المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه - دروس للشيخ سعيد بن مسفر - جـ ٩٠

[سعيد بن مسفر]

فهرس الكتاب

- ‌الضعف والتراخي في حياة الملتزمين

- ‌النعمة الحقيقية في الدنيا هي نعمة الدين

- ‌صفات طالب الآخرة

- ‌من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

- ‌الصبر على طاعة الله وعن معصية الله

- ‌أسباب الحديث عن الضعف والتراخي في حياة الملتزمين

- ‌خطورة الضعف الديني على المسلم

- ‌مظاهر الضعف الديني

- ‌سوء الترتيب في أولويات العمل في الدين

- ‌الجدل والمراء والتعصب للرأي

- ‌الترف العلمي

- ‌التجاوز والتبذير في المباحات

- ‌قسوة القلب وتحجره

- ‌عدم الجدية في تلقي أمر الله

- ‌أسباب الضعف والتراخي في التدين

- ‌عدم إعداد النفس وترويضها

- ‌الاستهانة بالذنوب

- ‌التفريط في الواجبات

- ‌عدم تنظيم الأوقات

- ‌تغلب هموم الدنيا على هموم الآخرة

- ‌سوء البداية

- ‌عدم استشعار المسئولية التاريخية عن هذا الدين

- ‌العلاج

- ‌استشعار المسئولية في حمل هذا الدين

- ‌إيجاد روح الجدية في قلب المؤمن

- ‌تنظيم الأوقات وترتيب البرامج وتنويع النشاطات

- ‌البعد والحذر من المعاصي والذنوب

- ‌الحرص على الطاعات وقرناء الخير

- ‌الاعتدال والتوسط والحرص على السنة

- ‌التدرج في الدعوة

- ‌الإكثار من ذكر الموت

- ‌الاهتمام بالرقائق والقصص والأحداث

- ‌النظر والاعتبار بأخبار الذين انحرفوا بعد الهداية

- ‌الأسئلة

- ‌حكم عمل النساء بمهنة التمريض

- ‌حكم زيارة الرحم الذي لا يصلي

- ‌اختلاط الرجال بالنساء في كلية الطب

- ‌نصيحة للنساء اللاتي يحضرن إلى المسجد بأطفالهن

- ‌كيفية الخلاص من المعاصي

- ‌حكم إظهار الطاعات للناس

الفصل: ‌من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

‌من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

لا بد من حبسين: حبس على طاعة الله، وحبس عن معصية الله، وستعيش في هذين الحبسين في نوع من المعاناة والتعب، ولكن اصبر وصابر ورابط واتق الله لعلك تفلح هذه وصية الله، يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] تصبر على ماذا.

على النوم، تصبر على الرز واللحم، على الأغاني والطرب؟ لا.

بل تصبر على المر، أين المر؟ في معاناة الطاعات، كونك تقوم نصف الليل، تقوم آخر الليل لصلاة الفجر، كونك تخرج زكاة مالك، كونك تبر والديك، وتصل رحمك، وتدعو إلى الله، وتريق دمك في سبيل الله، تصبر على دين الله، وأيضاً تصبر عن المعصية، تصبر على المخالفة، تغض بصرك وقلبك يتقطع عن النظر، لكن تقول: والله لا أنظر لو يتقطع قلبي، تصد وتصون سمعك عن الأغاني وقلبك يتقطع على أغنية كنت قد عرفتها من الماضي وكنت تعيش معها لكن لما آمنت واستقمت والتزمت والله لا أسمع، تصون وتحفظ بطنك عن الحرام ولو تأكل من الطين لكن لا تقدر أن تأكل الحرام، ريال حرام لا تستطيع أن تأكله (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

يذكر أهل العلم أن رجلاً حج بيت الله الحرام من بلاد مصر في الزمن القديم قبل حوالي مائة سنة، وفي مكة انتهت مادته، وبحث عن عمل يقتات منه فلم يجد، ومرت عليه أيام وليال ما ذاق طعم العيش، حتى صفر جلده من الجوع، وخرج من بيت الله الحرام في ظهر يوم وإذا به يجد أمامه منديلاً أخضر ساقطاً في الأرض، ضالة، فحمله وفتحه وإذا بداخله عقد من اللؤلؤ ثمنه مائة ألف درهم -وهو يكاد يموت جوعاً- فربطه، وقال في نفسه: والله إن فرحتي به لا تعدل حزن صاحبه عليه.

ثم أدخله في جيبه، وإذا بذلك الرجل يصيح على باب المسجد وفي الساحات المحيطة: من وجد منديلاً قال: تعال، كيف هو؟ قال: أخضر.

قال: ما بداخله؟ قال: عقد لؤلؤ.

قال: أهو هذا؟ قال: نعم.

قال: خذه بارك الله لك.

فقام ذاك وأخرج من جيبه ألف درهم وأعطاه قال: هذه مني لك هدية.

قال: والله ما كنت لآخذها منك وقد رفضتها، ولكن لا آخذها إلا من الله.

لا العقد ولا الألف وهو يكاد يموت جوعاً! وتركها لله.

ومرت الأيام والليالي ووجد عملاً بسيطاً وحصل منه على دخل بسيط، ثم رحل إلى جدة وركب البحر وذهب إلى أرضه، وفي وسط البحر هاجت الريح وزمجرت، وتلاطمت الأمواج وتحطمت السفينة، وغرق كل من في السفينة، ونجّى الله هذا الرجل على خشبة تشبث بها وهو يذكر الله بالليل والنهار، وجلس في البحر أياماً، ثم قذفته الأمواج على شاطئ البحر وجلس يمشي، ثم دخل قرية من القرى فوجد فيها قوماً فيهم دين وفيهم خير -وكان صاحب علم عنده قرآن وعنده دين- فجلس عندهم أياماً، ثم قدموه فصلى بهم، ثم أحبوه وألفوه فعرضوا عليه أن يقيم عندهم فوافق على الإقامة عندهم، وعقد لهم الحلقات والدروس في الصباح وفي المساء للأطفال والكبار، وبعد فترة قالوا له: يا شيخ! أنت أصبحت واحداً منا، نريد أن نزوجك فهل تقبل؟ قال: نعم.

ولكن ليس عندي شيء.

قالوا: كل شيء موجود: البيت موجود، والمهر موجود، والزوجة موجودة، لكن عليك أن توافق.

قال: موافق، بارك الله فيكم.

فوافق، وبعد صلاة العشاء عقد في المسجد على الزواج ثم دخل بيته -بيت الزواج المهيأ- وحينما دخل البيت ودخل غرفة النوم وإذا بتلك الفتاة الجميلة التي ليس لها مثيل تقف أمامه، وإذا في صدرها ذلك العقد الذي رآه في مكة، عقد اللؤلؤ معلق في رقبتها! فلما رآه رجع قال: أين أبو البنت؟ قالوا: موجود، فجاء وسلم عليه، وقد مرت سنين، قال: يا شيخ أسألك بالله أنت حججت؟ قال: نعم.

قال: حصل لك شيء في الحج؟ قال: نعم.

قال: ما هو؟ قال: أنا رجل ثري وعندي مال ولا أملك في هذه الدنيا إلا هذه البنت، وحججت بيت الله الحرام وأخذت لها هدية هذا العقد، وبعد ذلك وقع مني على باب الحرم وبحثت عنه، وبعدها لقيته عند شخص من أهل الخير الله يذكره بالخير ويجزيه عني خيراً، ورده لي وأعطيته ألف درهم فرفضه، وبعد ذلك عقدت العزم ونذرت أني إن لقيته زوجته بهذه البنت، ولكن انتظرت ولم ألقه فزوجتها بك أنت، ولو لقيته قبلك لزوجته قبلك.

قال: أنا ذلك الرجل، تذكره وإذا به يعرفه فتسالما وتعانقا، وقال: أنا ذلك الرجل.

(من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

ص: 4