المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌شعر أبي ذؤيب

ديوان الهذليين

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

‌شعر أبي ذؤيب

قال أبو ذؤيب (1) -وقد هلك له خمسة بنين في عام واحد، أصابهم الطاعون. وفي رواية: وكان له سبعة بنين شربوا من لبن شربت منه حية ثم ماتت فيه، فهلكوا في يوم واحد-:

أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ؟

والدهرُ ليسَ بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ (2)

(1) قال ابن قتيبة: أبو ذؤيب الهذلي، هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل، أخو بني مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، جاهلي إسلامي، وكان رواية لساعدة بن جؤية الهذلي، وخرج مع عبد الله بن الزبير في مغزى نحو المغرب فمات. وذكر العيني بعد أن ما نسبه إلى هذيل، قال كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، ولا خلاف أنه جاهل إسلامي. زاد، وقيل: إنه مات بأرض الروم ودفن هناك. اهـ ويلاحظ أنه قد ورد في النسخة الشنقيطية النسب السابق لأبي ذؤيب منقولا عن ابن قتيبة؛ وقد راجعنا الشعر والشعراء لابن قتيبة فلم نجد فيه إلا ذكر أبي ذؤيب وأبيه دون بقية نسبه المذكور هنا.

(2)

قال الضبي: المنون الدهر، سمى منونا لأنه يذهب بالمنة بضم الميم وتشديد النون، أي القوة. وقيل: المنون هي المنية. وعلى التفسير الأول روى: "وريبه" بتذكير الضمير. وعلى الثاني روى "وريبها". و"معتب"، أي راجع عما تكره إلى ما تحب. ويلاحظ أن جميع ما كتبناه من النقول في شرح القصيدة إنما لخصناه من شرح ابن الأنباري على المفضليات في شرحه لهذه القصيدة.

ص: 1

قالت أُمَيْمَةُ: ما لِجسْمِكَ شاحِبًا

منذ ابتُذِلْتَ ومِثلُ مالِكَ ينفعُ (1)؟

أم ما لجَنْبِكَ لا يُلائم مَضْجَعا

إلَاّ أَقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ (2)

فأجَبْتُها أَنْ ما لِجسْمِىَ أنّه

أَوْدَى بَنِيَّ مِن البلادِ فوَدَّعوا (3)

أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبوني غُصّةً

بعد الرُّقادِ وعَبْرةً لا تُقْلِعُ (4)

سَبَقوا هَوَىَّ وأَعْنَقوا لهَواهُمُ

فتُخُرِّموا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (5)

فعَبَرْتُ بعدهمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ

وإخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ (6)

ولقد حَرِصْتُ بأن أدافع عنهُم

فإذا المنيّةُ أَقبلتْ لا تُدفَعُ

(1) شاحبا، أي متغيرا مهزولا. وروى "سائيا"، أي يسوء من رآه. "وابتذلت" بالبناء للفاعل، أي امتهنت نفسك في الأعمال لموت من كان يكفيك أمر ضيعتك من بنيك. ويقرأ بالبناء المجهول أيضًا. وقد ضبط في شرح ابن الإنباري بكلا الوجهين. "ومثل مالك ينفع"، أي مثل مالك كثير يكفي صاحبه الذلة والامتهان، فتشترى من العبيد من يكفيك أمر ضيعتك ويقوم عليها.

(2)

"أقضّ عليك"، أي صار تحت جنبك مثل القضض، أي الحصى. يقول: كأن تحت جنبك حصى يقلقك ويمنعك النوم. ويروى: "أم ما لجسمك".

(3)

يروى: "بجسمي" وهي رواية جيدة. ويروى: "أنني". يقول: إنه أجابها بأن الذي أنحل جسمه وأهزله هلاك بنيه.

(4)

روى "وأودعوني حسرة" وهي واردة في الأصل أيضًا. ويشير بقوله: "بعد الرقاد" إلى أن حزنه يمنعه النوم حين ينام الناس.

(5)

"هوى"، أي هواى، وهي رواية واردة في الأصل أيضًا، وهذه لغة هذيل في كل اسم مقصور مضاف إلى ياء المتكلم، فيقولون: فتى وعصى، أي فتاى وعصاى. "وأعنقوا": أسرعوا، ويروى:"وأعنقوا لسبيلهم * ففقدتهم"، فتخرّموا"، أي أخذوا واحدا واحدا.

(6)

غبرت: بقيت. وناصب، أي ذي نصب بالتحريك، وهو الجهد والتعب. ومستتبع: مستلحق، استتبع فلان فلانا، أي ذهب به، يقول: أنا مذهوب بي وصائر إلى ما صاروا إليه.

ص: 2

وإذا المَنِيّةُ أَنشبت أظفارَها

أَلْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تَنفَعُ

فالعينُ بَعْدَهُمُ كأنّ حِداقَها

سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهيَ عُورٌ تَدْمَعُ (1)

حتّى كأنّي للحوادثِ مَرْوَةٌ

بصَفَا المُشَّرقِ كلَّ يومٍ تُقْرَعُ (2)

لا بدّ من تَلَفٍ مقيمٍ فانتظِرْ

أبأرْضِ قَومِكَ أم بأخرى المَصَرع (3)

ولقد أَرَى أنّ البكاءَ سفاهةٌ

ولسوف يُولَعُ بالبُكا من يُفْجَعُ

وليأتين عيك يومٌ مرةً

يُبْكَى عليك مقنَّعا لا تسمعُ (4)

وتَجَلُّدِي للشامِتين أُرِيهِمُ

أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ

والنفسُ راغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها

فإِذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ

كم من جميعِ الشَّمْلِ ملتئِم الهوى

باتوا بعَيْشٍ ناعمٍ فتَصَدَّعوا (5)

(1) الحداق: جمع حدقة بالتحريك، وهي واحدة، وإنما جمعها باعتبارها وما حولها. وروى في الأصل أيضًا "جفونها". وسملت، أي فقئت: وعور: جمع عوراء من العوّار بضم أوّله وتشديد ثانيه، وهو ما يصيب العين من رمد أو قذى، وكذلك العائر.

(2)

المروة: حجر أبيض براق تقتدح منه النار. ويقال لمن كثرت مصائبه: قرعت مروته. والمشرّق: مسجد الخيف بمنى، وإنما خصه لكثرة مرور الناس به، فهم يقرعون حجارته بمرورهم. وروى أبو عبيدة "المشقر" بتقديم القاف، وهو سوق بالطائف.

(3)

روى هذا البيت في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته التي أوّلها:

"صرمت زنيبة حبل من لا يقطع". وروايته فيه:

لا بد من تلف مصيب فانتظر

أبأرض قومك أم بأخرى تصرع

(4)

روى هذا البيت أيضًا في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته المشار إليها في الحاشية السابقة.

"ومقنعا"، أي ملففا بأكفانك.

(5)

ورد هذا البيت والذي يليه في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ضمن الملحق المشتمل على الأبيات المنحولة له والتي لم توجد في ديوانه.

ص: 3

فلئن بهم فَجَعَ الزّمانُ ورَيْبُه

إنّي بأهل مودتي لمَفَجَّعُ

والدهرُ لا يَبْقَى على حَدَثاَنِه

في رأسِ شاهِقَةٍ أَعزُّ مُمنَّعُ

والدهرُ لا يَبقَى على حَدَثانِه

جَوْنُ السَّراةِ له جَدائدُ أربَعُ

يريد حمار الوحش. والجَوْن: الأسوَد. والسَّراة: أعلى الظهر. والجَدائد: أتُنُه. والجَداء (1): لا أُذُن لها.

صَخِبُ الشَّوارِبِ لا يَزالُ كأنّه

عَبْدٌ لآلِ "أبي رَبيعةَ" مُسْبَعُ (2)

الصَّخِب: الصَّبَّاح. يريد تحريك شواربه بالنَّهيق.

أَكَلَ الجَميمَ وطاوَعَتْه سَمْحَجٌ

مِثلُ القَناةِ وأَزْعَلَتَهْ (3) الأَمْرُعُ

الجَميم: حشيش يكون أوله (4) بارضا ثم يصير جَميما. والسَّمْحَج: الأتان الطويلة الظهر. وأَزْعَلَتْه: أَنشطَتْه. وعن أبي عبيدة قال: الأَمْرُع: الِخصب، يقال: مكان مَريع، أي مُخِصب، وكأنّ واحد الأمرُع مَرْعٌ أو مَرَع. وقال الجوهريّ

(1) يلاحظ أنه كان الأنسب أن يفسر هنا الجدود بفتح الجيم، إذ هو واحد الجدائد -كما صنع ابن الأنباري وغيره- لا الجدّاء. والجدود من الأتن: التي خف لبنها. وإنما اعتبر الشاعر في حدثان الدهر بحمار الوحش، لما ذكروا من أنه يعمر مائتي سنة وأكثر من ذلك.

(2)

الشوارب: مخارج الصوت في الحلق. وأبو ربيعة، هو ابن ذهل بن شيبان. وقال أبو عبيدة: هو ابن المغيرة بن عبد الله المخزومي. وخصهم لأنهم كثيرو الأموال والعبيد. والمسبع: الذي أهمل مع السباع فصار كأنه سبع لخبثه، أو هو الذي قد وقع السبع في غنمه فهو يصيح.

(3)

روى في الأصل أيضًا: "وأسعلته" وهي بمعنى "أزعلته" أي أنشطته.

(4)

البارض من الحشيش: أول ما يظهر من النبات على وجه الأرض؛ فإذا نهض وانتشر فهو جميم.

ص: 4

في صحاحه: "المرَيع: الخصيب، والجمع أمرُع (1) وأمراع، مثل يمين وأيْمُن وأَيْمان قال أبو ذؤيب: أَكَلَ الجَميمَ" الخ.

بقَرارِ قِيعانٍ (2) سَقاها وابِلٌ

واهٍ فأَثْجَمَ بُرْهَةً يُقْلِعُ

فَلبِثْنَ (3) حِينًا يَعْتَلِجنَ برَوْضَةٍ

فيَجِدُّ حِينًا في العِلاجِ ويَشْمَعُ

يَشْمَع. يلعب. وامرأة شَمُوع: لَعوب ضحوك مزّاحة.

حتى إذا جزَرَتْ مياهُ رُزُونِه

وبأيِّ حين مِلاوَةٍ تتقطّعُ

جَزَرَتْ. نَقَصَتْ. ورُزُونُه: أماكن مرتفعة. وحَزّ (4) مِلاوةٍ، أي حين دهر.

ذَكر الورودُ بها وشاقَى (5) أمْرَه

شؤمٌ وأقبل حَيْنُه يتتبّعُ

فافتنهنّ (6) من السَّواء، وماؤه

بَثْرٌ وعانده طريقٌ مَهْيَعُ

(1) قال ابن بري: لا يصح أن يجمع مريع على أمرع؛ لأن فعيلا لا يجمع على أفعل إلا إذا كان مؤنثا نحو يمين وأيمن.

(2)

القيعان: مناقع الماء في حر الطين، الواحد قاع. وقال ابن الأنباري: القاع القطعة من الأرض الصلبة الطيبة الطين. وروى: "صيّف" مكان قوله: "وابل". والصيّف: مطر الصيف. وروى في الأصل أيضًا "صيّب". "وواه"، كأنه منشق متخرق من شدّة انصبابه. وروى في الأصل أيضًا "غدق". "وأثجم": أسرع بالمطر.

(3)

"فلبثن"، أي الأتن. ويعتلجن: يتضاربن ويعضّ بعضهن بعضا. ويشير بهذا البيت إلى نشاطهن وشدّة فرحهن بما يرعينه من خصب.

(4)

"حزّ ملاوة": رواية الأصمعي. ويلاحظ أنه فسره ما لم يذكر في البيت هنا وإن كان كلاهما بمعنى واحد. وهو في هذا الشطر يتعجب من شدّة الحرّ وانقطاع الماء حين لا صبر للحمير عنها.

(5)

شاقى أمره مشاقاة: مفاعلة من الشقاء. وروى في الأصل أيضا: "وأجمع أمره" كما روى "شؤما" بالنصب. والحين بفتح الخاء: الهلاك، روى بالنصب أيضًا على أنه مفعول "يتتبع"، أي أقبل الحمار يتتبع أسباب هلاكه.

(6)

في رواية: "فاحتطهن". وفي أخرى واردة في الأصل أيضا "فاحتثهنّ".

ص: 5

افتَنّهنّ: طردهنّ فنونا من الطرد. السَّواء: المرتفع. بَثْر: كثير. وعانَدَه: عارَضَه. والمَهْيَع: الواسع.

فكأنَّها "بالجِزْعِ"(1) بينُ "يُنابعٍ"

"وأُولات ذي العَرجاء" نَهْبٌ مُجْمَعُ

وكأنهنّ رِبابَةٌ وكأنّه

يَسَرٌ يفيضُ (2) على القِداحِ ويَصْدَعُ

الرِّبابة: خرقة (3) تغطَّى بها القِداح. ويقال: الرِّبابة هنا هي القداح (4). واليَسَر: الّذى يضرب بها، وهو المفيض. ويَصْدَع: يُفرِّق ويصيح.

وكأنّما هو مِدْوَسٌ متقلِّبٌ

في الكَفّ إلا أنه هو أضْلَعُ (5)

المدْوَس: مِسَنّ الصَّيْقَل. وأَضْلعَ: أغلظ.

فوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابي

الضُّرَباءَ فَوقَ النَّظْمِ (6) لا يَتَتَلَّعُ

(1) الجزع بكسر الجيم: منعطف الوادي. وقال أبو عبيد: اللائق به فتح الجيم. وينابع -ويقال نبايع-: واد في بلاد هذيل. وروى في الأصل أيضًا "فكأنها بالجزع جزع نبايع". وذو العرجاء: أكمة أو هضبة. وأولاتها: قطع حولها من الأرض، كما فسره ابن الأنباري. شبه الناس المطرودة في هذه المواضع بإبل انتهبت وضم بعضها إلى بعض.

(2)

يفيض على القداح، أي يدفعها ويضرب بها. ونابت "على" هنا مناب الباء؛ وحروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض. شبه الحمار في جمع الأتن وتفريقها في كل ناحية وهو يصيح، بصاحب قداح الميسر يجمعها في خرقة، ثم يفرّقها على أصحابها ويصيح قائلا: هذا قدح فلان، وفاز قدح فلان.

(3)

سميت ربابة من قولهم: "فلان يرب أمره"، أي يجمعه ويصلحه .. نقله ابن الأنباري عن الأصمعي.

(4)

في رأينا أن هذا التفسير الثاني للربابة أجود في هذا البيت.

(5)

شبّه الحمار في اجتماعه وصلابته بالمسنّ الذي تصقل به السيوف، ثم ذكر أن الحمار أغلظ منه وأشدّ.

(6)

فوق النظم، أي نظم الجوزاء. ويروى:"فوق النجم"، أي نجم الثريا.

وفي اللسان (مادة عوق): "خلف النجم". يقول: إن هذه الحمر قد وردن الماء في آخر الليل حين طلوع كوكب العيوق فوق الجوزاء كأنه رابئ الضرباء -وهو الرجل الذي ينظر من يضربون بالقداح- وهذا الوقت تميل فيه الثريا للغروب والعيوق خلفها قريبا قرب هذا الرقيب.

ص: 6

وَرَدْن: يعني الحُمُرَ. والعَيُّوق: نجم يطلع بحيال الثريّا، وهي (1) تطلع قبل الجوزاء. فشبّه مكان هذا العَيّوق من الجوزاء بمقعد رابئ الضُّرَباء. والضُّرَباء: الذين يضربون القِداح. والرابئ: الرجل الذي يَربَأ، أي ينظر إلى ضاربي القداح. ويتتلّع: يتقدّم.

فَشَرَعْنَ في حَجَراتِ عَذْبٍ بارِدٍ

حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيه الأكْرُعُ (2)

يعني الحُمُرَ، أي وردن ماء. و"حَصِب البِطاح"، أي ذات حصباء.

والبِطاح: بطون الأودية. والحَجَرات: النواحي. والأ كْرُعُ: الأوظفة (3).

فَشَرِبِنَ ثم سَمِعْنَ حِسًّا دونه

شَرَفُ الحِجابِ، وَرَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ (4)

"فشربن"، يعني الحُمُر. ثم سمعن حسًّا دون ذلك الحسّ شرف الحجاب، يريد حجاب الصائد؛ لأنه يستتر بشيء. و "ريْبَ قَرْعٍ"؛ أي سمعن رَيْبَ قَرْعِ الوَتَر.

ونميمةً (5) من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ

في كفِّه جَشءُ أجَشُّ وأقطُعُ

(1) صوابه: "وهو يطلع"، أي العيوق، لا الثريا كما تفيده عبارته. انظر اللسان مادة عوق وشرح ابن الأنباري على المفضليات.

(2)

يقول: إن الحمر قد دخلت في ماء عذب بارد

بطلحه ذات حصباء؛ وإذا كان الماء على حصباء كان أعذب له وأصفى. ويشير بقوله: "تغيب فيه الأكرع" إلى كثرته وعمقه.

(3)

الأوظفة: جمع وظيف، وهو مستدق الساق؛ أو هو ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق.

(4)

ريب قرع، أي قرع الوتر الذي يجعل الحمر في ريب، أي في شك من وجود القانص.

(5)

في رواية "وهما هما"، أي أصواتا خفية جمع همهمة. ولكن الأصمعي رد هذه الرواية وقال: القانص أشدّ حذرا من أن يهمهم. يشير بهذا البيت إلى ما سمعنه من صوت الوتر الذي ينم عليه، ثم وصف القانص بأنه قد تحزم استعدادا للصيد وأمسك بكفه قوسا ونصالا.

ص: 7

النميمة: صوت الوتَر لأنه نمّ عليه. ملبِّب: متحزِّم. والجَشْء: قضيب خفيف. أجَشّ: غليظ الصوت، يعني القوس. وأقْطُع: جمع قِطْع، وهو نَصْل عريض قصير.

فنَكِرنه فنَفَرْنَ وامترَسَتْ به

سَطْعَاءُ (1) هادِيَةٌ وهادٍ جُرْشُعُ

يعني الحميرَ نكِرن الصائد. فامترَسَتْ هَوْجاء (2)، يعني الأتانَ امتَرَستْ بالفحل: جعلت تُكادّه وتسير معه. والهَوْجاء (2): التي ترفع رأسها لتتقدّمه. وهادٍ، يعني الفحلَ.

وجُرْشُع: منتفِخ الجنين؛ وأراد أنه امتَرَس هو بها أيضًا.

فرَىَ فأَنْفَذَ مِن نَجودٍ (3) عائطٍ

سَهْما فَخرَّ وريشُه مُتَصَمِّعُ

يعني رمي الصائد. والنَّجود: الأتان الطويلة؛ وقال غيره (4): المتقدّمة الجريئة.

والعائط: التي اعتاطت (5) رحمُها فلم تحمل "فخرّ": يعني السهمَ. "ورِيشُه متصمِّع" يعني منضمّ كالأذن الصَّمْعاء، وهي اللطيفة الصغيرة. وبقرات متصمِّعات: منضمّات من العطش.

(1) السطعاء: الطويلة العنق. والهادية: المتقدّمة. يقول: إن الحمر نكرن الصائد ونفرن منه وتلازم الأتان والحمار والتصق كل منهما بصاحبه فزعا ورعبا.

(2)

"هوجاء": رواية أخرى في البيت. وكان الأنسب أن يفسر السطعاء أيضًا، إذ هي المثبتة هنا.

(3)

في رواية: "نحوص" مكان قوله: "نجود". والنحوص من الأتن: الحائل التي لم تحمل.

يقول: إن الصائد رمى بسهمه فأنفذه في أتان طويلة، فخرّ السهم وريشه منضم بعضه إلى بعض من الدم.

(4)

يلاحظ أنه لم يذكر مرجع الضمير في قوله: "غيره". وعبارة السكري: "وقال غير الأصمعي".

(5)

اعتاطت رحمها، أي اعتاصت.

ص: 8

فبَدَا له أَقْرابُ هذا رائغا

عَجِلًا فعيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ (1)

فبدا للصائد. أقراب هذا، أي خواصر هذا الحمار وهو رائغ. فعيَّثَ،

أي أمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما، ومنه: عاث الذئب في [الغنم](2): إذا مدّ يده وأهوى إليها؛ وهذا أصله "عاث في الأرض"، أي أفسد.

فرَمَى فأَلحْقَ صاعدِيًّا مِطْحَرًا

بالكَشْحِ فاشتملَتْ عليه الأضْلُعُ

صاعديًّا: يعني سهما منسوبا (3). والمِطْحَر: السهم البعيد الذهاب، ويروى:

"مُطْحَرا"؛ وهو الّذي أُلزِقَتْ قُدَذُه. والقُذّة: الريش. أُطحِرَتْ خِتانَتُه أي أُخِذتْ جدّا. فاشتملت الأضلع على السهم، أي لبستْه.

فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنّ فهارِبٌ

بذمائه أو بارِكٌ متجَعْجِعُ (4)

(1) يقول: إن الصائد بعد أن رمى الأتان ظهرت له خواصر هذا الحمار حائدا عنه، فأمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما آخر يرميه به. وهذا هو معنى التعبيث والإرجاع في البيت .. يقال:"أرجع يده إلى كنانته ليأخذ سهما"، أي أهوى بها إليها. وفي رواية:"رائغا * عنه".

(2)

لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ وأداة الجرّ قبل تقتضي إثباتها أخذا من كتب اللغة.

(3)

منسوبا، أي إلى (صعدة) على غير قياس، وهي قرية باليمن، كما ذكره ابن الأنباري. وفي اللسان مادة "صعد" أن الصاعدي نسبة على غير قياس إلى بنات صعدة، وهي حمير الوحش؛ واستشهد بهذا البيت. وقال الأصمعي: إنه لا يدرى إلى من نسبه.

(4)

روى أيضًا في الأصل: "فظالع"؛ والظالع: الذي في مشيته ما يشبه العرج.

وروى: "بدمائه" بالدال المهملة. وروى "أو ساقط". يقول: إنه قد فرّق أسهمه في الحمر فأعطى كل واحد نصيبه من الموت، فمنها ما هرب ببقية نفسه، ومنها ما صرع ولصق بالأرض.

ص: 9

فأَبَدَّهُنّ (1)، أي الصائد أعطى كلّ واحدة منهنّ حَتْفَها، أي رمى كلّ واحدة بسهم.

وقوله: "بذَمائه"، ببقيّةٍ من نَفْسه. "متجَعْجِع": لاصق بالأرض قد صُرع.

يَعْثُرنَ في حَدِّ الظُّباتِ كأنّما

كُسِيَتْ بُرودَ "بَني يزيدَ" الأَذْرُعُ (2)

شبّه طرائق الدم في أذرعهنّ بطرائق تلك البرود؛ لأنّ تلك البرُود تضرب إلى الحمرة. والظُّبة: طَرَف النَّصْل. يقول: "يعثرن في حدّ الظُّبات (3) " والظُّبات: جمع ظُبَة.

والدّهُر لا يَبْقَى على حَدَثانهِ

شَبَبٌ أفَزَّته الكِلابُ مُرَوَّعُ (4)

الشَّبَب: الثور المسن (5). أفزّته: استخفّتْه (6) وطردتْه.

شَعَفَ الكِلابُ الضارِيات فؤادَه

فإذا يَرىَ الصُّبحَ المصدَّقَ يفْزعُ (7)

(1) أخذ هذا اللفظ من البدّة بضم الباء وتشديد الدال، وهي النصيب؛ يقال:"أبدّ بينهم العطاء وأبدّهم إياه": إذا أعطى كل واحد منهم بدّته، أي نصيبه على حدة ولم يجمع بين اثنين.

(2)

روى الأصمعي "يعثرن في علق النجيع" الخ. والعلق: قطع الدم. والنجيع: الطري منه.

وفي رواية: "بني تزيد" بالتاء، وهو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، تنسب إليهم البرود التزيدية. وروى أبو عبيدة:"برود أبي يزيد". قال: وكان تاجرا يبيع العصب بمكة.

(3)

يلاحظ أنه لم يذكر معنى البيت كما كان يقتضيه قوله: "يقول" وإنما أتى بنص العبارة الأولى منه؛ فلعل في الكلام نقصا.

(4)

في رواية: "مفزع" مكان قوله: "مروع". وقد بدأ الشاعر يصف حال ثور الوحش ومصير أمره مع كلاب الصيد وصاحبها، كما وصف حمر الوحش ومصير أمرها مع القانص.

(5)

وكذلك الشبوب والمشب بكسر الميم مع فتح الشين، وضم الميم مع كسر الشين.

(6)

عبارة القاموس وغيره: "أفززته": أزعجته؛ وهو أنسب بقوله بعد: "مروّع"؛ وقد استشهد شارحه ببيت أبي ذؤيب هذا. وفي رواية: "أفزته" بالراء المهملة مكان الزاي المعجمة ومؤدّى اللفظين واحد.

(7)

في رواية: "شعف الضراء الداجنات". والضراء من الكلاب: التي عوّدت الصيد، واحده ضرو بكسر الضاد. والداجنات: الأوالف المربَّيات للصيد.

ص: 10

يقول: الكلاب أذهبن فؤاد الثور. والضاريات: المتعوّدات. والصبح المصدَّق: المضيء، يقال: صبحٌ صادق وصبحٌ كاذب. وإنما يفزع عند الصبح لأن الصائد يباكره.

ويَعُوذُ بالأَرْطَى (1) إذا ما شَفَّهُ

قَطْرٌ وراحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ

يقول: يعوذ بالأرْطَى ليمتنع. شفّه: جِهَده. وراحَتْه: أصابته ريح. بَلِيل: شمال باردة تنضح الماء. وزَعزَع: ريح شديدة تحرّك كل شيء.

يَرْمي بعَيْنيَه الغُيوبَ وطَرْفُه

مُغْضٍ، يُصَدِّق طَرْفُه (2) ما يَسْمَعُ

الغُيوب: الواحد غَيْب، وهو الموضع الذي لا يُرى ما وراءه. فالثور يرمي بطرقه المواضعَ التي لا يُرى ما وراءها يخاف أن يأتيه منها ما يكره. يقول: هو ينظر ثم يُطرِق وله بين ظَهْرَيْ (3) ذلك النظر إغضاء. "يصدِّق طرفُه": يقول: إذا سمع شيئًا رمى ببصره فكان ذلك تصديقا لما سمع؛ لأنه لا يغفل عن النظر حين يتسمّع.

فغدَا يشرِّق مَتْنَه فبدا له

أُولىَ سَوابقِها قريبًا تُوزَعُ

(1) في رواية "ويلوذ"؛ ويلوذ ويعوذ كلاهما بمعنى واحد. وفي رواية "ورائحة بليل".

والأرطى: واحده أرطاة، وهو شجر ينبت بالرمل، ينبت عصيا من أصل واحد، ويطول قدر قامة، وله نوار مثل نوار الخلاف، ورائحته طيبة، والبقر تعتاده وتلجأ إليه من المطر والريح الشديدة.

(2)

ذكروا في تعليل أن نظر الثور يصدّق سمعه أن سمع الوحشية أقوى من بصرها. وروى أبو جعفر أحمد بن عبيد "طرفه" بالنصب، وجعل "ما" فاعلا لقوله:"يصدّق".

(3)

بين ظهري ذلك النظر، أي في وسطه؛ وكل ما كان في وسط شيء فهو بين ظهريه وظهرانيه.

وعبارة السكريّ: "بين ذلك النظر".

ص: 11

فغدا الثور يشرِّق متنَه للشمس ليجفَّ ما عليه من الندى، فظهر له أُولى سوابقِ الكلاب قريبا تُوزَع. قال الأصمعي:"تُوزَع": تُكَفّ (1) ليجتمع بعضُها إلى بعض. وقال غيره: تُغرَى.

فاهتاجَ مِن فَزَعٍ وسَدَّ فُروجَه

غُبْرٌ ضَوارٍ: وافِيانِ وأَجْدَعُ (2)

ويروَى: "فانصاع (3) من فَزَعٍ". "وسَدَّ فُروجَه"، بالعَدو.

والفُروج: ما بين القوائم. والغُبْر: الكلاب تَضرب إلى الغُبْرة. ضَوارٍ: قد ضَرِيَتْ وتعوّدتْ. وافيان: لم تُقْطعَ آذانُهما. وأَجْدَع: قد قُطِعت أذنه، وهي علامةُ تُعلَّم بها الكلاب.

يَنْهشنَه ويَذُبُّهُنّ ويَحْتَمِي

عَبْلُ الشَّوَى بالطُّرَّتَيْنِ مُوَلَّعُ (4)

(1) تكفّ، أي تكفّ عن التقدم ويردّ ما سبق منها إلى ما تخلف عنها؛ وإنما يريد الصائد جمع كلابه بعضها إلى بعض، لأنها إذا لقيت الثور فرادى لم تقو وقتلها واحدا بعد واحد، وإذا اجتمعت أعان بعضها بعضا.

(2)

في رواية "فارتاع". وفروج الثور: ما بين قوائمه. يقول: إنه حين رأى الكلاب قادمة نحوه ملأ ما بين قوائمه بالعدو الشديد الذي لم يدع انفراجا بينها لسرعة حركتها؛ فأسند الفعل إلى الغبر -وهي الكلاب التي تضرب إلى الغبرة- لأنها هي التي أفزعته وحملته على العدو. ويجوز أن يفسر قوله: "وسدّ فروجه غبر" بأن الكلاب دخلت بين قوائمه وأتته من جميع وجوهه، فلم تدع له وجها ينفذ منه. وفي رواية:"غبس" مكان قوله: "غبر""وهي رواية في الأصل أيضا، وهي الكلاب تضرب غبرتها إلى السواد. وروى: "غضف" والغضف من الكلاب: التي طالت آذانها واسترخت وتكسرت خلقة، الواحد أغضف.

(3)

فانصاع أي ذهب في ناحية.

(4)

في رواية: "ينهسنه" بالسين. قال الأصمعي في الفرق بين النهش والنهس: إن النهش هو تناول اللحم أو الشيء من غير تمكن شبيها بالاختلاس. والنهس: أن يأخذ الشيء، متمكنا بمقدم الأسنان؛ نقله ابن الأنباري، وفي رواية:"ويذودهن". يقول: إن الكلاب ينهشن الثور وهو يدفعهن عنه ويحتمى منهنّ؛ ثم وصفه بأنه غليظ القوائم في طرتيه ألوان مختلفة.

ص: 12

يعنى الكلاب ينهشن الثور. ويَذودُهُنّ: يردّهن. ويحتمى: يَمتنع. عَبْلُ الشَّوَي (1)، أي غليظ القوائم. والطّرّتان: خَطّانِ يفصلان (2) بين الجنب والبطن. مُوَلَّع: فيه ألوان مختلفة.

فنَحا لها بمُذلَّقَيْن كأنما

بهما من النَّضْحِ المُجَدَّحِ أيْدعُ (3)

فنحا الثور للكلاب ليطعنها. نحا: تحرَّف، والتحرُّف في الرمي والطعن أشدّ من غيرة. "بمذَلَّقَين": بقرنين محدَّدَين أملسين (4). يقول: كأنما القرنان (5) من لطخ الدم أَيْدَع. والأَيدَع: دم الأخوَين (6)، ويقال: الأَيدع: الزعفران. أى (7) يحرِّك قرنه في أجوافها فكأنه يُجدِّح (8) كما يجدَّح السَّويقُ.

(1) واحد الشوى شواة.

(2)

في (اللسان) أن الطرتين مخطّ الجنبين. وقال الجوهرى: الطرّتان من الحمار: خطّان أسودان علي كنفيه؛ وقد جعلهما أبو ذؤيب للثور الوحشي أيضا، واستشهد بهذا البيت.

(3)

في رواية: "فحبالها"، أي إن الثور تقاصر ليطعن الكلاب؛ ومعنى البيت على رواية الأصل أنه تحرف ليطعنها بقرنيه المحدّدين، وشبه الدم الذي على قرنيه منها بالأيدع، وهو دم الأخوين. ويريد بالنضح المجدّح: الدم الذي حركه الثور بقرنه في أجواف الكلاب. وفي رواية: "من النضخ" بالخاء المعجمة. وذكر الأصمعى في الفرق بين النضخ والنضح، أن النضخ بالمعجمة لما ثخن من الدم وأنواع الطيب؛ والنضح بالمهملة لما رق؛ وقيل غير ذلك في الفرق بينهما.

(4)

يلاحظ أن قوله: "أملسين" ليس من تتمة معنى "مذلقين" إذ التذليق في السنان ونحوه: التحديد لا غير، كما في كتب اللغة.

(5)

صواب العبارة: "كأنما بالقرنين من لطخ الدم أيدع"، إذ التشبيه بالأيدع إنما هو للدم لا للقرنين كما يفيده ظاهر عبارته. أو لعل في الكلام نقصا، وصوابه:"كأنما القرنان من نطخ الدم [صبغا] بأيدع"؛ وإذن يستقيم الكلام.

(6)

قال أبو حنيفة: الأيدع صمغ أحمر يؤتي به من سقطرى.

(7)

هذا تفسير لكلمة المجدّح الواردة في البيت.

(8)

قد سبق الكلام على معني "يجدّح" أثناء الكلام في معني البيت في الحاشية رقم 3 من هذه الصفحة.

ص: 13

فكأنّ سَفُّودَينِ لمّا يُقْتَرَا

عِجلَا له بشِواءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ (1)

سَفُّودَين: شبّه القرنين وقد نفَذا من جنب الكلب بسَفُّودَين. أراد: فكأنّ سفّودين عَجِلا للكلب. "لمّا يُقتَرا بشِواءِ شَرْبٍ"، أي لم يُشْوَ بهما ولم يكن لهما قُتار (2) بل جديدان (3).

فصرَعْنَه تحت الغُبارِ وجَنْبُه

مُتَتَرِّبٌ، ولكلّ جَنْب مَصْرَعُ

حتى إذا ارتدّت وأَقْصَدَ عُصْبةً

منها وقام شَريدُها يَتضرّعُ (4)

ارتدّت الكلاب: رجعتْ. وأَقصَدَ الثورُ عصبة من الكلاب، أي قتلها.

وقام شَريدها يتضرّع: يتصاغر ويتضاعف. شريدُها: ما بقى منها.

فبدا له رَبُّ الكِلابِ بكفِّهِ

بِيضٌ رِهافٌ رِيشُهُن مُقَزَّعُ (5)

(1) السفّود: حديدة معّقفة يشوى بها اللحم، جمعه سفايد. والشرب: القوم يشربون، الواحد شارب كصحب وصاحب، وركب وراكب. و "بشواء"، متعلق بقوله:"يقترا". شبه قرني الثور وهما يكفان بالدم بسفّودى شرب نزعا قبل أن يدرك الشواء. وإنما خص الشرب لأنهم لا ينتظرون بالشواء أن يدرك. وفي رواية: "لما يفترا" بالفاء، أي لم يردا، فهما حارّان، وهو أسرع قتارا. قاله ابن الأعرابي.

(2)

القتار: رائحة اللحم المشوي، وربما جعلت العرب الشحم والدسم قتارا.

(3)

إنما وصف السفودين بأنهما جديدان لم يشوبهما لأن ذلك أحدّ لهما وأنفذ.

(4)

في رواية: "وأقصر عصبة" بالراء مكان الدال ورفع "عصبة". وفي رواية: "يتضوّع" بالواو، أي يعوي من الفزع، كما نقله ابن الأنبارى عن أبي عمرو.

(5)

يقول: إن الصائد قد ظهر للثور وفي كفه أسهم نصالها بيض رقاق الشفرات قد سوّى ريشها وقدّر. وروى: "فدنا له". وروى "رهاب" بالباء، جمع رهب؛ وهو بمعنى "رهاف" بالفاء. وقد أورد صاحب اللسان هذا البيت في مادة "رهب" مستشهدا على الرهب بمعنى النصل الرقيق. وروى ابن الأعرابي:"بيض صوائب".

ص: 14

أي وظهر (1) للثور ربُّ الكلاب. رِهاف: رِقاق الشَّفَرات، يعني نِصالا رِقاقا.

ومقزَّع: محذَّف (2) مقدَّر.

فرَمىَ ليُنقِذَ فَرَّهَا فهَوَى له

سَهْمٌ فَأَنْفَذَ طُرَّتيه المِنْزَعُ (3)

فرَمىَ الصائد الثورَ ليشَغَلهَ عن الكلاب. وفَرُّها: ما فَرّ منها؛ يقال: فارٌّ وفَرٌّ مثل صاحب وصَحْب وراكب ورَكْب. وقال بعضهم: فرُّها: بقيّتها.

فكَبا كما يكْبو فَنِيقٌ تارِزٌ

بالخَبْتِ إلَاّ أنّه هو أبْرَعُ (4)

فكَبا الثور كما يكبو فَنِيق: فخل من الإبل. تارز: يابس، أي ميّت. أبرع يريد أن الفَنِيق أعظمُ من الثور.

والدّهرُ لا يَبْقَى على حَدَثانهِ

مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحَديد مُقَنَّعُ (5)

مستشعِر، أي اتّخذه شِعارا (6). ومقنَّع: عليه مِغْفَر (7).

(1) الأنسب: "فظهر" بالفاء مكان الواو، للملائمة بين التفسير والبيت.

(2)

المحذّف من الريش ونحوه: المسوّى تسوية حسنة بحذف ما يجب حذفه منه من الفضول.

وفسر ابن الأنباري المقزع بأنه المنتّف من كثرة ما رمى به.

(3)

طرّتا الثور: مخطّ جنبيه. والمنزع: السهم، لأنه ينزع به. وروى هذا البيت في اللسان مادة "نزع":"فرمى لينقذ فرّها". بضم الفاء وتشديد الراء وتنوين آخره، وقال: إن الفرّه جمع فاره اهـ. والفاره: الحاذق.

(4)

كبا لوجهه يكبو كبوا: سقط. والخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع، وروى "فنيق بارز"، أي ظاهره.

(5)

في رواية: "متسربل". يقول: إن الدهر لا يبقى على نوبه من حصنته الدروع وقنعته المغافر. وقد بدأ الشاعر يصف الشجاع في الحرب ومصير أمره مع قرنه.

(6)

الشعار: ما يلي شعر الجسد من الثياب، جمعه شعر ككتاب وكتب.

(7)

المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة في الحرب. وقيل: هو حلق يتقنع به المتسلح.

ص: 15

حَمِيَتْ عليه الدِّرْعُ حتَّى وَجْهُه

مِن حَرِّها يومَ الكَريهةِ أَسْفَعُ (1)

تَعْدو به خَوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيُها

حِلَقَ الرِّحالةِ فهي رِخْوٌ تَمزَعُ (2)

تعدو به: بالمستشعِر. خَوْصاء: فرس غائرة العينين. وحَلَقَ الرِّحالة، يعني الإبْزِيم. والرِّحالة: سَرْج (3) من جُلود. فهي رِخوٌ تَمزَع: تُسِرع في عَدْوِها، ويُروَى:"فهي رَهوٌ (4) تمْزَعُ".

قَصَرَ الصَّبوحَ لها فشَرَّجَ لَحْمَها

بالنَّيِّ فهي تَثُوخُ فيهما الإِصْبَعُ (5)

قَصَر: حبسَ اللبنَ للفرس. فشَرَّجَ لَحْمَها، أي جعل فيه لونين من اللحم والشحم.

تَثُوخ: تدْخُل. والمعنى: لو أُدخلتْ فيه إصبع من كثرة لدخلتْ.

متفلِّقٌ أَنْساؤها عن قانيءٍ

كالقُرْطِ صاوٍ غُبْرُه لا يُرضَعُ

(1) في رواية واردة في الأصل أيضًا "صدئت". يريد أن الدرع قد صدئت من طول ما بلبسها في الحرب. والأسفع: الأسود.

(2)

يصف الفرس بأنها غائرة العينين، وبأنها حين تعدو بفارسها تزفر في عدوها فينفصم الحلق الذي في حزام سرجها؛ ثم يصفها بأنها رخو، أي سهلة مسترسلة في سيرها. "تمزع"، أي تمرّ مرّا سريعا كمرّ الغزال. قال الشاعر:"شديد الركض يمزع كالغزال".

وفي رواية: "يقطع جريها". وفي رواية: "وهي رخو" بالواو مكان الفاء.

(3)

قال السكري في تفسير الرحالة: هي سرج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد.

(4)

رهو: بمعنى قوله: "رخوة" في الرواية الأولى.

(5)

يروى: "فشرج لحمها" بالبناء للمجهول؛ والمعنى يستقيم عليه أيضًا. والنيء: الشحم. يشير إلى حسن القيام على تغذية هذه الفرس لكرامتها على صاحبها حتى كثر عليها من الشحم واللحم ما لو غمزت فيه الأصبع دخلت فيه ولم تبلغ العظم، قال الأصمعي: وهذا من أخبث ما نعتت به الخيل؛ لأن هذه لو عدت ساعة لانقطعت لكثرة شحمها، وإنما توصف الخيل بصلابة اللحم؛ وأبو ذؤيب لم يكن صاحب خيل اهـ.

ص: 16

"متفلِّقٌ أَنْساؤها"، والأنساء لا تتفلّق، ولكن لمّا سَمِنت انفرجت اللحمة فظهر النَّسا (1) فصار كأنه في جَدْوَل. "عن قانيء" أي ضَرْعٍ أحمرَ. كالقُرْط في صغره. "غُبْرُه لا يُرْضَع": والغُبْر: بقيّة اللبن، ولم يرِد أن ثَمَّ بقيّة، وذلك أنها لم تحمِل، فهو أصلبُ لها. "وصاوٍ": يابس، ومِثلُه:"فلان لا يُرجَى خيره"، أي ليس عنده خير فيُرجَى.

تَأبى بدرَّتِها إذا ما استُكْرِهَت (2)

إلَاّ الحَميمَ فإنّه يَتَبَضَّعُ

يقول: الفرس تأبَى بدِرَّة العَدْو، يقال للفرس الجواد إذا حرّكْتَه للعَدْو:"أعطاك ما عنده"؛ فإذا حملتَه على أكثر من ذلك فحرّكتَه بساقٍ أو سَوْط حملته عزّةُ نفسه علي ترك العَدْو وأخَذَ في المَرَح. قال (3): وهذا مما لا توصف به الخيل وقد (4) أساء. وقوله: "استُغْضِبَتْ": طُلِب ما عندها كرها. "ويَتَبضّع":

(1) النسا بالقصر: عرق يخرج من الورك ويستبطن الفخذ، ثم يخرج في الساق فينحرف عن الكعب، ثم يجري في الوظيف حتى يبلغ الحافر. والأفصح أن يقال:"النسا" لا "عرق النسا".

(2)

في رواية واردة في الأصل أيضًا "استغضبت" وقد أشار إليها في الشرح. وفي رواية " استصعبت". والحميم: العرق. وقد اختلف المفسرون في معنى هذا البيت، فمن تفسيراتهم ما ذكر هنا في الشرح؛ ومنها ما ذكره أبو عبيدة من أنه يريد وصف الفرس بأنها لا درة بها من لبن وغيره إلا العرق فإنه يقطر؛ وينقض هذا التفسير قول الشاعر في البيت:"إذا ما استكرهت" فإنه يقتضى أن للفرس لبنا تجود به عفوا بلا استكراه، مع أنه يريد أنها لا لبن لها البتة، وهو من صفات الخيل الممدحة، كما قال أبو ذؤيب في بيت سابق "غبره لا يرضع"، أي لا غبر لها. وقال ابن الأعرابي: يريد أنها إذا حميت في الجري وحمى عليها لم تدرّ بعرق كثير، ولكنها تبتلّ، وهو أجود لها.

(3)

لم يذكر القائل فيما سبق؛ ويستفاد من كلام السكّريّ أنه الأصمعي.

(4)

وجه إساءته أنه وصف الفرس بما توصف به الناقة، فإن الذي يحمل على سرعة العدو بالسوط ونحوه إنما هي الناقة؛ ويدل على هذا قول الأصمعي بعد قوله: وقد أساء": "وإنما أراد بهذا (أي أبو ذؤيب) شدّة نفسها، إلا أنه كان لا يجيد في صفة الخيل وظن أن هذا مما توصف به". وقوله بعد:"إنهم كانوا أصحاب جمال، وكانوا يغيرون رجّالة لم تكن لهم خيل".

ص: 17

يتفتّح بالعَرَق ويتفجّر، فيقول: هي تأبى بدِرَّتها إذا ما اسُتُغْضِبَتْ لا تَأبَى العَرَق.

بَيْنَا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِهِ

يوما أُتيحَ له جَرئٌ سَلْفَعُ (1)

يقول: هذا المستشعر بين تَعَنُّقِه الكُماة وبين رَوَغانِه، أي بين أن يُقبل ويراوِغ إذ قُتِل. أُتيحَ له، أي قُدّر له رجلٌ جرئ. سَلْفَع (2): جرئ الصدر. تعنَّقَ يتعنَّق تعنُّقا.

يعْدُو به نَهِشُ المُشاشِ كأنّه

صَدَعٌ سَليمٌ رَجْعُه، لا يَظْلَعُ (3)

يقول: يعدو بهذا الجرئ فرسٌ نَهِشُ المُشاش: خفيف (4) القوائم في العَدْو.

"كأنه صَدَعٌ" يعني الفرسَ كأنه ظبيٌ (5) لا صغير ولا كبير. "سَليمٌ رَجْعُه" يريد عَطْف يديه سليم.

فتناديا (6) وتوافَقَتْ خَيلاهُما

وكلاهُما بَطَلُ اللِّقاءَ مُخَدَّعُ

(1) في رواية: "تعانقه". وروى أبو عبيدة: "فيما تعنقه" جعل "ما" زاندة صلة في الكلام.

(2)

سلفع، يقال للذكر والأنثى على السواء، ويقال أيضًا في المؤنث:"سلفعة" إلا أنه بلاهاء أكثر.

(3)

روى "عظمه" مكان قوله: "رجعه". والظلع: الغمز في المشي، وهو شبه العرج.

(4)

فسر بعض اللغويين قوله: "نهش المشاش" بأنه الخفيف النفس والعظام.

(5)

كما يقال الصدع للظبي يقال للحمار والوعل أيضًا؛ قال الأصمعي: الصدع الحمر والظباء والوعول وسط منها ليس بالعظيم ولا الصغير.

(6)

في رواية: "فتناذرا" أي أنذر كل منهما صاحبه يخوّفه نفسه. وفي رواية: "فتنازلا" أي نزل كل منهما عن فرسه وترجل كلاهما للقتال.

ص: 18

ويروَى: "مجدَّع"(1)، أي مجرَّح (2)، يقال:"جدَعَه بالسيف وجدَّعَه": إذا قطعه بالسيف. يقول: هذان الرجلان يتناديان بالبِراز. و"ومخدَّع"(3): مجرَّب.

مُتَحامِيَيْنِ المَجْدَ كلٌّ واثِقٌ

ببَلائه واليَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ

ويروى: "يَتناهبان المجدَ" وهو أجوَد، أي كل واحد منهما يَحمى المجدَ يطلب أن يغلِب فيذكر. ثم ابتدأ فقال:"كلٌّ واثقٌ ببلائه"، يريد، كلُّ واحد منهما قد علم من نفسه بلاءً للناس حسنًا. وأشنعُ: كريهٌ.

وعليهما مَسْرودَتانِ قضاهما

"داودُ" أو صَنَعُ السَّوابِغِ "تُبَّعُ"(4)

ويُروَى "وتَعاورا (5) مَسْروَدتَيْنِ". يقول: تَعاوَرا بالطعن مسرودتين: دِرعين.

"قَضَاهما": فرغ منهما داود النبيّ عليه السلام؛ "أو صَنَعُ السَّوابِغ"، والصَّنَعُ: الحاذق بالعمل. ثم رَدَّ تُبَّعًا على صَنَعٍ.

(1) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل بالجيم والدال المهملة؛ ولم نجد هذه الرواية فيما راجعناه من كتب اللغة لا في مادة "جدع" ولا في غيرها؛ كما أننا لم نجدها فيما بين أيدينا من شروح هذه القصيدة على كثرة ما ورد فيها من الروايات. والذي وجدناه "مخذع" بالخاء والذال المعجمتين، أي مقطّع. والتخذيع: ضرب لا ينفذ؛ قاله ابن الأعرابي. وروى: "مشيّع"، وهو الذي معه من الصرامة والجرأة ما يشيعه.

(2)

الذي يستفاد من كتب اللغة أن المجدّع هو المقطع تقطيعا بائنا. وقيل: هو المقطوع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة. ولم نجد ما يفيد أن المجدّع هو المجرّح كما هنا؛ والذي وجدناه بهذا المعنى المخذع بالخاء والذال.

(3)

أي أنه قد خدع مرة بعد مرة حتى حذر وفهم.

(4)

مسرودتان، أي درعان مخروزتان أو منسوجتان، من السرد، وهو الخرز؛ وقيل: النسج، وهو تداخل الحلق بعضها في بعض؛ وقيل: السرد السمر. وتبع: من ملوك حمير كانت تنسب إليه الدروع التبعية. وذكر الأصمعي ما يفيد أن أبا ذؤيب قد غلط في هذا فقال: إنه (أي أبا ذؤيب) سمع بالدروع التبعية فظن أن تبعًا عملها، وكان تبع أعظم شأنا من أن يصنع شيئًا بيده، وإنما عملت بأمره وفي ملكه، وهذا مثل قول الأعشى:

فإن وثوبي راهب اللج والتي

بناها قصيّ وحده وابن جرهم

لم يدر (أي الأعشى) كيف بنيت الكعبة ولا من بناها، فقال على التوهم:"بناها قصي"، وقصي لم يبن الكعبة.

(5)

كما روى أيضًا: "وعليهما ماذيتان". والماذية من الدروع: السهلة اللينة. وقيل: البيضاء.

ص: 19

وكِلاهما في كفِّه يَزَنِيِّةٌ

فيها سِنانٌ كالمنَارَةِ أَصْلَعُ (1)

ويُروَى: "وَتشاجَرَا بمُذَلّقَيْن كلاهما (2)، تَشاجَرا: تَطاعَنا، "بمُذَلَّقَيْن": بسنانَين حادَّين، وأراد الرمحين. "كالمنارة": أراد السراج. "وأصلع"، أي يبرق؛ يقال:"انصَلَعت الشمسُ": إذا بدا ضوءها".

وكلاهما مُتوَشِّحٌ ذا رَوْنَقٍ

عَضْبًا إذا مسَّ الضَّريبةَ يَقْطَع

قوله: "عَضْبا" أي قاطعا. ورَوْنَقه: ماؤه. والكريهة (3): الضَّريبة الشديدة.

والضريبة: ما وقع عليه السيف. ويُروَى: "إذا مَسَّ الأَيابسَ" وهي العَظْم والحديدُ وما أشبه ذلك.

فتخالَسَا نَفْسَيْهِما بنَوافِذٍ

كنَوافِذِ العُبُطِ الّتي لا تُرْقَعُ (4)

أي جعل كلُّ واحد منهما يختلس نفسَ صاحبه "أي يطعنه (5) بهذه النوافذِ العُبُط" إذا انقدّت (6)، والعُبُط: شُقوقٌ عُبِطتْ (7) في ثيابٍ جُدُد.

(1) اليزنية: القناة منسوبة إلى ذي يزن من ملوك حمير.

(2)

تمام الرواية: "فيه شهاب" الخ.

(3)

هذه رواية أخرى في البيت مكان قوله: "الضريبة".

(4)

يقول: أن كلا من هذين البطلين قد اختلس نفس صاحبه بطعنات نوافذ تشبه في اتساعا ونفاذها وعدم التئامها شقوقا في ثياب جدد لا ترقع بعد شقها، وهي شقوق الجيوب وأطراف الأكمام والذيول، إذ هي التي لا ترقع بعد أن تشق، وهي العبط بضمتين، الواحد عبيط، من العبط، وهو شق الثوب ونحوه صحيحا.

(5)

كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل؛ وهي غير مستقيمة؛ والظاهر أن في الكلام نقصا، فإن الشاعر يريد تشبيه نوافذ الطعن بنوافذ العبط، لا أن الطعن بنوافذ العبط كما تقيده عبارته لظهور فساده. وانظر كلامنا على معنى البيت في الحاشية التي قبل هذه.

(6)

في الأصل: "أنفذت"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتناه كما يقتضيه السياق. ويلوح لنا أن في هذه العبارة نقصا، وصوابها "إذا انقدّت لا ترقع".

(7)

في الأصل "خيطت"؛ وهو تصحيف. و"عبطت"، أي شقت.

ص: 20

وكِلاهما قد عاشَ عِيشَةَ ماجِدٍ

وجَنَى العَلاءَ لو أنّ شيئا ينفعُ (1)

"جنَى": كَسَب. "لو أن شيئًا ينفع": لو أنّ شيئًا يُنجي من الموت.

* * *

وقال أبو ذؤيب (2) أيضا

هل الدهرُ إلا ليلة ونهارُها

وإلا طُلوعُ الشمسِ ثم غِيارُها

قوله: "غِيارُها" أراد غُيوبَها.

أبَى القلب إلا "أُمَّ عمرٍو" وأصبحت

تُحَرَّقُ نارِي بالشّكاةِ (3) ونارُها

"تُحَرَّقُ ناري"، يقول: شاع خبري وخبرُها وانتشر بالقالة القبيحة.

وعيَّرها الواشُون أنِّي أُحِبُّها

وتلك شكاةٌ ظاهِرٌ عنك عارُها (4)

"ظاهرٌ عنك"، أي لا يَعلق بك، أي يَظهر عنك وينبو.

فلا يهنأ الواشين أنِّي هَجَرْتُها (5)

وأَظلمَ دُونِي لَيْلُها ونَهارُها

(1) هذا آخر بيت في القصيدة التي بنسخة المرحوم الشنقيطي. وفي نسخة أخرى ختمت بهذا البيت:

فعَفَتْ ذُيولُ الرِّيح بعدُ عليهما

والدّهرُ يَحِصُدُ رَيْبُه ما يَزرَعُ

(2)

قال أبو ذؤيب هذه القصيدة يرثى بها نشيبة بن محرث أحد بني مومل بن حطيط بن زيد بن قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل.

(3)

ذكر السكري أنه يريد بالشكاة هنا النميمة والكلام القبيح والقالة.

(4)

تمثل عبد الله بن الزبير بالشطر الثاني من هذا البيت حين عيره رجل بأمه ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر، فقال: "وتلك شكاة

" الخ أراد أن تعيره إياه بلقب أمه ليس عارا يستحيا منه، وإنما هو من مفاخره؛ لأنه لقب لقبها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع أبي بكر رضي الله عنه. انظر هذه القصة في كتب السيرة.

(5)

في رواية: "أن قد هجرتها".

ص: 21

يقول: صار الليلُ والنهارُ عندي سواء فلا أقدر أن آتيَها، وكان الواشون يشتهون أن أهجرها، فلا هنَأَ لهم ذلك.

فإنْ أعْتَذِرْ منها فإنِّي مُكَذَّبٌ

وإن تعتذِر يُرْدَدْ عليها اعتِذارُها

يقول: إنْ أعتذرْ من حبّها وأقول: ما بيني وبينها شيء فإني مكذَّب؛ وإن تعتذِر هي أيضًا تُكذَّب.

فما أُمُّ خِشْفٍ "بالعَلاية" شادِنٍ

تَنوشُ البَرِيَر حيثُ نالَ اهتِصارُها (1)

يقال: شدَنَ وجَدَلَ (2)، إذا قَوِيَ وتحرَّك. تَنُوشُ البرير: تتناوله. والبَرير: ثمرُ الأراك. ونال اهتصارُها: حيث نال أن تهتصَره، أي تجذبه. والعَلايةُ: موضعٌ (3).

والشادِنُ (4) خِشفٌ حين شدَنَ لحمُه وقَوِيَ وتحرّك (5).

مُوَلَّعَةُ بالطُّرتَيْنِ دنا لها

جَنَى أَيْكَةٍ يَضْفُو عليها قِصارُها (6)

(1) الخشف: الظبي أول مشيه. وروى "فارد" مكان قوله: "شادن"، أي ظبية منفردة عن القطيع؛ ويقرأ مرفوعا؛ لأنه صفة لقوله:"أمّ". وروى: "مشدن" بضم الميم وسكون الشين وكسر الدال، من أشدنت الظبية إذا صار لها شادن يتبعها، وهو مرفوع أيضا. وفي معجم ياقوت في الكلام على "علاية":"بالعلاية دارها". يريد تشبيه حبيبته في حسن تلفتها بظبية قد قوى ولدها وتبعها وهي تتناول ثمر الأراك وتجتذب غصونه بفمها. وإنما شبهها بظبية ذات خشف لأنها شديدة الخوف على خشفها، فهي كثيرة التلفت إليه حذرا عليه.

(2)

في الأصل: "وجدن" بالنون؛ وهو تحريف.

(3)

لم يعين ياقوت هذا الموضع أيضًا، بل ذكره واستشهد بهذا البيت.

(4)

يلاحظ أن في تفسير الشادن هنا تكرارا لما سبق.

(5)

عبارة اللغويين: "شدن الخشف": إذا قوى وصلح جسمه وترعرع وملك أمه فمشى معها.

(6)

يصف تلك الظبية باختلاف الألوان في طرّتيها، أي مخط جنبيها، وبأنها ترعى في أيكة دانية الثمار سابغة عليها أغصانها القصيرة؛ وإذا سبغ القصار من الأغصان عليها فالطوال أسبغ وأضفى. وروى "موشّحة" مكان قوله:"مولّعة".

ص: 22

مُوَلَّعةٌ، أي ملونة بالطُّرَّتَين. والطُّرّتان: حيث ينقطع اختلاف لون الظّهر من لون البطن. وجَنَى أَيْكَةٍ: ما تَجْنِيه. "يَضْفُو عليها قِصارُها" يقول: كلُّ قصيرٍ من أغصان شجرة الأيْك فهو سابغٌ عليها.

به أَبَلَتْ شَهَريْ ربيعٍ كليهِما

فقد مارَ فيها نَسْؤُها واقتِرارُها (1)

به: بهذا الموضع جَزَأَتْ (2) بالرُّطْب عن الماء؛ فقد (3) أَبَلَت تَأْبُلُ أُبُولا وأراد: بذلك النبتِ جَزأتْ. وقوله: "مارَ فيها"، أي جرى فيها نَسْؤُها، وهو بُدُوُّ سِمَنِها. والاقترار (4)، وذلك أنها إذا أكلت اليبيس والحِبَّةَ (5) خَثرَتْ (6) أبوالهُا فلا تَزُجُّ ببولها وإنما تبوله على أسؤقِها، يقال: تقرّرت الإبلُ في أسؤُقِها (7)، قال الشاعر:

* حتى إذا ما بُلنَ مِثلَ الخَرْدَلِ *

فإذا أكلت الرُّطْبَ ولم تأكل اليبيس رقَّت أبوالهُا فهي تَزُجّ بها زَجًّا.

(1) في رواية: "بها"، أي بالأيكة. يقول: إن تلك الظبية قد اجتزأت بالرطب عن الماء شهري ربيع في تلك الآيكة حتى جرى فيها السمن بعد الهزال، ورقت أبوالها بعد خثورة وغلظ من طول ما رعت الرطب ولم ترع يبيس النبت الذي يهزل الأجسام ويغلظ الأبوال.

(2)

جزأت، أي اكتفت.

(3)

كذا وردت هذه الكلمة في الأصل.

(4)

فسر الاقترار في كتب اللغة بمعنى السمن أو نهايته. قال في شرح القاموس: وذلك إذا أكلت اليبيس وبزور الصحراء فعقدت عليها الشحم. قال: وبهما، أي بالسمن ونهايته فسر قول أبي ذؤيب هذا.

(5)

الحبة بالكسر: اليبيس المتكسر المتراكم بعضه على بعض.

(6)

خثرت: ثخنت وغلظت.

(7)

في الأصل: "أسواقها" ولم نجد هذا الجمع للساق فيما راجعناه من كتب اللغة. ويلاحظ أن "في" هنا بمعنى "على".

ص: 23

وسوّد ماءُ المَرْدِ فاها فَلَوْنُه

كَلْونِ النَّوورِ فهي أدْماءُ سارهُا (1)

أراد: سائرها، فقال: سارُها (2)، وكان ينبغي أن يقول: وهي آدمُ سارُها. وقال الأصمعي: أراد وهي آدمَ.

بأِحسَنَ منها يومَ قامَتْ فأعْرضَت

تُوارِي الدُّموعَ حِينَ جدَّ انحِدارُها (3)

أراد: فما أمُّ خِشْفٍ بأحسنَ منها. قوله: أَعرضَتْ: أمكَنَتْ من عُرْضِها أي من ناحيتها.

كأنّ على فِيها عُقارًا مُدامَةً

سُلافَةَ راحٍ عَتَّقَتْها تِجارها (4)

العُقار: ما عاقَر الدَّنَّ والعقلَ، يريد: ما لازَمَ؛ يقال: فلانٌ يُعاقِر الخمرَ أي يلازمها. والسُّلافة: أوَّل ما يَخرج من الخير. والراحُ: التي إذا شربها صاحبهُا ارتاح لها وأخذته خفّةٌ من ذلك.

مُعتَّقةً مِن "أذْرِعاتٍ" هَوَتْ بها الـ

ـرِّكابُ وعنَّتْها الزِّقاق وقارُها (5)

(1) في رواية "وغيّر" مكان قوله: "وسوّد". والمرد: الغض من ثمر الأراك، وقيل: نضيجه. وفي التهذيب أن البرير ثمر الأراك، فالغض منه المرد، والنضيج الكباث. والنوور: دخان الشحم يعالج به الوشم ويحشى به حتى يخضر؛ وتقلب واوه همزة. والأدماء من الظباء: البيضاء التي التي تعلوها جدد فيها غبرة، فإن كانت الظباء خالصة البياض فهي الآرام. قاله الأصمعي. وروى:"وهي أدماء" بالواو مكان الفاء؛ وهذه الرواية أجود في رأينا.

(2)

نظيره شاك وشائك.

(3)

في رواية: "حين قامت". وفي رواية: "تكف الدموع".

(4)

عنقتها: أبقتها في الدن زمانا طويلا حتى عنقت، أي قدمت. يريد تشبيه ريقها بعقار الخمر التي طال عليها القدم فجادت. وقد ورد في النسختين الأوربية والمخطوطة قبل هذا البيت قوله:

وما حاولت إلا لتعنت لبه

غداة الظباء أو ليعذر جارها

(5)

في رواية: "مشعشعة"، أي ممزوجة. وأذرعات: بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان (بتشديد الميم)، كانت تنسب إليه الخمر. وهوت بها الركاب، أي سارت مسرعة.

وفي الأصل: "الرفاق" بالراء المهملة والفاء مكان قوله: "الزقاق"؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما في النسختين الأوربية والمخطوطة لديوان أبي ذؤيب، (واللسان في مادة عنا).

ص: 24

قوله: وعَنَّتْها: أطالت حبسَها. وقال بعضُهم: إذا صببتَ الزِّقَّ فقد عَنَّيْتَه (1). وقال الأصمعي: إنما أصله من العَنِيَّةِ، وهي أبوالُ الإبِلِ تُخْلَط بأشياءَ وتُطبخ حتى تَخثُرَ (2).

فلا تُشْتَرَى إِلّا برِبْحٍ، سِباؤُها

بنَاتُ المخَاضِ شمُومُها وحِضارُها (3)

قوله: "سِباؤُها بناتُ المخَاضِ"، يقول: تُشتَرىَ ببنَات المخَاض. وشُومُها: سُودُها. وحِضارُها: بيضُها. قال الأصمعي: لا واحد لهذين الحرفين

تَرَى شَرْبَها حُمْرَ الحِداقِ كأنّهم

أساوَى إذا ما سار فيهم سُوارُها (4)

قوله: أَساوَى (5)، يريد كأنهم أصابتهم جِراحٌ في رءوسهم فأُسِيَتْ، أي أُصلِحتْ ومنه:"أسَوْتُ الجُرْحَ" إذا داويتَه وأصلحتَه. وسُوارُها: من السَّورة إذا سارت في رءوسهم أي ارتفعت.

(1) كذا ورد هذا اللفظ في النسخة المخطوطة لديوان أبي ذؤيب مضبوطا، ونص العبارة الواردة فيها:"وإذا صببت الزق في الزق فقد عنيته". والذي في الأصل: "عننته، بنونين؛ وهو تصحيف.

ويلاحظ أننا لم نجد هذا المعنى في التاج ولا في اللسان. وقد ذكر السكرى أن قائل هذا التفسير هو الباهليّ، وعبارته "عنتها": حوّلت من هذا إلى هذا. قال: "وهذه لغته".

(2)

أي وتطلى بها الإبل، كما يستفاد من كتب اللغة.

(3)

سباء الخمر: شراؤها. ويشير بهذا البيت إلى غلاء ثمن هذه الخمر. وفي رواية: "بزلها وعشارها" والبزل من الإبل: التي بزلت أنيابها أي طلعت، وذلك في تاسع سنيها. والعشار من النياق: التي مضى على حملها عشرة أشهر أو ثمانية؛ الواحدة عشراء، كنفساء. ويردّ هذه الرواية منافاتها لقوله قبل:"بنات المخاض"؛ وهي التي دخلت في السنة الثانية؛ وسميت بنات المخاض لأن أمهاتها لحقت بالمخاض، أي الحوامل وإن لم تكن حاملا.

وفي رواية: "شيمها" بالياء مكان الواو في قوله: "شومها"؛ وكلا اللفظين بمعنى واحد، أي سودها، الواحد أشيم.

(4)

الشرب بفتح الشين: الجماعة يشربون، واحده شارب كركب وراكب وصحب وصاحب. ويشير بهذا البيت إلى شدّة تأثير الخمر في شاربيها، فيقول: إن أحداقهم تحمرّ عند شربها ويصيبهم من الفتور وانكسار العيون ما يصيب الذين جرحت رءوسهم ثم أسيت، أي أصلحت. وروى في اللسان مادة "سار""أسارى" بالراء.

(5)

واحد الأساوى أسًى كغنًى.

ص: 25

فإنَّكَ منها والتعذُّرَ بعد ما

لَجِجْتَ وشَطَّتْ مِنْ "فُطَيمةَ" دارُها (1)

قوله: "فإنّك منها والتعذُّرَ" أي واعتذارك منها (2).

كنَعْتِ التي ظَلَّت تُسَبِّع سُؤرَها

وقالت: حَرامٌ أن يُرَجَّلَ جارُها (3)

أي إنك واعتذارك منها أنَّك لا تحبّها بمنزلة التي قتلَتْ قتيلا (4) وضمَّت بزَّه، أي سلاحه، وتحرَّجتْ من أنْ يرجَّل جارُها وغسلتْ إناءَها سبعَ مرات؛ لأنّ الكلب ولغ فيه. يقول: فأنتَ مثل هذه التي حَجدت وفرَّت من الأمر الصغير وركبتْ أعظَم منه، فأنتَ في الكذب مثلُ هذه، لأنك قلتَ: لا أوَدُّها ولا أحبها.

تَبَرَّأ مِنْ دَمِّ القَتيلِ وبَزِّه

وقد عَلِقَتْ دَمَّ القَتيلِ إزارُها

قوله: "وقد عَلِقتْ دَمّ القتل إزارُها": هذا مَثلٌ، كما يقال: حملت دمَ فلانٍ في ثوبك، أي قتلتَهُ. الإزار: مؤنث؛ قال أبو إسحاق: هو مؤنث.

فإنك لو ساءَلْتِ عنّا فتُخْبَرِي

إذا البُزْلُ راحت لا تَدُرُّ عِشارُها (5)

(1) لججت، أي تماديت في حبها.

(2)

منها، أي من حبها.

(3)

في رواية: "قامت" مكان قوله: "ظلت".

(4)

قال الأصمعي في تلك القصة: "كانت هذه امرأة نزل بها رجل فتحرجت أن تدهنه وأن ترجل شعره، ثم جاء كلب لها فولغ في إنائها فقامت فغسلته سبع مرات، وذلك بعين الرجل، فجعل يتعجب منها ومن ورعها إذ أتاها قوم فطلبوا قتيلا عندها، فانتقلت من ذلك، أي حلفت وتبرأت، ثم فتشوا منزلها فوجدوا القتيل وسلاحه في بيتها".

(5)

يشير إلى كرمهم إذا اشتدّ البرد وأجدب الزمان. وكنى عن ذلك بعدم إدرار العشار، فإنها لا تدرّ باللبن إذ ذاك. وروى:"إذا الشول". قال السكري في تفسير الشول: إنها التي أتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية فقلصت ضروعها وبطونها؛ وكل تقليص تشويل، اهـ. وواحد الشول شائلة وهذا الجمع غير قياسي.

ص: 26

يقول: في الزمن الشديد الذي لا تَدُرّ فيه العُشَراء؛ وذلك أن العُشراء حديثةُ النّتاج، والعُشَراء أيضًا التي لحملِها عشرة أشهر؛ فإذا وضعتْ بقي هذا الاسمُ عليها.

لَأنْبِئْتِ أنّا نَجْتَدِي الفَضْلَ إنما

يُكَلَّفُه من النّفوس خِيارُها (1)

نَجْتدى: نطْلُب. يقول: من كانت له نفسٌ خيّرةٌ تكلَّف الفَضْلَ.

لنا صِرَمٌ يُنحَرْنَ في كلّ شَتْوةٍ

إِذا ما سماءُ الناس قَلَّ قطارُها (2)

صِرَمٌ: قِطعُ إبلٍ، الواحدة صِرْمة، وهي ما بين العَشْر إلى العشرين.

وسُودٌ من الصِّيدان فيها مَذانْبٌ

نُضارٌ إِذا لم نَستفِدْها نُعارُها (3)

الصِّيدان: قُدورٌ. فيها مَذانِب: مَغارِف. ونُضارٌ: من شَجر النُّضار.

لهنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأنّهما

ضرائرُ حِرْمِيّ تَفاحَشَ غارُها (4)

(1) في رواية: "الحمد" مكان "الفضل". وفي رواية: "لأخبرت أنا نشتري الحمد إنما". ومعنى اجتداء الفضل أو الحمد هنا أنهم يجودون إذا أمحل الناس فيكتسبون حمدهم.

(2)

القطار: الأمطار، الواحد قطر.

(3)

روى قوله: "الصيدان" بكسر الصاد وفتحها، فمن كسرها أراد جمع صاد، أي نحاس. يريد أن لهم قدورا من النحاس؛ ومن فتح الصاد أراد حجرا أبيض تعمل منه البرام؛ فهذه القدور منه. والنضار: ما طال من شجر الأثل واستقامت غضونه. وقيل: ما نبت منه في الجبل، وهو أفضله. ذكر ما لدى قومه من أدوات الإطعام والجود، وهي قدور النحاس ومغارف متخذة من النضار. ثم ذكر أنهم إذا لم يشتروها أخذوها من غيرهم عارية. وروى:"مذانب النضار" بالإضافة.

(4)

استعمال النشيج في الغليان هنا على سبيل المجاز. والنشيج في الأصل مثل بكاء الصبي إذا لم يخرج بكاءه وردّده في صدره. والنسبة في قوله: "حرميّ" إلى أهل الحرم، جارية على غير قياس. يقول: إن غليان تلك القدور بما فيها من اللحم كغليان الضرائر بالغيرة الفاحشة.

ص: 27

لهنّ، يقول: للقدور. نشيجٌ: غليانٌ، أي تَنْشِج باللحم الذي طُبِخ فها كأنها ضرائرُ. حِرْميّ: من أهل الحَرَمِ، وهم أوّل من اتخذ الضرائر. تفاحشَ غارُها، أي غارت غيرةً فاحشةً. والنَّشِيل: اللَّحمُ، وأصله ما أخرجتَ بيدك.

إِذا استُعْجِلَتْ بعد الخُبُوِّ (1) ترازَمَتْ

كهَزْمِ الظُّؤارِ جُرَّ عنها حُوارُها

يقول: إذا استُعجلتْ هذه القدورُ بالوَقود. بعد الخُبُوّ، أي بعد السكون.

ترازمت: سمعتَ لها رَزْمةً مثْلَ رَزْمةِ الإبل على أولادها، وهو حنينُها.

إذا حُبَّ تَرْوِيحُ القُدُورِ فإنّنا

نُرَوِّحُها سُفْعًا حميدًا قُتارُها (2)

قال: ولم يُعَرف هذا البيت.

فإنْ تَضرِمي حَبْلِي وإنْ تَتَبَدَّلِي

خليلا، وإِحداكُنَّ سُوءٌ قُصارُها (3)

"وإِحداكُنَّ سُوءٌ قُصارها" يقول: الأمرُ الذي تُقْصَر (4) عليه سوءٌ. قُصارُها: مصيُرها الذي تصير إليه.

(1) روى: "قبل الهدوّ" مكان "بعد الخبوّ". والهزم: الصوت، كالهزيم. والظؤار: جمع ظئر، وهي من الإبل العاطفة على غير ولدها المرضعة له، وكذلك من غير الإبل. وجمع ظئر على ظؤار من الجموع النادرة. والحوار: ولد الناقة ساعة تضعه، أو من حين تضعه إلى أن يفطم ويفصل عن أمه.

(2)

في رواية "ترويح القتار"؛ والقتار: رائحة الشواء .. ونروّحها، أي نجيئهم بها في وقت الرواح. سفعا، أي سودا. وفي رواية:"شفعا" قال ابن الأعرابي في معنى قوله: "شفعا": يجمع لهم الطبيخ والشواء .. وقيل في معناه: نجيئهم بهذه القدور واثنتين اثنتين.

(3)

يقول: إن قطعت حبل مودّتي فغاية كل امرأة منكن إلى سوء. وروى "فإن تعرضي عني".

(4)

تقصر عليه، يريد الغاية التي تحبس عندها وتقف فلا تعدوها.

ص: 28

فإني إذا ما خُلَّةٌ رَثَّ وَصْلُها

وجَدَّتْ بصُرْمٍ واستمر عِذارُها (1)

رثَّ: خَلق. واستمر عِذارها: هذا مَثَلٌ؛ يقال: لَوَى عنّي عِذارَه: إذا عَصَى.

وحالَتْ كَحَوْل القَوْسِ طُلَّتْ وعُطِّلَتْ

ثلاثًا فزاغ (2) عَجْسُها وظُهارُها

يقال عَجْسُ القوس ومَعجِسُها، يريد مَقبضَ القوس. "وحالتْ كحَوْل القوس": يعني هذه الخُلَّة انقلبت عن حالها كحوْل القوس: كانقلابها عند عَطْفها. وطُلَّت (3): أصابها الندَى (الطَّلُّ). وعُطّلت ثلاثًا فلم يُرمَ بها. قال الأصمعي: ثلاثة أشهر، فلمّا لم يذكر الأشهُرَ أنَّثَ، كما تقول: سِرتُ (4) خمسًا.

فإني جَديرٌ أنْ أُوَدِّع عَهْدَها

بحَمْدٍ ولَم يُرْفَعْ لَدَيْنا شَنارُها (5)

فإني جديرٌ أي فإني خَليقٌ أن أودع عهدَها وأنا محمودٌ والأمر بيني وبينها ساكنٌ. والشَّنار: العيبُ والكلامُ القبيحُ.

وإنِّي صَبَرتُ النفسَ بعد "ابنِ عَنْبَسٍ

نُشَيْبَةَ" والهَلْكَى يَهيجُ ادِّكارُها

صبَرتُ النفسَ: حبَستُها. المصبورة: المحبوسة.

(1) الخلة بضم الخاء: الخليلة. "واستمر عذارها"، أي انفتل. يقال: أمررت الحبل فاستمر، أي فتلته فتلا شديدا فانفتل.

(2)

في رواية: "فأعيا" بدل قوله: "فزاغ". وظهار القوس: ظهرها، كما فسره السكري. والذي وجدناه في كتب اللغة أن الظهار مختص بالريش. ولا تصح إرادته هنا. يشبه خليلته في تحوّلها وعدم استقامتها على ودّه بقوس أصابها الطل فنديت، وعطلت، أي ألقى وترها ثلاثة أشهر كما قال الأصمعي، أو ثلاث سنين كما قال أبو عمرو، فاعوج مقبضها وظهرها، وأعيت تلك القوس أن ترجع إلى استقامتها.

(3)

روى "وطلت" بفتح الطاء، أي نديت.

(4)

خمسًا أي خمسة أيام.

(5)

روى: "وصلها" مكان "عهدها".

ص: 29

وذلك مَشْبوحُ الذراعين خَلْجَمٌ

خَشُوفٌ إذا ما الحربُ طال مِرارهُا

وذلك: يعني "نُشَيبةَ"، ومَشْبوح، يعني عريض. وخَلْجَم: طويل (1). خَشوف: يمرّ مرًّا سريعًا عند الحرب. مِرارُها: عِلاجُها؛ يقال: مارَّ فلان فلانا يمُارُّه مِرارا إذا عالجَه ليَصْرَعه.

ضَروبٌ لِهاماتِ الرجالِ بسَيْفهِ

إذا عُجِمتْ وَسْطَ الشُّؤون شِفارُها

قوله: "عُجمتْ" أصلُ العَجْم العَضّ. ورُوىَ: "أُعجِمتْ": أُعِضَّتْ.

والشُّؤون، هي أصل قَبائل (2) الرأس. والشِّفار: جمع شَفْرةٍ، وهي حدُّ السيف.

بضربٍ يَقُضُّ البَيْضَ شِدّةُ وَقْعِهِ

وَطعْنٍ كرَكْضِ الخَيْلِ تُفْلَى مِهارُها (3)

يَقُضُّ: يكسِر، وقوله:"وطَعْنٍ كرَكْض": يعني الدمَ يَنضح كأنّه وَقع الخيلِ في دَفْعها بأرجُلها، كأنّه رَمْح الخيل. فَلاه يَفْلوه فَلْوا: طرده ونحّاه.

وطَعْنةِ خَلْسٍ قد طَعَنْتَ مُرِشَّةٍ

كعَطِّ الرداءِ لا يُشَكُّ طَوارُها (4)

(1) فسر ابن حبيب الخلجم بأنه الرجل الجليد، والخشوف بأنه ماضي الليل.

(2)

قال بعض اللغويين في تفسير الشؤون: إنها الشعب التي تجمع بين قبائل الرأس، وهي مواصل القبائل، والقبائل أربع قطع بين كل قبيلتين شأن.

(3)

البيض: واحده بيضة، وهي من الحديد، تلبس فوق الرأس في الحرب، تشبيها لها بيضة النعام، ولها قبائل وصفائح كقبائل الرأس، تجمع أطراف بعضها إلى بعض بمسامير يشدّ بها طرفا كل قبيلتين. والمهار (بكسر الميم): جمع مهر (بالضم). يصف الضرب بأنه شديد يكسر البيض الذي على رؤوس المحاربين. ويشبه الدم في سرعة خروجه بركض الأفراس التي فصلت عنها أولادها، فهي تذب عنها بأرجلها، وتدفع من أراد فصلها عنها.

(4)

يصف الطعنة بأنها متسعة ترش الدم. ويشبه ما تحدثه في البدن من الشق بشق الثوب الذي لا يلتئم.

ص: 30

قولهُ: "مُرِشَّةٍ" أي طعنةٍ تُرِشُّ بالدم من شدّة دفعه. كعطِّ الرِّداء، أي كشَقِّ الرداء. لا يُشَكّ: لا يخاط طَوارُها. والطَّوارُ. طُولُ (1) الثوب مع الحاشية.

مُسَحْسِحَةٍ تَنفي الحَصَى عَنْ طريقِها

يُطيِّر أحشاءَ الرَّعيبِ انثرارُها

"مُسَحْسِحَةٍ"، يعني الطعنة تَسِيل دماء. والدم يَنْفِي الحَصى من شدة وقعه. قوله: * يُطَيِّر أحشاءَ الرَّعيبِ انثرارُها * الانثرار: سَعة الشَّخْب، وهو مَخرج الدم، فيقول:

"يُخشَى (2) على نفس المَرْعوب" إذا رآها، لأنها تُشخَبُ.

ومُدَّعَسٍ فيه الأنِيضُ اختَفَيْتَه

بجَرْداء يَنْتابُ الثَّمِيلَ حِمارُها (3)

"ومُدَّعَسٍ"(4) يعني مختبَزَ القَومِ. "فيه الأنيض"(5)، وهو اللحم الذي لم يُبلغَ به النُّضج. والثَّميل. بقيّة الماء. اختفيتَه (6): استخرجته. والجرداء ها هنا: أرض (7). فهذا الحمار ينتابه (8)، أي يأتيه. فيخبرك (9) أنها أرضٌ ليس فيها إلا الوحش.

(1) في الأصل: "طوار"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن السكري رحمه الله وقد فسر الطوار أيضًا في كتب اللغة بأنه حدّ الشيء. أو ما كان بحذائه، أي مقابلته؛ وكل من التفسيرين يستقيم به معنى البيت أيضًا. وقد أورد ابن الأعرابي هذا البيت شاهدا على الطوار بمعنى حدّ الشيء أو طوله.

(2)

كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل مرادا بها تفسير قوله في البيت: "تطيّر أحشاء الرعيب". وعبارة السكري: "تجشأ نفس المرعوب إذا رآها مسحسحة، أي تقلقلها وتحركها من الفزع". ويلاحظ أنها أوضح في المراد وأقرب إلى عبارة الشاعر؛ فإن الذي في الأصل تفسير باللازم. والذي ذكره السكري تفسير بالمعنى الأصلي، كما هو ظاهر.

(3)

يصفه بأنه كثير الأسفار فيقول: إنه يعجل باستخراج اللحم من مشتواه في البادية قبل نضجه خوفا من الانتظار فيهلك. ويصف الفلاة بأنها جرداء لا نبات بها ولا ماء، فحمار الوحش بها يرد بقايا المياه القليلة في الغدران والأودية لفقدانه المياه الكثيرة فيها.

(4)

قال الأصمعي في تفسير "المدّعس": هو موضع مختبز القوم وحيث توضع الحلة ويشتوى اللحم، وهو مدفن اللحم.

(5)

في كتب اللغة "أنض اللحم يأنض" بكسر النون أنيضا: إذا تغير.

(6)

في كتب اللغة "خفيت الشيء خفيا بفتح أوله وسكون ثانيه وخفيا بضم أوله وتشديد الباء: إذا أظهرته واستخرجته.

(7)

أي لا نبات بها.

(8)

ينتابه، أي ينتاب الثميل.

(9)

فيخبرك، أي الشاعر.

ص: 31

وعاديَةٍ تُلقِي الثيابَ كأنّها

تُيوسُ ظِباءٍ مَحْصُها وانبتارُها (1)

عاديةٍ: قَومٍ يَعْدون. والمَحْص: عَدْوٌ شديد .. والانبتار: يَنْبَتِر في عَدْوِه أي يَقطَعُه (2) قَطْعا.

سَبَقت (3) إذا ما الشمسُ كانت كأنها

صَلاءةُ طِيبٍ ليِطُها واصفِرارُها

يقول: سبقتَ، يعني نُشيبَةَ (4). لِيطُها ها هنا: لونُها حين تصْفرّ.

إذا ما سِراعُ القوِم كانوا كأنهم

قوافلُ خَيْلٍ جَرْيُها واقْوِرارُها (5)

قوله: "كأنهم قوافلُ خيلٍ"، قد قَفَلتْ: يبِستْ. واقورارُها: ضُمهرُها.

إذا ما الخَلاجِيمُ العَلاجِيمُ نَكَّلوا

وطالَ عليهِمْ حَمْيُها وسُعارُها (6)

الخلاجيم العَلاجيم: الطِّوال. وقوله: نكَّلوا، أي جَعلوا ينَكُلون ويَجبُنون.

(1) يصفه بأنه شديد العدو، فيقول: رب قوم يعدون إلى الغارة فيسقطون ثيابهم من شدة العدو ويشبهون في السرعة تيوس الظباء، قد سبقتهم أنت في ذلك. وروى:"يعافير رمل" مكان قوله: "تيوس ظباء". وروى: "قوافل خيل". والقوافل: الضوامر.

(2)

فسر قوله: "وانبتارها" أيضًا بأن هذه العادية تنبتر من الخيل فتسبق وتمضى.

(3)

كذا في نسختي الديوان الأوربية والمخطوطة. والذي في الأصل: "كأن الشمس" وهو لا يستقيم مع بقية الشطر، وروى في النسختين السابق ذكرهما "آضت"، أي صارت مكان قوله:"كانت". وفي رواية "لونها" مكان قوله: "ليطها". ومؤدى الروايتين واحد. وصلاءة الطيب وصلايته: حجر عريض يدق عليه. يقول: إنه يسبق تلك العادية إذا عدوا للغارة حين تصفر الشمس وتميل للغروب. وإنما خص هذا الوقت لأن الغارة فيه أستر وأخفى.

(4)

كذا في شرح السكري. والذي في الأصل: "نفسه"؛ وهو تحريف.

(5)

لم يرو الأصمعي هذا البيت. وروى مكانه البيت الذي بعده وجعله آخر القصيدة.

(6)

روى السكري هذا البيت بعد قوله السابق في هذه القصيدة: "وذلك مشبوح الذراعين" الخ البيت. وذكر أن ابن حبيب روى فيه: "أحجمت" مكان قوله: "نكلوا". قال: وهو أجود. وفي رواية: "ضرسها" مكان قوله: "حميها". وقد وردت هذه الرواية في اللسان أيضًا مادة "علجم". وروى في الأصل أيضا: "جمعها". وسعارها، أي حرّها والتهابها.

ص: 32

وقال أبو ذؤيب أيضا

يقولون لي: لو كان "بالرَّمْلِ" لَمْ يَمُتْ

"نُشَيْبةُ" والطُّرّاقُ يكَذِبُ قِيلُها

يقولون: لو كان بمكان مَريء (1) لم يَمُتْ. والطُّرّاق: الذين يَضربون بالحصى ويتكهّنون.

ولو أنني استوْدَعْتُه الشَّمْسَ لارَتَقَتْ

إليهِ المَنايا عَيْنُها ورَسولُها

يقول: لو صيَّرتُه في الشمس لَأتَتْه المَنايا. وعَينُها: يقينُها (2). ورسولهُا: مَثَلٌ.

وكُنْتُ كعَظْم العاجماتِ اكتَنَفْنَه

بأطرافِه حتى استدَقَّ نُحولهُا (3)

العاجِمات: الماضِغات من الإبل ها هنا. وقوله: اكتنفته، أي أَخذن بنواحي العَظْم يمضُغنه. وقوله: بأطرافه، وإنما للعظم طَرَفان، ولكن قد يُجعل الاثنان جمعًا فأراد كما تقول: أُخِذَ بأطراف عَظْمِه، وإنما تريد طَرَفَيْ عَظْمِه، وأراد ما يلي الطَّرَفين من العَظْم، كما تقول: إنها لحسنة اللَّبات، أراد (4) اللّبّةَ وما حولها.

(1) مريء، أي حسن الهواء غير وخيم.

(2)

فسر أيضًا في اللسان مادة "عين" قوله: "عينها" بأنه يريد نفسها، ثم قال: كان ينبغي أن يقول: أعينها ورسلها، لأن المنايا جمع فوضع الواحد موضع الجمع. وفسر السكري أيضًا هذا اللفظ بهذا المعنى.

(3)

روى الأخفش والباهلي، بأطرافها"، أي الأطراف التي تليها -أي تلي العاجمات- من العظم. وفسر ابن حبيب "أطرافها" بأنه يريد أسنانها؛ وما هنا هو رواية أبي نصر. وقال الأخفش في تفسير هذا البيت: يقول ركبتني المصائب وعجمتني كما عجمت الإبل العظام؛ والإبل إذا أسنت أولعت بالعظام البالية تمضغها تتملح بها تتخذها كالحمض.

(4)

صوابه: "تريد" إذ هو المناسب لقوله قبل: "تقول". وعبارة السكري: "وأنت تريد".

ص: 33

وقوله: "حتى استَدَقّ نُحُولهُا" أي دقَّ دِقُّها، والهاء لأطراف. دِقّتُها، أي كأنها ازدادت دِقّة.

على حِينَ ساواه الشَّبابُ وقارَبَتْ

خُطَايَ وخِلْتُ الأرضَ وَعْثًا (1) سُهولُها

أراد: أصابتني المصيبةُ حين تم "نُشَيبةُ" ونقصتُ أنا وكَبِرتُ.

حَدَرْناهُ بالأثْوابِ في قَعْرِ هُوَّةٍ

شَديدٍ على ما ضُمَّ في اللَّحْد جُوُلها

أي قَبرٍ (2). فالهُوَّة ها هنا: القبر. ما له جُولٌ ولا معقول، أي رأيٌ وتمَاسُكٌ (3) وأصله جانبُ البئر. يقال: انهَدَم جُولُ البئرِ وَجالهُا. (أساس البلاغة).

* * *

وقال أبو ذؤيب أيضا

ألَا زعَمتْ "أسماءُ" أن لا أُحِبُّها

فقلتُ: بَلَى، لولا ينازِعُني شُغْلِي

ينازِعُني: يجاذِبُني. يقول: لو (4) يُخَلِّيني (5) شُغْلي وما أريد.

(1) روى: "سوّاه الشباب" كما روى: "وعرا" مكان قوله: "وعثا"؛ والوعث من الطرق: ما عسر السلوك فيه وشق. ويريد بقوله: "وقاربت خطاي"، قرب بعضها من بعض وتقاصرها. يشير إلى ضعفه عن المشي لكبر سنه، فيظن سهول الأرض وعورا وحزونا يصعب سلوكها.

(2)

في الأصل: "قتل"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا، إذ معنى البيت يقتضي أنه قبر لا قتل.

(3)

المناسب في تفسير الجول هنا ما ورد في اللسان من أن جول القبر ما حوله. قال: وبه فسر قول أبي ذؤيب، وأنشد هذا البيت. وعبارة السكري في شرحه: الجول ها هنا: ما حول القبر من داخله.

(4)

كذا في شرح السكري: والذي في الأصل "لولا" ولا يناسب معناه سياق العبارة: وذكر ابن هشام في المغني أن "لولا" في بيت أبي ذؤيب هذا كلمتان بمنزلة قولك: "لو لم".

(5)

في الأصل: "تخليتي"؛ وهو تصحيف؛ وما أثبتناه عن شرح السكريّ. ونص عبارته: "لو يخليني شغلي وما أريد لجزيتك وأضعفت" اهـ. يشير إلى أن جواب "لولا" في البيت الآتي.

ص: 34

جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الوُدِّ لما شَكَيْتِهِ

وما إن جَزاكِ الضِّعْف مِن أَحدٍ قَبلي (1)

لَعَمْرُكَ ما عَيْساءُ تَتْبَعُ شادِنًا

يَعِنُّ لها "بالجِزْع" مِن "نَخِبِ" النَّجْلِ (2)

قال الأصمعيّ: عَيْساء، يعني ظبيةً بيضاء، شبّهها (3) بالمرأة. تَتْبَعُ شادِنًا، يعني وَلَدَها. ويَعِنُّ لها: يَعْرِض لها. بالجِزْعِ مِنْ نَخِب، وهو وادٍ بالسَّراةِ (4). والنَّجْلُ: النَّزُّ، وهو ماءٌ يَظهَر من الأرض ثم يَجرِى.

إذا هِيَ قامتْ تَقْشَعِرُّ شَواتُها

ويُشرِقُ بَيْنَ اللِّيتِ منها إلى الصُّقلِ

(1) ذكر الأصمعي أن أبا ذؤيب لم يصب في قوله: "ضعف الود" في هذا البيت، وإنما كان ينبغي أن يقول:"ضعفي الود" وإنما يريد أضعفت لك الود. (انظر اللسان في مادّة ضعف) وشرح السكرى. والوجه في تخطيء الأصمعي لأبي ذؤيب أنه أراد بضعف الشيء مثله، فإذا جزاها مثل ودها لم يفعل شيئا. قال في اللسان: الضعف في كلام العرب على ضربين: أحدهما المثل، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء اهـ. وهذا الأخير هو الذي يستقيم عليه البيت. وفي رواية "لما استبنته" مكان قوله:"لما شكيته".

(2)

في اللسان (مادة نخب): "ما خنساء تنسأ شادنا" والخنساء من الظباء: ما تأخر أنفها عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة. وقيل في الخنس غير ذلك. وتنسأ شادنا أي تسوقه. وفي رواية: "تعن له بالجزع من جانب النجل".

(3)

لعل صوابه: "شبه بها المرأة".

(4)

ذكر ياقوت في السراة عدة أقوال: منها أن الحجاز هو جبال تحجز بين تهامة ونجد يقال لأعلاها السراة. قال: وهو أحسن القول اهـ. وتفسير الشارح النخب بأنه واد بالسراة هو أحد الأقوال فيه. وقيل في النخب إنه واد بالطائف. وقال الأخفش: النخب واد بأرض هذيل. (ياقوت). وذكر ياقوت أيضا أنه أضاف النخب إلى النجل بمعنى النز من الماء، لأن في هذا الوادي نجالا كثيرة، كما قيل: نعمان الأراك، لأن به الأراك. وقال في اللسان (مادة نخب) في قوله:"من نخب النجل": أراد من نجل النخب، فقلب، لأن النجل الذي هو الماء في بطون الأودية جنس، ومن المحال أن تضاف الأعلام إلى الأجناس.

ص: 35

الشَّواة: جِلدةُ (1) الرأس، فأراد يَقْشعِرُّ الشَّعرُ الّذي في الرأس. ويشرِق: يضئ. واللِّيت: عند ما يَتَذَبْذَب القُرْط من الإنسان، وهو من الظبية في ذلك الموضع، وهو صفحة العنق. والصُّقْل: الخاصِرة.

تَرَى حَمَشًا في صَدْرِها ثمّ إنّها

إذا أدبَرَتْ وَلَّتْ بمُكتَنِزٍ عَبْل (2)

قوله: تَرَى حَمَشا، أي دِقَةً في صدر هذه الظبية، وهي مكتنِزة المُؤخَّر.

وما أمُّ خِشْفٍ (3)"بالعَلايَةِ" تَرتَعِي

وَتَرمُقُ أَحيانًا مُخاتَلةَ الحَبلِ

بأَحسَنَ منها يومَ قالت كُلَيمةً (4)

أتَصرِمُ حَبْلِي أم تدومُ على الوَصلِ؟

فإِنْ تَزعُمِيني كنتُ أَجهَلُ (5) فيكمُ

فإنّي شَرَيْتُ الِحلْمَ بَعْدَكِ بالجَهْلِ

قوله: تزعمينى: تظنّيني. وقوله: شَرَيتُ الِحلْمَ أي بعتُ الجهلَ بالحلم.

وقال صِحابي: قد غُبِنتَ وخِلتُني

غَبَنْتُ، فلا أدري أشَكْلُهُمُ شَكلي؟

قوله: "وقال صِحابى قد غُبِنتَ" يريد أنه باع الجهلَ بالحلم. فلا أدرى أشكلُهمُ شَكْلى؟ أي أطريقُهم ونحوُهم طريقى ونَحْوى؟.

(1) قال الأصمعى والأخفش: الشواة هاهنا: يداها ورجلاها ورأسها.

(2)

المكتنز: الممتليء اللحم. والعبل: الضخم. وفي رواية: "في جيدها" مكان "في صدرها".

(3)

قد سبق تفسير الخشف والعلاية في حواشي هذا الديوان انظر شرح البيت السادس من القصيدة الثانية. وهذا البيت لم يروه سلمة.

(4)

روى: "تدللا" مكان "كليمة". وروي: "على وصلي".

(5)

أجهل، أي بحبك واتباعي إياك.

ص: 36

فإِنْ تَكُ أُنثَي في "مَعَدٍّ" كريمةً

علينا، فقد أُعطِيتِ نافِلةَ الفَضْلِ (1)

قوله: "نافلةَ" هي التي من الفَضْل.

على أنها قالت: رأيتُ "خُوَيْلِدًا"(2)

تَنكَّر حتى عاد أَسْودَ كالجِذْلِ

قوله: تنكَّر، أي تغيَّر. والجِذْل: أصلُ الشجرة (3).

فتلك خُطوبٌ قد تَمَلَّتْ شَبابنَاَ

زمانًا (4) فتُبلينا الخُطوبُ وما نُبلى

قوله: "خطوب" يعني أمورا. تملَّت شبابنا، أي تمتَّعتْ بشبابنا فتُبْلِينا المنونُ وما نُبليها. في النسخة: المنَون، والخُطوب: رواية.

وتُبلِي الأُولَى يَسْتَلْئِمون على الأُولَى

تَراهُنَّ يومَ الرَّوْعِ كالحِدَإِ القُبْل (5)

قوله: وتُبلِي الأُولَى، يريد: وتُبلِي الّذين يستلئمون على الأُولى، يعني على الخيل الّتي تراهنّ يومَ الرَّوعِ. ويَسْتَلْئمون، أي يلبسون الدُّرُوع (6)، فإذا لَبِس السلاحَ قيل: قد استَلْأَم. والحِدَأُ، الواحد حِدَأَةٌ. يعني هذا الطيرَ. والقَبَلُ في عُيونها: ينظرنَ في جانبٍ.

(1) روى هذا البيت في نسختي الديوان الأوربية والمخطوطة بعد قوله السابق: "جزيتك ضعف الودّ" الخ وهو أنسب في الترتيب لما بين البيتين من الاتصال القوي في معنييهما.

(2)

خويلدا، يعني نفسه.

(3)

في كتب اللغة أن الجذل أصل الشجرة بعد ذهاب الفزع.

(4)

في رواية: "قديما" مكان قوله: "زمانا".

(5)

يقول: إن المنون تبلي الفرسان المدرعين وهم علي الخيول التي تشبه في الحرب الحدأ المفزعة التي كثر تقلب أعينهن ونظرهن، فكأن في أعينهن قبلا بالتحريك، وهو شبه الحول. ولا يريد الشاعر أن في أعين هذه الحدإ قبلا حقيقة، وإنما هو كلام جار على طريق التشبيه.

(6)

يقال للدرع: لأمة. ومنه اشتق "استلأم"، أي لبس اللأمة.

ص: 37

فهُنّ كعِقْبان "الشُّرَيفِ"(1) جَوانحٌ

وهم فوقَها مُسْتَلْئِمُو حَلَقِ الجَدْلِ

قوله: "فهنّ"، يعني الخيلَ كعِقْبان الشُّرَيْف. جَوانحٌ: قد أَكببن في السير. والجنُوحُ: دنوّ الصدر من الأرض، ومنه يقال:"جنَحت السفينةُ"، إذا لزمت الأرضَ. قوله: وهم فَوْقَها، أي فوق الخيل. والجَدْل: المجدولة (2) من الدروع.

مَنايَا يُقَرِّبْن الحُتوفَ لأهلِها

جِهارا ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجَبلِ (3)

قوله: "يَستَمْتِعْن"، يعني المنايا، فإنّ الناس يصيرون لها مُتْعةً تأكلهم. والجَبْل: الكثير.

ومُفْرِهةٍ عَنْسٍ قَدَرْتُ لرِجْلِها

فخرَّتْ كما تتَّابَعُ الرِّيحُ بالقَفلِ (4)

قوله: "ومُفْرِهةٍ"، يعني ناقةً تأتي بأولادها فَوارِهَ. وعَنْسٍ: شديدةٍ. قدَرْتُ لرِجْلها، أي هَيّأتُ وضَرَبتُ رِجلَها فخرّت لمّا عَرْقَبتُها. "كما تتّابَعُ الرِّيحُ بالقَفْل".

(1) الشريف: ماء لبني نمير تنسب إليه العقبان. وقيل: إنه سرة بنجد. شبه الخيل بعقبان هذا المكان في سرعتها. وفي اللسان مادة (جدل): "كعقبان الشريج" ولم نجد في المواضع التي تسمي الشريج موضعا تنسب إليه العقبان.

(2)

في شرح السكري أن الجدلاء من الدروع تكون إذا استدار حلقها ولم يكن أفطح.

(3)

في رواية: "قديما" مكان قوله: "جهارا". والأنس بالتحريك: أهل المحلّ، قاله في اللسان مستشهدا بهذا البيت، كما أورده في مادة "جبل" أيضا ضابطا الجبل بكسر فسكون وبضم الجيم أيضا ضبطا بالعبارة.

(4)

يشير بهذا البيت والذى بعده إلي كرمه، وأنه يعرقب ما عز عليه وكرم عنده من النياق ذوات الأولاد الفواره. فيذهب بها سيفه كما تذهب الريح بيبيس النبت. وروى:"لساقها" مكان قوله: "لرجلها". وروى: "تتايع" بالياء المثناة مكان الباء الموحدة، أي مثلما تذهب بيبيس الشجر وتمضي به. قاله الأخفش.

ص: 38

والقَفْل: النبتُ اليابس. وتَتَابَعُ: تَتَابَعُ. فيقول: خَرّت هذه الناقةُ حين ضَربتُ رِجلهَا كما تمرُّ الريحُ باليَبيسِ فيَتْبَع بعضُه بعضا.

لِحَيٍّ جِياعٍ أو لضَيْفٍ محوَّلٍ

أُبادِرُ ذِكرا (1) أنْ يُلجَّ به قَبْلي

يقول: هذه الناقة التي نحرتُها، لحيٍّ جِياعٍ أو لضَيْفٍ محوَّلٍ: لم يَرْضَ مكانه فتحوَّل (2).

أُبادِرُ ذِكْرا أنْ يُلَجَّ به قَبْلي

أي يَتمادَى فيه غيرى، والذِّكْرُ، يريد به الحمدَ.

رَوِيتُ ولَم يَغرَمْ نَديِمي وحاوَلَتْ

بني عمِّها "أَسماءُ" أن يَفعَلوا فِعلي (3)

أي أرادت (4) أنهم يَفعلون مثلَ فعلي.

فما فَضْلَةٌ من (أذْرِعاتٍ) هَوَتْ بها

مُذَكَّرَةٌ عَنْسٌ كهادِيَةِ الضَّحْلِ (5)

(1) في رواية: "حمدا".

(2)

كان الأنسب أن يقول: "فحوّل" بالبناء للمجهول، ليوافق قوله في البيت:"محوّل" بفتح الواو المشدّدة؛ فإذا كسرت تلك الواو تناسب مع قوله: فتحوّل.

(3)

يقول: إنه قد روى مع نديمه من الخمر التي اشتراها، ولم يغرم نديمه شيئا من ثمنها، وقد حاولت أسماء من بني عمها أن يفعلوا مثل فعلي فلم يستطيعوا.

(4)

في الأصل: "أراد".

(5)

في رواية: "فما نطفة"؛ ومؤدّى الروايتين واحد. يصف تلك الخمر بأنها مما فضل عند تاجرها، وبأنها قد حملتها من أذرعات ناقة شديدة خلقتها كخلقة الجمل. ثم شبه تلك الناقة في صلابتها والتئام جسمها بهادية الضحل، أي الصخرة تكون في الماء يمرّ عليها. وأذرعات: بلد بأطراف الشأم يجاور أرض البلقاء وعمّان، وكانت تنسب إليه الخمر الجيدة قديما.

ص: 39

قوله: "مُذَكَّرة" يعني ناقةً خِلقَتُها خِلْقة الفَحل. "هادِيَة الضَّحل": صَخرةٌ في مُقَدَّم الماء. والضَّحْل: الماء الرقيق.

سُلافةُ راحٍ ضُمِّنَتها إِداوةٌ

مُقيرَّةُ رِدْفٌ لآخِرةِ الرَّحْلِ (1)

تَزَوَّدَها من أهلِ "مصرٍ" و"غَزَّةٍ"

علي جَسْرةٍ مرفوعةِ الذَّيلِ والكِفْلِ (2)

ويُروَى "مِنْ أَهْلِ بُصْرَى (3) وغَزَّةٍ". قولُه: "مَرفوعةِ الذَّيلِ"، يريد على ناقةٍ مشِّمرةٍ (4). وجَسْرَةٍ: جسيمةٍ. وقال الأصمعيّ: ماضيةٍ، وهي التي تَجسُر علي كلّ شيء. وغَزّة: مدينة بالشأم.

فوافَى بها "عُسْفانَ"(5) ثُمّ أَتَي بها

"مَجَنّةَ"(5) تَصفو في القِلالِ ولا تَغلِي

فَرَّوحَها (6) مِن "ذي المَجازِ"(5)"عَشِيّةً"

يُبادِر اولىَ السابقاتِ إلى "الحَبْلِ"

(1) مقيرة، أي طليت بالقار.

(2)

الكفل: من مراكب الرجال، وهو كساء يعقد طرفاه ويلقى مقدّمه علي كاهل البعير، ومؤخره مما يلي العجز. يقول: إن تلك الخمر قد جاء بها رجل من أهل هذا البلد المذكور وحملها على ناقة جسيمة مشمرة في سيرها.

(3)

بصرى: بلد بالشأم من أعمال دمشق.

(4)

يشير الشارح بهذا التفسير إلى أن ذكر الذيل هنا على طريق المثل. والمراد أنها ناقة مشمرة في السير ماضية فيه، كما يؤخذ من كلام السكريّ.

(5)

نقل ياقوت عن السكري أن (عسفان) على مرحلتين من مكة على طريق المدينة، كما ذكر أن (مجنة) عند عرفة، واستشهد بأبيات أبي ذؤيب هذه. و"ذو المجاز": موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب، على فرسخ من عرفة. ويشير الشاعر بهذين البيتين إلى تنقل هذا التاجر بخمره بين تلك المواضع التي كانت أسواقا للعرب ومواسم لهم في الجاهلية.

(6)

في رواية: "فراح بها".

ص: 40

فرَوَّحَها: يريد راح بها. "من ذي المجاز": موسمٌ كان للناس في الجاهليّة. قوله: * يُبادِر أُولى السابِقاتِ إلى الحَبلِ * أي يُبادر الّذين يَقِفونُ "بعرفة" حتي يبيعَ خَمْرَه، "والحَبْل": حَبل عَرَفة. (1)

فجئنَ (2) وجاءت بينهنَّ وإنه

ليَمسَحُ ذِفراها تَزَغَّمُ كالفَحْلِ

يَمْسحُ ذِفْراها صاحبُها، أي يَمْسَحه من العَرَق، والذِّفرَيانِ: ما عن يمين نُقرَة القَفا وشِمالِها. وتَزغَّمُ: تُصوّتُ.

فجاء بها كَيْما يُوافِيَ حِجّةً

نديمُ كِرامٍ غيرُ نِكْسٍ ولا وَغْلِ (3)

النِّكْس: الجبَان الضعيف. والوَغْل: الّذي يَدخل (4) في القوم وليس منهم.

فبات "بجَمعٍ" ثُمّ تمَّ (5) إلى "مِنًى"

فَأَصْبَحَ رَأْدًا يبتغي المِزْجَ بالسَّحْلِ

قوله: "بجَمع" يعنى المُزْدَلِفَة. ثمّ تمّ إلى مِنًى. وأَصبَحَ رَأْدًا، يعنى رائدا: طالبا. يبتغى المزْجَ، يعنى العَسَل. بالسَّحْلِ، يعنى نَقْدَ الدراهم، يقال: سَحلَه مائةَ سَوْطٍ أي عجّل له ذلك.

(1) في كتب اللغة أن الحبل اسم عرفة. قال نصر: يقولون مرة "الحبل" ومرة: "حبل عرفة".

(2)

يقول: فجاءت تلك الرواحل بما يحملنه من الخمر، وجاءت تلك الناقة بينهن وهي تصيح صياح الفحل من النشاط والحدّة، وصاحبها يمسح ذفراها من العرق تسكينا لها. وفي رواية:"فجاء وجاءت".

(3)

في رواية: "كيما يوفّى حجّه".

(4)

عبارة بعض اللغويين في تفسير الوغل والواغل أنه الذي يدخل على القوم في طعامهم وشرابهم من غير أن يدعوه إليه أو ينفق معهم مثل ما أنفقوا.

(5)

في رواية.: "آب" مكان قوله: "تمّ".

ص: 41

فجاء بِمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مِثْلَه

هو الضَّحْكُ إلّا أنّه عَمَلُ النَّحْلِ

قال الأصمعيّ: الضَّحْك: الثَّغْر، فشبَّه بياضَ العسل به. وقال بعضُهم: هو الطَّلْعُ. وقال آخَرون: هو الزُّبد.

"يَمانِيَةٍ"(1) أحيَا لها مَظَّ "مَأْبِدٍ"

و"آلِ قَراسٍ" صَوبُ أَسْقِيَةٍ كُحلِ

يَمانِيَةٍ، يعنى العسلَ (2). ويُروَى: أرمِيَةٍ. والمَظّ: الرمّان (3) البرّىّ يأكله النحلُ. ومَأبِد (4): موضع. وآلُ قَراسٍ: موضع (5). والصَّوْبُ: صَوْب المطر أحيا لها هذا النبتَ. وأَسْقِيَةٍ: السَّقِيُّ والرَّمِيُّ، الشديد (6) الوَقْع من المَطَر. أراد: فما هذا بأطيَبَ من فيها (7). وقوله: كُحْل، أي سُود (8). وقال الأصمعيّ: قَراس: جبلٌ باردٌ، وآلُه: ما حوله من الأرض. ويقال: قارِس، أي بارد جامد.

(1) يصف العسل بأنها يمانية، وبأن النحل التي تخرجها قد رعت الرمان البري في هذين الموضعين اللذين ذكرهما، وهو أجود لعسلها، وأن هذا النبت قد أحياه لها المطر الغزير، فهي ترعى في خصب.

(2)

في كتب اللغة أن العرب يذكّرون العسل ويؤنثونه؛ والتأنيث أكثر.

(3)

ذكر السكري أن هذا الرمان يعقد ورقا ولا يكون له رمّان. وفسر في اللسان المظ في مادة (مظظ) بأنه عصارة عروق الأرطى وهي حمر، والأرطاة خضراء، واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا.

(4)

في اللسان مادة "مبد" أن (مأبد) بلد بالسراة. ورواه صاحب اللسان أيضا في مادة "ميد": "مائد، وقال في تفسيره: إنه اسم جبل، ونقل عن ابن برّى في مادة (مظظ) أن صوابه بالباء، ومن همزه فقد صحّف.

(5)

في اللسان مادة "مظط" أن آل قراس جبال بالسراة. وقال ياقوت: تفتح قافه وتضم.

(6)

في الأصل: "الجديد الودق"؛ وهو تحريف في كلتا الكلمتين صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادتي "مظظ" و"رمى".

(7)

يشير الشارح بهذه العبارة إلي ما سيأتي بعد في القصيدة.

(8)

واحده أكحل.

ص: 42

فما إنْ (1) هما في صَحفةٍ بارقِيَّةٍ

جَديدٍ أُرِقَّتْ بالقَدُومِ وبالصَّقْلِ

بارقيّة، يقول: عُمِلتْ ببارِق (2).

بأطيبَ مِن فيها إذا جئتُ طارقا

ولم يتبين ساطعُ الأُفُقِ المُجلي (3)

الأفُق المُجلِى: يقال: أَجْلى، إذا انكَشَف.

إذا الهَدَفُ المِعْزابُ صَوَّبَ رأسَهُ

وأَمْكَنهَ ضَفْوٌ من الثَّلَّةِ الخُطْلِ (4)

الهَدَفُ: الثقيل الوخِم. والمِعْزاب: الذي قد عَزَبَ بإبلهِ. صَوّبَ رأسَه أي أَمكنه (5) اتساعٌ من المال، أي نام عليه وسكن على ذلك، والثَّلة: الغَنم. والخُطل (6): الطِّوال الآذان.

(1) هما، أي الخمر والعسل.

(2)

ذكر صاحب اللسان أن "بارقا" موضع تنسب إليه الصحاف، ولم يعينه، وذكر ياقوت عدّة مواضع بهذا الاسم ولم يذكر من بينها موضعا تنسب إليه الصحاف.

(3)

يقول: ما الخمر مع العسل بأطيب من ريقها إذا طرقتها والضوء لم ينكشف؛ يريد وقت السحر؛ لأنه وقت تتغير فيه الأفواه.

(4)

في رواية "المعزال" مكان قوله "المعزاب". والمعزال: الذي يرعى ماشيته بمعزل عن الناس. وفي رواية: "وأعجبه ضفو". يصف امرأ نؤوما وخما أمكنته كثرة ماله وسعة نعمته فنام علي ذلك وقعد عن معالي الأمور.

(5)

يلاحظ أن قوله: "أمكنه اتساع من المال" تفسير لقوله بعد: "وأمكنه ضفو" الخ، لا لقوله:"صوّب رأسه" كما يفيده كلامه، وكان الأولى أن توضع العبارة التي بعدها مكانها، إذ هي تفسير قوله:"صوّب رأسه".

(6)

نقل السكري عن بعضهم في تفسير الخطل أيضا أنها الكثيرة الأصوات.

ص: 43

وقال أبو ذؤيب -رحمه الله تعالى- (1)

وَيْلُ أمِّ قَتلَي فُوَيْقَ القاعِ مِنْ "عُشَرٍ"

مِنْ "آلِ عُجْرةَ" أَمسَى جَدُّهُمْ هُصِرَا (2)

عُجْرةُ: من هُذَيل. قوله: جَدُّهم، أي حَظُّهُمْ. والقاع: الأرضُ المستوية وطينتها حُرّة.

كانت أرِبَّتَهمْ (3)"بَهزٌ" وغَرَّهم

عَقْدُ الجِوارِ وكانوا مَعْشَرًا غُدُرا

أربّتهم: جماعةُ رِباب، والرِّبابُ: عَقْدٌ وذِمّةٌ. وبَهزٌ (4): من بني سُلَيم.

كانوا (5) مَلاوِثَ فاحتاجَ الصديُق لهمْ

فَقْدَ البلادِ -إذا ما تُمحِلُ- المَطَرا

قوله: مَلاوث، أي ملاجيء يُلجأ إليهم ويُلاثُ بهم ويُطلَب معروفُهم. فاحتاج الصديقُ لهم، أي احتاج صديقُهم لمّا هلَكوا، كفقد البلاد المطرَ إذا ما تُمحِل.

لا تأمَنَنَّ "زُبَالِيًّا"(6) بذِمَّتهِ

إذا تَقَنَّعَ ثَوبَ الغَدْرِ وأتَزَرا

(1) لم ترد هذه الأبيات الأربعة في النسخة التي بين أيدينا من شرح السكرى لديوان أبي ذؤيب.

(2)

ويل أمّ: كلمة يراد بها التفجع على هؤلاء القتلى. وعشر: شعب لهذيل يصب من "داءة" وهو اسم جبل يحجز بين نخلتين الشآمية واليمانية من نواحي مكة. وضبط في الأصل قوله: "عجرة" بفتح العين. وقد ضبطناه بالضم نقلا عن القاموس وشرحه.

(3)

كانت أربتهم، أي كان ذوي أربتهم، أي الذين تعاهدوا معهم، قاله ابن برّى.

(4)

هم بنو بهز بن امرئ القيس ابن بهثة بن سليم.

(5)

كانوا أي هؤلاء القتلى. وروى في اللسان: "ملاويث" بزيادة الياء. قال ابن سيدة: إنما ألحق الياء لإتمام الجزء، ولو تركه لغنى عنه.

(6)

زباليّ: نسبة إلى زبالة بن تميم، وهو أخو عمرو بن تميم. قال ابن الأعرابي: لهم عدد وليسوا بكثير.

ص: 44

وقال أبو ذؤيب -رحمه الله تعالى-

أَصْبَحَ مِنْ أُمِّ "عمرٍو" "بَطْنُ مَرَّ فأَجْـ

ـزاعُ الرَّجِيعِ" "فذو سِدْرٍ" "فأمْلاحُ" (1)

الجِزْعُ. طَرَفُ (2) الوادي.

وَحْشًا سِوَى أنّ فُرّادَ السِّباعِ بها

كأنّها مِنْ تَبَغِّي الناسِ أَطْلاحُ (3)

قوله: فُرّاد السباع، ولا يَنفرِد من السِّباع إلّا الخبيث. وقوله:"مِن تَبغِّي الناسِ أَطْلاحُ"(4)، أراد كأنها مُتعَبَةٌ في رُبُوضِها.

يا هَلْ أُرِيكَ حُمولَ الحيِّ غاديةً

كالنَّخْل زَيَّنه يَنعٌ وإفْضاحُ

أراد: يا هذا هل أُرِيك. ويُروَى: "بل هل أُرِيك". وقوله: "كالنخل" شبّه الإبلَ بالنخل (5). ويَنْعٌ: إدراكٌ. الإفضاح، يقال: قد أَفضَحَ البُسْرُ، إذا ما اختَلَط (6) في خُضرته بصُفْرةٍ أو حُمْرة.

(1) في رواية: "فأكناف" مكان: "فأجزاع" كما روى "بطن مر" بالتنوين. وهو بفتح الميم من نواحي مكة، عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا. قاله ياقوت واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا. والرجيع: ماء لهذيل بين مكة والطائف. وذكر ياقوت "ذا سدر"، "وأملاحا" ولم يعينهما. قال: وقد تكرر ذكر أملاح في شعر هذيل؛ فلعله من بلادهم.

(2)

وقيل: "منعطفه". وقال أبو عبيدة: اللائق به فتح الجيم.

(3)

في رواية: "فراط السباع" بالطاء، أي ما تقدّم منها. قاله الأصمعى. وروى خالد:"ورّاد السباع" بضم الواو وتشديد الراء. يقول: إن سباع هذه المواضع تربض وتلزق بالأرض كما يصنع المعي، وذلك من خبثها، فهي تتظاهر بالإعياء خداعا تبتغى الناس بذلك، فكأنها من شدّة ما تلزق بالأرض إبل مهازيل.

(4)

الواحد طلح بفتح الطاء وكسرها.

(5)

أوضح من هذا التفسير قول الأخفش: شبه الإبل وما عليها من الزينة بالصفرة والحمرة، بالنخل الحامل.

(6)

فسر بعض اللغويين الإفضاح بأنه خلوص اللون الواحد، إما حمرة وإما صفرة.

ص: 45

هَبَطن "بَطْنَ رُهاطٍ" واعتَصَبْنَ كما

يَسقِي الجُذوعَ خِلالَ الدُّورِ نَضَّاحُ (1)

هَبَطْن: يعني الإِبِلَ بَطْنَ رُهاطٍ. واعتصبن، أي اجتمعَن عُصْبةً. وقوله:"كما يَسْقِى الجُذوعَ خِلالَ الدُّور" والمعنى كأنّ الحُمولَ نخلٌ، فَطوَّل، فقال: كما يَسقِي الجُذوعَ نَضّاح، فهذا كما قال امرؤ القيس في تطويل المعنى:

لها مَتْتَنانِ خَظَاتا كَما

أَكَبَّ على ساعِدَيهِ (2) النَّمِرْ

والمعنى: لها مَتْنَتان كساعدَيِ النَّمِر، ولكن طَوَّل. والنّضَّاح: الّذي يَسْقِي.

والناضح: البعير. والنَّضح: الفِعل. والنّضّاح: الرجل، يقال: مالُ فلانٍ يُسقَى بالنَّضْح.

ثم شَرِبْنَ "بنَبْطٍ" والِجمالُ كأنّ

الرَّشحَ منهنّ بالآباطِ أمساحُ

نَبْط: موضع (3)، وشبَّه سوادَ العَرَق إذا سال بالمِسْح (4)، فإذا جفَّ صار إلى الصُّفرة.

ثم انتَهَى بَصَرِي عنهمْ وقد بَلَغوا

"بَطْنَ المَخِيمِ"(5) فقالوا "الجَوَّ" أو راحوا

(1) رهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة. وقال قوم: وادي رهاط في بلاد هذيل.

(2)

المتنتان: جنبتا الظهر. والمتنة: لغة في المتن. وخظاتا، أي اكتنزتا. قال الكسائي: أراد خظتا، فلما حرك التاء ردّ الألف التي هي بدل من لام الفعل، لأنها إنما كانت حذفت لسكونها وسكون التاء، فلما حرك التاء في التثنية ردّ الألف. وذهب الفراء إلى أنه أراد خظاتان، فحذف النون استخفافا. اهـ ملخصا من كتب اللغة. والشاعر يصف فرسا.

(3)

ذكر ياقوت أن (نبطا) من شعاب هذيل.

(4)

المسح: كساء من شعر.

(5)

ذكر ياقوت المخيم وقال: إنه واد، وقيل: جبل، ولم يعينه. وجوّ: اسم لناحية اليمامة.

ص: 46

ويُرْوَى: "نَجْدَ المَخِيم"، والنَّجْد: الطريق. ثم انتَهَى بَصَرِى، أي انقطع. وقوله:"فقالوا"، مِن القائلة (1).

إِلّا تَكُنْ ظُعُنًا تُبْنَى هَوادِجُها

فإِنّهنَّ حِسانُ الزِّيِّ أَجلاحُ (2)

فيهنّ أُمُّ الصَّبيَّين الّتي تَبَلَتْ

قلبي فليس لها ما عِشتُ إنجاحُ (3)

قوله: "تَبَلَت قَلْبِي" أي أصابته بتَبْل (4). وإنْجاح، لا يُنجِح.

كأنّها كاعِبٌ حَسْناءُ زَخْرَفَها

حَليٌ وأترَفَها طُعْمٌ وإِصلاحُ (5)

قوله: زَخرَفَها: زيّنها. وقوله: وأَترَفَها: نَعَّمَها.

أَمِنْكِ بَرْقٌ أَبِيتُ اللَّيْلَ أرْقُبُه

كأنّه في عِراضِ "الشّامِ" مِصْباحُ؟

أمِنْك: يريد أمِنْ ناحيتكِ بَرْقٌ. أَرْقُبُه: أَنْظُرُ إليه من أين يلَمَع. في عِراضِ الشام: في نواحي الشام، الواحد عُرْض.

(1) القائلة: نصف النهار.

(2)

لم يرو أبو نصر هذا البيت. ورواه الأصمعي. يقول: إلا تكن ظعنا ترفع لها الهوادج، أي تحمل لها على الإبل، فإن هوادجهن حسان الزي أجلاح: جمع أجلح، وهو الهودج إذا لم يكن مشرف الأعلى. وقال الأصمعي: إذا كان مربعا. وجمع أفعل على أفعال قليل جدًّا. ورواه أبو عمرو "أملاح"، جمع مليح. والذي في الأصل:"ظعن" بالرفع.

(3)

فليس لها ما عشت إنجاح، أي ليس لحبي لها وسعيي فيها إنجاح. قاله في اللسان في مادة "نجح". وقال السكري: أي ليست لحوائجي إنجاح. وورد في الأصل مكتوبا على هامش النسخة "لعله له".

(4)

التبل: غلبة الحب على القلب وتهييمه وأن يذهب به.

(5)

ذكر السكري أن الباهلي لم يرو هذا البيت في هذا الموضع، وإنما جاء به في صفة الهضبة في آخر القصيدة.

ص: 47

يَجُشُّ رَعْدًا كهَدْرِ الفَحْلِ تَتبعُه

أُدْمٌ تَعطَّفُ حَوْلَ الفَحْلِ ضَحضاحُ (1)

قوله: يَجُشّ رعدا، يعني البَرْقَ يَستَخْرجُ رَعْدا ويستثيره كما تُجَشُّ البئرُ: تُكسَحُ ويُخرَجُ ما فيها. وضَحضاح، أصلُ الضَّحْضاح الماء الرقيق، فأراد هاهنا جماعةً إبلٍ قليلة (2).

فهُنّ صُعْرٌ إِلى هَدْرِ الفَنِيقِ ولَمْ

يَحْفِزْ ولَمْ يُسْلِه عنهنّ إِلقاحُ

فهنّ صُعْرٌ: يعني الإبلَ، أي مِيلٌ إلى هَدرِ هذا الفَحْلِ. ولم يَحْفِز: لم تَذهَبْ غُلمَتُه (3). ولم يُسلِه إلْقاح: يقال: أَلْقَحَها يُلْقِحُها: إذا ضَربَها فحمَلتْ.

فمَرَّ بالطَّيرْ منه فاعِمٌ كَدِرٌ

فيه الظِّباءُ وفيه العُصمُ أَجناحُ (4)

(1) الأدم: الإبل في لونها بياض، الواحد آدم وأدماء. شبه البرق فيه رعد وقطع السحاب حوله بفحل الإبل المرغى تجتمع حوله الإبل. وروى "أوضاح" مكان قوله:"ضحضاح" أي إبل بيض. وروى: "أنضاح" جمع ناضح.

(2)

في اللسان عن خالد بن كلثوم أن معنى الضحضاح كما في هذا البيت الإبل الكثيرة. قال: الضحضاح في لغة هذيل: الكثير، لا يعرفها غيرهم.

(3)

يلاحظ أن تفسير الحفز بهذا المعنى تفسير باللازم، إذ لم نجده بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة. والذي وجدناه ما نقله صاحب التاج عن الصاغاني أن الحفز بمعنى الجماع. ويلزم منه ما ذكر الشارح هنا. وفي اللسان مادة "صعر"، "ولم يجر" مضبوطا بضم الياء وسكون الجيم وفتح الراء مكان قوله:"ولم يحفز"؛ فلعله تحريف. وشرح هذا البيت ساقط من النسخة التي بين أيدينا من شرح السكري لديوان أبي ذؤيب؛ وكذلك بقية القصيدة.

(4)

ورد هذا البيت في اللسان مادة "جنح" وفسر الأجناح فيه بالموائل. يشير إلى غزارة هذا السيل وكثرة الطير الحائمة عليه، فيقول: إنه قد مر بالطير منه ما ملأ الأودية والوهاد، وإن الظباء والوعول قد لزمت الأرض ولصقت بها خشية منه. والعصم: جمع أعصم، وهو من الوعول والظباء ما في ذراعيه بياض وسائره أسود أو أحمر.

ص: 48

فمَرَّ بالطير: يعني السَّيلَ أنّه كثيرُ الطَّير. فاعمٌ: سَيلٌ ذو إفعام، أي مَلأَ كلَّ شيء. وقولُه: العُصْمُ أجناحُ: قد جَنَحَت، دَنَت من الأرض، ومنه: جَنحَت السفينةُ: إذا لَزِمَت الأرضَ.

لولا تَنَكُّبُهنَّ الوَعْثَ دمَّرهَا

كما تَنكَّبَ غَرْبَ البئرِ مَتَّاحُ (1)

الوَعث: السهولة واللِّين، أي إذا مررنَ بمكانٍ سهلٍ تنكَّبنه لا يكسِرهنّ السَّيل، فكأنّهن تنكّبن كثرةَ الماء؛ يعني الظِّباءَ والعُصمَ.

وفي غير النسخة في التفسير: أنه يقول:

* لولا تَنَكُّبُهنّ الوَعْثَ دَمَّرَها *

كَبَّها على وجوهها، أي تنكَّبْنَ السهولةَ (2) وتنحَّين عنه، يعني الطين. وقوله:

* كما تَنَكَّبَ غَرْبَ البئرِ مَتّاحُ *

وهو أن ينقطع الغَربُ -وهو [الدَّلو](3) الضَّخمةُ- فيخاف أن يمرّ به رِشاؤها فينفلِتَ في البئر.

هذا، ومَرْقَبةٍ عَيْطاءَ قُلَّتُها

شَمّاءُ ضاحيةٌ للشمسِ قِرْواحُ

قوله: هذا، أي هذا قد مضى لسبيله، ما وَصَف قَبْلُ. ثم قال: ورُبَّ مَرقَبَةٍ، والمَرْقَبة: ما أَشرَفَ. عَيْطاء: طويلةُ العُنُق. وشَمّاء: مُشِرفة. قوله:

(1) المتّاح: مستخرج الدلو من البئر. يشير إلى شدّة السبيل حتى إن الظباء والوعول قد تجنبن سهل الأرض لكثرة الماء به، ثم شبه تباعدهن عن السهل بتباعد المستقي حين تنقطع دلوه فتهوى إلى البئر ويخشى أن يمرّ به حبل الداو فيسقطه فيها.

(2)

في الأصل: "إلي السهولة" وقوله: "إلى" زيادة من الناسخ.

(3)

لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ والسياق يقتضيها.

ص: 49

ضاحِيَةٌ للشمس: ظاهرة. قِرْواح: ليس فيها مستظَلٌّ ولا شيءٌ، ويقال للأرض المستَوِية: قِرْواحٌ وقَروَح (1).

قد ظَلْتُ فيها مَعِي شُعْثٌ كأنهُم

إذا يُشَبُّ سَعِيرُ الحَرْبِ أَرْماحُ (2)

لا يَستظِلُّ أخوها وهو مُعْتَجِرٌ (3)

لرَيْدِها مِنْ سَمومِ الصَّيْفِ مُلْتاحُ

"لا يَستظِلُّ أخوها" يريد: أخا هذه المَرقَبةِ. وهو مُعْتَجِرٌ بعِمامته. والرَّيْد: ما بَدَرَ (4) من هذه المَرْقَبة. ومُلْتاج: متغيّرٌ لونُه قد غيّرتْه السَّموم.

وقال أبو ذؤيب (5) -رحمه الله تعالى-

صَبا صَبْوةً بل لَجَّ وهو لَجوجُ

وزالت لها "بالأنعَمَيْنِ" حُدُوجُ (6)

كما زالَ نَخلٌ "بالعِراقِ" مُكَمِّمٌ

أُمِرَّ له مِن "ذي الفُراتِ" خَليجُ (7)

(1) لم نجد في شرح القاموس ولا في اللسان ولا في الأساس لفظ "قروح" بدون ألف بعد الواو بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه عدا القرواح: القرياح.

(2)

يصف أصحابه الذين معه في هذه المرقبة بأنهم شعث: جمع أشعث، وهو الذي تلبد شعره واغبر ولم يدّهن؛ يريد أن أصحابه غير مترفين لكثرة ما يمارسون الغارات، فلا يفرغون إلى التزين وترجيل رؤوسهم.

(3)

الاعتجار: لف العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك.

(4)

عبارة بعض اللغويين "الريد": الحرف الناتيء في الجبل.

(5)

لم يرو الأصمعي خمسة أبيات من أوّل القصيدة. ووردت في الأصل في هامش النسخة؛ وكتب بعد البيت الخامس منها: "من رواية العين".

(6)

الأنعمان: واديان ذكرهما

ياقوت ولم يعين موضعهما. والحدوج: جمع حدج بكسر الحاء، وهو الهودج يشدّ فوق القتب حتى يشدّ على البعير شدّا واحدا بجميع أداته؛ وهو مركب للنساء.

(7)

المكمم من النخل: ما أخرج أكمامه، جمع كم بكسر الكاف، وهو وعاء الطلع. شبه الهوادج المرفوعة على الرواحل بنخل أخرج أكمامه.

ص: 50

فإِنّكَ -عَمْرِى- أيَّ نظرةِ عاشقٍ

نظرتَ "وقُدْسٌ" دوننا "ودَجُوجُ"(1)

إلى ظُعُنٍ كالدَّومِ فيها تَزايُلٌ

وهِزّةُ أَجْمالٍ لهنّ وَسِيجُ (2)

غَدَوْنَ عُجَالَى وانتحَتهُنَّ "خَزْرَجٌ"

مُعَفِّيَةٌ آثارَهُنّ هَدُوج (3)

سَقَى "أُمَّ عَمْرٍو" كلَّ آخِرِ ليلةٍ

حَناتِمُ سُودٌ ماؤهُنّ ثَجِيجُ (4)

حَناتِم: يعني السحابَ في سَوادِه. والحَنتَم: الجَرَّة الخَضراء (5). وثَجِيج: سائل.

تَرَوّتْ بماءِ البَحْرِ ثمَّ تَنَصّبَتْ

على حَبَشِيّاتٍ لهنّ نَئيجُ (6)

(1) قدس: جبل عظيم بنجد. ودجوج: رمل مسيرة يومين إلى دون تيماء بيوم. ذكره ياقوت وذكر شعر أبي ذؤيب هذا.

(2)

الوسيج: ضرب من سير الإبل، وهو مشي سريع. والذي في الأصل: هجيج، ولم نجد من معانيه ما يناسب سياق البيت. وما أثبتناه عن ديوان أبي ذؤيب المطبوع في أوربا.

(3)

الخزرج من نعت الريح. قال ابن سيدة: هي ريح الجنوب. والهدوج: الريح التي في صوتها حنين. وفي الأصل: "مقفية" بالقاف مكان قوله: "معفية" بالعين المهملة.

(4)

من هنا تبتدئ رواية الأصمعي. وروى في اللسان "في مادتي (ثجج) و (حنتم) ": "سحم" مكان: "سود" وكلا اللفظين بمعنى واحد. وقال: ومعني "كل آخر ليلة": أبدا. وذكر السكرى نحو هذا المعنى، فقال: قوله: "كل آخر ليلة" هذا مثل قوله: لا أكلمك آخر الليالى؛ ومعناه لا أكلمك ما بقى من الزمان ليلة أبدا.

(5)

قال السكرى بعد تفسير الحناتم بما يوافق ما هنا: شبه بها، أي بالحناتم، السحاب الأسود. والأخضر عند العرب الأسود؛ ويقال للسحاب إذا كان ريان:"أسود كأنه الحنتم" اهـ.

(6)

يقول: إن تلك الحناتم، (وهي الجرار) قد تروّت من ماء البحر، ثم ارتفعت على سحائب سود لهن نئيج، أي مر سريع مع صوت.

ص: 51

قوله: "تَرَوَّت بماءِ البحرِ"، يعني الحَناتِمَ. ثم تنصَّبتْ على حَبَشيَّاتٍ:

على سَحائبَ سُودٍ. وقولُه: "نئيج"، أي مَرٌّ سريعٌ اهـ.

شَرِبْنَ بماءِ البَحرِ ثم ترفَّعت

مَتَى لُجَجٍ خُضرٍ لهنَّ نَئيجُ (1)

من رواية العين.

إِذا هَمَّ بالإِقلاعِ هَبَّت له الصَّبا

فأعقَبَ نَشءٌ بعدَها وخُروجُ (2)

إذا هَمَّ السَّحابُ بالإقْلاعِ هَبَّت له الصَّبَا

فأعقَبَ نَشءٌ بعدَها وخُروجُ

يقول: جَمعتْه فأعقَبَ نَشءٌ: يريد غَيما بعد غَيم، يقال: نَشأَ السحابُ. وخروج السحاب ونَشؤُه واحد (3).

يُضئُ سَناهُ راتِقًا متكَشِّفًا

أَغَرَّ كمصباحِ اليهودِ دَلُوجُ (4)

راتِقا، يريد سحابا مُرتَتِقا بالسَّحاب. متكشِّفا: بالبَرق، وذلك أنّ البَرْقةَ إذا بَرَقَت تَكشِف السحابَ. وكان الأصمعيُّ يَرفَعُ، "رانِقٌ متكشِّفٌ"، يريد: يضئ

(1) وفي رواية: "ثم تصعدت

متى لجج سود". و"ومتى" هنا بمعنى "من" في لغة هذيل. وتكون "متى" بمعنى وسط الشيء في لغة هذيل أيضا. يقال: أخرجته من متى كمى، أي من وسطه.

(2)

في رواية: "فعاقب" قاله ابن حبيب. وقال: يقال للسحاب أوّل ما ينشأ: قد نشأ له نشء حسن، وخرج له خروج حسن.

(3)

قيل في تفسير خروج السحاب أيضا إنه اتساعه وانبساطه، واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا. (انظر اللسان مادة خرج).

(4)

في رواية: "أجوج" مكان "دلوج"، أي مضيء. والهاء في قوله:"سناه" للبرق، أي ضوؤه. يقول: إن هذا البرق يضيء السحب المرتتقة، أي المنضم بعضها إلى بعض، فتنكشف بضوئه. ونقل في اللسان مادة "أجج" عن ابن برى أن الهاء في قوله:"سناه" تعود على السحاب. و"راتقا": حال من الهاء في "سناه".

ص: 52

راتقٌ متكشِّفٌ في سناهُ. دَلوج: يَدْلُجُ كما يَدْلُج الساقي، يحمل الدَّلوَ من البئر إلى الحوض يَدْلُجُ بِهِ.

كما نَوَّرَ المِصباحُ للعُجْمِ أمرَهُم

بُعَيدَ رُقادِ النائمِين عَريجُ (1)

قال الأصمعيّ: هذا على كلامين، أراد: كما نَوَّرَ المِصباحُ للعُجمِ أمرَهُم عَريجٌ: عَرَجَ بعد ليلٍ، أي عَطَفَ.

أرِقْتُ له ذاتَ العِشاءِ كأنّه

مَخاريقُ يُدعَى وَسطَهنَّ خَريجُ (2)

أَرِقت له، أي أَرِقتُ لذلك البرق. ذاتَ العشاء: أراد الساعة التي فيها العشاء. قوله: كأنه مَخاريقُ، يعني البرقَ. والمَخاريقُ: التي يلعبُ بها الصِّبيان، وهو الخَرَاج. وخَرِيج: لُعبةٌ يلعب بها الصِّبيان.

(1) أراد تشبيه البرق بمصباح أوقده في كنيسة العجم رجل عرج عليهم ليلا بعد ما ناموا. ويقرأ قوله في البيت: "أمرهم" بالنصب والرفع؛ فمن نصب جعل قوله: "عريج" فاعل لفعل محذوف، أي استصبح لهم رجل عرج عليهم، كما يفهم من كلام الأصمعي، ونصه كما في النسخة المخطوطة التي بين أيدينا من شرح السكري لديوان أبي ذؤيب: أي يضيء سناه كما نوّر السراج للعجم أمرهم؛ والعريج: الذي أتاهم بعد ما ناموا فاستصبح لهم، وإنما يريد كما عرج رجل بعد ما نام الناس فأسرج في الكنيسة. عرج: عطف فأقام بعد ليل، أراد كما نوّر المصباح للعجم أمرهم، ثم رفع عريج كما نوّره عريج على كلامين اهـ. ومن رفع "أمرهم"جعله هو العريج.

(2)

المخاريق: جمع مخراق، وهو المنديل يلف ليضرب به، ويعرف بين العامة في مصر "بالطرّة". وذكر السكرى أنه شبه البرق في انشقاقه بها. والذى في اللسان مادة "خرج" أنه أراد صوت اللاعبين شبه الرعد بها. وفي رواية:"تحتهن" مكان قوله: "وسطهن" أي تحت هذه المخاريق، أو وسطها. وهذه اللعبة تسمى عند العرب:"خريج" و"خراج" بكسر الجيم كحذام وقطام، لأنهم كانوا يدعون فيها: خراج خراج. وقال أبو علي الفارسي: لا يقال: خريج؛ وإنما المعروف: خراج، غير أن أبا ذؤيب احتاج إلى إقامة القافية فأبدل الياء مكان الألف. وقال الفراء: خراج: اسم لعبة لهم معروفة وهو أن يمسك أحدهم شيئا بيده ويقول لسائرهم: "اخرجوا ما في يدي".

ص: 53

تُكَرْكُره نَجدِيّةٌ وتَمُدُّهُ

يَمَانِيَةٌ فَوْقَ البِحارِ مَعُوجُ (1)

تُكَرْكِرهُ، الهاء للسحاب، يريد: تُرَدِّده. نَجديّةٌ: رِيحٌ. وتَمدّه يَمانِيةٌ، يعني الريحَ الجنوب تزيد فيه. ومَعُوج: تجرِي على البحار. والبحار: المُدُن (2). والبَرِّيّةُ (3): الباديةُ. والمَعْجُ: السَّيرُ (4) السَّهل.

له هَيدَبٌ يَعلُو الشِّراجَ وهَيْدَبٌ

مُسِفٌّ بأَذنابِ التِّلاعِ خَلُوجُ (5)

الشِّراج: [شُعَب](6) تكون في الحِرار، والواحدةُ حَرَّةٌ، وهي الحجارة (7) السُّودُ الصخورِ (8). مُسِفٌّ: دانٍ من الأرض. وقوله: بأذناب التِّلاع، والتَّلْعةُ: المَسِيل من المكانِ المُشِرف في بطنِ الوادي. وأذنابه: أواخره. خَلوج: يجتذِب الماءَ.

(1) في رواية: "مسفسفة فوق التراب" مكان قوله: "يمانية فوق البحار". والمسفسفة من الرياح والسفسافة: القريبة من الأرض تسفسف التراب، أي تثيره وتكنسه.

(2)

والقرى أيضا. وواحد البحار بهذا المعنى بحرة.

(3)

في الأصل: "البرى" بسقوط التاء؛ ولم نجده في كتب اللغة بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه: البرية، الصحراء؛ والبرية أيضا من الأرضين: ضد الريفية.

(4)

في اللسان أن المعج سرعة المتر، وفسر المعوج في هذا البيت بالريح السريعة المرّ.

(5)

في رواية: "دلوج" مكان قوله: "خلوج" والدلوج: السحاب الذي يمرّ مثقلا بمائه. يقال: مر يدلج بحمله: إذا كان مثقلا. وهيدب السحاب: ذيله الذي يتدلى منه ويدنو مثل هدب القطيفة. يصف السحاب بأن له ذيولا مسبلة يرتفع بعضها ويدنو بعضها من الأرض. وإذا دنا السحاب وأسفّ كان أكثر ماء.

(6)

لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ والسياق يقتضيها؛ وقد أثبتناها نقلا عن السكرى. فإن أكثر ما في هذا الشرح منقول عنه باختصار. وفسرت الشراج في اللسان بأنها مسايل الماء من الحرار إلى السهولة، الواحد شرج بفتح فسكون؛ واستشهد بهذا البيت، ومؤدّى التفسيرين واحد.

(7)

يستفاد من كتب اللغة أن الحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، وليست هي نفس الحجارة كما هنا.

(8)

الظاهر أن قوله: "الصخور" زيادة من الناسخ إذ لا مقتضى لها هنا؛ ولم ترد في شرح السكرى المنقول عنه هذا الكلام.

ص: 54

ضَفادِعُه غَرْقَى رِواءٌ كأنّها

قِيانُ شُروبٍ رَجْعُهُنّ نَشِيجُ (1)

قوله: "ضَفادِعُه غَرْقَى" والضفادِعُ لا تَغرَق، إنما أراد كثرةَ الماء. وقِيانُ شُروبٍ، أي إِماءٌ يغنِّينَ. ونَشِيج: رَجْعُ أصواتهِنَّ. شَبّه أصواتَ الضفادعِ بالمغنيِّاتِ تنشِج بكاءً كأنّهنّ يقتلِعْنه قَلْعا من أجوافهنَّ.

لِكُلِّ مَسِيلٍ مِنْ "تِهامةَ" بَعْدَ ما

تَقَطَّعَ أَقرانُ السَّحابِ عَجيجُ

أراد: لكلّ مَسيلٍ من الماء عَجيجٌ (2). وأقرانُ السحابِ: شبَّه السحابَ بإبلٍ مقرونةٍ فانقطعتْ أَقرانها فتبدّدت، فضرب السحابَ (3) لها مثلا، فأراد تفرُّقَ السحابِ.

كأنّ ثِقالَ المُزنِ بين "تُضارِعٍ"

و"شامَةَ" بَرْكٌ مِنْ "جُذامَ" لَبِيجُ (4)

المُزن: سحابٌ، الواحدُ مُزْنة. وتُضارِع وشامةُ: مَوضعانِ. والبَرْكُ: الإِبِلِ (5). فشبّه ثِقَالَ المُزْنِ بالبَرْكِ. وَلَبيجٌ: مَلبوجٌ به، أي ضرَب هذا السحابُ بنفْسِه فلا يبرحُ؛ ومنه: الْبُجْ بهذا المكان؛ ولبَجتُ بفلانٍ ألبُجُ به لَبْجًا: إذا ضربتَ به الأرضَ.

(1) الشروب بضم الشين: جمع شرب بفتحها. والشرب: جمع شارب كصحب وصاحب. وذكر في اللسان مادة (نشج) وجهين في مرجع الضمير في قوله: "رجعهن" فقال بعد أن أورد البيت: أي رجع الضفادع؛ وقد يجوز أن يكون رجع القيان.

(2)

يريد بالعجيج: صوت الماء.

(3)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل وشرح السكري؛ وصوابها: "فضربها مثلا للسحاب" إذ المثل هو المشبه به لا المشبه.

(4)

في رواية: "شابة" بالباء مكان "شامة" بالميم، كما في شرح السكري، وكذلك رواه في اللسان في مادتي "لبج" و"ضرع". قال السكري: شابة: موضع. وتضارع: جبل. وفي معجم البلدان أن تضارع جبل بتهامة لبني كنانة. وقال الواقدي: هو جبل بالعقيق. وقال الأصمعي: شامة وتضارع: جبلان بنجد. وجذام: حي من اليمن من ولد أسد بن خزيمة، وخصهم أبو ذؤيب لأنهم أكثر الناس إبلا.

(5)

الإبل، أي الإبل الباركة. وفي اللسان مادة "برك" أن البرك جمع بارك مثل تجر وتاجر. وقيل: هي إبل الحواء كلها التي تروح عليها بالغة ما تبلغ وإن كانت ألوفا، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا.

ص: 55

تُضارِع (1)، بضم التاء؛ ومنه الحديثُ:"إذا سال تُضارِع فذاك عامٌ خَصيب".

فذلِكَ سُقيَا "أمّ عَمرٍ" وإنّني

لِمَا بذَلتْ مِن سَيبِها (2) لبَهيجُ

قوله: بهيج، أي فَرِح، يقال: بَهِج به بَهَجًا.

كأنّ ابنةَ السَّهمِيِّ دُرّةُ قامِسٍ

لها بعدَ تقطيع النُّبوحِ وَهيجُ

سَهْمٌ: حيٌّ من هُذيل. وشبَّه ابنةَ السَّهمِيّ بِدُرّةِ قامِس، أي غائص. والنُّبوح: أصواتُ الناس. فيقول: الدُّرّة تُضئ الليلَ، لها وَهيج.

بكفَّيْ رَقاحِيٍّ يُحِبُّ (3) نمَاءَها

فيُبرِزُها للبَيْعِ فهيَ فَرِيجُ

يقول: هذه الدُّرّة بكفَّيْ رجلٍ تاجِرٍ (4) رَقاحِيّ، يُرقِّح معيشتهَ، يريد: يصلِحها. فهي فَرِيج، أي مكشوفٌ عنها.

أَجازَ إليها لُجَّةً بعد لُجَّةٍ

أَزَلُّ كغُرْنُوقِ الضُّحولِ عَمُوجُ (5)

يريد: هذا الغائصُ أجاز إلى الدرّة، أي نفَذ. واللجّة: الماء الكثير الذي لا ترى طَرَفيْه. أزلّ: أرسَحُ (6) وأرصَعُ، يقال: أَزلُّ وأرسَحُ وأرصَعُ بمعنى واحد. كغُرْنُوق

(1) يلاحظ أن هذه العبارة وردت في الأصل منفصلة عن شرح البيت؛ وقد كتبت منفردة بجانب الصفحة. وفي اللسان مادة "ضرع" ومعجم البلدان في الكلام على تضارع: "فذلك عام ربيع".

(2)

السيب: العطية، يريد ما تمنحه إياه من ود.

(3)

في روايَة: "يريد" يصف الدرّة بأنها بكف تاجر قائم على ماله مصلح له، فهو يريد غلاء ثمنها فيبرزها في السوق ظاهرة مكشوفة للناس لا يحجبها شيء.

(4)

في الأصل: "آخر"؛ وهو تحريف.

(5)

في اللسان وشرح السكرى كغرنيق بضم الغين وفتح النون، وهو بمعنى الغرنوق. وفي الأصل:"غموخ" بالغين المعجمة؛ وهو تصحيف. يصف المشاق والمتاعب التي لقيها ذلك الغائص في استخراج تلك الدرة من البحر، وأنه نفذ في لججه وصار يتلوّى في السباحة وينحرف من ناحية إلى أخرى حتى استخرجها.

(6)

الأرسح: قليل لحم العجز والفخذين، وكذلك الأرصع، وهي لغة فيه؛ وإنما وصفه بذلك لأنه أخف له إذا غاص.

ص: 56

وهو طائر من طير الماء (1) شبهُ الكُرْكيّ. والضُّحول: الماء القليل، والواحد ضحلٌ. وعَمُوج: الذي يتلوَّى في الماء، يعني الغائص. أراد: أزَلُّ عَوج.

فجاءَ بها ما شِئتَ مِن لَطَمِيّةٍ

يَدومُ الفراتُ فَوقهَا ويموجُ (2)

قوله: "مِن لطميَّةٍ"، أي من عِيرٍ لَطَمِيَةٍ (3). وقوله:"يدوم الفُرات"، كأنه ظنّ أن الدّرَّة إذا كانت في الماء العذب فليس شيء يُشبهها، فلم يعلم (4).

فجاءَ بها بَعْدَ الكَلَالِ كأنّه

من الأيْنِ مِحْراس أقَذُّ (5) سَحيجُ

(1) زاد في اللسان وصف ذلك الطائر بأنه أبيض. وقيل: هو طائر أسود طويل العنق.

(2)

في رواية: "البحار" مكان قوله: "الفرات"؛ وهي أجود لسلامتها من النقد الآتي بعد في الشرح. وروى في اللسان "يدور" مكان: "يدوم". وفسر قوله "لطمية" في هذا البيت بعدة معان ذكرها صاحب التاج (مادة لطم) فقال: الدرة اللطمية نسبة إلى اللطيمة، وهي السوق التي تباع فيها العطريات. وقد سئل الأصمعي هل الدرة تكون في سوق المسك؟ فقال: تحمل معهم فى عيرهم. وقيل: لطمية، أي إنها في عير لطمية (أي عير تحمل التجارة والعطر). وقيل: اللطمية: نسبة إلى النطام البحر عليها بأمواجه. قال: وبكل ذلك فسر لفظ اللطمية في هذا البيت، أي بيت أبي ذؤيب. وقال في اللسان مادة (لطم): إن قوله: "ما شئت من لطمية" فى موضع الحال. ويدوم الفرات: من دام الماء بمعنى سكن وركد. يقول: إن الماء يسكن فوقها حينا ويموج حينا.

(3)

يستفاد من كلامه هنا تفسير اللطمية بمعنى اللطيمة، وهي الإبل التي تحمل العطر. وقد نقلنا عن التاج في شرح هذا البيت ما يخالف هذا التفسير، فانظره في الحاشية السابقة.

(4)

قائل هذا النقد هو الأصمعي، ونص كلامه: الفرات العذب؛ ولا يجيء منه الدر، إلا أنه غلط وظن أن الدرة إذا كانت في الماء العذب فليس لها شبه، ولم يعلم أنها لا تكون في العذب اهـ (عن السكري).

(5)

في الأصل: "محراش أقذ شجيج" بالشين المعجمة في الكلمة الأولي والشين المعجمة أيضا والجيم في الكلمة الأخيرة. وفي هذه العبارة تصحيف في لفظين. والصواب ما أثبتناه عن النسخين الأوربية والمخطوطة لديوان أبي ذؤيب. وفي اللسان وشرح القاموس مادة (سحج) مخراش؛ وهو تصحيف في كلا الكتابين أيضا. شبه الغائص فيما ناله من التعب والإعياء بسهم ألزقت به القذذ، (أي الريش) قد سحجته الأرض، أي جردت قشرته.

ص: 57

فجاء بالدُّرَّة. قوله من الأيْنِ: من الإعياء. محراس: سهم (1). وأقَذُّ: مُلْزَق الريش. سحِيج: قد جَرَدَته وقشرته الأرضُ. وأقذُّ أيضاً: (2) مقذَّذ.

عَشِيّةَ قامت بالفِناءَ كأنّها

عَقِيلةُ نَهْبٍ تُصْطَفَى وتَغوجُ (3)

عِشِيّةَ قامت هذه المرأةُ كأنّها عَقِيلةُ نَهْبٍ. والعقِيلةُ: الكريمة. تُصْطَفَى: تؤخذ صفِيًّا. وتَغُوجُ: تتثنَّى في مِشْيتِها؛ ومنه يقال: فَرسٌ غَوْجُ اللَّبانِ إذا كان فيه لينٌ وتعطُّفٌ (4).

وصُبَّ عليها الطِّيبُ (5) حتَّى كأنها

أسِيٌّ على أمِّ الدِّماغِ حَجِيجُ

وصُبَّ عليها، أي على المرأة. والأَسِيُّ: المدُّاوَى (6)، يقال: أَساه يأسوه أَسْوًا إذا داواه. وأُمُّ الدِّماغ: الِجلْدة الرقيقة التي تَجمع الدِّماغ. وقوُله:

(1) عبارة اللسان ومستدرك التاج في معنى المحراس: سهم عظيم القدر. ومعنى كونه عظيم القدر أنه ذو نصب عظيم بين قداح الميسر. ولفظ السكرى: "قدح" أي بكسر القاف.

(2)

يلاحظ أن في تفسيره الأفذ بالمقذذ هنا تكرارا مع ما سبق، إذ المقذذ من السهام ما ألصق عليه الريش؛ وهذا المعنى هو ما ذكره قبل في تفسير الأفذ.

(3)

روى صاحب "اللسان" مادة "فوج": "عقيلة سبى تصطفى وتفوج". وتفوج بالفاء، أي تفوح ريحها. ورواه في مادة "غوج" كما هنا. وذكر في تفسير قوله:"وتغوج" بالغين المعجمة: أنها تتعرَّض لرئيس الجيش ليتخذها لنفسه، وهو لا ينافى التفسير الآتي في الشرح لهذا اللفظ. شبه هذه المرأة بعقيلة قد سبيت في غزاة، فهي تتثنى في مشيتها وتتعطف متعرّضة لرئيس الجيش ليصطفيها لنفسه.

(4)

قال السكرى بعد قوله: "لين وتعطف"، أي إذا كان واسع جلد الصدر طويل اللبان. وذكر في اللسان أقوالا أخرى غير هذا في معنى "فرس غوج" بفتح الغين.

(5)

روى "المسك" من قوله: "الطيب".

(6)

عبارة السكرى في تفسير الأسيّ: المشجوج المداوى.

ص: 58

حَجيج، وهو الحَجُّ: ضربٌ (1) من معالجَة الشِّجاج. فيقول: كأنّ العنبرَ الذي عليها والزعفرانَ دَمٌ.

كأنَّ عليها بالَةً لَطَمِيَّةً

لها مِن خِلالِ الدَّأيتيْن أريجُ (2)

البالة: وِعاء المِسْك (3)، وهذا حرفٌ بالفارسيّة. وأراد (4) بيلة. وإنما قيل "للصيد ماى بالو"(5)، للكِيسَة التي فيها أدواتهُ. وقوله: أريج: ريحُ، يقال: تأرَّج الطِّيبُ إذا توَهَّجَ. والدَّأيَّات: فَقار العُنُق، والدَّأيَاتُ: ما يلي الجنَبْ من الأضْلاعِ. فأراد بخِلال (6) الدَّأْيَتين هنا: عند مرجِع (7) الكَتِف. البالة: الجِراب، وأصله بالفارسية: باله (8).

كأنَّ ابنَةَ السَّهْمِيِّ يَومَ لَقِيتهُا

مُوَشَّحةٌ بالطُّرّتَينِ هَمِيجُ

(1) عبارة اللغويين؛ حجه يحجه فهو محجوج وحجيج: إذا قدح بالحديد في العظم إذا كان قد هشم حتى يتلطخ الدماغ بالدم فيقلع الجلدة التي جفت ثم يعالج ذلك، فيلتئم بجلد ويكون آمّة؛ وأنشدوا بيت أبي ذؤيب هذا شاهدا على هذا المعنى، وهي أوضح في معنى الحجيج كما لا يخفى.

(2)

اللطمية: العنبرة التي لطمت بالمسك حتى تفتقت به ونشبت رائحتها. قاله في اللسان مادة "لطم" وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا.

(3)

فسرت البالة أيضًا في هذا البيت بمعنى الرائحة والشمة، مأخوذ من بلوته، أي شممته؛ وأصله بلوه، فقدّم الواو وصيرها ألفا، كقولهم: قاع وقعا. انظر اللسان مادتي "لطم" و"بول".

(4)

في الأصل: "تالة" بالتاء؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن مستدرك التاج مادة "بيل" فقد ورد في أن البيلة بالياء لغة في البالة، وكذلك في شرح السكري.

(5)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل، وفيها تحريف ظاهر لم نهتد إلى وجه الصواب فيه بعد طول المحاولة.

(6)

هذه الباء لم ترد في الأصل؛ والسياق يقتضيها.

(7)

لم يتبين لنا المراد من قوله: عند مرجع الكنف؛ ولم نجد فيما بين أيدينا من كتب اللغة من عبر به. وعبارة السكري: الدأيتان: موصلا الجنب في الصدر، وهما الفقرتان اللتان في الأضلاع القصر (جمع قصرى ككبرى وكبر). وقد ورد الدأى في كتب اللغة بعدّة معان: منها أنه ضلوع الصدر فى ملتقاه وملتقى الجنب. ونقلوا عن الأصمعي هذا البيت شاهدا على ذلك.

(8)

ورد في اللسان مرة أن "بالة" معرب "بالة" كما هنا، ومرة أنه معرّب "بيله" ونقله عن الجوهري؛ وهذا الأخير هو الوارد في كتاب "الألفاظ الفارسة المعرَّبة".

ص: 59

مُوَشَّحة، يعني الظبية. والطُّرّتان: عند منقطَع (1) لونِ الظَّهر مِن لَونِ البطن. فيقول: قد وُشِّحتْ ببياضٍ في ذلك الموضع. وهَمِيج: ضعيفة النفس (2)؛ ومنه يقال للرجل: اهتَمجت، أي ضَعُفت.

بأَسْفلِ "ذات الدَّبْرِ"(3) أُفرِدَ خُشْفها

فقد وَلِهَتْ يَومَينِ فهيَ خَلُوج

[ذات] الدَّبْرِ: موضع. ولِهَتْ: ذهب عقلها على ولدِها، والخَلُوج: التي اختُلِج ولدها منها، أي انتُزع.

فإنْ تَصْرِمِي حَبْليِ وإنْ تَتَبدَّلي

خَليلًا ومنهمْ صالحٌ وسَمِيجُ (4)

قوله: سَمِيج، أي سَمجٌ ليس عنده خير.

(1) عبارة بعض المفسرين: الطرّتان: الخطان عند الجنبين.

(2)

ذكر السكري في شرح هذا البيت عدّة معان لقوله: "هميج" منها أن الهميج من الظباء التي قد أصابها وجع أو غم فذبل لذلك وجهها.

وفي اللسان أن الهميج من الظباء التي لها جدّتان على ظهرها سوى لونها، ولا يكون ذلك إلا في الأدم منها، يعني البيض؛ وقيل: هي الفتية الحسنة الجسم؛ وقيل غير ذلك.

(3)

كذا في شرح السكري واللسان مادة "دبر" والنسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب. والذي في الأصل: "الدير" بالياء المثناة؛ وهو تصحيف. وأراد بذات الدير هنا شعبة فيها دبر بفتح الدال وكسرها، وهو النحل. وفي رواية:"جحشها" مكان قوله: "خشفها" والجحش في لغة هذيل بمعنى الخشف، وهو ولد الظبية إذا قوى وتحرّك نقله السكري عن الأصمعي. وفي رواية "طردت" مكان قوله:"ولهت".

(4)

في رواية: "فإن تعرضي عني" وما هنا هو رواية الأصمعي. ونقل السكري عن الأصمعي أن أبا ذؤيب أراد سمجا فاضطر إلى سميج. وفي اللسان أن سميجا لغة هذيل. وروى السكري قبل هذا البيت قوله:

فقلت لعبد الله أيم مسيب

بنخلة يسقى صاديا ويعيج

وكذلك ورد هذا البيت في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب، وقال السكري في تفسيره: الأيم: الحية. ونخلة: موضع. ويعيج: ينقع، أي يروى اهـ. وقد شبه أبو ذؤيب الظبية الحذرة على ولدها بحية مسيّب في هذا المكان يروح ويجيء في طلب الماء.

ص: 60

فإنِّي صَبَرتُ النَّفس بَعدَ "ابنِ عَنبسٍ"

وقد لَجَّ مِن مَاءِ الشُّؤون لَجوجُ

صبرتُ النفسَ: يريد حبستُها عن الجزع. وابن عنبس: رجلٌ يرثيه. الشؤون: أصلُ قبائِل الرأس (1)، والدموع منها تسيل وتخرج. أراد وقد لجَّ دمعٌ لَجوج. وهو اسمٌ "مثلُ (2) سَعوط ووجُور (3) ".

لأُحْسَبَ جَلْدًا أو ليُنبَأَ شامتٌ

ولِلشَّرِّ بعد القارِعات فُروج

يريد: فإني صبرت النفس لأحسب جلدا. أو لينبأ: ليخبر شامت بجلدي فينكَسِر عنّي. فُروج: يَفرج الله. [والقارعات (4): المصائبُ التي تَقْرَعُه] بموتِ [حبيبٍ (4)] أو ذهابِ [مالٍ (4)].

فلذلِكَ أَعْلَى مِنكِ فَقْدًا لأنّه

كَريمٌ وبَطْنِي بالكِرامِ بَعيجُ (5)

(1) فسر الأصمعي الشؤون بأنها مواصل القبائل في الرأس بين كل قبيلتين شأن، وهي أربع بعضها إلى بعض.

(2)

وردت هذه العبارة في الأصل وشرح السكري بعد قوله السابق: "تسيل وتخرج"؛ وهو خطأ من النساخ؛ لأن وضعها في ذلك الموضع المذكور يقتضي كون الشؤون اسما كالسعوط والوجور؛ ولم يقل به أحد؛ فالصواب نقل هذه العبارة عن موضعها، ووضعها كما أثبتنا، إذ لا يصح أن يجعل اسما كالسعوط والوجور إلا قوله:"لجوج" بفتح اللام.

(3)

الوجور: دواء يوضع في الفم.

(4)

لم يرد في الأصل من هذه العبارة غير قوله: "بموت أو ذهاب" بعد قوله: "يفرج الله"؛ ولا يخفى ما فيها من النقص والانقطاع بينها وبين ما قبلها. وقد أكملناها هكذا عن شرح السكري.

(5)

كذا ورد قوله: "أعلى" بالعين المهملة في اللسان مادتي "بعج" و"عول" وشرح السكري والنسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب. وفي الأصل: "أغلى" بالغين المعجمة. ولم نجد فيما بين أيدينا ومن المصادر ما يؤيد هذه الرواية. و"أعلى" بالمهملة، أي أشدّ، يقال: عال أمر القوم عولا: إذا اشتدّ وتفاقم؛ وعلى هذا فقول أبي ذؤيب "أعلى" إنما أراد "أعول" أي أشدّ، ولكنه قلب، فوزنه على هذا أفلع، كما في اللسان مادة "عول". وفي رواية:"قدرا" مكان قوله: "فقدا". وفي رواية: "رزئته كريما" مكان قوله: "لأنه كريم".

ص: 61

"وأعلى منكِ": يعني "تُشَيبةَ" الذي يَرْثِي. "وَبطْنِي بالكِرامِ بَعِيج" أي لا تزال تُصيبنى باعجةٌ بموتِ خليلٍ وحبيب. والباعِج: ما شَقَّ البطنَ؛ يقال: بَعَجَ بطنَه إذا شقَّه، وهذا مَثلٌ، أي لا يزال يُصيبني أمرٌ عظيمٌ بموتِ كريم.

وذلك مَشْبوحُ الذِّراعَينِ خَلْجمٌ

خَشُوفٌ، بأَعْراضِ الدِّيارِ دَلُوجُ (1)

المَشْبوحُ: العريض الذراعين. خَلْجَم: طويل (2). و"خَشُوف بأعراض الديار" الخَشْف: المَرُّ السريع. يقول: يمرُّ بدار الحربِ فيخشِفُ، ويمرُّ بالدار التي يَسْتأنس بها فيَدُلج (3)، يمشِي مَشْيَ (4) الفِتْيانِ ويسُرع إلى الحرب.

ضَروبٌ لِهامات الرِّجالِ بسَيْفهِ

إِذا حَنَّ نَبْعٌ بينَهمْ وشَرِيجُ (5)

الشَّريج: القِسِيّ التي من شِقَّة، ليست بقضِيب.

يقرِّبُهُ للمستضِيفِ إذا أتَى

جِراءٌ وشَدٌّ كالحَرِيقِ ضَريجُ (6)

يعني يُدْنيه للمستضيف الذي يلجَأ إليه جِراءٌ وشَدٌّ ليُغيثَه. ضَرِيج، أي عَدْهٌ شديد. ضَرِيج: مشقوقٌ بالعَدْو.

(1) أعراض الديار: نواحيها.

(2)

زاد السكرى في تفسير هذا اللفظ قوله: "جسيم".

(3)

قال السكرى في تفسير الدلوج: إنه الذي يمرّ يدلج بحمله مثقلا. ثم ذكر في بيان معنى البيت أنه إذا كان في الديار من يستأنس به تغزل مع النساء ومشى مشية الفتيان ثقيلا متبخترًا يدلج في مشيته، وإذا كان في دار الحرب أسرع ومشى إلى أعدائه مشيا خفيفا. ولا شك في أن هذا أوضح مما هنا.

(4)

"يمشي مشي الفتيان": تفسير لقوله: "دلوج". و"يسرع إلى الحرب" تفسير لقوله: "خشوف".

(5)

الهامات: الرءوس. والنبع: من أشجار الجبال تتخذ منه القسي.

والشريج: العود يشق منه قوسان، فكل واحدة منهما شريج. يصفه بالإقدام في الحرب حتى إن المتقاتلين إذا تراموا بالسهام من بعد ضرب رءوسهم بالسيف من قرب؛ ومثل هذا قول زهير:

يطعنهم ما ارتموا، حتى إذا اطعنوا

ضارب، حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

ويشير بقوله: "حتى نبع" إلى رنين القسيّ.

(6)

في رواية: "إذا دعا". وجراء. من الجري. وفي رواية: "جران" بالنون، يريد باطن العنق. ويشير بتشبيه الشدّ بالحريق إلى أنه يلتهب في سرعة عدوه التهاب النار.

ص: 62

وقال أبو ذؤيب (1) رحمه الله تعالى

يا بَيْتَ (2)"خَثْمَاءَ" الذي يُتَحَبَّبُ

ذهبَ الشبابُ وحُبُّها لا يَذْهَبُ

ويُروَى "يا بيتَ دَهْمَاءَ".

ما لي أَحِنُّ إِذا جِمالُكِ قُرِّبت

وأصُدُّ عنكِ وأنتِ مِنِّي أقرَبُ

يقول: أَصُدُّ عنكِ كراهية أن يقول الناس فيّ وفيكِ.

للِّهِ دَرُّكِ هل لَدَيْكِ مُعوَّلٌ

لِمُكَلَّفٍ أم هل لوُدِّكِ مَطْلَبُ

للِّهِ دَرُّكِ أي للِّهِ خَيْرُكِ. والمعوَّل: المَحْمِل، يقال: ما عليه معوَّلٌ، أي مَحمِلٌ.

تَدْعو الحَمامَةُ شَجْوَها فتَهِيجُنِي

ويَرُوحُ عازِبُ شَوْقِي المتأوِّبُ (3)

"عازِبُ شوقى"، أي كان قد عَزَبَ ثمّ راح (4).

وأرَى البِلادَ إذا سَكَنْتِ بغَيْرِها

جَدْبًا وإن كانت تُطَلُّ وتُخْصَبُ

قولهُ: "تُطَلُّ"، أي يصيبُها الطَّلُّ.

وَيُحلُّ أَهْلِي بالمكانِ فلَا أرَى

طرفِي بغيرِكِ (5) مَرَّةً يتقلَّبُ

(1) لم يعرف هذه القصيدة أبو سعيد الأصمعي. وقال خالد بن كلثوم: هي لرجل من خزاعة. وقال الزبير: هي لابن أبي دبا كل كما في شرح السكريّ.

(2)

في الأصل: "با بنت"؛ وهو تحريف.

وفي رواية: "سوداء" مكان قوله: "خثماء". وفي رواية: "أتجنب" مكان قوله: "يتحبب".

(3)

الشجو: الحزن. والمتأوّب: الذي يرجع بالليل.

(4)

عزب ثم راح، أي غاب ثم رجع.

(5)

في الأصل: "لغيرك" وما أثبتناه عن شرح السكري.

ص: 63

وأُصانِعُ الواشِينَ فيكِ تَجمُّلًا

وهُمُ عليَّ ذَوُ ضَغائِنَ دُؤَّبُ (1)

وَتَهِيجُ سارِيَةُ الرِّياحِ مِنَ ارضِكُمُ

فَأَرَى الجَنَابَ لها يُحَلُّ ويُجنَبُ

و"سارِيَةُ الرياح": ما جاء بالليل. و"يُجْنَبُ"، أي تُصيبُه الجَنوبُ (2).

والجنَاب: ما جَوْلَ القومِ.

وَأَرَى الَعُدوَّ يُحبُّكمْ فأُحِبُّه

إن كان يُنسَبُ منكِ أو يَتَنَسَّبُ (3)

قوله: يُنْسَبُ أي يُقالُ: هو من أَهلِها.

* * *

وقال أبو ذؤيب أيضًا

عَرَفْتُ الدِّيارَ كَرقْمِ الدَّوا

ةِ (4) يَزْبِرُهُا الكاتِبُ الحِمْيَرِيُّ

ويَذْبُرهُا، وهو مثْل الأوّل في المعنى. قولُه:"يَزْبِرُها": يكتُبها، يقال: زَبَرتُ: كَتَبْتُ. وزَبَرَ: قرأ (5). قال الأصمعيُّ: نظر حِمْيَريٌّ إلى كتابٍ فقال: أنا أعرِفُ زَبْرِي (6).

(1) في الأصل: "ذوب"؛ وهو تصحيف. وما أثبتناه عن النسختين المخطوطة والأوربية من ديوان أبي ذؤيب.

(2)

قال أبو عمرو: الجنوب أطيب الرياح بالحجاز؛ وهذا هو ما أشار إليه الشاعر.

(3)

يتنسب، أي يدعي النسب. وفي رواية:"أو لا ينسب".

(4)

روى في الأصل أيضًا "الدويّ" جمع دواة، وفي رواية:"كخط الدواة". شبه آثار الديار في خفائها ودقتها بالخط في الصحيفة.

(5)

قرأ، أي قرأ قراءة خفيفة. يقال: زبر الكتاب يزبره زبرا، إذا قرأه قراءة سريعة. نقله السكري عن الأصمعي.

(6)

في كتب اللغة وشرح السكري: تزبرتي. ونقل السكري أيضًا عن بعضهم أن معنى يزبرها يعلمها. واستشهد بما ذكره الأصمعي من أن حميريا نظر إلى كتاب فقال: أنا أعرفه بزبرى، أي بعلمي.

ص: 64

برَقْمٍ ووَشْيٍ كما زُخرِفَتْ (1)

بِميشَمِها المُزْدَهاةُ الهَدِيُّ

المِيشَم: الإبْرة التي تَشِمُ بها المرأةُ على كفِّها (2). وزُخرفَتْ: زُيِّنَتْ. المُزْدَهاة: المستَخَفَّة الّتي استخفَّها الحُسْن والعُجْب. والهَدِىّ: العَروس.

أَدانَ وأنبأَه الأَوَّلُو

نَ أنَّ المُدانَ المَلِيُّ الوَفِيُّ (3)

أَدان: باع بَيعا إلى أجلٍ -يعني الِحمَيري- فصار له دينٌ على من باعه. [و](4) يقال: دانَ الرجلُ، إذا كان عليه ديْن فهو دائنٌ ومَدْيونٌ. قوله: أَنبأَه الأوَّلُون: مَسانٌّ (5) الرجال. أنّ الذي باعَه هو المليُّ (6) الوفيُّ.

فَينْظُرُ (7) في صُحُفٍ كالرِّيا

طِ فيهنَّ إرثُ كتَابٍ مَحِيٌّ

يقول: فيَنْظُر هذا الِحمْيرَيُّ في صُحُفِ مَن له عليه الدَّيْن. كالرِّياط: كالمُلَاءِ وكلُّ مُلاءةٍ لم تُلفَق فهي رَيطة. وما لُفِق فهو لِفقٌ.

عَلَى "أَطْرِقَا"" بالياتُ الِخيا

مِ إلَاّ الثُّمامُ وإلَّا العِصِيُّ (8)

(1) كذا ضبط قوله: "زخرفت" بالبناء للمجهول في الأصل. وضبط في النسختين المخطوطة والأوربية بالبناء للفاعل.

(2)

المعروف أن وشم يتعدى بنفسه لا بالحرف.

(3)

في رواية "بأن المدان مليّ وفيّ".

(4)

في الأصل: "يقال" بسقوط الواو؛ والسياق يقتضيها".

(5)

مسانّ الرجال: الكبار في السن.

(6)

الملى: الموسر.

(7)

في نسخة: "فنمتم". والإرث: الأصل.

(8)

يلاحظ أن الترتيب في هذا البيت وما بعده من الأبيات الثلاثة هنا مختلف عما في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب، فارجع إليهما. وفي رواية "علا أطرقا" من العلوّ وبضم الراء في "أطرقا" جمع طريق في لغة هذيل. وقوله:"الثمام والعصى" يرويان بالرفع كما هنا، ويرويان بالنصب أيضا ويكون في البيت إفواء. قال ابن برى: من روى "الثمام" بالنصب جعله استثناء من الخيام، لأنها فى معنى فاعلة، كأنه قال:"باليات خيامها إلا الثمام". ومن رفع جعله صفة للخيام، كأنه قال: بالية خيامها غير الثمام اهـ ملخصا.

ص: 65

أَطْرِقَا: مَوضع (1). وإنما أراد، عَرَفْتُ الديارَ على (أَطرِقَا). والثُّمام: شجرٌ تُعمَلُ منه الخيامُ (2). والعِصِيّ: خَشَبُ بيوتِ الأَعْراب. قال ابن الأعرابيّ: أراد إلَّا الثُّمام وإلَّا العِصِيّ فإنَّهما لم يَبْلَيَا.

فلَم يَبْقَ منها سِوَى هامِدٍ

وسُفْعُ الخُدُودِ مَعًا والنُّؤِيُّ (3)

الهامد: الرَّماد. وسُفْعُ (4) الخُدُود: يعني الأَثافِيَّ (5). والنُّؤِيُّ: جمعُ نُؤْيٍ (6).

وأَشْعَثَ في الدَّارِ ذي لِمَّةٍ

لَدَى إِرْثِ حَوْضٍ نَفاهُ الأَتِيُّ (7)

مِنْ رواية العين.

كعُوذِ المُعَطِّفِ أحْزَى لها

بمَصْدَرةِ الماء رَأْمٌ رَذِيُّ

قوله: كَعُوذِ المُعَطِّفِ، العُوذُ من الإبل: الحديثاتُ العَهْدِ بالنَّتاج.

والمُعَطِّف: الذي يُعَطِّف ثلاث (8) أَيْنُقٍ عَلى وَلَدٍ حتى يَدْرِرْنَ عليهِ. فشبَّه الأَثافيَّ

(1) استظهر ياقوت أن (اطرقا) موضع بنواحي مكة.

(2)

في كتب اللغة أن الثمام نبت ضعيف له خوص تسدّ به خصاص البيوت.

(3)

كذا ضبط قوله وسفع بضم العين في النسختين الأوربية والمخطوطة، على اعتبار أن قوله:"وسفع" معطوف على "سوى" في المعنى؛ لأن المعنى "إلا هامد". وإذن يستقيم رفع الياء في قوله: "والنؤى". وضبط في الأصل قوله: "وسفع" بكسر العين، وإذن فلا يصح ضم الياء في قوله:"والنؤى" بل يجب كسرها، ويكون في البيت إقواء ..

(4)

سفع: جمع سفعاء، وهي التي تغير لونها.

(5)

الأثافى: الحجارة توضع عليها القدر الواحدة أثفية.

(6)

النؤى: الحفيرة تحفر حول البيت لتمنع عنه ماء المطر.

(7)

يلاحظ أن هذا البيت لم يرد ضمن أبيات هذه القصيدة في الأصل، وإنما كتب على هامشه، كما يلاحظ أنه قد ورد في النسختين الأوربية والمخطوطة في هذا الموضع؛ فأثبتناه في تبعًا لهاتين النسختين. وقوله:"وأشعث" بالجر، عطف على قوله في البيت السابق:"هامد". ويريد بالأشعث ذي اللمة: الوتد. وإرث الحوض: أصله. وفي رواية: "لدى آل خيم" والآل: الخشب. ونفاه الأتي، أي دفعه السيل وألقاه.

(8)

إنما قال: ثلاث أينق؛ لأن الأثافي ثلاث.

ص: 66

على الرَّماد بعُوذٍ قد عَطَفَتْ على وَلَد. أَحْزَى لها: أَشَرف لها. بمَصْدَرةِ الماء: حيثُ يُصْدَرُ عن الماء. ورأمٌ: وَلَد. رَذِىّ، أي مُلْقًى ضعيف.

فهُنَّ عُكوفٌ كنَوحِ الكَريـ

مِ قد لاح (1) أكبادَهنّ الهَوِيُّ

العُودُ (2): التي عَكَفْن على الرَّأمِ أي الوَلَدِ، كما يَعْكُفُ النَّوْحُ على المَيّت. قد لاحَ أكبادَهنّ، أي هَرَتَ (3) أكبادَهنّ من الحُزْن. هَوَى يَهوِي: إذا هَلَكَ (4).

وأنْسَى "نُشيْبةَ" والجاهلُ الـ

ـمُغَمَّرُ يَحسَبُ أنِّي نَسِيُّ

يريد: لا أَنْسَي "نُشيْبةَ"(5). والمغمَّر: الذي لم يُجرِّب الأمور.

يَسُرُّ الصَّديَق ويَنْكِي العُدوَّ

ومِردَى حُروبٍ رَضِىُّ نَدِيُّ (6)

على حِينِ أنْ تَمَّ فيه الثَّلا

ثُ: حَدٌّ (7) وَجُودٌ ولُبٌّ رَخيُّ

حَدٌّ: بأسٌ. وَجُودٌ: إعْطاء. ولُبٌّ رَخِيّ: صَدْرٌ واسع.

(1) في رواية: "قد شفّ" مكان قوله: "قد لاح". والنوح: النساء يجتمعن للحزن.

(2)

يفيد كلام الشارح هنا أن قوله: "فهن عكوف" يعود على العوذ، وهذا أحد وجهين في تفسير هذا البيت. وذكر بعضهم أنه يعود على سفع الخدود، وهي الأثافى. يقول: إن تلك الأثافى عكوف في الدار كما تعكف النوائح على الميت الكريم عليهن.

(3)

هرت أكبادهن: أنضجها.

(4)

فسر في اللسان مادة "هوى" الهوى بفتح الهاء وتشديد الياء بمعنى المهوى، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا؛ أي لاح أكبادهن فقد من يهويه.

(5)

قد سبق التعريف بنشيبة هذا الذي يرئيه

أبو ذؤيب في حاشية كتبناها في أوَّل القصيدة الثانية من هذا الديوان.

(6)

يلاحظ أن هذا البيت قد كتب على هامش الأصل، ولم يرد في صلبه ولا في النسختين الأوربية ولا المخطوطة من ديوان أبي ذؤيب. والمردي: الحجر الذي لا يكاد الرجل القوي يرفعه بيده، تكسر به الحجارة، ومنه قليل للشجاع: إنه لمردي حروب؛ لأنه يرمي الخصوم ببأسه. والنديّ: الجواد.

(7)

في رواية "بأس" مكان قوله "حدّ". وفي رواية: "حزم".

ص: 67

ومِنْ خَيرِ مَا عَمِلَ (1) الناشئُ الـ

ـمُعَمَّمُ خِيرٌ وزَنْدٌ وَرِيُّ

المعمَّم: المقلَّد في الأَمْر (2). والخِيرُ: الكَرَم، وهو مَصْدَر الخَيْر. وزَنْدٌ وَرِيّ أي معروفٌ ظاهر (3).

وصبرٌ على حَدَثِ النائباتِ (4)

وحِلمٌ رزينٌ وقلبٌ ذكيٌّ

* * *

وقال أبو ذؤيب (5) رحمه الله تعالى

جَمالَكَ أيّها القَلْبُ القَريحُ

سَتَلْقَى مَنْ تُحِبٌّ فتَسْتَرِيحُ

قولُه: جمالَكَ، أي تجمَّل.

نَهَيْتُكَ عن طِلابِكَ "أمَّ عَمرٍو"

بعاقِبَةٍ (6) وأنتَ إذٍ صَحِيحُ

بعاقبةٍ، يريد: بثَباتٍ (7) في آخِرِ الزمان، أراد وأنتَ إذْ ذاك (8)، فنَوَّنَ.

(1) في رواية: "جمع".

(2)

عبارة اللسان وشرح السكري: المعمم السيد الذي يقلده القوم أمورهم؛ ويلجأ إليه العوام.

(3)

عبارة السكري في شرح قوله: "وزند ورىّ": يكون زنده واريا ظاهرا إذا قدح أورى، وإنما هو من الكرم ليس من قدح النار. وزند ورىّ: إذا أسرع إخراج النار.

(4)

في رواية: "على نائبات الأمور".

(5)

لم ترد هذه الأبيات التسعة في النسخة التي بين أيدينا من شرح السكرى على ديوان أبي ذؤيب.

(6)

في مغنى اللبيب في الكلام على "إذ" والسان في تفسير "إذ وإذن": "بعافية" مكان قوله: "بعاقبة". وذكر الدمامينيّ في تفسير هذه الرواية أن الجار والمجرور حال من الكاف في "نهبتك" أو الكاف في "طلابك"، أي نهيتك حال كونك بعافية. وفي اللسان مادة "شلل""بعاقبة" كما هنا.

(7)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل وهي غير واضحة. وقد ذكر المرزوقي في تفسير قوله: "بعاقبة" عدّة وجوه، منها أن المعنى نهيتك بعقب ما طلبتها، أي لما طلبتها زجرتك عن قريب. قال: وهذا أقرب الوجوه في نفسي. والعرب تقول: "تغير فلان بعاقبة" أي عن قريب. وفسرها بعضهم بأنه يريد آخر الشأن اهـ ملخصا من خزانة الأدب ج 3 ص 150، 151.

(8)

صواب العبارة "وأنت إذ الأمر ذاك" كما ذكر البغدادي في الخزانة ج 3 ص 147. وروى "وأنت إذا"؛ والتنوين في كلتا الروايتين تنوين عوض.

ص: 68

فقلتُ: تَجَنَّبن سُخْطَ ابنِ عَمٍّ

ومَطْلَبَ شُلَّةٍ ونَوًى طَرُوحُ (1)

الشُّلّة: البعد (2). والطَّرُوح: النَّوَى البعيدة.

وما إنْ فَضْلةٌ مِنْ "أَذْرِعاتٍ"

كعيْنِ الدِّيكِ أحْصَنهَا الصُّرُوحُ (3)

وما إن فَضْلةٌ، يعني الخمْرَ. والصُّروح: القُصور، واحدها صَرْح.

مُصفَّقةٌ مُصَفّاةٌ عُقارٌ

شآميةٌ إذا جُلِيَتْ مَرُوحُ

قوله: "مُصَفَّقة"، وهي أن تُحَوَّلَ مِن إناءٍ إلى إناءٍ كأنّه مِزاجٌ لها. عُقار: لازَمَت العقلَ والدَّنَّ؛ يقال: فلانٌ يُعاقر الشرابَ، أي يلازمُه. ومَروح: لها سَورَةٌ في الرأس ومِراح (4).

إذا فُضَّت خواتِمها وفُكَّتْ

يقال لهما: دَمُ الوَدَجِ (5) الذَّبيحُ

الذَّبِيح: أصلُه المَشْقوق، وإنّما الذَّبيح الوَدَجُ (6)، والعرَبُ تقول هذا له.

ولا مُتَحَيِّرٌ باتت عليه

ببَلقَعَةٍ يَمانِيَة تَفُوحُ

متحَيِّر: ماءٌ قد تَحيَّر من كثرته فليست له جهةٌ يمضي فيها. ويمانيةٌ، يعني رِيحا.

(1) قال المرزُوقي في توجيه الرفع في قوله: "طروح": كأنه أراد ونوى طروح ذاك، انظر خزانة الأدب ج 3 ص 151. وفي رواية:"وهي الطروح". وروى الأخفش: "سخط ابن عمرو".

(2)

فسر الشلة في اللسان بأنها الأمر البعيد تطلبه. وهو أظهر في المعنى. وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا.

(3)

أذرعات: بلد في أطراف الشأم يجاور أرض البلقاء وعمان، كانت الخمر تنسب إليه.

(4)

زاد في اللسان: "يمرح من يشربها".

(5)

الودج: عرق في العنق، وهما ودجان.

(6)

عبارة اللسان في تفسير الذبيح في هذا البيت نقلا عن الفارسي: أراد المذبوح عنه، أي المشقوق من أجله اهـ وألجأه إلى هذا التأويل تصحيح وصف الدم بأنه ذبيح.

ص: 69

خِلافَ مَصابِ بارِقَةٍ هَطُولٍ * مُخالِطِ مائِها خَصَرٌ ورِيحُ

خِلافَ مَصاب، أي بَعْد مَصابِ بارقةٍ. والبارقة: السّحابة فيها بَرْق.

وهَطُول: تَهْطِل. مُخالطِ مائِها، أي خالَطَ ماءها بَرْدٌ ورِيح.

بأَطْيَبَ مِنْ مُقَبَّلِها إذا ما

دَنا العيُّوقُ (1) واْكْتَتَمَ النُّبوُحُ

أراد: وما فَضْلةٌ (2) بأطيَبَ مِنْ فيها ومقبَّلِها. والنُّبوح: أصْواتُ الناس وجَلَبَةُ الحيِّ وأصواتُ الكِلاب. إذا ما دنا العَيُّوق: وهذا في وقتٍ قد عَرَفه؛ لأنّ الأَفْواه تتغيّر إذا ذهب من الليلِ هَدِئٌ. فيقول: هي في هذا الوقت طيبةُ الفم.

في النسخة: اكتتمَ (3)، وفي التخريج عن أبي إسحاق: اكتَتَم (3).

* * *

وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى

أبِالصُّرْمِ مِنْ أَسْمَاءَ حَدَّثَكَ الذِي

جَرَى بَيْتَنا يومَ استقَلَّتْ رِكَابُها؟ (4)

يقول: أبهذا حدَّثكَ الذي جَرى؟

زَجرْتَ لها طَيرَ السَّنيحِ فإِنْ تُصِبْ

هَواكَ الّذى تَهوَى يُصُبكَ اجتِنابُها (5)

(1) العبوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال.

(2)

وما فضلة، يريد الخمر التي سبق وصفها.

(3)

لعل الفرق بين الروايتين البناء للفاعل في إحداهما وللمجهول في الأخرى. أو لعل إحداهما اكتتم والأخرى انكتم.

(4)

في رواية: "خبرك". ويريد بقوله: "الذي جرى بيننا" السانح من الطير ونحوها، وهو ما ولاك ميامنه حين يمرّ بك. واستقلت ركابها أي احتملت رواحلها.

(5)

في رواية: "زجرت لها طير الشمال فإن تكن" الخ. يقول: إن صدق هذا الطير الذي يمر من جهة الشمال فإنه سيصيبك اجتناب من تحب.

ص: 70

ويُروَى: "زَجَرْتَ لها طيرَ السَّماءِ". وبعض (1) العرب يتشاءمُ بالسَّنِيح. قولهُ: "فإنْ تُصِبْ هَواكَ الّذى تَهْوَى" يعنى الطيرَ الَّذى زَجَرَه، يقال: فلانٌ هَوَى فلانةَ وفلانةُ هوَى فلانٍ، فأراد هاهنا نفسَها.

وقد طُفْتُ مِنْ أَحْوالِها وأَرَدْتُها

سِنينَ فأَخْشَى بَعْلَها أو أَهابُها (2)

أراد: طُفْتُ أَحْوالهَا، ثُمَّ أفْحَمَ "مِنْ"؛ يقال: هو مِنْ تحْته (3) وهو تَحته. يَخْشَى بعلَها يتّهِمه بها. أو يَهابُها: يَستْحِي منها منها أن يواجِهَها. وقولهُ: "منْ أَحوالها" وهو جَمْعُ حَوْل، فأراد: طُفْتُ حولها (4).

ثلاثةَ أَعْوامٍ (5) فلمّا تَجَرَّمتْ

علينا بِهُونٍ واستَحارَ شَبابها

فلما تَجَرَّمتْ: تَكَمّلتْ هذه الأعوامُ علينا. بهُونٍ: ونحن في هَوانٍ. واستَحار شبابُها: يريد حين شَبَّتْ واجتَمَع شَبابهُا وتردَّد فيها كما يتحير الماء.

عَصيانِي (6) إليها القَلبُ إنِّي لِأمْرِه

سَميعٌ فما أَدرِي أَرُشدٌ طِلابُها؟

قولهُ: "عَصاني إليها" أي خَطَر (7) أي خَطرَ (7) إليها قلبِي وذَهَب إليها، فما أَدْرِي أَرُشْدٌ الّذي وَقَعتُ فيه أم غيٌّ.

(1) ذكر ابن بري أن العرب تختلف في العيافة، يعني التيمن بالسانح والتشاؤم بالبارح، فأهل نجد يتيمنون بالسانح، والحجازيون يتشاءمون به. قال: وهذا هو الأصل. ثم قد يستعمل النجدى لغة الحجازى.

(2)

يقول: إنه يطوف حولها ولا يواصلها خشية بعلها أن يتهمه بها أو حياء منها.

(3)

في الأصل هكذا: "هو من محبه وهو محبه"؛ وهو تحريف.

(4)

في الأصل: "أحوالها" والألفان زيادة فيه.

(5)

في رواية: "أحوال"؛ ومؤدّى الروايتين واحد.

(6)

رواه أبو عمرو "دعاني" مكان قوله: "عصاني". وروى الأصمعى: "مطيع" مكان قوله: "سميع".

(7)

عبارة الأصمعى في تفسير قوله: "عصانى إليها القلب": جعل لا يقبل مني، أي ذهب إليها قلبي سفها؛ وهي أوضح في معنى العصيان من عبارة الشارح هنا.

ص: 71

فَقُلْتُ لقَلْبي: يالَك (1) الخَيْرُ إنّما

يُدَلِّيكَ للمَوْتِ الجَدِيدِ حِبابُها

قولهُ: "يا لَكَ الَخيْرُ" أراد: لك الخيرُ. وحِبابُها: يعني المُحابَّة؛ يقال: حاببْتُه حِبابًا ومُحابّةً.

فما الرّاحُ راح الشامِ جاءتْ سَبِيّةً

لها غايَةٌ تَهْدِي الكِرامَ عُقابُها (2)

قولُه: لها غايةٌ أي لها رايةٌ: علامةٌ ينَصِبها (3) الخَمّار. وعُقابهُا: رايتُها أيضًا تَدُلُّ عليها الكِرامَ.

عُقارٌ كماءِ النِّيءِ لَيْسَتْ بخَمْطةٍ

ولا خَلَّةٍ يَكْوِي الشُّرُوبَ (4) شِهابُها

(1) يا لك الخير، أي يا قلب لك الخير. وذكر صاحب اللسان في تفسير الموت الجديد هنا أنه ما لا عهد لك؛ ثم ذكر أنهما هذلية، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. وقال الأخفش: الموت الجديد هو المغافص، يريد المفاجيء الآخذ على غرّة. وقال غيره: جديد الموت أوله. وروى الأخفش بيتا آخر بعد هذا البيت، وهو:

وأقسم ما إن بالة لطمية

يفوح بباب الفارسيين بابها

والبالة بالفارسية: وعاء الطيب، وهي البيلة أيضا. واللطمية: نسبة إلى اللطيمة، وهي إبل تحمل المتاع والعطر، فإن لم يكن في المتاع عطر فليست بلطيمة. والفارسيون هم التجار، وكان كل شيء يأتيهم من ناحية العراق فهو عندهم فارسي. ويريد بقوله:"بابها" فم الوعاء الذي فيه الطيب.

(2)

رواه الأخفش: "ولا الراح" مكان قوله: "فما الراح". ولا يخفى أن رواية الأخفش لا تستقيم إلا مع إثبات البيت الذي سبق التنبيه عليه في الحاشية التي قبل هذه، وهو:"وأقسم ما إن بالة" الخ. والراح: الخمر. وجاءت سبية، أي مشتراة.

(3)

قال الأصمعي: كان التاجر إذا جاء بالخمر يبعها نصب راية ليعلم الحي أنه جاء يخمر.

(4)

في رواية: "الوجوه" مكان قوله: "الشروب". يريد تشبيه الخمر في الصفاء بما قطر من اللحم النيء. ثم وصفها بأنها ليست بخمطة، أي أنها لم تأخذ شيئا من الريح كريح النبق والتفاح. ولا خلّة، أي حامضة. وقال السكرى في تفسير قوله: ليست بخمطة ولا خلة: الخمطة التى قد أخذت طعم الإدراك ولم تدرك وتستحكم ولا خلة، أى جاوزت القدر فخرجت من حال الخمر إلى حال الحموضة والخل. يقول: إنها على ما ينبغي أن تكون عليه في طعمها وطيبها، فلا تؤذى شاربيها بحدّتها وحرارتها اهـ ملخصا.

ص: 72

قولُه: كماءِ النِّئِ، أراد في صَفائها، وهو ما قَطَرَ من اللحم. قوله: ليست بخَمْطةٍ والخَمْطة: التي أَخَذَتْ رِيحا ولم تُدْرك. والخَلَّة: الحامضة. وقوله: يَكْوِي الشُّروبَ: يقول: لها مَضُّ شديدٌ مِثلُ النارِ. والشُّروبُ: النَّدامى.

تَوصَّلُ بالرّكبانِ حِينًا وتُؤلِفُ الـ

جِوارَ ويُغشِيها الأَمانَ رِبابُها (1)

تَوصَّلُ بالرّكبانِ، يعني أهلَ الخَمْرِ، وإن كان اللَّفظُ للخَمْر فإنّ المعنى لأربابها.

يقول: إذا أَقْبَل الركبانُ سار أصحابُ الَخْمرِ معهم ليَأْمَنوا. وقوله: تؤْلِفُ الجِوار يقول: تَأْخُذُ الجوار (2) عَقْدَين، وإنما يَعْنِي أصحابَ الخَمرِ. يقال: آلفَ وأولَف إذا جَمَع بين شيئين. ويُغْشِيها الأَمانَ رِبابُها: والرِّباب: عَقْدٌ وجِوارٌ تأخذه يكون الرِّبابُ أَمانًا لها؛ والمعنى لأصحابها، وإذا استجاروا (3) من مكانَينْ فقد آلفوا؛ وأنشد (4):

كانَتْ أَرِبَّتَهُمْ بَهْزٌ وغَرَّهُمُ

عَقْدُ الجِوارِ وكانوا مَعْشَرًا غُدُرا

فما بَرِحَتْ في الناسِ حتّى تَبيَّنَت

ثَقيفًا بزَيزاءَ الأشاةِ (5) قِبابُها

(1) توصل، أي تتوصل. يقول: إن تجار الخمر يخشون الإغارة عليهم وانتهابها منهم في سفرهم فهم يتوصلون من بلد إلى بلد مع القوافل ويعقدون ذمة الجوار بينهم وبين هؤلاء الركبان ليستأمنوا بهم.

وفي رواية: "ويعطيا" مكان قوله: "ويغشيها"؛ والمعنى يستقيم عليها أيضا. ويغشيها الأمان أي يلبسها إياه.

(2)

تأخذ الجوار عقدين، أي يعقد أهلها الجوار مع قوم، فإذا جاوزهم عقدوا الجوار مع آخرين. وعبارة السكرى وغيره في تفسير قوله: تؤلف الجوار، أي تجاور فى مكانين تجمع بين جوار قوم وجوار قوم.

(3)

استجاروا من مكانين، أي أخذوا عقد الجوار من حيين في مكانين.

(4)

البيت لأبي ذؤيب، وقد سبق تفسيره في القصيدة الخامسة من هذا الديوان وهو البيت الثاني من أبياتها، فانظره.

(5)

الأشاءة: موضع، قال ياقوت: أظنه باليمامة أو ببطن الرقة. وفي رواية: "تبيتت ثقيفا" بالتاء مكان النون، أي باتت بهم.

ص: 73

قوله: فما بَرِحَتْ، أي لم يَزلْ أهلُها فِي جَماعة ناس، يعني أهلَ الخير، حتّى تَبيّنَتْ ثَقِيفا، أي استبانتْهم. والزَّيْزاءة، ظَهْرٌ مُنْقادٌ غلِيظٌ مِن الأرض، أي حُمِلتْ إلى عُكاظ لتُباعَ وثَمَّ ثَقيفٌ ودارُها. والأشاءةُ: مَوْضِع.

فطافَ بها أبناءُ آلِ مُعَتِّبٍ

وَعَزَّ عليهمْ بَيْعُها واغتِصابها (1)

آلُ معتِّب: حيٌّ من ثَقيف. وعَزَّ عليهمْ بَيْعُها، أي على هؤلاء الّذين يشترون الخمرَ صعُبَ عليهم اشتراؤها لَثَمنها (2)، ولم يَحِل لهم اغتِصابُها، وذلك أنّه كان في الشهر الحرام.

فلمَّا رَأَوْا أن أَحْكَمَتْهُمْ ولم يَكُنْ

يَحِلُّ لهمْ إِكراهُها وغِلابُها (3)

فلمّا رَأَوا أن أَحكَمْتَهُم، يعني أصحابَ الخَمْرِ ردُّوا الذين يشترونها ومنعوهم، ولم يحل لهم أنُ يُكْرِهوا أهلَها وأن يَغْلِبوهُمْ عليها حتى أَرْبَحوا أَصحابَ الخمرِ فيها.

أَتَوْها برِبحٍ حَاوَلتهُ (4) فأَصْبَحَتْ

تُكَفَّتُ قد حلَّتْ وساغَ شَرابُها

تُكفَّتُ: تُقْبَض، ومنه يقال: اللهمّ اكفِتْه إليك، أي اقبضه إليك. وساغَ شَرابها، أي سَهُلَ لمّا أَتَوْها بربْحٍ.

(1) في رواية: "سومها واكتسابها" مكان قوله: "بيعها واغتصابها".

(2)

لثمنها، أي لارتفاع ثمنها.

(3)

رأوا، أي مشترو الخمر. وأحكمتهم، أي منعهم تجارها من شرائها لغلاء ثمنها؛ فأسند الفعل إلى الخمر والمراد تجارها على سبيل المجاز؛ وهذا البيت لم يروه أبو نصر.

(4)

في رواية: "حاولوه"، أي تجار الخمر.

ص: 74

بأرْىِ التي تَهوي (1) إلى كل مُغرِبٍ

إِذا اصفرَّ ليطُ الشمسِ حانَ انقِلابُها

يقول: هذه الخمرُ تُمزَجُ بالعَسَل. والأَرْىُ: عَمَلُ النَّحْلِ، وهو العَسَل وكذلك أرْىُ السَّحاب عَمَلُ السحاب، وهو المَطَر. قوله: تهْوِى، يعني النحلَ تَهوِى إلى كلِّ مُغْرِب، أي تطِير. والمُغْرب: كل موضِع لا تَدرِى ما وَراءَه، أي في ستْره.

وقوله: "إذا اصفرَّ لِيطُ الشمسِ حانَ انقِلابُها"، أراد لَونَهَا (2) قوله:"حانَ انقِلابهَا"، أي في ذلك الوقتِ إلى موضِعِها.

بأَرْيِ التي تَأْرِى اليَعَاسِيبُ أَصبَحَتْ

إلى شاهِقٍ دُونَ السَّماءِ ذُؤابُها

أراد: بأرْىِ الّتى تَعْمَلُها اليَعاسِيب. واليَعْسُوب: رأسُ النَّحْلِ وأَميرُها، كما يقال:"كان (3) واللهِ يَعْسُوبَ قُريش". وقوُله: "إلى شاهقٍ"، يريد أعلي الجَبَلِ.

ذُؤابُها دُونَ السماءِ، أي أَعاليها.

جَوارِسُها تَأرِى (4) الشُّعوفَ دَوائِبًا

وَتَنْقَضُّ أَلْهابًا مَصِيفًا شِعابُها

(1) في رواية "تأرى" مكان قوله: "تهوى"، أي تعمل الأرى، وهو العسل. وما هنا رواية الأصمعى.

(2)

أراد لونها: تفسير لليط الشمس. قال السكرى: وليس للشمس ليط وإنما هو لونها. والليط: القشر من كل شيء اهـ.

(3)

قيلت هذه الكلمة في عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيد، قالها على بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- وقد مر به مقتولا يوم الجمل فقال: لهفي عليك يعسوب قريش، جدعت أنفي وشفيت نفسي.

(4)

في رواية: "تأوى الشعوف" بالواو، أى تأوى إليها، وهي رواية اللسان مادة "جرس" والنسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب.

يريد أن النحل تأوى إلى شعوف الجبال، أي رءوسا فتأكل من ثمرها، ثم تنزل إلى وسطها أو أسفلها حيث البرودة، فتعسل فيه، لصلاحية المواضع الباردة للتعسيل. ولذلك قال:"مصيفا شعابها" يريد أنها باردة. وفي الأصل: "وتنفض ألهابا" بالفاء من القاف؛ وهو تصحيف.

ص: 75

قوله: "جَوارسِها تَأْرِى الشُّعوفَ دَوائبا"، يريد أوَاكِلَ (1) النَّحْل؛ يقال: جرسَ يَجْرِسُ إذا أَكَلَ الثَّمَر. وقوله: تَأرِي الشُّعوف، أي تعمل في الشُّعُوف. والشُّعوفُ: أعالى الِجبالِ. وتنقَضُّ ألْهابا، يرِيد إلى لهبٍ فتعسِّل فيه. واللِّهْب: الشقُّ في الجَبَلِ ثم يَتّسِع في الطرِيقِ، واللِّصْبُ والشِّعْب دون اللِّهْب، كالطّرِيق الصغيرة. ويروَى:"وَتنصَبُّ أَلْهابا مَصيفًا كِرابُها" معناه يَصِيفُون بتِلْكَ الكراب، أي بتلك الناحية. والكَرَبَةُ: فَصْلُ (2) مَا بين الجَبَلَين. وقوله: "مَصِيفًا شِعابُها"، المعنى أنّها تَأْكُل في أعلى الجبل وتحَملُ فتَنْزِلُ إلى مَوضِعٍ بارد. والشِّعْب: الطرِيقُ في الحَبَلِ. ويروَى مصْيفًا شِعابُها، وهو الموضِع الضيقُ.

إذا نَهَضتْ فيه تَصَعَّدَ نَفْرَها

كقِترِ الغِلاءِ مُستَدِرًّا (3) صِيابُها

قوله: إذا نَهَضَتْ، يعني النَّحْلَ. تَصَعَّدَ نَفْرها، يريد تَصَعَّدَ مَا نفَر منها أي شَقَّ عليها، يعِنى الجَبَل شقَّ على النحلِ تَعمَلُ فيه؛ ومنه يقال:"ما تَصَعَّدَني شيءٌ كما تَصعَّدُني خِطبَةُ النِّكاح"(4). وقوله: كقِتْرِ الغِلاء، الواحدة قترة، (5) وهو نَصْلُ سَهْم

(1) أي أواكل الثمر والشجر منها، وهي الذكور، كما قاله السكرى.

(2)

فسر أبو عمرو الكراب بأنها صدور الأودية، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. وفسرها غيره بأنها مجارى الماء في الوادى.

(3)

في اللسان مادتي "قتر" و"نفر": "مستدرّ" بالرفع.

(4)

هذه الكلمة من قول عبد الله بن الزبير، رواها الأصمعي.

(5)

قال السكري: تسمية هذه النصال بالقتر مأخوذة من قتير الدروع، أي رءوس مساميرها، لدقتها وصغرها.

ص: 76

الأهداف. والغِلاء: المُغالاة (1) في الرَّمْي. قال (2): فشبَّه سُرعَةَ النحل بقتر الغلاء (3).

قال: وقوله مستدِرًا صيابهُا، أي يجيء منفتلًا (4) ليس بمُسْتَرخٍ. قال: وقوله: الصِّيَاب: القُصَّدُ، يقال:[صاب] يصُوبُ إذا قَصَد.

تَظَلُّ على الثَّمْراءَ منها جَوارِسٌ

مَراضِيعُ صُهبُ الرِّيشِ زُغْبٌ رِقابُها

الثَّمْراء: جَبلٌ. (5) وقال بعضهم: شَجَرٌ مُثْمِرٌ. جوارِس: أواكل من النَّحْل.

مراضيع أي هُنَّ صغارٌ (6). صُهْبُ الرِّيش (7): يريد أجنِحتَهَا.

فلمّا رآها الخالديُّ كأنّها

حَصَى الخَذْفِ تكبو (8) مستقلًا إيابُها

(1) مغالاة الرامي، هي أن يرفع يده بالسهم يريد به أقصى الغاية. وفسر بعضهم الغلاء في هذا البيت بأنه السهام يتغالون بها.

(2)

قال أي الأصمعي.

(3)

بقتر الغلاء، أي بسرعة قتر الغلاء.

(4)

في الأصل: "منقلبا"؛ وهو تحريف. وفسر بعضهم "مستدر" بمعنى متتابع.

(5)

ذكر السكرى في الثمراء أنها هضبة يقال لها الثمراء بشق الطائف مما يلي السراة. وذكر ياقوت أنه يقال فيه: الثبراء أيضا. وقال في اللسان: الثمراء جمع ثمرة كشجراء جمع شجرة، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا.

(6)

هذا وجه في تفسير لفظ المراضيع هنا، قاله أبو نصر. وقال بعضهم: إن المراد بالمراضيع هنا أنها حديثات عهد بالتفريخ؛ وهذا مثل يراد به أن معها نحلا صغارا، وليس المراد أنها ترضع، ولكن سماها المراضيع لأن الأمهات من غير الطير تسمى مراضيع إذا أرضعن.

(7)

صهب الريش: من الصهبة، وهي أن تعلو الشعر حمرة وأصوله سود.

(8)

في رواية "تهوى" مكان "تكبو". والخذف: رمى الحصى بالأصابع. يقول: إن ذلك الرجل الذي يجنى العسل لما رأى جماعة النحل تستقل في الجبل، أي ترتفع ثم تزل عنه، علم أن ثمّ عسلا، فاعتزم أن يدخل بيتها ويجنيه.

ص: 77

الخَالِدِيّ: رجلٌ من بني خالِد (1). كأنّها حَصَى الخَذْفِ مِن صغَرها. تَكبُو: يقول: إِذا أَوفَتْ عَلى الجَبَلِ زلَّتْ مِن لينِ الجبَل. قوله: مُستقلًا إيابُها أي كلَّما استَقلَّت في الجَبَل كَبَت. وإيابُها: جَمَاعتُها، واحدُها آئب.

أَجَدَّ بها أَمْرًا وأيْقَنَ أنَّه

لها أوْ لأخرَى كالطَّحِينِ تُراُبها (2)

أجَدَّ بها أَمْرًا، يَعْنى الخالديّ. والمعنَى أجدَّ أَمرَه، كقولك: ضاقَ به ذِراعا أي ضاق بِه ذِراعُه؛ وكما تقولُ: قَرَّ عَيْنا، أي قَرَّتْ عَينُه به؛ وكقولِك: طِبْتُ بِه نَفْسا تريد: طابت نَفسِي به: وقوله: وأيقَنَ أنّه لها، أي للنحل (3)، أي أَيقَنَ أنه سَيَدْخُل بيتَ النحلِ. أو ينقطِع الحبلُ فَيصير لأُخَرى، يعنِي الأرضَ التى ترابها كالطَّحِين.

فقيل: تَجَنَّبهَا حَرامُ، وَراقَهُ

ذُراها مُبِينًا عَرْضُها (4) وانتِصابُها

فقيل للخَالِدي: يا حَرامُ -وهو اسمُه-: تَجنَّبْها (5). وراقَه: أَعجَبَه. ذُراها، أَعالي العَسَل. مُبينا عَرْضُها: يريد قُرْصَ الشُّهْدةِ. وانتصابها: الهاء للشُّهْدة.

فأَعْلَقَ أسْبابَ المَنِيَّةِ وارْتَضَى

ثُقُوفَتَه إِنْ لم يَخُنْه انقِضابُها (6)

(1) يلوح من هذا أن بني خالد كانت لهم شهرة باشتيار العسل.

(2)

يقال: أجدّ فلان أمره بذلك، أي أحكمه، كما في كتب اللغة. وقال بعض الشراح: كلما أخذت في شيء فقد أجددت به أمرا. وعبارة بعضهم في تفسير هذا الحافظ: عزم في شأنها.

(3)

وقال بعض الشراح: "لها" أي لتلك الهضبة التي فيها العسل.

(4)

كذا ضبط قوله: "عرضها" في الأصل بفتح العين. وضبط في نسخ أخرى بضمها؛ والمعنى يستقيم على كلا الضبطين.

(5)

تجنبها أي تجنب هذه الشهدة.

(6)

يقول: إن صاحب العسل قد علق الحبال التي إذا انقطعت كانت سبب موته ليتدلى بها إلى العسل مطمئنا إلى حذقه ودربته بدق الأوتاد وتعليق الحبال بها، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها العسالون.

ص: 78

فأَعْلَقَ أَسْبابَ المَنِيّةِ، وذلك أنّه عَلَّق حِبالَه وَتَدَلَّي إليها. وثُقُوفَتَه: يعني ثُقوفَةَ صاحِب الحَبْلِ (1)؛ وذلك أنّ النَّحْلَ يأتي الجَبَلَ فيعسِّلُ في مَلَقَةٍ في وَسَطِه مَلْسَاءَ، فيأتِي الشائرُ الّذى يَشْتار العَسَلَ فَيصْعَدُ من وَراء الجَبَلِ حتّى يَصِيرَ في أعلاه فيَضْرِب ثَمَّ وَتِدا، ثم يَشُدّ الحَبْلَ فيه، ثم يَتَدَلَّى عليه حتى يصِلَ إلىَ الصَّخْرةِ.

فيقول: اِرْتَضَى ثُقوفَتَه الثاقِبةَ في العَمَل؛ يقال: ثَقِفٌ بيِّن الثُّقُوفَة والثَّقافةِ. إِن لمَ يَخُنْه انقِضابُها: يَعنِي انقِضابَ الأَسْبابِ فَتنْقَطِع فيَذْهَب. المَلَقَة: صَخْرَةٌ مَلْساءُ.

تَدَلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطَةٍ

بجَرْداءَ مِثْلِ الوَكْفِ يَكْبُو غُرابُها (2)

يقول: تَدَلَّى عليها صاحِبُ العَسَل. والسِّبّ: الحَبْل (3). والخَيْطة: الوَتِد (4). والجَرْداء: الصَّخْرة. مِثلِ الوَكْف: مِثْلِ النِّطَع (5). ومعنَى بِجَرْداء وعلى جَرْداء سواء. ثم شبَّهها في مَلاسَتِها بالوَكْفِ. وقوله: "يَكْبو غُرابها"، يزلّ عن الصّخرة. والغراب: الطائر.

فلمّا اجْتَلَاها بالإِيَاِم تَحيَّزتْ

ثُبَاتٍ عَلَيْها ذُلُّها واكتِئابُها (6)

(1) عبارة السكري: "صاحب العسل"؛ والمعنى يستقيم على كلتا العبارتين.

(2)

يقول: إنه تدلى على خلية العسل وهي بصخرة جرداء ملساء تشبه الوكف، أي بساطا من الأديم في استوائها، ولا يثبت عليها ظفر الغراب بل يزل عنها لملاستها.

(3)

إطلاق لفظ السب على الحبل إنما هو في لغة هذيل؛ قاله الأصمعي. وقيل: السب: الوتد. وقال ابن حبيب: السب: أن يضرب وتدا، ثم يشد فيه حبلا فيتدلى به إلى العسل.

(4)

إطلاق لفظ الخيطة على الوتد إنما هو لغة هذلية. وقيل: الخيطة خيط يكون مع حبل مشتار العسل، فإذا أراد الخلية ثم أراد الحبل جذبه بذلك الخيط وهو مربوط إليه.

(5)

النطع: بساط من الأديم.

(6)

في رواية: "تحيرت" بالمهملة مكان: "تحيزت".

وتحيرت أي بقيت لا تدري أين تذهب. ومعنى البيت عل رواية "تحيزت"(بالزاي المعجمة) أن لما أخرج النحل من بيوتها بالدخان الذي دخن به عليها لئلا تلسعه، تضامّت جماعات يبدو عليها الذل والاكتئاب.

ص: 79

فلمّا اجتلاها أي طَرَدَها (1). بالإِيام: بالدُّخان (2)، أي دَخَّنَ عليها إواما (3) وإياما.

تَحَيزَّت: اجتَمَع بعضُها إلى بعض. على النَّحْلِ ذُلُّها واكتئابُها. ثُباتٍ: جَماعاتٍ، والواحد ثُبة.

فأَطْيِبْ بِراحِ الشأْمِ صرْفًا وهذِه (4)

مُعَتَّقَةً صَهْباءَ وهيَ شِيابُها

أراد: فأَطْيبْ بِراحِ الشَّأْمِ وبهذه العَسَل. ونَصَبَ "معتَّقَةً" على القَطْعِ (5).

وهي (6) شِيابُها أي مِزاجُها.

فما إن هُما في صَحْفةٍ بارِقِيّةٍ

جدِيدٍ حَدِيثٍ نَحْتُها واقتِضابُها

فما إنْ هُما: يعني العسلَ والَخَمْرَ. في صَحْفَةٍ بارِقِيّةٍ: نسَبَها إلى بارِق. واقتِضابُها أي أَخْذُها حَديثةً مِنْ شَجَرةٍ.

(1) وقيل: اجتلاها، أي كشفها وأبرزها.

(2)

يقال: آم الرجل إياما: إذا دخن على النحل ليخرج من الخلية فيأخذ ما فيها من العسل.

وقال أبو عمرو في تفسير الإيام: "هو عود تجعل في رأسه نار، ثم يدخن به على النحل ليشتار العسل. والإوام: الدخان".

(3)

ذكر في اللسان مادة "أوم" أنهم لم يقولوا في الدخان: الإوام بالواو، وإنما قالوا: الإيام بالياء فقط. وذكر في مادة "أيم" لفظ الإوام بمعنى الدخان كما هنا نقلا عن أبي عمرو.

(4)

في رواية: "ومزّة" مكان "وهذه". وفي رواية أخرى ذكرها صاحب اللسان مادة شوب:

وأطيب براح الشام جاءت سبيئة

معتقة صرفا وتلك شيابها

ثم قال: والرواية المعروفة: "فأطيب براح الشام صرفا وهذه معتقة" بالرفع. قال: هكذا أنشده أبو حنيفة؛ وقد خلط في الرواية.

(5)

في شرح السكري ما يفيد أن قوله: "معتقة" منصوب على الحال، وعبارته بعد ذكر البيت: يريد أطيب براح الشأم صرفا معتقة صهباء وبهذه الشهدة اهـ.

(6)

وهي أي الشهدة.

ص: 80

بأِطْيَبَ مِنْ فِيها إذا جِئتَ طارِقًا

مِن اللَّيْلِ والتَفَّتْ عَلَيْكَ (1) ثِيابُها

رأَتْنِي صَرِيعَ الخَمْرِ يومًا فسُؤْتُها

بقُرّانَ، إنّ الخَمْرَ شُعْثٌ (2) صِحابُها

سُؤتُها، يريد: ساءَها ما رأت مِن تَغَيُّرِي. وقُرّان: وادٍ (3).

ولَوْ عَثَرَتْ عِنْدِي إِذًا ما لَحَيْتُها

بعَثْرتِها ولا أُسِئَ جَوابُها

قوله: "ولو عَثَرَتْ عِنْدِي"، وهو أنْ تَفْعَلَ فَعْلَةً لا تَصْلُح. إذًا ما لَحَيْتُها أي إذًا ما لُمْتُهَا على سَقْطَتِها وعَثْرتِها ولا ساءَها جَوابي.

ولا هَرَّها كَلْبيِ ليُبْعِدَ نَفْرَها (4)

ولو نَبَحَتْنيِ بالشَّكاةِ كِلابُها

قوُله: ولا هَرَّها كَلْبي: يريد ولا هَرَّ عليها كَلْبي. ليُبْعِدَ نَفْرَها، فَتنْفُرَ مِنّي نَفْرا بعيدا. ولو نَبَحَتْني بالشَّكاة: بالْقَولِ القَبِيحِ كِلابُها. والمعنَى: ولو نَفرَّتَنْي قَرابَتُها وأَظْهَروا عليَّ قَوْلَ سُوءٍ ما فَعَلْتُ أنا بها ذلِك.

(1) في رواية: "عليّ".

(2)

في الأصل: "شغب" بالغين والباء؛ وهو تصحيف صوابه ما أثْبتنا نقلا عن النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب، وهو ما يقتضيه سياق البيت. وإنما وصف أصحاب الخمر بأنهم شعث لأنهم مشغولون عن تنظيف أجسامهم بالخمر ومجالسها. وفي رواية:"فرغتها" مكان "فسؤتها".

(3)

في معجم البلدان أن قرّان واد قرب الطائف.

(4)

في النسخة الأوربية من ديوان أبي ذؤيب ورد قوله: "ليبعد نفرها" مضبوطا بفتح الياء وضم العين في قوله: "ليبعد"، وضم الراء في قوله:"نفرها"؛ والمعنى يستقيم على هذا الضبط، كما يستقيم بضبط الأصل كما لا يخفى. وهرّها كلبي أي نبحها.

ص: 81

وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى أيضًا

وقائلةٍ (1) ما كان حِذْوَةُ بَعْلِها

غَداتَئِذٍ مِن شاءِ قِرْدٍ وكاهِلِ

أراد: ورُبَّ قائِلةٍ تقول: ما أَصابَ (2) زَوْجي من حِذْوَةِ الجيْشِ، أي ما أُحْذِي: ما أُعْطِيَ، وقِرْدٌ وكاهِل: حَيّان.

تَوَقَّى بأَطْرافِ القِرانِ وعَيْنُها

كعَيْنٍ الحُبارَى أَخْطَأَتْها الأَجادلُ (3)

قوله: تَوَقَّى، يَعنِي هذه المرأةَ تُشْرِفُ (4) بأطرافِ القِران. والقران: الجِبال الصِّغار، والواحد قَرْن. وقوله: أَخْطَأَتْها الأَجادِل، يريد: لم تَرَها الأَجادِل، وهي الصُّقور.

(1) في رواية "وسائلة" مكان "وقائلة" وما في الأصل هو رواية الأصمعي. وضبط قوله: "قرد" في الشرح بفتح القاف. وضبطه في اللسان بفتح القاف والراء، وهو غلط في كلا الموضعين. وقد ضبطناه هكذا نقلا عن القاموس وشرحه. وقرد هذا حيّ من هذيل منهم أبو ذؤيب، وهو قرد بن معاوية ابن تميم بن سعد بن هذيل. وكاهل: قبيلة من هذيل أيضا، وهم بنو كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل. وضبطه بعضهم "كاهل" بفتح الهاء. قال ابن الجواني: وهم أفصح العرب. والحذوة والحذية بكسر الحاء فيهما: النصيب من الغنيمة. يقول: رب امرأة تسأل عن نصيب زوجها من الشاء التي غنمها هذا الجيش المغير على هاتين القبيلتين من هذيل، ولم تعلم أن الجيش قد هزم وأن زوجها قتل. يريد الشاعر بهذا الهزء بهؤلاء المغيرين والإشارة إلى هزيمتهم والافتخار بشجاعة قومه.

(2)

في الأصل: "ما صار"؛ وهو تحريف.

(3)

ضبط في الأصل قوله: "توقى" بضم التاء وكسر القاف؛ والمعنى عليه غير ظاهر. وفي رواية: "وطرفها كطرف الحبارى".

يقول: إن هذه المرأة تتبع الجيش مستترة بأعالي الجبال تنظر منها، وتسألهم وعينها من الذعر والخوف كعين الحبارى التي لم ترها الصقور. والحبارى: طائر طويل العنق رمادي اللون على شكل الإوزة، في منقاره طول. وفي هذا البيت إقواء كما لا يخفى.

(4)

فسر السكري قوله: "توقى بأطراف القران" بمعنى أن هذه المرأة تستتر بقرون الجبال، تنظر من خلف جبل.

ص: 82

رَدَدْنا إلى مَوْلَى بَنِيها فأَصْبَحَتْ

تُعَدُّ بها وَسْطَ النِّسَاء الأَراملِ

قوله: رَدَدْنا إلى مَوْلىً بنَيها أي قُتِل زَوْجُها فصار يَلي بَنِيها موالِيهم، يريد بَني الَعمّ. قوُله:"فأَصبَحَتْ تُعَدُّ بها وَسْطَ النِّساءِ الأراملِ"، يقول: إذا عُدّت النساءُ عُدّتْ فيهنّ.

وَأشْعَثَ بَوْشِيٍّ شَفَيْنا أُحاحَهُ

غَداتَئِذٍ ذِي جَرْدَةٍ مُتماحِلِ (1)

وَأشْعَثَ بَوْشِيٍّ: ذِي بَوْشٍ وعِيالٍ. وأُحاحُه: غَيْظُه. وقوله: ذِي جَرْدةٍ، أراد شَمْلةٍ خَلقَةٍ (2). والمُتمَاحِل: الطويل ما بين الطَّرْفَينِ.

أهَمَّ بَنِيه صَيْفُهُمْ وشِتاؤُهُمْ

فقالوا: تَعَدَّ واغْزُ وَسْطَ الأَراجِلِ (3)

يريد: أَهمَّ بنِيه صَيْفُهمْ وشِتاؤُهمْ فقالوا لأبيهم: تَعَدَّ: انصَرِفْ. واغْزُ وَسْطَ الأَراجِلِ، أراد الجماعاتِ الرَّجَالةَ (4).

تَأَبَّطَ نَعْلَيْه وَشِقَّ فَرِيرِه

وقال: ألَيْسَ الناسُ دونَ "حَفائِل"(5)؟

(1) في رواية: "في جردة". يقول: رب رجل فقير ذي عيال أراد الكسب لهم من غزونا فشفينا غيظه الذي يجده من الفقر وكثرة العيال بقتله. وضبط قوله: "جردة" في الأصل بضم الجيم ضبطا بالقلم؛ وهو خطأ.

(2)

عبارة السكري: البردة المنجردة الخلق. وفسر بعضهم الجردة بأنها الشملة الصفراء.

(3)

أهم بنيه صيفهم وشتاؤهم، أي همهم ما ينفقونه فيهما فطلبوا إلى أبيهم أن يكسب نفقتهم بالغزو. وإنما طلبوا إليه أن يكون غزوه وسط الأراجل، لأنه ليس له ما يركبه لفقره.

(4)

في الأصل: "والرجالة"؛ والواو زيادة. وقال ابن جنى: يجوز أن يكون أراجل جمع أرجلة، وأرجله جمع رجال، ورجال جمع راجل.

(5)

حفائل: موضع ذكره ياقوت ولم يعينه، وكذلك صاحب اللسان. وفيه لغات: حفائل بفتح الحاء وضمها؛ وحفايل. وورد في الشعر الحفائل بزيادة الألف واللام، كما زيدت في قولهم:"بنات الأوبر" يريد الشاعر السخرية بهذا الغازي الذي احتضن نعليه وحمل نصف خروفه أو لبس نصف فروه واستقرب من الغزو.

ص: 83

يقول: اِحتَضَنَ نَعْلَيْه، جعَلَهما تحتَ حِضْنهِ. وشِقَّ فَرِيرِه، قال الأصمعيّ: حَمَلَ معه نصفَ خَرُوفٍ، وقال أبو عمرو: نصفَ فَرْوٍ لَبِسها ومَضَى. "وقال أليس الناسُ دونَ "حَفائِل"؟. يقول: الغَزْوُ قَرِيبٌ.

دَلَفْتُ له تَحْتَ الوَغى بمُرِشَّةٍ

مُسَحْسِحَةٍ تَعْلُو ظُهورَ الأَنامِلِ (1)

المُرِشّة: الطَّعْنة التّي تُرِشّ بالدم. وقوله: مُسَحْسِحَةٍ، أي سائِلةٍ (2) على قَدَمِه.

كأنّ ارتِجازَ الجُعْثُمِيّاتِ وَسْطَهُمْ

نَوائحُ يَجْمَعْنَ البُكا بالأزامِلِ (3)

ارتجاز، يقول: أصواتُ القِسِيّ المَنْسُوبة إلى حَيٍّ من جُعْثُمَةَ من هُذَيْلٍ. نَوائح، فشبَّه صَوْتَ القِسِيِّ بصَوْتِ نَوائحَ يَجْمَعْن البُكا بالرَّنّةِ والصِّياح. والأَزامِل: الصَّوْت، وهو جمع أَزْمَل.

غَداةَ "المُلَيْحِ" حَيْثُ نحن كأنّنا

غَواشِي مُضرٍّ تَحْتَ رِيحٍ ووَابِلِ

(1) في رواية: "دلفت إليه في الوغى". وفي رواية: "دلفت له تحت الغبار بطعنة".

ودلفت له، أي دنوت.

(2)

قال السكرى في تفسير قوله: "مسحسحة": سائلة لها صوت.

(3)

في الأصل: "الخثعميات" بالخاء، وهي وان كانت رواية ذكرها صاحب التاج مادة "جعثم" إلا أنه يظهر لنا عدم صحتها، وذلك الآن خثعم لا تنتسب إلى هذيل ولا تنسب إليها القسيّ كما ذكره الشارح بعد، بخلاف "جعثمة": بضم الجيم والثاء المثلثة، إذ هي التي تنتسب إلى هذيل وتنسب إليها القسيّ. وقيل: هذا الحيّ من أزد السراة، أو من أزد شنوءة. وفي رواية "يشفعن البكا" مكان قوله:"يجمعن"؛ ومؤدّي الروايتين واحد.

ص: 84

المُلَيْح: موضع (1). فأراد كأنّنا سَحَائبُ، وهو قوله: غَواشِي "أي غَاشٍ"(2). مُضِرّ:

قد دَنَا من الأرض. يقال: أَضَرَّتْ: دَنَت. فيقول: كأنّنا مما يَقَع بنا سَحائبُ تحت رِيحٍ ووَابِل.

رَمَيْنَاهُمُ حتّى إِذا ارْبَثَّ أَمْرُهُمْ

وعاد الرَّصيعُ نُهْيَةً للحَمائلِ (3)

اِرْبَثَّ أَمْرُهُمْ: أَبْطَأَ (4). والرَّصِيع: سُيورٌ تُضْفَر؛ وهذا مَثَلٌ عند الهزيمة. يقال (5): صارت الرَّصائع على مَناكِبِ الرِّجالِ حيث كانت الحمَائِلُ، وصارت الحمَائلُ أَسْفَلَ عند الصُّدورِ. والنُّهْيَة: حيث انَتهتْ إليه. يقول: انقلبتِ الرَّصائعُ عند الهزيمةِ، وهي سُيورٌ تُضْفَر بين الجَفْنِ وحمَائِلِ السَّيْفِ فتنَقْلِب إذا انهَزَموا.

عَلَوْناهُمُ بالمَشْرَفِيِّ وعُرِّيَتْ

نِصَالُ السُّيوفِ تَعْتَلِي بالأَماثِلِ (6)

الأَماثِلِ: الأَشْراف، الواحد أَمْثَل.

(1) هو واد بالطائف.

(2)

كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل، وهو تفسير للجمع بمفرده. فليلاحظ.

(3)

في رواية: "ضربناهم" وما هنا أجود، لأن الحديث في القسيّ والسهام. يقول: لم نزل نرميهم حتى اختلط أمرهم وضعف وتفرق، فانهزموا وانقلبت سيوفهم فصارت أعاليها أسافلها، وكانت الحمائل على أعناقهم فنكست، فصار الرصيع حيث كانت تنتهى الحمائل. وفي رواية:"الرسيع" بالسين.

قال في اللسان مادة "رسع": "الترسيع، هو أن يخرق شيئا ثم يدخل فيه سيرا كما تسوى سيور المصاحف، واسم السير المفعول به ذلك: الرسيع. وأنشد عجز هذا البيت. وفي رواية "جمعهم" مكان: "أمرهم". وفي التهذيب: "وصار الرصوع نهية للمقاتل". قال الأصمعي: معناه أنهم دهشوا فقلبوا قسيهم".

(4)

قال السكري: "اربث أمرهم"، أي أبطأ واختلط وضعف وتفرّق.

(5)

لعلّه (يقول).

(6)

قال السكرى في تفسير قوله: "تعتلي"، أي تعتمد الأعالي فالأعالي.

ص: 85

وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى أيضًا

ما بالُ عَيْنِي لا تَجِفُّ دُموعُها

كثيرٌ تشَكِّيها قَليلٌ هُجوعُها

أُصِيبَتْ بقَتْلَى "آلِ عمرٍو" و"نَوْفَلٍ"

و"بَعْجَةَ" فاختَلَّتْ وَراثَ رُجوعُها

قوله: اِخْتَلَّتْ، يقال: هو مُخْتَلُّ الجِسْم، إذا كان نَحيفَ الجسْم. يقال: اِخْتَلَّ: اِحتاج، من الخَلَّةِ. وبَعْجَة: قَبيلةٌ من هُذَيل.

إذا ذَكَرَتْ قَتْلَى "بِكَوْساءَ" أَشْعَلَتْ (1)

كَواهِيَةِ الأَخْراتِ رَثٍّ صُنُوعُها

قولُه: كَواهيَةِ الأَخْراتِ، يَعني المَزادةَ والإِداوَة. يقول: دَمَعَتْ عَيْناه كهذه الخُرْتَةِ، وهي الثَّقْبُ (2).

وكانوا السَّنامَ أجْتُثَّ أمْسِ فقَومُهُمْ

كعَرّاءَ بَعْدَ الَّنيِّ راثَ رَبيِعُها (3)

(1) كوساء: موضع ذكره ياقوت ولم يعينه، وأنشد هذا البيت. وأشعات العين: كثر دمعها.

وواهية الأخرات، أي قربة منشقة الثقوب. وفي شرح السكري: الأخراب بالباء، جمع خربة بضم الخاء، وهي أذن القربة. وقد ورد الأخرات بالتاء في الأصل وفي النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ومعجم ياقوت في الكلام على "كوساء". وانظر توضيح الفرق بين الروايتين في الحاشية الآتية بعد. ورث، أي خلق بال. وفي بعض النسخ:"رثّ" بصيغة الماضي. وقال ابن سيدة في قوله: "صنوعها" هو جمع لا أعرف له واحدا. وقال السكري: "صنوعها، أي خرزها. وقيل: صنوعها، أي عملها، فيكون حينئذ مصدرا".

(2)

قال في اللسان: الخرت والخرت، -أي بالفتح والضم-: الثقب في الأذن والإبرة والفأس وغيرها. ثم قال: وأخرات المزادة عراها. ثم نقل عن أبي منصور الأزهري أن هذا غلط، إنما هو خرب المزاد بالباء، الواحدة خربة. قال: والخرتة بالتاء: الثقب في الحديد من الفأس والإبرة. والخربة بالباء في الجلد. وقد سبق أن الأخراب بالباء رواية في البيت.

(3)

في رواية: "اجتب" بالباء، مكان قوله:"اجتث"، ومؤدي الروايتين واحد. يقول: إن هؤلاء القتلى كانوا أشراف قومهم، فذهبوا وبقي قومهم بعدهم كناقة أبطأ عليها الربيع فبقيت هزيلة لا شحم بها.

ص: 86

السَّنام، أي كانوا رُءوسا اجتُثَّت، أي قُطِعَتْ. فقَوْمُهمْ كعَرّاء، أي كناقَةٍ ليس لها سَنامٌ؛ يقال: قد عَرَّتْ تَعَرُّ عَرَرا. قوله: بعد النَّيِّ، أي بعد الشَّحْمِ؛ راثَ: أَبْطأَ.

وقال أبو ذؤيب أيضًا

وأشْعَثَ مالهُ فَضَلَاتُ ثَوْلٍ

على أَرْكانِ مَهْلَكَةٍ زَهُوقِ (1)

الثَّوْل: جماعةُ النَّحْل. ومَهْلَكَةٌ زَهُوق: مَلْساء (2).

قَلِيلٍ لَحْمُهُ إلَّا بَقايَا

طَفاطِفِ لَحْمِ مَمْحوصٍ مَشِيقِ (3)

مَشِيق: ضامِر. والمَمْحوص: الذي قد انْمَحَصَ وذَهَب. وكلُّ مُسْتَرْخٍ يُسمَّى طِفْطِفة (4).

تَأَبَّطَ خافَةً فيها مِسابٌ

فأضْحَى يَقْتَرِي مَسَدًا بِشِيقِ (5)

(1) يصف مشتار العسل فيقول: رب أشعث كل ما يملكه من مال فضلات ثول، أي عسل نحل. على مهلكة، أي أن ذلك العسل على هضبة ملساء لا يسترها شيء.

(2)

ملساء: تفسير لقوله: "زهوق". وفسر السكريّ المهلكة بأنها هضبة أوقنة.

(3)

في رواية: "منحوضٌ" مكان قوله: "ممحوص"؛ ومؤدي الروايتين واحد، أي الذي ذهب لحمه. ولم نجد قوله:"ممحوص" في غير نسخة الأصل التي بين أيدينا. وفي جميع المصادر الأخرى "منحوض".

(4)

عبارة غيره في شرح هذا اللفظ: الطفاطف، ما استرخى من جانبي بطنه عند الخاصرة.

(5)

في رواية: "فأصبح" مكان قوله: "فأضحى". يقول: إن هذا العسال قد تأبط خريطة فيها سقاء العسل، وصار يتتبع الحبل المربوط بالشق، وهو أعلى الجبل عند نزوله إلى موضع العسل.

ص: 87

تَأَبَّطَ خافَةً: جعَلَها تحت إبْطِه. والخافَةُ: كالخَريطة (1) تكون معه للعسل. فيها مسابٌ، أراد: مِسْئبٌ، وهو السِّقاء (2). يَقْتَرِي: يَتْبع. مَسَدًا: حَبْلا. و"بِشِيق": أعْلَى الجَبَلِ (3).

على فَتْخاءَ يَعْلَمُ حَيْثُ تَنجُو

وما في حَيْثُ تَنْجُو مِنْ طَرِيقِ (4)

على فَتْخاءَ: يريد يَقتَرِي على فَتْخاءَ، وهي يَدُه (5) فيها فَتخٌ، أي لِينٌ، يريد يَدَ الذي يَأخُذُ العَسَل.

وكانت وَقْبَةً في رَأْسِ نِيقٍ

دُوَيْنَ الشَّمْسِ ذَاتَ جَنًى أَنيِقِ (6)

الَوقْبَة، كالكَهْفِ (7) في الجَبَل. جَنًى، يَعْنِي العَسَلَ.

(1) في كتب اللغة أن الخافة خريطة من أدم ضيقة الأعلى واسعة الأسفل يشتار فيها العسل.

(2)

خصه السكري وغيره من اللغويين بأنه سقاء العسل.

(3)

قال في اللسان: ويقال الشيق هو أصعب موضع في الجبل.

(4)

في رواية: "تعلم" بالتاء. وفي رواية: "تعرف". وفي رواية "حيث تنحو" بالحاء أي تقصد.

(5)

هذا وجه في تفسير قوله: فتخاء. وقال بعضهم: الفتخاء رجل صاحب العسل لاعوجاج فيها أولين. وقال آخر: الفتخ بالتحريك في الرجلين: طول العظم وقلة اللحم؛ وأنشد هذا البيت، ثم قال: وهذه صفة مشتار العسل.

(6)

في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب "فيمم وقبة". وفي البيت الذي بعده: "وكانت وقبة" عكس ما هنا؛ وهو أجود في رأينا. والنيق: أرفع موضع في الجبل. ويشير بقوله: "دوين الشمس" إلى ارتفاع هذا الموضع.

(7)

عبارة بعض المفسرين: الوقبة كوة عظيمة فيها النحل؛ قالوا: وإذا عملت من طين أو خشب فهي الخليّة (السكّريّ).

ص: 88

فيَمَّمَ وَقبةً أَعْيَا جَناهَا

على ذِي النِّيقَةِ اللَّبِقِ الرَّفيق

[النِّيقة (1)]: الذَّكاءُ والِحذْق.

فجاءَ بها سُلافًا ليس فِيها

قَذًى، صَهْباءَ تسَبِقُ كلَّ رِيقِ (2)

أراد فجاء بها سُلافا صَهْباءَ، يعنِي العَسَلَ.

فذاكَ تِلادُه، ومُسَلْجَماتُ

نظائرُ، كلُّ خَوّارٍ بَرُوقِ (3)

مُسَلْجَمات: سِهامٌ (4) طِوال. نَظَائِر: يُشْبِه بعضُها بعضا. وخَوّارٍ: في صَوْته، يقول: إذا نَقَرْتَهُ على ظُفْرِكَ سَمِعتَ له صوتا. بَرُوق: في صَفائه ولَوْنِه.

له مِن كَسْبِهِنّ مُعَذْلجَاتُ

قَعائِدُ قد مُلِئْن مِن الوَشِيقِ (5)

(1) لم ترد هذه الكلمة التي بين مربعين في الأصل. ويلاحظ أننا لم نجد فيما بين أيدينا من كتب اللغة النيقة بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه النوقة بفتح النون بمعنى الحذاقة. أما النيقة بالياء فهي اسم من التنوق بمعنى التجوّد في الأمر والمبالغة فيه. ومعنى البيت يستقيم عليه، إذ أن المتنوق في الأمر يكون به حاذقا ذكيا.

(2)

يريد بقوله: "تسبق كل ريق" وصف الشهدة بسهولة ابتلاعها وسرعة دخولها في الحلق حتى إنها تسبق الريق إليه.

(3)

تلاده أي ماله الذي لم يزل له؛ قاله السكري. يقول: فذلك العسل ماله مع مهام طوال تصوّت عند نقرها وتبرق من صفائها.

(4)

عبارة اللغويين: "مطولات معرضات" وهي أدق، لموافقة التفسير للمفسر في صيغة الاشتقاق.

وفسر بعضهم المسلجمات بأنها السهام المدمجات.

(5)

معذلجات، أي مملوءات؛ يقال: عذلج سقائك، أي املأه. يصفه بأنه كثير الصيد بتلك السهام التي ذكرها في البيت السابق، فغرائره مملوءة باللحم المجفف.

ص: 89

مُعَذْلجَات غَرائر (1)، وهي القَعائدُ، فما فَضَل من اللَّحْم يَصُرّه في هذه الغَرائر. وَشيق وهو ما جَفَّ من اللَّحْمِ (2).

وبِكْرٌ كلَّما مُسّتْ أَصاتَتْ

تَرَنُّمَ نَغْمِ ذِي الشِّرْعِ العَتِيقِ (3)

وبِكْر، يعني قوسا أوَّل ما رُميَ بها. أَصاتتْ: صوّتتْ. وذي الشِّرْعِ، يَعنِي عُودا عليه أوْتَار (4)، الواحد شِرْعة.

لها مِن غَيْرِها معها قَرِينٌ

يَرُدُّ مِراحَ عاصِيَةٍ صَفوقِ (5)

قولُه: "عاصِيَةٍ" تَعْصِي: تَمتَنِع، وهي قَوْسٌ. صَفوق: يقلِّبها كيف شاء (6).

والقَرِين: سَهْم.

(1) الصواب كما في كتب اللغة تفسير القعائد بالغرائز، لا تفسير المعذلجات بها، إذ المعذلجات هي المملوءة، كما ذكرنا، لا الغرائر مطلقا، كما تفيده عبارة الشارح هنا.

(2)

عبارة السكري: الوشيق اللحم يطبخ فييبس.

(3)

يقول: إن من مال هذا الرجل قوسا جديدة إذا مس وترها أرن بصوت كأنه نغم العود ذي الأوتار.

(4)

في كتب اللغة أن الشرعة الوتر الرقيق. وقيل: ما دام مشدودا. قالوا: وجمعه شرع بكسر أوله وفتح ثانيه جمع تكسير، وبسكون الراء جمعا يفرق بينه وبين واحده بالتاء.

(5)

نقل السكري أن القرين هنا الوتر، كما نقل أنه السهم؛ والتفسير الأوّل أظهر في رأينا مما ورد في الشرح من أن المراد بالقرين السهم. والقوس المروح: التي كأنّها تمرح في إرسالها السهم. تقول العرب: طروح مروح، تعجل الظبي أن يروح.

(6)

يريد بهذه العبارة أنها قوس لينة، وهي عبارة اللغويين. قال السكري: صفوق: لينة يقلبها كيف شاء.

ص: 90

وقال أبو ذؤيب أيضًا (1)

أَبَى اللهُ إلَاّ أنْ يُقِيدَكَ بَعْدَ ما

تَراءَيَتْمُونِي مِنْ قَرِيبٍ ومَوْدِقِ (2)

المَوْدِق: المَوْضِع الذّي يَدِقُ (3) إليه؛ يقال: وَدَقَ يَدقُ.

ومِنْ بعْدِ ما أُنْذِرْتُمُ وأَضاءَني

لِقابِسِكُمْ ضَوْءُ الشِّهابِ المَحرِّقِ

فأَعْشَيْتُه مِن بعدِ ما راثَ عِشْيُهُ

بسَهْمٍ كسَيْرِ الثّابِرِيّةِ لَهْوَقِ (4)

فأَعْشَيْتُه: يريد، عَشَّيْتُه. مِن بعدِ ما راثَ: أَبطأ عَشاؤه. بسَهْمٍ كسَيْرِ الثابِرِيّة: منسوبٍ إلى الثابِرة. لَهْوَق: حَديد (5).

وقلتُ لهَ: هل كنتَ آنَسْتَ خالِدًا؟

فإنْ كُنْتَ قد آنسْتَه فتَأَرَّقِ (6)

يَهْزَأ به، يقول: هل أَبْصرَته؟ إن كنتَ أَبْصَرْتَه فلا تَنَمْ.

(1) قال أبو ذؤيب هذه الأبيات الأربعة حين قتل قاتل ابن أخته خالد، ولم يروها ابن الأعرابي ولا الأصمعي.

(2)

في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب: "من بعيد" مكان قوله: "من قريب". وهو أنسب بسياق البيت، إذ هو المقابل لقوله:"ومودق"، أي الموضع الذي يدنو إليه ويقرب منه، يقال: ودق إلى الشيء يدق ودقا وودوقا: إذا دنا. وإذن ففي قوله: "من قريب" -كما هي رواية الأصل- تكرار، كما هو ظاهر. يخاطب في هذا البيت والذي بعده قاتل ابن أخته فيقول: إنك قد قتلت بقتلك خالدا بعد ما رأيتموني أبعد وأقرب محاولا القود وبعد أن أنذرتكم سوء العاقبة.

(3)

يدق إليه، أي يدنو.

(4)

يقول: إنه عشاه بعد ما أبطأ عشاؤه بسهم كأنه في استوائه ولينه سير ثابري. ويروى، "التابرية" بالتاء المثناة كما في اللسان مادة "ثبر" بالثاء المثلثة. قال السكري: الثابرية منسوبة إلى أرض أو حيّ. وقال ياقوت: "ثابرى، منسوب إلى أرض جاءت في الشعر" ولم يعينها. قال: ويجوز أن يكون منسوبا إلى ثبرة، كما نسب إلى صعدة صاعديّ، والتغيير في النسب كثير. ويلاحظ أنه قد كتب في الأصل أيضا "عيشه" أمام كلمة "عشيه".

(5)

عبارة السكري: "حديد قاطع" وعبارة اللغويين "حديد نافذ".

(6)

في رواية "أكنت آنست".

ص: 91

وقال أيضا

لَعَمْرُكَ والمنَايا غالبِاتٌ

لكلِّ بَنِي أَبٍ منها ذَنُوبُ (1)

لقد لاقَى المَطِيَّ بجَنْبِ "عُفْرٍ"

حَدِيثٌ -لو عَجِبْتَ له- عَجِيبُ (2)

أراد: حديثٌ عَجِيبٌ لو عَجِبْتَ له.

أَرِقْتُ لِذكْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَوْبٍ

كما يَهْتاجُ مَوْشِيٌّ ثَقِيبُ (3)

قوُله: مِن غيرِ نَوْبٍ، يريد مِن غَيْرِ قُرْب. والمَوْشِيّ: المِزْمار. وثَقِيب: مَثْقوب.

سَبِيٌّ مِنْ يَراعَتِهِ نَفاهُ

أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ (4) وَلُوبُ

(1) الذنوب: النصيب، أي لكل قوم نصيب من الموت يفرق جماعتهم.

(2)

في رواية وردت في الأصل أيضا "بنجد" مكان قوله "بجنب" وفي رواية "إن عجبت".

وفي رواية: "لقد لقي" بكسر القاف وفتح الياء. والمراد بالمطي هنا: الرفاق في السفر، الواحد مطو بكسر أوله وسكون ثانيه كما ذكره السكري، وقال: إنها هذلية؛ ومطا بفتح الميم قاله في اللسان مستشهدا بهذا البيت. ونجد عفر: موضع قرب مكة؛ قاله نصر. وقال غيره: العفر رمال بالبادية في بلاد قيس.

(3)

في رواية: "قشيب" مكان قوله: "ثقيب". وفي رواية "طربت لذكره". والمعنى أنه حين بلغه هذا النعي استخفه الحزن على بعد ما بينهما. ثم شبه اهتياج الحزن في صدره باهتياج المزمار الموشيّ أي الذي قد نقش ظاهره. وقال السكري في تفسير قوله: "كما يهتاج موشيّ ثقيب" أي كأن في صدري مزامير لا تدعني أنام. ويلاحظ أنه قد ورد في الأصل بعد هذا البيت ما نصه: "هنا كمل الجزء الأول من ديوان الهذليين، وهو من رواية أبي سعيد عن الأصمعي، أعني الثاني من ديوان الهذليين".

(4)

ضبط في الأصل "صحر" بضم الصاد وسكون الحاء. وما أثبتناه هو مقتضى اللغة في صحرة وزان غرفة وغرف؛ قال في اللسان: والجمع صحر، أي بفتح الحاء لا غير، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. يقول: إن هذا المزمار، أي قصبته، من أجمة بعيدة، وقد دفع به السيل فهو غريب عن أرضه. ثم وصف ذلك السيل بأن الصحر والحرار يزيدان في اندفاعه.

ص: 92

سَبِيٌّ: مَجْلُوب. واليَراعَة: قصَبةٌ (1) جِئَ بها مِن أَجَمة. والأَتِيُّ: السَّيْل يُمْطر غيرَ أَرْضِك ثم يَطْرَأُ عليك وأنتَ لا تَدْرى. والأَتِيُّ أيضًا: الجَدْوَل، ورَجُلٌ أتِيٌّ، أي غَرِيب. قوله:"صُحَر"، الواحدة صُحْرَة، وهي جَوْبَةٌ تَنْجابُ (2) عن وَسَطِ حَرَّةٍ (3)، تَنْجابُ عنها الجِبال فلا تَكْرُبُها. يقال: صُحْرَة وصُحَر، وصَحْراء وصَحارَى. ولُوبَةٌ ولوُبٌ ولَابٌ، واللَّوبَة واللّابة (4): الحَرَّة، وجمعُ حَرّةٍ حِرارٌ وحَرُّون.

إذا نَزَلَتْ سَراةُ بَنِي عَدِيٍّ

فسَلْهُمْ كيف ماصَعَهُمْ حَبِيبُ (5)

المُماصَعة: المُماشَقة (6) بالسَّيْف. وحَبيب: المَنْعِيّ (7).

يقولوا: قد وَجَدْنا خَيْرَ طِرْفٍ

بِرُقْيَةَ لا يُهَدُّ ولا يَخِيبُ (8)

الطِّرْف: الَفَتى الكريم (9). ويُهَدّ: يُكْسَر. ورُقْيَة: بلد.

(1) قال في اللسان مادة "صحر" في تفسير اليراعة في هذا البيت: اليراعة، ها هنا الأجمة، وهو أظهر مما ورد في الشرح هنا.

(2)

تنجاب، أي تنكشف.

(3)

زاد في اللسان في تفسير الصحرة قوله: وتكون أرضا لينة تطيف بها حجارة. والحرّة: أرض ذات حجارة سود.

(4)

في الأصل: "واللاب" بدون تاء، وما أثبتناه هو مقتضى اللغة، إذ اللاب جمع، والمراد هنا المفرد.

(5)

في رواية: "بني مليح" بصيغة التصغير، وهم بطن من خزاعة، رهط كثير عزة وطلحة الطلحات. وفي رواية:"فسائل كيف" مكان قوله: "فسلهم".

(6)

المماشقة: المضاربة والمجالدة.

(7)

قال السكري: هو من هذيل.

(8)

في رواية: "لقينا". وفي رواية: "رأينا" كل واحدة منهما مكان قوله: "وجدنا".

وقد ضبط قوله: "برقية" بضم الراء في الأصل ضبطا بالقلم في جميع مواضعه، ولم يذكر ياقوت هذا الموضع، كما أننا لم نجده فيما بين أيدينا من كتب اللغة. يقول: إنك إن سألت أشراف بني عدي وسادتهم يجيبوك بأنهم وجدوا من حبيب هذا الذي يرثيه فتًى كريما لا يكسر في حرب، ولا يرجع خائبا من غنيمة.

(9)

إطلاق الطرف على الفتى الكريم لغة هذلية؛ وأصله من الطرف بمعنى الفرس الكريم.

ص: 93

(حاشية)"قال الشيخ أبو الحَسَن: قال الشيخ أبو يعقوب: سألتُ هُذَيْلا بمكة -وكنتُ نازلا عليهم- عن زَقْيَة (1) ، فقالوا: هي بالزاء معجَمةً لا غير". "رُقْيَة" عن ابن دُرَيْد. أبو إسحاق: زَقْيَة تمّت.

دَعاه صاحِباه حين خَفَّتْ

نَعَامَتُهُمْ وقد حُفِزَ القُلُوبُ (2)

خَفَّتْ: شالَتْ. قال: كانوا جميعًا فَتَفَرَّقوا، وهو مَثَل؛ شبّه بنَعامةٍ شالَتْ بعد أن كانت ساكِنة. وحُفِزَ القلوب، يقول: حَفَزَها خوفٌ. والحَفْز: الإزْعاج يأتيه مِنْ خَلْفِه.

مَرَدٌّ قد يَرَى ما كان فيه

ولكنْ إنّما يُدْعَى النَّجيبُ (3)

مَرَدٌّ: مَرْجِعِ، حين رَجَع. يقول: هذا الّذي رَجَعَ قد يَرَى ما كان فيه مِن الخَطَر، ولكنَّه صَمَّم. إنّما يُدْعَى النَّجيب. يقول: هَتَفَ به صاحباه فَوَجداه نَجِيبا.

والنَّجيب: العَتِيقُ الأَصْل (4)، وأنشد:

"نجيبا (5) إنّ آباءَ الفَتَى نُجُبُ"

(1) ضبط في الأصل قوله: "زقية" بضم الزاي، والصواب الفتح كما في مستدرك التاج واللسان، ولم يذكره ياقوت.

(2)

في رواية: "شالت" مكان قوله: "خفت" يقول: إن صاحبيه في الحرب قد استنصرا به حين فرّق الخوف جمعهم، وأزعجت شدة الحرب قلوبهم.

(3)

في رواية: "مردّ" بكسر الميم، أي كثير الارتداد إلى الحرب. وفي رواية:، "فردّ وقد رأى" ببناء "ردّ" للمجهول. ورواية اللسان:"مرد قد نرى ما كان منه"(بكسر الميم). ومعنى البيت على رواية الأصل أنه ارتدّ إلى صاحبيه لينصرهما، وهو مردّ (أي مرجع) يرى ما فيه من خطر وشر، ولكنه صبر وصمم على نصرة صاحبيه، وعطف يقاتل عمن دعاه.

(4)

العتيق الأصل: كريمه.

(5)

كذا ورد في الأصل؛ وهو غير مستقيم شعرا.

ص: 94

قال: ويُرْوَى: * مَكَرٌّ قد يَرَى ما كانَ فيه *

وهو حيث يَكُرُّ.

فألْقَى غِمْدَه وهَوىَ إليهمْ

كما تَنْقَضُّ خائِتَةٌ طَلُوبُ (1)

خائتة: مُنْقَضّة (2)؛ يقال: سمعت خَواتَ العُقابِ، أي انقِضاضَها؛ وسمعتُ خَواتَ القَوْمِ، أي أصواتَهم وخَواتَتَهمُ (3). قال: وبه سُمِّيَ الرَّجُل خَوّاتا، وأنشد (4):

* يَخُوتُون أُولَى (5) القَوْمِ خَوْتَ الأَجادِلِ *

يَخوتون: يُسْرِعون (6). والأَجادِل: الصُّقور، الواحد أَجْدَل.

مُوَقَّفة القَوادِمِ والذُّنابَى

كأنّ سَراتَها اللَّبَنُ الحَلِيبُ (7)

مُوَقَّفة، يقول: في قَوادِمِها بَياض (8)، وفي ذُناباها بَياض، وهي عُقابٌ ليست بخالصة، والخالصة الخُداريّة، وهي السَّوداء سَراتُها. يقول: ظَهْرُها (9) أبيَض؛ وهي شَرُّ العِقْبان. وخَدَرُ اللَّيلِ: سَوادُه.

(1) يقول: إنه جرد سيفه من غمده وانقض على من يقاتل صاحبيه انقضاض العقاب التي يسمع لجناحيها صوت حين تنقض على فريستها.

(2)

هذا تفسير الأصمعي. وقال أبو عمرو في تفسير الخائتة: إنها العقاب التي تسمع لجناحيها في انقضاضها خريرا.

(3)

في الأصل "وخواتهم" والصواب ما أثبتنا، إذ الخوات قد تقدّم.

(4)

وأنشد، أي الأصمعي.

(5)

في شرح السكري واللسان مادة (خوت)"أخرى القوم". وهذا عجز بيت، وصدره:

* وما القوم إلا سبعة أو ثلاثة *

(6)

يريد أنهم يبادرون.

(7)

في رواية "مثقفة" أي مقوّمة. وفي رواية: "مولعة"، أي ذات ألوان مختلفة.

(8)

فسر السكري التوقيف في هذا البيت بأنه خطوط سود، وكذلك في اللسان مادة "وقف". مأخوذ من الوقف، وهو السوار من قرون. وقال بعضهم: التوقيف هنا بياض وسواد.

(9)

قال الأخفش: سراة العقاب في هذا البيت رأسها.

ص: 95

نَهاهُمْ ثابتٌ عنه فقالوا

تُعَيِّبُنا العَشَائرُ لو يَؤوبُ (1)

قال أبو سعيد: ثابت هو تَأَبَّطَ شَرّا (2).

على أنّ الفَتَى الخُثَمِيَّ سَلَّى

بنَصْلِ السَّيْفِ حاجَةَ مَنْ يغَيبُ (3)

حاجةَ من يَغيب، يقول: قاتَلَ قِتالا أَذهَبَ مَقالةَ مَنْ غاب، لا يقال: عاشَ ذليلا ومات ضائعا.

وقال: تَعلَّموا أَنْ لا صَرِيخٌ

فأُسْمِعَه ولا مَنْجًى قَرِيبٌ (4)

وأنْ لا غَوْثَ إلّا مُرْهَفاتٌ

مُسألاتٌ وذو رُبَدٍ خَشِيبُ (5)

مُرهَفات: قد أُرْهِفتْ ورُقِّقَتْ وحُدّدتْ. ومُسالات: طوال (6)، وإنّما يصف سِهاما. وذوُ رُبَد، يعني سَيْفا، يريد أَثْرَه وفِرِنْدَه الّذي تراه كالوَشْي فيه. والرُّبْدة:

(1) في رواية "تعنفنا المعاشر". يقول: إن عشائرهم توبخهم وتلومهم لو أفلت حبيب هذا من القتل ورجع إلى قومه.

(2)

تأبط شرا: هو ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي.

(3)

في رواية: "غيبة" مكان قوله: "حاجة". والفتى الخثمي، هو حبيب المرئي، نسبة إلى بني خثيم من هذيل، وهو خثيم بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.

(4)

وقال أي حبيب هذا الذي يرثيه. والصريخ هنا بمعنى المغيث، مثل قدير وقادر. يريد أنه قال: اعلموا أنه ليس لي في هذا الموطن صريخ، أي مغيث أستصرخ به وأسمعه استغاثتي، ولا منجى مما أنا فيه ولا غوث إلا السهام والسيف.

(5)

في رواية: "مسيّرة" من قوله: "مسالات". ومسيّرة، أي سهام فيها خطوط تشبه السيور.

(6)

هو من قولهم: أسال غرار النصل، إذا طوّله وأتمه. وكان الأولى أن يقول: مسالات مطوّلات على صيغة اسم المفعول في التفسير كما هو في المفسر.

ص: 96

السواد. ويقال: سَيْفٌ أَرْبَد لكَثْرة فِرِنْدِه. وقوله (1): "في مَتْنِه رُبَد"، أي لُمَع. والخَشِيب: الصِّقِيل، وهو الّذي بُدئَ طَبْعُه، ثم صار عندهم كُلُّ صَقيلٍ خَشِيبا.

والمُسألَةُ: الطويلةُ النِّصالِ.

فإِنَّكَ إنْ تُنازِلْنِي تُنازَلْ

فلا تَكْذِبْكَ بالمَوْتِ الكَذُوُبُ (2)

يريد: فلا تَكْذِبْك نَفْسُك وهي الكَذوب؛ ومِثلهُ قولُ العَبْدِيّ:

فأَقْبَلَ نَحْوِي علي قُدْرَةٍ

فلمّا دنا كَذَبتْه (3) الكَذُوبُ

كأنّ مُحَرَّبًا مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ

ينُازِلُهُمْ لنِابَيْه قَبِيبُ (4)

المحرَّب: المُغضَب المَغِيظ. يقول: قد هِيجَ وأُغْضِبَ. وقَبِيب: صَوْت يقول: له قَبْقَبَة، وأنشد أبو سعيد (5):

* قَبْقبَةُ الحرّ بكفّ السّقى (6) *

يريد: صَوْتَ الحرّ.

(1) هو صخر الغيّ الهذليّ، والبيت كاملا:

وصارم أخلصت خشيبته

أبيض مهو في متنه ربد

(2)

في رواية: "فلا تغررك". يتهدّد قرنه فيقول: لا تعدك نفسك الكذوب بالحياة، فإنك هالك لا محالة في مقاتلتي.

(3)

في نسخة "صدقته"؛ وهي أجود في رأينا. يقول: صدقته نفسه بالموت ولم تخدعه.

(4)

ترج: جبل بالحجاز كثير السباع. وقيل: هو واد إلى جنب تبالة على طريق اليمن.

(5)

أبو سعيد، هو عبد الملك بن قريب الأصمعي.

(6)

لم نجد هذا الشطر فيما راجعناه من الكتب؛ ولم نتبين معناه وكذلك لم نتبين ما ذكره الشارح بعد في تفسير قبقبة الحرّ.

ص: 97

ولكنْ خَبرِّوا قَوْمِي بَلائِي

إذا ما اسّاءلَتْ عنّي الشُّعوبُ

اسّاءَلتْ، يقول: تسَاءلتْ. وشَعْبٌ وشُعوب، وهمْ فِرَق (1). وأنشدْنا:

رأيتُ شُعوبا مِن شعوبٍ كَثيرةٍ

فلم أر شَعْبا مِثلَ شَعْبِ ابنِ مالِكِ

ولا تُحْنُوا عَلَيَّ ولا تَشِطَّوا

بقَوْلِ الفَخْرِ إِنّ الفَخْرَ حُوبُ

يقول: لا تقولوا خَنًّا ولا شَططًا، أي لا تَأْتوا بشَطَط. يقول: لا تَجورُوا.

والحُوبُ: الإثم.

وقال أيضًا

تُؤَمِّلُ أنْ تُلاقِيَ أُمَّ وَهْبٍ

بمَخْلَفةٍ إذا اَجْتَمَعَتْ ثَقِيفُ (2)

قال أبو سعيد: المَخلَفة: طريقٌ (3) وراءَ جَبَل. ويقال: اِلزَمِ المَخلَفةَ الوُسْطَى.

وكلُّ طَريقٍ مَخلَفة، وأنشد:

* يَسِيلُ بِنا أَمامَهمُ الخَليفُ *

وأنشد للعَجّاج:

* في طُرُقٍ تَعْلو خَلِيفًا مَنْهَجا *

إذا بُنِيَ القِبابُ على عُكاظٍ

وقامَ البَيْعُ واجتَمَع الأُلوفُ

(1) عبارة اللغويين: الشعب هو القبيلة العظيمة، أو هو أبو القبائل الذي تنتسب إليه جميعها.

(2)

في رواية: "أم عمرو" مكان قوله: "أم وهب"، ورواية أم عمرو عن أبي بكر الحلوانيّ وحده.

(3)

الذي ورد في شرح السير منسوبا إلى الأصمعي هو القول الثاني في تفسير المخلفة، وهو أن كل طريق مخلفة.

ص: 98

على عُكاظ: يريد بعُكاظ؛ ويقال: فلان نازلٌ على فلان، [و](1) على ضَرِيَّة (2)، أي بها (3).

قامَ البيعُ: يريد قامت السُّوق.

تُواعِدُنا عُكاظَ لَنَنْزِلنَه

ولَم تَعلَمْ إذًا أَنِّي خَليفُ (4)

خَلِيف أي أُخالِفُها (5). يقول: لَم تَشْعُر أنِّي أنا أفعلُ ذاك. قال: ويُروَى: "تَشْعُرْ" و"تَعْلَمْ".

فسَوْفَ تَقُول إنْ هيَ لَمْ تَجِدْنِي

أَخانَ العَهْدَ أمْ أَثِمَ الحَلِيفُ

قال: تقول: أخانَ العَهْد الّذي كان بيني وبينَه، أم أَثِمَ الحَلِيف، أي الحالِف فيما كان بيني وبينَه من العهد (6).

وما إنْ وَجْدُ مُعْوِلَةٍ رَقُوبٍ

بواحِدِها إذا يَغْزُو تُضِيفُ (7)

(1) هذه الواو ساقطة من الأصل، والسياق يقتضيها.

(2)

ضريّة: قرية بين البصرة ومكة في نجد.

(3)

بين قوله: "ضرية" وقوله: "أي بها": قوله: "وقام البيع" ولا موضع لها هنا.

(4)

عكاظ: رواية الأصمعي. وفي رواية أخرى: "تواعدنا الربيق" والربيق: واد بالحجاز.

وفي رواية: "الربيع"؛ وهو موضع من نواحي المدينة. يقول: إننا تواعدنا بالتلاقي في هذا المكان ولم تعلم أم وهب أنني مخلف وعدها.

(5)

عبارة اللسان وغيره في تفسير الخليف: أنه المتخلف عن الميعاد.

(6)

عبارة اللسان وغيره: "ليفين" مكان قوله: "من العهد".

(7)

ورد في اللسان مادة "رقب" نسبة هذا البيت إلى صخر الغي الهذلي، وروايته:"فما إن وجد مقلات" مكان قوله: "معولة". والمعولة: الباكية. يشبه وجده بوجد أمّ لها ولد واحد إذا خرج للغزو أضافت: أشفقت عليه وحذرت أن يصاب بمكروه، ثم قتل، فهي شديدة الحزن والإعوال عليه.

ص: 99

الرَّقُوب: التي مات وَلدُها. وتُضِيف: تُشْفِق. والوَجْد: الحُزْن. والوُجْد يكون في السَّعَةِ (1)؛ ويقال: اعْطِه وُجْدَك، أي مِلْكَك.

تُنَفِّضُ مَهْدَه وتَذُبُّ عنه

وما تُغْنِي التَّمائمُ والعُكوفُ (2)

مَهْدَه: فراشَه، وأَنْشَدَنا (3):

لها ناهِضٌ في الوَكْر قد مَهَّدَتْ له

كما مَهَّدَتْ للزَّوْجِ حَسْناءُ عاقِرُ

والتَّمائم: واحدُها تَمِيمة، وهي المعَاذات. يقول: لا تُغْنِي التَّمائمُ عنه ولا عُكُوفُها حَوْلَه مِن الموت شيئًا.

تقول له: كَفَيْتُكَ كلَّ شئٍ

أهَمَّكَ ما تَخَطَّتْني الحُتُوُفُ (4)

أُتيحَ له من الفِتْيانِ خِرْقٌ

أخو ثِقَةٍ وخِرِّيقٌ خَشُوفُ (5)

الخِرْق: المتخرِّق (6) في الخير، والخِرِّيق: فِعِّيل مِن هذا. والخَشُوف: السريع المَرّ.

(1) في كتب اللغة أن الوجد بمعنى السعة مثلث الواو.

(2)

في رواية: "وتذود" مكان قوله: "وتذب"؛ وما هنا رواية الأصمعي.

(3)

وأنشدنا، أي أبو سعيد الأصمعي، كما قاله السكري. والبيت لمعقر بن أوس بن حمار البارقي. وبقوله في البيت:"حسناء عاقر" سمى معقرا، واسمه سفيان بن أوس. وإنما خص الحسناء في هذا البيت بأنها عاقر لأنها أقل دلا على الزوج من الولود، فهي تتصنع له وتداديه، ولأنها ليس لها من الولد ما يشغلها عن التجمل لزوجها، وهو يصف عقابا، شبه بها فرسا ذكرها في البيت الذي قبله وهو:

وكل طموح في العنان كأنها

إذ اغتمست في الماء فتخاء كاسر

ويريد بالناهض: فرخ العقاب.

(4)

ما تخطتني الحتوف، أي ما حييت وسلمت من المنايا.

(5)

يقول: قيض لابن هذه الأم صاحب يرافقه مستجمع لصفات الفتوة من الاتساع في الكرم وسرعة المضيّ.

(6)

المتخرّق: المتسع.

ص: 100

فَبيْنا يمشِيانِ جَرتْ عُقابٌ

مِن العِقْبانِ خائِنَةٌ دَفوفُ

جَرَتْ: مَرّتْ. وخائتة: منقضّة. وتَخُوت: تنقضّ. ثم تَدِفّ فُوَيْقَ الأرِض أي تَمرّ فوقها. وخاتت العِقْبان تَخُوت خَوْتا. وسمعتُ خَوَاتَ العِقْبان أي صَوْتَها.

فقال له وقد أَوْحَت إليه:

ألا لِلّهِ أُمُّكَ ما تَعِيفُ (1)

أَوْحتْ إليه: أَخْبَرَتْ. ما تَعِيف: مَا تَزْجُر؛ يقال: عافَ الطيرَ يعِيفُها، إذا زَجرَها.

بأرضٍ لا أَنيَسَ بها يَبابٍ

وأَمْسِلَةٍ مَدافِعُهما خَلِيفُ (2)

يَبابٍ: قَفْرٍ لا أَحدَ فيها. والأَمْسِلة: مجَارِى الماءِ، والواحد مَسِيل (3). والخَلِيف: طريق وراءَ جَبَل.

(1) في رواية: "وقد أوعت إليه". ومعنى البيت أن تلك العقاب قد أوحت إليه بشرّ، فقال لصاحبه: ألا تزجرها فتعرف ما تنبيء به؟

(2)

يلاحظ أن هذا البيت والذي بعده قد وردا في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤب مرتين عكس ما هنا. وفي رواية: "بواد لا أنيس به". وروي أبو العميثل "خلوف" بفتح الخاء. قال: وهو مثل الخليف، وفسر بأنه طريق سهل بين جبلين. وفي رواية:"خلوف" بضم الخاء، أي لا أحد بها. ومدافع الياه: مجاريها التي تدور إلي الأودية.

(3)

في كتب اللغة أن واحد الأمسلة مسل بالتحريك أيضًا، وهذا على اعتبار أن الميم في مسيل ومسل أصلية. وزعم بعضهم أن الميم فيهما زائدة، وأصله من سال يسيل. وأن العرب غلطت في جمعه على أمسلة. قال الأزهرى: هذا الجمع على توهم ثبوت الميم أصلية في المسيل، كما جمعوا المكان أمكنة، وأصله مفعل من كان.

ص: 101

فقال له: أَرَى طَيرًا ثِقالًا

تُبَشِّر بالغَنيمة (1) أو تُخيفُ

فألقَى القومَ قد شَرِبوا فضَمُّوا

أَمامَ الماء (2)، منطقهمْ نسَيفُ أَلْفَى: وَجَد. مَنْطِقُهمْ نَسِيف، يقول: يَهْمِسُون كَلامَهُمْ رُوَيدْا.

فلم يَرَ غيرَ عادِية لِزْإمًا * كما يَتَهدّمُ (3) الحَوْضُ اللَّقِيفُ

عادِيَة: قوم يحَملون (4). يقول: رَأى هذه الحامِلةَ قد غشِيتْه جماعتِهم. كما يتَهدّم الحَوْضُ اللَّقيف: الّذي قد نِخرَ وضَرَب الماءُ أسفَلهَ. يقول: فتَقوّضتْ عليه الحامِلةُ كما يتقوّض الحَوْض. ويقال: قد لَقِفَ الحَوْضُ: إذا نَحَر مِن أسفَلِه وأَنْشَدَنا أبو سعيد:

وطَعْنَةٍ ذاتِ رَشاشِ عاتِية

طَعَنْتُها تحتَ نُحورِ العادِيهْ

العادَية: الحامِلة، ويقال: عَدا عليهم، أي حَمَلَ عليهم؛ وأَنشَدَنا:

يعْدُو فلا تكْذِب شَدّاتُهُ

كما عَدا اللَّيْثُ بوادِي السِّباعْ

(1) في رواية "تخبّر بالغنيمة". والوجه في أن الطير تبشّر بالغنيمة أنها توجد حيث الماء وحيث يوجد الماء توجد الإبل والماشية التى يغنمها المغيرون.

(2)

في رواية: "أمام القوم". يقول: إن ابن تلك المرأة قد وجد في مسيره قوما اجتمعوا وضموا إليهم دوابهم ورحالهم وصاروا ينتسفون الكلام انتسافا، أي لا يتمونه من الفزغ والخوف، يهمسون به رويدا ويخفونه لئلا تسمع أصواتهم فيغير عليهم من ينتهب إبلهم، لأنهم في أرض عدو.

(3)

في رواية: "كما ينفجر". وفي رواية "لزام" بالكسر.

(4)

فسر قوله: "عادية" في اللسان وشرح السكرى بأنه القوم يعدون علي أرجلهم.

ص: 102

فرَاغَ وزَوَّدُوه ذاتَ فَرْغٍ

لها نَفَذ كما قُدَّ الحَشِيفُ (1)

يقول: نَفَذَتْ بن الشِّقّ الآخَرِ. والفَرْغ: ما بين عَرْقُوَتَي (2) الدَّلوْ، ضَرَبَه مَثَلا لما يَخْرج من الجِراحةِ من الدّم. قال: والَحشِيف: الثوبُ الخَلَق.

وغادَرَ فى رَئيِسِ القَوْمِ أُخْرَى

مُشَلْشِلَةً كما قُدَّ النَّصَيفُ (3)

غَادَرَ: خَلَّفَ وتَرَكَ. يريد طَعْنَةً مُشَلْشِلة: ذاتُ شَلْشالٍ تُرِشُّ بالدّمِ وتفرقُه؛ ذاتُ شَلْشال مثلُ قولِ الآخَر:

* وطَعْنَةٍ ذاتِ رَشاشٍ عاتِيَهْ *

والنَّصِيف: الحِمار.

فلمّا خَرَّ عِند الحَوْضِ طافوا

به وأَبانَه منهمْ عَرِيفُ (4)

أَبانَه: اِستَبانَه. منهم عَريف أي عارف.

(1) في رواية: "كما قد النصيف". وفي البيت الذى بعده: "الحشيف". وفي رواية "كما فصل" من قوله: "كما قدّ". يقول: إن ذلك الفتى قد راغ عن القوم وقد طعنوه طعنة تسيل بالدم كما تسيل الدلو بمائها، وقد شقته تلك الطعنة كما شق الثوب الخلق؛ أو كما شق الخمار.

(2)

عرقوتا الدلو: خشبتان معترضتان على الدلو كهيئة الصليب. وفسر في اللسان الفرغ بأنه الاتساع والسيلان.

(3)

في رواية: "كما نفذ الخسيف". والخسيف: البئر المنقوبة، شبه بها الطعنة في اتساعها وسيلانها بالدم. يقول: إن هذا الغلام كما طعنه هؤلاء القوم طعنة نافذة فقد طعن رئيسهم طعنة ترش بالدم، قد نفذت فيه كما يشق الخمار.

(4)

في رواية: "عند القوم". يقول: لما سقط هذا الفتى، وهو ابن تلك المرأة عند الحوض استدار القوم به، واستبانه من بينهم رجل منهم عارف به.

ص: 103

فقال: أما خَشِيتَ - ولِلَمنايا

مَصارِعُ - أنّ تُحَرِّقَكَ السُّيوفُ

فقال: لقد خَشِيتُ وآنْبَأَتنِى

به العِقْبانُ لو أنِّي أَعِيفُ

[أَعِيف]: أَزْجُر.

وقال بعَهْدِهِ في القَوِم: إِنِّي

شَفَيْتُ النفسَ لو يُشْفَى اللَّهِيفُ

قوله: بعَهْدِهِ، إذ هو فيهم. (1).

وقال أيضًا رحمه الله تعالى

نام الخَلِيُّ وبِتُّ اللَّيْلَ مُشْتَجِرًا

كأنّ عَيْنِي فيها الصابُ مَذْبُوحُ

مُشْتَجِرا، أي يَشْجُر (2) رأسَه بِيَدِه، أي كأنّه يَضَعُه على يديه كما يُشْجَر الثَّوبُ بالعُود. قال أبو سعيد الأصمعيّ: والصاب شجرةٌ مُرّة لها لَبَنٌ يُمِضّ العينَ إذا أصابها أبيضُ. ومَذْبوح: مَشْقوق، والذَّبحْ: الشَّقّ (3) وأَنشَد:

كأنّ الخُزامَى طَلّةً (4) في ثِيابها

إذا طَرَقَت أو فأرَ مِسْكٍ مذَبَّحِ

مُذَبَّح: مشقَّق، وأنشد لابن العَجّاج:

* فآقنَىْ فشَرُّ القَوْلِ ما أَمَضَّا *

(1) هذا وجه من وجهين في تفسير هذا اللفظ. والوجه الآخر: "بعهده للقوم" أي فيما عهد به إليهم قبل أن يموت.

(2)

فسر في اللسان مادة (شجر) الاشتجار بأنه وضع اليد تحت الشجر على الحنك، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. ونقل عن أبي عمرو أن الشجر (بالفتح) هو ما بين اللحيين. وقيل في معنى الشجر أقوال غير هذا، فانظرها.

(3)

عبارة الأصل: "والشق: الذبح". وما أثبتناه هو المناسب للسياق، إذ هو بصدد تفسير الذبح لا الشق.

(4)

الطلة: اللذيذة من الروائح.

ص: 104

ويقال: أَمَضّنى يُمِضُّني إمْضاضا إذا أحْرَقَني: الخَلِيُّ: الرَّخِيُّ البال. قال أبو سعيد: ومَثَلٌ من الأمثال: "وَيْلٌ للشَّجِى (1) من الخَلى" فالشَّجِي: المشغول والخَلِيُّ: الفارِغ.

لمّا ذكرت أخا العِمْقى تأوَّبني

همِّى وأَفْرَدَ ظَهْرِى الأَغْلَبُ الشِّيحُ (2)

أخا العِمْقَى: يريد هذا الّذى يَرْثيه. والعِمْقَي: بلَد (3)، يريد: صاحِبَ العِمْقَي؛ كما يقال: "كان رسوُل الله صلى الله عليه وسلم أخا السِّرار (4) "، أي صاحبَ السِّرار.

تأوَّبَني، يقول: جاءَني مع اللّيل، كما قال الآخر:

تأوَّبَنى هَمٌّ مع اللّيلِ مُنْصِبُ

وجاءَ من الأَخبار ما لَا أُكَذِّبُ

وقولُه: أَفرَدَ ظَهْرِي، يقول: تَرَك ظَهرِى مُفرَدا للعدّو كان يَمْنَعُني. والشِّيح: من المُشايَحة؛ والشِّيح: الجَلْد الماضي في لغَةِ هُذَيل، وفي لغةِ غيرِهم: المُشايَحة المحاذَرة. والأَغلَب: الشديدُ العنُقِ الغليظه.

جُودَا فواللهِ لا أَنهما كما أَبَدًا

وزالَ عِندِى له ذِكْرٌ وتَبْجِيحُ (5)

(1) الشجى بتخفيف الياء أعرف من الشجيّ بتشديدها قاله ابن سيده.

(2)

في رواية: "وأبرز". مكان قوله: "وأفرد" ومؤدّى الروايتين واحد. وفي رواية:"العنقى" بالنون مكان الميم.

(3)

عبارة الأصمعي: العمقى أرض قتل بها هذا المرثي. وقال ياقوت: هو واد ببلاد هذيل وأنشد هذا البيت والذي قبله.

(4)

في اللسان: مادة سرو ما نصه: وفي حديث عمر أنه يحدث عليه السلام كأخي السرار. أي يخفي حديثه كمن يسره.

(5)

يرغب إلى عينيه أن تجودا بالدموع عد هذا المرثيّ. وفي رواية "ذكرى وتبريح" وفي رواية "مجد" و"مدح" كل واحدة منهما مكان قوله: "ذكر".

ص: 105

قولُه: وزالَ عندي له ذكر أي ولا زال عندي. تَنْجيح أي تَعْظيم وتفضيلٌ ومَدْحٌ وفخر.

المائحُ الأُدْمِ كالمَروِ الصِّلابِ إذا

ما حارَدَ الخُورُ واجْتُثَّ المجاليِحُ

قال أبو سعيد: المحُارَدَة: أن تَمْنعَ الناقةُ اللَّبن فلا تَدِرّ. الخُور (1): أَرَقُّها على البَرْدِ (2) وأَكْثَرهاْ لَبَنا. والمجَالِيح: التي تَدِرّ على القُرِّ والشّتاء. يقول: إذا اجتُثّتْ فهذه السَّنة شديدة.

وزفَّتِ الشَّوْلُ من برِد العَشِيِّ كما

زفَّ النَّعامُ إلى حفّانِه (3) الرُّوجُ

قوُله. وزَفَّتْ، جاءت زَفيفا عَجِلَةً مُبادِرَة. والزَّفيف: خَطْوٌ مُقارِبٌ، وسُرعةُ وَضْعِ الأَخْفاف ورَفعِها. وحَفّانُه: صِغارُه. والرُّوح: اللّواتي بأَرْجلِها رَوَح، كما نَعامةٍ رَوْحاء، وهو انفتاحٌ (4) يَميلُ إلى شِقِّها الوَحْشيّ (5)؛ ومنه قول الراعي:

* فولّت برَوْحاءَ مَأطُورةٍ *

والشَّوْل: جمع شائلة، وهي اّلتي قد خَفَّ لبنُها وأَتَى على نِتاجِها سبعة أَشْهُر أو ثمانية؛ ومن هذا قولُهم: شالَ الميزان، أي خَفَّ. وجمع شائل شُوَّل، وهي اللّاقح (6).

(1) في كتب اللغه أن الخور جمع خوارة، على غير قياس.

(2)

أرفها على البرد، أي أنها رقيقة الجلود، ضعيفة على احتمال البرد، كما يستفاد ذلك من عبارات اللغويين.

(3)

يذكر شدّة البرد فيقول: إن النياق التي أتى على نتاجها سبعة أشهر وخفت بطونها مما كان فيما قد ألجأتها شدّة وهذا البرد إلي مكان تستدفيء فيه، فبادرت إليه مسرعة كما يسرع النعام إلى فراخه.

(4)

قال في اللسان: الأروح تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه؛ وكل نعامه روحاء، واستشهد بهذا البيت.

(5)

شقها الوحشي

أي شقها الأيمن، وعكسه الإنسيّ، لأن الدابة إنما تحلب وتركب من جانبها الأيسر، فسمى إنسيا، والأيمن وحشيا، وقبل عكس ذلك في معناهما.

(6)

عبارة اللغويين: الشائل، هي اللاقح التى تشول بذنبها للفحل، أي ترفعه، فذلك آية لقاحها، وترفع مع ذلك رأسها وتشمخ بأنفها.

ص: 106

وإنما خَصَّ الشَّوْلَ دون غيرِها لأنّه أراد أنهما خفيفةُ البطون فلا تَقْوَى محل الَبرْد وليست كالمخَاض؛ لأن المخَاض ممتلِئة، فهي أَصَبرُ على القُرّ. ومِثلُ هذا قولُ الآخر (1):

وَخيِرًا (2) إذا ما الرِّيحُ ضَمَّ شَفِيفُها

إلى الشَّوْل في دِفءِ الكَنيفِ المَتالِيا

أراد إذا ضَمَّ شَفِيفُها المَتالىَ إلى الشَّوْل؛ لأن الشَّوْل لا تَصْبِر على القُرّ. والشَّوْلُ خفيفةُ البُطون، فهي أسرَعُ إلى الكَنِيف. والكَنِيف: الحَظِيرة. يقول: هُمْ في هذا الوَقْتِ يَنْحَرون ويُطعِمون.

وقال ماشِيهِمُ: سِيّانِ سَيْرُكمُ

وأنْ تُقِيموا به واغْبرّت السُّوحُ

ماشِيهِم: صاحبُ الماشية منهم. يقول: مُقامُكْم وسيرُكم سواء، والأرضُ كلُّها جَدْب، إن شئتم فأقيموا، وإن شئتم فسِيروا. وسِيّانِ: مِثْلان. وأنشدنا لزهير:

* وسِيّانِ الكَفالَةُ والتَّلاء (3) *

والسُّوح: جماعة الساحة. ويقال قارَةٌ وَقُور، ودارةٌ ودُور، وعانَةٌ وعُون.

قال أبو سعيد: وسمعتُ حَبْرَ (4) بنَ صُمَيْل يقول: هاجَتَ ريحٌ بالمدنية فاغْبرّت منها السُّوح.

(1) هو ذو الرمة؛ وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها أبا عمرو بلال بن عامر.

(2)

في الأصل: "وحبوا"؛ وهو تحريف. والخير: الكرم. والشفيف: شدّة لذع البرد.

والمتالى من النياق: التي تتلوها أولادها.

(3)

التلاء: الذمة والجوار. وصدر هذا البيت:

* جوار شاهد عدل عليكم *

(4)

كذا ورد هذا اللفظ في الأصل مهمل الحروف من النقط. والذى في شرح السكري "ابن جبر" ولم يرد فيه قوله: "ابن صميل" ولم نجد حبر بن صميل هذا ولا ابن جبر الذي يروى عنه الأصمعي فيما راجعناه من معجمات الأعلام.

ص: 107

وكاْن مِثْلينِ ألاّ يسرَحُوا نَعَمًا

حيث استرادتْ مَواشِيِهمْ وتَسْرِيح (1)

يريد: حيث رادَت: جاءت وذهبت (2). ويقال مِن هذا: ريِحٌ رادَةٌ ورَيْدَةٌ ورَيْدانة. وتَسْريح أي حيث سُرِّحتْ.

واعْصَوْصَبَتْ بَكَرًا مِنْ حَرْجَفٍ ولَها

وَسْطَ الديارِ رَذيّاتٌ مَرازِيحُ (3)

اِعْصَوْصبَتْ أي اجتَمَعتْ؛ ومنه: اعصوْصَبَ عليه القومُ إذا تألَّبوا عليه.

بَكَرًا: بُكرَة. مِنْ حَرجَفٍ: وهي الريحُ الشديدة. فأراد: واعصَوصَبَتْ حَرجَفٌ غدْوةً. ويقال: رَزَحَ الرجلُ إذا جُهِدَ. والرَّذِيُّ: المَتروك؛ ومنه قولُ الآخَر:

* لهن رَذايا بالطّريق وَدائعُ *

أمّا أُولاتُ الذُّرَا منها فعاصِبَةٌ

تَجُوُل بين مناقِيها الأَقادِيحُ (4)

أُولاتُ الذُّرَا أي ذَوات الأَسْمِة. فعاصِبَةٌ، والعاصِبة: المجتِمعة؛ ويقال: عَصَبَ القوُم بفلان: إذا استدروا حوله. والمُنْقِيَة: السَّمينة (5) والجمع المَنافي.

والأَقادِيح: جمع الأَقْدح، يقال: قِدْح وأَقدُحُ وقِداح، وأَقاديح جَمْعُ الجمْعِ.

(1) يقول: إن الموضع مجدب، فسواء سرحوا نعمهم أم لم يسرحوها فلا خصب يرتجى فيه. ويقال: سرح نعمه يسرحها، أي أسامها. وفي اللسان مادة سرح "حيث استراحت" مكان قوله:"حيث استرادت".

(2)

عبارة السكرى: رادت في طلب المرعي. وعبارة اللسان: رادت الدواب

واسترادت: رعت، واستشهد بيت أبي ذؤيب هذا.

(3)

يذكر شدّة الريح الباردة في وقت الغداة فيقول: إنها لشدتها وشدة بردها قد ألقت إبلا على الأرض فلم تستطع النهوض من شدّة الهزال. ويشير بهذا إلى جدب الأرض.

(4)

يقول: إن ذوات الأسمنة السمينة من هذه الإبل قد اجتمعت ليضرب عيها بقداح الميسر لتنحر.

(5)

فسر الأخفش المنقية بأنها المهزولة التي فيها بقية من سمن.

ص: 108

لا يُكْرمون كَرِيماتِ المخاَضِ وأَنْـ

ـسَاهُمْ عَقائِلَها وجُوعٌ وتَرْزِيحُ (1)

عَقائلها: كَرائمها، وعَقيلَةُ الحيِّ، كَريمَتُهمْ. والترزِيح: لزُومُ الأرض؛ يقال: رازِمٌ رازِحٌ، وهو الّذى يَقَع هُزالا.

أَلْفَيْتَه لا يَذُمُّ الضَّيْفُ جَفْنَتَهُ

والجارُ ذُو البَثِّ مَحْبُوٌ ومَمْنوحُ

ثم إذا فارَقَ الأَغْمادَ حُشْوَتُها * وصَرَّحَ الموتُ إنّ الموتَ تَصْرِيحُ (2)

قال: أغمادُ السيوف فارقَتْها حُشوَتُها، يَعْني النُّصُول. وقولُه: صَرَّحَ، أي ظهَرَ وبدا. إنّ الموتَ تَصْريح، إذا ظهَر صَرَّحَ ولم يَخفَ؛ "وصَرَّحَ: انكَشَف (3) وبدا".

وصَرَّحَ الموتُ عن غُلْبٍ كأنّهمُ

جُرْبٌ يدافِعُها الساقى مَنازِيحُ (4)

صَرَّح الموتُ أي انكشَف. والمنَازِيح: اللَّواتي يطْلُبن الماءَ من مكان بعيد.

جُرْب: إبِلٌ جَرِبة.

(1) يقول: إن شدّة الجوع والهزال قد ألجأهم إلى أن ينحروا كرائم الإبل عندهم فلا يضنون بها.

وخص المخاض لأنها أنفس عندهم.

(2)

في رواية "حتى إذا" وروى أبو عمرو وخالد بن كلثوم "حتى إذا فارق الأسياف خلتها" والخلل: بطائن جفون السيوف. يشير بهذا البيت إلي الحرب وانسلال السيوف من الأغماد. ويريد وصف المرثي في هذا الموطن بعد أن وصفه بالكريم في شدّة الجدب.

(3)

يلاحظ أن في هذه العبارة تكرارا كما لا يخفى.

(4)

الغلب: الغلاظ الأعناق، الواحد أغلب. وقد شبه الأبطال في الحرب بالإبل الجربة التي لا يدنى منها. ويريد بقوله:"يدافعها الساقي" الخ أن تلك الإبل الجرب تطلب الماء من مكان بعيد والساقي يدافعها عن غشيان الماء لئلا تختلط بالإبل السليمة فتعديها، وهي تغالب الساقي وتزدحم عليه. ووصفها لأنها تطلب الماء من بعيد لأنها إذ ذاك يكون أحرص على الورد.

ص: 109

أَلْفَيْتَه لا يَفُلُّ القِرْنُ شوْكتَه

ولا يُخالِطُه في البَأْسِ تسْمِيحُ (1)

قوله: تَسْمِيح، يقال: سَمَّحَ الرَّجُل إذا هَرَب.

ألْفَيْتَ أغْلبِ منْ أُسْد المَسَدِّ حَديـ

ـدَ النابِ إِخْذَتُه عَفْرٌ فتَطْرِيحُ (2)

قال أبو سعيد: المَسَدّ (3): ملتقَى نخلتين: نخلةَ اليمانيّة ونخلة الشاميّة. وقال ابن أبي طَرَفَة: هو موضع بستان عمرَ بنِ عبد الله بن مَعْمَر، وهو الذي يقول له الناس: بستانُ ابن عامر. قال: والعَفْر: التعفير في التراب. وقوله: فتطْرِيح، وهو أن يرْمِيَ له ها هنا وها هنا. ويُروَى أيضًا: أَخذتهُ جَبْدٌ. والجَبْذ، هو أن يَقِذفَه.

ومَتْلِفٍ مِثْلِ فَرْقِ الرَّأْسِ تَخْلِجُه

مَطارِبٌ زَقَبٌ أَمْيالهُا فِيحُ (4)

ومَتْلَف: هذا طريقٌ يَتْلَفُ فيه الناس بن خُبْثه. وقوُله: مثْلِ فرْقِ الرأس أراد أنّه ضيّق ينشقّ عن مِثل فَرقِ الراس في ضيقه، وربما قالوا: مِثْل الشَّراك يراد به الضِّيق، وإذا كان كذا كان أَخْفى له. قال: ومِثْلهُ قوله (5): "كفَرقِ العامريِّ يلوحُ". يعنِي طريقا. تخْلِجُه: تجْذِبُه. يقول: هذا الطريقُ يتصل

(1) يقول: إذا انكشف الموت للأبطال في الحرب رأيت هذا الممدوح لا يكسره قرنه من حدّته، ولا يفر إذا اشتد البأس.

(2)

يريد تشبيه بأسد من أسود ذلك الموضع الذي ذكره.

ثم وصف شدة ذلك الأسد في أخذه بأنه حين يأخذ قرنه يعفره في التراب ثم يرمى به ها هنا وها هنا.

(3)

ذكر ياقوت: أنه روى بكسر الميم أيضا.

(4)

يصف الطريق بأنه متلف أي يتلف من يسير فيه لضيقه وخفائه على السالك، واتصال بطرق أخرى ضيقة مثل مشتبه بعضها ببعض، لا ينفذ فيها إلا البصير بها المتعود عليها. ثم وصف الأميال التي في هذه الطريق بأنها واسعة، وهي المسافات التي بين كل علم وعلم.

(5)

قوله، أي قول أبي ذؤيب في القصيدة التالية.

ص: 110

بطريقٍ (1) آخَر، فهذا أَشَدُّ لالتِباسِه وأنكَرُ له، ومِثْلهُ:"مُواجِهٌ أَشْباهَهُ بالأَسنه (2) " والمَطارِب: الطُّرُق، والواحدةُ مَطْرِبة. وذَكَر أبو سعيد أنّ أعرابيًا ذَكر قوما قال: لُصوصُ خِفْيَة ماَ تَرَكُوا زَقَبا إلا سربوا (3) فيه. يقول: ما تَرَكوا سَرَبا (3) خَفيًا إلَاّ سَربوا (3) فيه. والزَّقَب: الضّيّقة. وقولُه: مِثْلِ فَرْقِ الرَّأْسِ، أراد أنّه ضيّق شديد الضِّيق، يبدو مرّةً ويَخْفَى أخرى.

يَجْري بَجوَّتِه مَوجُ السَّرابِ كأنْـ

ـضاحِ الخُزاعِيِّ حازَت رَنْقَة الرِّيحُ (4)

جوّتُه: ساحَتُه. والأَنْضاح: الحِياضُ العِظام، واحدها نَضَحٌ (5). وقولهُ:"حازَتْ رَنْقَه الرِّيح" يقول: ذَهَبَتْ بما عليه مِن الغُبار والتراب والرِّيش.

والرَّنْق: الكَدَر، يقال: رَنَقٌ ورَنْق. حازَتْ: جَمَعَتْ؛ ومنه حازَ الشيءَ: إذا جَمَعه. وإنما أراد أنّ هذا السَّراب يجرِى صافيا مِثلَ الماءِ ليس فيه شيءٌ يكدِّره. والخُزاعيّ. رَجُلٌ معلوم.

مُسْتَوْقِدٌ في حَصاهُ الشمسُ تَصْهَرُه

كأنّه عَجَمٌ بالكَفِّ مَرْضوحُ (6)

تَصْهَرُه، أي تُوقِدُه وتُذِيبه، ويقال: صهَرَتْه الشمس إذا اشتدّ وقوعُها عليه وصَمَحَتْه وصقَرَتْه واحد. والصُّهارة: الشيءُ المُذاب.

(1) كان الأولى أن يقول: "بطرق أخرى" ليوافق قوله في البيت: "مطارب".

(2)

لم نتبين معنى هذه الكلمة.

(3)

وردت هذه الألفظ الثلاثة التي تحت هذا الرقم في الأصل بالشين المعجمة؛ وهو تصحيف.

(4)

يصف الطريق بأنّ السراب يجرى فيه صافيا كماء الحياض التي نفت الريح عنها الكدر والقذى.

(5)

والنضيح أيضًا بمعنى النضح.

(6)

في رواية "بالبيد". مكان قوله: "بالكف". يصف ذلك الطريق بشدّة حرارة الشمس عليه وأنها تصهر ما فيه من حصى صغير كأنه النوى المدقوق.

ص: 111

وقال ابن أحمر:

* تَصْهَرُه الشمسُ فما يَنصْهِر (1) *

أي تُذيبُه فما يُذاب. والعجَم: النَّوَى. مَرْضُوح: مَدْقوق. وإنما يريد أنه بَلدٌ (2) مستوٍ ليس فيه أكَمَة ولا مَدَرَة. ويقال صَهرَت الشحمةَ الشمسُ إذا أذابتْها.

يَسْتَنُّ في جانِبِ (3) الصَّحْراءِ فائِرهُ

كأنّه سَبِطُ الأَهْدابِ مَمْلوحُ

قال: يقول: يَسْتَنّ الفائر، وهو السَّرابُ يَفُور، أي يَهيج. كأنّه سَبِط، وهو البَحْر، وإنّما ذا مَثَل. يقول: أكنافه (وهي نواحيه) أَلْقاها على الأرض كأنّه سَبِطُ الأَهْداب، يعنِي البَحْرَ. أكنافُه (4)، هي تفسيرُ أهدابِهِ. وقولهُ: مَمْلُوح، يقال: ماء مِلْح ولا يقال: مَالِحٌ؛ ويقال: سَمَك مَمْلُحٌ ولا يقال: مَالِحٌ، ومَلَحْتُ الشيءَ أَمْلَحُه مَلْحا. ويقال: أهدامُه وأهدابُه (5). وهُدْبُ الشيء: ما تدلَّى. وهُدْبُ الثوبِ مِن هذا. ويقال: عَينٌ هَدْباء، وأُذُنٌ هَدْباء: للكثيرة الشَّعْر.

(1) هذا عجز بيت في صفة فرخ قطاة، وصدره:

* تروى لفى ألقى في صفصف *

(2)

بلد، أي قفر، وإذا كان القفر مستويا لا أكمة فيه ولا مدرة كما قال كان ذلك أخفى لطرقه لاشتباه بعضها ببعض.

(3)

في رواية: "في عرض" من قوله: "في جانب" وكلا اللفظين بمعنى واحد. ويستن: يمضي على وجهه يتبع بعضه بعضا، كما قاله السكرى. شبه ارتفاع السراب وهيجانه في الصحراء بالفوران؛ ثم شبهه في استرساله وجريانه بالبحر المسترسل النواحي. وقال الأخفش في تفسير الفائر في هذا البيت: هو ما فار من حرّ الأرض.

(4)

نقل ابن سيده هذا التفسير للأهداب، ثم أنكر. وقال: لا أعرفه (اللسان مادة هدب).

(5)

يلاحظ أننا نجد فيما لدينا من كتب اللغة أن الأهدام بالميم بمعنى الأهداب بالباء كما تفيده عبارته.

ص: 112

جاوَزْتَه حِينَ لَا يَمشِي بعَقْوَتِه

إلّا المَقانِبُ والقُبُّ المَقارِيحُ

يقول: جاوَزْتَه أنت أيّها المَمْدوح حين لا يُحَاوِزُه إلَاّ هؤلاء. وعقوَتُه: ناحيتُه وساحَتُه؛ ويقال: نَزَلَ بعَقْوَتِه إذا نَزَلَ قريبا منه. والمَقانِبُ: الجَماعات -ثلاثون فارسا أو أربعون- والواحد مِقْنَب. يقول: لا يَقْطَعه إلَاّ هؤلاء مِن خَوْفِه قطعتَه أنت. والقُبُّ: الخيل، وهي الخِماصُ البطون، والواحد (1) أَقَبُّ أو قَباّءُ.

بُغايةً إنما يَبْغِي الصَّحَابَ من الـ

ـفِتيَانِ في مِثْلِه الشُّمُّ الأناجيح (2)

بُغايةً أي طَلَبا. إنما يَبْغى الصِّحَاب أي إنما يكون باغيِهَم.

لو كان مِدْحَةُ حَيٍّ أَنْشَرَت أَحَدًا

أَحيا أُبُوَّتَكِ الشُّمَّ الأمادِيِحُ (3)

أبو وكيع:

* أَحْيَا أباكُنّ يا لَيْلَى الأَمادِيحُ *

(1) بقي تفسير المقاريح، وهو جمع قارح، قال ابن جنى: هذا من شاذ الجمع، أي جمع فاعل على مفاعيل، وهو في القياس كأنه جمع مقراح كمذكار ومذاكير ومئناث ومئانيث. والقارح من الخيل: الذي انتهت أسنانه، وإنما تنتهى أسنانه وهو ابن خمس سنين.

(2)

يخاطب المرئي فيقول: إنك جاوزت هذه الطريق المخوفة ابتغاء للكسب، وفي مثل هذا الموضع المخوف الذي قطعته تجد الشم الأناجيح يبتغون الأصحاب الذي يرافقونهم ليأمنوا بمرافقتهم. والأناجيح قال محمد بن حبيب: إنه جمع نجيح، وقال غيره: إنه جمع أنجح.

(3)

في رواية: "منشرا أحدا" والكاف في "أبوتك" تعود على ليلى ابنة المرثي، كما تدل على تلك الرواية الآتية بعد في الشرح.

ص: 113

وقال يَرْثيِ نُشَيْبة

لَعَمْرُكَ إنِّى يومَ أَنْظر صاحِبِى

على أن أَراهُ قافلًا لَشحيحُ (1)

قال: يقول: أنا شَحيحٌ على أن يفارقَنى. ويقال: جَوْزَةٌ (2) شحيحةٌ منه.

والقافِل: الراجِعُ من السفَر.

وإنّ دُموعي إثْرَه لكثِيرةٌ

لَوَ أنَّ الدُّموعَ والبُكاءَ يُريحُ (3)

قوله: إثرَه، أي بعدَه؛ ويقال: جئتُ على أثَر فلانٍ وعلى إثْرِه، ولا يقال: جئتُ على أُثْرِه. ويقال: سيف ذو أَثْرٍ، يريد فرنْده، وهو شيء تراه كالوَشْى أو كَمَدَبِّ الذَّرّ.

فوالله لا أُرْزا ابن عَمٍّ كأنّه

"نُشَيْبَةُ" ما دام الحمَامُ ينَوحُ (4)

يريد: يُصَوِّتُ ويَهْدِر.

وإن غلامًا نِيلَ في عَهدِ كاهِلٍ

لَطِرْفٌ كنَصْلِ المشرَفيِّ صَريحُ (5)

(1) في رواية "يوم فارقت". وأنظر، أي انتظر.

(2)

كذا ورد هذا اللفظ في الأصل، ولم نجد هذه العبارة التى ذكرها فيما بين أيدينا من كتب اللغة، كما أننا لم نجد من ذكرها من شراح هذا الديوان، ولم نتبين معناها، ولعل فيها تصحيفا.

(3)

في رواية: "والزفير" مكان قوله: "والبكاء".

(4)

في رواية "لا ألقى" من قوله: "لا أرزا".

(5)

في رواية "السمهرى" من قوله: "المشرفى". والسمهرى: الرمح. وفي رواية "قريح" مكان قوله: "صريح" وكلاهما بمعنى الخالص. ونيل أي قتل. يقول: إن نشيبة هذا قد قتل وله عهد وذمة من كاهل -وهو هذا الحي من هذيل- ثم وصفه بأنه كريم ماضى مضاء السيف، صريح لم يشب أخلاقه ما يشين الرجال.

ص: 114

"وإنّ غلاما نِيلَ فى عَهْدِ كاهِلٍ" أي أُصيبَ في عَهدِ كاهل، أي فى ذِمّةِ "كاهِل". "وكاهِلٌ": حيٌّ أو رجل مِنْ هُذيل. والطِّرْف: الكريم من الرجال.

والصَّريح: الخالص. والمَشرفيّة: سُيوفٌ يُجاء بها بن المَشارف: قُرى للعَرَبَ تُقارب الرِّيَف، أي تَدْنو من الرِّيف.

سأبْعَثُ نَوْحًا بالرَّجيعِ حَواسِرًا

وهل أنا ممّا مَسَّهُنّ ضَرِيحُ

قال: يقول: أُصيبُ منهم رجالا فأَبعث عليهم النَّوْحَ. والنَّوْحُ: النّسَاء يريد: نوائحَ. وضَريح: بعيد. والرَّجيع: مكان (1).

وعاديَةٍ تُلْقِي الثيابَ كأنّما

تُزَعْزِعُهَا تحت السَّمامَةِ رِيحُ

عادِيةٍ: حامِلةٍ؛ يريد قوما يَعْدُون ويَحْمِلون. تُلْقِى الثِّياب أي تَطيرُ ثيابُهمْ مِنْ سُرعتِهم. قال: والسَّمامة شُخُوص العادِين. والسَّمامة يقال والسَّماوة سواء.

وزَعْتَهُمُ حتّى إذا ما تَبَدَّدُوا

سِراعًا ولاحَت أَوجُهٌ وكُشوحُ

ويُرْوَى: "ولَاحَتْ أَذْرُعٌ وكُشُوح"، أي (2) ضَمُرتْ. وزَعْتهُم: كفَفْتَهم؛ والوَزَعَةُ: الّذين يَكُفّون الناس. وفي بعض الحديث قال الحَسَن: "لابُدّ للقاضي مِن وزَعَة".

(1) هو ماء لهذيل بين مكة والطائف، وهو الموضع الذي غدرت فيه عضل والقارة بالسبعة الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم.

(2)

قال في اللسان (مادة لوح) في تفسير هذا البيت: إنما يريد أنهم رموا (بالبناء للمجهول) فسقطت ترستهم فتفرقوا فأعوروا لذلك (أي بدت عوراتهم) وظهرت مقاتلهم. هذا وجه في تفسير قوله "ولاحت أوجه" وهو أظهر في رأينا من التفسير الآخر المذكور فى الشرح.

ص: 115

بَدَرْتَ إلى أولاهُمُ فَسَبقتَهُمْ * وشايَحْتَ قَبْلَ اليوم إنّكَ شِيحُ (1)

يقول: سَبَقتَ الأَصحابَ إلي أُولَى العَدُوّ. وشايَحْتَ: حَمَلْتَ؛ والمُشايَحَة في كلام هُذَيل: الجِدُّ والحَمْل، وفي كلام النّاس: المحاذَرة والشَّفَق.

فإِن تُمسِ في رَمسٍ (بَرهَوةَ)(2) ثاوِيًا

أنِيسُكَ أَضداءُ القُبورِ تَصيحُ

رهْوَة: أرضٌ. يقول: ليس لك أنيسٌ بها إلا الهامُ (3) الّتي في القبور. والصَّدَى: طائرٌ، والجميعُ الأَصْداء.

على الكُرهِ مِنِّي ما أُكَفكِف عَبْرَةً

ولكن أُخَلِّى سَرْبَها فتَسِيحُ (4)

أي ما أَرُدُّ عَبْرةً.

فما لَك جِيرانٌ ومَا لَكَ ناصرٌ

ولا لَطَفٌ يِبْكِي عليكَ نَصيحُ

لطفٌ يَبْكِى عليكَ، كقولك: لي فيهم وُدٌّ (5). نَصِيح: ذَوِ نُصْح.

ولو مارَسُوُه ساعَةً إِنّ قِرنَه

إذا خامَ أخْدانُ الرِّجالِ يَطيحُ

(1) في رواية "إلى أخراهم فوزعتهم". وفي رواية:

رددت إلى أولاهم فشفيتهم

وشايحت قبل الموت إنك شيح

(2)

قال في اللسان: رهوة، عقبة بمكان معررف وفي معجم البلدان أنها طريق بالطائف. وقيل فيها غير ذلك.

(3)

الهمام جمع هامة؛ وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتصيح على قبره تقول: "اسقوني اسقونى"، فإذا أدرك بثأره طارت.

(4)

السراب في هذا البيت: الطريق.

(5)

يشير إلى أن هذا وصف بالمصدر، أي ذو لطف وذو ودّ.

ص: 116

الممارسة: المُعالجَة، أي لو مارَسُوه لضَعُفوا (1)، يقول: يَقْتُلُه، فإذا ضَعُفَ (2) هذا قَتَل هذا قِرْنه. وخامَ: ضَعُفَ ورَجَع. وأَخْدان: جمع، واحده [خِدْن](3).

ويروى:

* إذا خامَ أَخْدانُ الإماء يَطيحُ *

وِسِرْبٍ يُطَلَّى بالعَبِير كأنه

دِماءُ ظِباءٍ بالنُّحورِ ذَبيحُ (4)

السِّرْب: القَطِيع من النساء والظَّباء والقَطا والحُبُارَيات. والعَبِير: أخلاطٌ من الطِّيبِ تُجْمَعُ بالزعفران.

بذَلْتَ لهنّ القَوْل إنّك واجدٌ

لِما شِئْتَ مِنْ حُلْوِ الكَلامِ مَلِيحُ

بذلتَ لهنّ القَوْلَ، أي اعطيتَهنّ من الكلام، و "ما" أُعِربَتْ (5). ومَلِيح: من صفةِ الرَّجُل، ولو كان من صفَةِ الكلامِ كان مَلِيحهُ.

(1) يشير بقوله: "لضعفوا" إلى أن جواب "لو" محذوف للعلم به. وقال أبو نصر: إن جواب "لو" في قوله "إن قرنه" الخ.

(2)

كان الأولى أن يقول: "هؤلاء" مكان قوله: "هذا"، أي أخذان الرجال أو أخدان الإماء على كلتا الروايتين.

(3)

هذه الكلمة التي بين مربعين لم ترد في الأصل؛ وفى الأصل أيضًا "واحد" بسقوط الهاء.

(4)

أورد في اللسان مادة "ذبح" بيتا لأبي ذؤب في وصف الخمر، وهو:

إذا فضت خواتمها وبجت

يقال لها دم الودج الذبيح

وقال: أراد المذبوح عنه، أي المشقوق من أجله؛ ثم أورد البيت الذي نحن بصدده؛ وقال: وفيه شيئان: أحدهما وصف الدم بأنه ذبيح، وإنما الذبيح صاحب الدم لا الدم، والآخر أنه وصف الجماعة بالواحد، فأما وصفه الدم بالذبيح فإنه على حذف المضاف، أي كأنه دماء ظباء بالنحور ذبيح ظباؤه، ثم حذف المضاف وهو الظباء فارتفع الضمير الذي كان مجرورا لوقوعه موقع المرفوع المحذوف لما استتر في ذبيح، وأما وصفه الدماء وهي جماعة بالواحد فلأن فعيلا يوصف به المذكر والمؤنث والواحد وما فوقه على صورة واحدة، قال رؤبة:"دعها فما النحويّ من صديقها" الخ.

(5)

يريد "ما" في قوله: "لما شئت" وأعربت، أي أن لها محلا من الإعراب، لأنها في موضع جر باللام وإن كانت مبنية.

ص: 117

فأَمْكَنَّه مما يريد وَبعْضُهُمْ

شَقِيٌّ لَدى خَيراتِهِنّ نَطِيحُ (1)

نَطِيح، أي كأنّ به نَطْحةً لا يُصيبُ خيرًا؛ وهذا مَثَلٌ. والْنَّطِيح: الكاسِفَ البال (2).

ونازَعهُنَّ القَوْلَ حتّى ارْعَوَت له

قُلوبٌ تَفادَىَ مَرّةً وتُرِيحُ (3)

ارْعَوَتْ: انْكفّتْ (4). تَفادى: يَتَّقِي (5) بعضُها ببعض. تُرِيح: تُفِيق. وُيُرْوَى: تَزِيحُ (6).

وأَغبَرَ ما يَجْتاُزُهُ مُتَوَضِّح الرِّ

جالِ كفَرقِ العامِرِيِّ يَلُوحُ

أَغْبَر: طريق أَغْبَر، فهو أَخْفَى له. مُتَوَضِّحُ الرِّجال: الّذي يَظْهَر ولا يُكْتَم؛ ويقال: (صَحْوُة العِدَا)(7) لا يَجوزُه إلَاّ مُسْتَخْفٍ، لأنّه مَخُوفٌ، وإنما يَجوزُه مَنْ دَخَلَ الخَمَرَ (8).

وقوُله: كفَرْقِ العامِرِيّ، قالَ (9): كان مِن بني عامرِ بنِ لؤيٍّ قوم لهم سَرْوٌ وجاهٌ، فأراد

(1) في رواية "فصيّ". مكان قوله: "شقي".

(2)

فسر النطيح أيضا في اللسان بأنه المشئوم؛ واستشهد بهذا البيت؛ وورد في الأصل قوله "البال" بياء بعد الأم، وهو تحريف.

(3)

في رواية "حتى انثنت له" وهو بمعنى ارعوت. يقول: إنه تحادث مع هؤلاء النسوة فأعجبن من حسن حديثه وحلاوته، وسكنت إليه قلوبهن، ثم وصف قلوب هؤلاء النسوة بأنها ليست على حال واحدة، فتارة تتفادى، وتارة تسكن إليه وتستريح.

(4)

في الأصل: "انكشفت"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما تقتضيه اللغة. وعبارة السكري: ارعوت، رجعت وسكنت.

(5)

في الأصل: "يبقى" وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما يقتضيه السياق.

(6)

في الأصل: "يريح" بالياء المثناة التحتية والراء المهملة؛ وهو تصحيف. ونقل السكري عن

أبي عمرو فى تفسير قوله "تزيح" بالزاي المعجمة أنها تتباعد.

(7)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل؛ وهي غير واضحة المعنى. والذي في شرح السكرى: والعرب تقول: وضح بنعم، أي جعلها ظاهرة لعدوه ليراها فيغير عيها فيخرج هو كمينا عليه من خلفه النعم.

(8)

الخمر، هو ما واراك من شجر أو جبل أو نحو ذلك.

(9)

قال، أي الأصمعيّ.

ص: 118

ذِكرهم، منهم سُهَيْلُ بنُ عَمْرو. ورَجُلٌ مِنْ بَنِي عامرِ بنِ لُؤَيّ (1). وأَغْبَر: يَعْنيِ بَلدا أو طَرِيقًا.

بِه مِنْ نِعالِ القافِلِيَن شَراذِمٌ

مُقابَلَةٌ أَقدامُها وسَريحُ (2)

يقال: قابِلْ نعْلَكَ، أي اجْعَل لها زِمامَيْن. والمُقَابَلَةُ: التي لها قِبالانِ. وقولهُ: مُقَابَلةٌ أقَدامُها (3)، يريد مَوضِعَ القدَمِ من النعل، وهذا مِثلُ قوْلِه: اقطع ساقَ الخُفِّ، وساقُه. التى تَليِ الساقَ، وقَدَمُه: ممّا يلي الأرضَ. والسَّرِيح: التّى يُخْصَف بها، شِقَقٌ مِنْ قِدٍّ.

بهُ رُجُماتٌ بَينَهنّ مَخَارِمٌ

نُهُوجٌ كَلَبَّاتِ الهِجانِ تَفِيحُ

الرُّجْمة: الحجارة التى يوضَع بعضُها علي بعض، والجَمْعُ الرِّجام، وواحد المخَارِم مَخْرِم، وهو منقَطَعٌ غليظ. ونُهُوج: بينة، واحدُها نَهْج. يقول: شَرَكُ (4) الطَّرِيقِ كأَعناقِ الإبِل بيّنة: تَفِيح: تضيء (5). والأَفيح: الواسع. قال: والهجانُ الإبِلُ البِيضُ الكرامُ. ويُرْوَى "كلَبأَت الهَجائِنِ فيحُ"، وهو الأَجوَد.

(1) نقل الشارح هذا الكلام عن أبي نصر، ونصه كما في شرح السكري: يقول هذا الطريق واضح كفرق العامريّ، وكان رافق رجلا من بني عامر.

(2)

شراذم، أي قطع. والشرذمة من كل شيء القطعة منه. وفي رواية:"طرائق" مكان قوله: "شراذم". ومعنى طرائق هنا، طريقة فوق طريقة، كما قال السكري. والغافلون: الراجعون إلى أهليهم.

(3)

في الأصل: "أقدامهم" والسياق يقتضي ما أثبتنا.

(4)

شرك الطريق بالتحريك: جوادّه.

(5)

لم نجد فيما لدينا من كتب اللغة قوله: "تفيح" بهذا المعنى الذي ذكر هنا. والذي وجدناه فاح يفيح ويفاح بمعنى اتسع.

ص: 119

أَجَزْتَ إذا كان السَّرابُ كأنّه

علي مُخزَئلّاتِ الإكاِم نَضِيحُ (1)

أَجَزْتَ وجُزْتَ واحد: والمُحْزَئِلّ: المُجْتَمِعُ بعضُه إلي بعض. والنِّضيح: الحَوْض.

* * *

وقال أيضًا

أَعَاذِلُ إنّ الرُّزْءَ مثلُ "ابنِ مالِكٍ

زُهيرٍ" وأَمْثالُ "ابنِ نَضْلَةَ" واقِدِ (2)

الرُّزْء: المصيبة، يقال: رُزْءٌ ورَزِيّةٌ ورَزَايا.

ومِثْلُ "السَّدُوِسِيَّيْنِ" سادَا وذَبْذَبَا

رجالَ "الحِجازِ" مِن مَسُودٍ وسائِدِ (3)

يقول: ذَبْذَبَاهُم حَتى تَقَطَّعوا دُونَهما. وأنشدَنا أبو سعيد للنّابغة الذُّبْيانيّ:

ألم ترَ أن الله أَعطاكَ سُورَةً (4)

تَرَى كلَّ مَلْكٍ دُونَها يتذَبْذَبُ

يقول: هُمْ دونَكَ، يَعْنِي المُلوكَ.

(1) يريد أن المرثى كان يجوز هذا الطريق الذي ذكره، ويسير فيه إذا اشتد الحرّ وصار السراب علي الإكام الشاخصة المجتمعة كأنه حوض مليء ماء.

(2)

في رواية: "في مثل مالك" يقول: إن الرزء هو فقد مثل هؤلاء، وليس الرزء في المال؛ لأن المال يكسب ويوجد، وهؤلاء لا يوجد مثلهم قاله السكري.

(3)

نقل السكرى عن الأصمعي أن سدوسا إن أريد به اسم الرجل فهو بضم السين، وان أريد به الطيلسان فهو بفتحها، وكذلك نقله الجوهري عنه. وقال ابن حمزة: هذا من أغلاط الأصمعى المشهورة؛ وزعم أن الأصل بالعكس مما قال. وقال محمد بن حبيب: في تميم سدوس ابن مالك بن حنظلة، وفي ربيعة سدوس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب، فكل سدوس في العرب فهو مفتوح السين إلا سدوس بن أصمع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان في طيء فإنه بضمها.

(4)

السورة: المنزلة الرفيعة، وجمعها سور بضم السين وسكون الواو، وزان صوفة وصوف.

ص: 120

أَقَبَّا الكُشُوحَ أَبْيَضانِ كلاهُمَا

كعاليِةِ الخَطِّيِّ وارِي الأَزانِدِ (1)

قال: يقال: رَجُلٌ وارِى الزِّناد، إذا كان ممّن يُطْلبَ منه الخيرُ فيُصابُ عنده. ومَثَلٌ من الأَمْثال يقال:"في كلِّ شَجَرٍ نار، واستَمْجَدَ (2) المَرْخُ والعَفار" يقول: أَخَذَا منها (3) ما يَكفيهما؛ ويقال: قد أَمْجَدَ دابّتَه عَلَفا، أي قد أَخذ ما يكفيه؛ وأنشدنا:

*

فصادَفَ مَرْخٌ عَفارَا *

وفي مَثَل أيضًا: "ارْخِ يَدَيْكَ واستَرْخ، إن الزِّنادّ مِنْ مَرْخ" يقول: مَن طَلَبَ الأَمْرَ من وَجْهٍ (4) تَعَسَّر، فإنّ مطلبه سَهْلٌ عندك " ويقال: أَوْرَيْتُ بكَ زِنادِي، أي كنتَ لي قوة.

أعاذِلُ أَبْقي لِلَملَامةِ حَظَّهَا

إذا رَاحَ عَنِّي بالجلَيَّةِ عائِدِي

(1) أقبا الكشوح، أي ضامرا الخصرين.

(2)

قال الميداني: يضرب هذا المثل في تفضيل بعض الشيء على بعض. قال أبو زياد: ليس في الشجر كله أورى زنادا من المرخ. قال: وربما كان المرخ مجتمعا ملتفا وهبت الريح فحك بعضه بعضا، فأورى فاحترق الوادي كله. وهما زندان: الزند الأعلى وهو الذكر، ويكون من شجر العفار؛ والزندة السفلى وهي الأنثى، وتكون من المرخ. قال أبو حنيفة: والمرخ من الشجر العضاه، وهو ينفرش ويطول في السماء حتى يستظل فيه؛ وليس له ورق ولا شوك، وعبدانه سلبة، قضبان دقاق. والعفار شجر يشبه الغبيراء، وهو خوّار، ولذلك صلح للاقتداح به.

(3)

منها، أي من النار. وفي الأصل:"أخذ منه ما يكفيه"، وعبارة الميداني في تفسير قوله في المثل:"واستمجد"، أي استكثرا وأخذا من النار ما هو حسبهما".

(4)

في الأصل: "وجهه" والصواب ما أثبتنا كما يقتضيه السياق.

ص: 121

قال: يقول: لَوْمي لَوْما إذا أرَدْتِ أن تُراجعي كانَ لمَلامَتِكِ حَظٌّ ولَمْ يَكُنْ لملَامَتِكِ انقطاع.

فَقَالوا تَرَكْنَاه تَزَلْزَلُ نَفْسُهُ

إذا أَسْنَدُونِى أَو كذا غير سانِدِ

يقول: "إذا أسْنَدُوني علي الأَسنْاد، أو غير سانِدٍ (1) على حالي الآن".

وقامَ بَناتِي بالنِّعالِ حَواسِرًا

وأَلْصَقْنَ ضَربَ (2) السِّبْتِ تَحْتَ القَلائدِ

يقول: فمْنَ يَضِربْن صُدورَهنّ بالنِّعال. والسِّبْت: النِّعال المَدْبوغةُ بالقَرظ.

وأَلْصَقن: أَلزْقن.

يَوَدُّونَ (3) لو يَفْدُونني بنُفوِسهِمْ

ومَثْنَى الأَواقي والقِيانِ النَّواهِدِ

مَثْنَى الأَواقِي، أي أَواقٍ بعد (4) أَواقٍ، والأوقيّةُ أربعون درهما. والقِيانُ: الإماء، والواحدةُ قَيْنة، وكلُّ أَمَةٍ قَينة.

وقد أَرْسَلُوا فُرَّاطَهُمْ فتأَثَّلوا

قَلِيبًا سَفاهَا كالإماءِ القَواعِدِ

فُرَّاطُهُمْ، قال: الفارِط المتقدِّم. وقال: سَفاهَا، أي تُرابُها. شَبَّهَ ما خرَج مِنْ ترابِها بالإِماءِ القواعِد. قال: والتَّأثُّلُ الاتِّخاذ. وأَنْشَدَنا لامرئ القَيْس بنِ حُجْر:

فلو أَنّ ما أَسْعَى لأَدْنى مَعيشَةٍ

كَفَانِي -ولم أَطلُبْ - قَليلٌ مِنَ المَالِ

ولكنَّما أَسْعَىَ لَمْجدٍ مُؤَثَّلٍ

وقد يُدْرِكُ [المَجْدَ] المؤثَّلَ أَمْثالي

(1) قال السكرى ما نصه: "أو كذا غير ساند: كما أنا جالس الآن".

(2)

في رواية: "وقع". وفي رواية: "نعل".

(3)

يودّون، أراد الرجال والنساء.

(4)

يريد الأواقي من الذهب كما قال السكري.

ص: 122

مُطأطأةً (1) لم يُنْبِطُوها وإنّها

لَيْرضَى بها فُتراطُها أُمَّ واحِدِ

فُرّاطُها: الّذين يتقدّمون في عملها. لَيَرْضوْنَ أَنْ تَضُمَّ واحد وإنّ فيها مَضَمًا لأكثَر مِن واحد (2).

قَضَوْا مَا قَضَوْا منْ رَمِّها (3) ثم أَقَبلوا

إليَّ بِطاءَ المَشْىِ غُبَر السَّواعِدِ

قوله: بِطاءَ المشْى، أى مكتئبين حزانًا.

يقولون لمّا جُشَّتْ البئرُ أَورِدُوا

وليس بها أَدْنَى ذُفافٍ لِوارِدِ

قوله: جُشَّتْ: كُسِحَتْ أخْرج ما فيها. والذَّفافُ: الماُء القليلُ الخفيف.

يقول: ليس بها ماءُ.

فكنتُ ذَنوبَ البئْر لمّا تَبَسَّلَتْ

وسُرْبلْتُ أكفانىِ ووسِّدْتُ ساعِدِى

فكنتُ ذنُوبَ البئر، أي كنتُ دَلْوَها الّذى أُدلي (4) فيها. وتَبَسَّلتْ: كَرُهَتْ منظَرتهُا: [وفَظُعتْ (5) مَرْآتهُا]. والبَسْلُ: الأَمْرُ الكَرِيه. والمرْآةُ: المَنْظَرة مْفُتوحة؛ والمرْآةُ مكسورة: الّتى يُنْظَر فيها.

أَعاذِلَ لا إهْلاكُ ماِلىَ ضَرَّنى

ولا وارثى -إنْ ثُمِّرَ المالُ - حامِدِى

(1) مطأطأة لم ينبطوها، أي منخفضة لم يستخرجوا ماءها.

(2)

قال الباهلي: فها مضم لأكثر من واحد لئلا ينتن.

(3)

رمّها: إصلاحها.

(4)

عبارة السكرى: "التي دلت"؛ وهي أجود ، لأن التأنيث فى الدلو أعلى وأكثر من تذكيرها.

(5)

هذه العبارة التى بين مربعين لم ترد فى الأصل، وقد أثبتناها عن شرح السكرى لأن تفسير الشارح بعد المرآة بفتح الميم يقتضى إثباتها.

ص: 123

وقال أيضا

تاللهِ يَبْقَى على الأيّام مُبْتَقِلٌ (1)

جَونُ السَّراة رباعٌ سِنهُّ غَرِدُ

يقول: لا يَبقَى. ومُبتْقَل: يأكُلُ الَبقْلَ. رَباعٌ (2) فى سِنِّه. غرَد فى صَوتِه أي يُطَرِّبُ.

في عانةٍ بجُنُوب السِّيِّ مشربها

غَورٌ ومَصْدَرُها عن مائِها نُجُدُ (3)

مَشْرَبها غَوْر ، يقول: تَشْرَبُ فى غوْر وتَصْدرُ في نَجْد. قال أبو سعيد: ما ارتفع من الأرض عن تهامة فهو نجد. يقول: فترعَى بنجد وتَشْربُ بِتهامة.

يُقِضى لبانَتَه باللَّيل ثم إذا

أضْحَى تمَيَّم حزمًا حوله جَرَدُ

اللُّبانُة: الحاجة. تَمَيَّم: قصد. والحزم: ما ارتفع من الأرض وغَلُظ ، ومثلُه الحَزْن، يأتيه فيشْرف عليه. حَوْلهَ جرد: لا نبات فيه.

فامتَدَّ فيه كما أرْسَى الطِّراف بدو

داة (4) القرارةِ سَقْبُ الَبيْتِ والوَتِدُ

الطِّرافُ: بَيْتُ الأدم. والسَّقْب: الطَّويلُ من أعمْدة البيت. وأرساه:

أثْبَتَه في الأرض. وقولهُ:"بدَوْداة القرارةِ": مَوْضعٌ من الأرض ينصبُّ فى موضع

_________

(1)

فى رواية "ذو جدد" مكان قوله "مبتقل".

(2)

رباع في سنه ، أي ألقى رباعيته ، وهي السن بين الثنية والناب.

(3)

العانة: جماعة الأتن. والسىّ: فلاة على جادة البصرة إلى مكة. والنجد بضمتين بمعنى النجد بالفتح لغة هذلية.

(4)

فى رواية: "على وجه" مكان قوله: "بدوداة".

ص: 124

مَسِيل. والدَّوْداُة: مَوْضِع مرتفِع يَضَعُ الصِّبْيانُ عليه خشَبةً يترجحون عليها.

يقول: هو مُشرفٌ على هذا الموضع الذي هو دوْداة.

مُسْتَقبِلَ الرِّيح تجَرْى فَوْقَ مِنْسَجِهِ

إذا يُراحُ (1) اقْشَعَرَّ الكشْحُ والعَضُدُ

يُراحُ: تُصيبُه ريح. والخصْرُ يُسَمَّى الكَشْح.

يَرْمىِ الغيوب بعَينيه ومَطرِفُهُ

مُغْضٍ كما كَسَفَ المُسْتأخذ (2) الرَّمِدُ

قال: يقول: يَرْمى ما غابَ عنه بطرْفه حِذرا. والمُسْتأْخذ: الشديد الرَّمَد.

ويقال: رَمَدٌ مُسْتأخِذ، وقد استأخَذَ الرَّمد إذا هو اشتدّ. والغُيوب: ما غاب عند. وتقول: قد أَغْضَى إذا غَمَّضَ عَيْنَيه.

فاختَار بعد تَمام الظِّمء ناجيةً

مثْلَ الِهراوةِ ثنيًا بْكرُها أبِدُ

ويُرْوَى: "فافَتنّ" أي استاقَ (3). بعد تمَامِ الظِّمء. يقول لم يجِدْ بعَدها (4) مَحْبَسا.

والثِّنْيُ: التي قد وَلَدتْ بَطْنَيْن ، فقد تأَبَّد ولَدُها ، أي توحش.

_________

(1)

فى رواية: "إذا يراع". والمنسج بكسر الميم وفتح السين أو بفتح الميم وكسر السين: أسفل من حارك الدابة؛ أو هو ما بين العرف وموضع اللبد.

(2)

روى بفتح الذال فى المستأخذ وفتح الميم فى الرمد. وكسف: نكّس رأسه من الحزن لما أصابه من الرمد.

(3)

فى شرح السكرى:"أي اشتق"؛ وكذلك فسر في اللسان مادة "فنن" الافتنان بمعنى الاشتقاق واستشهد بهذا البيت. قال: وينتصب "ناجية" بأنه مفعول لافتن بإسقاط حرف الجر. كما ورد فيه أيضا الافتنان بمعنى الطرد، أي السوق ، وهو يوافق تفسير الشارح هنا. وروى فيه: الورد" بكسر الواو مكان الظمء؛ والظمء: ما بين الشر بين في ورد الإبل.

(4)

لعل صوابه: "بعد". والذي في السكرى "لها" مكان قوله: بعدها".

ص: 125

إذا أرَنَّ عليها طارِدًا نَزَقَت

فالفَوت إنْ فات هادِى (1) الصَّدْرِ والكَتَدُ

ويرْوَى: "قاربا"(2) وهو الأَجْوَد. ونَزَقَتْ: فَرَّت منه. والكَتَد: مَغْرِز العنقِ في الكاهل. يقول: هي إنْ فاتتْه لم تَفُتْه إلّا بصَدرِها ومَنْكِبِها.

ولا شَبوبٌ من الثِّيرانِ أفْرَدَه

عن كورِهِ كثرَة الإغْراءَ والطَّرَدُ

قال: يقال للمُسِنِّ من الثِّيران: شَبوُبٌ وِمشَبٌّ وشَببٌ. والكوْرُ: القَطيع.

يقال: على آلِ فلانٍ كَوْرٌ عظيم، أي قَطيعٌ من الإبل والبقر والظِّباء، وعليهم أكُوارٌ مِن الإبلِ.

مِن وَحْشِ حَوْضَى (3) يرُاعىِ الصَّيْدَ مُبتَقِلًا

كأنه كَوْكَبٌ في الجَوِّ مُنْجَرِدُ

المُرَاعاةَ: النَّظَر، يقال: ظَلَّ يُراعِي الشَّمْسَ ، ويُراعي الصَّيْدَ، ويرُاعى الوحْش، ويُراعى الإنسَ. قال: ويُقالُ للمؤذِّنين رُعاة الشَّمْس. والمنُجرد (4): المُعتْزَل. يقول: هو منْزَوٍ.

(1) في الأصل: "إن فاتها ذو الصدر"؛ وهو تحريف، والتصويب عن النسخة المخطوطة لديوان أبى ذؤيب.

(2)

القارب: طالب الماء.

(3)

حوضى: ماء لبنى طهمان بن عمرو بن سلمة ، وفى رواية:"الوحش ، مكان"الصيد".

(4)

نقل السكرى عن بعض اللغويين تفسير المنجرد هنا بمعنى المنقضّ، والذي بمعنى المعتزل إنما هو "المنحرد" بالحاء المهملة وهى رواية السكرىّ.

ص: 126

في ربرَبٍ يَلَقٍ حُورٍ مَدامِعُها

كأنّهنّ بَجْنَبىْ "حَرْبَةَ" البَرَدُ (1)

الرَّبْرَب: القَطِيع من البَقَر. واليَلَق: الأبيض. حُورٍ مَدامِعُها: يريد بِيض؛ وأَنْشَد:

* يحُتُّ رَوْقاها على تَحْوِيرِها *

والتّحويرُ: البياض؛ ويقال لنِسْوَة الأمْصَار: حَوارِيّات (2) لبَياضِهِنّ

أَمْسَى وأَمْسَيْنَ لا يَخْشَين بائِجةً

إلاّ الضَّوارِىَ في أَعْنَاقِهَا القِدَدُ

البائجة: البائقة؛ ويقال: اِنباجَتْ عليهم بائجة، وانباقَتْ عليهم بائقة، سواء. ويقال لذَكَر الكَلْب المُعَلَّمِ: ضِرْوٌ، والأنثى: ضِرْوَة، وجمعُه: ضِراءٌ -ممدودٌ- والبائقة: الداهية.

وكُنَّ بالَّروْض لا يُرغَمْنَ (3) واحِدَةً

منْ عَيشْهِنَّ ولا يَدْرينَ كَيفَ غَدُ

لا يُرغَمْنَ واحدةً، يقول: لا يُصيبُهنَّ رغَمٌ في عَيْشهنَّ ولا مَساءةَ.

(1) في رواية "بلق" بالباء الموحدة مكان قوله: "يلق" بالمثناة؛ وفي رواية "حو مدامعه" كما فى شرح السكرى. وحربة: رملة كثيرة البقر، كأنها في بلاد هذيل؛ وفي الأصل:"جربة" بالجيم؛ وهو تصحيف.

(2)

في الأصل: "حوريات"؛ وهو تحريف، والتصويب عن اللسان مادة (حور).

(3)

ضبط في اللسان مادة رغم يرغمن بفتح الياء، أي لا يكرهن بفتح الياء أيضا.

ص: 127

حتّى استبانَتْ مع الإِصباحِ رامِيَها

كأنّه في حَواشي ثَوْبِه صُرَدُ

طائر معروف. يقول: كأنّه في ثيابه صُرَدٌ مِنْ خفّتِه.

فسِعَتْ نَبْأةً (1) منه وآسَدَها

كأنهنّ لدَى أَنْسائِهِ البُرَدُ

آسَدَها: أغْراها به، كأنّ الكِلابَ حين امتدَدْنَ بين يديه البرد، وهي بُرودٌ مِنْ صُوف، واحدتُها بُرْدَة.

حتى إذا أَدرَكَ الرامي وقد عَرِسَتْ

عنه الكلابُ فأعطاها الذي يَعِدُ

عَرسَتْ: كلَّتْ وأعْيَتْ؛ وقيل: دَهِشَتْ. أَدْرَكَ الرامى الثَّوْرَ. وقد عَرِسَت الكلابُ، أي بَطِرَتْ، ويقال للرّجل إذا بَطرَ مِنْ أمرٍ شديد: قد عَرِس عنه. أَعْطَاها الثورُ ما وَعَدَها من الطَّعْن.

غادَرَها وهى تَكبُو تحت كَلْكَلِه

وَيكسُو النُّحورَ بوَرْدٍ خَلْفَهُ الزَّبدُ

الوَرْدُ هنا: الدَّم. وقوله: خَلْفَه الزَّبَد. يقول: إذا ما انقطع الدَّمُ نَفَحَ الجُرْحُ بالزَّبد فجاشَ.

حتى إذا أَمْكنَتْه كان حِينئذٍ (2)

حُرًّا صَبورًا فنِعْمَ الصّابِرُ النَّجِدُ

(1) النباة: الصوت الخفيّ.

(2)

في رواية: "كرّ منفتلا" مكان قوله: "كان حينئذ" والنجد بكسر الجيم وضمها: الشجاع ذو النجدة.

ص: 128

وقال أيضا

أمِنْ أُمِّ سُفيَانَ طَيْفٌ سَرَى

هُدُوًّا فأَرَّقَ قَلْبًا قَرِيحَا (1)

قال أبو سعيد: لا يكون الهُدُوُّ إلا ليلا؛ والسُّرَى لا يكون إلاّ ليلا. طَيْفٌ: خَيالٌ، يَعْنِي خَيالَ أمِّ سُفْيانَ.

عَصانى الفؤادُ فأَسْلَمتُهُ

ولَمْ أَكُ ممّا عَناهُ ضَرِيحَا

أَسْلَمتْهُ، يقول: خَلَّيْتُه. يقول: وَلم أَكُ ممّا يعْنِيه بعيدا. ويقال: اِضْرَحْه منكَ، أي أَبْعده. ضَريحا: بعيدا.

وقد كُنتُ أَغْبِطُه أنْ يَريـ

ـعَ مِنْ نَحوِهنَّ سَليمًا صحيحا

كُتُ أَغْبِطُه أنْ يَريع: يَرجع. "مِنْ عَندِهن" و"مِن نَحوِهنّ".

كما تَغْبِطُ الدَّنِفَ المُسْتَبلَّ

بالبُرْء تُنْبؤُهُ مُسْتَرِيحا

المُستَبِلّ: الّذى قد أفارق وبَرَأَ من مَرَضِه؛ يقال: قد استَبَلَّ وأَبلَّ وبَلَّ.

والدَّنفُ: الّذى قد قَاربَ الهَلاكَ. قال الزِّيادىّ: وغيرُ الأَصْمَعىِّ ينْشدُه: كما يُغْبَط.

رأيتُ وأَهْلي "بوادِى الَّرجِيـ

ـعِ" في أَرْضِ "قَيْلَةَ" بَرقًا مُلِيحا (2)

(1) في رواية "إليّ فهيّج" مكان قوله: "هدوّا فأرّق".

(2)

الرجيع: ماء لهذيل. وقبلة: حصن من نواحي صنعاء.

ص: 129

يقال: أَلاح ولاحَ، وما لاحَ لك. والمُلِيح: الذي يَلْمْعَ. ويقال: أَلاحَ بثَوْبِه وبسَيفِه. ويقال: أَلاحَ ولاحَ؛ فلاحَ: ظَهَر، وأَلاحَ: لمَعَ. وأَنشدَنا أبو عَمرو بن العَلاء:

وقد أَلاحَ سُهَيلٌ بعد ما هَجَعُوا

كأنّه ضَرَمٌ بالكَفِّ مَقْبوسُ

وقولُه: "في أَرْضِ قَيلَةَ"، أي مِنْ نحوِ أرضِ قَيلَةَ، ومِثْلُه:

* أمِنكِ بَرقٌ أَبِيت للّيْل أَرقُبهُ * (1)

يضئُ رَبابًا كدُهْمِ المخاَ

ضَ جُلِّلْنَ فَوْقَ (2) الوَلايَا الوَليِحا

ويُرْوَى: نَشاصًا (3). يقول: يُضيء هذا البرقُ. والرَّبابُ: السّحاب، والواحدة رَبابة. والوَلِيَّةُ: البَرْذَعة، والجميع الوَلايا. والوَلِيحة: العَدِيلة. والدُّهْمُ: السُّود. والسُّودُ من السَّحاب أَغْزَرُ؛ ومِثْلهُ "كلّ أسحَمَ (4) هطّالِ". والمخاضُ: الحَوامِلُ.

كأنّ مَصاعِيبَ غُلْبَ الرِّقا

بِ في دَارِ صِرْمٍ تَلاقَى مُرِيحا

ويُرَوَى: "كأن مَصاعِيبَ زُبَّ (5) الرِّقا

بِ في جمع صرْم

". والصِّرْم: الجماعة. يقول: تَلاقَى الصِّرْم مِنْ هاهنا وهاهنا تَهْدِرُ إبِلُهُم. ومُريحا: قد أراحوا

(1) هذا صدر بيت لأبي ذؤيب، وقد سبق في القصيدة السادسة من هذا الديوان، وعجزه:

* كأنه في عراض الشأم مصباح *

(2)

كذا في اللسان وتاج العروس (مادة ولح) وشرح السكرى. والذي في الأصل: "تحت الولايا"؛ وهو غير مستقيم.

(3)

النشاص: السحاب المرتفع.

(4)

البيت بتمامه:

ديار لسلمى عافيات بذي خال

ألحّ عليها كل أسحم هطّال

وهو لأمريء القيس.

(5)

زبّ الرقاب، أي كثيرة الشعر، الواحد أزبّ، والأنثى زبّاء.

ص: 130

إبِلَهُم، أَراحَ هؤلاء وهؤلاء. والصِّرْم: الجَماعةُ من الناس، وجَمْعُه أصْرام ثم أَصاريمُ جمع الجمَعْ.

تَغَذَّمْنَ في جانِبْيَه (1) الخبَيـ

ـرَ لمّا وَهىَ خَرْجُه (2) واستُبِيحا

التَّغَذُّم: المَضْغ. والخَبِير: الزَّبَد. وَهَى خَرْجُه، أي انشَقّ. واستُبِيح أي أُخْرِجَ ماؤُه، ضَرَبَه مَثَلا؛ يقول: استباحَتْه الأرضُ، أي أَخَذَتْ ماءَه.

وَهَى خرجُه واستُجِيل (3) الرَّبا

بُ عنه وغُرِّم ماءً صرِيحا

خَرْجُه: ما خرَجَ منه. واستُجيلَ الجَهام (4)، أي كشفَتْه الريح. ويقال: اِستجالتْ الخيلُ [ما مرَّت (5) به] ،أي كَسَحتْ ما مَرَّت به. وَهَى خَرْجُه، أي ما خرَج من ماء السّحاب. يريد وَهَى الماءُ، أي سالَ. والجهَامُ: ما هَراقَ ماءه من السّحاب.

ويُرْوَى "واستُجِيل الجَهامُ" و"الرَّبابُ". يقول: واستجالَتْه الرِّيح. وغُرِّمَ ماءً صَريحا: غُرِّمَ، كأنّه أُخِذَ منه. وصَريح: خالصُ مائه استُخْرِجَ. والصَّريح: الخالِصُ الصّافي. قال: وإنما وهى السّحابُ ليس الماءُ، ولكن كذا يقال. (6)

(1) جانبيه، أي جانبى السحاب.

(2)

في رواية:"مزنه" مكان قوله:"خرجه"؛ وقد وردت في الأصل أيضا.

(3)

في الأصل: "واستحيل" بالحاء في جميع مواضعه؛ وهو تصحيف.

(4)

الجهام رواية أخرى في البيت.

(5)

التكملة عن السكرى.

(6)

قال السكرىّ في شرح هذا البيت ما نصّه: "استجيل الرباب، أي جاءته الريح فاستجالته، أي كشفته وقطعته فطردته؛ ويقال استجالت الخيل ما مرّت به، أي كشفت ما مرّت به. وغُرِّم السحاب ماء صريحا، أي ذهب جهامه وخرج خالص مائه؛ غُرِّم: أُخِذ منه؛ وغُرِّم: جاء بماء كثير.

وجهامه: ما خف من السحاب وهراق ماء. وخَرْجه: ما خرج من الماء، يريد أنه تخرق بالماء عن ابن حبيب. الأخفش: كشفت الريح السحاب عن الماء الذي سال منه، فذهب وبقى ماؤه فإنه غُرِّمه.

ص: 131

ثَلاثا فلما استُجِيلَ الجَها

مُ واستَجَمعَ الطِّفْلُ منه رُشوحا

قال أبو سعيد: هذا مَثَل. يقول: استَجْمع السحابُ حتى لحَقَ الصِّغارُ الكِبارَ. يقول، لَحِقَ صِغارُ السحابِ بكبارِه، وكان أوَّلُ متفرّقا فاجتَمَع. قال: فهذا مَثَل؛ شبَّه متفرِّقَ السَّحابِ وصغارَه بالابِل الّتى معها أطفالهُا، وإذا تَبِعَ الطِّفلُ أُمَّه قيل: رشَح، وهو راشِحٌ. يقول: اجتمع بعضُه إلى بعض؛ ويقال: رَشحَ الحُوارُ والظِّبْيُ إذا تَحرّكَ وَمشَى مع أمّه.

مَرَته النُّعامىَ فَلم يَعتَرِفْ

خِلافَ النُّعامَىَ مِنَ الشاِم رِيحا

يقول: فلمّا اجتَمَع وتَمَّ مَرَتْه النُّعامى، أي استَدَرَّتهْ واستَنزلت ماءهَ. والنُّعامىَ: الجنوب. قال: ولا يَصِفون المَطَرَ إلا بها، فَلم يَعَترِف ريحا غيرَها، أي لَم يُشمَل.

قال: ومِثْلهُ قول الآخَر:

حارَ وعَقَّتْ مُزنَه الرِّيحُ وانْـ

ـقار (1) به العَرْضُ ولَم يُشْمَل

ويقال: إن الشَّمال إذا جاءت بالحجاز قَرَّقَت الغَيْم، ويسمِّيها بعضُ العرب: مَحْوَة.

قال: ومثلُه قول الآخر:

* غداة تخالهُمْ مَحْوا حسا (2) * كذا.

فَحطَّ من الحُزَنِ المُغْفِرا

تِ والطَّيْرُ تَلثَقُ (3) حتى تَصيحا

(1) انقار به العرض، أي تفوّر ووقعت ناحية منه.

(2)

لم نجد هذا الشطر فيما راجعناه من المظانّ؛ ولم نتبيّن المراد منه؛ وقد أشار الشارح إلى ذلك بقوله بعد: "كذا".

(3)

تلثق: تبتل.

ص: 132

الحُزَن: واحدُها حُزْنة، وهي إِكامٌ غِلاظ. والمُغْفِرات: التى معها أغْفارُها يريد: الأرْوَى، وهو جمعُ أرْوِيّة، والأرْوَى (1): الوعولُ التي تكون في الجبال وأَغفارُها: أولادها، والغُفر: وَلدُ الأُرْوِيّة، والمُغْفر: التى معها غُفْرُها. قال والأنثى أرْوِيّة، والذَّكَر وعِل.

كأن الظِّباءَ كُشوحُ النّسا

ءِ يَطْفُونَ فَوْقَ ذُراه جُنوحا

الكَشْح: وِشاحٌ من ودَعٍ تَعْملُه النساءُ فتلْبسه، فَشبَّه بياض الظِّباء به.

يَطفُونَ فَوقَ ذُرَى هذا السَّيْل، وقولهُ: جُنوحا، يريد: مُغْضِياتٍ، ومثْلهُ قولُ الشّماخ:

إذا الظَّبْيُ أغْضَى في الكِناسِ كأنه

من الحَرِّ حَرْجٌ تحتَ لَوْحٍ مُفَرَّجِ

فإِما يَحِيَننّ أنْ تهجُرِى

وتَستَبْدِلى خَلَفًا أو نَصِيحا

خَلَفا أو نصيحا ، يقول: تتخذى مُنْتَصحا دُونى.

وإما يحيننّ أنْ تهْجُرى

وتَنْأى نَواك وكانت طَرُوحا

قال: يقول: فإن حانَ أن تَهْجُرِي فلعيك بصاحب (2) كذا كما وَصَف. وتَنْأَى: تَبعُد، وأَصْلُ النَّأْيِ النِّيَة، وهي الارتحال. وقولهُ، أي بعيدةً إذا فُعِلَتْ أَبعَدَتْ، ومنه: الربِيع المِطْرَح، أي البعيد الموقع؛ ومنه قولُ أبي النَّجْم:"مُعْطِيةً (3) طَروحا".

(1) في الأصل: "والآروية"، وما أثبتناه هو مقتضى اللغة.

(2)

يشير إلى قوله الآتى: "فصاحب صدق" الخ.

(3)

المعطية من القسيّ: اللينة. والشطر بتمامه: "وهتَفَىَ مُعْطِيةً طروحا"(اللسان مادة عطى).

ص: 133

فإنّ ابن تُرْنىَ إذا جِئتُكمْ

أَراهُ (1) يُدافِع قَوْلًا بَريحا

قال أبو سعيد: يقال للرَّجُل: هو ابُنُ تُرنى وابنُ فَرْتَنىَ (2) إذا ذُكر بلؤمٍ وَمَنْقَصة. برِيحا، أي تَبلْغُ مِنه المَشَقّة (3).

فصاحِبَ صِدقٍ كسِيدِ الضَّر

ءِ يَنْهَضُ في الغَزْوِ نهَضًا نَجيحا

يقول: فمِثْلَ هذا الصاحبِ فاستَبْدلي. والضَّراءُ: ما واراكَ من الشَّجَر.

يقول: قد استعادَ (4) هذا السِّيد -وهو الذّئب- الشجر أن يكون فيه. وقولهُ: "نجيحا"، أي سريعا؛ ويقال: أَنْجَحَ اللهُ حاجته. قال أبو سعيد: ويُوصَف الذئبُ بأن يكونَ يَألف الضّراءَ ويَربِضُ تحته، وأَنْشد:

* كَسيدِ الغَضَى العادى أَضَلَّ جراءه *

وَشِيكَ الفُصولِ (5) بعيدَ القُفو

لِ إِلّا مُشاحا به أو مُشِيحا

وَشيكَ الفصُول، أي سَريع الغَزو (6)، وبطئَ القُفول؛ يقول: لا يُسرِع الانصرافَ. وبَعيد، أي يبعُد. وقولُه: إلا مُشاحا به، يقول: إلّا محمولا (7) به أو حاملا في هذه الحال والمُشِيح أيضًا: المُبادر المُنْكمش (8)، ويقال: بَطَلٌ مُشِيحٌ، أي حامِل.

(1) في رواية: "يدافع عني قولًا".

(2)

في الأصل: "قرنى"؛ وهو تحريف.

(3)

كذا في الأصل. وعبارة السكرى واللسان مادة ترن "أي يسعنى بمشتقه، أي بخصامه".

وعبارة اللسان (مادة برح): "قول بريح"، أي مصوّب به.

(4)

استعاد، أي اعتاد.

(5)

في الأصل:"الفضول"؛ وهي وإن كانت رواية في البيت، إلا أن تفسير الشارح بعد يقتضى ما أثبتنا (انظر اللسان مادة فصل).

(6)

في الأصل: "العدو"، وهو تحريف.

(7)

أي محمولا به على الغزو أو حاملا عليه.

(8)

المنكمش: الماضي.

ص: 134

تَريعُ (1) الغُزاةُ وما إنْ يَرِيـ

ـعُ مضْطَمرًا طُرَّتاهُ طليِحَا

تَريعُ الغُزاة ، أي يرْجعون وما إن يرْجع. طُرَّتاه: كَشْحاه. وقولهُ: مُضْطَمِرا أي خميَص البَطْن من حَطَبٍ (2). وطَليحًا (3): من غَزو.

كَسيْفِ المُرادِيِّ لا ناكِلًا

جَبانًا ولا جَيْدَريًّا قبيِحا

يقول: كأنه سيفٌ يمانٍ (4). والجيدرِىّ: القَصير. وناكِلًا: على صِفَة (5) الرَّجُل.

قَدَ أبقَى لَكِ الأيْنُ مِنْ جِسِمهِ

نَواشِرَ سِيدٍ ووَجْهًا صَبِيحا

الأَين: الإعْياء (6). يقول: أَبْقَى لكِ من جِسْمهِ نَواشِرَ سيد، يقول: مثْلَ نَواشِرِ الذِّئب الّتي في ذِراعيه (7). أراد أن السَّفَرَ (8) لَم يُفْسِدْه. قولُه وَجْها صَبيحا، قال: يقول: لا يتغيرّ. والنَّواشر: العَصَب الّتى في باطن الذِّراع.

(1) قال السكرى في شرح هذا البيت: أي يسرع الغزاة الانصراف إلى أهليهم، هو مقيم في الغزو لا يقوون على ما يقوى عليه.

(2)

من حطب، أي من هزال. والحطب بكسر الطاء: الشديد الهزال.

(3)

طليحا، أي معييا.

(4)

فسر المرادىّ بأنه السيف اليمانىّ؛ لأنّ مراد قبيلة من اليمن. قاله السكرى.

(5)

يريد أنه من صفة الرجل لا من صفة السيف.

(6)

قال السكرى: ليس المعنى أنه يعيا، إنما أراد الشحوب والضمر، فكأنه معيٍ وليس بمُعْي.

(7)

قال السكرى: يريد أنه شديد البطش قوى اليد كيد الذئب؛ ولم يقل الأسد، لأنّ الذئْب نواشره ممتدّة، وساعدا الأسد كأنه كسر ثم جبر، فليست نواشره ممتدّة.

(8)

كذا فى شرح السكرى. وفى الأصل: "السقم"؛ وهو تحريف.

ص: 135

أَرِبْتُ لإرْبَته فانْطَلَقـ

ـتُ أُزْجِي لجُبِّ الإيابِ (1) السَّنيِحا

ويُروَى: المَنيِحا (2). وقوُله: أَرِبْتُ لإرْبَتِه، يقول: كانت لي حاجةٌ في حاجَتِه فمضَيْتُ معه. أزْجِى، أي أَدْفَع عنّىَ الطيرَ وأخْرُج. يقول: مَضَيتُ معه لا أَتَطَيَّر، فذاك إزْجاءُ السَّنيح. يقول: كنتُ ذا إِرْبة في الغَزْو كإرْبةِ صاحبي فيه.

على طُرُقٍ كنُحورِ الرِّكا

ب تَحْسَبُ آرامهُنّ الصُّروحا

يقول: كأنّ أشْراكَ (3) الطَّريق بَواطنُ أَعْناق الإبِل. والآرام: الأَعْلام الّتى يُسْتَدلُّ بها على الطُّرُق. والصُّروح: القُصور، واحدُها صَرْح.

بِهِنّ نَعامٌ بَناها الرِّجا

لُ تُبقىِ (4) النَّفائِضُ فها السَّرِيحا

النَّعام: جمعُ نَعامة، وهي خَشَباتٌ للرَّبِيئةِ يتّخذُها الّذين يستَظِلّون بها، تُنْصَب ويُجعَلُ عليها الثُّمَامُ يستَظِلّون تحتَها. والنَّفائض: الذي يَنْفُضون الأرَضَ يَنظُرون ما فيها من جيشٍ (5) أو عَدُوّ. والسَّريحِ والسَّرائح: القِدُّ الّذي تُخرَز به النِّعال. (6) يقال: تُبْقيه من طول تَرَقِّيها في الجبال. قال: وكلُّ ما سُرِحَ فجُعِلَ قطعة فسَريحةٌ.

(1) في رواية "اللقاء".

(2)

المنيح من قداح الميسر: الذي لا نصيب له ولا عليه غرم.

(3)

أشراك الطريق: جوادّه. شبهها في بياضها واستقامتها بأعناق الإبل.

(4)

في اللسان (مادة نفض) وشرح السكرى: "تلقى".

(5)

في الأصل: "حنش"؛ وهو تصحيف.

(6)

ولعل صوابه: "يقول".

ص: 136

وقال أبو ذؤيب أيضًا

أمِنْ آلِ لَيْلَى بالضَّجُوعِ وأهْلُنا

بنَعْفِ قوَيٍّ والصُّفيَّةِ عِيرُ (1)

قال أبو سعيد: النَّعف: ما ارتفَع عن بَطْن المَسيل، والنَّعْف أيضا: ما انخَفض عن الجبل؛ أي منها (2) عِيرٌ مرّت بنا ونحن بهذه المواضع.

رَفَعْتُ لها طَرْفي وقد حالَ دُونَها

رِجالٌ وخَيْلٌ بالبثاء (3) تُغِيرُ

قال أبو سعيد: البَثاء من بلاد بني سُلَيم.

فإِنّكَ عَمْرِي (4) أيَّ نَظرةِ ناظرٍ

نَظَرتَ وقُدْسٌ دُونَنا ووَقِيرُ

يريد: أيَّ نَظرَة عَجبٍ نَظرْتَ. وقُدْس ووَقير: بلدان (5).

ديارُ (6) الّتى قالت غَداةَ لَقَيتُها

صَبَوْتَ (أبا ذِئبٍ) وأنْتَ كَبيرٌ

صَبَوتَ، أي أَتَيتَ أَمرَ الصِّبا.

تَغَيِّرْتَ بعدى أم أصابَكَ حادِثٌ

مِن الأَمْر أم مَرَّتْ عليكَ مُرورُ

مَرّتْ عليكَ، أي مرت بك حالٌ بعدَ حال.

(1) في رواية واردة في الأصل أيضا: "بنعف اللوى أو بالصفية عير". والضجوع: رحبة لبنى أبى بكر بن كلاب. وقوى: واد قريب من القاوية. وصفية: هضبة يقال لها هضبة صفية. وفيها أقوال غير ذلك. (ياقوت).

(2)

منها، أي أمنها، ليتفق مع البيت.

(3)

في رواية "وخيل ما تزال".

(4)

في نسخة "حقا" مكان قوله: "عمرى" وفي نسخة: "عاشق" مكان قوله:"ناظر".

(5)

قدس: جبل عظيم بنجد. ووقير؛ ذكره ياقوت ولم يعين موضعه.

(6)

ديار، أي تلك ديار (السكرى). ومن رواها بالنصب قال: أذكر ديار.

ص: 137

فقلتُ لها فقد الأَحِبّةِ، إنّني

حديثٌ (1) بأَرْزاءَ الكِرامِ جَديرُ

أي خَلِيق.

فِراقٌ كَقَيْصِ السِّنِّ فالصَّبرَ إنّه

لكلّ أُناسٍ عَثْرةٌ وجُبورُ

كقَيْصِ السِّنِّ، يقال: انقاصَتْ سِنّهُ إذا انْشقّت بالطُّول، ويقال: انقاصت البئرُ: إذا انشقَّ طَيُّها.

وأصبَحْتُ أَمْشِي في دِيارٍ كأنّها

خِلافَ (2) دِيارِ الكاهِلِيّةِ عُورُ

الكاهليّة: نسبها إلى بني كاهِل، يقول: تلك الديارُ عُور، قال (3): ومنه قولُهم: خَلَفٌ أَعْوَر. (4)

أُنادِى إذا أُوِفى من الأرضِ مَرْقَبًا (5)

وإنِّي سميعٌ لو أُجابُ بَصيرُ

قولُه: أُوفي من الأرضِ مَرْقَبا، المَرْقَبُ: المكان المرتِفع الذي يقوم فيه الربيئة. إذا أُوفى: إذا أَعلُو شَرَفًا، وهو الارتفاع. إنِّي سميع، أي أسمع إذا أُجِبْتُ ولكنّى لَم أُجَبْ.

كأنّي خِلافَ الصّارِخَ الأَلْفِ واحدٌ

بأجْرَعَ لم يَغْضَبْ إليّ نَصيرُ

قال: ويُرْوَى: "إليه نصير". خلافَهمْ: بَعْدَهم. والصارِخ: المستغيث والمغيث (6). يقول: فكأنّى واحدٌ على كَثِيبٍ من المَذَلّة بعْدَهم.

(1) في رواية: "حريّ".

(2)

خلاف بالنصب، أي بعد. وضبط في اللسان مادة "عور" بضم الفاء، قال: كأنه جمع خلف بالتحريك مثل جبل وجبال.

(3)

قال، أي الأصمعي كما في السكري.

(4)

خلف أعور، أي فاسد.

(5)

فى رواية: "مربأ".

(6)

المراد بالصارخ هنا المعنى الثاني.

ص: 138

إذا كان عامٌ مانعُ القَطْرِ رِيحُه

صَبًا وشمَالٌ قَرّةٌ ودَبورُ

مانِعُ القَطْر: ليس بذِي قَطْر. وقولهُ: صَبًا وشمَالٌ قرّة، يريد أن ريحه باردةٌ لا مطر فيها.

وصُرّادُ غَيْمٍ لا يزالُ كأنّه

مُلاءٌ بأَشرِافِ الجِبالِ مَكُورُ

الصُّرّاد: الغَيْم الذي فيه البَردَ ولا ماءَ فيه. وقولُه: مَكُور، أي معصوبٌ مثلَ كَورِ العِمامة على الجبل.

طَخَاءٌ يُبارِى الرِّيحَ لا ماءَ تحتَه

له سننٌ يغشى البلادَ طَحورُ (1)

الطَّخاء: الغَيْم الذي لا ماء فيه. وسَنَنهُ: وَجْهُه الّذى يَذهب فيه، ويقال: تَنَحَّ عن سَنَنَه (2) وسُنَنهِ، أي طريقِه الّذى يأخذ فيه.

فإنّ بني لِحْيانَ إمَّا ذَكَرْتهمْ

ثناهُمْ إذا أَخْنىَ اللِّئامُ ظَهيرُ

يقول: إذا كان ثناءُ اللّئام خَنًى فإنّ ثنَاء هؤلاء (3) ظهيرٌ مرتفع.

وقال أيضا

أساءلت رَسْمَ الدار أم لم تُسائل

عن السَّكْن أم عن عَهْدِه بالأَوائلِ؟

للسَّكن؛ جمعُ ساكن، وهم أهلُ الدار وسُكّانها ومن يهوِى (4). والمَسكَن: المنزل نفسُه.

(1) الطحور: الدفوع الشديد المرّ. قاله السكرىّ.

(2)

السنن بالفتح والسنن بالضم: لغتان.

(3)

فسر في اللسان مادة "ظهر" قوله: "ظهير" في هذا البيت بالظاهر.

(4)

ومن يهوى، أي يرتفع إليهم ويريدهم، ومنه قوله تعالى:(فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم).

ص: 139

لمن طلَلٌ بالمُنْتَضَى (1) غيرُ حائلِ

عَفا بعد عَهْدٍ مِن قِطارٍ ووابِلِ

الطَّلَل: شخْصٌ يبدو لك من المَنزْل. والرَّسْم: الأَثر. وقولُه: غيرُ حائر يقول: عَفا من قطارٍ ووابِلٍ ولم يَمُرّ به حَوْل.

عَفَا بعد عَهد الحيِّ منهمْ وقد يُرَى

به دَعْسُ آثارٍ ومَبْركُ جامِلِ

الدَّعْسُ: الوَطْء الكثير؛ يقال: طريق مَدْعوس إذا كانَ الوطءُ فيه كثيرا.

والجامل: جماعةُ الإبل المذكور، وليس له واحد. وقولُه: عفا، أي دَرَس قال ويقال: عَفَا الشيءُ: إذا كثرُ؛ وهذا من الأضداد.

عَفَا غيرَ نُؤْىِ الدارِ ما إِنْ أُبِينُه

وأقطاعِ طُفْيٍ قد عَفَتْ في المَعَافِلِ

أقطاع، أي قِطَع. والطُّفْى: خُوصُ المُقْل، وهو وَرَقُه. والمَعاقِل: المنازل ترتفع عن مجْرَى السَّيل، والواحد منها مَعْقل.

وإنّ حَديِثًا مِنكِ أو تَبْذُليِنَهُ

جَنَى النَّخْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ

العُوذ: الحديثاتُ النِّتاج، والواحدة عائِذ. والمَطافل: الصِّغار الأولادِ والواحدة مُطْفِل. يربد أنّ لبنَ الأبكار أطيَبُ. قال أبو سعيد: وحدّثنى كُرد بنُ مِسْمَع قال: كتَب الحجّاجُ إلى عامله بفارس: أنِ ابعَثْ إليّ بعسلٍ مِن عسلِ خُلاّر (2)، من النَّحل الأبكار، من الدَّسْتَفْشار (3). الدَّسْتَفْشار: الذي لم تمَسَّه النار.

(1) المنتضى: واد بين الفرع والمدينة.

(2)

في الأصل:"حلا"؛ وهو تحريف. وخلّار: موضع بفارس ينسب إليه العسل الجيد.

(3)

في الأصل: " أقشار الدست"؛ وهو تحريف.

ص: 140

مَطافِيلَ أبكارٍ حَديثٍ نتِاجُها

تُشابُ بماءٍ مِثل ماءِ المفاصلِ

قال: المَفاصل: منقطَع السَّهْل من الجبَل، يريد طِيبه، لأنه يجرى في رَضْراضٍ (1)، واحدُها مَفْصِل. يُشابُ: يخُلَط.

رآها الفؤادُ فاستُضِلَّ ضلالُه

نيافًا من البِيِض الحِسانِ العَطابِلِ

اسُتِضلّ ضَلالُه ،يقول: طُلِب منه أن يِضلّ فَضَلّ. وقوله: نِيافا أي مُنيِفةً طويلةً عظيمة، زناقةٌ نيافٌ ، وهي الطويلة المشرِفة. وواحدُ العَطابل عُطْبول. والعُطْبول: الطَّويلة العُنُق.

فإنْ وَصَلتْ حَبْلَ الصَّفاء فُدمْ لها

وإن صَرَمَتْه فانصرِم عن تجاُملِ

أخَذَه من قول امريء القيس:

أفاطِمَ مَهْلًا بعض هذا التدلُّلِ

وإنْ كنتِ قد أَزْمعتِ صُرِمِي فأَجْمِليِ

وإنْ كنتِ قد ساءتكِ منِّي خَليقةٌ

فسُلِّي ثيابي مِن ثياِبكِ تنْسُلِ

لَعَمرِى لأنتَ البيتُ أُكرِم أَهْله

وأَجْلسُ فى أَفْيائِهِ بالأَصائِلِ

وما ضَرَبٌ بيضاءُ يَأْوِى مَليكُها

إِلى طُنُفٍ أَعْيًا بِراقٍ ونازِلِ

الضَّرَب: العسل الأبيضُ الذّى قد صلُب واستَرْخى وليس برقيقٍ سائل؛ يقال: قد استَضْرَب العَسَلُ. والطُّنُف: مانَتأَ من الجبل ونَدَرَ منه. وقوله: أَعْيا براق ونازلِ، أي أَعْيا المرتقي والنازُل لم يُقْدَر على مَأْتاتهِ مِن صُعوبتِه.

(1) الرضراض: ما دقّ من الحصى.

ص: 141

تُهالُ العُقابُ أن تَمُرَّ بريْدِه

وتَرمى دُرُوءٌ دونه بالأَجاِدلِ

قال: يريد تُهالُ وتَهابه من ارتفاعِه. والرَّيد: الناحيةُ من الجبل. والدَّرْءُ: العِوَج في الجَبَل؛ ومن ذا قيل: بين القَوْم دَرْءٌ، أي عِوَج. والأَجادِل: الصقور. يقول: فهي تُزْلقِ الصقرَ من مُلُوستِها.

تَنمَّى بها اليَعسُوبُ حتى أَقَرَّها

إلى مَأْلَفٍ رَحْبِ المَباءةِ عاسِلِ

تَنَمَّى: ارَتفَع. يقول: تَنمَّى اليَعْسوبُ بهذه النحل حتى جعَلها فى مأْلفه. والمبَاءة: مَرْجِع الإبل. يقول: مبيِتُها الذّى تأوى إليه ، فضَربهَ مَثَلا. يقول: هو إذا رجعتْ رجعتْ إلى مكانٍ واسع. الرَّحْبُ: الواسع. وعاسِل: كثير العسل، كما يقال: لابِنٌ وتامرٌ.

فلو كان حَبْلٌ من ثَمانِينَ قامَةً

وسَبْعِينَ باعًا نالهَا بالأَنامِلِ

يقول: فلو كان الحبلُ الّذى تَدَلَّى عليه إلى الوقْبة ثمانينَ قامةً وسبعين باعا. نالهَا بالأنامل: لنالَتهْا يدُه، يَعْنِي الوَقْبَة، وهو موضع العسل. والخلِيّة: بيتُ النحّل يُعمَلُ له مِثْل الرّاقود يَعْسِل فيه النحلُ.

تَدَلَّى عليها بالحِبالِ مُوَثِّقًا

شَديدَ الوصاةِ نابلٌ وابن نابِلِ

موثِّق: قد أَوثَق حبلَه بأعلى شيء مرتفِع. شديد الوَصاة، أي شديد الحِفاظ والحِفظِ لما توَضَّى به. وقولهُ: نابل، أي حاذق قد مَرَنَ وجَرَّبَ. وابن نابل: ابنُ حاذق. وقال بعضُ الهُذَليِّين لصَخْر الغَيّ:

ص: 142

فآنبُلْ بقَومِكَ إمّا كنتَ حاشِرهمْ

فكلُّ حاشر مجموعٍ له نَبَلُ

يقول: كن حاذقا بسياستهم.

إذا لَسَعَتْه الدَّبْر لَم يَرْجُ لَسْعَها

وخَالفَها في بَيتِ نُوبٍ عَواسِلِ

قال: وربما أُنشدتْ "وحالفَها". قوله: لم يَرْجُ، أي لم يَخْشَ لَسْعَها.

والنُّوب التي تنوب، تجيء وتذْهَب.

فحطَّ عليهما والضُّلوعُ كأنّهما

من الَخوِف أَمْثالُ السِّهاِم النَّواصِلِ

قال أبو سعيد: السّهم إذا استَرْخىَ نَصْلهُ تقعْقعَ. يقول: فيُسْمع لأضلاعِ هذا تقبُّضٌ ورجَفَانٌ مِن الخوف.

فَشَّرجَها من نُطْفةٍ رَجَبِيّةٍ

سُلاسلةٍ من من ماءِ لِصْبٍ سُلاسلِ

شَرّجَها، أي خَلَطها. يقول: خَلَط هذه العسل (1) بماء سحابةٍ أصابتهم فى رجب.

والشَّرِيج: أحدُ الخليطَين. قال: والاثنان شَرِيجان. قال: ويقال: قاءَ فلانٌ قَيْئْا شِريجا، أي لحمًا ودَما. وأَنشدَنا أبو سعيد:

إذا أُكْرهَ الخَطِّيُّ فيهم تجَشَّئوُا

شَرِيجَيْنِ من لحمِ الخَنازير والخمرِ

والنُّطْفة: الماءُ. يقال: أرضُ بني فلانٍ أعذبُ أرضِ اللهِ نطفةً. ورَجَبيّة:

جعَلَها في الشّتاء، وذلك أبرَدُ لها. سُلاسِلة: سَهْلة المَدْخَل في الحَلقْ. واللِّصْب: الشَّقّ فى الجبل ضَيّقا. والسُّلاسل: سَهْلٌ في مجرًى سَهْل.

(1) فى الأصل: "الخمر" والصواب ما أثبتاه ، كما يستفاد من سياق الكلام ومن اللسان (مادة شرج).

ص: 143

بماءٍ شُنَانٍ زَعْزعتْ متَنْهَ الصَّبَا

وجادَتْ عليهِ دِيمَةٌ بعدَ وابِلِ

ويُروَى: بماءِ شِنانٍ. الشُّنان: الّذي يسَيل من الجبل متفرِّقا فَيَتشنَّن أي يتفرّق. والدِّيمة: المطرُ الساكن الدائم.

بأطْيَبَ مِنْ فِيها إذا جِئْتَ طارِقًا

وأشْهَى إذا نامَتْ كِلابُ الأَسافِلِ

الأَسافل: أسفَل الأحْوِية (1) يكون فيها الرِّعاءُ والكلاب؛ فلهمُ أصواتٌ وجلَبَة؛ قال: وهُمْ آخِر مَن يَهْدَأُ.

ويَأشِبُني فيها الأُولاءِيلُونَها

ولو عَلموا لم يَأشِبونِي بطَائلِ

الأَشْب: الخَلْط، ومِنْ ثمَّ قيل: مأشوب. لمَ يَأشبوني، لم يَخْلِطوا عليَّ الكَذِبَ. يقول: إنما نلتُ شيئًا دونَ ما يقولون؛ وأنشدنا:

أنِّي قَطَعْتِ جَديدَ الحِبا

لِ عَنّا وغَيَّرَكِ الآشِبُ

وأُنشد للحارث بن ظالم:

أنا أبو لَيْلَى وسَيْفِى المَعْلوب (2)

هل يَمْنَعَنْ ذَوْدَكَ ضَرْبٌ تَذْبِيبْ

* ونَسَبٌ في الحيِّ غيرُ مَأشُوبْ *

ولو كان ما عَند ابنِ بُجْرَةَ عِندَها

من الخمْرِ لَم تَبَلُلْ لهَاتي بناطِلِ

الناطِل: مِكيالٌ تُكالُ به الخمْر؛ وأَنَشَدنا للبيِد:

* تُكَرُّ عليها بالمِزاج النَّياطِلُ *

(1) جمع حواء، وهو جماعة البيوت.

(2)

المعلوب: اسم سيفه.

ص: 144

فتلْكَ الّتي لا يَبْرَحُ القَلْبَ حُبُّهَا

ولا ذِكْرُها ما أَرزَمَتْ أُمُّ حائِل

أَرْزَمَتْ: حَنّت. والحائل: الأنثى من أولاد الإبِل، والذَّكر: سَقْب.

وَحتّى يَؤوبَ القارِظانِ كِلاهُما

ويُنْشَرَ في القَتْلَى كُليَبٌ لِوائلِ

قال أبو سعيد: القارِظ يقال: إنه يَذْكُرُ بنُ عنزَةَ بنِ أسدِ بنِ ربيعة، خرج يطْلُب القَرظ، فلم يَرْجِع، وكان خزَيمْةُ بن نهدٍ عَشِقَ فاطمةَ بنتَ يَذْكُر، فطلَبها فلم يقْدر عليها، فاجتمعوا في مَرْبَع، فلما تَجَرَّم الرّبيع ارتحلتْ فرجعتْ إلى منَازِلِها فقيل: يا خُزَيمة، لقد ارتحلَتْ فاطمة. قال: أمّا إذا كانت حَيّةً ففيها أطْمع؛ وأَنشأَ يقول:

إذا الجَوزاءُ أَرْدَفَت الثُّرَيَّا

ظَنَنْتُ بآلِ فاطِمةَ الظُّنُونَا

وحالَتْ دونَ ذلكَ مِنْ همُومٍ

هُمُومٌ تُخْرِجُ الداءَ الدَّفينا

ثم خرج يَذْكُر وخُزيْمةَ يَطْلبُان القَرَظ، فمَرَّا بقَلِيبٍ فاستَقَيا، فسَقَطَت الدَّلْو، فنزل يَذْكُر ليُخرِجَها، فلما صار إلى البِئرِ منعَه حُزَيْمةُ الرِّشاء، وقال: زَوِّجْني فاطمة.

قال: على هذه الحال اقتِسارا؟ أَخْرِجْني أفْعَل. قال: لا أفعل. فتركَه حتّى مات فيها، فهُما القارظان.

وقال أبو ذؤيب أيضا

وذلك أن حيًّا من بنى سُليَم بيتَّوا أناسا من هُذَيل فقتلوهم تلك الليلةَ قتلًا شديدا وكان أبو ماعزٍ أسفلَ من الدار التي أُصِيبت في حدِّ هُذَيل، فسَمع الهاتِفةَ في آخر اللّيل فيمن معه، فأَتاهم فَوجَدَ القومَ قد قتِلوا؛ فلذلك قال أبو ذُؤَيبْ:

ص: 145

فلو نُبِذوا بأبي ماعِزٍ

حَديدِ السِّنانِ وشاهِي البَصَرْ

قال: وكانوا قَتَلُوهم بمكانٍ يقال له "الهُزر" فقال أبو ذؤيب يَرْثِي ابنَ عُجْرَة:

عَرفْت الدِّيارَ لِأُمِّ الرَّهيـ

ـن بينْ الظُّباء (1) فَوادِي عُشَرْ

أَقامَت به وابَتنتْ خَمْيةً

على قَصَبٍ وفُرات النَّهَرُ

قال: ويرُوَى "وفُراتٍ نَهِر". قال أبو سعيد: يقول: هي مقيمةٌ بين رَكايا (2) وبين ماءٍ عَذْبٍ يَجرِى. وكلُّ فُراتٍ عَذبٌ. يقول: فهي تَشْرَب من الرَّكايا؛ وكلُّ ماءٍ كَثُرَ فقد استَنْهَر.

تَخَيَّرُ مِن لَبَنِ الآرِكا

تِ بالصَّيْفِ بادِيةً والحَضَرْ

قولهُ: الآرِكات، قال: كأنّها كانت بِبلَدٍ يُنْبِتُ الأَراك، ولم يُرِد أنّ لَبنَ الّتى تأكل الأَراكَ أطيَبُ الأَلْبان، ولكن كلُّ ما ثَبَتَ في مَكانٍ فقد أَرَك يأرُكُ أُرُوكا، وأصلُه مِن الأَراك.

أَلِكنِي إِلَيْهَا وخَيْرُ الرَّسُو

لِ أَعلَمُهُمْ بنَواحِي الخَبَرْ

قال أبو سعيد: الرسول يصْلح أن يكون واحدا وجماعة. وقوله. أعلَمُهم بنواحي الخَبَر، أي يَعرِف شَواكلَ الأمور، إذا رأَى طَرَفَ الأمرِ أعَجبه (3). وناحَيُته: شاكلتَهُ.

(1) الظباء: واد بتهامة. ووادي عشر: شعب لهذيل.

(2)

ركايا؛ تفسير للقصب.

(3)

كذا ورد هذا اللفظ في الأصل، ولعل صوابه "تيقنه" أو ما يفيد هذا المعنى.

ص: 146

بآيَةِ ما وَقَفَتْ والرِّكا

بُ بَيْن الحَجُونِ وبين السِّرَرْ

الحَجُون: عليه سقيفةُ زِياد بن عبيد الله أحد بني الحارث بن كعب، وكان على مكّة. (والسِّرَر): على أربعة أميال من مكّة على يمين الجبل، وكان عبد الصمد ابنُ عليّ قد بَنَى عليه مسجدا.

فقالت تَبرَّرْتَ فى حَجِّنا

وما كنتَ فينا جَديرا بِبِرّ

يقول (1): كنتَ تحدّثنا وتكلِّمنا، ثم أَراكَ تألّهْتَ. ويُرْوَى:

* وما كنتَ فينا حديثًا (2) ببَرّ *

وأعلَمُ أنِّي أُمَّ الرَّهيـ

ـنِ كالظَّبي سيقَ لحَبْل الشَّعَرْ

قال: يقول: أعلم أَنَّ لُقْيتى إياها كالظَّبي سبق للحبالة، أي تلبسي (3) بها وتعلُّقي بحبها مثل الحبالة تعلقه. وزعم (4) أنه جعل نفسه مثل الظبي.

فَبيْنَا يُسلِّمُ رَجْعَ اليَدْيـ

ـن باءَ بكفَّةِ حَبْلٍ مُمَرّ

يسلِّم رَجْعَ اليدَين، يقول: يَطأُ وطْئًا سَليما. إذْ باءَ، أى رجع. بكفّةِ حبلٍ مُمَرّ، قد عَلِق إحدى قَوائمه. وباءَ [الدَّمُ] بالدَّمِ، إذا جُعِل هذا بهذا. ومُمرّ: شديدُ الفَتْل. وبكفّة بكسر الكاف.

(1) كذا في الأصل. ولعله: "تقول كنت تحدثنا" الخ أو: "يقول قالت كنت" الخ.

(2)

في الأصل: "جديرا" وفيه تكرار مع ما سبق؛ وما أثبتناه عن السكرىّ.

(3)

في الأصل: "تلبس بي".

(4)

كذا وردت هذه الجملة في الأصل. ولعلها "وزعم أنه مثل الظبى"؛ أو "وجعل نفسه مثل الظبي". (5) زيادة يقتضها سياق الكلام.

ص: 147

فراغَ وقد نَشِبَتْ في الزَّما

عِ فاستَحْكَمَت مِثل عَقْدِ الوَترْ

يقول: ذهب يَرُوغُ وقد نَشِبَتْ [في] إحدى قوائِمه. راغَ: جالَ. والزِّماع: جمعُ زمَعة، وهي لَحمةٌ زائدةٌ خَلْفَ الظِّلْف، وهي الشَّعَرات المجتمعاتُ مثلَ الزَّينْونة.

وما إنْ رَحِيقٌ سَبَتْهما التَّجا

رُ مِنْ أَذْرِعاتٍ فَوادِى جَدَرْ

السَّبْءَ: الشِّراء. وأَذْرِعات: بالشأم. وجَدَر: موضع (1).

سُلافَةُ راحٍ تُرِيكَ القَذَى

تُصفَّقُ في بَطن زِقٍّ وجَزّ

السّلافةُ: ما ينَزِل منها أوّلا؛ ويقال: السُّلاف ما سَلَف منها مِن عصيرٍ يسيل. إذا أُلقى العنبُ بعضُه على بعض فانعَصَر منه شيءٌ فذلك السُّلاف. وتُصفَّق: مِثلُ تُروَّق، أي تُحوَّل من إناءٍ في إناءٍ آخر. قال: ويُرَوَى أيضًا: "تُعتَّق".

وتُمزَجُ بالعَذبِ عَذْبِ الفُرا

تِ زَعْزعه الرِّيحُ بعدَ المَطَرْ

تَحَدَّرَ عن شاهِقٍ كالحَصِيـ

ـرِ مُسْتَقْبِلَ الرِّيحِ والفَىْءُ قَرّ

شاهِق كالحَصير، أراد عُرْض جَبلٍ أَملسَ له حُبُكٌ كأنهّا حصيرٌ من جَريدٍ قد نُسِجَ.

فشجَّ به ثبراتِ الرِّصا

فِ حتى تَزَيَّلَ رَنْقُ المدَرْ

قوله: فشجَّ، أي علا به. والثَّبَرات: واحدُها ثَبْرة، وهي نِقارٌ في الحجارة متراصِفةٌ مثل الصَّهاريج. حتى تَزيَّل رَنْقُ المَدَر، يقول: إذا دَخلها الماءُ خرج

(1) موضع، أي بين حمص وسلمية.

ص: 148

منها (1)[ماء] فيها [مِنُ غثا (1)] وصفا الماءُ، واحدةٌ إلى واحدة، ويَمضِي (2) رَنْقه وَيبْقَى (2) صَفْوُه.

فجاء وقد فصلته الشَّما

لُ عَذْبَ المذاقة بُسْرًا خَصِرْ

يقول: جَرَتْ عليه فتقطَّع وصار له حُبُك. وبُسْرٌ: غَضّ؛ وأنشدنا:

رَعتْ بارضَ البُهمَى جَميمًا وبُسْرةٌ

وصمْعاءَ حتّى آنفَتْها نِصالُها (3)

خَصِر: بارد.

بأطيَبَ منها إذا ما النُّجو

مُ أَعنَقْنَ مِثلَ تَوالِي البَقَرْ

أعْنَقْن: تصوَّبْن فْتُرَى مَا خيرُهنّ في الغَوْر كما تُرى مآخيُر البَقَر إذا أعنَقَتْ.

والتَّوالِي: الأواخِر.

فدَعْ عنكَ هذا ولا تَغْتَبِط

لخَيْرٍ ولا تتباءسْ (4) لِضُرّْ

يقول: ولا تَبتئِسْ عند الضُّرِّ إذا نزل بك. قال: وحدَّثنى عيسى بنُ عمرَ قال: أنشَدَني ذو الرّمّة: "وظاهِرْ لها مِنْ يابِسِ (5) الشَّخْت" ثم أنشدَني: "من بائس". فقلتُ: ما هذا؟ فقال: بائسٌ ويابسٌ، مِنَ البُؤْس واليُبْس".

(1) التكملة عن السكري.

(2)

ورد في الأصل هاتان الكلمتان كل واحدة منهما موضع الأخرى.

(3)

البيت لذي الرمة، كما في اللسان مادة "بسر" والنبات أوّله البارض، وهو كما يبدو في الأرض، ثم الجميم، ثم البسرة، ثم الصمعاء، ثم الحشيش. وآنفتها، أي جعلتها تشتكي أنوفها.

(4)

في الأصل: "ولا تبتئس لضرّ"؛ وهو غير مستقيم الوزن؛ وما أثبتناه عن السكرىّ.

(5)

البيت بتمامه:

وظاهر لها من يابس الشخت واستعن

عليها الصبا واجعل يديك لها سترا

يصف النار. والشخت: الدقيق من الحطب.

ص: 149

وخَفِّضْ عليكَ مِن النائبات

ولا تَكُ منها كَئيبًا بِشَرّ

كئيبا، أي حزينا.

فإنّ الرَّجالَ إلي الحادِثا

تِ -فاستيقنَنّ- أحَبُّ الجُزُوْ.

قال: يقول: إنّ الموتَ مُولعٌ بالناس.

أبَعْدَ ابنِ عُجْرةَ لَيْثِ لَيْثِ الرِّجا

لِ أَمْسَى كأنْ لم يَكُنْ ذا نَفَرِ

ابنُ عُجْرة: هُذَليّ. ذا نَفَر: ذا جماعة.

وهمْ سَبْعةٌ كعَوالى الرِّما

حِ بِيضُ الوُجوه لِطافُ الأُزُرْ

عاليةُ الرُّمْح: صَدْرُه. لِطافُ الأزُر: خِماصُ البطون.

مَطاعيمُ للضَّيْفِ حينَ الشِّتا

ءِ البُطونِ كثِيرُو الفَجَرْ

أي عَظيمو الفَعال يتفجّرون. والفَجَر: المعروف (1)، وأنشدني:

* بِذى فَجَرٍ تَأوِى إليه الأرَامِلُ *

قُبُّ البُطون: حِماصُ البُطون.

فيا لَيتَهمْ حَذِرُوا جَيْشَهُم

عَشيةَ هُمْ مِثلُ طَير الخَمَرْ

يقول: عَشيّةَ يَسْتتِرون (2) لهم كما تَسْتترِ الطيرُ في الخَمر. يقول: فليتهم كانوا حَذِروهمْ إذْ هم يَخْتِلونهم.

(1) في الأصل: "بالمعروف"؛ والصواب حذف الباء، كما يستفاد من كتب اللغة وشرح السكرى.

(2)

في الأصل: "يسيرون لهم كما تسير".

ص: 150

فلَوْ نُبِذوا بأَبي ماعِزٍ

حَديدِ السِّنانِ وشاهِي البَصَرْ

يقول: فلو رُمُوا به. وشاهِي البَصَر، أي عالِي البصر وحديدُه، ليس بمنكِّسٍ مُغْضٍ. يقول: هو سامي الطَّرْفِ. ويُرْوَى: "حَديدِ السلاحِ حديد البَصرْ".

وباِبْنَيْ قُبَيْسٍ ولمَ يُكْلَماَ

إلى أنْ يُضئَ عَمودُ السَّحَرْ

"إلى أنْ يضئَ عَمودُ السَّحَر" قال: ليلةً إلى الصُّبْح. ويُروَى: السَّجَر وهي الحُمْرة". قال أبو سعيد. "ولَم يَشْحبَا" قال: والشَّجَبُ: الهلَاك. قال: ويقال: شَجَبَ يشَجُبُ إذا هَلَك؛ وأنشَدَنا أبو سعيد:

فمن كان في قَتْله يمْتَرِى

فإن "أبا نَوفَلٍ" قد شَجَبْ

لَقالَ الأباعِدُ والشّامِتُو

نَ كانَتْ كلَيْلَةِ أَهلِ الهُزَرْ

الشامِتون: القومُ الذّين نُبِذوا بأبي ماعز. قال: وليلةُ أَهل الهُزَر: يومٌ يُضَرب به المَثَل، وهي وَقعةٌ قديمةٌ لهُذَيل قال: وهو مثلُ قوله:

مَحَلًّا كَوَعْساءِ القَنافذ ضارِبًا

به كنفًا كالمُخْدِر المتأجِّمِ (1)

وقال أبو ذؤيب أيضًا

ألَا هل أتَى أُمَّ الحُوَيرِثِ مُرْسَلٌ

نَعَم خالِدٌ إن لم تَعُقه العَوائقُ

يُرَى ناصحًا فيما بدا وإذا خَلَا

فذْلكَ سِكينٌ على الحَلقِ حاذق

(1) يصف موضعا شاقّ المسلك لا يوصل إليه. والقنافذ: جبال غير طوال. والمشابهة هنا غير ظاهرة.

ص: 151

قال: ويُروَى "على الحَلْقِ حالِقُ". وقولهُ: حاذِق. قال: يقال: حَذَق الحَبْلَ، إذا قَطَعَه. وكان الأصمعي لا يَعرِف إلَاّ حَذق يَحْذِق، إذا قَطَع. ويقال: خَلٌّ حاذِق، أى ماضٍ (1) جيّد، قال أبو سعيد: وحاذِق وحالقٌ سواء، ولكنها فى هذا الموضع حالِقٌ.

وقد كانَ لي دهرًا قَديمًا مُلاطِفًا

ولمَ تَكُ تُخْشَى من لَدَيهْ البوَائِقُ

قال: البائقةُ ما انفتَحَ عليكَ انفِتاحا. ويقال: جاءَتْنى بائقةٌ من عند فلان أي أمرٌ يَنفَتح، ولَم أَسمع ببائق، ويقال: انباقَتْ عليهم بائقةٌ.

وكُنْتُ إذا ما الحَرْبُ ضُرِّسَ نابُها

لجائحةٍ والحَيْنُ بالنّاس لاحقُ

ضُرِّسَ نابُها؛ يقول: جُعِلَتْ ضُروسا: سيئةَ الخُلُق. قال: وهذا مَثَلٌ كأنّها حُرِّبَتْ وأُغْضِبَتْ. وناقةٌ ضَروسٌ: إذا كانت سيئةَ الخُلق؛ وأنشَدَنا لبشر ابن أبي خازِم الأَسدِىّ:

عَطَفْنا لهمْ عَطْفَ الضَّروسِ بن المَلَا

بشَهْباء لا يأتي الضراءَ رقيبُها

شَهْباء؛ كَتِيبةٌ بيضاءُ بن كَثرْة السِّلاح؛ والشُّهبةُ؛ البَياض. والشَّهَب: البَياض.

والضَّراءُ: ما وَارَاكَ من الشَّجَر، والخمر: ما وَاراكَ مِن كلِّ شيء من شجر وغيره.

وزافتْ كَموْجِ البَحْر تَسْمُو أَمامها

وقامَتْ على ساق وَآنَ التَّلاحُقُ

(1) لعل صوابه: "حامض".

ص: 152

ويُروَى: "وماجَتَ كمَوْجِ البحْرِ أَرْخى سُدُوله

وقامت على ساقٍ". ويقال: سُدْلٌ وسُدُول، وهو ما أَسْدَلْتَ، أى أرْخَيْتَ من شيء. وقولُه: تَسْمُو أي تَمْضِي قْدُمًا. يقول: الحَرْبُ تَسمُو. وأنَّ التلاحُقُ، أي حانَ.

أَنُوءُ به فيها فيَأمَنُ جانِبي

ولو كَثُرتَ فيها لَدَيَّ البَوَارِقُ

أَنُوءُ به، أي أَنْهَضُ به فيها فيأمَنُ جانبِي. والبَوارِق: جمعُ بارِقة، وهي السُّيوفُ وما برَقَ من السِّلاحِ. جانبهُ: شقه.

ولكن فَتًى لَم تُخْشَ منه فَجيعةٌ

حَدِيثًا ولا فيما مَضَى أنتَ وامقُ

يقول: ولكنْ فَتًى أنت واثقٌ به لمَ تأتِك منه فاجعةٌ، أنت واثِقٌ به فيما مَضَى.

وامِقٌ: مُحِبُّ.

أخٌ لكَ مأمونُ السَّجيّاتِ خِضْرِمٌ

إذا صفَقَتْه في الحُروبِ الصّوافِقُ

خِضْرم: رَغِيب الخُلُق. وصفَقَتْه: قَلَبَتْه.

نُشَيْبةُ لَم تُوجدْ له الدهر عَثْرةٌ

يَبوحُ بها في ساحةِ الدّارِ ناطِقُ

العَثْرة: الزَّلّة.

نَماهُ الحَيَّيْنِ قِرْدٍ ومازِنٍ

لُيُوثٌ غَداةَ البَأْسِ بِيضٌ مَصادِقُ

مَصادِق: [ذَوُو] مَصادِقَ في القتال.

همُ رَجَعوا بالعَرْجِ والقومُ شُهَّدٌ

هَوازِنَ تَحْدُوها حُماةٌ بَطَارِقُ

تَحْدُوها أي تَسُوقُها. وهوازن [مِن] قَيْس.

ص: 153

وقال أيضًا (1)

ما حُمِّلَ البُخْتيُّ عامَ غِياره

عليه الوُسُوق بُرُّها وشَعيرُها

عامَ غِيارِه أي عامَ ميرَتِه؛ يقال: خرج فلانٌ يغيرُ أهلَه إذا خرج يميرُهم.

والوَسْقُ: الِحْمل.

أَتى قَرْيةً كانت كثيرًا طَعامُها

كرَفْع التُّرابِ كلُّ شيءٍ يمَيِرُها

قال أبو سعيد: يقال للأرض إذا كانت كثيرةَ التراب: هذه رَفْغٌ من الأرض (2).

فقيلَ: تَحمَّلْ فَوقَ طَوْقِكَ إنّها

مُطَبَّعةٌ مَن يَأْتِها لا يَضيرُها

مُطبَّعة: مملوءة. طَوْقك، يقول: طاقتك.

بأَعظمَ ممّا كنتُ حَمّلتُ خالدًا

وبعضُ أمانات الرجال غُرورُها

غُرورُها: ما غَرَّ منها.

ولو أنّني حَمّلْتُه البُزْلَ لَم تَقُمْ

به البُزْلُ حتّى تَتْلَئِبّ صُدورُها

تَتلئبّ: تمتدّ وَتَتَابَعُ.

خَليلِي الّذي دَلَّى لِغَيًّ خَليلتي

فكُلًّا أَراهُ قد أَصاب عُرورُها

(1) سيذكر الشارح في أوّل القصيدة التالية سبب هذه القصيدة والتي بعدها، فانظره ثم.

(2)

في كتب اللغة أن الرفغ كما يوصف به التراب الكثير توصف به الأرض ذات التراب الكثير.

ص: 154

قال: يقال: إنما أنتَ عُرّة. يريد: إنما أنت عُرّةٌ من العَررِ (1). ويقال: لأَعرّنّكَ بشرٍّ؛ أي لأُلطِّخنّك بشَرّ.

فشأْنَكَها إنِّي أمينٌ وإننّي

إذا ما تَحالى مِثلُها لا أَطُورُها

تَحالَى، أي حَلَا في صدْري، ويقال: حلا يحْلو حلاوةً. لا أَطُورُرها: لا أَقْربُها، من قولهم: لا تَطُرْ حَرانا (2).

أُحاذرُ يَوْمًا أن تَبينَ قَرينَتيِ

ويُسْلِمهَا جِيرانهاُ ونَصيرُها

قال: ويُروَى إخونُها ونَصيرُها؛ ويُروى أيضا: أجْوارها. والقرِينة في هذا الموضع: الصاحبة (3).

رَعَى خالدٌ سِرِّي لياليَ نفسُه

تَوالى على قَصْد السَّبِيلِ أُمورُها

فلمّا تَراماه الشَّبابُ وغيُّه

وفي النّفس منه فتنةٌ وفجُورها

قولُه: ترَاماه الشَّباب، كما يقال للرجل (4): تَرامَى الفَلاةُ (5) بالرّجل، وتَرامى الجنونُ بالرجل: لجَّ به.

لَوى رأسه عنِّي ومالَ بودِّه

أغانِيجُ خَوْدٍ كان قِدْمًا يَزُورُها

(1) كذا بالأصل. وفيه اضطراب ولا يخفى، والمراد واضح.

(2)

حرانا، أي ما حولنا. وفي الأصل:"عرانا"؛ وهو تحريف.

(3)

عباة السكرىّ: القرينة في هذا الموضع النفس، وفي غير هذا الموضع الصاحبة، أي أخاف الموت

أي أحاذر أن أموت فيبقى عليّ إثمه وعاره.

(4)

قوله: "للرجل" كذا في الأصل. والكلام مستغن عنها.

(5)

كذا في السكريّ. وفي الأصل: "الكلام" وهو تحريف.

ص: 155

تَعلَّقَه منها دَلالٌ ومُقْلَةٌ

تَظَلُّ لأصْحابِ الشَّقاءِ تُدِيرُها

وما يَحَفظُ المكتومَ مِنْ سرِّ أهْله

إذا عُقَدُ الأسْرار ضاعَ كَبيرُها

مِن القوِم إلَاّ ذو عَفافٍ يُعينُه

على ذاكَ منه صِدْقُ نَفسٍ وخِيرُها

فإِنّ حَراما أنْ أَخون أمانةً

وآمنَ نَفْسًا ليس عندي ضميرُها

فنفسَكَ فاحفَظْها ولا تُفْشِ للعِدَى

من السِّرِّ ما يُطْوَى عليه ضميرُها (1)

مَتَى ما تشأ أَحْمِلْكَ والرَّأْسُ مائِلٌ

على صَعْبةٍ حَرْفٍ وَشيكٍ طُمورُها

هذا مَثَل؛ يقول: أحملك على أمرٍ صَعْب شاقٍّ. حَرْف، يقال: ناقةٌ حَرْف إذا أَسَنّت وفيها بقيّة (2). وَشيك: سريع. طُمُورُها: طَفْرُها.

وما أَنُفُس (3) الفِتْيانِ إلَاّ قَرائنٌ

تَبِينُ وببَقىَ هامُها وقُبورُها

قال: يقول: أَكره أن أُبْقِى على نفسى، وإنما هي قرينةٌ تَذْهَب كما تَذْهَب القَرائن، وتبقىَ هامُها وقبورُها.

فأجابه خالد -وكان ابَن أُخْتِ أبي ذؤيب، وكان ابنَ محرّث، وكان خالدٌ رسولَ أبي ذؤيب إلى صديقته فأفسَدها، وكانت قبلَ أبي ذؤيب صديقةَ عبدِ عمرو ابنِ مالك؛ فكبِر عبد، وكان أبو ذؤيب رسولَه إلَيها-:

(1) في هذا الببت مع الذي قبله إيطاء؛ وقد وردا في شرح السكرى مفصولا بينهما بعدة أبيات.

(2)

في كتب اللغة الحرف هي الناقة الضامرة الصلبة كأنها حرف الجبل.

(3)

كان الأنسب أن يوضع هذا البيت بعد البيت الثامن من هذه القصيدة كما في السكرى.

ص: 156

لا يُبْعدَنّ اللهُ لُبَّكَ إذْ غَزَا

فسافَرَ والأَحلامُ جَمٌّ عُثوُرها

قولُه: سافَر، أي لم يكن معك، وهذا مثَلٌ ضرَبَه، مِثلُ قولك: عزَبَ عنه عَقْلُه، أي لم يكن معه.

وكنتَ إماما للعَشِيرةِ تَنْتَهِى

إليكَ إذا ضاقتْ بأَمرٍ صُدُورُها

لَعَلَّكَ إمّا أُمُّ عَمْرٍو تَبَدَّلَتْ

سِواكَ خليلًا شاتِمِى تسْتَحِيرُها (1)

تَستَحِيُرها: تستعطِفها. يقال: حارَ، إذا رجَع، يريد تستحيرها حتّى تَرجِع إليك أمُّ عَمرٍو.

فلا تَجَزعَنْ مِن سُنّةٍ أنتَ سِرْتَها

وأوّلُ راضِى سُنَّةٍ من يَسيرُها

فإنّ الّتي فينا زَعمتَ ومثلَها

لَفِيكَ ولكنّي أَراكَ تَجُورُها

يقول: التي فينا زعمتَ مِن المَساءةِ.

تنقَّذْتَها منْ عَبْدِ عَمْرِو بنِ مالِكٍ (2)

وأنتَ صَفِيُّ النَّفْسِ منه وخِيرُها

قال: ويرُوَى: "وأنتَ صَفِيُّ نفسِه وسَجيرُها" سَجيُره صَفيُّه. وقولُه: تنقّذْتَها، أي أخذَتها؛ ويقال: خيلٌ نَقائِذ، أي أُخِذتْ من أحياءٍ شتّى.

(1) في شرح السكري واللسان: (مادة خور)"تستخيرها" بالمعجمة، وفسر بما هنا، وأصله أن يأتي الصائد ولد الظبية في كناسه فيعرك أذنه، فيخور يستعطف أمه كي يصيدها، فإذا سمعت الأم ذلك جاءت إليه فتصاد. ولم نجد في كتب اللغة أن استحار بالحاء المهملة بمعنى استعطف كما قال الشارح.

(2)

في رواية واردة في الأصل أيضا: "من عبد وهب بن جابر". وفي رواية: "ألم تتنقذها من ابن عويمر".

ص: 157

يُطيلُ ثَواءً عندَها ليَرُدَّها

وهيهاتَ منه دُورُها وقُصورُها

وقاسَمَها بالله جَهْدًا لأنتمُ

أَلذُّ مِن السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها

نَشُورُها: نأخذها. والشَّوْر: أخذُ العَسلِ من موضعها.

فَلم يُغْن عنه خَدْعُه حين أَعْرضَتْ (1)

صَرِيمَتَها والنفسُ مُرٌّ ضميرُها

ولمَ يُلْفَ جَلْدًا حازمًا ذا عَزيمةٍ

وذا قُوّةٍ يَنْفِى بها مَن يَزورُها

فإنْ كنتَ تَشْكُو من قريب مَخانةً (2)

فتِلكَ الجوَازِى عَقْبُها ونُصُورُها (3)

عَقْبُ كلِّ شيء: [شيء](4) يَجئُ بعدَ شيء.

وإن كنتَ تَبغِي للظُّلامةِ مَرْكَبًا

ذَلولًا فإِنِّي ليس عندي بَعيرُها

نشأت عَسيرًا لم تُديَّثْ عَرِيكَتي

ولمَ يَعْلُ يوما فوقَ ظَهْرِىَ كُورُها

العَرِيكة: السَّنام؛ وهذا مَثَلٌ ضَرَبَه، وتُدَيَّث: تُلَيِّن. والكُورُ: الرَّحْل.

يقول: فأنا لَم أَدِلَّ لأحد.

فلا تَكُ كالثَّوْر الّذي دُفِنتْ له

حَديدةُ حَتْفٍ ثمّ ظَلَّ يُثِيرُها

(1) في السكري: "أزمعت"، وهي الرواية الجيدة. وأعرضت هنا مضمنة أزمعت، أي أعرضت عنك مزمعة صريميّا.

(2)

كذا في السكري. وفي الأصل: "مخافة"؛ وهو تحريف.

(3)

قال في اللسان مادة "نصر": نصورها، يجوز أن يكون جمع ناصر، كشاهد وشهود، وإن يكون مصدرا، كالخروج والدخول.

(4)

عن السكري.

ص: 158

ولا تَسْبِقَنّ الناسَ مِنِّي بَحزْرَةٍ (1)

من السُّمِّ مَذْرورٍ عليها ذَرُورُها

قوله: بحَزْرة، الحَزْرة: الحامضة.

وإيّاكَ لا تأخُذكَ مِنِّي سَحابةٌ

ينفِّرُ شاءَ المُقْلِعِين (2) خَريرُها

ويُروَى أيضا: "شْاءَ المُقْلَعين"، وهم الّذين أَقلعتْ عنهم السّحابةُ؛ وإنما هذا مَثَل. يقول: يأخذك منّي قولٌ مثْلُ المَطر يتداركُ عليك، أي أَهْجوكَ.

وقال أبو ذؤيب حين جاءتْه أمُّ عَمرٍو تَعتَذر إليه:

تُرِيدينَ كَيْما تَجْمعيني وخالدًا

وهل يُجْمَع السَّيفان وَيْحَكِ في غِمْد

أخالدُ ما راعَيتَ من ذي قرابةٍ

فتَحْفَظني بالغَيْب أو بعضِ ما تُبدِي

دَعاكَ إليهما مُقْلَتاها وَجيدُها

فمِلْتَ كما مالَ المُحِبُّ عَمْدِ

كنتَ كَرَقراقِ السَّرابِ إذا جَرَى

لِقَوْمٍ وقد باتَ المَطِيُّ تخْدِى

فأَقسمتُ لا أَنفكُّ أَحْذُو قَصيدةً

أَدَعْكَ وأيّاها بها مَثَلًا بَعْدي

قال أبو سعيد: سألتُ ابنَ أبي طرفة عن هذا فلم يَعرِفْه، ولَم يكن عند أبي عَمرٍو فيها إسناد. وسَمعتُ من قال: أحْذُو، يعنى أقول. ومن قال:"أَحْدو" قال: أُغنِّي بها؛ وأهلُ المسجد يُنشِدون: "تكون وإيّاها بها مَثَلا بَعْدي".

(1) في السكري: "بخمطة".

(2)

المقلعون بكسر اللام، من أقلع إذا جلا عن مكانه وبعد.

ص: 159