المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ضرب الله مثلا رجلا - الأمثال في القرآن - من اعلام الموقعين

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الماء الذي به الحياة

- ‌فصل: ومنها قوله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ

- ‌فصل:

- ‌ فصل:

- ‌فصل: ومنها قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ

- ‌(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً

الفصل: ‌(ضرب الله مثلا رجلا

واختلف في الصر فقيل: البرد الشديد (304) وقيل: النار (305) قاله ابن عباس، وقال الأنباري (306) : وإنما وصفت النار أنها صر لتصريتها عند الالتهاب، وقيل: الصر (307) الصوت الذي يصحب الريح من شدة هبوبها (308)، والأقوال الثلاثة متلازمة فهو برد شديد محرق بيبسه للحرث كما تحرق النار وفيه صوت شديد وفي قوله: (أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا

أَنْفُسَهُمْ) تنبيه على أن سبب إصابتها لحرثهم هو ظلمهم فهو الذي سلط عليهم الريح المذكورة حتى أهلكت زرعهم وأيبسته، فظلمهم هو الريح التي أهلكت أعمالهم ونفقاتهم وأتلفتها.

فصل: ومنها قوله تعالى: ‌

‌(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً

فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (309) هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد تملكه جماعة (310) مشتركين في خدمته لا يمكنه رضاهم أجمعين، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد رجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده (وعرف الطريق)(311) إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير منازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليته بمصالحه (312) فهل يستوي هذان العبدان، وهذا

(304) مجاز القرآن 102 والطبري 4 / 59 والبغوى 1 / 408.

(305)

انظر لسان العرب مادة (صر) وابن كثير 1 / 397.

(306)

هو القاسم بن محمد بن بشار الانباري أبو محمد له اهتمام بالادب والاخبار راجع مفتاح السعادة 1 / 146 وزاد المسير 1 / 445.

(307)

انظر تفسير الكشاف 1 / 456، 457.

(308)

انظر تفسير القرطبى 34 / 178 وفتح القدير 1 / 374.

(309)

سورة الزمر: 29 انظر ابن كثير 2 / 158 والكشاف 3 / 397.

(310)

في م (جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون والرجال المتشاكس: الصنيق الخلق) .

(311)

زيادة من م، ع.

(312)

في ع، م (توليد مصالحه) .

(*)

ص: 54

منه أبلغ الأمثال فإن الخالص لمالك واحد مستحق (313) من معونته وإحسانه والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين، (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) .

فصل: ومنها قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كفروا امرأة نوح وامرأة لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.

وَضَرَبَ اللَّهُ مثلا للذين آمنوا امرأة فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ونجني من القوم الظالمين.

ومريم ابنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (314) فاشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال: مثل للكافر (315) ومثلين للمؤمنين: فتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاتب على كفره وعداوته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأوليائه ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين من لحمة نسب أو وصلة صهر أو سبب من سبب الاتصال (316) ، فان الأسباب (كلها)(317) تنقطع يوم القيامة إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي (318) رسله عليهم الصلاة والسلام فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة والنكاح مع عدم الايمان لنفعت الصلة (319) التي كانت بين نوح ولوط (320) عليهما الصلاة والسلام وامرأتيهما فلما لم يغنيا عنهما من الله شيئا

(313) في ع، م (تستحق) .

(314)

سورة التحريم: 10، 11، 12 انظر تفسير ابن كثير 2 / 525 والكشاف 4 / 130، 131 وكتاب في القرآن لمنير القاضى ص 27.

(315)

في م (الكفار) وفى ع (للكافرين) .

(316)

في م، ع (أسباب) .

(137)

زيادة من م، ع.

(318)

في ع (على يد رسول) .

(139)

الوصلة والصلة القرابة والتشابه ترتيب القاموس 2 / 210.

(320)

في م (لوط ونوح) والكامل في التاريخ 1 / 7.

(*)

ص: 55

وقيل لهما ادخلا النار مع الداخلين فقطعت الآية حينئذ طمع من ارتكب معصية الله تعالى وخالف أمره ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال: فلا اتصال فوق اتصال النبوة والأبوة والزوجية ولم يغن نوح عليه الصلاة والسلام عن ابنه ولا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن أبيه ولا نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام عن امرأتيهما من الله شيئا، قال الله تعالى:(لنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ)(321) وقال تعالى: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(322)، وقال تعالى:(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(323) وقال تعالى: (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً)(324) وهذا كله تكذيب لأطماع المشركين الباطلة أن من تعلقوا به من دون الله من قرابة أو صهر أو نكاح أو صحبة تنفعهم يوم القيامة أو تجيرهم ولا من عذاب الله تعالى أو تشفع لهم عند الله تعالى وهذا أصل ضلال بني آدم وشركهم وهو الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الذي بعث الله تعالى جميع رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل جميع كتبه بإبطاله ومحاربة أهله ومعاداتهم.

فصل: وأما المثلان اللذان للمؤمنين فأحدهما امرأة فرعون (325)، ووجه المثل: أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا إذا فارقه في كفره وعمله

فمعصية العاصي لا تضر المطيع شيئا في الآخرة وإن تضرر بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض إذا أضاعوا أمر الله عز وجل فتأتي عامة فلم يضر

(321) سورة الممتحنة: 3.

(322)

سورة الانفطار: 19.

(323)

سورة البقرة: 123.

(324)

سورة لقمان: 33.

(325)

انظر تفسير ابن كثير 3 / 124 والكشاف 4 / 131 والأمثال لمنير ص 27.

(*)

ص: 56

امرأة فرعون اتصالها به وهو من أكفر الكافرين ولم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما وهما رسولا رب العالمين.

المثل الثاني للمؤمنين: مريم التي لا زوج لها، لا مؤمن ولا كافر فذكر ثلاثة أصناف النساء: المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر والمرأة العزبة التي لا وصلة بينها وبين أحد، فالأولى لا تنفعها وصلتها وسببها والثانية لا تضرها وصلتها وسببها، والثالثة لا يضرها عدم الصلة شيئا (326) ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من تظاهرهن عليه وأنهن إن لم يطعن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويردن الدار الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما، ولهذا (327) ضرب لهما في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة، قال يحيى بن سلام (328) :(ضرب الله المثل الأول يحذر عائشة (329) وحفصة (330) ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة وفي ضرب المثل للمؤمنين (بمريم)(331) أيضا اعتبار آخر وهو أنها لم يضرها عند الله شيئا قذف أعداء الله تعالى اليهود (لها)(332) ونسبتهم إياها وابنها إلى

ما برأهما الله عنه مع كونها الصديقة الكبرى المصطفاة على نساء العالمين فلا يضر

(326) الخازن 7 / 123.

(327)

في م، ع (ولهذا إنما ضرب في هذه الصورة) .

(328)

يحيى بن سلام بن أبى ثعلبة التميمي مفير فقيه عالم بالحديث واللغة - له التفسير ومصنفات أخرى توفى سنة 200 هـ وانظر زاد المسير 8 / 315.

(329)

انظر الإصابة في تمييز الصحابة 4 / 459.

(330)

انظر الإصابة في تمييز الصحابة 373 / 374.

(331)

زائدة من أعلام الموقعين، ع.

(332)

زيادة من م، ع.

(*)

ص: 57

الرجل الصالح قذف (333) الفجار والفساق فيه وفي هذا تسلية لعائشة (334) أم المؤمنين إن كانت السورة نزلت بعد قصة الإفك وتوطين نفسها على ما قال فيها الكاذبون إن كانت قبلها كما في التمثيل (335) بامرأة نوح ولوط تحذير لها ولحفصة مما اعتمدتاه في حق النبي صلى الله عليه وسلم فتضمنت هذه الأمثال التحذير لهن والتخويف والتحريض لهن على الطاعة والتوحيد والتسلية وتوطين النفس لمن أوذي منهن وكذب عليه، وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل منه ولا سيما أسرار الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون.

تمت بحمد الله وحسن توفيقه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، اللهم اغفر لكاتبها ولقارئها ومتدبرها لم حق تدبرها ولمصنفها وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين إ والمؤمنات آمين والحمد لله رب العالمين.

بقلم الفقير إلى ربه تعالى علي بن زيد آل (336) غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.

(والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)

وكان الفراغ من طبعه وتصحيحه في / / * * *

(333) في م، ع (قدح) .

(334)

راجع تفسير أبن السعود على هامش الفخر الرازي 7 / 433.

(335)

في م (في ذكر التمثيل) وفى ع (في ذكر التمثيل) .

(336)

غير واضحة ولعلها بيس.

(*)

ص: 58

المراجع التى رجع إليها د.

ناصر بن سعد، سعيد محمد نمر، ورجعنا إلى بعضها أيضا 1 - أعلام الموقعين: ابن القيم الجوزية.

تحقيق عبد الرحمن الوكيل.

القاهرة.

2 -

البيان في إعراب القرآن: ابن الإنباري.

تحقيق د.

طه عبد الحميد ومصطفى السقا القاهرة 1389 هـ.

2 -

الترغيب والترهيب لإمام المنذرى طبعة الحلبي مصر.

3 -

تفسير ابن كثير طبعة الحلبي مصر.

4 -

تفسير الفخر الرازي طبعة طهران.

5 -

الجمان في تشبيهات القرآن: ابن ناقياء البغدادي.

تحقيق د.

مصطفى الجوينى.

6 -

الدر المنثور: للإمام السيوطي: طبعة دار المعرفة بيروت.

7 -

زاد المسير: ابن الجوزى: طبعة المكتب الإسلامي.

8 -

سنن النسائي، صحيح الإمام البخاري طبعة الحلبي مصر.

9 -

صحيح مسلم.

تحقيق فوءاد عبد الباقي طبعة الحلبي مصر.

10 -

الطبقات الكبرى لابن سعد دار صادر بيروت.

4 -

تفسير الفخر الرازي طبعة طهران.

5 -

الجمان في تشبيهات القرآن: ابن ناقياء البغدادي.

تحقيق د.

مصطفى الجوينى.

6 -

الدر المنثور: للإمام السيوطي: طبعة دار المعرفة بيروت.

7 -

زاد المسير: ابن الجوزى: طبعة المكتب الإسلامي.

8 -

سنن النسائي، صحيح الإمام البخاري طبعة الحلبي مصر.

9 -

صحيح مسلم.

تحقيق فوءاد عبد الباقي طبعة الحلبي مصر.

10 -

الطبقات الكبرى لابن سعد دار صادر بيروت.

11 -

غرائب القرآن: للقمى النيسابوري الحلبي.

مصر.

12 -

الكتاب سيبويه.

بولاق.

مصر.

13 -

الكشاف: الزمخشري.

طبعة الحلبي مصر.

14 -

الكشف والبيان.

الثعلبي مصور بمركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي رقم 307.

ص: 59

15 -

كشف الظنون.

حاجى خليفة: المثنى بغداد.

16 -

لباب التأويل: الخازن.

الحلبي.

القاهرة.

17 -

مسند أحمد.

طبعة المكتب الاسلامي بيروت.

18 -

معالم التنزيل البغوي على هامش الخازن حلبى القاهرة.

19 -

مفتاح السعادة.

طاش كبرى زادة القاهرة.

20 -

النجوم الزاهرة.

ابن تغرى بردى.

القاهرة.

21 -

إملاء مامن به الرحمن: العكبرى حلبى مصر.

22 -

معاني القرآن الزجاج الهيئة مصر.

*

ص: 60