المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أعمال الدعوة إلى الله عبادة - دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم - جـ ٦٤

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقتطفات الدعوة وأهدافها

- ‌شرح حديث: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم)

- ‌نصوص ترغب في تعليم الناس ودعوتهم إلى الله

- ‌مفهوم الدعوة إلى الله

- ‌مفهوم لفظ الدعاة

- ‌منطلقات الدعوة إلى الله تعالى

- ‌الدعوة إلى الإسلام لكونه ديناً لا لبيان أفضليته على النظم الأرضية

- ‌القيام بأعباء الدعوة إلى الله من جملة التكاليف الشرعية

- ‌صور من رحمة الأنبياء عليهم السلام بأقوامهم

- ‌أعمال الدعوة إلى الله عبادة

- ‌مظاهر الانحراف عن هذا المنطلق

- ‌الشعور بالشفقة والرحمة على عباد الله تعالى

- ‌مصادر الدعوة إلى الله تعالى

- ‌القرآن الكريم

- ‌السنة النبوية وسير السلف والاستنباطات الفقهية الدعوية

- ‌ضرورة التزام المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله

- ‌لماذا يتبع منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌الأضرار الناتجة عن الخروج عن المنهج الصحيح في الدعوة

- ‌أهل السنة والجماعة

- ‌العلاقة بين السنة والجماعة

- ‌اختصاص اسم أهل السنة بأهل السنة دون غيرهم

- ‌نشأة اسم أهل السنة والجماعة

- ‌مفهوم الجماعة

- ‌سبب تسمية أهل السنة بالجماعة

- ‌مفهوم السنة

الفصل: ‌أعمال الدعوة إلى الله عبادة

‌أعمال الدعوة إلى الله عبادة

أول هذه المنطلقات أن أعمال الدعوة عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، فالدعوة مثل أي عبادة أخرى، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر، فالدعوة عبادة، وليست تقصر عن تعريف العبادة، فلا يعملها المسلم لهوى في نفسه، أو لرغبة في العلو في الأرض، فلا يدع إلى الله لأنه يريد العلو في الأرض، أو لأنه يريد أن يشتهر، أو لأنه يريد أن يجتمع الناس حوله، أو لأي شيء من هذه الأغراض؛ فإن هذا يعد انحرافاً عن المنطلقات الصحيحة التي ينبغي أن تنطلق منها الدعوة، بل عليه أن ينتمي إلى هذه الدعوة وينقاد إليها امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى؛ لأنه كما أمره بالصلاة وكما أمره بالزكاة والصيام؛ أمره -أيضاً- بالدعوة إليه ودلالة الخلق عليه تبارك وتعالى.

والله تعالى يثيب الإنسان في البهائم كما في الحديث: (في كل ذات كبد رطبة أجر)، فإذا كنت مأجوراً إذا أحسنت إلى حيوان أو بهيمة فسقيتها أو أنقذتها من الهلكة فما بالك إذا أنقذت إنساناً أو أنقذت مسلماً من الهلكة إن أوشك على الغرق أو الحرق أو التلف فأنقذت روحه؟! وقد قال تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32] والحياة هنا حياة البدن، فما بالك بمن يحيي روح هذا الإنسان وقلبه ويدرجه ضمن أولياء الله وعباد الله الصالحين حتى يسلك الطريق إلى دار السلام؟! لا شك أن ثوابه أعظم.

ومع ذلك نجد أننا في غفلة عن هذا النفع الذي ينتفع به جميع خلق الله تبارك وتعالى لأجل العمل الصالح، فهل أحد منا يشعر أن النملة في حجرها تستغفر لمن يعلم الناس الخير؟! لقد أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وحتى الحيتان في البحر تستغفر لمعلم الناس الخير، فأي فضل فوق هذا؟! فنحن في غفلة عن هذا، وكل ما خلق الله تبارك وتعالى يدعو للداعي إلى الله تعالى كما في الحديث الذي ذكرناه آنفاً:(إن الله تعالى وملائكته، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون -أي: يستغفرون ويدعون- على معلم الناس الخير)، فأي فضل فوق هذا؟! ومن يزهد في مثل هذا؟! فالشاهد أن أعمال الدعوة هي عبادة يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى كأي عبادة أخرى، وليست دعوة إلى العصبية، أو إلى الحزبية، أو إلى العلو في الأرض والارتفاع على الآخرين، أو استجابة لداعية الهوى، إنما يعملها المسلم انقياداً لأمر وتكليف جاء من الله عز وجل في قوله تبارك وتعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، ويقول عز وجل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].

كما أنه يعملها طمعاً في ثواب الله عز وجل الذي أشرنا إليه آنفاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وفي رواية:(خير لك مما طلعت عليه الشمس)، خير من أن تقتني كل ما على وجه هذه الأرض، بل كل ما طلعت عليه الشمس.

وقال صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله).

إذاً: هذا هو المنطلق الصحيح الذي ينبغي أن ينطلق منه كل داعٍ إلى الله عز وجل.

وإذا أردنا أن تتضح الصورة أكثر فبالضد تعرف الأشياء، فما هي العوامل أو الأشياء التي تقدح في الانطلاق من هذا المنطلق؟ ما هي مظاهر الانحراف عن هذا المنطلق؟ هي عدة أمور: أولها: هيجان الرغبات النفسية والشخصية، وقيام حجاب الأنانية، وحب الذات فيمن يسير على هذا الطريق، وهذا علاجه أن يديم الإنسان ذكر الله عز وجل بقلب حاضر، ويكون كما قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، وقوله عز وجل:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

ومن مظاهر الانحراف عن هذا المنطلق: تحول هذه العبادة بمرور الزمن إلى مجرد فكرة أو مذهب سطحي يقارع به المذاهب الأخرى، دون أن يعيش في الحقيقة الإسلامية الكلية المتمثلة في قوله تبارك وتعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام:162 - 163].

ومن مظاهر هذا الانحراف: التناقض بين الفكر والعمل، فبعض الناس يتذاكرون أمور الدعوة إلى الإسلام، وينفقون الساعات الطوال في مناقشة أمور الدعوة وأحوال المسلمين، وينسون في غمار حديثهم أهم الواجبات الدينية، كالقيام إلى الصلاة في أول وقتها، ثم لا يقومون إليها إلا آخر الوقت متثاقلين، أو يصلون بسرعة خاطفة شأن من يريد أن يسرع ليتخلص من عبء يلازمه.

أن بعض الناس يسهرون الليل الطويل في مناقشة الدعوة ومشكلات المسلمين وما حدث لهم، ويظن أحدهم أنه بهذا يعمل في الدعوة للإسلام، فهذا لا بأس به، لكنه قرب الفجر بقليل ينام وقد سهر الليل الطويل ويضيع صلاة الفجر، فهذا -أيضاً- من مظاهر الانحراف، فلا ينبغي أن يناقض الفكر الذي يدعو إليه السلوك العملي الذي ينبغي أن تطبقه في نفسك.

فهذا هو المنطلق الأول، وهو أن أعمال الدعوة تنبعث عبادة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، لا يعملها لهوى في نفسه أو رغبة في العلو في الأرض.

ص: 10