المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ تعريف الجريمة:

‌مدخل

دفاعٌ عنِ العقوُباَت الإسلَامِيةِ

للشيخ محمد بن ناصر السحيباني عميد كلية الشريعة بالجامعة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد:

فقد سبق أن وعدت في مقالة سابقة تكلمت فيها عن مزايا التشريع الإسلامي، وأشرت إلى ما تتعرض له الشريعة الإسلامية من استنقاص وازدراء من قِبَل أعدَائها، ومن قبل من يتظاهرون بأنهم من أبنائهَا، وقد وعدت في تلك المقالة أن أخص العقوبات الإسلامية بكلمة مختصرة موجزة، أبين فيها ما تبين من وجوه الحكمة فيها، وما تمتاز به عن العقوبات التي وضعها الإنسان وضعا ارتجاليا متأثراًَ بأهوائه ورغباته، مسترشدا بنظره القاصر، وتفكيره المحدود، وقبل أن أدخل في موضوع العقوبات، أقدم بكلمة قصيرة عن الجريمة ونظرة الإسلام إليها، فأقول مستعينا بالله:

ص: 71

أولا:‌

‌ تعريف الجريمة:

الجريمة عند أهل اللغة تأتي بمعنى الجناية وبمعنى الذنب. قال في اللسان: "وجرم إليهم وعليهم جريمة وأجرم: جنى جناية"1.

وفي تاج العروس، والجرم بالضم الذنب كالجريمة. وقال: والمجرمون في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} الكافرون لأن الذي ذكر من قصتهم التكذيب بآيات الله والاستكبار عنها قاله الزجاج2، والذي يلفت النظر، أن لفظة الإجرام وردت في كثير من الآيات الكريمة، وكلها والله أعلم يقصد بها الكافرون أو المشركون ونحوهم من المكذبين والمنافقين. كما نقله صاحب التاج عن الزجاج، كما ورد في قوله تعالى:{سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} الأنعام: 124.

1 لسان العرب لابن منظور ج/12 ص 91.

2 تاج العروس للزبيدي ج/8 ص 224.

ص: 71

وقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} . (طه: 74)1.

أما عند الفقهاء فقد عرفها الماوردي بقوله: "الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير"2.

وقوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} ، (المعارج: 11) ، وقوله تعالى:

{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (القلم: 35) ، وهي تصل إلى أكثر من خمسين آية3، بينما في السنة لم ترد هذه الكلمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في حالات قليلة جدا، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أعظم المسلمين جرماًَ من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته". أخرجه البخاري4.

وحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" قيل لها إن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء الحي، قالت: وهل أبو عبد الرحمن، إنما قال إن أهل الميت يبكون عليه، وأنه ليعذب بجرمه"5.

ولم تستعمل هذه الكلمة من قبل الفقهاء في الصدر الأول بمعنى الجناية إلا في حالات قليلة، فقد بوب البخاري رحمه الله في كتابه على حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصته المشهورة لما تخلّف هو ومن معه عن غزوة تبوك، بوب بقوله: باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه6 مع أن الحديث كما هو معروف لم يتضمن هذه الكلمة، وقد ذكر الحافظ رحمه الله أن رواية ابن التين الإسماعيلي والجرجاني، لم تكن بلفظ المجرِمين، وإنما بلفظ المحبوس بدل المجرمين. كما بوب في الديات بقوله: باب إثم من قتل ذمياًَ بغير جرم، وساق حديث عبد الله ابن عمرو بهذا الصدد7، مع أنه لم يتضمن هذه الكلمة، ومثل ذلك فعل في كتاب الجزية فعنون بهذا العنوان وساق الحديث.

فقد يكون السلف رضي الله عنهم يتحرجون من إطلاق هذه الكلمة في حق العصاة من المسلمين لما لاحظوه من ورودها في القرآن الكريم في حق الكفار في أكثر المواضع، وإن

1 انظر تفسير النسفي ج/3، ج/ 4 ص 60، 341، ص 282.

2 الأحكام السلطانية للما وردي ص 219.

3 وانظر القرطبي ج/19 ص 267، ج/18 ص 286، 246.

4 انظر فتح الباري ج/13 ص 264.

5 المسند ج/6 ص 57، الفتح الرباني ج/7 ص 116.

6 انظر فتح الباري ج/13 ص 216.

7 انظر فتح الباري ج/2 1 ص 259، ج/6 ص 269.

ص: 72