المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرياء في الصدقة - دروس للشيخ محمد المنجد - جـ ٣٠

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌صدقة نقية من نفس تقية

- ‌آداب الصدقة

- ‌مضاعفة أجر المتصدِّق

- ‌عدم اتباع الصدقة بالمنِّ والأذى

- ‌السر والعلن في الصدقة

- ‌الرياء في الصدقة

- ‌حث الشريعة على الصدقة

- ‌حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة

- ‌حرص الصحابة على الصدقة

- ‌مجالات الصدقة

- ‌أحكام الصدقة

- ‌أحوال التصدق بجميع المال

- ‌الأفضلية في القلة والكثرة في الصدقة

- ‌الأولويات في الصدقة

- ‌استحباب الصدقة في الكسوف

- ‌مداواة المرض بالصدقة

- ‌مشروعية الصدقة عن الأموات

- ‌وقف الصدقة

- ‌حكم الرجوع في الصدقة

- ‌حكم التصدق بالصدقة أو الهدية

- ‌حكم الصدقة على من لا يستحق

- ‌حكم من وصلت صدقته إلى ولده

- ‌حكم التصدق بالمال كله مع الضرر

- ‌حكم التصدق على بعض الأولاد دون بعض

- ‌الصدقة الجارية

- ‌أنواع الصدقات

- ‌الأسئلة

- ‌حكم التصدق بجميع الدية مع وجود ورثة آخرين

- ‌حكم الإنفاق على الإخوان

- ‌حكم قضاء دين المديون

- ‌حكم التصدق بمال حرام في جهة محرمة

- ‌حكم التصدق بالصدقة اليسيرة

- ‌حكم التصدق مع وجود دَين

- ‌حكم الصدقة على غير المسلمين

- ‌حكم إخراج الصدقة أو الزكاة لغير أهلها

- ‌حكم الإنفاق مع الحاجة

- ‌حكم التصدق بالمال المعطى من الولد

- ‌حكم التصدق بسبب الحلف

- ‌حكم من أوقف نفسه لله في الدعوة

- ‌حكم بناء مسجد ووضع اسم الوالد عليه

- ‌الصدقة والدعاء للميت

- ‌حكم إعطاء الزكاة والصدقة لمن عليه التزامات مالية

- ‌حكم المنشورات التي تحث على الصدقة وتوضع في المساجد

- ‌حكم التصدق على الوالدة والأخوات مع عدم الحاجة

- ‌صاحب الدَّين لا أعرف مكانه

- ‌حكم إعطاء الوالدة المحتاجة من الزكاة الواجبة

- ‌حكم الجهر بنية الصدقة

- ‌حكم مساعدتي لأخي عندما يحتاجني

- ‌الفرق بين المن والسلوى، والمن والأذى

- ‌حكم من استطاع الحج ورفض والده ذلك

- ‌حكم إعطاء الصدقة لمن يستعملها في المنكرات

- ‌حكم أخذ آل البيت للزكاة

- ‌حكم الصدقة على من ظهر كذبه بعد إخراجها

- ‌حال أخي السيئ

- ‌ألفاظ شركية

- ‌حكم إعطاء الزكاة للإخوة من أب

- ‌حكم من حلف يميناً ثم رأى غيرها خيراً منها

- ‌أعمال الحج عن والدي المتوفى

- ‌حكم الهجر بين الإخوة لفترة طويلة

- ‌امرأة رأت أباها قد ذهب للحج

- ‌التصدق عن الميت والدعاء له

- ‌حكم الأخذ من المال المجهز للتبرعات

- ‌حكم إعطاء زكاة الفطر لمن ادعى أنه محتاج

- ‌حكم من لم يعمل له عقيقة وقد كبر

- ‌حكم الزكاة عن الدين الذي عند الناس

- ‌حكم الصدقة على الأب

- ‌حكم إعطاء الصدقة على شكل هدية

- ‌حكم ارتداء المخيط قبل الحلق

- ‌حكم التصدق على قرابة محتاجين

- ‌حكم الصدقة على الجدة والخالة

- ‌حكم إخراج الصدقة مجزأة دون علم من تصدق بها

- ‌حكم الحلف على الأخذ وعلى عدم الأخذ

- ‌حكم مكافأة طالب الجامعة

- ‌حكم كفالة أختي الصغيرة

- ‌حكم شرب دم القنفذ للعلاج

- ‌صحة حديث: (يستحب العطاس ويكره الجشاء)

- ‌حكم قصر صلاة المغرب

- ‌حكم الزكاة عن الولد الذي في بطن أمه

- ‌حكم نقل الوقف إلى أرضه وأخذ أرض الوقف

- ‌حكم من قال مازحاً: تعال أقامرك

- ‌الفرق بين الصدقة والزكاة

- ‌حكم إخراج الزكاة من الراتب غير الثابت

الفصل: ‌الرياء في الصدقة

‌الرياء في الصدقة

ولقد بين الله عز وجل مثلاً لمن يرائي في الصدقة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} [البقرة:264] هذا الصخر الصلب {عَلَيْهِ تُرَابٌ} [البقرة:264] عليه طبقة من تراب {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} [البقرة:264] أصابه مطر شديد، ماذا سيحصل للتراب الذي على الصخر الأصم الصلب؟ هل سينبت؟! لا.

وإنما سيزول، والمطر يغسل هذا الصخر من التراب، فكأنه لا مكان للبذل أصلاً ولا لخروج شيء {فَتَرَكَهُ صَلْداً} [البقرة:264] أملس كما كان قبل أن يكون عليه تراب {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264].

فإذاً: هذا معنى أن المن والأذى يحبط الصدقة.

فقلب المرائي مثل الصخر لا ينبت شيئاً ولا ينبت خيراً، كما أن هذه الصخرة التي عليها التراب لم تنبت شيئاً، ما كان عليه إلا قليل من الغبار، شبه ما علق به من أثر الصدقة بالغبار، والوابل الذي أزال ذلك التراب عن الحجر هذا هو المن الذي أذهب أثر الصدقة وأزالها، بخلاف الذي ينفق ابتغاء وجه الله، يقول الله في شأنه:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:265] الذي ينفق أمواله إخلاصاً لله وتصديقاً بموعود الله وتثبيتاً من نفسه وهو صدقه في البذل والعطاء لا شك أنه في هذه الحالة يكون حاله كمثل جنة -بستان- بربوة، أي: على مكان مرتفع، فإن البستان إذا صار في مكان مرتفع، في طريق الهواء والرياح تسطع عليه الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها، ويكون الثمر أنضج وأحسن وأطيب ولا شك في ذلك، بخلاف الثمار التي تنشأ دائماً في الظلال، ولذلك قال في الزيتونة:{شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:35] أي: معتدلة في الوسط، الشمس تأتي عليها في جميع الأوقات {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور:35] فهذا أنفس الزيتون، وأنفس الأشجار ما تكون بهذه الصفة، فهذه الجنة التي بهذا المرتفع المتعرضة للشمس إذا أصابها الوابل والمطر الشديد آتت أكلها ضعفين؛ أعطت البركة أخرج ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ} [البقرة:265] إذا ما أصباها وابل {فَطَلٌّ} وهو دون الوابل الرش الخفيف؛ هذا يكفي لإنباتها أيضاً، لكن إنباتاً دون الإنبات الأول، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للسابق بالخيرات والمقتصد المقتصد صاحب الطل، والسابق بالخيرات صاحب الوابل.

إذاً: هذا مثل المرائي ومثل الذي ينفق إخلاصاً لله سبحانه وتعالى.

ثم إن الله عز وجل ضرب مثلاً آخر في سورة البقرة التي فيها هذه الأمثال العظيمة حاثاً عباده على أن تكون صدقاتهم خالصة له عز وجل، قال:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266] هذا الشخص تعلق قلبه بهذه الجنة من نواحي كثيرة: أولاً: أن فيها أعناب ونخيل، وهي من أنفس الثمار.

ثانياً: أن هذا البستان يجري من تحته الأنهار.

ثالثاً: أنه ليس فقط فيها أعناب ونخيل، وإنما فيها من كل الثمرات.

رابعاً: أن هذه الجنة التي فيها أشرف أنواع الثمار التي يؤخذ منها: القوت، والغذاء، والدواء، والشراب، والفاكهة، والحلو والحامض التي تؤكل رطباً ويابسةً، أي: النخيل والعنب؛ هذه صفاتها، وبالإضافة إلى كل الثمرات؛ فإن هذا الرجل قد كبر سنه، ولا شك أن الإنسان إذا كبر سنه لا يقدر على الكسب والتجارة ويحتاج إلى الأشياء التي لها مدخولات ثابتة كالمزارع والعقار، ولذلك أصابه الكبر، فهو يحتاج إليها حاجة شديدة الآن، وكذلك فإن هذا الرجل إذا كبر سنه اشتد حرصه فتعلق قلبه بها أكثر، فإن الإنسان يهرم ويشب معه حب المال والحرص.

وكذلك فإن هذا الرجل له ذرية؛ والذي له ذرية يحب أن يحفظ أمواله حتى يبقيها للذرية والأولاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الذرية ليسوا كباراً وإنما هم ضعفاء، وإذا كانت الذرية ضعفاء؛ فسيكون حرصه على هذا المال أكثر؛ لأن الذرية ضعفاء صغار لا يستطيعون الكسب، وكذلك فإنه هو الذي ينفق عليهم لضعفهم وعجزهم، كيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصبح يوماً فرأى أن جنته قد احترقت بإعصارٍ فيه نار فاحترقت وصارت رماداً، كيف تكون وقع المصيبة عليه؟! هذا الرجل مثله مثل رجل عمل أعمالاً في الدنيا لكن برياء ومنّ وأذى، فجاء يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى ثواب الأعمال؛ لأن أمامه النار والهلاك والدمار، فرأى أنه لا شيء له ألبتة؛ لأنها كلها ذهبت بالرياء والمن والأذى، فهذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى والله يضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون، وهذا مثل قلّ من يعقله من الناس، فكل واحد تسول له نفسه إحراق أعماله الصالحة بالرياء، فليتأمل هذا المثل، وليعرف أيضاً عظم المصيبة التي تنزل عليه عندما يدخل في موضوع الرياء أو يدخل الرياء في أعماله.

ص: 6