المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استغلال الأموال في الدعوة إلى الله - دروس للشيخ سعيد بن مسفر - جـ ٦٠

[سعيد بن مسفر]

فهرس الكتاب

- ‌دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله

- ‌أهمية معرفة الهدف من خلق الإنسان

- ‌عبادة الله هي الحكمة من خلق الإنس والجن

- ‌شمولية العبادة لجزئيات الحياة

- ‌الدعوة إلى الله وتحميل تبعاتها للمسلمين

- ‌أولويات في الدعوة إلى الله

- ‌استغلال الأموال في الدعوة إلى الله

- ‌أسس ومقومات الدعوة إلى الله

- ‌الشعور بالمسئولية

- ‌التخطيط السليم

- ‌التهيئة النفسية للاهتمام بقضايا الدعوة

- ‌استغلال الطاقات البشرية عن طريق الأموال

- ‌غريزة حب المال والاستثمار الحقيقي مع الله

- ‌فائدة الإنفاق في سبيل الله في الدنيا والآخرة

- ‌الإنفاق في سبيل الله من علامات الإيمان

- ‌الزكاة أحكامها ومصارفها

- ‌أحكام التجارة وآدابها

- ‌السماحة

- ‌الصدق

- ‌بيان العيوب التي في السلع

- ‌عدم المبالغة في الوصف لإغراء المشتري

- ‌التبكير في العمل التجاري

- ‌عدم الاتجار في الحرام

- ‌تجنب الحلف حال البيع والشراء

- ‌الوفاء في الكيل والميزان والزرع

- ‌عدم ترك العبادات من أجل التجارة

- ‌عدم التعامل بمعاملة محرمة كالربا

- ‌الأسئلة

- ‌الجمع بين الدعوة وممارسة التجارة

- ‌كيفية المبادرة لعمل الخير قبل التكاسل عنها

- ‌دور الشباب في الدعوة

الفصل: ‌استغلال الأموال في الدعوة إلى الله

‌استغلال الأموال في الدعوة إلى الله

هذه الدعوة -أيها الإخوة- يجب أن يمارسها المسلم من خلال وضعه الذي يعيشه، فالطبيب والمهندس والضابط والموظف والمرأة والمزارع بإمكانهم أن يكونوا دعاة إلى الله، لكن أبرز الناس قدرة على الدعوة إلى الله بالمال هو التاجر وذلك لأن عنده إمكانية.

لقد مارس سلفنا وسلفكم التجار هذا، ونصر الله بهم الدين، وتعرفون الأمثلة: خديجة رضي الله عنها سخرت أموالها لخدمة الدعوة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

أبو بكر رضي الله عنه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال كمال أبي بكر).

عثمان رضي الله عنه تاجر الصحابة في غزوة العسرة، جاءت تجارته من الشام بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، محملة بالسمن والدقيق، في زمن مجاعة، وكانت الأرض مثل الرماد، وسمي ذلك العام بعام الرمادة، انحبس المطر حتى أصبحت الأرض مثل الرماد، ولا يوجد هناك إلا ما يأتي من السماء، والناس في شدة وضيق، ولما جاءت القافلة بثلاثمائة بعير قام التجار كلهم في المدينة من أجل أن يكسبوا، فأعطوه في الدينار ديناراً -أي: مكسب (100%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

فأعطي ديناران في الدينار -أي: (200%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

ويعرفون أنه صادق لا يكذب، ليس مثل بعض التجار يقول: أُعطيتُ أكثر.

وهو كاذب، إذا قال هذا الكلام وجاءه ربح أكثر بناءً على كلمته فدخله حرام (100%)؛ لأن ذاك صدقه! مثلاً: يقال للبائع: السيارة هذه بكم؟ قال: أُعطيتُ فيها ثلاثين ألفاً.

ولم يعطَ ذلك المبلغ، إذاً لماذا تريد أن تزيد في السعر، ليعطيك فرقاً فيعطيك واحداً وثلاثين ألفاً، لأنك افترضت ثلاثين كذباً، إذاً هذا الدخل حرام.

أما عثمان فصادق - ذو النورين الذي تستحي منه الملائكة رضي الله عنه وأرضاه- قال: أعطيت أكثر.

حتى وصلت إلى خمسة -أي: (500%) - قال: أُعطيتُ أكثر.

فاجتمع التجار كلهم، قالوا: من الذي أعطاه؟ نحن كلنا تجار المدينة، هل هناك أحد جاء من السماء؟ لا يوجد إلا نحن، والرجل لا يكذب، ثم جاءوا إليه وقالوا: قد تشاورنا ولم نجد أحداً أعطاك أكثر مما أعطيناك، فمن أعطاك؟ قال: أعطاني الله، أعطاني في الدينار عشرة دنانير إلى أضعاف كثيرة، قال: هي في سبيل الله.

فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة بعير محملة قال فيه: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم) هذا هو المال الرابح أيها الإخوة! أبو الدحداح رضي الله عنه وأرضاه لما سمع قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:245] قال: [ربنا يستقرضنا؟ قال: اقرأ بقية الآية {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245]] الله غني، لا يستقرض منك لأنه فقير، لكن من أجل أن يزيد ويضاعف لك الأجر.

وأبو طلحة لما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] قال: يا رسول الله أحب مالي بيرحاء -وهو بستان في المدينة - أشهدك أنها لله عز وجل، قال:(بخٍ! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح!).

وهكذا استمرت -أيها الإخوة- أيادي الدعوة والخير تنتقل، بل دخل دين الإسلام عن طريق التجار إلى دول مثل: إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة، فهذه البلاد فيها مئات الملايين من المسلمين، لم تفتح بلادهم عنوة ولا بالسيف وإنما بالتجار المسلمين الذين كانوا يحملون هَمَّ الدعوة، انتقلوا بالتجارة ومعهم الإسلام فدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، دعوا إلى الله بألسنتهم وبفعلهم وتطبيقهم، فدخلت تلك الدول في دين الله.

ص: 7