المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌57 - باب القناعة - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - جـ ٤

[ابن علان]

الفصل: ‌57 - باب القناعة

أي بحسب العادة (وذكر تمام الحديث) قال المصنف: في الحديث ما كان عليه الصحابة من الاعتناء بأحوال رسول الله، وفيه منقبة لأم سليم ودلالة على فقهها ورجحان عقلها لقولها: الله ورسوله أعلم معناه: أنه قد عرف الطعام فهو أعلم بالمصلحة اهـ. وفيه ضيق حال القوم حينئذ، وفيه إجزاؤهم بالقوت وترك ما زاد عليه من شهوة النفس وحظها، والله أعلم.

‌57 - باب القناعة

هي كما في «الصحاح» في «الفتح» : الرضا بالقسم (والعفاف والاقتصاد) افتعال من القصد وهو ما بين الإسراف والتقتير (في المعيشة والإنفاق) وإخراج المال الطيب في الطاعة والمباحات: أي التوسط فيها كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} (الإسراء: 29)(وذمّ السؤال) حذف معموله ليعم سائر المسؤول من مال وطعام وغيرهما (من غير ضرورة) إليه قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» أفاد بمفهومه ذم الاشتغال بضده.

(قال الله تعالى) : ( {وما من} ) صلة للتنصيص على العموم ( {دابة في الأرض} ) قال ابن عطية: الدابة ما دبّ من الحيوان، والمراد جميع الحيوان الذي يحتاج إلى رزق ودخل فيه الطير والقائم من حيوان. وفي حديث أبي عبيدة: فإذا دابة مثل الظرب، يريد من حيوان البحر، وتخصيصه بقوله في الأرض لكونه أقرب لحسهم، والطائر والقائم إنما هو في الأرض وما مات من الحيوان قبل أن يغتذي فقد اغتذى في بطن أمه ( {إلا على الله رزقها} ) إيجاب تفضل لأنه تعالى لا يجب عليه شيء عقلاً. قال البيضاوي: وأتى به تخفيفاً للوصول، وحملاً على التوكل فيه.

(وقال تعالى)( {للفقراء} ) أي الصدقات لهم، وهم الأولى والأحق بها وإن جاز صرفها لغيرهم كما يؤخذ من الآية التي قبلها في التلاوة ( {الذين أحصروا في سبيل ا} ) حبسوا أنفسهم في الجهاد. وقيل معناه: حاسبوا أنفسهم بربقة الإسلام

ص: 498

وقصد الجهاد وخوف العدو إذا أحاط بهم الكفرة، فصار خوف العدو عذراً أحصروا به. قيل: المراد بهم فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم، وقيل: أصحاب الصفة المنقطعين بكليتهم إلى الله تعالى. قال ابن عطية: يتناول كل من دخل تحت صفة الفقراء غابر الدهر، وقوله: في سبيل الله يحتمل الجهاد ويحتمل الدخول في الإسلام ( {لا يستطيعون ضرباً في الأرض} ) ذهاباً بالتجارة فيها لاشتغالهم بالجهاد وبا أو لغلبة الكفرة في البلاد ( {يحسبهم الجاهل} ) بحالهم ( {أغنياء من التعفف} ) من أجل تعففهم عن السؤال ( {تعرفهم بسيماهم} ) من التخشع وأثر الجهد والضيق، وقيل: أثر السجود. قال ابن عطية: وهذا أحسن لأنهم متفرغون متوكلون لا شغل لهم غالباً سوى الصلاة فكان أثر السجود عليهم أبداً ( {لا يسألون الناس إلحافاً} ) أي إلحاحاً والآية تحتمل نفي السؤال عنهم جملة فيكون من نفي المقيد وهذا ما عليه الجمهور، ويحتمل أن سؤالهم: أي إن سألوا عن مزيد الحاجة لا يلحون: أي لا يظهر لهم سؤال بل هو قليل، وباحتماله فيكون النفي للقيد، وهذا هو الأكثر في النفي المتوجه إلى كلام مقيد كما قاله السفاقسي. قال الثعالبي: بعيد من ألفاظ الآية فتأمله، وينبغي للفقير أن يتعفف في فقره ويكتفي بعلم ربه. قال العارف با ابن أبي جمرة: وقال أهل التوفيق من لم يرض باليسير فهو أسير. ومن كلام عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: استغن عمن شئت تكن نظيره، وتفضل على من شئت تكون أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.

قال ابن عطية: في الآية تنبيه على سوء حال من يسأل الناس إلحافاً.

(وقال تعالى) : ( {والذين إذا أنفقوا} ) أي من الطاعات لأنهم محفوظون من غيرها كما قال ابن عطية ( {لم يسرفوا} ) أي لم يفرطوا حتى يضيعوا حقاً ناجزاً أو عيالاً أو نحوه ( {ولم يقتروا} ) أي لم يفرطوا في الشحّ ( {وكان بين ذلك قواماً} ) وسطاً وعدلاً، سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما، والقوام في حق كل بحسب عياله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها، وقواماً خبر ثان أو حال مؤكدة، ويجوز أن يكون الخبر و «بين» : ظرف لغو، وقيل: إنه اسم كان، بني لإضافته لغير متمكن، وضعف بأنه بمعنى

ص: 499

القوام فيكون كالإخبار عن الشيء بنفسه.

(وقال تعالى) : ( {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} ) أي إلا لأجلها، فإنهم خلقوا بحيث تتأتى منهم العبادة وهدوا إليها، فهذه غاية كمالية لخلقهم، وتعرى البعض عن الوصال إليها لا يمكن كون الغاية غاية، وأما قوله تعالى:{ذرأنا لجهنم} (الأعراف: 179) فلام العاقبة نحو «لدوا للموت» أو إلا لنأمرهم، أو ليقروا بي طوعاً أو كرهاً، أو المراد منهم المؤمنون ( {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} ) أي يطعموني: أي ليس شأني معهم كشأن السادة مع العبيد، وقيل: أن يرزقوا أنفسهم أو أحداً من خلقي، وأسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله وإطعام العيال علىالله، وفي الحديث القدسي:«استطعمت فلم تطعمني» .

(وأما الأحاديث) الدالة على ما ذكر في «الترجمة» (فتقدم معظمها) أي أكثرها (في البابين السابقين) قيل: فإن أحاديثهما القناعة من الصحابة والاقتصاد وترك السؤال والصبر على مضض الفقر (ومما لم يتقدم) أي بعضه وإلا فاستعيب جميع ما لم يذكر فيهما مما ورد في الباب قد يشق.

1 -

(عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ليس الغنى) أي الممدوح في الشرع المرضي عند الله سبحانه المعدّ لثواب الآخرة أو النافع أو العظيم وهو بكسر أوله المعجم مقصوراً، وقد مد في ضرورة الشعر (عن كثرة العرض) عن فيه سببية (ولكنّ) بتشديد النون فيما وقفت عليه من نسخ الرياض والاستدراك لدفع توهم كثرة العرض ينافي الغني المحمود فدفعه بقوله ولكن (الغني غني النفس) قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال، فكثير من الموسع عليه فيه لا ينتفع بما أوتي، جاهد في الازدياد لا يبالي من أين يأتيه. فكأنه فقير من شدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من

ص: 500

استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألحّ في الطلب. وقال القرطبي: وإنما كان الممدوح غنى النفس لأنها حينئذ تكفّ عن المطامع فتعزّ وتعظم، ويحصل لها من الحظوة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله مع كونه فقير النفس لحرصه، فإنه يورّطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله وحرصه، فيكثر من يذمه من الناس فيصغر قدره عندهم فيصير أحقر من كل حقير وأذلّ من كل ذليل.

والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما قسم الله له لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلحّ في الطلب، بل يرضى بما قسم له، فكأنه واجداً أبداً، والمتصف بفقر النفس على الضد منه، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عنده سبحانه خير وأبقى، فهو يعرض عن الحرص والطلب. وقال الطيبي: يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلية، قال الشاعر:

ومن ينفق الساعات في جمع ماله

مخافة فقر فالذي فعل الفقر

أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات لا في جمع المال فإنه لا يزداد به إلا فقراً اهـ. قيل: وهذا وإن أمكن إلا أن ما قبله أظهر في المراد. قلت: وعليه فيمكن أن يحمل قوله: ليس الغنى على الدوام: أي ليس الغنى الدائم عن كثرة المال فإنه عرضة للزوال إنما هو بالكمال النفساني وما أحسن ما قيل:

رضينا قسمة الجبار فينا

لنا علم وللأعداء مال

فإن المال يفنى عن قريب

وإن العلم كنز لا يزال

وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أمره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكر على نعمائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى النفس عن غير ربه، والغنى الوارد في قوله تعالى:{ووجدك عائلاً فأغنى} (الضحى: 8) ينزل على غنى النفس، فإن الآية مكية، ولا يخفى ما كان فيه قبل أن يفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال (متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه، كذا في «الجامع الصغير» (العرض بفتح العين والراء) المهملتين والضاد المعجمة (هو المال) في «المصباح» : هو متاع الدنيا قال: وهو في

ص: 501

اصطلاح المتكلمين ما لا يقوم بنفسه ولا يوجد إلا في محل يقوم به، وهو خلاف الجوهر، والعرض بالسكون: المتاع، قالوا: والدراهم والدنانير عين وما سواهما عرض، وجمعه عروض كفلس وفلوس. وقال أبو عبيد: العرض أي بالسكون: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيواناً ولا عقاراً اهـ. وقال ابن فارس: العرض بالسكون: كل ما كان من المال غير نقد.

2 -

(وعن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد) للتحقيق (أفلح) أي فاز وظفر (من أسلم) لنجاته من النار ودخوله الجنة قال تعالى: {فمن زحوح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} (آل عمران: 185)(ورزق كفافاً) في الزكاة من «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري: الكفاف ما كفّ عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة، وفيه الزهد: الكفاف الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. روى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل: ما الكفاف من الرزق؟ فقال: شبع يوم وجوع يوم اهـ. وقال القرطبي: هو ما لم يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات ولا يحلق بأهل الترفهات اهـ. وإنما كان ذلك فلاحاً لكونه حاز كفايته وظفر بإقامته وسلم من تبعة الغنى وذلّ سؤال الشيء، ثم على ما ذكره في الزكاة من «الترغيب» يكون قوله (وقنعه الله بما آتاه) من باب التصريح بما اندرج فيما قبله اهتماماً واحتفالاً بشأنه أو تجرد الكفاية عن اعتبار القناعة في مفهومه (رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه كلهم عن ابن عمرو، كذا في «الجامع الصغير» ، وتقدم في الباب قبله حديث بمعناه عن فضالة بن عبيد وفيه شرق هذه الحال على حالي الفقر المدقع والغنى لما في الأول من كدح الحاجة والثاني من بطر الغنى. والحديث قد تقدم الكلام عليه في الباب قبله.

3 -

(وعن حكيم) بفتح الحاء المهملة (ابن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي القرشي المكي رضي الله عنه ولد قبل عام الفيل

ص: 502

بثلاث عشرة سنة بجوف الكعبة ولا يعرف هذا لغيره، وما روي أن علياً ولد فيها فضعيف عند العلماء، عاش ستين سنة في الجاهلية، وأسلم عام فتح مكة، وعاش في الإسلام ستين سنة على ما تقدم فيه، ولم يشاركه في هذا إلا حسان بن ثابت. والمراد بقولهم وستين في الإسلام: أي من حين ظهوره مظهراً فاشياً، وكان من أشراف قريس ووجوهها جاهلية وإسلاماً ولم يصنع في الجاهلية من المعروف شيئاً إلا صنع في الإسلام مثله، وتقدمت ترجمته أيضاً في باب الصدق (قال: سألت رسول الله) أي من الدنيا (فأعطاني ثم سألته) أي مستكثراً منها (فأعطاني ثم قال) كأن حكمة تأخير هذا القول عن الإعطاء دفع توهم أن ذلك لبخل في المسؤول (يا حكيم) فيه نداء الرجل باسمه، وفيه تنبيه وإيماء إلى هذا الاسم يؤذن بقيامه بالحكمة وهي المعرفة فكأنه قال: يا موصوفاً بالحكمة الداعية إلى الزهادة في الدنيا والإقبال على الآخرة (إن هذا المال خضر) بفتح أوله وكسر ثانيه المعجمين: أي كالخضر في ميل النظر إليه وإلف النفس به (حلو) بكسر المهملة وسكون اللام، قال الحافظ: معناه أن صورة المال وإنما هو للتشبيه فكأنه قال: المال كالبقل الخضر الحلو أو على معنى فائدة المال: أي إن الحياة به أو العيشة به، أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال تعالى:{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف: 46)(فمن أخذه بسخاوة) بفتح السين المهملة وبالخاء المعجمة (نفس) أي بغير شره ولا إلحاح: أي أخذه بغير سؤال هذا بالنسبة للأخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة للمعطي: أي بسخاوة نفس المعطي: أي بانشراحه فيما بذله (بورك له فيه) فوقع منه القليل من المال والبركة موضع الكثير منه مع فقدها (ومن أخذه بإشراف) بالشين المعجمة (نفس) أي انتظارها له

وحرصها عليه كما يأتي بنحوه في الأصل (لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع) أي الذي يسمى جوعه كذاباً لأنه من علة به وسقم، فكلما أكل ازداد سقماً ولم يجد شبعاً. وفي الحديث وجوه من التشبيهات بديعة: تشبيه المال وثمره بالنبات وظهوره، وتشبيه آخذه بغير حق بمن يأكل ولا

ص: 503

يشبع. وقال ابن أبي حمزة:

في الحديث فوائد منها أنه قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها، تقول: سخت بكذا: أي جادت به، وسخت عن كذا: أي لم تلتفت إليه. ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق، فتبين أن الزهد يحصل خيري الدارين. وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع مع الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فتبين بالمثال المذكور أن البركة خلق من الله خلق، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل ولم يشبع كان غياً في حقه بغير فائدة في عينه إنما هي لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء من غير تحصيل منفعته كان وجوده كالعدم:«واليد العليا خير من اليد السفلى» في «صحيح البخاري» : فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة. قال في «فتح الباري» : عند النسائي من حديث طارق بن المخارق قال: قدمنا المدينة فوجدنا النبيّ قائماً على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا، ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله. وقال في «الفتح» بعد إيراد أحاديث: فهذه متضافرة على أن اليد السفلى هي السائلة والعليا هي المعطية، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور، ثم ذكر مقابل ذلك أقوالاً بسط بيانها في «الفتح» (قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أزرأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا) هو غاية في ألا برزأ أحداً لأن من المعلوم أنه بعد مفارقته الدنيا لا يحتاج لمال، وإنما هو كناية عن دوام الانكفاف عن الغير أبداً (فكان أبو بكر رضي

الله عنه) أي لما صار خليفة (يدعو حكيماً ليعطيه) أي ما يستحقه من المغنم (فيأبى أن يقبل منه شيئاً ثم إن عمر رضي الله عنه لما صار إليه الأمر بعد الصديق رضي الله عنه (دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله) أي ولا شيئاً منه كما يدل عليه ما قبله (فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسم ا) العائد فيه ضمير منصوب محذوف (له في الفيء فيأبى أن يأخذه) قال في «المصباح» : المعشر والقوم والرهط والنفر: الجماعة من الرجال دون النساء والجمع معاشر، وفي «فتح الباري» : إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئاً فيعتاد الأخذ فيتجاوز به إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك، وترك ما لا

ص: 504

يريبه خوف ما يريبه. وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد ألا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه (فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبيّ حتى توفي) قال الحافظ في «الفتح» : زاد إسحاق بن راهويه في «مسنده» من طريق عبد الله بن عمرو مرسلاً أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوناً ولا غيرها حتى توفي لعشر سنين من إمارة معاوية. قال السيوطي في «التوشيح» : وفيه أن سبب سؤاله العطاء أن النبي أعطاه دون ما أعطى أصحابه فقال: يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصرني دون أحد من الناس، فزاده ثم استزاده حتى رضي فذكر نحو الحديث اهـ (متفق عليه) أخرجه البخاري في الوصايا وفي الخمس وفي الرقاق: قلت: وفي الزكاة، أخرجه مسلم في الزكاة إلى قوله: واليد العليا خير من اليد السفلى. ورواه الترمذي في الزهد وقال: صحيح، والنسائي في الزكاة والرقاق اهـ ملخصاً من «الأطراف» (يرزأ أبراء ثم زاي ثم همزة) بوزن يسأل (أي لم يأخذ من أحد شيئاً) أي مجاناً كما يدل عليه قوله:(وأصل الرزء النقصان) وما بذل عوضاً لا نقص على باذله، وفي «النهاية» وأصله النقص، وكأن الشيخ رحمه الله نبه بزيادة النون على اعتبار المبالغة في

مفهومه وقوله: (أي لم ينقص أحداً شيئاً بالأخذ منه) تفسير لقوله آخر الحديث: فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس (وإشراف النفس) بالمعجمة (تطلعها وطمعها بالشيء) وأصله أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظلّ من الشمس حتى يستبين الشيء، وأصله من الشرف وهو العلوّ كأنه ينظر إليه من موضع عال (وسخاوة النفس) وفي «المصباح» السخاء بالمد: الجود والكرم، وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا فهو ساخ، وفي الثانية سخى يسخي من باب علم والفاعل سخ منقوص، والثاثة سخو يسخو كقرب يقرب سخاوة فهو سخي بتشديد الياء اهـ. فيؤخذ منه أن سخاوتها كرمها وجودها وقول المصنف (هي عدم الإشراف والطمع فيه والمبالاة به والشره) أخذه من مقابلتها بالإشراف المفسر بضد ذلك وهو نتيجة ما قلنا، فإن النفس الكريمة هذا شأنها في الدنيا غير مختلفة بجمعها ولا مشتغلة بحفظها ومنعها.

ص: 505

4 -

(وعن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها دال مهملة وفيه كنية لصحابي اسمه على الصحيح من أقوال ثلاثة: «هانىء بن نيار» بلوي مدني، وتابعي وهو «ابن أبي موسى الأشعري» وهذا هو المراد، إذ هو المعروف بالرواية عن أبيه، ولذا لم يقيده المصنف كعادته في أمثاله من المشتبهات/ «واسمه عامر» على الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور، تابعي كوفي، ولي فضاء الكوفة فعزله الحجاج وجعل أخاه أبا بكر مكانه، اتفقوا على توثيقه وجلالته، وهو جد أبي الحسن الأشعري الإمام في علم الكلام، توفي بالكوفة سنة ثلاث، وقيل: أربع ومائة، كذا لخص من «التهذيب» للمصنف. وحكمة ذكر التابعي في هذا الحديث قوله بعد روايته فحدث أبو موسى (عن أبي موسى الأشعري) تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب الإخلاص (قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) بفتح أولية، قال في «النهاية» : غزا يغزو وغزوا، والغزوة المرة من الغزو، والإسم الغزاة: أي بفتحها. قلت: ولو قيل: بأنه للمرة وأصله غزوة بسكون الزاي فنقلت فتحة الواو إليها ثم أعلت إعلال إقوام لم يبعد والله أعلم (ونحن ستة نفر) جملة حالية من فاعل خرج، قال الحافظ: ولم أقف على أسمائهم وأظنهم من الأشعريين وقوله: (بيننا بعير نعتقه) جملة حالية متداخلة من التي قبلها، في «المصباح» البعير مثل الإنسان يقع على الذكر والأنثى والجمل، مثل الرجل يختص بالذكر، والناقة مثل المرأة تختص بالأنثى، والبكر والبكرة كالفتى والفتاة، والقلوص كالجارية، هكذا حكاه جماعة منهم ابن السكيت والأزهري وابن جني، ثم قال الأزهري: هذا كلام العرب، ولكن لا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة اهـ. وقوله نعتقبه: أي نتعاقبه في الركوب واحداً بعد واحد، يقال: دارت عقبة فلان: أي جاءت نوبته ووقت ركوبه كذا في «النهاية» (فنقبت) بفتح النون وكسر القاف بعدها موحدة أي رقت (قدمي) بكسر الميم إذ لو كان مثنى لكان بالألف والمراد به الجنس، وفي نسخة

أقدامنا بصيغة الجمع المكسر (وسقطت أظفاري) جمع ظفر وفيه لغات ضم أوليه أفصح من ضم أوله وسكون ثانيه، ومن فتح أوليه ومن كسرهما، ويقال: أظفور كأسبوع، وربما يجمع الظفر على أظفر أيضاً كركن وأركن. وقول الجوهري: إنه يجمع أظفور سبق قلم، كأنه أراد أظفر فطغى القلم بزيادة واو اهـ ملخصاً من «المصباح» أي أظفار أصابع قدمي (فكنا نلفّ على

ص: 506

أرجلنا الخرق) بكسر أوله المعجم وفتح ثانيه (فسميت غزوة ذات الرقاع) بنصب الغزوة ثاني المفعولين، والأول أقيم مقام فاعل سميت يعود على الغزاة (لما كنا نعصب) أي نربط، وما موصولة: أي الذي كنا نربطه (على أرجلنا من الخرق) قال الحافظ وقال ابن هشام وغيره: سميت به لأنهم رقعوا راياتهم، وقيل: لشجرة بذلك الموضع يقال لها: ذات الرقاع، وقيل: بل الأرض التي نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض قال أبو حيان. وقال الواقدي: سميت بجبل هناك كان فيه بقع، وهذا لعله مستند أبي حيان ويكون قد تصحف خيل بجبل، ورجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى وكذا النووي ثم قال: ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع اهـ واختلف متى كانت؟ فجنح البخاري إلى أنها بعد خيبر، وذهب أهل السير إلى أنها قبل خيبر، واختلفوا في زمانها فعند ابن إسحاق أنها بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع، وعند ابن سعد وابن حيان أنها في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد قريظة والخندق وتردد موسى بن عقبة في وقتها فقال: لا ندري أكانت قبل بدر أو بعدها؟ قال الحافظ: وهذا التردد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها كانت بعد غزوة بني قريظة. ثم حكى الحافظ خلافاً: هل هي غزوة محارب أو هي غيرها؟ فالجمهور أنها هي، جزم به ابن إسحاق وغيره، وعند الواقدي أنهما ثنتان، وتبعه القطب الحلبي في «شرح السيرة» اهـ ملخصاً من «الفتح» (قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث) ناشراً للسنة إذ منها أيامه وأحواله (ثم كره

ذلك) لما فيه أنه ابتلي فصبر، وذلك من المعاملة بين العبد وربه، وكلما كانت أخفى كانت بالبرّ أخفى (وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره) أي ما أصنع بذكره ذلك ففيه زيادة كان مع اسمها وهو نادر، والأكثر زيادتها وحدها في مواطن وقوله:(كأنه كره أن يكون شيئاً) خبر كان واسمها ضمير مستتر: أي ما ذكر من عمله شيئاً، ويجوز أن يعرب مفعولاً لفعل محذوف هو مع فاعله والجملة خبر يكون: أي يكون أفشى شيئاً (من عمله) وقوله: (أفشاه) جملة مفسرة على الثاني، وعلى الأولى فهو صفة شيئاً والظرف متعلق به، ويحتمل كون الظرف صفة وجملة أفشاه حالاً من الخبر لتخصصه بالوصف، وعلى الثاني هو صفة للمفعول (متفق عليه) أخرجاه في «المغازي» من «صحيحهما» .

ص: 507

5 -

(وعن عمرو بن تغلب) بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام اسم غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو العبدي من عبد القيس، وقيل غير ذلك، وجميع ما قيل في نسبه يرجع إلى أسد بن ربيعة، فهو ربعي بالاتفاق. وقال الحافظ في «الفتح» : وهو النمري بضم النون والميم رضي الله عنه صحب عن النبيّ حديثين رواهما عنه البخاري، لم يرو عنه غير الحسن البصري اهـ ملخصاً من «التهذيب» للمصنف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال أو) شك من الراوي (سبي) بمهملة فموحدة، وعند الكشميهني أحد رواة البخاري: أو شيء بالمعجمة، وهو أشمل في «النهاية» : السبي النهب وأخذ الناس عبيداً وإماء (فقسمه) بتخفيف المهملة ويجوز تشديدها نظراً لتعدد المقسوم (فأعطى رجالاً وترك رجالاً) أي منه (فبلغه أن الذين ترك) العائد المنصوب محذوف أي تركهم (عتبوا) في «المصباح» : عتب عليه من بابي ضرب وقتل: لامه في تسخط اهـ. وفي «النهاية» : العتاب مخاطبة الإذلال ومذاكرة المؤاخذة اهـ. وهذا المراد هنا لا للتسخط من أفعاله، فإن ذلك ينافي الإيمان المشهود لهم به في الخبر (فحمد الله تعالى) بأوصاف الجمال (ثم أثنى عليه) أي بأوصاف الجلال: وقيل: أنهما بمعنى، وعليه فهو من عطف الرديف، أتي به لبيان المراد من الحمد وأنه لغوي: أي الثناء اللساني الذي هو شعبة من المعنى المعرفي (ثم قال: أما بعد، فوا إني لأعطي الرجل) أل فيه للجنس، والمراد التمثيل، وإلا فما أفاده الحديث جار في النساء أيضاً، ففي الحديث عند مسلم عن هند امرأة أبي سفيان أنها قالت:«يا رسول الله ما كان أهل بيت أبغض إليّ من أهل بيتك، والآن وا ما أهل بيت أحبّ إليّ من أهل بيتك، فقال: وأيضاً» الحديث، وأكد بالقسم وبإن اللام لعله لما بدا من شدة عتاب المتروكين في ذلك وتوهم أنه عن خلل فيهم ديني أو عن نقص حبّ منه (وأدع) أي واترك وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه (والذي أدع) أي أترك إعطاءه

(أحبّ إليّ من الذي أعطي) وجه حبه لذلك المعطي له فقال ذلك المندرج فيهم نصيبه منها، فلذا أتى بأفعل، ويحتمل كونه فيه بمعنى أصل الفعل نظراً إلى عدم كمال إيمان ذلك حتى يعتدّ به (ولكني أعطي أقواماً لما) أي للذي (أرى) أي

ص: 508

أعلمه (في قلوبهم) والعائد مفعول أول والظرف مفعول ثان (من الجزع) بالجيم والزاي والعين المهملة، قال في «النهاية» : هو الحزن الخوف. وقال في «المصباح» جزع الرجل جزءاً من باب تعب تعباً: إذا ضعفت بنيته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبراً ومن بيانية لما (والهلع) هكذا في نسخ الرياض تبعاً لبعض نسخ البخاري وسيأتي معناه، وفي نسخة أخرى منه «الضلع» بالضاد المعجمة: أي الميل والاعوجاج وفي أخرى بالظاء المثالة المفتوحة مع ما يليها: أي مرض القلب وضعف اليقين (وأكل) أفوض (أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغناء) بفتح الغين المعجمة ثم نون ومد وهو الكفاية، وفي رواية الكشميهني بكسر أوله والقصر: ضد الفقر (والخير منهم عمرو بن تغلب) هذا آخر الخبر المرفوع وقوله: (فوا ما أحبّ أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم) الباء للبدلية والمراد من الكلمة معناها اللغوي وما قاله فيه: أي بدل ما قاله فيه من إدخاله إياه في أهل الخير والغني وقيل: المراد التي قالها في حق غيره، فالمعنى: لا أحبّ أن يكون لي حمر النعم بدلاً من الكلمة المذكورة التي لي، أو أن يكون لي ذلك وقال: تلك الكلمة في حق. وفي «المصباح» : وحمر النعم بضم المهملة وسكون الميم: كرائمها وهو مثل في كل نفيس ويقال: إنه جمع أحمر وإن أحمر من أسماء الجنس (رواه البخاري) في مواضع من «صحيحه» منها في الجهاد والتوحيد وانفرد به عن باقي الستة (الهلع هو أشد الجزع) بمعناه قوله في «الصحاح» أفحش الجزع، ومقتضى كلام «المصباح» عدم اعتبار الأفضلية فيه (وقيل: الضجر) وفي «المشارق» للقاضي عياض: الجزع والهلع هما بمعنى، وقيل: الهلع قلة الصبر، وقيل: الحرص، يقال:

رجل هلع وهلوع وهلواع وهلواعة: جزوع حريص اهـ. فلعل المصنف أراد يكتب قيل: الحرص فسبق القلم فكتب ما ذكر، والله أعلم.

6 -

(وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي قال: اليد العليا خير من اليد

ص: 509

السفلى) تقدم الكلام على هذه الجملة في الباب (وابدأ) في الإنفاق (بمن تعول) من زوجة أو أصل أو فرع أو مملوك، من عال أهله: إذ قام بما يحتاجون إليه من قوت أو كسوة، وهذه الجملة الطلبية رواها فقط الطبراني من حديث حكيم بن حزام، ورواه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بلفظ:«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» لأن حقهم واجب وغيرهم تطوّع والأول مقدم على الثاني (وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي أفضلها ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته، ولفظ الظهر مزيد في مثله إشباعاً للكلام، قاله الخطابي ونقله في «النهاية» وزاد قوله تمكيناً كأنه صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال، والمعنى: أفضلها ما أخرجه الإنسان من ماله بعد استبقائه منه قدر الكفاية. وقال البغوي: المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه، ونحوه قولهم: ركب متن السلامة والتنكير في غنى للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث، وقيل: خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة، وقيل: عن للسببية والظهر زائد: أي خير الصدقة ما كان سببه غنى المتصدق. قال القرطبي: يرد على تأويل الخطابي ما جاء في فضل الإيثار على النفس من الكتاب والسنة، ومنها حديث أبي ذرّ:«أفضل الصدقة جهد من مقل» والمختار أن معنى الحديث: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المصتدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في الحديث: حصول ما يدفع به الحاجة الضرورية كأكل عند جوع مشوّش لا صبر عليه، فالحاجة إلى ما يدفع به الأذى عن نفسه، لا يجوز الإيثار به بل يحرم، لأن الإيثار به يؤدي إلى هلاك النفس

والإضرار بها، أو إلى ما يستر له العورة، فمراعاة نفسه أولى، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار وكانت صدقته أفضل لأجل ما يتحمله من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض اهـ ملخصاً من «الفتح» (ومن يستعفف) أي عن مسألة الناس (يعفه ا) بضم التحتية وضم الفاء المشددة وهو مجزوم جواب الشرط وضمه إتباع لضمة هاء الضمير، قاله الدماميني عن الزركشي: أي يرزقه العفة عن ذلك (ومن يستغن) أي يظهر الغنى (يغنه ا) أي يصيره غنياً (هذا لفظ البخاري) في كتاب الزكاة من «صحيحه» (ولفظ مسلم) في كتاب الزكاة أيضاً من «صحيحه» (أخصر) ولفظه قال: «أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد

ص: 510

العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» وقد تقدم الكلام على الحديث من حديث أبي هريرة في باب الوصية بالنساء.

7 -

(وعن أبي عبد الرحمن بن أبي سفيان صخر) عطف بيان لأبي سفيان أو بدل منه بفتح المهملة وسكون المعجمة (ابن حرب) بفتح المهملة بلفظ السلم بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ الأموي، أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند يوم فتح مكة فلذا قال المصنف رضي الله عنهما وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامهما وكان أحد الكتاب لرسول الله، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وثلاثة وستون حديثاً، اتفق الشيخان على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة، روى عن عدد كثير من الصحابة ومناقبه كثيرة وفضائله شهيرة وقد أفردت بالتأليف، توفي بالشام يوم الخميس لثمان بقين من رجب، وقيل: لنصفه سنة ستين، وقيل: تسع وخمسين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ثمان وثمانين، وقيل: ست، ولما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه إياه، وأن يجعل مما يلي جسده، وكان عنده قلامة أظفار رسول الله، فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين (قال: قال رسول الله: لا تلحفوا) بضم الفوقية وكسر المهملة من الإلحاف الإلحاح: أي لا تلحوا (في المسألة) قال المصنف: كذا هو في بعض الأصول بالفاء، وفي بعضها بالباء الموحدة وكلاهما صحيح (فوا لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج) بالنصب في جواب النفي (له مسألته منى شيئاً) ونسبة الإخراج إليها مجاز لكونها السبب: أي يجد مني ماسأله بسبب إلحاحه وإشراف نفسه وحرصه على حصول مطلوبه (وأنا كاره) لدفعه ولكن دفعته له لنحو اتقاء فحشه (فيبارك) بالنصب عطف على المنصوب قبله: أي يكثر ويدوم (له فيما أعطيته) ومن قال الفقهاء: من أخذ شيئاً على أمر أظهره وهو غير متصف به باطناً يملك ذلك المأخوذ وتصرفه فيه باطل، ومن هنا غلبت الفاقة على كثير لاستشرافهم الأحوال وإخراجهم بالإلحاح في السؤال فلا يبارك لهم فيها بوجه (رواه مسلم)

في كتاب الزكاة من «صحيحه» .

ص: 511

8 -

(وعن أبي عبد الرحمن) وقيل: أبو عمرو، وبدأ به في «الأطراف» : وقيل: أبو عبد الله وقيل: أبو محمد وقيل: أبو حاتم (عوف) عطف بيان لما قبله أو بدل منه وهو بالمهملة آخره فاء بوزن فور (ابن مالك) بن أبي عوف (الأشجعي) الغطفاني رضي الله عنه أول مشاهده «الفتح» ، وكان حامل راية قومه، سكن دمشق وكان داره بها سنة ثلاث وسبعين، وأما قول الشيخ أبي إسحاق في «مهذبه» : إن عوف بن مالك رجع عليه بسيفه يوم خيبر فقتله فغلط صريح، إنما ذلك عامر بن الأكوع نبه عليه المصنف في «التهذيب» ، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثاً منها عند الشيخين ستة، انفرد البخاري بواحد منها ومسلم بباقيها، وخرّج له الأربعة، وروى عنه جبير بن نضير والشعبي وآخرون (قال: كنا جلوساً) جمع جالس خبر كان، ويحتمل أنها تامة، وجلوساً مصدر منصوب على الحال وأفرد لكونه مصدراً والأول أولى (عند رسول الله) يحتمل أن يكون لغواً متعلقاً بالفعل لا بالجلوس، لأن الفعل أقوى منه في ذلك، وأن يكون مستقراً خبراً بعد خبر، أو حالاً من اسم كان (تسعة) بتقديم الفوقية (أو ثمانية أو سبعة) شك من الراوي في عددهم (فقال: ألا تبايعون رسول الله) وقوله: (وكنا حديث عهد ببيعة) جملة في محل الحال من فاعل تبايعون، والبيعة أصلها من البيع لأنهم إذا بايعوا وعقدوا عهداً حلفوا لمن بايعهم جعلوا يديهم في يده توكيداً كما يفعل البائع والمشتري، كانت هذه البيعة ليلة العقبة قبل بيعة الهجرة وبيعة الجهاد والصبر عليه (فقلنا: قد بايعناك يا رسولالله، ثم قال) أي بعد قوله الأول، والإتيان بثم للفصل بين القولين بجوابهم وما معه (ألا تبايعون رسول الله) زاد أبو داود في روايته بعد قولهم قد بايعناك حتى قالها ثلاثاً (فبسطنا أيدينا) أي نشرناها للمبايعة (وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله) أولاً (فعلام نبايعك) أي فعلى أيّ شيىء نبايعك

ثانياً، وما هي الاستفهامية حذفت ألفها لدخول الجال عليها، ويجوز زيادة هاء السكت عوضاً عن الألف المحذوفة فيقال علامه؟ كما في رواية مسلم، قاله ابن رسلان، وبه يعلم أن حذف الهاء من نسخ الرياض من علام من تحريف الكتاب، لأن الذي فيه رواية مسلم (قال: أن تعبدوا ا) أي أبايعكم على عبادة الله (وحده) أي منفرداً وهو حال من الجلالة (ولا تشركوا به شيئاً) أي

ص: 512

من الشرك أو من المعبودات، فهو مفعول مطلق أو مفعول به كما تقدم (والصلوات الخمس) أي وتصلوا الصلوات كما صرح به أبو داود (وتسمعوا وتطيعوا) أي لوليّ الأمر، ومن أوجب الله طاعته في غير معصيته (وأسر كلمة خفية) إنما أسر هذه الكلمة دون ما قبلها لأن ما قبلها وصية عامة وهذه الجملة مختصة ببعضهم والمراد بالكلمة المعنى اللغوي وهي الجملة المبنية بقوله:(ولا تسألوا الناس شيئاً) قال القرطبي: هذا حمل منه على مكارم الأخلاق والترفع عن تحمل منن الخلق وتعظيم الصبر على مضض الحاجات والاستغناء عن الناس وعزّة النفس (فلقد رأيت بعض أولئك النفر) بالجرّ نعت أو عطف بيان لاسم الإشارة على الخلاف في أمثاله بين ابن الحاجب وابن مالك، وقال ابن رسلان: هو بدل منه (يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحد يناوله إياه) فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال، والمراد منه سؤال الناس أموالهم فحملوه على عمومه، وفيه التنزّه عن جميع ما يسمى سؤالاً وإن كان حقيراً. وروى الإمام أحمد عن أبي ذرّ لا تسألنّ أحداً شيئاً وإن سقط سوطك ولا تقبض أمانة (رواه مسلم) في الزكاة من «صحيحه» منفرداً به عن البخاري ورواه أبو داود فيها والنسائي في الصلاة وابن ماجه في الجهاد.

9 -

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ قال: لا تزال المسألة) أي طلب العطاء من السوي (بأحدكم) أي بالواحد منكم أي إن طبع الإنسان الاستكثار من الدنيا فلا يزال في الدنيا يسأل مالهم تكثراً (حتى يلقى ا) كناية عن الموت والحشر، ويؤيد الثاني أن بعض رواياته:«ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة» رواه مسلم (وليس في وجهه مزعة لحم) جملة حالية من فاعل يلقى (متفق عليه) رواه البخاري ومسلم في الزكاة من «صحيحهما» ، رواه النسائي في الزكاة أيضاً (المزعة بضم الميم وسكون الزاي وبالعين المهملة القطعة) قال المصنف قال القاضي: قيل معنى

ص: 513

الحديث: يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عندالله، وقيل: هو على ظاهره فيحشر وجهه لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حين سأل وطلب بوجهه كما جاءت الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالاً منهياً عنه وكثر منه كما أشرنا إليه كما يدل عليه رواية:«من يسأل الناس أموالهم تكثراً» الحديث.

10 -

(وعنه) يعني ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو على المنبر) جملة حالية أيضاً من فاعل وقوله: (وهو بذكر الصدقة والتعفف عن المسألة) جملة حالية أيضاً من فاعل قال، فتكون مترادفة أو من الجملة الحالية الأولى فتكون متداخلة، وقوله يذكر الصدقة: أي ما يذكر ما في فضلها أو فضل التعفف (اليد العليا خير من اليد السفلى) هذا مقول القول، ولما كان في ذلك نوع إجمال فلذا اختلف فيه على أقوال كما تقدم عن «الفتح» ، رفعه بقوله (واليد العليا هي المنفقة) بالنون والفاء والقاف وعند أبي داود في بعض طرقه بدلها المتعففة قال: وقال أكثرهم المنفقة (والسفلى هي السائلة) قال القرطبي: هذا أي حديث مسلم نصر يدفع تعسف من تعسف في تأويله، غير أنه وقع عند أبي داود إلى آخر ما تقدم، وقال المصنف: ورجح الخطابي رواية المتعففة بأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها. قال المصنف: والصحيح الرواية الأولى ويحتمل صحة الروايتين فالمنفقة أعلا من السائلة والمتعففة أعلا منها، والمراد بالعلوّ علوّ الفضل والمجد (متفق عليه) روياه في الزكاة من «صحيحهما» ، رواه أبو داود والنسائي فيها من «سننهما» .

11 -

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من سأل) كذا في الرياض بصيغة الماضي وفي أصل مصحح من مسلم بصيغة المضارع المجزوم بسكون مقدر للتخلص من التقاء الساكنين (الناس تكثراً) أي ليكثر ماله مما يجتمع عنده بسبب السؤال (فإنما يسأل جمراً) قال القاضي: أي يعاقب بالنار، قال: ويحتمل أن يكون على ظاهره فإن

ص: 514

الذي يأخذه يصير جمراً يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة (فليستقل أو فليستكثر) اللام فيه ساكنة للأمر والفاء فيه للتفريع وأو فيه للتخيير: أي فهو مخير إذا عرف مآل ذلك بين الاستكثار والاستقلال فيكثر عذابه أو يقلّ (رواه مسلم) في الزكاة، ورواه ابن ماجه فيها أيضاً.

12 -

(وعن سمرة) بضم الميم (ابن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال آخره موحدة تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب توقير العلماء (قال: قال رسول الله: إن المسألة) مفعلة من السؤال: أي سؤال الناس من دنياهم (كد) بفتح الكاف وتشديد الدال المهملة، قال في «النهاية» : هو الإتعاب، يقال: كدّ في عمله يكد: إذا استعجل، ونحوه ما في «المصباح» من أنه الشدة في العمل، وفي «المشارق» : هو الجهد في الطلب وسيأتي في الأصل أنه الخدش (يكد) بضم الكاف أي يتعب (بها الرجل) الباء فيه للسببية والرجل مثال فالمرأة مثله في ذلك (وجهه) قال في «النهاية» : أي ماؤه ورونقه، والحديث في «سنن أبي داود» بلفظ:«المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل» إلى آخر الحديث، وقد لمح إلى هذا المعنى من قال:

إذا أظمأتك أكف اللئام

كفتك القناعة شبعاً وريا

فكن رجلاً رجله في الثرى

وهامة همته في الثريا

قإن إراقاة ماء الحيا

ة دون إراقة ماء المحيا

(إلا أن يسأل الرجل سلطاناً) أي يطلب منه ما أوجب الله من زكاة أو خمس أو في بيت المال ونحوه (أو في أمر لا بد) بضم أوله وتشديد المهملة: لا فراق (منه) فلا يستطيع تركه فتحل له المسألة فيما دعت إليه الضرورة (رواه الترمذي) في الزكاة من «جامعه» (قال: حديث حسن صحيح) ورواه أبو داود كما ذكرناه والنسائي كلاهما من «سننهما» (والكدّ: الخدش ونحوه) لعله تفسير باللازم.

ص: 515

13 -

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أصابته فاقة) قال في «المصباح» : أي الحاجة (فأنزلها بالناس) طالباً رفعها عنه بإعانتهم راكناً في ذلك إليهم (لن تسد) بالبناء للمجهول للعلم بالفاعل (فاقته) أي بل يؤدي ذلك إلى غضب الله تعالى ودوام فاقته إذ أنزل حاجته إلى عاجز مثله وترك اللجأ إليه سبحانه وهو القادر على قضاء حوائج الخلق كلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء. قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك: ويحك تأتي من يغلق عنك بابه ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه، فالعبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على ذلك إلا الله سبحانه (ومن أنزلها) فالهمزة فيه وفيما قبله للتعدية، قال في «المصباح» : نزل نزولاً ويتعدى بالحرف وبالهمزة والتضعيف، يقال: نزلت به وأنزلته ونزلته: أي فمن جعل فاقته نازلة (با) أي مستعيناً به في رفعها (فيوشك) أي فهو يوشك بضم التحتية (اله بزرق عاجل) في رفع لأواه (وآجل) بالمد: أي لدع بلواه قال تعالى: {وإن يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} (الأنعام: 17)، وقال تعالى:{واسألوا الله من فضله} (النساء: 32) وفي الترمذي: «من لم يسأل الله يغضب عليه» (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) قال في «الجامع» : رواه من حديث ابن مسعود أحمد والحاكم في «مستدركه» .

(يوشك بكسر الشين) أي المعجمة وفتح أوله: (أي يسرع) .

14 -

(وعن ثوبان) بالمثلثة والموحدة آخره نون بوزن غضبان وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من تكفل) بفتح الفوقية وتشديد الفاء: أي ضمن، ورواه النسائي بلفظ:«من ضمن لي واحدة وله الجنة» (لي ألا يسأل الناس شيئاً) أي مما لا

ص: 516

ضرورة به إليه (وأتكفل) برفع اللام جملة حالية لضمير المجرور: أي من يضمن لي عدم السؤال حال كوني ملتزماً (له) على كرم الله عز وجل (بالجنة فقلت: أنا) عبارة السنن: «فقال: ثوبان: أنا» وزاد ابن ماجه فقال: «لا يسأل الناس شيئاً» (فكان لا يسأل أحد شيئاً) ظاهره نفي سؤاله لكل شيء، وعند ابن ماجه:«فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه» (رواه أبو داود) في كتاب الزكاة من سننه (بإسناد صحيح) ورجاله رجال «الصحيح» .g

15 -

(وعن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها مهملة (ابن المخارق) بضم الميم بعدها خاء معجمة ابن عبد الله بن شداد بن ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة العامري الهلالي البصري الصحابي رضي الله عنه قال المصنف: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وروي له عن النبي ستة أحاديث. روى مسلم أحدها وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» : سكن البصرة، خرج عنه مسلم وأبو داود والنسائي (قال: تحملت) في الإتيان به من باب التفعل إيماء إلى كلفة الأمر والدخول فيه (حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها) جملة أسأل في محل الحال من فاعل أتيت، وفي يحتمل كونها للظرفية المجازية ويحتمل كونها سببية نحو حديث:«عذبت امرأة في هرة» أي أسأله لسبب الحمالة (فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة) تعني الزكاة فأل فيه عهدية، والمعهود قوله تعالى:{إنما الصدقات} (التوبة: 60)(فنأمر) بالنصب ويجوز على بعد الرفع على الاستئناف (لك بها) أي بسمألتك (ثم قال) إرشاداً إلى أنه لا ينبغي السؤال إلا عن حاجة حافة أو لأمر مهم كما هنا (يا قبيصة إن المسألة) أي السؤال للصدقة المعهودة وهي الزكاة كما في «فتح الإله» (لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة) أي أن يسأل الإمام وأهل الزكاة في أوقاتها (حتى) إلى أن (يصيبها) أي حتى

ص: 517

يقضي دينه الذي تحمله لأجلها (ثم) بعد

قضائها (يمسك) عن المسألة إلا لضرورة أو حاجة أخرى (ورجل أصابته جائحة) بالجيم والحاء المهملة بينهما ألف فهمزة (اجتاحت) أي استأصلت (ماله) كزرعه وثمره (فحلت له المسألة) أي أن يسأل الناس في سد خلته (حتى يصيب قواماً من عيش) أي ما يقوم بحوائجه الضرورية. والحاجية وهو بيان للقوام (أو) شك في أي اللفظين المترادفين نطق به (قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة) أي فقر شديد اشتهر بين قومه (حتى يقول) بالنصب غاية لمقدر: أي وظهرت فلم تخف على قومه إلى أن يقول: (ثلاثة من ذوي الحجى) بكسر المهملة وبعدها جيم مقصورة: أي العقل الكامل (من قومه) لأن مثل هذا العدد الذي هو أقل الكثير مع اتصافهم بكمال العقل، وكونه من قومهم العارفين بحاله الظاهرة والباطنة والمطلعين منها على ما لا يطلع عليه أحد غيرهم منها يقبله ويصدقه كل أحد بلام القسم (لقد أصابت فلاناً فاقة) وما شرحنا عليه يقول باللام هو ما وقفت عليه من نسخ الرياض وهو كذلك، في رواية أبي داود، والذي في «صحيح مسلم» حتى يقوم بالميم بدل اللام، قال المصنف: وهو صحيح والمعنى: أي يقومون بهذا الأمر فيقولون: لقد أصابته الخ وقدره ابن حجر في «فتح الإله» حتى يقوم على رءوس الإشهاد ثلاثة من ذوي الحجي قائلين لقد أصابته الخ، قال: وبما تقرر في معنى يقوم أنه باق على ظاهره وأن «لقد أصابت الخ» مقول قول محذوف حال من فاعل يقوم محذوفة لدلالة مقولها عليها لعدم صلاحية تعلقه بيقوم، على أن حذف القول وإبقاء مقولة سائغ فصيح، وإن الباعث على هذا مزيد التحري لمزيد السؤال والكف عنه حتى يظهر فقره، واضطراره للناس بإخبار العدد الكثير الجامعين مع وصف الكثرة لوصف العقل، وكونهم من أقاربه المحيطين بحاله غالباً يعلم اندفاع قول الصغاني:«يقوم» وقع في كتاب مسلم والصواب يقول كما في رواية أبي داود وقول غيره يقوم بمعنى يقول وهو وإن صح إلا أن المراد المبالغة في الكف عن المسألة حتى يظهر صدقه وهو

غالباً إنما يظهر بثلاثة من قومه، فذكر لذلك مبالغة لا لتوقف الحل عليه (فحلت له المسألة) بسبب تلك القرائن الدالة على صدقه في سؤاله (حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش) وفي تعبيره بالحاجة

ص: 518

في الثاني والفاقة في الثالث حتى يشهد من ذكر غاية المبالغة في الكف عن المسألة إلا بعد الوصول لحالة الاحتياج الشديد، بل الاضطرار الملحق

بأكل الميتة وفي قوله: قواماً أو سداداً أنه بعد أن حلت له المسألة لا يكثر منها، بل يقتصر على ما يقتصر عليه المظطر من سد الرمق لا أن يحتاج إلى سد الرمق به في المستقبل بأن كان ذلك المحل يكثر فيه الناس زمناً ويقلون في آخر فله السؤال في أيام كثرتهم ما يقوم بحاجته أيام قلتهم (فما سواهن) أي هذه الأقسام الثلاثة (من المسألة) للزكاة أو وصدقة النفل (يا قبيصة سحت) أي حرام لا يحل فعله لأنه يسحت البركة أي يذهبها ويهلكها، وأصل السحت: الإهلاك، ثم هو مرفوع هكذا في نسخ الرياض فيما وقفت عليه، قال المصنف في شرح مسلم: فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً هكذا، هو في جميع النسخ سحتاً بالنصب، ورواه غير مسلم وهو واضح، ورواية مسلم في «صحيحه» وفيه إضمار: أي اعتقده سحتاً أو يؤكل سحتاً اهـ. ومنه يعلم أن إبدال الميم في يقوم باللام والنصب بالرفع إن لم يكن من سبق قلم المصنف سهواً من رواية مسلم إلى رواية غيره فهو من تحريف الكتاب وقوله: (يأكلها) صفة لسحت والتأنيث باعتبار كونه خبر ما، المراد منها الصدقة (صاحبها) حال كونها (سحتاً) أي حراماً خالصاً لا شبهة في أكلها ولا تأويل (رواه مسلم) في الزكاة في «صحيحه» ، ورواه أبو داود والنسائي في الزكاة من «سننهما» (الحمالة بفتح الحاء) المهملة وتخفيف الميم واللام بينهما ألف (أن يقع قتال ونحوه بين فريقين) أو يوجد قتيل بين قريتين أنكره أهل كل منهما وأدى الأمر إلى التقاتل (فبصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه)

دفعاً لتلك المفسدة والتعبير بالتفعل والافتعال لما تقدم في قوله تحملت. قال ابن حجر في «فتح الإله» : فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه لذلك وإن كان غنياً (والجائحة الآفة) بالمد (تصيب مال الإنسان) قال في «فتح الإله» : أصل وضع الجائحة مختص بالآفة السماوية والمراد في الحديث ما يشمل الأرضية أيضاً، لأن المراد فقره وحاجته، وفي «النهاية» : الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة وفتنة منفرة جائحة اهـ. وفي «المصباح» : الجائحة الآفة اهـ. وهما مطلقان كما قال المصنف: والذي أشار إليه ابن حجر

ص: 519

في «فتح الإله» هو قول الشافعي: الجائحة ما أذهبت الثمر بأمر سماوي اهـ. وحينئذ فلعل فيه لأهل اللغة قولين: الإطلاق والتقييد (والقوام بكسر القاف) واقتصر عليه المصنف في «شرح مسلم» وابن حجر في «فتح الإله» (وفتحها) وهما مع تخفيف الواو، واللغتان نقلهما في «المصباح» فقال: يقال هذا قوامه بالفتح والكسر وتقلب الواو ياء جوازاً مع الكسرة: أي عماده الذي يقوم به، ومنهم من يقتصر على الكسر. والقوام بالكسر ما يقيم الإنسان من القوت، والقوام بالفتح: العدل والاعتدال اهـ. فلعل من اقتصر على الكسر فسره بما يقيم من القوت، ومن ذكر الفتح معه فسره بقوله (وهو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه) ولا يضر في هذا الجمع كونه قال في «شرح مسلم» : القوام والحداد بكسر أولهما ما يغني من الشيء ويشد به الحاجة، فاقتصر على الكسر إما لأن مراده ما يغني ويسدّ من خصوص القوت، أو اقتصر عليه لأنه الأفصح (والسداد بكسر السين) المهملة (ما يسد حاجة المعوز) بضم فسكون فكسر، من أعوز الرجل: افتقر (ويكفيه) أي من مال ونحوه كما قدمه المصنف في قرينه الذي شك فيه الراوي هل هو أو ذاك، زاد في «شرح مسلم» : وكل شيء سددت به شيئاً فهو سداد بالكسر، ومنه سداد الثغر وسداد القارورة، وقولهم سداد من عوز (والفاقة) بالفاء والقاف بينهما ألف (الفقر) أي

الحاجة كما في «المصباح» ، يقال: افتاق الرجل: احتاج، وهو من ذو فاقة أي حاجة (والحجى) بالضبط السابق فيه (العقل) .

16 -

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين) أي الكامل المسكنة الممدوحها لا لنفي أصل المسكنة (الذي ترده اللقمة واللقمتان) زاد مسلم في رواية له: ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان (والتمرة والتمرتان ولكن) عطف على ما قبله، ولكن لاستدراك ثبوت ما توهم نفيه من سابقه، إذ المعهود في المسكين عند الناس هو الطواف، وقد نفي عنه المسكنة فربما يتوهم نفيه مطلقاً فرفع ذلك بقوله ولكن (المسكين الذي لا يجد غنىً) بكسر أوله المعجم وبالقصر: ضد الفقر

ص: 520