال القلوب التي ينكرها أهل الإرجاء، علم من ذلك أن أخوف الخلق لربه هو الرسول عليه الصلاة والسلام.

ص: 2