المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إدراك سير الجادين من السابقين - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ١٥

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌نحو تربية جادة

- ‌المواجهات الضخمة تتطلب تربية جادة

- ‌من عوامل طرح موضوع التربية الجادة

- ‌صفات الرجل الجاد

- ‌برامج التربية الجادة

- ‌الوسائل المعرفية للتربية الجادة

- ‌العناية بموضوع التربية وإدراك أهميته

- ‌إدراك سير الجادين من السابقين

- ‌إدراك بذل الأعداء وجدهم في حرب الدين

- ‌إدراك الواقع وتحدياته

- ‌الثقة بتحقق الهدف

- ‌إدراك حقيقة الحياة الدنيا وزوالها

- ‌الوسائل العملية لتحقيق التربية الجادة

- ‌العبادات

- ‌السعي إلى تحقيق رتبة الإحسان

- ‌القدوة العملية

- ‌صحبة الجادين

- ‌التخلص من المعوقات

- ‌الواقعية

- ‌الجرأة على تجاوز الأعراف الخاطئة

- ‌مراعاة العمل المناسب

- ‌الأخذ بالعزائم

- ‌حسن اختيار المربي

- ‌التعويد على العمل

- ‌الأسئلة

- ‌نصيحة للشباب الذين لا يحضرون الدروس العلمية

- ‌تعليق على ظاهرة الفتور في العبادة

- ‌كيفية التعامل مع الكتب التربوية

- ‌نصيحة لمن حلق لحيته بعد أن كان ملتزماً بالسنة

- ‌التحذير من اليأس من أحوال الناس

الفصل: ‌إدراك سير الجادين من السابقين

‌إدراك سير الجادين من السابقين

الجانب الثاني أو الأسلوب الثاني: إدراك سير الجادين.

إن النماذج والقدوات العملية تترك أثرها في النفوس وتبقى شواهد حية على مدى تأهل هذه المعاني النظرية إلى أن تتحول إلى واقع حي ملموس وإلى أن تترجم هذه المشاعر وهذه الاقتناعات في عمل وفي سلوك وفي مواقف في جوانب الحياة كلها، والتاريخ مليء بهذه النماذج التي حين نقرأ فيها ونبرزها أمام الجيل فإنها تورث التطلع إليها، إن جيلنا اليوم يعاني من أزمة حادة في القدوة، نعم، إنه تبدو أمامه قدوات ونجوم لامعة في مجالات وجوانب من اللهو والعبث الفارغ، وما كان لمثل هذه النماذج الساقطة أن تتبوأ هذه المنزلة لولا أن الساحة شاغرة، ولو منحت هذه الساحة للنماذج الحقة المنتجة لم تجد تلك الشخصيات الساقطة لها مكاناً في مثل هذا الميدان.

وهو منهج وأسلوب قرآني فقد عني القرآن كثيراً بإبراز النموذج الجاد أمام المسلمين وأمام الأمة، ولنأخذ على ذلك أمثلة من قصص القرآن! لو سألتكم: عددوا لي القصص التي جاءت في كتاب الله عن أنبياء الله والمرسلين وفي كم موطن كررت القصص التي جاء الحديث فيها عن أقوام ليسوا بأنبياء كم يأتي الحديث كثيراً في كتاب الله عن مثل هذه النماذج خاصة في الفترة المكية والتي كانت فترة تعد فيها تلك القاعدة التي حملت الرسالة وحملت هذا الدين كم كررت قصة موسى مع قومه في القرآن؟ وماذا يعني إبراز هذا النموذج أمام المسلمين من المستضعفين في مكة إذ ذاك؟ إنه كان يعني أن يبرز هذا النموذج الجاد قدوة للمسلمين حين آمن سحرة فرعون وتوعدهم فرعون إذ آمنوا دون أن يأذن لهم وهذا الإيمان كان في مصطلح فرعون وعرف فرعون حيلة ومؤامرة يخفى وراءها مطامع وأهداف: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:123] وقال لهم متوعداً مهدداً: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71] كان فرعون يقول هذه الكلمة وهو يعي ما يقول وكان على أتم استعداد أن ينفذ ما يقول، وكان أولئك السحرة هم الأداة التي يبطش بها فرعون فهم يعرفونه جيداً ويعرفون أنه سينفذ ما يقول، فماذا كانت مقالتهم وماذا كان موقفهم؟ {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:72 - 75].

كم أبرز هذا النموذج أمام المؤمنين في مكة حيث كانوا يعانون الاضطهاد والإيذاء في دينهم، وذلك ليكون هذا نموذجاً وقدوة حسنة.

الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يقول ربه تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34]{وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34]{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111]{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35].

وهكذا في آيات كثيرة يُخاطَبُ النبي صلى الله عليه وسلم ويُخاطَبُ المؤمنون وتُخاطَبُ الأمة بمثل هذه النماذج والصور الجادة.

وفي غزوة أحد حين أصاب المسلمين ما أصابهم ونزلت تلك الآيات تعقيباً على هذا الموطن أبرز هذا النموذج الجاد أمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تبارك وتعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أ

ص: 8