الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هول يذهل به الخليل عن خليله كما تقدم أوّل الباب.
(وفي رواية) هي «للصحيحين» أيضاً كما في «المشكاة» وهي عند النسائي وابن ماجه كما في «الجامع الكبير» ( «الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعاً «قالت عائشة: ينظر بعضهم إلى بعض، قال: شغل الناس يومئذٍ عن النظر وسموا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون» (متفق عليه) أخرجه البخاري في الرقاق ومسلم في أبواب صفة الجنة والنار (غرلاً بضم الغين المعجمة) وسكون الراء (أي غير مختونين) في «المصباح» : الغرلة مثل القلفة وزناً ومعنىً، وغرل غرلاً من باب تعب: إذا لم يختن فهو أغرل والأنثى غرلاء والجمع غرل من باب أحمر اهـ. والله أعلم.
51 - باب الرجاء
بفتح الراء وبالمد: هو ضد الخوف، وعرف بأنه تأمل الخبر وقرب وقوعه. ويطلق على الخوف ومنه قوله تعالى:{مالكم لا ترجون وقاراً} (نوم: 13) وقال الراغب في «مفرداته» : قيل مالكم لا تخافون؟ ووجه ذلك أن الرجاء والخوف يتلازمان. وفي «الرسالة القشيرية» : الرجاء تعليق القلب بمحبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني أن التمني يصاحبه الكسل ولا يسلك صاحبه طريق الجد وضده صاحب الرجاء، وقدم المصنف الخوف عليه لأنه باعتبار نتائجه من باب التخلية بالخاء المعجمة إذ ينتج ترك المخالفة، والرجاء من باب التحلية بالمهملة إذ يبعث على صالح العمل إذ لولا الرجاء لما وجد عمل، أما تمني الثواب لا مع صالح العمل فذلك أمنية وليس من الرجاء في شيء. وفي الحديث عن شداد بن أوس عن النبيّ «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم في «المستدرك» .
(قال الله تعالى) : {قل يا عبادي} ) إضافتهم إليه إضافة تشريف وتكريم ليذهب عنهم ما عداهم من خشية المعصية وبعد المخالفة، وتخصيصهم بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن ( {الذين أسرفوا على أنفسهم} ) أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعصية ( {لا تقنطوا من رحمة ا} ) لا تيأسوا من مغفرته أوّلاً وتفضله ثانياً ( {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} ) عفوا ولو بعد بعدا وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به} (النساء: 48) الآية والتعليل بقوله ( {إنه هو الغفور الرحيم} ) للمبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في عبادي من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم، والنهي عن القنوط مطلقاً عن الرحمة فضلاً عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب، ووضع اسم الله موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد، وما روي من خصوص نزولها بعياش أو الوليد بن الوليد بن جماعة فتنوا فافتتنوا، أو في وحشي لا ينفي عمومها إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(وقال تعالى) : {وهل يجازى إلا الكفور} ) أي هل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر، وفيه إيماء إلى أن المؤمنين لا يجازون كذلك للغفران الكائن لهم بشرف الإيمان.
(وقال تعالى) مخبراً عن موسى وهارون ( {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب} ) وهو عبارة عن الألم مع الإماتة ( {على من كذب وتولى} ) وفيه إيماء إلى سلامة من أمن من ذلك، ولا ينافيه ما ورد من تعذيب قوم من أهل التوحيد لأنه ليس لإهانتهم بل لتطهيرهم لما حصل لهم من دنس المخالفة حتى يتأهلوا لدخول الجنة والحلول بها.e جعلنا الله من أهل الجنة بمحض الفضل والمنة.
(وقال تعالى:
{ورحمتي وسعت كل شيء} ) (الأعراف: 156) المؤمن والكافر. قال البيضاوي: وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة قوله:{فسأكتبها للذين يتقون} (الأعراف: 156) الآية.
1412 -
(وعن عبادة بن الصامت) الأنصاري الخزرجي تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب الأمر بالمعروف (قال: قال رسول الله: من شهد) أي علم (أن لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا ا) بالرفع بدلاً من محل اسم لا قبل دخولها ولا يجوز الإبدال من محله بعد دخولها لأنها لا تعمل في المعارف، وفي إعرابها بسط ذكرته في باب فضل الذكر وباب التشهد من «شرح الأذكار» (وحده) أي منفرداً بالألوهية وغيرها من أوصاف الكمال (لا شريك له) في ذلك ولا في شيء من أوصافه ولا من أفعاله بل كان ما في الوجود خلق الله وحده، والمراد من صدّق بمضمون ذلك وأذعن له بجنانه ونطق به بلسانه، فإن منع من النطق مانع من خرس أو معالجة منية فهو مؤمن، وإلا فنقل المصنف في أوّل شرح مسلم الإجماع على كفره. وعورض بأن الغزالي نقل فيه عن جمع أنه مؤمن عاص بترك النطق بها (و) شهد (أن محمداً عبده) هو أشرف أوصافه فلذا ذكره به في الكتاب في أشف المواطن كمقام الإسراء وإنزال الكتاب عليه ولذا قدمه على قوله (ورسوله) وفيه إيماء إلى ما جنح إليه ابن عبد السلام في تفضيل النبوّة لتعلقها بالحق على الرسالة لتعلقها بالخلق، وذلك لأنه قدم العبودية لكونها إضافة إلى الحق له بها شرف على الخلق، والرسالة ليست كذلك وإن كان الأصح عند الجمهور تفضيل الرسالة لوجود التعلق بالحق فيها كالنبوة وزيادتها بالإبلاغ للخلق (وأن عيسى) اسم معرب يسوع كما في البيضاوي، قال: واشتقاقه من العيس وهو بياض تعلوه حمرة تكلف لا طائل تحته (عبد ا) خصه بالذكر رداً على النصارى في إنكارهم ذلك، وقولهم إنه ابنالله، تعالى الله عن ذلك (ورسوله) إلى بني إسرائيل (وكلمته) سمي به لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي عالم الأوامر،
قال الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» : وسماه كلمة مبالغة لأنه تكلم في غير أوانه، وأضيف إلى الله تعالى تعظيماً (وروح منه) سماه روحاً لأنه أحيى به الأموات فكان كالروح وأحيى به القلوب من
موت الجهالة، أو لأنه حدث من نفخ الروح كما قال تعالى:
{فنفخنا فيها من روحنا} (الأنبياء: 91) قيل كان النافخ جبريل وإضافته إلى الله تعالى لأنه كان بأمره. وفي «تفسير البيضاوي» أي ذي روح صدر منه لا يتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة (والجنة والنار) بالنصب عطفاً على ما قبله: أي وشهد أنهما (حق) أي ثابتان موجودان، وأفرد الخبر مع تثنية المخبر عنه إما لأنه مصدر أو لإرادة كل واحدة منهما (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أي على أي عمل كان سيئاً أو حسناً، وهو حال نحو رأيت فلاناً على أكله: أي آكلاً وفيما نحن فيه لا يجوز أن يقدر عاملاً، لأن العمل غير حاصل وقت الدخول فيقدر مستحقاً بما يناسب عمله من الثواب والعقاب، يعني من مات على الإيمان لا تخرجه الكبائر عن إيمانه فيدخل الجنة، أما كونه ابتداء أو بعد دخول النار فمفوض إلى مشيئة الله تعالى. قال الطيبي في «شرح المشكاة» : لا يتصوّر هذا في حق العاصي الذي مات قبل التوبة إلا إذا دخل الجنة قبل استيفاء العقوبة. فإن قلت: ما ذكرت يستدعى أن لا يدخل أحد من عصاة المؤمنين النار. قلت: اللازم عموم العفو وهو لا يستلزم عدم دخول النار لجواز أن يعفو عنهم بعد دخولها قبل استيفاء العذاب، فليس يحثم عندنا أن يعذب بالنار أحد من الأمة بل الواجب العفو عن الجميع بموجب وعده حيث قال {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} (متفق عليه) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان ورواه النسائي في «اليوم والليلة» وفي التفسير من «سننه» كذا قاله المزي في «الأطراف» .
(وفي رواية لمسلم) أي عن عبادة بن الصامت أيضاً رواه الإمام أحمد والترمذي قاله في «الجامع الصغير» : وقال الحافظ المزي: أخرجه مسلم والترمذي في الإيمان وأخرجه النسائي في «اليوم والليلة» ، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ويلزم من شهادته برسالته شهادته برسالته بسائر الأنبياء لأن النبي جاء بذلك (حرم الله عليه النار) أي الخلود فيها، وأول الحديث كما في مسلم عن الصالحي قال: «دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فبكيت، فقال لي: مهلاً لم تبك؟ فوا لئن استشهدت لأشهدن
لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك، ثم قال: وا ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثاً واحداً وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي سمعته يقول: من شهد الخ» .
2413 -
(وعن أبي ذرّ) الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: يقول الله عز وجل فيه دليل على عدم كراهة استعمال المضارع فيه، لأن المراد به الدلالة على دوام ذلك وعدم انقطاعه خلافاً لمن كرهه من السلف لما يدل عليه من التجدد والحدوث، وأوصاف الله تعالى قديمة أزلية، والحديث من الأحاديث القدسية (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) أي عشر حسنات أمثالها فضلاً من ا؛ أي جزاؤها مكرراً عشر، لا أنه يكرّر نفس الحسنة كذلك، وقد نبه الشيخ زكريا في سورة النساء من «حاشيته» على البيضاوي على أن هذا أقلّ مراتب المضاعفة ولذا قال (أو أزيد) وأو فيه يحتمل أن تكون بمعنى بل: أي بل أزيد من ذلك كما قال تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} (البقرة: 245) . (وقال تعالى) : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ) . وقال تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} (السجدة: 17) قال البيضاوي: وهذا أي العشر أقل ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب، ولذا قيل المراد بالعشرة الكثرة دون العدد (ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها) قضية العدل (أو أغفر) فضلاً وإحساناً وانظر إلى ما انطوى عليه هذا الحديث من اللطف في جانب الحسنة إضافتها للجائي بها باللام الدالة على الاختصاص تشريفاً وتكريماً، وفي جانب السيئة ترك ذلك إيماء إلى قبح المعصية وأن حقها أن تباعد وتزايل حتى لا تنسب لأحد (ومن تقرب مني) أي من فضلي ورحمتي (شبراً) بالمبالغة في المجاهدة وأداء واجب الألوهية (تقربت منه) أي بفضلي وتوفيقي (ذراعاً ومن تقرب مني) بذلك (ذراعاً) وهو دون ما قبله (تقربت منه باعاً) ففيه أن الجزاء على قدر العمل وبحسبه، والباع والبوع بضم الموحدة وفتحها طول ذراعي الإنسان وعضده
وعرض صدره: قال الباجي: وهو قدر أربعة أذرع (ومن أتاني يمشي) وأسرع نحو طاعتي (أتيته هرولة) أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم
أحوجه إلى مزيد مشي في وصوله لمراده، والمقصود أن جزاءه يكون على حسب عمله وتقربه، والهرولة بفتح الهاء وسكون الراء وهي إسراع في المشي دون الخبب، قال المصنف: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ومستحيل إرادة ظاهره لما فيه من باب التمثيل كما سيأتي قال القرطبي إن قيل مقتضى ظاهر الخطاب أن جزاء الحسنة بمثلها إذ الذراع شبران والباع ذراعان وتقدم في الكتاب والسنة أن أقل ما يجازى على الحسنة بعشرأمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف لا تحصى فما وجه الجمع؟ قلنا: هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار عدد الأجور وعدد تضاعيفها، وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل قليلاً كان أو كثيراً، وأن الله يسرع إلى قبوله وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه وتبشبش له بشبشة من سرته ووقع منه الموقع، ألا ترى إلى قوله: وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وفي لفظ آخر «أسرعت إليه» ولا تتقدر الهرولة والإسراع بضعفي المشي، وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من حديث آخر لا من هذا الحديث اهـ. وما ذكره من أن الباع ذراعان مخالف لما نقله المصنف عن الباجي من أنه أربعة أذرع (ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة) تمييز لقراب الأرض: أي بما يقارب ملأها من الخطايا لو ككان جسماً وجرماً وقوله (لا يشرك بي شيئاً) جملة في محل الحال من فاعل لقى (لقيته بمثلها مغفرة، رواه مسلم) في كتاب الدعوات ورواه ابن ماجه في فضائل التسبيح.
(ومعنى الحديث) أن قوله تعالى فيه «من تقرّب مني شبراً» إلى قوله «أتيته هرولة» ليس على ظاهره لاستحالته على الباقي لما فيه من اعتوار الحركة وغيرها عليه تعالى عن ذلك، بل معناه: من تقرب إلى بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وإن زاد زدت. فظاهره أن قوله: وإن زاد زدت، تفسير للمراد من قوله: ومن تقرب مني ذراعاً، وفيه ما لا يخفى بل الظاهر أنها أومأت إلى جزاء العامل على عمله الصالح وإن قل، فالجملة الأولى لبيان عظم الثواب على كثرة العمل ومزيد المجاهدة، والثانية لبيان حصول ثواب العمل وإن قل {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} (الكهف: 30) والله أعلم. (وإن أتاني) أي أقبل على طاعتي
(يمشي) أي يجد ويجتهد (وأسرع في طاعتي) حسب طاقته فيها ولم يقدم عليها علائقه (أتيته هرولة: أي صببت عليه الرحمة صباً وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود) قال القرطبي: هذه الجمل أمثال ضربت لمن عمل من الطاعات وقصد به التقرب إلى الله تعالى تدل على أنه تعالى لا يضيع أجر محسن وإن قل عمله، بل يقبله ويثيبه مضاعفاً، ولا يفهم من الحديث الخطا بنقل الأقدام إلا من ساوى الحمر في الأفهام اهـ. (وقراب الأرض بضم القاف، ويقال) فيما نقله القاضي عياض وغيره (بكسرها) مصدر قارب الأمر: إذا داناه، يقال لو أن لي قراب هذا ذهباً: أي ما يقارب ملأه ولو جاء بقراب الأرض بالكسر أيضاً بما يقاربها اهـ. (والضم أفصح وأشهر) مقتضى كلامه في «شرح مسلم» أن الكسر قريب، وعبارته فيه بضم القاف على المشهور فيخالف ما هنا من أن الكسر مشهور إلا أن الضم أشهر منه ولا مخالفة تأمل. (ومعناه: ما يقارب ملأها) بكسر الميم (والله أعلم) .
3414 -
(وعن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي) واحد الأعراب وهم سكان البادية من العرب (إلى النبي فقال: يا رسول الله: ما الموجبتان؟ قال) أي النبي (من مات لا يشرك با شيئاً) أي من الشرك الجلي أو من المعبودات: أي وحد الله تعالى وأفرده بالعبودية (دخل الجنة) قال المصنف: هذا مما أجمع عليه المسلمون ابتداءً مع الفائزين إن لم يمت مصرّاً على الكبائر، وإن مات مصرّا عليها فهو تحت المشيئة إن شاء عذبه ثم أدخله الجنة» وإن شاء أدخله إياها ابتداءً بفضله (ومن مات يشرك به شيئاً) من الشرك الجليّ أو من المعبودات (دخل النار) وخلد فيها ولم يخرج منها أبداً لا فرق بين كتابي وعابد وثن وسائر
الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عناداً وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام ولا من انتسب إليها، ثم حكم بكفره يجحده ما يكفر بجحده أو غير ذلك. أما الشرك الخفي من الرياء والسمعة فلا يقتضى أن يؤيد في النار إذا مات صاحبها على الإيمان (رواه مسلم) في كتاب الإيمان.
4415 -
(وعن أنس رضي الله عنه أن النبيّ، ومعاذ) كذا وقفت عليه في نسخ الرياض بالرفع وهو مبتدأ خبره قوله (رديفه) بفتح الراء وكسر المهملة وقوله (على الرحل) متعلق بالخبر والجملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها وهو قوله (قال يا معاذ؟ قال لبيك) بتشديد الموحدة، أي إجابة بعد إجابة، وقيل قربا منك وطاعة لك، وقيل أنا مقيم على طاعتك، وقيل محبتي لك، وقيل غير ذلك (وسعديك) أي ساعدت طاعتك مساعدة لك بعد مساعدة فهما مثنيان مراداً منهما التكثير (قال: يا معاذ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك، قال يا معاذ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً) ظرف لمقرر مقدر وتكرير نداء معاذ لتأكيد الاهتمام بما يخبره به وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه، وثبت في الصحيح «أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً لهذا المعنى» قاله المصنف (قال ما من) مزيدة لتأكيد عموم النفي (عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً) حال: أي حال كونه صادقاً في ذلك، أو مفعول مطلق: أي شهادة صدقاً أو شهادة صدق فأقيم المضاف مقامه فانتصب انتصابه (من قلبه) وهذا القيد لإخراج شهادة اللسان إذا لم يطابقها الجنان كالمنافقين (إلا حرّمه الله على النار) أي الخلود فيها فلا ينافي تعذيب بعضهم (قال) أي معاذ (يا رسول الله ألا أخبر بها الناس) إدخالاً للسرور عليهم وحثاً على صدق الإيمان وتحريضاً على الإخلاص (فيستبشروا، قال إذاً يتكلوا) أي يتركوا الأعمال ويتكلوا على ذلك فيفوتهم
بذلك عالي المنازل في العقبى، وهو لمزيد اهتمامه بأمته واعتنائه بشأنهم لا يريد لهم إلا المنازل العلى، فأشار إلى معاذ بالترك لأنه رأى الثمرة المترتبة عليه أتم من المترتبة على الإعلام (فأخبر بها) أي بالبشارة المدلول عليها بقوله: يستبشرون (عند موته تأثماً) مفعول له: أي خروجاً من إثم كتم ما للناس إليه حاجة من الشريعة، وقد جاء الوعيد الشديد في الكتم، قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا
من البينات والهدى} (البقرة: 159) الآية. (متفق عليه) أخرجاه في الإيمان.
(قوله تأثماً أي خوفاً من الإثم) الكائن أو كائناً (في كتم هذا العلم) أي كتم هذا القدر منه.
5416 -
(وعن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما وقوله (شك الراوي) أي هو الأعمش كما في «صحيح مسلم» بيان لأن أو للتردد والشك في عين الراوي منهما (ولا يضرّ الشك في عين الصحابي لأنهم كلهم عدول) من خالط الفتن ومن اعتزلها لأنهم فيها بين مجتهد مصيب فله أجران أو مخطىء فله أجر، وإذا كانوا كذلك فلا غرض في تعيين الراوي منهم. وقد قال علماء الأثر إذا قال الراوي: حدثني فلان أو فلان وهما ثقتان احتج به بلا خلال لأن المقصود الرواية عن ثقة سمي وقد حصل. وهذه قاعدة ذكرها الخطيب البغدادي في «الكفاية» وذكرها غيره وهي في غير الصحابي، ففي الصحابي أولى لعدالتهم أجمعين، قاله المصنف في «شرح مسلم» (قال: لما كان يوم) المراد به هنا الزمن أي زمن (غزوة تبوك) تقدم ضبطه وبيان جواز صرفه وعدمه ووجه تسميته بذلك وبيان تاريخ الغزوة في باب التوبة أول الكتاب (أصاب الناس مجاعة) قال في «النهاية» : مفعلة من الجوع اهـ. ومقتضى قول «الصحاح» وقد جاع يجوع جوعاً ومجاعة أنه مصدر ميمي والجوع ضد الشبع (قالوا: يا رسول الله) استئناف بيان كأنه قيل ماذا قالوا حينئذٍ؟ فقال قالوا يا رسول الله (لو
أذنت لنا) أي في نحر دوابنا المأكولة كما يدل عليه ما بعده، ولو في للتمني فلا جواب لها، ويحتمل كونها الشرطية والجواب محذوف: أي لو أذنت لنا في نحرها (فنحرنا نواضحنا) جمع ناضح أصله البعير الذي يستقى عليه الماء قال في «المصباح» : ثم استعمل في كل بعير وإن لم ينضح عليه ومنه حديث «أطعمه ناضحك» أي بعيرك. قلت: وما هنا محتمل لذلك (فأكلنا) لحومها (وادهنا) من شحومها، وقال صاحب «التحرير» : ليس المقصود منه ما هو المعروف من الادّهان إنما معناه: لو اتخذنا من شحومها
لارتفقنا بذلك أو لكان خيراً أو لكان صواباً أو رأياً مبيناً أو مصلحة ظاهرة وما أشبه ذلك، وعلى كونها شرطية محذوفة الجواب جرى المصنف في «شرح مسلم» : ثم قال: وقولهم «لو أذنت لنا» هذا من أحسن أدب خطاب الكبار والسؤال منهم، وهو أجمل من قولهم للكبير: افعل كذا بصيغة الأمر، وفيه أنه لا ينبغي للعسكر أن يضيعوا دوابهم التي يستعينون بها في القتال بدون إذن الإمام، ولا يأذن لهم إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة اهـ. (فقال رسول الله: افعلوا) وذلك مراعاة لمصلحتهم وتقديم الأهم فالأهم وارتكاب أخفّ الضررين دفعاً لأشدهما (
فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر) أي الدوابّ سميت بذلك لكونها يركب على ظهورها أو لكونها يستظهر بها ويستعان بها على السفر، وإسناد فعلهم وهو نحرها إليه مجاز عقلي لكونه عن أمره فهو كقولهم: بنى الأمير المدينة وفي الخبر جواز الإشارة على الأئمة والرؤساء وأن للمفضول أن يشر عليهم بخلاف ما رأوه (ولكن) استدراك عن معنى الكلام السابق: أي لا تنظر لمصلحتهم بذلك لئلا يقل الظهر ولكن انظر إليها بوجه آخر. وهو قوله (ادعهم بفضل أزوادهم) متعلق الظرف: أي يأتون به والجملة في محل الحال، والفضل بفتح الفاء وسكون الضاد مصدر فضل يفضل كنصر ينصر وجاء كنعت ينعت، وهو البقية: أي بالباقي من أزوادهم، وزاد المسافر طعامه المتخذ لسفره (ثم ادع الله عليها بالبركة) أتى بثم إشارة إلى تراخى اجتماعه وانضمامه عن أمرهم بذلك الذي عندهما يكون الدعاء (لعل الله
أن يجعل في ذلك) قال المصنف: كذا وقع في الأصول التي رأينا؛ وفيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيراً، فحذف المفعول به لأنه فضلة، وأصل البركة كثرة الخير وثبوته، وتبارك الله ثبت الخير عنده (فقال رسول الله: نعم) بفتح أوليه وهي هنا لكونها بعد الطلب للوعد فهو وعد منه بفعل ذلك لتصويبه له (قال: فدعا بنطع) فيه أربع لغات مشهورة أشهرها كسر النون مع فتح الطاء وبفتحها وفتح النون وكسرها مع سكون الطاء فيهما حكاه المصنف في «شرح مسلم» ولم يبين معناه، وكأنه لوضوحه قال في «المصباح» : هو المتخذ من الأديم معروف اهـ. (فبسطه) أي نشره (ثم دعا بفضل) أي بقية (أزوادهم قال) أي الصحابي الراوي (فجعل الرجل يجيء بكف) أي بمثله (ذرة) بتخفيف الراء: نوع من الحبوب معروف قال (ويجيء الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي غير من قبله (بكف تمر) بفتح المثناة الفوقية، والإضافة فيه وفيما قبله بيانية من إضافة المميز إلى تمييزها كخاتم حديد إذ المراد بالكف هنا ملؤه كما قدرنا (ويجيء الآخر بكسرة) بكسر الكاف:
القطعة المكسورة من الشيء ومنه كسرة الخبز وجمعها كسر كسدرة وسدر كذا في «المصباح» (حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير) حتى فيه غاية لمقدر أي جمعوا حتى اجتمع (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة) في الإتيان بالفاء إيماء إلى مزيد اهتمامه بشأن أمته وبما ينفعهم (ثم قال: خذوا في أوعيتكم) أي واجعلوه: أي المأخوذ في أوعيتكم فمتعلق الظرف محذوف.I والأوعية بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر العين المهملة جمع وعاء، وهو ما يوعى فيه الشيء أي يجمع (قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى) عاطفة على عموم الآنية (ما) تركوا (في العسكري) وهو الجيش. قال ابن الجواليقي: فارسي معرب كذا في «المصباح» (وعاء إلا ملؤه قال فأكلوا) أي بعد ملء الأواعي (حتى شبعوا وفضل فضلة) تقدم أنه يجوز فتح العين في الغابر وضمها في المضارع وكسرها في الماضي وفتحها في المضارع وهما كما قال المصنف لغتان مشهورتان وأما فضل كعلم يفضل كينصر فمن باب التداخل (فقال رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) فيه بيان كيفية إتيانه بشهادته لنفسه بالرسالة وجاء أنه أذّن فقال «وأشهد أن محمداً رسول الله» قال: وفيه أنه كان يجب عليه الإيمان برسالته ونبوته (لا يلقى الله بهما عبد) بعد موته (غير شاك) يجوز رفعه صفة لعبد، وهو الذي رأيته في أصل مصحح، ونصبه حالاً منه لتقدم النفي عليه، والمراد به إخراج المنافقين ممن قال ذلك بلسانه غير موقن بمضمونه بجنانه (فيحجب) بالنصب: أي فيمنع
(عن الجنة) بل لا بد من دخولها إما ابتداء مع الناجين، أو بعد إخراج من النار (رواه مسلم) في كتاب الإيمان.
6417 -
(وعن عتبان بن مالك) بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي السالمي رضي الله عنه قال المصنف: كابن الأثير في «أسد الغابة» (وهو ممن شهد بدراً) قال ابن الأثير: ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين وذكره غيره، ولم يخرج له الشيخان غير هذا الحديث الواحد، مات في خلافة معاوية وكان قائماً بديات قومه إلى أن مات رضي الله عنه (قال: كنت أصلي لقومي بني سالم) أي لأجلهم، والمراد أنه يؤمهم كما صرح به أبو داود الطيالسي إماماً بهم (وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار) أي يحول السيل الكائن فيه عند مجيء الأمطار (فيشق على اجتيازه) أي الجواز فيه والمرور به (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري) كذا ذكره جمهور أصحاب الزهري، وهو عند البخاري ومسلم في بعض طرقه وعند مسلم من طريق أخرى «أصابني في بصري بعض العمى» وعند الطبراني «لما ساء بصري» قال الحافظ: وهو ظاهر في أنه لم يعم إذ ذاك، لكن أخرج البخاري من طريق أخرى عن محمود بن الربيع أنه كان يؤم قومه وهو أمي وأنه قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر، قلت: وعند مسلم في رواية أنه عمي وقد جمع المصنف في «شرح مسلم» بأنه أراد به بعض الشيء في تلك الرواية العمى، وهو ذهاب البصر جميعه. ويحتمل أنه أراد به ضعفه وذهاب معظمه، وسماه عمى في الرواية الأخرى لقربه منه ولمشاركته في فوات بعض ما كان حاصلاً في حال السلامة. قال الحافظ: ابن حجر: ويجمع بأن قوله إنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى أراد أن عماه كان حين لقي محمود له وسمع فيه حديثه لا حين سأل عتبان النبيّ وقوله فيه له وأنا ضرير البصر كقوله أنكرت بصري. قال الحافظ: وجمع ابن خزيمة بأن قوله أنكرت بصري يطلق على
من في بصره سوء وإن أبصر بصراً ما وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئاً اهـ. والأولى أن يقال
أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده حال الصحة، وبهذا تألف الروايات، انتهى كلام الحافظ (وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل) إسناد السيل إلى الوادي إسناد مجازي من إسناد ما للحال إلى المحل (إذا جاءت الأمطار فيشق) بضم الشين المعجمة أي يصعب (على اجتيازه فوددت) بكسر الدال الأولى: أي تمنيت، وحكى الفراء فتح الدال في الماضي والواو في المصدر والمشهور في المصدر الضم، وحكي أيضاً الكسر فهو مثلث وتقدم التنبيه عليه في باب فضل برّ أصدقاء الأب (أنك تأتي فتصلي) هو بإسكان الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني (مكاناً) ظرف وقوله (اتخذه مصلى) صفة لمكان وعند البخاري فاتخذه، ويجوز فيه ما جاز في يصلي من الرفع والنصب (فقال رسول الله: سأفعل) في البخاري بزيادة إن شاءالله، قال الحافظ: هو للتعليق لا لمحض التبرك كذا قيل، ويجوز أن تكون للتبرك لاحتمال اطلاعه بالوحي على الجزم بوقوع ذلك. قلت: ويؤيده إدخال حرف التنفيس عليه وتقدم في «الكاشف» أنها في مثله للتأكيد، قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى:
{أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} (النساء: 152) ما لفظه: وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر، لكن اعترضه في «التقريب» بأن سوف للتأخير، وأما جزم وقوعه فمن خارج وهو قرينه إخباره به سبحانه (فغدا على رسول الله) زاد الإسماعيلي بالغدو، وعند الطبراني في بعض طرقه أن السؤال وقع يوم الجمعة وأن الوصول إليه كان يوم السبت (وأبو بكر رضي الله عنه لم يذكر جمهور الرواة عن الزهري غيره حتى إن في رواية الأوزاعي «فاستأذنا فأذنت لهما» لكن عند مسلم في طريق «فأتاني ومن شاء الله من أصحابه» وللطبراني في طريق آخر «فجاءني في نفر من أصحابه» وجاء في رواية «ومعه أبو بكر وعمر» ويحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده ابتداء ثم عند الدخول اجتمع عمر وغيره فدخلوا معه (بعد ما اشتد النهار) قال في «النهاية» أي علا وارتفعت شمسه (واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: أين تحب أن
أصلي من بيتك؟) هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وهو بين في المراد: أي إنه لم يجلس حتى صلى بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس وأكل، ثم صلى لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به وهنا إلى الصلاة فبدأ بها، ثم هو هكذا عند رواة البخاري، ووقع عند الكشميهني وحده في بدلها (فأشرت له إلى المكان الذي أحبّ) أي أريد (أن يصلي فيه فقام رسول الله) أي شرع في الصلاة (وكبر وصففنا) المفعول محذوف: أي أنفسنا، ويمكن أن لا حذف، والمراد فحصل منا التصاف (وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم) فيه صحة الجماعة في النافلة المطلقة وإن كانت لا تشرع فيها (فحبسته) عند البخاري فحبسناه: أي منعناه من الرجوع (على خزيرة) يأتي ضبطها ومعناه ففيه إكرام الضيف (تصنع له) في محل الصفة لما قبله (فسمع أهل الدار) أي المحلة لقوله: «خير دور الأنصار دار بني النجار: أي محلتهم» والمراد أهلها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فثاب رجال منهم) ثاب
بالمثلثة وبعد الألف موحدة: أي اجتمعوا بعد أن تفقوا. قال الخليل: المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم ومنه قيل للبيت مثابة، وفي المحكم يقال ثاب إذا رجع وثاب إذا أقبل. قلت: وكلا المعنيين هنا محتمل (حتى كثر الرجال في البيت فقال رجل منهم) قال الحافظ: لم يسم هذا المبتديء (ما فعل مالك لا أراه) أي ابن الدخيشن أو الدخشن بالدال والحاء والشين المعجمتين والنون، شك فيه الراوي عند البخاري هل هو مصغر أو مكبر، وعند أحد رواة البخاري بالميم بدل النون قال الطبراني عن أحمد بن صالح الصواب الدخشيم بالميم. قال الحافظ: وهي رواية أبي داود الطيالسي وكذا لمسلم في بعض طرقه (فقال رجل) قيل هو عتبان، واستدل قائله لتسمية المبهم به بما لا دليل فيه على دعواه (ذلك منافق لا يحب الله ورسوله) تقدم أن محبة العبد وللرسول المراد منها انقياده لأحكامهما والدخول بالرضا تحت طاعتهما (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل ذلك) أي إنه منافق (ألا تراه) أي ما تعلمه (قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى) فيه شهادة
منه بالإيمان له، قال ابن عبد البر: لم يختلف في شهود مالك بدراً وهو الذي أسر سهيل بن عمرو، ثم ساق الحديث بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبيّ قال لمن تكلم فيه «أليس قد شهد بدراً» قال الحافظ العسقلاني: وفي مغازي ابن إسحاق «أن النبي بعث مالكاً ومعن بن عدي فحرقا مسجد الضرار» فدل على أنه برىء من النفاق، أو كان قد أقلع عن ذلك، أو النفاق الذي اتهم به نفاق العمل لا نفاق الكفر، وإنما أنكر عليه الصحابة لتردده للمنافقين ولعل له عذراً في ذلك كما وقع لحاطب (فقال: الله ورسوله أعلم، أمّا) بتشديد الهمزة أداة متضمنة لمعنى الشرط (نحن فوا لا نرى) أي نعلم (وده لا حديثه إلا إلى المنافقين) الظاهر أنه متعلق بوده، وإلى فيه بمعنى اللام فإن الود تعدى بها ومفعول حديثه محذوف (فقال رسول الله: إن الله قد حرم على النار من قال: لا إله
إلا الله محمد رسول الله) وقوله (يبتغي بذلك) أي القول (وجه ا) لإخراج من نافق بها لحقن دمه وحفظ ماله فلا يكون كذلك، والمراد من تحريمها على المؤمن الحقيقي تحريم خلوده فيها كما تقدم أو تحريم الدخول في طبقة الكفار الخاصة بهم لا الطبقة المعدة لعصاة المؤمنين، أو المراد تحريم دخولها بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السيء والله أعلم (متفق عليه) رواه البخاري في مواضع من «صحيحه» وهذا سياقه في بعضها، ورواه مسلم في كتاب الإيمان بنحوه (وعتبان بكسر العين المهملة) قال في «شرح مسلم» : وهذا هو الصحيح المشهور الذي لم يذكر الجمهور سواه. قال صاحب «المطالع» : وقد ضبطناه من طريق ابن سهل بالضم أيضاً اهـ. وكذا قال في «المغني» نقل عن الزركشي بكسر العين وقد تضم، ومقتضى قول الحافظ في «الفتح» بكسر العين ويجوز ضمها جوازهما معاً والله أعلم (وإسكان المثناة الفوقية بعدها باء موحدة) وبعد الألف نون (والخزيرة بالخاء المعجمة) المفتوحة (والزاي المكسورة) وحكى في المطالع أنها رويت في «الصحيحين» بحاءين وراءين مهملات (هي دقيق يطبخ بشحم) وقال ابن قتيبية: يصنع من لحم صغار ثم يصب عليه ماء
كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة، وكذا ذكره يعقوب وزاد من لحم بات ليلة، قال: وقيل حساء من دقيق فيه دسم، وحكى في «الجمهرة» نحوه. قال في النهاية: وزاد وقيل إذا كان من دقيق حريرة وإذا كان نخالة فخزيرة، وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الحريرة من النخالة، وكذا حكاه البخاري في الأطعمة عن النضر بن إسماعيل، قال عياض: والمراد بالنخالة دقيق لم يغربل. قال الحافظ في «الفتح» : ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم «فحبسناه» على حشيشة بجيم ومعجمتين قال أهل اللغة: أن تطحن الحنطة قليلاً ثم يلقى فيها شحم أو غيره اهـ. (وثاب رجال بالثاء المثلثة) . وآخره باء موحدة (أي جاءوا واجتمعوا) تقدم بسطه.
7418 -
(وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم) بالبناء للمفعول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي) أحد الظرفين نائب الفاعل والآخر في محل الحال والسبى بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبى كرمي يرمى والمراد منه اسم المفعول أي المسبي (فإذا) فجائية (امرأة) مبتدأ وقوله (من السبى) في محل الصفة له والخبر جملة (تسعى) هذه رواية البخاري بالسين المهملة من السعي ورواية مسلم «تبتغى» بالموحدة والفوقية، من الابتغاء: وهو الطلب. قال القاضي عياض: ورواية مسلم وهم والصواب ما في رواية البخاري، قال المصنف كلاهما صواب لا وهم فيه فهي ساعية وطالبة ومبتغية لابنها (إذا) ظرفية مضمنة معنى الشرط: أي كل وقت (وجدت صبياً) الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنثى أي رضيعاً (في السبى أخذته فألزقته ببطنها) رحمة له (فأرضعته) لذلك (فقال رسول الله: أترون) يحتمل أن تكون بفتح الفوقية: أي أتعتقدون، وأن يكون بضمها أي تظنون (هذه المرأة) مفعول أول على الأول وثان على الثاني، والمرأة نعت، واسم الإشارة بدل أو عطف بيان
عليه (طارحة) حال على الوجه الثاني و (ولدها) مفعول طارحة و (في النار) متعلق بطارحة (قلنا لا) أي لا نرى ذلك وأكد عدم اعتقاد ذلك بالقسم فقال (وا فقال) أي النبي (ا) وفي نسخة من البخاري وا» بإدخال لام القسم عليه وفي أخرى من غير قسم قبله فاللام حينئذٍ إما للتوكيد أو جواب قسم مقدر (أرحم بعباده من هذه بولدها. متفق عليه) أخرجه البخاري في الأدب ومسلم في التوبة.
8419 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لما خلق الله الخلق كتب في كتاب) أي من صحف الملائكة وإلا فأقضية الله قديمة أزلية (فهو) ضمير شأن والخبر جملة إن مع اسمها وخبرها (عنده فوق العرش) ظرفان في محل الحال حذف عاملهما: أي أعنيه حال كونه عنده، عندية شرف ومكانة فوق العرش (إن رحمتي تغلب غضبي. وفي رواية) أي لهما (سبقت غضبي) قال المصنف: قال العلماء: غضب الله ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة، فإرادته الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد تسمى رضاه ورحمته، وإرداته عقاب العاصي وخذلانه يسمى غضباً وإرادته سبحانه صفة له قديمة يريد به جميع المراد، قالوا: والمراد بالسبق والغلبة هذا كثرة الرحمة وشمولها كما يقال غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثر منه اهـ. (متفق عليه) رواه البخاري في الرقاق، ومسلم في التوبة.
9420 -
(وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جعل الله الرحمة مائة جزء) قال الدماميني في «تعليق المصابيح على أبواب الجامع الصحيح» : اعلم أنه يجوز عند المتكلمين في تأويل ما لا يسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: أحدهما،
الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات، والآخر الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الفعل، كالرحمة فإنها في اللغة مشتقة من الرحم، وحاصلها رقة طبيعية وميل جبلي، وهذا مستحيل من الباري سبحانه، فمنهم من يحملها على إرادة الخير، ومنهم من يحملها على فعل الخير، ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع من الآخر. مثالها ههنا فيتعين تأويلها بفعل الخير لتكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري، فيتسلط الخلق عليها ولا يصح تأويلها هنا بالإرادة لأنها من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعلق الخلق بها ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى:{لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} (هود: 43) لأنك لو حملتها على الفعل لكانت العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء من نفسه، وكأنك قلت: لا عاصم إلا العاصم، فتكون الرحمة الإرادة به والعصمة على بابها لفعل المنع من المكروهات كأنه قيل: لا يمتنع من المحذور إلا من أراد الله له السلامة اهـ. هذا، وقد جاء في رواية مسلم «كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض» (فأمسك عنده تسعة وتسعين) جزءاً، في رواية «وأنه أخر عنده تسعة وتسعين رحمة» (وأنزل في الأرض جزءاً واحداً) وفي رواية «وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة» (فمن ذلك الجزء) من يحتمل أن تكون تعليلية، وأن تكون بمعنى الباء أو الابتداء أو التبعيض (يتراحم الخلائق) في رواية «فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها» (حتى ترفع الدابة حافرها) هو للفرس وللحمار بمنزل الظلف من البقر والخف من الجمل (عن ولدها خشية) مفعول له (أن تصيبه) وخص ذو الحافر بالذكر، قال ابن أبي جمرة:
لأنه أشد الحيوان المألوف الذي يرى المخاطبون حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها (وفي رواية) أي لهما من حديث أبي هريرة كما يقتضيه قول المصنف بعد «متفق عليه» ولكن رأيته في باب التوبة من مسلم ولم أره في أبواب الأدب من البخاري (إن تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس) الظرف محتمل الحالية لوصف النكرة، والوصفية لنكارتها (والبهائم) جمع بهيمة قال البيضاوي: والبهيمة كل حي لا يميز، وقيل كل ذات أربع، قال القرطبي: سمي بهذا لأنه بهم عن أن يبين، قال الراغب: البهيمة ما لا نطق له من الحيوان ثم خص في التعارف بما عدا السباع والطير، ثم
استعملت في الأزواج الثمانية إذا كان فيها الإبل وسمي بذلك لإبهامه الأمر وكتمه (والهوام) بتشديد الميم جمع هامة هي الحشرات، وفي الفتح الهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش (فبها) أي بتلك الرحمة (يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش) بفتح الواو، وهو ما لا يستأنس من دواب البر كذا في «المصباح» ، وهو اسم جنس فلذا أعاد الضمير عليه مؤنثاً فقال (على ولدها، وأخر الله تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة) ففيه إيماء إلى مزيد الكرم وتقوية الرجاء في فضل المولى سبحانه (متفق عليه) أخرجه البخاري بالرواية الأولى في الأدب، ومسلم بروايته في التوبة.
(وفي رواية مسلم) في باب التوبة (أيضاً) انفرد بها البخاري وغيره (من رواية سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن الله تعالى) دون غيره كما يؤذن به تقدم ما حقه التأخير وهو الخبر الظرف على الاسم وهو قوله (مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم) بمعنى المجرد والعدول إلى التفاعل للبالغة: أي يرحم (بها الخلق بينهم، وتسع) وفي نسخة مصححة من مسلم وتسعة بالتاء آخره (وتسعون ليوم القيامة) يحتمل أن تكون الواو عاطفة ويكون تسع مبتدأ خبره محذوف تقديره منها. دل عليه ذكره في الجملة قبلها، والظرف حال سوغه خصوص المبتدأ بتقديم خبره الظرفي عليه، ويحتمل أن يكون الظرف الخبر، والأول أنسب بمقام التفصيل (وفي رواية) هي لمسلم في باب التوبة أيضاً (إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة) أي مائة نوع من الإنعام والإفضال كما تقدم الإيماء عليه في كلام البدر (كل رحمة طباق) بكسر الطاء المهملة قال في «النهاية» : أي غشاء (ما بين السماء والأرض) أي ما يملأ ذلك لو كان جسماً من كبره وعظمه (فجعل منها في الأرض رحمة فيها) أي يسببها، ويحتمل أن تكون للتبعيض كهي في قوله تعالى:{يشرب بها عباد ا} (الإنسان: 6) ويؤيده أنها تعود في الآخرة وتكمل بها المائة فما ظهر في الدنيا بعض ثمراتها والبعض إلى الآخرة أي
فببعضها (تعطف) بكسر الطاء (الوالدة على ولدها) قال في «المصباح» : عطفت الناقة على ولدها عطفاً من باب ضرب: حنت عليه ودرّ لبنها اهـ. (والوحش والطير) قال أبو عبيدة وقطرب والطير يقع على الواحد والجمع، وقال ابن الأنباري: الطير جماعة وتأنيثها أكثر من التذكير، ولا يقال للواحد طير بل طائر وقل ما يقال للإنسان طائرة، وفي «المصباح» إنه جمع طائر مثل صاحب وصحب وراكب وركب وجمع الطير طيور وأطيار (بعضها) مبتدأ وقوله (على بعض) أي يعطف وحذف مع كونه كوناً لدلالة ما قبله عليه، ويجوز إعراب بعضها بدلاً مما قبله بدل بعض من كل (فإذا كان) أي وجد
(يوم القيامة) وأتى بإذا الشرطية لتحقق الأمر (أكملها) أي التسعة والتسعين المدخرة عنده (ابهذه الرحمة) قال المصنف هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين، قال العلماء، لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في هذه الدار المبنية على الأكدار، الإسلام والقرآن والصلاة والرحمة في قلبه وغير ذلك مما أنعم الله به عليه، فكيف الظن بمائة رحمة في الدار الآخرة وهي دار القرار ودار الجزاء. والله أعلم.
10421 -
(وعنه) أي عن أبي هريرة لا عن سلمان كما قد يتوهم من كونه أقرب (عن النبيّ فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى قال: إذا أذنب) أي أثم (عبد ذنباً فقال اللهم اغفر لي ذنبي) في الإتيان بالفاء إيذان بوجوب المبادرة إلى التوبة عقب المخالفة (فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي) إضافة تشريف، هذا من كمال الكرم ومزيد الفضل أنه من فضله عليه بعفوه عنه أضافه إليه إضافة تشريف وتكريم (ذنباً فعلم أن له رباً) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض وهو كذلك في نسخة مصححة من مسلم، وفي أخرى منه بإثباتها وهو في صحيح
البخاري بلفظ «فقال ربه، أعلم عبدي أن له ربا؟» وعلى هذا المعنى يحمل ما حذف منه الفاء والهمزة، أي أعلم أن له رباً، والاستفهام ليس على حقيقته، ولا يجوز أن يكون مما حذف فيه العطف لأنه لا يحذف إلا الواو فقط عند أمن اللبس (يغفر الذنوب جميعاً) أي الكثيرة فما بالك بالذنب الواحد (ثم عاد) أي بعد التوبة منه إليه أو إلى ذنب آخر (فأذنب فقال أي) بفتح الهمزة المقصورة، وحكى الكسائي أنها قد تمد أيضاً كما قاله المرادي، قال: وحكى بعضهم أنها قد تمتد إذا بعدت المسافة فيكون المد لها دليلاً على البعد وسكون الياء حرف نداء، قيل للبعيد وعليه فأتى بها لكونه كالبعيد من حيث إنه لا يراه أحد سوى المصطفى من العباد في الدنيا بالعين الشحمية، وقيل إنها للقرب كالهمزة وعليه فالنداء بها لكونه أقرب إلى كل من حبل الوريد، ونادى ثانياً بأي لما يومىء إليه العود إلى الذنب من البعد وقلة الاهتمام بالديانة وعقب النداء بقوله (ربّ) بكسر الموحدة الدالة على الياء المضاف إليها المحذوفة ويحتمل أن يكون بفتحها دلالة على الألف المحذوفة المنقلبة إليها الياء تخفيفاً، ويحتمل أن يكون بضمها وهذه الوجوه الثلاث من جملة اللغات الست الجائزة في المضاف للياء من مثله، وكان النداء للفظ الربّ توسلاً إلى التكميل والتخليص من نقص المخالفة، فإن الربّ هو الذي
يربي الشيء ويبلغه إلى كماله (اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب) أي إن شاء أل فيه للجنس فيساوى لكونه مفرداً محلى بأل الجنسية الذنوب في العموم والشمول (ويأخذ) أي يعاقب (بالذنب) وأتى به مظهراً تقبيحاً له وتنبيهاً على داعي الأخذ وهو المخالفة (ثم عاد فأذنب ذنباً فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي) أي لتوبته الصحيحة المشير إليها «قوله: اللهم اغفر لي» أو بمحض الفضل وإن لم يتب. والأول أقرب وسيأتي في كلام المصنف ما يقويه (فليفعل ما شاء) أي من الذنب المعقب بالتوبة الصحيحة، ففيه أن التوبة الصحيحة لا يضرّ فيها نقص بالذنب ثانياً بل مضت على صحتها ويتوب من المعصية الثانية وهكذا
(متفق عليه) والسياق لمسلم أخرجه في التوبة وأخرجه البخاري بنحوه في التوحيد (وقوله تعالى: فليفعل ما شاء أي ما دام يفعل هكذا) أي مدة دوامه يفعل ذلك، فما فيه مصدرية ظرفية وهو ظرف لقوله أغفر له وقوله هكذا فيه إجمال بينه بقوله (يذنب ويتوب) أي فلا يتوهم منه إباحة المخالفة واكتساب الآثام (أغفر له) وبين حكمة ذلك بقوله (فإن التوبة) الصحيحة الجامعة لشروطها ومعتبراتها (تهدم) بكسر الدال المهملة، أي تسقط (ما قبلها) أي من الذنب.
11422 -
(وعنه قال؛ قال رسول الله: والذي نفسي بيده) أي بقدرته، والقسم أتى به لتأكيد المقام وتقويته عند السامع (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى) أي عقب الذنب فوراً (فيغفر لهم. رواه مسلم) .
12423 -
(وعن أبي أيوب الأنصاري) واسمه زيد بن خالد وتقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب برّ الوالدين وصلة الأرحام، قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم. رواه مسلم) وأحمد والترمذي كما في «الجامع الصغير» ، ورواه مسلم أيضاً بلفظ «لو أنكم لم يكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم»
وبهذا اللفظ أورده الصغاني في المشارق ورمز بالقاف التي هي للمتفق عليه، وقد رواه أحمد عن ابن عباس بلفظ «لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ليغفر لهم» قال ابن ملك: ليس هذا تحريضاً للناس على الذنوب بل كان صدوره لتسلية الصحابة وإزالة شدة الخوف عن صدورهم، لأن الخوف كان غالباً عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء، وبعضهم النوم، وفي الحديث تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى وتحقق أن ما سبق في علمه كائن لأنه سبق في علمه تعالى أنه يغفر للعاصي فلو قدر عدم عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له.
13424 -
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كنا قعوداً) بضم أوله جمع قاعد مع رسول الله، معنا» بفتح العين مع مع، فيها على الظرفية هذه هي اللغة المشهورة ويجوز تسكينها في لغة حكاها صاحب «المحكم» و «الجوهري» وغيرهما، وهي المصاحبة قال صاحب «المحكم» مع اسم معناه الصحبة (أبو بكر وعمر في نفر) بفتح أوليه جمع الرجال من الثلاثة إلى التسعة، وقيل إلى السبعة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا) أي من بيننا بإقحام المضاف وزيد لظهور كونه بينهم (فأبطأ علينا) أي تأخذ مجيئه عنا كما في «المصباح» (وخشينا أن يقتطع) بالبناء للمفعول، أي يؤخذ (دوننا) ولعل ذلك كان قبل نزول قوله تعالى:{وا يعصمك من الناس} (المائدة: 67) أو بعده وخافوا أن يصيبه من الضرر ما دون القتل (ففزعنا) بكسر الزاي، الفزع يأتي بمعنى الروع ويأتي بمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به وبمعنى الإغاثة. قال القاضي عياض: فتصح هذه المعاني الثلاثة: أي ذعرنا باحتباسه عنا، ألا تراه كيف قال: وخشينا أن يقتطع دوننا، ويدل على الوجهين الأخيرين قوله: أي خفنا أي حصل لنا خوف، وحذف المعمول لأن القصد حصول الفعل دون تعلقه بمعمول (فقمنا فكنت أول من فزع) : أي خاف (فخرجت أبتغي) أطلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار) حتى فيه للغاية لمقدر تقديره فسرت. والحائط البستان وجمعه حوائط. قال المصنف: سمي حائطاً لأنه لا سقف له (وذكر الحديث بطوله) أي مما لا يتعلق غرض
الترجمة به فلذلك حذفه، ويؤخذ منه كما تقدم التنبيه عليه جواز تقطيع الحديث إذا كان لا تعلق للمأتي به بالمحذوف بأن لا يكون غاية ولا استثناء ولا نحو ذلك (إلى قوله فقال رسول الله) مخاطباً لأبي هريرة (اذهب فمن لقيته) بكسر القاف (وراء هذا الحائط) أي البستان (يشهد أن لا إله إلا ا) أي مع قرينتها التي لا يعتد بها إلا معها، وهي: محمد رسول الله كما تقدم نظيره (مستيقناً بها قلبه) أي موقناً
بها قلبه والسين فيها للمبالغة لأن كثرة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً، وخرج بها المنافق (فبشره بالجنة) إما ابتداء إن مات عقب الإسلام قبل التلبس بكبيرة أو بعد الإسلام بمدة ولم يفعل معصية أو فعلها وكانت صغائر وله حسنات لم تغلب عليها المعاصي أو كانت كبائر فتاب منها، أو بعد إدخال النار مدة إن مات على صغائر زائدة على حسناته أو على كبيرة ولم يتب منها، ويجوز أن يتفضل الله عليه فيدخله الجنة ابتداء، قال تعالى:{ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48) وحذف المصنف ما أشار به عمر من ترك هذا التبشير مخافة مما يترتب عليه من ترك صالح العمل المقتضي لفوات المراتب العلية في الجنة فوافقه على ذلك لعدم تعلق غرض الترجمة به (رواه مسلم) .
14425 -
(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبيّ تلا) أي قرأ (قول الله تعالى في قصة إبراهيم،){رب} أي يا رب بكسر الموحدة وحذف حرف النداء لمزيد الشهرة المستغني به عن النداء الكائن للبعيد عادة ( {إنهن} ) يعني الأصنام ( {أضللن} ) أي أوقعن في الضلال ( {كثيراً من الناس} ) وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله: {وغرتهم الحياة الدنيا} (الأنعام: 70)( {فمن تبعني} ) على ديني ( {فإنه مني} ) أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين ( {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} ) تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة، قال البيضاوي: وفيه دليل على أن كل ذنب فللَّه أن يغفر حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينه
وبين غيره اهـ. وهذا مذهب الأشعري، وذهب الماتريدي إلى استحالة ذلك عقلاً وعدم إمكانه أصلاً، قال: لأن ذنبه لقبحه منع من جواز العفو (وقال) مصدر معطوف على قول الله تعالى، قال القاضي عياض: قال هو اسم للقول لا فعل، يقال قال قولاً وقالاً وقيلاً كأنه قال وتلا (عيسى:{إن تعذبهم فإنهم عبادك} ) أحقاء بالتعذيب لأنك المالك المتصرف ( {وإن تغفر لهم} ) أي للمؤمنين منهم ( {فإنك أنت العزيز الحكيم} ) تلخيصه إن تعذب فعدل وإن تغفر ففضل (فرفع)(يديه وقال: اللهم أمتي أمتي) أي ارحمهم أو الحظهم أو نحو ذلك فهو مفعول به بعامل محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأ: أي أمتي عبادك فنعمتك فيهم فضل وعقابك عدل (وبكى) خضوعاً وتذللاً له (فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد) وقوله (وربك أعلم) جملة معترضة أتى بها لدفع توهم أن الاستفهام منه تعالى على حقيقته، وهو استكشاف ما يجهله المستفهم، بل علمه تعالى محيط بجميع المعلومات قبل وجودها فيه وفيه وبعد انقضائها وقوله (فسله ما يبكيك) معطوف على جملة اذهب، وهو هكذا في الأصول سله بحذف همزة الوصل والهمزة عين الفعل والأصل اسأله فنقلت حركة الهمزة إلى السين فحذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها والمزة
المنقول حركتها لالتقاء الساكنين والاستفهام معلق للسؤال عن الجملة بعده (فأتاه جبريل) إظهاراً لشرف المصطفى وأنه بالمحل الأعلى عند مولاه فيسترضى ويكرم بما يرضيه (فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال) أي من قوله: أمتي أمتي (وهو) أي الله (أعلم) أي بما قال نبيه (فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك) هو موافق لقوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (الضحى: 5)(ولا نسوءك) قال صاحب التحرير: هو تأكيد للمعنى: أي لا نخزيك لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار، فقال تعالى: نرضيك ولا ندخل عليك خزياً بل ننجى الجميع (رواه مسلم) قال المصنف: في الحديث أنواع من
الفوائد: منها بيان كمال شفقته على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله شرفاً بقوله: سنرضيك في أمتك، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة، ومنها بيان عظمة النبي.
15426 -
(وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف) بكسر الراء وسكون الدال المهملة، هذه الرواية المشهورة وهي التي ضبطها معظم الرواة، وحكى القاضي عياض أن أبا علي الطبري الفقيه الشافعي أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدار، قال: والرديف: هو الراكب خلف الراكب، يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال في الماضي وفتحها في المضارع: إذا ركبت خلفه، قال القاضي عياض: ولا وجه لرواية الطبري إلا أن يكون فعل هذا اسم فاعل مثل عجل إن صحت رواية الطبري اهـ. (النبي على حمار) جاء في رواية أخرى لمسلم «على حمار يقال له عفير» بضم المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية: قال المصنف: وهو يقتضي أن يكون في مرة غير المرة المتقدمة في الحديث السابق فإن الرجل يخص البعير، قال: ويحتمل أن يكونا قصة واحدة. قلت وتجوز بالرحل عما يرحل عليه على مطلق الدابة والله أعلم (فقال يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على ا) قال صاحب «التحرير» : اعلم أن الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، وا سبحانه هو الحق الموجود الأزلي الباقي الأبدي، والموت والجنة والنار حق: أي إنها واقعة لا محالة، فحق الله على العباد ما يستحقه عليهم وحقهم عليه معناه محقق لا محالة اهـ. ملخصاً. وقال غيره: قول الرجل: حقك واجب عليّ: أي متأكد قيامي به قاله المصنف (قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد) أي واجبه الثابت عليهم (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) من المعبودات (وحق العباد) بالنصب عطفاً على ما قبله ويجوز الرفع على الابتداء والواو عاطفة للجملة أو مستأنفة (على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) أي وإدخال بعض عصاة المؤمنين النار ليس من العذاب، لأن العذاب فيما قال بعضهم الألم مع الإهانة والإذلال، وا تعالى إذا أدخل المؤمن النار فهو لتطهيره حتى يتأهل لمنازل الأخيار (فقلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس) أي أسكت عن نشر ذلك فلا أبشر
الناس (قال: لا تبشرهم فيتكلوا) رجح مصلحة ترك التبليغ لما فيه من الحثّ على الإكثار من صالح العمل على التبليغ لما قد يؤدي إليه من التعطيل (متفق عليه) رواه البخاري في التوحيد ومسلم في الإيمان.
16427 -
(وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبيّ قال: المسلم) الحقيقي (إذا سئل في القبر) على وجه الامتحان وحذف السائل للعلم به، وهما الملكان المولان بذلك منكر ونكير والمسؤول عنه للعلم به: أي سئل عن ربه ونبيه (يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولالله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} ) أي الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم (متفق عليه) رواه البخاري في التفسير ومسلم في صفة النار ورواه النسائي في الجنائز.
17428 -
(وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر) بأي نوع من أنواع الكفر (إذا عمل حسنة) أي طاعة لا تتوقف على نية كإعتاق وتصدق وإطعام محتاج، أما المتوقفة عليه كالصيام والصلاة فلا تصح منه لفقد شرط النية المتوقفة عليه من الإسلام، وإنما حكم بصحة غسل الكتابية من نحو الحيض فحلت لحليلها للضرورة ولذا تجب إعادته إذا أسلمت (أطعم) بالبناء للمجهول (بها طعمة) بضم الطاء وسكون العين المهملتين، وهو
الرزق وجمعه طعم كغرفة وغرف قاله في «المصباح» (من الدنيا) في محل الصفة لطعمة فيكون ذلك حظه من عمله الذي جاء به (وأما المؤمن) ظاهره وإن كان فاسقاً، ويحتمل تخصيصه بكامل الإيمان (فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة) أي ثوابها إلى الآخرة وقد يجزى بها مع ذلك في الدنيا أيضاً كما قال (ويعقبه) بضم التحتية: أي يعطيه من ذلك (رزقاً في الدنيا على طاعته) ولا مانع من جزائه بها فيهما، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده، قاله المصنف.
(وفي رواية) هي لمسلم أيضاً (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة) أي لا يترك مجازاته بشيء من حسناته، والظلم يطلق بمعنى النقص وحقيقته الظلم محالة في حقه تعالى (يعطى) بالبناء للمفعول (بها في الدنيا) أحد الظرفين نائب الفاعل والآخر في محل الحال (ويجزى بها) أي ثواباً مع ذلك (في الآخرة) وجملة يعطى الخ استئنافية جواب ما، يقال ماذا يكون له بها (وأما الكافر فيطعم) بالبناء للمفعول: أي يرزق (بحسنات ما عمل بها) الباء الأولى للسببية والثانية للبدل: أي بدلها، وقوله () في محل الحال من فاعل عمل وفيه تنبيه على أن جزاء الكافر على عمله بالحسنة الدنيوية إنما هي فيما إذا كان العمل الصالح لا لرياء أو سمعة، وفيه إيماء إلى إحباطهما ثواب العمل وصفة الثواب دنيا وأخرى (حتى إذا أفضى) أي صار (إلى الآخرة) أي وقد مات على كفره (لم يكن له حسنة يجزى بها) أما إذا أسلم الكافر على مثل هذه الحسنات فيثاب عليها في الآخرة على المذهب الصحيح (رواه مسلم) في آخر أبواب صفة الجنة والنار.
18429 -
(وعن جابر رضي الله عنه قال قال: رسول الله: مثل) بفتح أوله وثانيه المثلث تقدم معناه (الصلوات الخمس كمثل) الكاف زائدة (نهر) بسكون الهاء ويجوز فتحها
وهما لغتان في كل ما كان هكذا وعينه حرف حلق كشعر ونحر (جار) جاء في رواية عند أحمد بزيادة «عذب» قال في «النهاية» : الماء العذب هو الطيب الذي لا ملوحة فيه (عمر) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم، أي يغمر من دخله ويغالبه (على باب أحدكم) أشار به إلى سهولته وقرب تناوله (يغتسل منه كل يوم خمس مرات) زاد في رواية أحمد: فما يبقي ذلك من الدنس، وما فيه استفهامية والدنس الوسخ: أي كما أن الغسل المكرر كذلك يذهب الدنس الحسي كذلك الصلوات الخمس مذهبة للدنس المعنوي (رواه مسلم) في كتاب الصلاة والإمام أحمد في «مسنده» بزيادة نبهت عليها (الغمر: الكثير) كما في النهاية.
19430 -
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من) زائدة لتأكيد العموم المستفاد من (رجل مسلم) لكونه نكرة في سياق النفي، وذكره لشرفه وإلا فالمرأة كذلك في ذلك (يموت فيقوم) بالرفع عطفاً على يموت، ويجوز النصب لأنه في جواب النفي (على جنازته أربعون رجلاً) أي يصلون عليه (لا يشركون با شيئاً) من الإشراك (إلا شفعهم الله فيه) أي بأن يغفر له، ولا ينافيه حديث الطبراني وأبي نعيم في «الحلية» عن ابن عمر مرفوعاً «ما من رجل يصلي عليه مائة إلا غفر له» إما لأن العدد لا مفهوم له، وعلى الاعتداد بمفهومه فما في الصحيح مقدم على غيره، وإن جمع فيحمل ما عند الطبراني على أنه أخبر بما فيه، فأخبر به، ثم تفضل الله على عباده بحصول ذلك العدد المذكور في الصحيح فأخبر به ثانياً (رواه مسلم) في الجنائز.
20431 -
(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة) بضم القاف وتشديد الموحدة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب قاله في «النهاية» (نحواً
من أربعين) يجوز أن يكون نحواً حالاً والظرف قبله خبر كان ويجوز عكسه (فقال: أترضون أن تكونوا ربع) بضم أوليه وكذا ثلث (أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال) أي بعد أن أخبر بثبوت ذلك (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا نعم، قال: والذي نفس محمد بيده) أتى بالقسم وباسمه مظهراً تأكيداً للأمر وتفخيماً له (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) قال العلماء: كل رجاء جاء عن الله تعالى أو عن النبي فهو كائن البتة، وإنما أتى فيه بصيغة الرجاء دون صيغة الجزم على عادة الملوك في وعد ما يقطعون بفعله، يقولون: عسى تعطي ذلك وهم جازمون. % قال القرطبي: وهذه الطماعية قد حققت له بقوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (الضحى: 5) وبقوله: «إنا سنرضيك في أمتك» كما تقدم، ولكن عللوا هذه البشرى بالطمع أدباً مع الحضرة الإلهية ووقوفاً مع أحكام العبودية. قال المصنف: والحكمة في قوله: «ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر» ولم يقل أولاً شطر أهل الجنة أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وأن ذلك فيه تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه حملهم على تجديد شكره تعالى وحمده عل كثرة نعمه. قال المصنف: وقد جاء في الحديث الآخر «إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً هذه الأمة منها ثمانون صفاً» فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة، ولا يشكل ذلك على حديث الباب بل يكون أخبر بما في حديث الباب أولاً ثم زاده الله في العطاء فأخبر به بعد، وله نظائر كحديث «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين، وفي رواية سبع وعشرين» ثم بين وجه ذلك بقوله (وذلك) أي التبشير المشار إليه (أن الجنة) أي لأن الجنة (لا يدخلها إلا
نفس مسلمة) ، هذا نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلاً وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين (وما أنتم في أهل الشرك) في سائر الأمم ومنهم يأجوج ومأجوج (إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو) شك من الراوي (كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) يعني الأبيض
(متفق عليه) أخرجه البخاري في الرقاق، ومسلم في الإيمان ورواه الترمذي وابن ماجه في الجنة.
21432 -
(وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا كان) أي وجد (يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً) يحتمل أن يقال إنهما مقيدان لمطلق الكافر الوارد في رواية أخرى لمسلم عن أبي موسى مرفوعاً «إذا كان يوم القيامة أعطي كل رجل من هذه الأمة رجلاً من الكفار» ويحتمل أن لا يقيد، بل هو من ذكر بعض الأفراد وهي لا تقيد (فيقول) أي عز وجل (هذا فكاكك من النار) وعند مسلم في الحديث الذي ذكرناه عنه «هذا فداؤك من النار» قال المصنف: الفكاك بفتح الفاء وكسرها، والفتح أفصح وأشهر، وهو الخلاص والفداء.
(وفي رواية) هي لمسلم أيضاً (عنه) أي عن أبي موسى (عن النبي قال: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) أي عظيمه كما يؤخذ من قوله (أمثال الجبال يغفرها الله لهم) اقتصر المصنف على هذا القدر من الحديث لحصول غرض الترجمة، وهي الرجاء به، وتتمته «ويضعها على اليهود والنصارى» فهو بمعنى الحديث الذي قبل. قال المصنف: ومعناه أن الله يغفر ذنوب المسلمين بفضله ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بعملهم، وهذا التأويل لا بد منه لقوله:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164) فقوله يضعها مجاز: أي يضع مثلها عليهم بذنوبهم لكن لما أسقط تعالى عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو آثامهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاماً كان الكفار سبباً فيها بأن سنوها فيسقط عن المسلمين بعفو الله ويوضع
على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعلم بها (رواه مسلم. قوله دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً) ليس هو على ظاهره من وضع أعمال المؤمنين على الكافرين لأن الله تعالى يقول:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164) لكن (معناه ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لكل أحد) أي سواء كان مسلماً أو كافراً (منزل من الجنة ومنزل من النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة) أي منزله فيها (خلفه الكافر في النار، لأنه مستحق لذلك) أي دخول النار (بكفره، ومعنى فكاكك) من النار (أنك كنت معرّضاً لدخول النار) أي لو كنت خذلت (وهذا فكاكك) أي بمنزلته صورة (لأن الله تعالى قدر للنار عدداً يملؤها، فإذا دخلها الكافرون بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين) من حيث إن بهم تم عدد أهل النار فأمنها المسلمون، قال المصنف: قال عمر بن عبد العزيز والشافعي: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين، وهو كما قالا لما فيه من التصري
بفداء كل مسلم وتعميم الفداء، والحمد اهـ.
22433 -
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدنى) بالبناء للمفعول: أي يقرب (المؤمن يوم القيامة من ربه) قرب مكانة لا قرب مكان قال المصنف هو دنو كرامة وإحسان لا دنو مسافة، وا تعالى منزه عن المسافة (حتى يضع عليه كنفه) بفتح الكاف والنون أي ستره (فيقرره بذنوبه) ويسترها عن سائر أهل المحشر (فيقول: ألا تعرف ذنب كذا) تقدم أنه من ألفاظ الكنايات، ويكنى به عن المجهول وما لا يراد التصريح
به (فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا) بأن لم يطلع عليها أحد من الناس ويحتمل سترها حتى عن الملكين مبالغة في الستر (وأنا أغفرها لك اليوم) عطف على الجملة المحكية بالقول (فيعطى صحيفة) أي كتاب (حسناته. متفق عليه) أخرجه البخاري في الرقاق ومسلم في صفة الجنة والنار (كنفه) بفتح أوليه كما تقدم (ستره ورحمته) قال في «شرح مسلم» : ستره وعفوه اهـ. فالرحمة هنا مجاز عن الإحسان.
23434 -
(وعن) عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً) عند ابن أبي خيثمة زيادة «من الأنصار يقال له معتب» وقد جاء اسمه كعب بن عمرو وهو أبو اليسر بفتح التحتية والسين المهملة الأنصاري، أخرجه الترمذي والنسائي والبزار عن أبي اليسر بن عمرو نفسه، وذكر بعض الشراح أن اسمه نبهان التمار وقيل عمرو بن عزبة وقيل عامر بن قيس وقيل عباد. قال الحافظ بعد ذكر قصتي نبهان وعمرو ومن أخرجهما، فإن ثبت حمل أيضاً على التعدد قال الحافظ العسقلاني: وظن الزمخشري أن عمرو بن عزبة اسم أبي اليسر فجزم به فوهم، وعباد اسم جد أبي اليسر فلعله نسب ثم سقط شيء وأقوى الجميع أنه أبو اليسر اهـ. ملخصاً (أصاب من امرأة قبلة) أخرج قصته الترمذي ومن معه عنه قال «أتته امرأة وزوجها قد بعثه في بعث فقالت له بعنى تمراً بدراهم، قال وأعجبتني فقلت لها: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فانطلق بها معه فغمزها وقبلها ثم فزع حتى قالت له اتقالله، فخرج فلقي أبا بكر فقال: تب ولا تعد، ثم أتى النبي» الحديث (فأتى النبي فأخبره، فأنزل الله تعالى) : {أقم الصلاة} ) كذا هو بحذف الواو في الصحيحين والتلاوة بإثباتها ( {طرفي النهار} ) أي غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لأنه مضاف إليه ( {وزلفاً من الليل} ) أي ساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلف إذا قربه وهو جمع زلفة قال المصنف: ويدخل في صلوات طرفي النهار
الصبح والظهر والعصر وفي زلفا من الليل المغرب والعشاء، وقرىء زلفا بضمتين وبضمة فسكون كبسر باللغتين في بسرة وزلفى بمعنى زلفة كقربى وقربة ( {إن الحسنات يذهبن السيئات} ) يكفرنها، وفي الحديث «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» قال الإمام الرازي: وفي تفسير الحسنات قولان قال ابن عباس: معناه الصلوات الخمس مكفرة سائر الذنوب إذا اجتنبت الكبائر، وقال مجاهد: الحسنات قول: سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله وا أكبر. وقد حكاهما المصنف في «شرح مسلم» (فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله) يعني خاص بي: أي أن صلاتي تذهب معصيتي، وظاهر هذا أن القائل هو السائل. وعند أحمد والطبراني من حديث ابن عباس «فقال: يا رسول الله ألي خاصة أم للناس عامة فضرب عمر بصدره فقال لا ونعمة عين بل للناس عامة، فقال: صدق عمر» وهذا من اجتهاد عمر الموافق للصواب لكن جاء عند مسلم في رواية «فقال معاذ: يا رسول الله أله وحده أم للناس؟» ووقع مثله عند الدارقطني، قال الحافظ: ويحمل على تعدد السائلين، وقوله ألي بفتح الهمزة استفهام والظرف بعده خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر وقدم عليه خبره لإفادة التخصيص (قال لجميع أمتي كلهم) والمكفر بالحسنات صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى كما قاله المصنف (متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير ومسلم في التوبة.
24435 -
(وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل) قال الشيخ زكريا في تحفة القارىء هو أبو اليسر (إلى النبي فقال: يا رسول الله أصبت حدا) أي مقتضيه والمراد من الحد ما فيه التعزير أوتوهم أن فيه حداً مخصوصاً (فأقمه عليّ وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله، فلما قضى الصلاة) أي أتمها معه (قال يا رسول الله إني أصبت حدا
فأقم فيّ كتاب الله قال: هل حضرت معنا الصلاة؟ قال نعم، قال قد غفر لك) قال المصنف: هذا المقتضي للحدّ في كلامه معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة، ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لما كفرتها الصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحد لا تسقط الحدّ بالصلاة وهو معنى قول المصنف هنا.
(قوله أصبت حداً: معناه معصية توجب التعزير وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحدّ الزنا والخمر وغيرهما فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة) أي بعد تعينها كما يعلم من الوجه الآتي (ولا يجوز للإمام تركها) قال المصنف في «شرح مسلم» : وهذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث، وحكى القاضي عن بعضهم أن المراد به الحدّ المعروف، قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد ولم يستفسره عنه إيثاراً للستر، بل استحب تلقين الرجوع عن الإقرار بموجب الحد صريحاً (متفق عليه) أخرجه البخاري في المحاربين ومسلم في التوبة.
25436 -
(وعنه قال: قال رسول الله: إن الله ليرضى) المراد منه في حقه تعالى غايته من القبول أو إرادته (عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها) يحتمل أن يكون قبل أن لام التعليل: أي لأجل أو يسب أكله. ويحتمل أن يكون أن ومدخولها بدل من العبد بدل اشتمال والمرضي منه هو الحمد على الأكل والشرب، ويحمد روي بالرفع والنصب قال بعض شراح «الشمائل» والظاهر من حيث العربية الأول أن يرضى أكله المسبب للحمد مع أن نفعه لنفسه فكيف بالحمد على ما لا نفع له فيه بوجه (أو يشرب الشربة فيحمده عليها)
يعني يرضى لأحد هذين الفعلين أياً كان وليس هو بشك من الراوي خلافاً لزاعمه، وفي الحديث حصول أصل سنة الحمد بأي لفظ اشتق من مادة «ح م د» بل بما يدل على الثناء على الله تعالى (رواه مسلم) في باب الحمد، ورواه أحمد والترمذي في جامعه وشمائله، والنسائي كلهم من حديث أنس (الأكلة بفتح الهمزة: وهي المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء) وبضمها اسم للقمة، قال بعض شراح «الشمائل» ويرجحه ملاءمته للشربة «قلت» بل هو ملائم للفتح (والله أعلم) .
26437 -
(وعن أبي موسى) وهو الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال: إن الله يبسط) بضم السين (يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل) قال المصنف: معناه يقبل التوبة من التائبين نهاراً وليلاً (حتى تطلع الشمس من مغربها) ولا يختص به قبولها بوقت، وبسط اليد استعارة في قبول التوبة، قال المازري: المراد به قبول التوبة، وإنما ورد لفظ بسط اليد، لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله وإذا كرهه قبضها عنه، فخوطبوا بأمر يفهمونه وهو مجاز فإن اليد بمعنى الجارحة محال عليه تعالى. (رواه مسلم) في باب التوبة وكذا أحمد.
27438 -
(وعن أبي نجيح) ضبطه صاحب «المغني» بفتح النون وكسر الجيم وسكون التحتية بعدها حاء مهملة، وقيل كنيته أبو شعيب (عمرو بن عبسة بفتح العين) المهملة (والباء) الموحدة ثم سين مهملة على وزن عدسة قال المصنف في «التهذيب» : هذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث والأسماء والتواريخ والسير والمؤتلف وغيرهم من أهل الفنون ورأيت
جماعة ممن ضبط ألفاظ «المهذب» يزيد فيه نوناً وهو غلط فاحش ومنكر ظاهر نبهت عليه لئلا يغتّر به، وعبسة هو ابن عامر بن خالد بن عاصرة بن عتاب ويقال بن غفار بن امريء القيس بن بهثة بموحدة مضمومة ثم هاء ساكنة ثم مثلثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ابن قيس عيلان بالمهملة ابن مضر بن نزار (السلمي) الصحابي الصالح، أسلم عمرو رضي الله عنه رابع أربعة، وحديث هجرته هو الحديث المذكور وقدم المدينة بعد الخندق فسكنها ثم نزل الشام، روي له عن النبي ثمانية وثلاثون حديثاً روى مسلم منها الحديث المذكور؛ روى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو أمامة وسهل بن سعد وجماعة من التابعين، سكن حمص وتوفي بها اهـ. ملخصاً (قال كنت وأنا في الجاهلية) هي ما قبل الإسلام سموا به لكثرة جهالاتهم والجملة حال من اسم كان، وخبر كان جملة (أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء) ينفعهم عند الله تعالى (وهم يعبدون الأوثان) جملة حالية من اسم ليس والأوثان جمع وثن قيل هو والصنم بمعنى، وعليه اقتصر «المصباح» في مادة وثن وزاد في مادة صنم قوله: وقيل الصنم المتخذ من الجواهر المعدنية، والوثن المتخذ من حجر أو خشب. وقال ابن فارس الصنم ما يتخذ من خشب أو نحاس أو فضة اهـ. (فسمعت برجل بمكة) الباء الثانية ظرفية (يخبر أخباراً) بفتح الهمزة: أي أخباراً عجيبة الشأن عظيمة الموقع فالتنوين فيه للتعظيم (فقعدت على راحلتي) أي ركبت عليها مسافراً (فقدمت) بكسر الدال (عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً) حال من ضمير خبر المبتدأ المحذوف تقديره كائن: أي هو حال كونه مستخفياً: أي مستتراً من الكفار الأشرار (جرآء) بضم الجيم وتشديد الراء بعدها همزة ممدودة جمع جرىء: من الجرأة وهي الإقدام والتسلط وسيأتي فيه بسط عند ذكر المصنف الاختلاف في ضبطه وهو حال مترادفة أو متداخلة، وقوله (عليه قومه) الظرف متعلق به وقومه
فاعله لأنه وصف اعتمد على ذي الحال (فتلطفت) أي ترفقت في الأمر مع قرشي (حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟) قال البيضاوي كما تقدم نقله عنه «ما» يسأل به عن كل شيء ما لم يعرّف فإذا عرف خص العاقل إذا سئل عن تعيينه وإن سئل عن وصفه يل ما زيد فقيه أم طبيب؟ اهـ. ولما كان مسؤول عمرو عن وصف النبي قال ما أنت؟ ويدل له
قوله له (قال أنا نبي) وكذا قال المصنف في «شرح مسلم» قال ما ولم يقل من لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته وما لصفات من يعقل اهـ. (فقلت وما نبي؟) أي ما حقيقة النبي المميزة له عن سواه (قال أرسلني ا) أي أرسل الله إياي (قلت: بأي شيء أرسلك؟) لما عمم النبيّ بحذف معمول أرسل استهفمه عمرو عنه وسأل بيانه (فقال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد ا) بالمضارع المبني للمفعول وكذا في قوله (لا يشرك) بالرفع ونائب فاعله شي من قوله (به شيء) قال المصنف: هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث عل صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد ولم يذكر له جزئيات الأمور وإنما ذكر مهمها وبدأ بالصلة. فإن قلت: ما الحكمة في أنه أتى بالمصدر في الأولين وبأن والفعل في الثالث. قلت: الإشارة إلى تجديد ذلك الثالث كل آن ذكرا بقول لا إله إلاالله، فقد ورد الأمر بالإكثار منها مع ما فيه من التفنن فجمع التعبير المورث للكلام نظرية وتحسيناً (قلت: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد ومعه يومئذٍ) المراد باليوم فيه مطلق الحين أي حينئذٍ (أبو بكر وبلال رضي الله عنهما وكان الاقتصار عليهما مع تقدم إسلام خديجة على إسلامهما إذ هي أول الناس إسلاماً وإسلام على أيضاً قيل إنه أسلم قبل الصديق وإن كان الراجح خلافه لأنهما كاملان في الرجولية والبلوغ فقد كان على حينئذٍ صبياً (فقلت: إني متبعك) أي على إظهار الإسلام هنا وإقامتي معك (قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا) أي في هذا الزمن الحاضر وذلك لضعف شوكة الإسلام فيخاف عليك من أذى كفار قريش (ولكن ارجع إلى أهلك) قال القاضي عياض: ليس معناه أنه رده دون إسلام وإنما رده عن صحبته واتباعه لأنه كان في أوّل الإسلام وقبل قوته فخاف عليه لغربته أن تهلكه قريش أو تفتنه اهـ. وحينئذٍ فتقدير الكلام كما أشار إليه المصنف، لكن قد حصل أجرك فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمرّ على إسلامك حتى تعلمني ظهرت. (فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتنى) فيه معجزة للنبي هي إعلامه بأنه سيظهر فكان كما أخبر (فذهبت) أي رجعت (إلى أهلي وقدم) بكسر الدال (رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) منصوب على التوسع كدخلت المسجد أو على حذف الجار (وكنت في أهلي) أي مقيماً فيهم (فجعلت) من أفعال
الشروع (أتخبر الأخبار) أي أتكلف الوقوف عليها وأعاني ذلك (وأسأل الناس حين قدم المدينة) أي وقت قدومه لها (حتى قدم نفر من أهل المدينة) غاية لتخبره وسؤاله، والنفرك ما تقدم مراراً بفتح أوليه: ما بين الثلاثة والتسعة، وقيل السبعة من الرجال، ومعنى قوله من أهل المدينة: أي المقيمين بها القاطنين فيها (فقلت ما فعل هذا الرجل؟) أتى باسم الإشارة الموضوع لأن يستعمل في المشار إليه الحاضر إليه تفخيماً لشأن المصطفى وأن حقه لكمال مجده أن لا يغيب عن القوس بل لا تزال مشاهدة بعين لبها لجمال كماله (الذي قدم المدينة فقالوا: الناس إليه سراع) بكسر السين أي مسرعين (وقد أراد قومه) أي كفار قريش (قتله) بأنواع من المكر والخديعة المذكورة عنهم في كتب السير (فلم يستطيعوا ذلك) بل رد الله كيدهم في نحرهم وحفظ نبيه من ذلك (فقدمت المدينة) أي امتثالاً لقوله «فإذا بعت بي ظهرت فأتني» (فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني؟ قال: نعم) وسؤاله لطول مدة غيبته ثم هو في نسخ الرياض هكذا ووقع في مسلم بلفظ «قال بلى» قال المصنف في «شرحه» : فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يكن قبلها نفي وصحة الإقرار بها وهو صحيح في مذهبنا وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها نفي أو نهي وبه يعلم أن ما هنا إن لم يكن في بعض نسخ مسلم اختلاف من تحريف الكتاب. قلت: ولمن اعتبر تقدم النفي أن يقول: تقدير الكلام أما تعرفني ويكون قرينة تقديرها قوله في الجواب بلى، والله أعلم (قال: فقلت: أخبرني عما علمك ا) العائد ضمير نصب محذوف أي علمكه، قال المصنف هكذا هو وهو صحيح، ومعناه أخبرني عن حكمه وصفته وبينه لي اهـ. قلت: ويحتمل أن يكون عن للتعليل كما قيل به في قوله تعالى {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} (هود: 53) أي لأجله، وقوله (وأجهله) يحتمل أن يكون أتى به على وجه الإطناب، ويحتمل أن يكون الاحتراز عما علمه منه في اجتماعه السابق به (أخبرني عن الصلاة) أي النافلة (قال:
صلّ الصبح ثم اقصر) بضم الصاد أي اقعد (عن الصلاة) أي النفل المطلق الذي لا سبب له أو له سبب متأخر (حتى تطلع الشمس حتى ترتفع) يحتمل أن يكون بدلاً مما قبله ويحتمل أن يكون غاية بعد غاية لتحريم النفل المذكور قال المصنف: فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يرتفع بنفس الطلوع بل لا بد من الارتفاع والمراد ارتفاعها كرمح في رأي العين ثم النافلة تحرم من صلاة الصبح إلى ارتفاعها على من صلى الصبح، أما من لم يصلها فلا تحرم عليه إلا من طلوع الشمس لا قبل، إلى الغاية المذكورة (فإنها) أي الشمس (تطلع) بضم اللام (حين تطلع) أي وقت طلوعها (بين قرني شيطان) سيأتي بيان معناه وتنكير شيطان لتحقيره، وقرناه: ناحيتا رأسه، قال المصنف: وسمي شيطاناً لتمرده وعتوه وكل ما رد عات شيطان، والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير والرحمة، وقيل من شاط إذا هلك واحترق: أي فالمصلي حينئذٍ كالساجد للشيطان (وحينئذٍ يسجد لها الكفار) أي وحين تطلع بين قرنيه، قال القاضي عياض: هذا يدل على صحة تأويل من جعله على ظاهره وأن الشيطان يفعل ذلك ويتطاول لها ليخادع نفسه أن السجود له (ثم صل) أي ما شئت من النفل (فإن الصلاة مشهودة محضورة) أي يحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة. قال في «فتح الإله» : أي تحضرها ملائكة النهار لتكتبها وتشهد بها لمن صلاها فهي بمعنى رواية مشهودة مكتوبة خلافاً لمن زعم أن بينهما فرقا أو أن هذه أحسن (حتى يستقل) من القلة لا من الإقلال الذي هو الارتفاع وهو غاية لقوله صلّ (الظل بالرمح) المغروس بالأرض هذا من باب القلب كطينت الطين بالقصر وعرضت الناقة على الحوض أي حتى يستقل الرمح بالظل أي يبلغ ظله أدنى غاية النقص ففيه محسن القلب من المبالغة المتولدة عنه لإفادة كون الرمح صار بمنزلة الظل في القلة، والظل صار بمنزلة الرمح في عدم وجود شيء في الأرض إلا بمقدار مركزه وذلك لأن ظل الشاخص يكون أوّل النهار طويلاً إلى جهة المغرب، ثم ما زاد يتناقص إلى أن يصل إلى غايته وذلك وقت الاستواء أو يزول بميل الشمس إلى ناحية المغرب وتحول الظل إلى جهة الشرق وهذا هو وقت الزوال الذي به يدخل وقت الظهر ويزول وقت النهي، والظل الموجود عند الاستواء يسمى ظل الزوال لوجوده في أكثر البلاد قبل ظهور الزيادة. وأقول لا يحتاج إل هذا التكلف لأن الباء للإلصاق، والرمح كناية عن الشاخص والتقدير
حتى يقل الظل الملصق بالشاخص: أي ينتهي إلى غاية قلته، أو حتى ينتهي: أي يرتفع الظل الملصق بالشاخص عما حواليه حتى لا يبقى على الأرض منه إلا قدر لا يظهر ببادي الرأي، وما ذكر هو ما في نسخ مسلم المعتمدة، وفي بعض نسخه «حتى يستقل الرمح بالظل» وقال القاضي عياض: معنى قوله يستقل الظل بالرمح: أي يكون ظله قليلاً كأنه قال حتى يقل ظل الرمح، والباء زائدة جاءت لتحسين الكلام، وقد جاء في رواية أبي داود «حتى يعدل الرمح ظله» قال الخطابي: هذا إذا قامت الشمس وتناهى قصر الظل، ولا أدري موافقة هذا ليعدل، ولعل معنى يعدل هنا يكون مثله في الظل لا يزيد كما لا يزيد الرمح في طوله، أو يكون يعدل بمعنى يصرف كأن الرمح صرف ظله عن النقص إلى الزيادة ومن الميل إلى المغرب إلى المشرق وأضافها إلى الرمح لأنه سبب، فالمصنف لا يرتضي هذا الكلام منه، وقال القاضي عياض: كلام عجيب في تفسير الحديث نبهت عليه لئلا يغتر به اهـ. وفي هذه الجملة حجة على مالك في تجويزه الصلاة عند الاستواء مطلقاً مستدلاً بأنه لم يزل يرى الناس يصلون حينئذٍ يوم الجمعة، وما استدل به لا ينهض له لأن يوم الجمعة مستثنى (ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تسجر) أي تهيج بالوقود (جهنم) وتسجر بتقدير أن المصدرية قبله اسم إن على حد قوله تعالى:
{ومن آياته يريكم البرق} (الروم: 24) أو اسمها ضمير شأن، وما قيل إنه لا تحذف لأن القصد به التعظيم وهو يفوت بحذفه مردود بأن سبب دلالته على التعظيم إبهامه وحذفه أدل على الإبهام، ومن ثم حذف في قوله تعالى:{من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} (التوبة: 117)(فإذا أقبل الفيء) أي: إلى الجهة المشرق. والفيء مختص بما بعد الزوال، وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده. وفي «التهذيب» للمصنف نقلاً عن ابن قتيبة في «أدب الكاتب» إنما سمي بعد الزوال فيئاً لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب: أي رجع والفيء الرجوع (فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر) قال المصنف: فيه دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير الإنسان، وإنما يكره لكل بصلاته حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل اهـ. ومراده أخرها عن أول الوقت لما تقرّر أنها من الإصفرار يكره لمن صلى ولغيره (ثم اقصر عن الصلاة) أي النافلة التي لا سبب لها أو لها سبب متأخر (حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان)
في تنكيره ما مر (وحينئذٍ يسجد لها الكفار) هذه حكمة النهي وليست بعلة لعدم اطرادها وإلا لنهي عن ذات السبب وفي مكة أيضاً. وقال العز بن عبد السلام: التعليل لذلك لا يظهر لأن تعظيم الله في وقت يسجد فيه لغيره أولى لما فيه من إرغام أعدائه، ولو صح التعليل فأي فرق بين ذي السبب وغيره اهـ. وأجيب بأنها حكمة فلا يلزم اطرادها ووجه اختصاصها بغير ذي السبب وبوقتي الطلوع والغروب أن إنشاء صلاة لا سبب لها في هذا الوقت فيه نوع تشبه بالكفار في عبادتهم للشمس حينئذٍ وقد نهينا عن التشبه بهم، بل وعما يؤدي إليه أو يوهمه ولا شك أن إيقاع ذلك حينئذٍ يستلزم ذلك بخلاف ذات السبب كالعيد والضحى بناء على دخول وقتهما بالطلوع، فإن ظهور السبب الحامل عليها ينفي ذلك، وقد ذكر ابن الأثير ما يؤيد ذلك وهو أن كلا من هذين وقت لظهور سلطانها وانفصالها فكره لئلا يتوهم تعظيم شأنها كما هي عادة الملوك عند قدومهم وانفصالهم. فإن قلت: إنما يتضح ذلك إذا كان السبب غير نفس الطلوع، أما إذا كان هو الطلوع كما في المثالين المذكورين فكيف يظهر ما ينفي ذلك. قلت: الظهور وعدمه إنما هو بالنسبة إلى نية المصلي فحيث نوى سبباً انتفى ذلك عند من علم بنيته وحيث لا فلا، وبه يتضح الجواب عما يقال الصلاة عندنا للقبلة وسجود الكفار إنما هو لجهة الشمس فكيف يتأتى التشبه أو إيهامه؟ وجوابه ما تقدم أن نية الصلاة حينئذٍ لا لسبب يوهم أن للشمس باعتبار ظهور سلطانها وانفصالها حينئذٍ دخلا في ذلك فامتنعت لذلك، وإنما حرمت النافلة من بعد صلاتي الصبح والعصر قبل طلوعها وغروبها مع انتفاء الحكمة أو العلة لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه كما حرمت مباشرة ما بين سرة الحائض وركبتها لأنه حريم الفرج، وأيضاً فعباد الشمس ربما تهيئوا لتعظيمها من أول ذينك الوقتين فيرصدونها إلى أن تظهر فيخروا لها سجداً، فلو أبيح التنفل حينئذٍ لكان فيه تشبه بهم أو إيهامه أو التسبب إليه (قال: فقلت يا رسول الله فالوضوء حدثني عنه) أي من حيث الفضيلة بدليل الجواب (فقال: ما منكم رجل يقرب وضوءه) بفتح الواو أي يحضر ما يتوضأ به، وخص بالذكر لأنه يترتب عليه من الثواب ما لا يترتب على من يزاول مشقة في تحصيل الماء وإحضاره (فيتمضمض) سكت عما يسن قبلها من نحو التسمية لعله لعلمه أنه يعلم ذلك أو لأن الغرض ذكر ما فيه ثواب عظيم من أعمال الوضوء لا سيما ما اختلف في وجوبه كالمضمضة (ويستنشق) الواو بمعنى ثم (فيستنثر) أي يجذب الماء بخياشيمه ثم يدفعه ليزيل ما في أنفه من الأذى (إلا خرت خطايا وجهه، وفيه)«خرت» بالخاء المعجمة على المختار كما يأتي أي سقطت صغائر خطاياه ثم يحتمل أن يراد خطايا جميع وجهه، وإن لم يظهر إلا بعضه لأنه أقذر ما فيه فخرت خطاياه الآني بعد كناية عن مزيد التطهير،
ويحتمل أن يراد بعضه لذكر كله
الآني فعطف (وخياشيمه) بيان لذلك البعض المبهم، والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الأنف، وقيل عظام رقاق، في أصل الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك (ثم إذا غسل وجهه كما أمره ا) أي بقوله عز وجل:
{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} (المائدة: 6) وفائدة قوله كما أمره الله الإيماء إلى وجوب الترتيب في الوضوء عند من يوجبه كإمامنا الشافعي المأخوذ وجوبه من الآية لما فيه من الفصل بالمسح بين مغسولين، والعرب سيما الفصحاء منهم لا توسط أجنبياً بين متجانسين إلا لحكمة هي هنا وجوب الترتيب لا ندبه، لأن الآية لبيان واجبات الوضوء والإيماء إلى المبادرة بامتثال هذا الأمر والمسارعة إليه عند من لا يقول بوجوب الترتيب لأن كونه أمر الله يحمل العاقل على امتثاله والإتيان به على الوجه الأكمل، وذكر هذا في أول فروضه فيه للتنبيه على أنه مراعى في باقيها فلم يحتج لتكرير (إلا خرت خطايا وجهه) إن قلت: الوجه لا يتصور منه خطايا في العادة إلا باعتبار منافذه وقد غفرت خطايا منفذين فلم يبق إلا خطايا البصر قلت: يحتمل أن يراد هنا بعضه الباقي، وهو العينان، ويحتمل أن يراد الثلاثة، وفائدته أن الأولين لو لم يطهرا بأن غسل وجهه أو لاكفرت خطاياهما وإن لم يغسلا بواسطة غسل ظاهر الوجه (من أطراف لحيته) عبر بها للغالب وإلا فمن لا لحية له كالأمرد والمرأة كذلك (مع الماء ثم) في العطف بها دلالة لوجوب الترتيب (بغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من) أطراف (أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء) ذكره للغالب أيضاً (ثم يغسل قدميه إلى الكعبين) فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجب غسل الرجلين، وقالت الشيعة: الواجب مسحهما، وقال ابن جرير: هو مخير، وقال بعض الظاهرية يجب الغسل والمسح حكاه المصنف في «شرح مسلم» (إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء) وما بعد إلا الأولى مستثنى من مقدر هو خبر ما، أي ما منكم رجل متصف بذلك كائناً على حال من الأحوال إلا على حال خروج خطايا وجهه، وما واسمها مقدران فيما بعد ثم الأولى وفيما بعد ثم الثانية، وهكذا كما دل عليه العطف: أي ثم ما منكم رجل متصف يغسل وجهه كائناً على حال إلا على حال خروج خطايا وجهه وهكذا (فإن) شرطية
(هو) أي المتوضىء الدال عليه سياق الكلام وسياقه ورافعه فعل الشرط محذوف تفسيره (قام) ولحذفه برز ضميره المستكن فيه (فصلى فحمد الله) أي أثنى عليه بالصفات الثبوتية (وأثنى عليه) بالتنزيه عما لا يليق به، وقيل هما بمعنى والعطف للتأكيد (ومجده) بتشديد الجيم أي وصفه (بالذي هو) سبحانه (له أهل) من أوصاف المجد وهو العز والشرف كما في «المصابح» ، وقدم الخبر أي له على المبتدأ لإفادة الاهتمام والاختصاص (وفرغ قلبه تعالى) هو بتشديد الراء للمبالغة في تنظيف القلب وتنزيهه من دنس التعلق بغير المول سبحانه والركون إلى سواه، ومن سائر الشواغل والخواطر تعالى دون غيره ولو ثواباً لأنه ربط القصد به ينافي مقام الكمال المشار إليه بقوله تعالى:{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف: 110) وجواب إن الشرطية مقدر: أي فلا ينصرف خارجاً من شيء من الأشياء (إلا انصرف) خارجاً (من خطيئته) : أي صغائره فيصير متطهراً منها (كهيئته) أي طهارته من كل خطيئة (يوم ولدته أمه) وقصرنا التشبيه على ما ذكرنا لقيام الأدلة عليه وكون التطهير من الذنوب بمعنى إزالتها بعد وقوعها ومن المدلول بمعنى عدم وجودها لا ينافي التشبيه، وقدرنا الجواب نفياً لأنه في سياق النفي بما وإلا لا لوجوبه، لجواز قرأت إلا يوم كذا (فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله) وأبو أمامة كنيته، واسمه صدى بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وتشديد التحتية ابن عجلان وتقدمت ترجمته في باب التقوى (فقال له أبو أمامة يا عمرو) يجوز ضمه وفتحه لوصفه بقوله (ابن عبسة) المتعين فيه النصب لكونه مضافاً (انظر) بضم الظاء: أي تفكر وتأمل (ما تقول في مقام) بفتح الميم: أي مكان (واحد يعطى هذا) الثواب العظيم (الرجل) ؟ وليس ذلك منه استبعاداً ولا استعجاباً من سعة الفضل إنما هو استكشاف للقبن وحذراً من وهل عمرو في ذلك (فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت) بكسر الباء الموحدة: أي تقدمت (سني) أي عمري. قال في «المصباح» : السن واحد الأسنان، وقد يعبر بالسن عن العمر. قلت: وعليه فتأنيث الفعل لأنها بمعنى المدة (ورق عظمي) أي تحف ونحل (واقترب أجلي) أي
قرب والإتيان بالتاء مبالغة في ذلك (وما بي حاجة) أي داعية (أن أكذب على الله تعالى ولا على رسول الله) أي فيّ أو إلى أن أكذب (لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً) منصوبات على الظرفية (حتى عدّ سبع مرّات) أي بأن قال أو أربعاً إلى أن قال أو سبع مرات (ما حدثت به أبداً ولكني سمعته أكثر من ذلك) قال المصنف: هذا الكلام قد يستشكل من حيث إن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمع أكثر من سبع مرات، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية، بل تجب عليه إذا تعين لها وجوابه أن معناه: لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت به، وذكر المراتب بياناً لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط، والله أعلم (رواه مسلم) قبيل باب صلاة الخوف وبعضه عند النسائي وابن ماجه.
(قوله جرآء عليه قومه، هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء) لأن واحدة جرىء فهو كعليم وعلماء وشريف وشرفاء (أي جاسرون مستطيلون) من الاستطالة لكن في «شرح مسلم» من الجرأة: وهي الإقدام والتسلط وقضيته أن يكون جاسرون متسلطون وكذا هو في «المشارق» للقاضي عياض أي جرآء متسلطون عليه (غير هائبين) أي له لعدم معرفتهم بعظيم قدره لعمى بصائرهم عن مشاهدة أنواره:
لكن نور الله جل فلا يرى
إلا بتوفيق من الله الصمد (هذه الرواية المشهورة) وعليها اقتصر عياض في «المشارق» ولم يحك الثانية، وفي «شرح مسلم» هكذا في جميع الأصول (ورواية الحميدي) أي في الجمع بين الصحيحين (وغيره) ولم يذكر في «شرح مسلم» هذه الرواية عن غير الحميدي (حرآء عليه بكسر الحاء المهملة) أما الراء المهملة والمد ففيهما معاً فلذا سكت عنه المصنف (وقال معناه: غضاب) بكسر الغين المعجمة (ذوو غم) هو الحزن على فوات أمر (وهم) هو الخوف من أمر يترقب وقوعه (قد عيل صبرهم به) قال في «النهاية» : في أثناء كلام له يجوز أن يكون من عاله يعوله إذا غلبه، ومنه قولهم عيل صبرك اهـ: أي غلبهم صبرك عنه (حتى أثر) أي الصبر (في أجسامهم) مأخوذ (من قولهم حرى جسمه يحري) قال في «شرح مسلم» : كضرب
يضرب (إذا نقص من ألم أو غم ونحوه. والصحيح أنه) أي قوله جرا لا جرى جسمه يجري كما قد يتوهم من قربه (بالجيم قوله بين قرني شيطان أي ناحيتي رأسه) كما تقدم (والمراد) منه (التمثيل) وبينه بقوله (معناه) أي المراد منه في الحديث (أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشعيته ويستلطون) فشبه تحركهم وانتشارهم وتمكنهم من الأذى واستعير للحاصل من ذلك قوله بين قرني شيطان فهي ستعارة تمثيلية وقال القاضي عياض قيل إن ذلك استعارة وكناية عن أضراره لما كانت ذوات القرون تتسلط بقرونها على الأذى استعير للشيطان اهـ. وفي «شرح مسلم» قيل المراد بقرني شيطان حزبه وأتباعه، وقيل قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذٍ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين فكرهت الصلاة حينئذٍ صيانة لها عن ذلك، وهذا الأخير هو الظاهر لما فيه من السلامة من تأويل الخبر عن ظاهره الذي لا يعارضه معارض (وقوله يقرب وضوءه: معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به) ويطلق الوضوء لغة على الماء المغسول به أعضاء الوضوء بضم الواو. وعلى الباقي في الإناء بعد تمام الوضوء
(وقوله إلا خرت خطاياه هو بالخاء المعجمة أي سقطت، ورواه بعضهم) هو ابن أبي جعفر أحد رواة مسلم كما نقله عنه القاضي عياض (جرت) أي (بالجيم) وتخفيف الراء معناه على هذا ظاهر (والصحيح بالخاء) أي المعجمة (وهو رواية الجمهور) قال في «شرح مسلم» : وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر (وقوله فيستنثر: أي يستخرج ما في أنفه من أذى) بعد أن يجذب الماء بالنفس إلى الخيشوم والانتشار افتعال من النثرة (والنثرة بفتح النون وسكون المثلثة (طرف الأنف) .
28439 -
(وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي قال: إذا أراد الله رحمة أمة) أي الإحسان إليهم واللطف بهم ولا يصح تأويلها هنا بإرادة ذلك لأن الإرادة لا تتعلق بالإرادة كما سبق عن الدماميني (قبض) بفتح الموحدة أي توفي (نبيها قبلها) ليكون صبرهم على المصاب به واحتسابهم ذلك زيادة في أجورهم قال تعالى: {وبشر الصابرين} (البقرة: 155) الآية. وقال: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ» أو كما قال، دل مجموع الحديث والآية على أن المؤمن إذا صبر على مصيبته على فقد المصطفى واحتسب ذلك عند مولاه أجر، كما أن الإنسان إذا ذكر مصابه بمن تقدم له من القرابة فاحتسب عند ذلك يؤجر فكذا ما ذكرنا وهو ظاهر والله أعلم (فجعله لها فرطاً) الفرط بفتح الفاء والراء، والفارط الذي يتقدم الورّاد يصلح لهم الحياض والدلاء ونحوهما من أمور الاستقاء أي إنه المهيىء لمصالحها في عقابها من مزيد رحمته (وسلفاً) قال في «النهاية» قيل هو من سلف المال كأنه قد أسلفه وجعله ثمناً للأجر والثواب الذي يجازى به على الصر عليه، وقوله (بين يديها) ظرف مستقرّ متعلق بمحذوف صفة لهما: أي كاثنتين بين يدي الأمة، أو حال من مفعول جعله: أي كائناً بين يديها أو ظرف لغو متعلق بجعل (وإذا أراد هلكة) بفتح حروفه مصدر هلك الشيء هلكاً من باب ضرب وهلاكاً وهلوكاً ومهلكاً بفتح الميم وتثليث اللام، وأهلكه بوزن أتبعه والهلكة بوزن القصبة مثل الهلاك: أي في كونه مصدراً كذا في «المصباح» : أي وإذا أراد هلاك (أمة عذبها ونبيها حيّ) جملة حالية من فاعل عذب والمراد منه الرسول لأنه الذي له أمة لكونها مأمورة بالتسلي، بخلاف النبي هذا هو المشهور (فأهلكها وهو) أي نبيها (ينظر) هلاكها والجملة الإسمية حالية (فأقر) أي الله تعالى (عينه) أي عين نبيه لتلك الأمة (بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره) أي وقت تكذيبهم له وعصيانهم أمره (رواه مسلم) في باب فضائل النبيّ فقال: وحدثت عن أبي أمامة قال
المازري والقاضي: هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في مسلم لفظاً لجهل الذي حدثه عن أبي أمامة، قال المصنف: قلت: ليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية مجهول قلت: هو وإن كان كذلك إلا أن المحدثين المتقدمين يعبرون عنه بالمنقطع، وبعضهم بالمرسل قال العراقي