المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمثلة في بيان حقيقة الإيمان وأثره على الحياة - دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح - جـ ١٢٢

[علي بن عمر بادحدح]

فهرس الكتاب

- ‌الإيمان مفهوماً وتأثيراً

- ‌أهمية الحديث عن الإيمان

- ‌حقيقة الإيمان وأثره على حياة المؤمن

- ‌لا يقتصر الإيمان على القول باللسان ولا العمل ولا التصديق

- ‌أمثلة في بيان حقيقة الإيمان وأثره على الحياة

- ‌الإيمان هو الذي غير حياة الصحابة وليس الماديات

- ‌الإنسان بلا إيمان كالجسد بلا روح

- ‌الإيمان هو النور الذي يضيء طريق الحياة

- ‌الإيمان تغيير جذري يتناول جميع جوانب الإنسان

- ‌صور من تغيير الإيمان الجذرية

- ‌أثر الإيمان على سحرة فرعون

- ‌تغيير الإيمان في حياة الطفيل بن عمرو الدوسي

- ‌أبو ذر خامس خمسة في الإسلام

- ‌ربعي بن عامر واعتزازه بإيمانه

- ‌مؤمن آل فرعون وصدعه بالحق

- ‌امرأة فرعون مثل عظيم في الإيمان

- ‌ظاهرة ضعف آثار الإيمان في حياة الناس

- ‌لا تكفي العبادة لإثبات قوة الإيمان دون التضحية بالدنيا

- ‌الحرص على الحياة والخوف من الموت محك اختبار لقوة الإيمان

- ‌الصحابة يثبتون إيمانهم وعدم حرصهم على الحياة

- ‌الحرص على متاع الحياة الدنيا محك اختبار لقوة الإيمان

- ‌مراقبة الله سبحانه وتعالى محك اختبار لقوة الإيمان

- ‌تذكرة وعبرة

- ‌الأسئلة

- ‌الوسائل المعينة على زيادة الإيمان

- ‌كلمة توجيهية لمن يقعون في الذنوب والمعاصي

- ‌بيان مرتبة إنكار المنكر بالقلب

- ‌علاقة الهموم والغموم بضعف الإيمان

الفصل: ‌أمثلة في بيان حقيقة الإيمان وأثره على الحياة

‌أمثلة في بيان حقيقة الإيمان وأثره على الحياة

إذاً: فالإيمان ليس قولاً، وليس عملاً، وليس معرفة، فأي شيء هو هذا الإيمان؟ قد نقول: إنه جماع هذه كلها، ولكني أريد أن أعمق هذا المعنى تعميقاً يجعل له حقيقته الواجب معرفتها.

وأضرب لذلك مثلاً بعيداً، ثم آتي بمثل آخر أقرب حتى ندرك أن قضية الإيمان وأن مفهومه أعمق وأوسع وأكثر شمولاً مما قد نتصوره في بعض الأحيان: لو أن إنساناً جاء إلى أرض صحراوية جرداء لا شجر فيها ولا ماء، وليس فيها من معالم الحياة شيء يذكر، ثم غاب عنها فترة من الزمن وجاء إليها فإذا هي جنان خضراء، وأشجار وثمار، وظلال وارفة، وأزهار زاهية، وثمار يانعة، فإنه لا شك سيعجب عجباً شديداً، بل قد يحكم أو يجزم أو يتصور أن هذه الأرض ليست هي التي رآها من قبل، بل هي أرض جديدة مختلفة، وسيكون عنده يقين جازم أنه قد حصلت أمور أوجبت مثل هذا التغيير، وهذه الأمور بالنسبة له في مثل هذا المثل أمور مادية محسوسة، لابد أن يكون قد جاء إلى هذه الأرض أقوام فحرسوها وزرعوها وحفروها وأخرجوا منها الماء، وفعلوا بها وفعلوا واجتهدوا فيها وجدوا حتى حصل مثل هذا الأمر.

ونحن حينئذٍ كأننا نمثل بين شيئين مختلفين، كأننا نذكر صورة من صور الموت والجفاف والجفاء، وصورة أخرى من صور الحياة والحيوية والرواء، وبينهما بعد شاسع وفرق كبير، حتى كأن الأمر لا يرتبط أوله بآخره، أو لا ترتبط هذه بتلك.

وأنتقل إلى المثل الحسي الواقعي بعد هذا المثل التجريبي النظري: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجزيرة وقد كانت صحراء جرداء من المبادئ، وكان فيها الكفر ضارباً أطنابه، والظلام مرخياً أستاره، والناس يتخبطون في الجهل والعمى، ويتخبطون في أنواع من الشرك والكفر، وبينهم شحناء وبغضاء، وبينهم حروب مشتعلة وعداوات وحزازات، وعندهم تفاهات في الأفكار.

ثم هؤلاء الناس بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا فيهم تغيراً كاملاً شاملاً مستوعباً، فإذا أهل الظلمات هم أهل النور والضياء، وإذا الفرق المتناحرة أمة واحدة، وإذا أصحاب الأفكار التافهة هم أصحاب الغايات العظيمة، وإذا بأولئك القوم الذين كان فيهم كثير وكثير من أوصاف الرذيلة قد صاروا معلمي البشرية وقادتها في المبادئ والأخلاق والفضائل والأفكار والأعمال.

فكأن المثل ينطبق مرة أخرى! كأن هؤلاء ليسوا هم الذين كانوا من قبل! ليس هؤلاء القوم هم الذين رأيناهم في تلك الحالة! وسنبحث حينئذ كما بحث صاحبنا في المثل الأول عن السبب.

ص: 5