المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خاتمة المبحث الأول - الإجماع في الشريعة الإسلامية

[رشدي عليان]

الفصل: ‌خاتمة المبحث الأول

"ولسنا نقطع ببطلان مذهب من يتمسك به في حق العمل خاصة"1.

ويمكن تلخيص وجهة نظر القائلين بعدم الحجية بالآتي:

إن الإجماع المنقول بخبر الواحد لا يفيد العلم القاطع فلا يكون حجة. والقائلين بحجية يسلمون بعدم إفادته القطع بل الظن، ويقولون إن الظن يكفي في الأحكام الشرعية كالنصوص المنقولة بخبر الواحد فيكون حجة، ومنهم من يقول إن العمل بالظن الحاصل من الإجماع المنقول خارج عن أصالة حرمة العمل بالظن.

قال ابن قدامة: "ذهب قوم إلى أن الإجماع لا يثبت بخبر الواحد لأن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكاتب والسنة، وخبر الواحد لا يقطع به فكيف يثبت به المقطوع. وليس ذلك بصحيح فإن الظن متبع في الشرعيات والإجماع المنقول بطريق الآحاد يغلب على الظن فيكون ذلك دليلا كالنص المنقول بطريق الآحاد، وقولهم هو دليل قاطع، قلنا قول النبي _ عليه السلام _ أيضا دليل قاطع في حق من شافهه أو بلغه بالتواتر وإذا نقله الآحاد كان مظنونا وهو حجة فالإجماع كذلك بل هو أولى"2.

ص: 81

‌خاتمة المبحث الأول

تنشر بين حين وآخر بعض الآراء التي يدعى فيها أصحابها إن الإجماع لم يعد ممكنا وأنه قد فقد قيمته التشريعية بعد عصر الصحابة _ رضوان الله عليهم _ ويبنون آراءهم هذه على أمرين:

1_

تفرق أولى الرأي وأهل الحل والعقد في مشارق الأرض ومغاربها، وعدم إمكان معرفتهم، ومعرفة ما اتفقوا عليه من أحكام وفتاوى وأقضية.

2_

اختلاف منازعهم الفكرية والسياسية والشخصية فأنى يتفقون على رأي واحد في مسألة واحدة!!

وأرى أن دعوى تعذر الإجماع لانتشار أهله في البلدان ظاهرة الفساد للأتي: _

1_

أن التفرق المكاني والبعد الزماني لم يحل دون الإطلاع على عدم اختلافهم في مسائل كثيرة، ونقلها إلينا جيلا بعد جيل أدلّ دليل على وقوع الإجماع وعلى أنه لم يفقد قيمته التشريعية من ذلك: جمع القرآن وكتابته، وصحة عقود الاستصناع، وبيع المعاطاة، وبطلان زواج المسلمة بغير المسلم، وتحريم الجمع بين المحارم في النكاح، وقيام الإخوة والأخوات لأب مقام الأخوة الأشقاء عند عدمهم.. إلى غير ذلك.

1 نفسه.

2 روضة الناظر ص78.

ص: 81

قال الآمدي: "إن جميع ما ذكروه منتقض بما وجد من اتفاق جميع المسلمين فضلا عن اتفاق أهل الحل والعقد، مع خروج عددهم عن الحصر على وجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، ووجوب الزكاة والحج، وغير ذلك من الأحكام التي لم يكن طريق العلم بها الضرورة"1.

2_

إن كانت تلك الدعوى قد تكون مستساغة في العصور الغابرة فلا مجال لها في عصرنا والعصور التالية، لما حققه الإنسان من تقدم في مجال الاتصالات والمواصلات وأجهزة الإعلام. فبفضل المواصلات الحديثة أصبح من السهل جدا أن يعقد قادة الفكر في الأمة ممن بلغوا درجة الإجتهاد ((أهل الإجماع)) مؤتمرا عاما كلما دعت الحاجة وأن يتبادلو وجهات النظر فيما يجد من أحداث وما يطرأ من مشكلات وما اتفقوا عليه كان إجماعا واجب الإتباع من جميع أفراد الأمة. وبفضل أجهزة الإعلام المتنوعة والمتطورة يمكن الإطلاع على الفتاوى التي تصدرها دور الفتوى في كل قطر إسلامي وعلى آراء المجتهدين أينما كانوا، وما اتفقوا عليه كان إجماعا، وهكذا نضمن حلولا وتشريعات جديدة لكل جديد من المحن والتصرفات وتبقى الشريعة _ في ظل أحد مصادرها الإجماع _ حية يجد إنسان العصر فيها الحل المناسب لما يصادفه من وقائع ومشكلات.

وأما بالنسبة لدعوى تعذر الإجماع لاختلاف منازع أهله الفكرية والسياسية فهي كذلك ظاهرة الفساد للآتي:

إن أقصى ما يؤدي إليه اختلافهم هو الحد من الإجماعات ولا يؤدي ذلك إلى استحالة الاتفاق على بعض الأحكام والفتاوى والأقضية بدليل ما نقل إلينا من إجماعات لا زال العمل عليها عند جميع المذاهب الإسلامية حتى عصرنا هذا.

والله أسأل أن يلهمنا الصواب ويوفقنا لخدمة شريعتنا الغراء.

الدكتور رشدي عليان

كلية الدعوة وأصول الدين

الجامعة الإسلامية.

1 الإحكام ج1 ص102.

ص: 82