المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تقبل النصيحة ثالثاً: تقبل النصيحة من الأمور المهمة، بل هو عماد - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٢٥٢

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌مقومات النصيحة الناجحة [2، 3]

- ‌تعريف النصيحة

- ‌أثر النصيحة في المجتمع الإسلامي

- ‌حكم النصيحة

- ‌مجالات النصيحة

- ‌النصيحة في الأمور الشرعية وتعديها إلى غيرها

- ‌النصيحة في الأمور الدنيوية

- ‌الرد على من يقول: إن النصيحة تدخل في الحريات الشخصية

- ‌سبب عدم قبول الناس النصيحة

- ‌الفرق بين النصيحة والتشهير

- ‌شروط الناصح

- ‌اختيار الوسيلة المناسبة للنصيحة

- ‌شروط النصيحة

- ‌من شروط النصيحة: أن تكون مبنية على الدليل

- ‌من شروط النصيحة: الإيجاز

- ‌من شروط النصيحة: الوضوح

- ‌من شروط النصيحة: أن تكون بعيدة عن سوء الظن

- ‌من شروط النصيحة: أن تكون خالية من ألفاظ التفسيق والتجهيل

- ‌من شروط النصيحة: الحكمة عند طرح النصيحة

- ‌من شروط النصيحة: مراعاة الأسلوب الحسن

- ‌النصيحة بين التملق والتشهير

- ‌النصيحة بين التدرج وعدمه

- ‌النصيحة بين التلميح والتصريح

- ‌النصيحة بين التعميم والتخصيص

- ‌أمور تساعد على تقبل النصيحة

- ‌ذكر إيجابيات الشخص المنصوح

- ‌ذكر نقاط الاتفاق

- ‌معرفة الناس في مراتبهم وطبقاتهم

- ‌نقد الفكرة دون التعرض لقائلها

- ‌اقتران النصيحة بالموعظة

- ‌هل يشترط في النصيحة أن تكون شفوية

- ‌آداب المنصوح وواجباته

- ‌البحث عن الناصح

- ‌طلب النصيحة

- ‌تقبل النصيحة

- ‌الدعاء للناصح في ظهر الغيب

- ‌الأسئلة

- ‌حكم التشقير

- ‌تجميل ما تشوه من الإنسان

- ‌وضع اليد على الصدر لمن يصلي قاعداً

- ‌حكم قول كفارة المجلس في الهاتف

- ‌حكم الصفرة والكدرة

الفصل: ‌ ‌تقبل النصيحة ثالثاً: تقبل النصيحة من الأمور المهمة، بل هو عماد

‌تقبل النصيحة

ثالثاً: تقبل النصيحة من الأمور المهمة، بل هو عماد القضية كلها وأساسها.

فهذا موسى عليه السلام لما جاءه الرجل قال له: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص:20] ماذا فعل موسى عليه السلام؟ {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص:21] مباشرةً، لم يقل: أنا أستطيع أن أدبر أموري ونفسي، وأستطيع أن أختفي وأنا ماهر:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص:21] لأن ذلك الرجل كان قد اطلع على أحوال القوم وتبصر بالأمور التي لم يعرفها موسى عليه السلام، فلذلك قال:{فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص:20 - 21] بادر بتنفيذ النصيحة فوراً.

وبعض الناس من المنصوحين يتقبلون النصيحة بالقول، يقول: جزاك الله خيراً، ما قصرت، وأنا مخطئ، وإلى آخره، وكلامك صحيح، لكنه عملياً لا يطبق، هذه هي المشكلة.

والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نبحث عن الناصح حتى في الأشياء التي قد تبدو ليست ذات أهمية، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في الرؤيا -إذا رأى الإنسان رؤيا في المنام- ألا يقصها إلا على واد أو ناصح أو ذي علم، لماذا يقص الرؤيا على الناصح؟ حتى لا يؤول له الرؤيا بتأويل سيئ فتقع كما أخبر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(الرؤيا على رجل طائر تقع على ما تعبر به) فإن عبرها بسوء وقعت كما أخبر، وإن عبرها بشيء حسن وقعت كما يقول، هذه من العجائب التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

إذا رأيت رؤيا فلا تقصها إلا على واد -بينك وبينه مودة- أو ناصح، أو إنسان عنده علم يفسر لك الأمور، فنطلب الناصح حتى في تفسير الرؤى.

وهناك قصة مهمة جداً لكن لن نستعرضها الآن وإنما سنشير إليها إشارة: ذات مرة في موسم الحج كان عمر رضي الله عنه مع الناس، فقام أحدهم وقال: والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، والله لئن مات عمر لأبايع فلاناً أو فلاناً، فغضب عمر رضي الله عنه غضباً شديداً لما بلغه الكلام وهمَّ أن يقوم وينصح ويكلم الناس، ويأمر ويؤنب هذا الشخص على فعلته ويبين القضية؛ لأن القضية خطيرة، فجاءه عبد الرحمن بن عوف، قال: يا أمير المؤمنين! انتظر حتى تقدم المدينة فإن فيها من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وعلماء الناس وفقهائهم من إذا سمع الكلام أداه كما سمعه وعرفه وفهمه، فأخذ عمر رضي الله عنه بنصيحة عبد الرحمن وانتظر حتى قدم المدينة فتكلم، فكان لكلامه وقعٌ طيب وأثرٌ كبيرٌ على الناس.

والقصة في الصحيح ولعلنا نقف عندها وقفات في المستقبل إن شاء الله.

كذلك كان عمر رضي الله عنه يوماً مع أصحابه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! اتق الله، فقال بعض الحاضرين لذلك الرجل: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟! فقال عمر: [دعوه فليقلها، لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها] عبارة ذهبية.

فإذاً: لا يستهين الإنسان أن ينصح من هو أعلى منه، ولا يستهين المنصوح الكبير أن يطلب النصيحة ممن هو أدنى منه، فرب طالب علم أسدى لعالم نصيحة غالية، ورب مربٍ تلقى نصيحة ممن يربيه، وأب تلقى نصيحةً من ابنه لا تقدر بثمن، فإن بعض أذهان الناصحين قد تنقدح على معان وأمور لا تخطر ببال المنصوح أبداً، حتى ولو كان أعلى قدراً وأجل وأعلم، فلذلك لا يحمل المنصوح الأعلى منزلة ومرتبة أن يطلب النصيحة ممن هو أدنى منه.

شبهة: بعض الناس المنصوحين يقول: إذا أنا قبلت كلام فلان فهذا يعتبر مطعن في شخصيتي، لماذا؟ يقول: هذا يدل على ضعف شخصيتي.

أيها الإخوة: هذا على العكس تماماً، ليعلم كل منصوح بأنه إذا قبل النصيحة فإنه سيكون له في نفس ناصحه مكانةً عظيمة، يقول الشافعي رحمه الله: ما نصحت أحداً فقبل مني إلا هبته -خفت منه وعظم في عيني- واعتقدت مودته، ولا رد أحدٌ علي النصح إلا سقط من عيني ورفضته.

إذاً لا بد أن يكون صدر المنصوح واسعاً ويتقبل خصوصاً من الناس الذين يصلون في المساجد، وبعض الناس ينصحون من بعض المصلين، فتجده تأخذه العزة بالإثم ويرفض النصيحة، ويقول: أنت أفهم مني؟ وهذا دين جديد، وأنت مبتدع إلخ بدون أن يقيس ويعرف الكلام وأدلة الكلام.

كذلك من آداب المنصوح: أن يتيح الفرصة للناصح لإبداء النصيحة ويشجعه لإكمال كلامه واستفراغ المزيد مما عنده، لأن بعض الناس يقطع الكلام على الناصح ولا يريد أن يسمع أكثر من كذا.

من الآداب أن يستزيد ويستفرغ ما عند هذا الناصح ويشجعه على إتمام النصيحة، ويشعره بأنه غير متحرج أبداً، وأن هذا لا يعتبر نقداً ولا تجريحاً وأنه يطلب منه أن يكمل كلامه.

ص: 35