المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من مزايا أبي بكر الصديق الثقة بالله تعالى - دروس للشيخ صالح المغامسي - جـ ٢١

[صالح المغامسي]

فهرس الكتاب

- ‌مواقف من حياة الصديق

- ‌من نصرة دين الله حرص المسلم على حضور الجمع والجماعات

- ‌من نصرة دين الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌من نصرة دين الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌من نصرة دين الله تعالى نشر العلم وإحياء السنن

- ‌من مواقف الصديق التضحية بالنفس والمال

- ‌من مواطن إنفاق المال

- ‌من مزايا أبي بكر الصديق الثقة بالله تعالى

- ‌الأسئلة

- ‌نصيحة لمن به وسواس في الوضوء والصلاة

- ‌نصيحة للآباء في تربية أبنائهم على الصلاة

- ‌كيفية التحمس لقيام الليل

- ‌الكلام عن كتب العقلانيين وفكرهم وتبرئة العلماء من ذلك

- ‌حكم تدريس شعر صلاح عبد الصبور

- ‌نصيحة لمن اعتاد على العادة السرية

- ‌نصيحة لمن يبيع المجلات التي فيها صور النساء الكاسيات العاريات

- ‌حكم سلام المرأة على أخي زوجها أو زوج أختها عبر الهاتف، والسؤال عن أحوالهم

- ‌ترتيب كفارة اليمين

- ‌حكم من وضعت حول ولدها بطانية فمات

- ‌نصيحة للذين يستخدمون الدشوش الفضائية

- ‌حكم قص المرأة شعرها زينة لزوجها مع عدم التشبه بالكافرات

- ‌حكم من كان مقصراً في حق زوجته من حيث المصاريف وغيرها

- ‌وقت فرض الحج وطعام أهل الجنة

- ‌حكم الإيداع في بنك فيصل الإسلامي

- ‌السبب الذي جعلنا نبتعد عن ديننا ونميل إلى دنيانا

- ‌كيفية المحافظة على زيادة الإيمان

الفصل: ‌من مزايا أبي بكر الصديق الثقة بالله تعالى

‌من مزايا أبي بكر الصديق الثقة بالله تعالى

ومن مزايا أبي بكر: الثقة بالله تبارك وتعالى، فلما قدم ماله يوم تجهيز جيش العسرة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ماذا أبقيت لهم -أي: أهلك-؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله)، ولما قال هذه الكلمة أعلمنا من بعد أن الثقة بما عند الله جل وعلا هي التي تدفع للعمل، وهي التي تدفع إلى العطاء، ولكن من ضعف إيمانه وثقته بربه تبارك وتعالى أنى له أن يبدل ويغير، وأنى له أن يجاهد وينفق، وأنى له أن يعطي ويمنع، وأنى له أن يغدو إلى المساجد وهو في شك من الأجر يعطاه أو لا يعطاه، ولكن لما كان هذا الصديق على ثقة بما عند الله تبارك وتعالى قدم لله ماله كله، وقال مجيباً لرسوله:(تركت لهم الله ورسوله).

ولما نزلت الآية: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:1 - 4] عاهد أبو بكر كفار قريش وراهنهم على أن الروم سيظهرون ذات يوم على الفرس؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:3 - 4].

فينبغي أن نكون أجمعين على ثقة بأن الله تبارك وتعالى مظهر دينه لا محاله، ومعز جنده، وناصر أولياءه، إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن غداً فبعد غدٍ، وإن لم يشهده هذا الجيل فستشهده أجيال أخر، لكن الله تبارك وتعالى لا يهزم جنده، ولا يخلف وعده، ولا يكذب خبره أبداً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

ومما أعان أبا بكر على ذلك: محبته لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم البواعث والدوافع للعطاء نحو الدين، جاء في صحيح البخاري وغيره: أنا أبا بكر في أول أيام إسلامه قبل أن يأذن له الرسول بالهجرة خرج يريد أن يهاجر إلى غير مكة، فقابله رجل يقال له: ابن الدغنة سيد قبيلة كان يقال لها: القارة، فقال: ما أخرجك يا أبو بكر؟! قال: أخرجني قومي ومنعوني أن أعبد ربي، فقال: يا أبا بكر! والله إنك لتقري الضعيف، وتعين الضعيف، وتحمل نوائب الحق، ومثلك لا يَخرُج ولا يُخرج، أفتقبل أن تكون في جواري؟ قال: نعم، فرده إلى مكة، فلما رده إلى مكة طاف ابن الدغنة على مجامع قريش وأنديتها يخبرهم أن أبا بكر في جواره على شريطة أن يعبد الله في قعر داره، لكن أبا بكر بعد ذلك ابتنى مسجداً في داره، وأخذ يصلي فيه، وكان رضي الله تعالى عنه رجلاً أسيفاً إذا قرأ القرآن لا يملك دمعته، فكان إذا قرأ وبكى اجتمع عليه نساء المشركين وأبناؤهم وصبيانهم وجواريهم، ففتن الناس في دينهم وألبس على المشركين أمرهم، فذهب الأشراف من قريش إلى ابن الدغنة وقالوا له بخبر أبي بكر، فجاء ذلك الرجل إلى أبي بكر وأخبره أنه أصبح في حل من شرطه أو أن يعود إلى ما كان عليه، قال: لا، بل أترك جوارك وأذهب إلى جوار الله تبارك وتعالى.

فمحبة أبي بكر لله تبارك وتعالى جعلته لا يتمالك أن يقرأ القرآن وهو يعلم أن القرآن كلام الله دون أن تذرف دمعته وتخشع نفسه، وترتجف جوارحه، ومثال هؤلاء قال الله تبارك وتعالى في حقهم:{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:107 - 109].

وكما أحب أبو بكر الله أحب رسوله صلى الله عليه وسلم، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: أن أبا بكر لما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بخبر الهجرة قال: (يا أبا بكر! أخرج مَن عندك، قال: يا رسول الله! إنما هم أهلك بنتاك: عائشة وأسماء، فقال: يا أبا بكر! إن الله قد أذن لي بالهجرة، فقال: يا رسول الله، الصحبة الصحبة، فقال رسول الله: نعم، الصحبة الصحبة)، فبكى رضي الله تعالى عنه وأرضاه من الفرح حتى قالت عائشة: والله ما ظننت أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي من الفرح يوم أن أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بموافقته على صحبته للهجرة، فإذا امتلأت قلوبنا محبة لله ومحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم هان على أقدامنا أن تقف بين يدي الله في ظلمات الأسحار، وهان عليها أن تكسر الحواجز والأسوار إلى المساجد، وهان على هذه الألسنة أن تذكر الله بكرة وأصيلاً، وهان على هذه الجوارح أن تدافع وتذب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن كثيراً منا يأخذون الدين كأحكام فقهية صرفة بحتة دون أن يخالط سويداء القلوب محبة الله أو محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا سمع فتوى مخالفة أو حكماً شرعياً من عالم آخر رجع عما كان عليه؛ لأنه كان ينظر إلى المسألة من زاوية فقهية فقط، ولو نظر إليها من زاوية إيمانية ومن محبة الله وامتثال هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأفلح وتاب.

هذه أيها الإخوة مواقف أبي بكر، وهذه الأسباب التي أعانت أبي بكر على أن ينصر الله وينصر رسوله صلى الله عليه وسلم.

أكتفي بهذا ونتفرغ الآن بالإجابة على الأسئلة؛ لعل فيها ما يبين للناس أمور دينهم، ويوضح لهم ما قد التبس عليهم في هذه المحاضرة إن وجد.

وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد.

ص: 8