الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْعُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَرْسُومِ الْخَطِّ وَآدَابِ كِتَابَتِهِ
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَلَّفَ فِي تَوْجِيهِ مَا خَالَفَ قَوَاعِدَ الْخَطِّ مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرَاكِشِيُّ كِتَابًا "سَمَّاهُ عُنْوَانُ الدَّلِيلِ فِي مَرْسُومِ خَطِّ التَّنْزِيلِ" بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا اخْتُلِفَ حَالُهَا فِي الْخَطِّ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَعَانِي كَلِمَاتِهَا وَسَأُشِيرُ هُنَا إِلَى مَقَاصِدِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:
أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ بِسَنَدِهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَالسُّرْيَانِيَّ وَالْكُتُبَ كُلَّهَا آدم صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثمائة سنة كَتَبَهَا فِي الطِّينِ ثُمَّ طَبَخَهُ فَلَمَّا أَصَابَ الْأَرْضَ الْغَرَقُ أَصَابَ كُلُّ قَوْمٍ كِتَابَهُمْ فَكَتَبُوهُ فَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَصَابَ كِتَابَ الْعَرَبِ
ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ إسماعيل وضع الكتاب كله عَلَى لَفْظِهِ وَمَنْطِقِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ كِتَابًا وَاحِدًا مِثْلَ الْمَوْصُولِ، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُ وَلَدُهُ يَعْنِي أَنَّهُ وَصَلَ فِيهِ جَمِيعَ الْكَلِمَاتِ، لَيْسَ بَيْنَ الحروف فرق هكذا "بسمللهر حمنر حيم" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ فرقه من بنيه هميسع وَقَيْذَرُ
ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ أَبُو جَادٍ.
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ الْخَطَّ تَوْقِيفِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي أَمْرِ أَبِي جَادٍ وَمُبْتَدَأِ الْكِتَابَةِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهَا وَقَدْ بَسَطْتُهَا فِي تَأْلِيفٍ مُفْرَدٍ.
فَصْلٌ
الْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ يُكْتَبُ بِحُرُوفٍ هجائية مع مراعاة الابتداء والوقوف عليه وقد مهد النحاة له أُصُولًا وَقَوَاعِدَ وَقَدْ خَالَفَهَا فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ خَطُّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ
وَقَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُكْتَبُ الْمُصْحَفُ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنَ الْهِجَاءِ؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا عَلَى الْكَتْبَةِ الْأُولَى رَوَاهُ الدَّانِيُّ فِي الْمُقْنِعِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْحُرُوفِ فِي القرآن الْوَاوِ وَالْأَلِفِ، أَتُرَى أَنْ يُغَيَّرَ من الْمُصْحَفِ إِذَا وُجِدَ فِيهِ كَذَلِكَ؟ قَالَ: لَا
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يعني الواو والألف والمزيدتين فِي الرَّسْمِ الْمَعْدُومَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ
نحو الواو في "أُولُوا"،وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَحْرُمُ مُخَالِفَةُ مُصْحَفِ الإمام فِي وَاوٍ أَوْ يَاءٍ أَوْ أَلْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: مَنْ كتب مُصْحَفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْهِجَاءِ الَّذِي كتبوا به هذه الْمَصَاحِفَ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ وَلَا يُغَيِّرُ مِمَّا كَتَبُوهُ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عِلْمًا وَأَصْدَقَ قَلْبًا وَلِسَانًا وَأَعْظَمَ أَمَانَةً مِنَّا فَلَا يَنْبَغِي أن يظن بِأَنْفُسِنَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِمْ
قُلْتُ، وَسَنَحْصُرُ أَمْرَ الرَّسْمِ فِي الْحَذْفِ وَالزِّيَادَةِ والهمز والبدل وَالْفَصْلِ، وَمَا فِيهِ قِرَاءَتَانِ فَكُتِبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا.
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: فِي الْحَذْفِ
تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ يَاءِ النداء، نحو:"يأيها الناس"، "يا آدم"، "يارب"، "ياعبادي"، وَهَاءُ التَّنْبِيهِ نَحْوَ:"هَؤُلَاءِ"، "هَا أَنْتُمْ"، وَنَا مع ضمير "أنجيناكم"، "آتيناه".
ومن ذلك: "أولئك"، و"لكن"، "وتبارك"، وفروع الأربعة: و"الله"، "وإله"، كيف وقع، "والرحمن"، "وسبحان"، كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} .
وبعد لام نحو: "خلائف"، "خلاف رسول الله"، "سلام،""غلام"،"إيلاف""يلقوا."
وبين لامين، نحو:"الكلالة"، "الضلالة"، "وخلال"، "للدار"{لَلَّذِي بِبَكَّةَ}
وَمِنْ كُلِّ عَلَمٍ زَائِدٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَإِبْرَاهِيمَ وصلاح، ومكيائيل، إِلَّا جَالُوتَ وَطَالُوتَ وَهَامَانَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَدَاوُدَ لِحَذْفِ وَاوِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِحَذْفِ يَائِهِ وَاخْتُلِفَ فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَقَارُونَ.
وَمِنْ كُلِّ مُثَنَّى، اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ إِنْ لَمْ يَتَطَرَّفْ، نَحْوَ:"رَجُلَانِ"، "يعلمان"، "أضلانا"، "إن هذان"، "إلا بما قدمت يداك"،
وَمِنْ كُلِّ جَمْعِ تَصْحِيحٍ لِمُذَكَّرٍ أمؤنث، نحو:"أللآ عنون"، "ملاقوا ربهم"، "إِلَّا طَاغُونَ"، فِي الذَّارِيَاتِ وَالطُّورِ، "وكراما كاتبين" وإلا "روضات" في شورى، و"آيات للسائلين،""ومكر فِي آيَاتِنَا"، وَ"آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ" فِي يُونُسَ، وَإِلَّا إِنْ تَلَاهَا همزة، نحو:"الصائمين والصائمات"، أو تشديد نحو:"الضالين"، و"الصَّافَّاتِ"، فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلِمَةِ أَلِفٌ ثَانِيَةٌ حُذِفَتْ أَيْضًا، إِلَّا "سبع سموات" في فُصِّلَتْ.
وَمِنْ كُلِّ جَمْعٍ عَلَى "مَفَاعِلَ" أَوْ شبهه، نحو: المسجد مسكن واليتمى والنصرى والمسكين والخبئث والملائكة، والثانية: من "خطينا" كَيْفَ وَقَعَ
وَمِنْ كُلِّ عَدَدٍ كثلت وثلت، "سحر" كَيْفَ وَقَعَ إِلَّا فِي آخِرِ الذَّارِيَاتِ- فَإِنْ ثني فألفاه- والقيامة والشيطان وسلطن وتعلى واللتى، واللئي وخلق وبقدر والأصحب والأنهر والكتب، وَمُنْكَرَ الثَّلَاثَةِ، إِلَّا أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ:"لِكُلِّ أَجَلٍ كتاب""كتاب معلوم"، "كتاب ربك"، "كِتَابٍ
مُبِينٍ" فِي النَّمْلِ، وَمِنَ الْبَسْمَلَةِ وبسم الله مجراها وَمِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مِنْ "سَأَلَ"
وَمِنْ كُلِّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، نَحْوَ ءادم، ءاخر، ءأشفقتم، ءأنذرتم،
وَمَنْ رَأَى، كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا "ما رأى"، "ولقد رأى" في النجم، وإلا نأى وءالئن؛ إلا {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ}
والألفان من "ليئكة"، إلا في الحجر، وق
وَتُحْذَفُ الْيَاءُ مِنْ كُلِّ مَنْقُوصٍ مُنَوَّنٍ، رَفْعًا، وَجَرًّا نَحْوَ "بَاغٍ ولا عاد"
وَالْمُضَافُ لَهَا إِذَا نُودِيَ، إِلَّا {يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} {يَعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ أَوْ لَمْ يُنَادِ، إِلَّا {وَقُلْ لِعِبَادِي} {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} في طه وحم {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}
ومع مثلها نحو "ولى"، "والحوارين"، و "متكئين"، إلا "عليين"، و "يهيئ"، و "هيئ"، و "مكر السيئ"، و"سيئة"، و"السيئة"، و"أفعيينا"، و"يحيى" مَعَ ضَمِيرٍ لَا مُفْرَدًا
وَحَيْثُ وقع: "أطيعون"، "اتقون"، "خافون"، "ارهبون"، "فأرسلون" و"اعبدون"؛ إلا في يس، و "اخشون" إلا في البقرة و "كيدون" إلا "فكيدوني جميعا" و "اتبعون" إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَطه و "لا
تنظرون"، و "تستعجلون" و "لا تكفرون" و "لا تقربون"، و "لا تخزون"، "ولا تفضحون" و "يهدين"، "وسيهدين"، و"كذبون يقتلون"، "أن يكذبون"، "ووعيد" و"الجوار" و"بالواد"، و"المهتد" إِلَّا فِي الْأَعْرَافِ وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مَعَ أُخْرَى نحو: "لا يستون"، "فأوا"، وإذا الموءدة""يئوسا"
وَتُحْذَفُ اللَّامُ مُدْغَمَةً فِي مِثْلِهَا، نحو اليل، وَالَّذِي، إِلَّا اللَّهَ، وَاللَّهُمَّ، وَاللَّعْنَةَ وَفُرُوعَهُ، وَاللَّهْوَ وَاللَّغْوَ وَاللُّؤْلُؤَ وَاللَّاتِ وَاللَّمَمَ وَاللَّهَبَ وَاللَّطِيفَ وَاللَّوَّامَةَ
فَرْعٌ
فِي الْحَذْفِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ
حَذْفُ الْأَلِفِ مِنْ "ملك الملك"، "ذرية ضعفا"، "مرغما"، "خداعهم""أكلون للسحت""بلغ"، "ليجدلوكم""وبطل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" فِي الْأَعْرَافِ وهود، "الميعد" في الأنفال، "تربا" في الرعد والنمل وعم، "جذذا"، "يسرعون"، "أية المؤمنون""أية الساحر"، "أية الثقلان""أم موسى فرغا"، "وهل يجزي"، "من هو كذب"، "للقسية"، في الزمر "أثرة"، "عهد عليه الله"، "ولا كذبا"
وحذفت الياء من "إبرهم" فِي الْبَقَرَةِ، وَ "الدَّاعِ إِذَا دعان"، و "من اتبعن"، و"سوف يأت الله"، "وقد هدان"، "ننج المؤمنين""فلا تسألن ما ليس"، "يوم يأت لا تكلم""حتى تؤتون موثقا"، "تفندون""المتعال "،"متاب"، "مآب""عِقَابِ"، فِي الرَّعْدِ وَغَافِرٍ وَص، "فِيهَا عَذَابٌ"، "أشركتمون من قبل"، "وتقبل دعاء "، "لئن أخرتن"، "أَنْ
يَهْدِينِ"، "إِنْ تَرَنِ"، "أَنْ يُؤْتِينِ" "أَنْ تُعَلِّمَنِ" "نَبْغِ"، الْخَمْسَةُ فِي الْكَهْفِ: "أَلَّا تَتَّبِعَنِ" فِي طَهَ "والباد"، و"إن الله لهاد"، "أن يحضرون" "رب ارجعون"، و"لا تكلمون" "يسقين" "يشفين"، "يحيين" "واد النمل"، "أتمدونن"، "فما أتان"، "تشهدون" "بهاد العمى" "كالجواب" "إن يردن الرحمن" "لا ينقذون" "واسمعون" "لتردين" "صال الجحيم"، "التلاق" "التناد"، "ترجمون" "فاعتزلون" "يناد المناد" "ليعبدون" "تطعمون"، "يَدْعُ الدَّاعِ"، مَرَّتَيْنِ فِي الْقَمَرِ، "يسر"، "أكرمن"، "أهانن "ولى دين".
وَحُذِفَتِ الْوَاوُ مِنْ "وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ" و"يمح الله" في شورى، "يوم يدع الداع"، "سندع الزبانية"
قال المراكشي: السر فِي حَذْفِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى سُرْعَةِ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى الْفَاعِلِ وَشِدَّةِ وقوع الْمُنْفَعِلِ الْمُتَأَثِّرِ بِهِ فِي الْوُجُودِ، أما "وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ" فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ، وَيُسَارِعُ فِيهِ كَمَا يُسَارِعُ فِي الْخَيْرِ، بَلْ إِثْبَاتُ الشَّرِّ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَأَمَّا "وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ"، فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ ذَهَابِهِ وَاضْمِحْلَالِهِ، وَأَمَّا "يَدْعُ الداع" فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الدُّعَاءِ، وَسُرْعَةِ إجابة المدعوين وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الْفِعْلِ وَإِجَابَةِ الزَّبَانِيَةِ وَشِدَّةِ الْبَطْشِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الزِّيَادَةِ
زِيدَتْ أَلِفٌ بَعْدَ الْوَاوِ آخِرَ اسْمٍ مجموع "نحو بنوا إسرائيل"، "ملاقوا ربهم"، "أولوا الألباب"، بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ، نَحْوَ "لَذُو عِلْمٍ" إلا "الربوا" و "إن امرؤوا هلك"، وَآخِرُ فِعْلٍ مُفْرَدٍ أَوْ جَمْعٍ، مَرْفُوعٍ أَوْ منصوب "إلا جاءو" و"باءو" حيث وقعا، و "عتو عتوا"، "فإن فاؤ"، "والذين تبوؤ الدار"، "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ" فِي النِّسَاءِ، "سعو فِي آيَاتِنَا" فِي سَبَأٍ
وَبَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمَرْسُومَةِ واوا، نحو:"تفتؤا"، وفي مائة ومائتين والظنونا والرسولا والسبيلا، "ولا تقولن لشائ"، و"لا أذبحنه""ولا أوضعوا" و"لا إلى الله"، و"لا إلى الجحيم"، و"لا تايئسوا إنه لا"، "يايئس""أفلم يايئس"
وبين الياء والجيم، في "جاي" فِي الزُّمَرِ وَالْفَجْرِ، وَكُتِبَتِ "ابْنُ" بِالْهَمْزَةِ مُطْلَقًا
وَزِيدَتْ يَاءٌ فِي "نبائ المرسلين" و"ملإيه""ملإيهم"، و"من آنائي اليل في" طه "من تلقائي نفسي"، "من ورائي حجاب" في شورى، و"إيتائي ذِي الْقُرْبَى" فِي النَّحْلِ، وَ"لقائي الآخرة" في الروم "بأييكم المفتون" بنيناها بأييد" "أفإين مات"، "أفإين مت"
وزيدت واو في "أولوا""وفروعه، و"سأوريكم".
قَالَ الْمَرَاكِشِيُّ: وَإِنَّمَا زِيدَتْ هَذِهِ الْأَحْرُفُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ نَحْوَ "جايء"، و"نبائ"، وَنَحْوِهِمَا لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّفْخِيمِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، كَمَا زِيدَتْ في "بأييد" تَعْظِيمًا لِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي بَنَى بِهَا السَّمَاءَ الَّتِي لَا تُشَابِهُهَا قُوَّةٌ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِبِ: كَانَتْ صُورَةُ الْفَتْحَةِ فِي الْخُطُوطِ قَبْلَ الْخَطِّ الْعَرَبِيِّ أَلِفًا، وَصُورَةُ الضَّمَّةِ وَاوًا، وَصُورَةُ الْكَسْرَةِ يَاءً، فَكُتِبَتْ "لا أوضعوا" وَنَحْوُهُ بِالْأَلْفِ، مَكَانَ الْفُتْحَةِ، وَ"إيتائي ذِي الْقُرْبَى" بِالْيَاءِ مَكَانَ الْكَسْرَةِ و"أولئك" وَنَحْوُهُ بِالْوَاوِ مَكَانَ الضَّمَّةِ، لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْخَطِّ الْأَوَّلِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ
فِي الْهَمْزِ
يُكْتَبُ السَّاكِنُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا نَحْوَ: ائْذَنْ، وأؤتمن، والبأساء واقرأ وجئناك وهيئ والمؤتون وتسؤهم إلا فادارءتم ورءيا والرءيا وشطئه فَحَذَفَ فِيهَا وَكَذَا أَوَّلُ الْأَمْرِ بَعْدَ فَاءٍ نحو "فأتوا"، أو واو نحو: و"أتمروا"
وَالْمُتَحَرِّكُ، إِنْ كَانَ أَوَّلًا أَوِ اتَّصَلَ بِهِ حَرْفٌ زَائِدٌ بِالْأَلْفِ مطلقا، نحو:"أيوب""إذ""أولوا"، "سأصرف"، "فبأي"، "سأنزل" إلا مواضع:"أئنكم لتشهدون"، "أئنكم لتأتون" في النمل والعنكبوت "أئنا لتاركوا""أَئِنَّ لَنَا" فِي الشُّعَرَاءِ "أَئِذَا متنا""أئن ذكرتم""أئفكا""أئمة""لِئَلَّا لَئِنْ"، "يَوْمَئِذٍ"، "حِينَئِذٍ" فَتُكْتَبُ فِيهَا بِالْيَاءِ، إلا "قل أؤنبئكم" وَ "هَؤُلَاءِ" فَتُكْتَبُ بِالْوَاوِ
وَإِنْ كَانَ وَسَطًا فَبِحَرْفٍ حَرَّكْتَهُ، نَحْوَ سَأَلَ، سُئِلَ نَقْرَؤُهُ، إِلَّا جَزَاؤُهُ الثلاثة في يوسف، و"لأملئن"، "وامتلئت"، و"اشمئزت"، و"اطمئنوا" فَحُذِفَ فِيهَا وَإِلَّا إِنْ فُتِحَ وَكُسِرَ أَوْ ضُمَّ مَا قَبْلُهُ، أو ختم ما قبله، أو ختم وَكُسِرَ مَا قَبْلُهُ فَبِحَرْفِهِ، نَحْوَ "الخاطئة""فؤادك"، "سنقرئك"
وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُهُ سَاكِنًا حُذِفَ هُوَ، نحو "يسئل"، "لا تجئروا""إلا النشأة""وموئلا" فِي الْكَهْفِ
فَإِنْ كَانَ أَلِفًا وَهُوَ مَفْتُوحٌ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تُحْذَفُ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ أَلِفٍ مِثْلِهَا، إِذِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ بِصُورَتِهَا، نَحْوَ "أَبْنَاءَنَا"، وحذف منها أيضا في "قراءنا" فِي يُوسُفَ وَالزُّخْرُفِ
فَإِنْ ضُمَّ أَوْ كُسِرَ فلا نحو: "آباؤكم"، "آبائهم"، "إلا" وقال أوليؤهم، "إلى أوليئهم"، في الأنعام، "إن أوليؤه" في الأنفال، "نحن أوليؤكم" في فصلت
وإن كان بعد حَرْفٌ يُجَانِسُهُ فَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْذَفُ نحو "شنئان""خاسئينط "مستهزءون"
وَإِنْ كَانَ آخِرًا فَبِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ، نحو سبأ، شاطئ، لؤلؤ، إلا في مواضع: تفتؤا، يتفيؤا، أتوكؤا، لا تظمؤا، ما يعبؤا، يبدؤا، ينشؤا، يذرؤا، نبؤا، قال الملؤا الْأَوَّلُ فِي قَدْ أَفْلَحَ وَالثَّلَاثَةُ فِي النَّمْلِ "جزاؤ" وفي خَمْسَةٍ مَوَاضَعَ، اثْنَانِ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي الزُّمَرِ والشورى والحشر، "شركؤا" في الأنعام وشورى، "يأتهم نبؤا" في الأنعام والشعراء "علمؤا بني""من عباده العلمؤا"، "الضعفؤا"، فِي إِبْرَاهِيمَ وَغَافِرٍ "فِي أَمْوَالِنَا ما نشؤا" و "ما دعؤا" في غافر "شفعؤا" فِي الرُّومِ "إِنَّ هَذَا لَهُوَ البلؤا"، "بلؤا مبين" في الدخان، "برءؤا منكم" فكتب فِي الْكُلِّ بِالْوَاوِ
فَإِنْ سَكَّنَ مَا قَبْلَهُ حَذَفَ هُوَ، نَحْوَ "ملء الأرض" دفء، شيء، الخبء، ماء، إلا "لتنوأ""وأن تبؤأ"، و"السوآى"، كَذَا اسْتَثْنَاهُ الْفَرَّاءُ
قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْوَاوِ لَيْسَتْ صُورَةَ الْهَمْزَةِ، بَلْ هِيَ الْمَزِيدَةُ بَعْدَ وَاوِ الْفِعْلِ.
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ
فِي الْبَدَلِ
ويكتب بالواو للتفخيم ألف الصلوة، والزكوة، والحيوة، والربوا، غير مضافات والغدوة، و "مشكوة"، و"النجوة"،و "منوة"
وَبِالْيَاءِ كُلُّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَةٍ عَنْهَا نحو: "يتوفيكم" فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ أو لَا لَقِيَ سَاكِنًا أَمْ لَا ومنه يا حسرتي ياأسفي إلا تترا وكلتا وهداني ومن عصاني والأقصا وأقصا المدينة ومن تولاه وطغا الماء وسيماهم وَإِلَّا مَا قَبِلَهَا يَاءٌ كَالدُّنْيَا والحوايا إلا يحيى اسما أو فعلا
وَيُكْتَبُ بِهَا إِلَى، وَعَلَى، وَأَنَّى بِمَعْنَى كَيْفَ، وَمَتَى، وَبَلَى، وَحَتَّى، إلا "لدا الباب"
وَيَكْتُبُ بِالْأَلِفِ الثُّلَاثِيُّ الْوَاوِيُّ، اسْمًا أَوْ فِعْلًا، نحو الصفا، وشفا، وعفا، إلا ضحى كيف وقع، و "ما زكى منكم" ودحيها وتليها وطحها وسجى
وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ نُونُ التَّوْكِيدَ الْخَفِيفَةِ لنسفعا ويكونا، وإذا، وبالنون كاين وَبِالْهَاءِ هَاءُ التَّأْنِيثِ إِلَّا "رَحْمَتَ" فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَهُودٍ وَمَرْيَمَ وَالرُّومِ وَالزُّخْرُفِ وَ"نِعْمَتَ" فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالنَّحْلِ وَلُقْمَانَ وَفَاطِرٍ وَالطُّورِ، وَ"سُنَّتُ" فِي الْأَنْفَالِ وَفَاطِرٍ، وَثَانِي غَافِرٍ، وَ "امْرَأَتَ" مَعَ زَوْجِهَا، و "تمت كلمت ربك الحسنى"، "فنجعل لعنت الله" "والخامسة أن
لعنت الله"،و "معصيت"، في قد سمع "إن شجرت الزقوم"، "قرت عين"و "جنت نعيم"، "بقيت الله"،و "يا أبت"،و "اللات"و "مرضات"،و" هيهات"،وذات"و "ابنت"، وفطرت"
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ
فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ
تُوصَلُ "أَلَّا" بِالْفَتْحِ، إِلَّا عَشَرَةً: أَنْ لَا أَقُولَ أَنْ لَا تقولوا، فِي الْأَعْرَافِ أَنْ لَا مَلْجَأَ فِي هُودٍ أَنْ لَا إِلَهَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ فِي الْأَحْقَافِ، أَنْ لَا تُشْرِكْ فِي الْحَجِّ أَنْ لا تعبدوا في يس، أن لَا تَعْلُوا فِي الدُّخَانِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ، فِي الْمُمْتَحَنَةِ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا، فِي ن
وَ "مما" إلا "من مَا مَلَكَتْ" فِي النِّسَاءِ وَالرُّومِ، "مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ" فِي الْمُنَافِقِينَ
وَ "مِمَّنْ" مُطْلَقًا
وَ "عَمَّا" إلا "عن ما نهوا"
و"إما" بالكسر، إلا و"إن ما نُرِيَنَّكَ" فِي الرَّعْدِ
وَ "أَمَّا" بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا
وَ "عَمَّنْ" إِلَّا "يصرفه عن من" فِي النُّورِ، "عَنْ مَنْ تَوَلَّى" فِي النَّجْمِ
وَ "أَمَّنْ" إِلَّا "أَمْ مَنْ يَكُونُ" فِي النِّسَاءِ "أم من أسس"، "أَمْ مَنْ خَلَقْنَا"،فِي الصَّافَّاتِ، "أَمْ مَنْ يأتي آمنا"
وَ "إِلَّمْ" بِالْكَسْرِ؛ إِلَّا "فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا" فِي الْقَصَصِ
وَ "فِيمَا" إِلَّا أَحَدَ عَشَرَ "في ما فَعَلْنَ" الثَّانِي فِي الْبَقَرَةِ، "لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا" فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامُ، "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا"، "فِي مَا اشْتَهَتْ" فِي الْأَنْبِيَاءِ، "فِي مَا أفضتم"، "في ما ههنا" فِي الشُّعَرَاءِ، "فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ"، فِي الرُّومِ "فِي مَا هُمْ فِيهِ"، "فِي مَا كَانُوا فِيهِ"، كِلَاهُمَا فِي الزُّمَرِ، "وَنُنْشِئَكُمْ فِي مالا تَعْلَمُونَ" فِي الْوَاقِعَةِ
وَ "إِنَّمَا" إِلَّا: "إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ" فِي الْأَنْعَامِ
وَ "أَنَّمَا" بِالْفَتْحِ إلا "أن مَا يَدْعُونَ" فِي الْحَجِّ وَلُقْمَانَ
وَ "كُلَّمَا" إلا "كل ما ردوا إلى الفتنة"، "من كل ما سألتموه "
وَ "بِئْسَمَا" إِلَّا مَعَ اللَّامِ
وَ "نِعِمَّا"وَ "مَهْمَا"وَ "رُبَّمَا"وَ "كَأَنَّمَا"،وَ"يكأن" وَتَقْطَعُ "حَيْثُ مَا"،وَ "أَنْ لَمْ"، بِالْفَتْحِ، وَ "أَنْ لَنْ" إِلَّا فِي الْكَهْفِ وَالْقِيَامَةِ
وَ "أَيْنَ مَا" إِلَّا "فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا"، "أينما يوجهه"
واختلف "في أين ما تكونوا يدرككم"، "أينما كنتم تعبدون "في الشعراء "أينما ثُقِفُوا" فِي الْأَحْزَابِ، وَ"لِكَيْ لَا" إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْحَجِّ وَالْحَدِيدِ وَالثَّانِي فِي الْأَحْزَابِ
و"يوم هم"،و "لات حين" و "ابن أم" إِلَّا فِي طه، فَكُتِبَتِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ وَاوًا
وَحُذِفَتْ هَمْزَةُ "ابْنِ" فَصَارَتْ هَكَذَا "يَبْنَؤُمِّ"
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ
فِيمَا فِيهِ قِرَاءَتَانِ فَكَتَبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا
وَمُرَادُنَا غَيْرُ الشاذ
من ذلك: "ملك يوم الدين"، "يخدعون"،و" واعدنا"،و "الصعقة"
و"الريح،"و "تفدوهم"،و "تظهرون": و"لا تقتلوهم"،ونحوها
و"لولا دفع"، "فرهن"، "طئرا" في آل عمران والمائدة "مضعفة ونحوه "عقدت إيمانكم"، "الأولين"، "لمستم"، "قسية"، "قيما"،و" للناس" "خطيئتكم"، في الأعراف "طئف"، "حش الله" "وسيعلم الكفر"، "تزور"، "زكية"، "فلا تصحبني" "لتخذت"، "مهدا"و "حرم على قرية" "إن الله يدفع"، "سكرى وما هم بسكرى" "المضغة عظما فكسونا العظم"، "سراجا"، "بل إدراك"،و "لا تصعر" "ربنا بعد"، "أسورة" بِلَا أَلِفٍ فِي الْكُلِّ وَقَدْ قُرِئَتْ بِهَا وبحذفها
"غيبت الجب"، "وأنزل عليه ءايت" في العنكبوت و "ثمرت مِنْ أَكْمَامِهَا" فِي فُصِّلَتْ، وَ "جملت"، "فهم على بينت":"وهم في الغرفت آمنون" بِالتَّاءِ
وَقَدْ قُرِئَتْ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ
و"تقية" بالياء، و "لأهب بِالْأَلِفِ،" وَ "يُقَضَ الْحَقُّ" بِلَا يَاءٍ وَ "ءاتوني زبر الحديد" بألف فقط "ننج المؤمنين"، بنون واحدة والصراط كيف وقع، و "بصطة" في الأعراف و "المصيطرون"،و "مصيطر" بِالصَّادِ لَا غَيْرَ
وقد تكتب الكلمة صالحة للقراءتين، نحو "فكهون" وَعَلَى قِرَاءَتِهَا هِيَ مَحْذُوفَةٌ رَسْمًا، لِأَنَّهُ جَمْعُ تَصْحِيحٍ.
فَرْعٌ
فِيمَا كُتِبَ مُوَافِقًا لِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ
وَمِنْ ذلك: إن البقر تشبه علينا "أو كلما عهدوا" وأما "ما بقي من الربو" فَقُرِئَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ "فلقتلوكم"، "إنما طئرهم""طئره في عنقه"، "تسقط""سمرا""وفصله في عامين"، "عليهم ثياب سندس""ختمه مسك""فادخلي في عبدي".
فَرْعٌ
وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ الْمَشْهُورَةُ بِزِيَادَةٍ لَا يَحْتَمِلُهَا الرَّسْمُ وَنَحْوَهَا، نحو أوصى ووصى وتجري تحتها ومن تحتها وسيقولون الله ولله وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهُمْ وَمَا عَمِلَتْهُ فَكِتَابَتُهُ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي مَصَاحِفِ الْإِمَامِ.
فَائِدَةٌ
كُتِبَتْ فَوَاتِحُ السُّوَرِ عَلَى صُورَةِ الْحُرُوفِ أَنْفُسِهَا، لَا عَلَى صُورَةِ النُّطْقِ بِهَا، اكْتِفَاءً بِشُهْرَتِهَا وَقُطِعَتْ "حم عسق" دُونَ "المص" وَ "كهيعص" طَرْدًا لِلْأُولَى بِأَخَوَاتِهَا السِّتَّةِ.
فَصْلٌ: فِي آدَابِ كِتَابَتِهِ
يُسْتَحَبُّ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ وَتَحْسِينُ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا وَتَحْقِيقِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ فَيُكْرَهُ وَكَذَا كِتَابَتُهُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ رَجُلٍ مُصْحَفًا قَدْ كَتَبَهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ وَقَالَ: عَظِّمُوا كِتَابَ اللهِ
وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُصْحَفًا عَظِيمًا سُرَّ بِهِ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُتَّخَذَ الْمَصَاحِفُ صِغَارًا
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ
وَأَخْرَجَ هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي حكيم الْعَبْدِيِّ قَالَ: مَرَّ بِي عَلِيٌّ وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا، فَقَالَ أَجِلَّ قَلَمَكَ فَقَضَمْتُ مِنْ قَلَمِي قَضْمَةً ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْتُبُ فَقَالَ: نَعَمْ هَكَذَا نَوَّرَهُ كَمَا نَوَّرَهُ اللهُ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا قَالَ: تَنَوَّقَ رَجُلٌ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَغُفِرَ لَهُ
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ وَابْنِ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ، مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:"مَنْ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُجَوَّدَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ"
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلْيَمُدَّ "الرَّحْمَنَ"
وَأَخْرَجَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُكْتَبَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، لَيْسَ لَهَا سِينٌ
وَأَخْرَجَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ كَاتِبَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ "بِسْمِ اللَّهِ" وَلَمْ يَكْتُبْ لَهَا سنا فَضَرَبَهُ عُمَرُ، فَقِيلَ لَهُ: فِيمَ ضَرَبَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ضَرَبَنِي فِي سِينٍ.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُمَدَّ الْبَاءُ إِلَى الْمِيمِ حَتَّى تكتب السِّينَ
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْمُصْحَفُ مَشَّقًا، قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا، وَتُحْرَمُ كِتَابَتُهُ بِشَيْءٍ، نَجِسٍ، وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَسَنٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ زُيِّنَ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زَيَّنَ بِهِ الْمُصْحَفَ تِلَاوَتُهُ بِالْحَقِّ
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتُكْرَهُ كِتَابَتُهُ عَلَى الْحِيطَانِ وَالْجُدْرَانِ وَعَلَى السُّقُوفِ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ يُوطَأُ.
"وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَا تَكْتُبُوا الْقُرْآنَ حَيْثُ يُوطَأُ".
وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِقَلَمِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
قَالَ: "وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ قَدْ يحسنه من يقرأ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ كَمَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ"، لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلِقَوْلِهِمْ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ قَلَمًا غَيْرَ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ قَالَ تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} انْتَهَى.
فَائِدَةٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ إِلَّا مُضَرِيُّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا مِنْ أَجِلِّ اللُّغَاتِ.
مَسْأَلَةٌ
اخْتُلِفَ فِي نُقَطِ الْمُصْحَفِ وشكله، وقال: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو الْأُسُودِ الدُّؤَلِيُّ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَقِيلَ: نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ
وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْهَمْزَ وَالتَّشْدِيدَ وَالرَّوْمَ وَالْإِشْمَامَ الْخَلِيلُ
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَدَءُوا فَنَقَّطُوا ثُمَّ خَمَّسُوا، ثُمَّ عَشَّرُوا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوَّلُ مَا أَحْدَثُوا النُّقَطَ عِنْدَ آخَرِ الْآيِ، ثُمَّ الْفَوَاتِحِ وَالْخَوَاتِمِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُحْدِثُ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا النُّقَطَ الثَّلَاثَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ
وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخْعِيُّ أَنَّهُ كَرِهَ نَقْطَ الْمَصَاحِفِ
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ النَّقْطَ وَالْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا التَّعْشِيرِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْعَوَاشِرَ وَالْفَوَاتِحَ وَتَصْغِيرَ الْمُصْحَفِ وَأَنْ يُكْتَبَ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِمُصْحَفٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا آيَةٍ، فَقَالَ امْحُ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَكْرَهُهُ
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْجُمَلَ فِي الْمُصْحَفِ، وَفَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا وَخَاتِمَةَ سُورَةِ كَذَا
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّقْطِ فِي الْمَصَاحِفِ التي تتعلم فيها الغلماء، أَمَّا الْأُمَّهَاتُ فَلَا
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأَعْشَارِ، وَالْأَخْمَاسِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيَاتِ فِيهِ لِقَوْلِهِ:"جَرِّدُوا الْقُرْآنَ"، وَأَمَّا النَّقْطُ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ فَيُتَوَهَّمُ لأجلها مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرَآنًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَى هَيْئَةِ الْمَقْرُوءِ فَلَا يَضُرُّ إِثْبَاتُهَا لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ آدَابِ الْقُرْآنِ أَنْ يُفَخَّمَ، فَيَكْتُبُ مُفَرَّجًا بِأَحْسَنِ خَطٍّ فَلَا يَصَغَّرُ وَلَا تقرمط حُرُوفَهُ، وَلَا يُخْلَطُ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَعَدَدِ الْآيَاتِ وَالسَّجَدَاتِ وَالْعَشَرَاتِ وَالْوُقُوفِ وَاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْآيَاتِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْسَ بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِشَكْلِهِ
وَقَالَ: النَّوَوِيُّ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنَ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ
وَقَالَ ابن مجاهد: ينبغي ألا يُشْكَلَ إِلَّا مَا يُشْكِلُ
وَقَالَ الدَّانِيُّ: لَا أَسْتَجِيزُ النَّقْطَ بِالسَّوَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْيِيرِ لِصُورَةِ الرَّسْمِ، وَلَا أَسْتَجِيزُ جَمْعَ قِرَاءَاتٍ شَتَّى فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، لِأَنَّهُ مِنْ
أَعْظَمِ التَّخْلِيطِ وَالتَّغْيِيرِ لِلْمَرْسُومِ، وَأَرَى أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَاتُ وَالتَّنْوِينُ وَالتَّشْدِيدُ وَالسُّكُونُ وَالْمَدُّ بِالْحُمْرَةِ، وَالْهَمَزَاتِ بِالصُّفْرَةِ
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الشَّافِي: مِنَ الْمَذْمُومِ كِتَابَةُ تَفْسِيرِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ بَيْنَ أَسْطُرِهِ.
فَائِدَةٌ
كَانَ الشَّكْلُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ نُقَطًا فَالْفُتْحَةُ نُقْطَةٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَرْفِ، وَالضَّمَّةُ عَلَى آخِرِهِ، وَالْكَسْرَةُ تَحْتَ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الدَّانِيُّ وَالَّذِي اشْتُهِرَ الْآنَ الضَّبْطُ بِالْحَرَكَاتِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْخَلِيلُ، وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَوْضَحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فَالْفَتْحُ شَكْلُهُ مُسْتَطِيلَةٌ فَوْقَ الْحَرْفِ، وَالْكَسْرُ كَذَلِكَ تَحْتَهُ وَالضَّمُّ وَاوٌ صُغْرَى فَوْقَهُ وَالتَّنْوِينُ زِيَادَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُظْهَرًا- وَذَلِكَ قَبْلَ حَرْفِ حَلْقٍ- رُكِّبَتْ فَوْقَهَا، وإلا تابعت بَيْنَهُمَا، وَتَكْتُبُ الْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْرَاءَ، وَالْهَمْزَةُ الْمَحْذُوفَةُ تُكْتَبُ هَمْزَةً بِلَا حِرَفٍ حَمْرَاءَ أَيْضًا، وَعَلَى النُّونِ وَالتَّنْوِينِ قَبْلَ الْبَاءِ عَلَامَةُ الْإِقْلَابِ "م" حَمْرَاءُ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ سكون وتقرأ عِنْدَ الْإِدْغَامِ وَالْإِخْفَاءِ، وَيُسَّكَنُ كُلُّ مُسَكَّنٍ وَيُعَرَّى الْمُدْغَمُ، وَيُشَدَّدُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا الطَّاءِ قَبْلَ التَّاءِ، فيكتب عليها السكون، نحو "فرطت"، وَمَطَّةُ الْمَمْدُودِ لَا تُجَاوِزُهُ.
فَائِدَةٌ
قَالَ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ
وَالثَّانِي: جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنَ النُّقَطِ وَالتَّعْشِيرِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَبْيَنُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ، لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا.
فَرْعٌ
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَأَخْرِجَ مِثْلَهُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ
وَاخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا
"وَأَخْرَجَ عن محمد بن سرين: انه كره بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا".
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِالثَّلَاثَةِ وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أُجُورَ أَيْدِيهُمْ
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمُصْحَفِ، قَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا تَبِيعُ الْوَرَقَ
وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشَدِّدُونَ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ
وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُصْحَفُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ: أَعِنْ أَخَاكَ بِالْكِتَابِ أوهب لَهُ
وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَرَخَصَّ فِي شِرَائِهَا
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَفِ، ثَالِثُهَا كَرَاهَةُ الْبَيْعِ دُونَ الشِّرَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَنَا، كَمَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الثَّمَنَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أُجْرَةِ النَّسْخِ انْتَهَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ إِسْنَادُ الْقَوْلَيْنِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُمَا مَعًا
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَصَاحِفِ، إِنَّمَا يَبِيعُ الْوَرَقَ وَعَمَلَ يَدَيْهِ.
فَرْعٌ
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ: الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ مِنَ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ بِهِ.
فَرْعٌ
يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رضي الله عنه كَانَ يَفْعَلُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَشَرَعَ تَقْبِيلَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ
وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رُوَايَاتٍ: الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ، وَالتَّوَقُفُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ قِيَاسٌ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي الْحَجَرِ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
فَرْعٌ
يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمُصْحَفِ، وَجَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ، لِأَنَّ فِيهِ إِذْلَالًا وَامْتِهَانًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا مَدَّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْهِ
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ سُفْيَانَ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعَلَّقَ الْمَصَاحِفُ وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَاسِيَّ كَكَرَاسِيِّ الْمَصَاحِفِ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالْفِضَّةِ إِكْرَامًا لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ تَفْضِيضِ الْمَصَاحِفِ فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ فَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ، عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِهِ وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمِ الْجَوَازَ بِنَفْسِ الْمُصْحَفِ، دون غلافه المنفضل عَنْهُ وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ.
فَرْعٌ
إِذَا احْتِيجَ إِلَى تَعْطِيلِ بَعْضِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ لِبِلًى وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي شَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ وَيُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِقَةِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إِزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ كذا قال الْحَلِيمِيُّ
قَالَ: وَلَهُ: غَسْلُهَا بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ فَلَا بَأْسَ؛ أَحْرَقَ عُثْمَانُ مَصَاحِفَ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ وَقِرَاءَاتٌ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِحْرَاقَ أَوْلَى مِنَ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْغُسَالَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِامْتِنَاعِ الْإِحْرَاقِ، لِأَنَّهُ خِلَافَ الِاحْتِرَامِ، وَالنَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ
وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفَيَّةِ أَنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ لَا يُحْرَقُ، بَلْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَيُدْفَنُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلْوَطْءِ بِالْأَقْدَامِ.
فَرْعٌ
رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ: مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ، مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَظِيمٌ.
فَرْعٌ
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمِ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ كَانَ
أَصْغَرَ أَمْ أَكَبْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ} وَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ.
خَاتِمَةٌ
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ من بعد موته، أوورث مُصْحَفًا".