المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٢٠٣

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌أحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌المآثرة والحب في الله

- ‌ترجمة سعيد بن المسيب

- ‌ترجمة بعض رجال البخاري

- ‌فضل محبة المؤمن لإخوانه

- ‌واجبات المؤمنين على بعضهم البعض

- ‌الواجب الأول: النصيحة

- ‌الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين

- ‌واجب المؤمن على المؤمن

- ‌صور من العفو في عصر السلف الصالح

- ‌لوازم حب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌طاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌توقيره وتقديره عليه الصلاة والسلام

- ‌نماذج من محبة الرسول وطاعته

- ‌تقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول غيره

- ‌أسباب زيادة حبه صلى الله عليه وسلم

- ‌السبب الأول: تذكر المنة بإرساله صلى الله عليه وسلم

- ‌السبب الثاني: تتبع خصال الخير فيه صلى الله عليه وسلم

- ‌السبب الثالث: النظر في رحمته عليه الصلاة والسلام

- ‌السبب الرابع: أن مقام العبودية لا يتم إلا بحبه صلى الله عليه وسلم

- ‌سنن وآداب يوم الجمعة

- ‌استحباب السواك

- ‌التطيب ولبس أحسن الثياب

- ‌التبكير إلى المسجد

- ‌الإنصات للخطبة

- ‌كثرة الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الأسئلة

- ‌حكم تعليق القرآن على الجدران

- ‌الفرق بين المؤمن والمسلم

- ‌متى تكون النصيحة مطلوبة

- ‌حكم الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تأويل الحديث

الفصل: ‌الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين

‌الواجب الثاني: التودد وألفة المسلمين

الأمر الثاني الذي يجب أن يلاحظ: التودد والألفة للمؤمنين خاصة.

يقول عليه الصلاة والسلام: {ألا أنبئكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون} .

يألفهم الناس ويألفون الناس، والمقصود بهم في الحديث: المؤمنون ليس إلَّا.

المقصود به: المؤمنون الذين يألفهم المؤمن ويألفونه، أما المنافق فله أمر آخر، وكذلك الكافر، ولذلك يقول الله في سورة الأنفال ممتناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة الإسلامية:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].

ورد عند ابن جرير وغيره من المفسرين: أن الأوس والخزرج كانوا في مجلس من المجالس اجتمعوا فيه؛ والأوس والخزرج قبيلتان، مشهورتان، عظيمتان أزدتيتان، وهما الأنصار رضوان الله عليهم، كانوا في الجاهلية يتقاتلون، وبينهم يوم بعاث المشهور، فلما أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً، فنسوا تلك الإحن، وتلك الأحقاد، وتلك الثورات، فلما اجتمعوا في مجلس من المجالس رآهم ابن شاس؛ رجل من اليهود عليهم لعائن الله، واليهود يغيظهم جمع المسلمين، ويغيظهم اجتماع كلمة المؤمنين، فقام ابن شاس هذا الرجل اليهودي، فأتى إلى الأنصار فجلس بينهم، وأخذ يذكرهم بأيام الجاهلية، أيام الحروب التي وقعت بينهم بعد أن اهتدوا والرسول عليه الصلاة والسلام موجود بينهم، وهو حي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل عليهم القرآن، فأخذ يذكرهم فقام رجل منهم فقال: {نحن خير منكم يا أيها الأوس! قتلنا منكم يوم بعاث كذا وكذا، فقام الأوسي وقال: بل نحن قتلنا يوم كذا وكذا منكم كذا، وقال شاعرنا قيس بن الخطيب كذا، فقام الآخر وقال: حسان فيكم كذا، فقام رجل منهم وسل سيفه وقال: موعدكم الحرة -وهو من الأوس- أيها الخزرج! ثم تلبس الأوس بسيوفهم ورماحهم وخرجوا إلى الحرة الحرة؛ ظاهر المدينة، وخرج معهم الخزرج، -وهذا من ضعف البشر، طاشت العقول، ونسوا تعاليم الإسلام في تلك الفترة- وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته ومعه أبو بكر وعمر قالوا: يا رسول الله! أدرك الأوس والخزرج فإنهم مجتمعون في الحرة يريدون المبارزة والمقاتلة، وإن لم تدركهم فإنا نخشى أن ينهي بعضهم بعضاً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن عمر: والله لقد قام صلى الله عليه وسلم بلا حذاء من كثرة ما أتاه صلى الله عليه وسلم من الدهش والفزع على هذا الأمر العظيم، فأخذ صلى الله عليه وسلم برده ومشى.

قال: وإنه مهرول هرولة، ووراءه أبو بكر وعمر وكثير من المهاجرين فأتى صلى الله عليه وسلم وإذا هم يحاججون وقد أصبحوا صفين: الأوس في صف، والخزرج في صف، وقد سلوا السيوف، وامتشقوا الرماح، فقام صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! مالكم، ألست برسول الله؟ قالوا: بلى، قال: أتشهدون أن لا إله إلا الله؟ قالوا: بلى، قال: أتؤمنون باليوم الآخر؟ قالوا: بلى، فأخذ صلى الله عليه وسلم يسألهم بالله العظيم، أن يثوبوا إلى رشدهم ويتركوا أمر الجاهلية، ثم قال: مالكم أتفعلونه وأنا بين أظهركم، كيف لو مت؟! ثم ألقى عليهم صلى الله عليه وسلم موعظة فبدأ الأوس يلقون السيوف والرماح في الأرض وأخذوا يتباكون، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يتعانق الناس فتعانق الأوس والخزرج معانقة عظيمة وقام صلى الله عليه وسلم وسطهم وهو يبكي عليه الصلاة والسلام}.

وهذا سبب الآية على الراجح عند الجمهور، قال سبحانه وتعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103].

ثم أمرهم سبحانه وتعالى بأن يذكروا هذه النعمة بعد أن كانوا متحاسدين، ومتحاقدين، ومتقاتلين، ومتباغضين.

فرجعوا إلى المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم معهم، وقام عليه الصلاة والسلام فألقى خطبة على المنبر ودعا بقية الأوس والخزرج وأخبرهم بهذه النعمة، فعاد الإخاء، وهذه حكمة من الله سبحانه وتعالى، ليجدد للقلوب وليرد للأرواح ما فقدته في بعض الأوقات التي يضعف فيها البشر.

ص: 8