المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في التصرف الذي يمكن أن يقع لله تعالى ولغيره - الأمنية في إدراك النية

[القرافي]

الفصل: ‌الفصل الأول في التصرف الذي يمكن أن يقع لله تعالى ولغيره

‌الْفَصْل الأول فِي التَّصَرُّف الَّذِي يُمكن أَن يَقع لله تَعَالَى وَلغيره

وَقد تقدم أَن الْعِبَادَات تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَدَلِيل وُجُوبهَا

فِيهَا وَقد ظن بعض الْفُقَهَاء أَن النِّيَّة لَا يَعْتَبِرهَا الشَّرْع إِلَّا فِي الْعِبَادَات حَتَّى سَمِعت كثيرا من الْفُضَلَاء يحد الْعِبَادَة بِأَنَّهَا عبارَة عَمَّا تشْتَرط فِيهِ النِّيَّة وَلذَلِك يجْعَلُونَ الرّبع الأول أبدا من دواوين الْفِقْه بعض الْعِبَادَات لَا يُسمى بِغَيْر ذَلِك

وأشكل على جمَاعَة مِنْهُم أشتراط النِّيَّة فِي الذَّبَائِح مَعَ أَنَّهَا غير عبَادَة وَالْتزم بَعضهم أَنَّهَا عبَادَة لأجل اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهَا بِنَاء على هَذَا الأعتقاد

وَلَيْسَ كَمَا اعتقده بل قد يعْتَبر الشَّرْع النِّيَّة فِيمَا هُوَ فرض عين كالصلوات الْخمس وَفِيمَا هُوَ فرض كِفَايَة كَصَلَاة الْجَنَائِز من القربات وَفِيمَا هُوَ فرض كِفَايَة من غير القربات كاشتراط النِّيَّة فِي ذَكَاة الْحَيَوَان فَإِن أكل لُحُوم الْحَيَوَان من فروض الْكِفَايَة لِئَلَّا تضعف الْعُقُول عَن الْعُلُوم والأجساد عَن ملاقاة الْأَعْدَاء فتستأصل شأفة الْإِسْلَام وتفقد هداة الْأَنَام

وَقد تعْتَبر النِّيَّة فِيمَا لَيْسَ قربَة من الْمُحرمَات فَإِن الْإِنْسَان إِذا حفر بِئْر ليهلك فِيهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهُ كَافِر تَزُول عصمَة دَمه ويخلد فِي النَّار أَو ليَقَع فِيهَا مُؤمن فَلَا تَزُول عصمه دَمه وَلَا يخلد فِي النَّار وَيجب تعزيره وتفسيقه وَلَا يثبت الشَّرْع أحد هذَيْن الْحكمَيْنِ إِلَّا بِشَرْط أَن ينوى سَببه

ص: 29

وَهَا أَنا أبسط من موارد النِّيَّة فِي نظر الشَّرْع مَا يمهد لَك هَذَا الْبَحْث فِي عشرَة انواع فَهِيَ مُخْتَلفَة الْحَقَائِق متشابهة الْأَحْكَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى

النَّوْع الأول مَا اعْتبر الشَّرْع فِيهِ النِّيَّة لتميز المدلولات كالحالف أَو النَّاذِر بِلَفْظ مُشْتَرك فالشرع إِنَّمَا يُوجب الْكَفَّارَة أَو الْوَفَاء فِيمَا نَوَاه دون غَيره

النَّوْع الثَّانِي صرف الْأَلْفَاظ عَن حقائقها المدلولات إِلَى مجازاتها كالحالف أَو النَّاذِر بِلَفْظ عَام أَو مُطلق وَيَنْوِي بِهِ تَخْصِيص ذَلِك الْعَام أَو تَقْيِيد ذَلِك الْمُطلق فالشرع إِنَّمَا يعْتَبر الْمجَاز الْمَنوِي دون الْحَقِيقَة المدلولة

النَّوْع الثَّالِث صرف الْأَلْفَاظ إِلَى بعض مَا يصلح لَهُ بِالنِّيَّةِ كألفاظ الْكِنَايَات فِي الطَّلَاق وَالْعتاق والأيمان إِلَى بعض المحامل الَّتِي يصلح لَهَا اللَّفْظ فِي ذَلِك الْبَاب وَلَا تترتب الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا على الْمَنوِي دون غَيره

النَّوْع الرَّابِع صُورَة الذَّكَاة فِي الْحَيَوَان الْمَقْدُور عَلَيْهِ والعقر فِي الصَّيْد دَائِرَة بَين سَبَب التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ المينة وَبَين سَبَب الْإِبَاحَة الَّذِي هُوَ الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة

فَإِذا نوى الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة تخصصت الصُّورَة الْوَاقِعَة بِسَبَب الْحل دون سَبَب التَّحْرِيم وان لم ينْو شَيْئا لَا يرتب الشَّرْع الْحل لعدم تعين سَببه فَإِن الشَّرْع كَمَا شرع الْأَحْكَام شرع الْأَسْبَاب وَجعل لكل

ص: 30

مسبب معِين حكما معينا فَإِذا دارت الْحَقِيقَة بَين أَسبَاب مُخْتَلفَة تَقْتَضِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام لم يرتب الشَّرْع أحد الْأَحْكَام لعدم تعين سَببه وَيَقَع هَا هُنَا فِي هَذِه الصُّورَة التَّحْرِيم لِأَن الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة أَن عدم سَبَب الْإِبَاحَة سَبَب التَّحْرِيم وَعدم سَبَب التَّحْرِيم سَبَب الاباحة كَمَا أَن عدم الاسكار الَّذِي هُوَ سَبَب التَّحْرِيم سَبَب الأباحة وَعدم العقد فِي النِّسَاء الَّذِي هُوَ سَبَب الاباحة سَبَب التَّحْرِيم وَعدم هَا هُنَا سَبَب الأباحه وَهُوَ قصد الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة فَيثبت التَّحْرِيم فَمَا رتب الشَّرْع التَّحْرِيم فِي هَذِه الصُّورَة إِلَّا لوُقُوع سَببه الَّذِي هُوَ عدم سَبَب الإباحه على مَا تقدم

النَّوْع الْخَامِس الذكاء الشَّرْعِيَّة دَائِرَة بَين سَبَب أصل الْحل فِي الْأكل وَبَين سَبَب التَّقَرُّب بالضحايا والهدايا وَسبب بَرَاءَة الذِّمَّة من هدى أَو فديَة أَو نذر حَتَّى يَنْوِي أَحدهَا فيرتب الشَّرْع عَلَيْهِ حكمه لتعيين سَببه

6 -

النَّوْع السَّادِس صُورَة دفع المَال للْمَسَاكِين دَائِرَة بَين سَبَب أصل التَّقَرُّب الَّذِي هُوَ صَدَقَة التَّطَوُّع وَبَين سَبَب بَرَاءَة الذِّمَّة من الزَّكَاة الْوَاجِبَة وَبَين سَبَب بَرَاءَة الذِّمَّة من نذر وَاجِب

وَإِن كَانَ الْمَدْفُوع مدا دَار أَيْضا بَين ذَلِك وَبَين الْبَرَاءَة من كَفَّارَة الْيَمين أَو الظِّهَار أَو جَزَاء الصَّيْد أَو كَفَّارَة إِفْسَاد الصَّوْم فَإِذا نوى الدَّافِع أحد هَذِه الْأَسْبَاب رتب الشَّرْع عَلَيْهِ مسببه وَإِلَّا فَلَا يرتب شَيْئا إِلَّا الْإِبَاحَة بِخِلَاف ذَكَاة الْحَيَوَان ترَتّب عِنْد عدم النِّيَّة التَّحْرِيم

وَالْفرق أَن الشَّرْع عين لإباحة الْحَيَوَان سَببا وَهُوَ قصد الذَّكَاة الشَّرْعِيَّة وَقد عدمت

وَقد تقدم أَن الْقَاعِدَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا أَن عدم الْإِبَاحَة عِلّة التَّحْرِيم وَقد عدمت فيترتب التَّحْرِيم وَسبب الاباحة هُنَا المملك لِلْمَالِ

ص: 31

وَمن ملك مَالا جَازَ لَهُ دَفعه لمن شَاءَ فسبب الْإِبَاحَة مَوْجُود عِنْد عدم النِّيَّة فترتبت الْإِبَاحَة

وَيَنْبَغِي أَن يفهم من هَذِه الْقَاعِدَة الْمشَار إِلَيْهَا أَن عِلّة الطَّهَارَة فِي الْأَعْيَان عدم عِلّة النَّجَاسَة فِيهَا لِأَن الطَّهَارَة والنجاسة حكمان شرعيان يفتقران إِلَى سببين شرعيين وَعلة النَّجَاسَة الاستقذار فَعدم الاستقذار عِلّة الطَّهَارَة والنجاسة رَاجِعَة إِلَى تَحْرِيم الملابسة فِي الصَّلَاة والأغذية وَالطَّهَارَة فِي الْعين إِبَاحَة ملابستها فِي ذَلِك مَا لم يمْنَع مَانع

وَقد بسطت هَذَا المبحث فِي أول كتاب الذَّخِيرَة سؤالا وجوابا وتقريرا

7 -

النَّوْع السَّابِع

دفع الدّين للْمُسْتَحقّ وَعَلِيهِ دينان أَحدهمَا برهن وَالْآخر بِغَيْر رهن فَإِن ذَلِك الدّفع يصلح سَببا لبراءة الذِّمَّة من دين الرَّهْن وَمن الدّين الآخر فَإِذا نوى الدَّافِع أَحدهمَا رتب الشَّرْع عَلَيْهِ بَرَاءَة ذمَّته مِنْهُ وَإِن كَانَ الْمَنوِي دين الرَّهْن فَلهُ أَخذ الرَّهْن فِي نفس الْأَمر دون الحكم فِي الْقَضَاء

8 -

النَّوْع الثَّامِن

صرف السَّبَب لآحد محامله الصَّالح لَهَا كَقَوْلِه عمْرَة طَالِق أَو حرَّة وَله إمرأتان أَو أمتان مسميتان بِهَذَا الِاسْم فَإِن هَذَا اللَّفْظ سَبَب صَالح لتَحْرِيم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَو لعتقهما فَإِذا نَوَاهَا تعيّنت وَمن ذَلِك معاقدة الْوَكِيل لَا تصلح لإِفَادَة الْملك لَهُ ولموكله وَلَا ينْصَرف لمُوكلِه إِلَّا بنية لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب معاقدة الْإِنْسَان لنَفسِهِ

9 -

النَّوْع التَّاسِع

صُورَة الْجلد سَبَب صَالح لبراءة ذمَّة الإِمَام من إِقَامَة الْحَد وَالتَّعْزِير وَلَا ينْصَرف لأَحَدهمَا فِي حق من وَجب عَلَيْهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ

ص: 32