المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌شعر ساعدة بن جؤية

‌شِعرُ سَاعدةَ بنِ جُؤَيَّة

وقال سَاعدةُ بنُ جُؤَيَّةَ أخو بني كعب بنِ كاهلِ بِن الحارِثِ بنِ تمِيم بنِ سعدِ ابِنِ هُذَيْل بنِ مُدْرِكةَ:

هَجرتْ غَضُوبُ وحُبَّ مَن يَتَحَبَّبُ (1)

وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ

قال أبو سعيد: غَضوب: اسمُ امرأة. وحُبَّ مَنْ يَتَحَبَّب، أي حُبَّ بها متحبِّبةً إلي. يقال: لَحُبَّ إلي بذاك، ولَحُبَّ بفلانٍ إليه، إذا قال: ما أَحَبَّه إليه، وأَنْشَدَنا للحارِث بنِ وَعْلةَ:

لمِن الديارُ عَفَوْنَ بالرَّضْم (2)

ولَحُبَّ بالآياتِ والرَّسْمِ

وقولهُ: وعَدَتْ عَوادٍ، أي صَرفت صَوارِفُ. والعَوادى: الصَّوارِف. وقولُه: دونَ وَلْيِك، الوَلْيُ: المُدَاناة، وهو منْ وَلِىَ يلىِ وَلْيًا؛ وَليْكَ: قُرْبكَ. وتَشْعَبُ: تُخالِفُ قَصْدَكَ. ويُروَى: "تشْغَب" و"تشْعب"، فمن قال: تشْغَب قال: تَجُور لا تَجيءُ علي القَصْد؛ ومن قال: تَشْعَب قال: تفْرُقُ؛ وأنشَدَنا (3):

وإذا رأيتَ المرءَ يشْعَبُ أَمْرَه

شَعْبَ العَصا ويَلِجُّ في العِصْيانِ

العصا: الجماعة. يقول: إذا رأيتَه يفارِق الجماعةَ ويُفرِّق أَمْرَه كما تُشْعَبُ العَصا ويَلجُّ في الخطأ فدَعْه. قال: ويقال: شعَبَ المصدِّق رَجُلا إلى بنِي فلان أي أَخْرجَه من أصحابه، فشَعبَ إليهم، فشَعبه (4) شَعْبا.

(1) في رواية: "من يتجنب" كما في (ب) و "اللسان" مادة شعب.

(2)

الرضم: موضع على ستة أميال من زبالة.

(3)

البيت لعلي بن غدير الغنويّ، كما في (ب) و (اللسان) مادة شعب.

(4)

لم يظهر لنا وجه للفاء هنا.

ص: 167

ومِنَ العَوادِى أَن تَقَتْكَ بِبغْضةٍ

وتَقاذُفٍ منها وأَنَّكَ تُرْقَبُ

العَوادِى: الأَشغال والصَّوارِف. تَقَتْكَ، يقول: أن اْتَّقتْكَ. بِبغْضةٍ أي بقَوْمٍ يُبغِضُونك. وتَقاذفٍ، أي تبَاعُدٍ. نِيِّةٌ قَذَف، أي بَعيدةٌ. تُرْقَب: تُرْصَدُ وتُحْرَس. والبِغْضةُ: البَغْضاء.

شابَ الغُرابُ ولا فُؤادُكَ تارِكٌ

ذِكْرَ الغَضُوبِ ولا عِتَابُكَ يُعْتَبُ

شابَ الغُرابُ، يقول: كان [ما](1) لم يكن لطُولِ الأَمَد، ولم تَتْرُكْ ذِكْرَ الغَضُوب وأنتَ على حالِكَ في أَمْرِها. ولا عِتابُكَ يُعْتَب، أي يُسْتَقْبَلُ بعُتْبَى في أَمرِها. قال: والعُتْبَى الرجوع. يقول: إذا عاتبتَ لم تُعْتَبْ "بودى عنك"(2). وفي مَثَلٍ مِن الأمثال: "إنّما يُعاتَبُ الأَدِيمُ ذو البَشَرة"، أي إنَّما يكلَّم من الناس من به مُسْكةٌ. ويُعاتَب: يُرَدُّ في الدِّباغ. يقول: إنّما يُراجَع في الدِّباغِ الأَدِيمُ الَّذى بقيتْ فيه بقيّة.

وكأنَّما وافاكَ يومَ لَقِيتَها

مِنْ وَحْشِ "وَجْرةَ"(3) عاقِدٌ مُتَرَبَّبُ

وافاكَ، أي لَقِيَكَ. ويقال: وافاني فلانٌ بمكّة أي اجتمَعْنا بها. والعاقِد: الذي قد ثَنَى عُنقَه، وكذلِك تفعل الصِّغار من الظِّباءِ. وقوله: متربَّب، أي متربَّبٌ في النّبتِ (4).

خَرِقٌ غَضِيضُ الطَّرفِ أَحْوَرُ شادِنٌ

ذو حُوَّةٍ أُنُفُ المَسارِبِ أَخْطَبُ (5)

(1) لم ترد هذه الكلمة في الأصلين.

(2)

كذا وردت هذه العبارة في كلتا النسختين.

(3)

في اللسان مادة "عقد""مكة" مكان قوله "وجرة". ووجرة: منزل بين مكة والبصرة.

(4)

في كلتا النسختين "في البيت" وهو تصحيف.

(5)

ورد بعد هذا البيت في الأصل قوله: "كمل الجزء الثاني". ثم ورد أمام ذلك في هامش الصفحة قوله: "الجزء الثالث من ديوان الهذليين، وهو من رواية أبي سعيد عن الأصمعي، بقية قصيدة ساعدة بن جؤية".

ص: 168

الخَرق: الصغير منها الّذي إذا فاجأْتَه خَرِق وانقبضَ أن يَعْدُوَ. وقوله: غَضيضُ الطَّرْفِ أي فاتِرُه. والشادِن: المتحرِّك. ذو حُوّةٍ، يقول: فيه خطوطٌ تَضرِب إلى السّواد، يعنِي الخُطَّتين اللَّتَين تضربان إلى السواد على ظَهْرِه. والأخطَبُ: الأخضر في لونه. والخُطْبَة: الخُضْرَة. أُنُفُ المسَارِب، يقول: هو مستأْنَفُ الربيعِ ولَم يُرعَ قَبْلَه، وهذا في موضع. والمَسارِب: مسَارِحُه الّتي يَسْرُب فيها.

بشَرَبَّةٍ (1) دَمَث الكَثِيبِ بِدُوره

أَرْطَى يَعوذُ به إذا ما يرْطَبُ

بشَرَبّةٍ، أي موضع مرتفِع ليس (2) فيه لِين. ودَمَث الكَثِيب، الدِّمِث: اللَّيِّن. وقولُه: بدورِه، قال: الدُّورُ فَجَواتٌ، وهي داراتٌ تكون في الرمل. وقوله: إذا ما يُرْطَب، يَعنِي الظّبيَ إذا ما أصابه بَلَلٌ استغاث بهذه الأرْطَى، فهو قوُله "يَعُوُذ به" أي يَلْجَأ إليه. ويقال: أرطبَتْه السماءُ إذا بَلَّتْه.

يَتَقِى (3) به نَفَيانَ كلِّ عَشِيّةٍ

فالماءُ فَوقَ مُتُونِه يَتَصَبَّبُ

قوله: يَتَقِى، يريد "يتّقى"، وهي لغةٌ لهم؛ وأنشَدَنا أبو سَعيدٍ عن عيسى بنِ عُمَر:

جَلاها الصَّيْقَلون فأخْلَصُوها

خِفافًا كلُّها يَتَقِى بأَثْرِ (4)

(1) في الأصل "بشريّة" بالياء المثناة التحتية وكسر الراء؛ وهو تحريف.

(2)

الذي في اللسان أن الشربة أرض لينة تنبت العشب وليس بها شجر اهـ وهذا هو المناسب لقول الشاعر بعد: "دمث الكثيب". وذكر في اللسان أيضًا هذا البيت وفسر الشربة بأنها موضع.

وفي ياقوت أنها موضع بين السليلة والربذة.

(3)

ذكر في اللسان (مادة وقى) أن التاء الأولى هي المحذوفة من "يتقى" مشدّدة التاء؛ وإذن فالتاء في "يتقى" المخففة مفتوحة لا غير. وكذلك نقل عن ابن برى أن الصحيح فتح التاء في هذا الفعل.

(4)

البيت لخفاف بن ندبة. ويزيد بقوله: "يتقى بأثر" أن هذا السيف يستقبلك بفرنده.

ص: 169

والنّفَيان: كلُّ شئٍ يطير ليس بمُعْظم الشئِ. ونَفَيانُ الرِّشاء: ما تَطايَرَ على ظَهْر الساقى؛ وأنشَدَنا:

* كأنّ مَتْنَيْةَ مِن النَّفِيِّ (1) *

أي ما يُنفَى مِن الرِّشاءِ والإِبلِ بَمشافِرِها. يقول: فالماءُ يَنصَبُّ عن مُتونِ الأَرْطَى فلا يُصيبُ الظَّبيَ منه شيء. ومَن رَوَى: "فالماءُ فوقَ مُتُونِها" يقول: إنّ نَفِيَّ السحابِ متى يتطاير يَجرِى الماءُ فوق مُتونِ الأَرْطَى فيسيرُ الظَّبىُ فلا يُصِيبهُ منه شيء. والهاء راجعةٌ للأَرْطَى في الرّوايتين، لأنّ الأَرْطَى تؤنَّث وتذكَّر.

يقَرو أبارِقه ويدنو تارةً

لمدافِيء منها بِهِنَّ الحُلَّبُ

يَقْرُو أي يَتْبَع. قال ويقال: خرج فلانٌ يَقْرُوهُم، أي يتَبْعُ آثارَهم. فيقول: هذا الظبْىُ يَتْبَع الآثارَ (2). وقال (3): "وهي الأَبارقُ والأَبْرَق والبَرْقاءُ والبِراقُ وبَرْقاوات"، وهي جِبالٌ من حِجِارةٍ وطِين، أو حِجِارة ورملٍ. فإذا أرادوا الموضعَ قالوا أَبرَق، وإذا أرادوا البُقْعةَ قالوا بَرْقاء. والمدافيء: مواضعُ دفيئة، واحدها مَدْفَأ. وموضعٌ دَفِئٌ. والحُلَّبُ: بَقْلَةٌ جَعْدَةٌ غَبْراءُ في خُضْرةٍ تَنبسِط على وجهِ الأرضِ يَسِيل منها لبنٌ إذا قُطِع منها شيء.

إنِّي وأَيْدِيها وكلِّ هَدِيّةٍ

مِمّا تَثُجُّ لهما تَرائبُ تَثْعَبُ

(1) الشعر للأخيل؛ وبعده:

من طول إشراف على الطوىّ

مواقع الطير على الصفىّ

(2)

لعل صوابه "الأبارق".

(3)

كذا وردت هذه في كلتا النسختين. ولعلها: ويقال الأبارق الخ.

ص: 170

قولُه: إنِّي وأَيْديها، قال أبو سعِيد: يَحلِف بالهَدايا، يحَلِف بما نَسَكوه، يحَلِف بغيرِ الله. وتَثُجُّ: تَصُبّ: تَثْعَب: تَنْبعِث (1). وأيْدِيها، يَعْنِي نوقًا يُقْسِم بها.

ومُقامِهِنّ إذا حُبِسْن بمَأْزِمٍ

ضَيْقٍ أَلَفَّ وصَدَّهُنّ الأخْشَبُ

المَأزِم: مَضِيقٌ بين "عَرَفَةَ" و"جَمْع". والأَخْشَبان: جَبَلَا مِنًى. يقول: صارت بينه وبين الجبل. وقوله: أَلَفّ أي مُلْتفّ. والمَأْزِم: الضَّيْق؛ وأَنْشَد:

* هذا طريقٌ يأْزِم المَآزِما *

أي يَعَضُّ المَعاضَّ. ورجُلٌ به أَزْمٌ، أي عَضٌّ.

حَلِفَ امرئٍ بَرٍّ سَرِفْتِ يَمِينَه

ولِكلِّ ما تُبدِى النفوسُ مُجَرَّبُ

برّ: صادق. سرفتِ يمينَه، أي لم تعْرِفيها؛ ويقول الرجل للقوم: طَلبَتُكْم فَسِرفْتُكُم، أي لم أَدْرِ أين أنتم. سرِفتِ يمينَه، يقول: لَم تَعْرِفِي قَدْرَها وجَهِلْتِها، وأَنشَدَ لطَرَفة:

إنّ امرَأً سَرِفَ (2) الفُؤادِ يَرَى

عَسَلًا بماءِ سَحابةٍ شَتْمِى

والمجرَّب ها هُنا في معنى التجربة. يقول: كلُّ ما أَخْفَيْت وأَبْدَيْت سيَظهر في التجرِبة. يقول: لِكلّ ذاكَ مِن حَقٍّ وباطلٍ مجرَّبٌ.

إنِّي لَأهواها وفيها لِامرْئٍ

جادت بنائِلِها إليه مَرْغَبُ

(1) في كلتا النسختين "تتعب"؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا، كما يستفاد من كتب اللغة في تفسير "ثعب"؛ والانبعاث هنا، هو انبعاث الدم منها.

(2)

سرف الفؤاد: مخطئ الفؤاد غافله، قاله في اللسان، وأنشد بيت طرفة هذا.

ص: 171

قال: يقول: فيها مَرْغَبٌ لمن جادت له بنائِلها، وأمّا من لم يجد ذلك عندها فإنه يائس من نائلها فلا يَطْلبُه.

ولقد نَهَيْتُكَ أَن تَكَلَّفَ نائيًا

مِنْ دُونِهِ فَوْتٌ عليكَ ومَطْلَبُ

يقول: نَهَيْتُك يعني فؤادَه. فَوْتٌ عليكَ وَمطْلَب (1)، أي لا تَقْدر عليه إلاّ بِطَلَب.

يقول: مِنْ دُونِه فَوْتٌ عليك لا تُدْرِكُه، أي لا تَقْدرُ عليه إلَاّ بَطلَب.

أَفِمِنْكِ لا بَرْقٌ كأنّ وَمِيضَه

غابٌ تَشَيَّمَه ضِرامٌ مُثْقَبُ

أفمنك، قال أبو سعيد: تقول الغرب: أفَمِنْ شِقِّك هذا البرقُ ومِن ناحِيتِك، و"لا" زائدة. وتَشَيَّمَه، أي دَخَلَ فيه. ومُثْقَب، أي أُثْقِبَ حتّى يَثْقُب هو والثَّقُوب: ما تُثْقَب به النارُ حتّى تَثْقُب. وثُقُوب النارِ: اتِّقادُها (2)، وأَثْقَبَتُ النارَ أُثْقِبُها إْثْقابا. والضِّرام: النارُ في الحَطَب الدَّقِيق الّذي تَضْطَرم فيه. ويقال: "شَيِّمْ نارَكَ"، أي أَدْخِلْ معها شيئًا تأخُذُ فيه دقِيقا ثم تأخذ في الغليظ. والغابُ: شَجَر.

سادٍ تَجَرَّمَ في البَضِيعِ ثَمانِيًا

يُلْوِى بعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ

سادٍ، فيه قولان: أحدُهما أَسْأَدَ ليلتَه، لم يَنَمْها بإسآد (3)، من الإسآدِ ليلًا.

والقول الآخر يقول: سادٍ مِثلُ مُهمَلٍ. تَجرَّم: استوفَى ثمانيا. والبَضِيع:

(1) في النسختين: "ومقدر" وهو خطأ من الناسخ. وقد صوبت في (ب).

(2)

في الأصل "إيقادها" بالياء؛ وهو تصحيف.

(3)

الإسآد: سير الليل؛ قال ابن سيده: هذا لا يجوز إلا أن يكون على قلب موضع العين إلى موضع اللام، كان أصله "سائد" أي ذو إسآد، كما قالوا: تامر ولابن، ثم قلب فقال: سادئ، ثم أبدل الهمزة إبدالا صحيحا فقال:"سادى" ثم أعل إعلال قاض ورام.

ص: 172

جزائرُ (1) البحر. "يُلْوِى بها كأنه يَذْهب بها إلى البحر تَشْرَبُ ماءَه كلَّه"(2)، عَيْقَة وعَقْوَة وساحة واحد، وهي فِناءٌ (3) من الأرض. وقولهُ: يُجْنَبُ، أي تُصيبُه الجَنُوبُ؛ وأنشَدَنا:

* غَدَاةَ تَخالُها نَجْوًا جَنِيبا *

النَّجْوُ: السّحاب الّذي قد هَراقَ ماءَه. والجَنِيب: الّذي تَسوقُه الجَنوب.

لَمّا رَأَى "عَمْقًا" ورَجَّعَ عَرْضُه

رَعْدًا كما هَدَرَ الفَنِيقُ المُصْعَبُ

رَأَى عَمْقا، أي صارَ بعَمْقٍ، وهو موضعٌ (4) أو بلد. ورَجَّع عَرْضُهُ، والعَرْض: خِلافُ الطُّول، وعَرْضُه: ناحيتُه. رجَّعَ: رَدَّدَه كما هَدَرَ الفَحْلُ، شَبَّهَ الرعدَ بالهَدِير.

لَمّا رَأَى "نَعْمانَ" حَلَّ بِكْرفِيء

عَكَر كما لَبَج النُّزولَ الأرْكُبُ

يقول: حَلَّ بكِرِفئه. وحَلَّ: أَقَام. والكِرْفئ من السحاب: ما تَراكبَ بعضُه على بعض؛ ويقال: كَرفِئُ من شَحْم، أي طرائقُ بعضُها فوق بعض والواحدةُ كِرْفئة. وقوله:"كما لَبَجَ النزُولَ الأَرْكُب"، يقول: كما ضَرَبُوا بأنفسهم للُّنزُول. ولَبَجَ: ضَرَبَ بنفْسِه. والأَرْكُب: جَمعُ رَكب. والعَكر: الكثيرُ، مِثلُ عَكَرِ الإبِل، وهو جماعتُها.

والسِدْرُ مُخْتَلَجٌ وأُنْزِلَ طافِيًا

ما بينَ "عَيْنَ" إلى "نَباةَ" الأثْأَبُ

(1) في اللسان مادة "بضع": الجزيرة في البحر.

(2)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل؛ وهي غير مستقيمة. وعبارته اللسان (مادة بضع) في تفسير قوله: "يلوى بعيقات البحار"، أي يذهب بما في ساحل البحر؛ وعبارته في مادة (لوى) أي يشرب ماءها فيذهب به.

(3)

أراد بالعيقة في هذا البيت ساحل البحر.

(4)

في معجم ياقوت أن عمقا واد من أودية الطائف.

ص: 173

مُختلَج: منتَزعٌ يَقْلَعه السَّيْل. والأَثأَب: نبت (1)، وهو المُنزَل طافيا أي وأُنزِل الأَثأَب. وَعْين ونَباة: بَلَدان (2)، أي أُنْزِلَ الأَثأَب (3)، جَعَلَه المَطَرُ طافِيا يَطفُو فَوقَ السَّيْل.

والأثْلُ مِن (سَعْياَ) و (حَلْيَةَ) مُنزَلٌ

والدَّوْمُ جاء به (الشُّجونُ) و (فعُلْيَبُ)

قال يقول: الأَثْل من هذين الْمَوْضِعين حَطَّه الغَيْث. (سَعْيَا) و (حَلْيةُ): بَلَدانِ (4). والشُّجون: شِعابٌ تكون في الحِرارِ والغِلَظ. وقولهُم: "الحديثُ ذو شُجون" أي ذو شُعَب. والمَيْثاء يقال لها شُعْبةٌ إذا صَغُرتْ (5)، ثم تَلْعَةٌ إذا عَظُمَتْ فهي مَيْثاءُ جِلْواخ (6). وعُلْيَب: موضِع (7).

ثم انتهَى بَصَرِى وأَصبَحَ جالِسًا

منه لنَجْدٍ طائفٌ (8) مُتغَرِّبُ

يقول: ثم انقَطَع بَصَرى دُونَ هذا الغَيْم. وأصبَخَ جالِسا: عَلَا نجْدا من تِهامة. والطائف (8): االحَيْدُ يَنْدُر مِن الجَبَل، فشَبَّهَ ما نَدَرَ من السّحابِ بهذا. وقولُه: متغرِّب: إمّا بعيد، مِن الغُرْبة، وإما أَخَذَ مِن قِبَلِ المَغْرِب.

(1) في اللسان أن الأثاب شجر ينبت في بطون الأودية بالبادية؛ وهو على ضرب التين، ينبت ناعما كأنه على شاطئ نهر، وهو بعيد من الماء. وقال أبو حنيفة: الأثأبة دوحة محلال واسعة تنبت نبات شجر الجوز، وورقها نحو ورقه، ولها ثمر مثل التين أبيض يؤكل، وفيه كراهة؛ وله حب مثل حب التين، وزناده جيدة.

(2)

في ياقوت أن "عينا" موضع ببلاد هذيل. ونباة: اسم جبل، روى نباة مثل حصاة كما هنا ونبات ونباتي نفله ياقوت عن السكرى.

(3)

في كلتا النسختين: "السدر"؛ وهو خطأ من الناسخ.

(4)

سعيا: واد بتهامة قرب مكة أعلاه لهذيل، وأسفله لكنانة. وحلية: واد بين أعيار وعليب. وقيل: هو موضع بنواحي الطائف. انظر ياقوت.

(5)

في اللسان (مادة ميث) أن الميثاء هي التلعة التي تعظم حتى تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه. وهذا التفسير يخالف ما هنا كما لا يخفى. ولم نجد الميثاء بمعنى الشعبة لا في مادة (ميث) ولا في مادة (شعب) كما يلاحظ أن تفسير الميثاء هنا من قبيل الاستطراد.

(6)

فسر في اللسان الجلواخ (مادة جلخ) بما سبق نقله في الحاشية التي قبل هذه في تفسير الميثاء.

(7)

في ياقوت أنه بتهامة.

(8)

في كلتا النسختين: "طابق"؛ وهو تحريف.

ص: 174

وافتْ بأَسْحمَ فاحمٍ لا ضَرَّهُ

قِصَرٌ ولا حَرِقُ المَفارِقِ أَشْيَبُ

وافتْ بأَسْحَم، أي لقِيَتْنا بأَسْحَمَ؛ وأنشَدَنا:"وافَى به الإشراقَ" أي لقِيَنَا به عند الإشراق. والحَرِق: المُنْجاب. وحَرِقٌ ومَعِرٌ سواء. ويُرْوَى: "ولا مَعِرُ المَفارِق". وكلُّ شيء يَنْجاب فهو حَرِق، ويقال: غُرابٌ حَرِق الجَناح؛ وأنشَدَنا:

حَرِقُ الجنَاحِ كأنّ لحيَىْ رأسِهِ

جَلَمانِ، بالأخبارِ هَشٌّ مولَعُ (1)

والأَسْحَم والفاحِم: شَعْرُها لقِيَتْه به. والأَسْحَم: الأَسْوَد. والفاحم: الشّديد السواد، وإِنما أُخِذَ بن الفَحَم.

كذَوائب الحَفَأِ الرَّطِيبِ غَطَا بِه

غَيْلٌ وَمدَّ بجانبِيْهِ الطُّحْلُبُ

الحَفَأُ: البَرْدِىّ. والرَّطِيب: الناعم. وغَطَا به: مِثلُ عَلَا به، أي ارتفَع به.

ويقال: غَطَا يَغْطُو إذا ارتَفَع. والغَيْلُ: الماءُ الجارِي على وَجْه الأرض.

وقوله: "مَدَّ بجانِبَيْه"، قال: فيه قولان:

...

(2) فارتَفَع الطُّحْلُب بفعْله والقول الآخر مَدَّ الغَيْلَ، ثم قال: بجانِبَيْه الطُّحْلُب. ومَدَّ: امتدّ البَرْدِىّ فَأَخذَ القَرِىَّ (3) كُلَّه.

ومنَصَّبٍ كالأقْحُوانِ مُنطَّق

بالظَّلْمِ مَصْلوت العَوارِضِ أَشْنَبُ (4)

(1) البيت لعنترة. اللسان (مادة حرق).

(2)

يلوح لنا أن في موضع هذه النقط كلا ما سقط من الناسخ يفيد أن القول الأوّل: "ومدّ الطحلب بجانبيه فارتفع"

الخ. وعبارة اللسان (مادة حفأ) في تفسير هذا البيت: غطابه: ارتفع. والغيل: الماء الجاري على وجه الأرض. وقوله: ومدّ بجانبيه الطحلب، قيل: إن الطحلب هنا ارتفع بفعله، وقيل: معناه مدّ الغيل؛ ثم استأنف جملة أخرى يخبر أن الطحلب بجانبيه، كما تقول: قام زيد أبوه بضربه. ومدّ: امتدّ.

(3)

القرئ: مجرى الماء.

(4)

رفع أشنب على أنه نعت مقطوع.

ص: 175

ومنصَّب: ثَغْر (1)، يَعنِي أسنانَها. والظَّلْم: ماءُ الأَسنان. ومَصْلوت: صَلْت (2). أَشنَب أي بارد. قال: والشَّنَب يَرْدُ وعُذوبةُ ريق الفم. والعوارض، من الثَّنِيّة إلى الضِّرس عارض. وقولهُ:. منطِّق، قال: يقول: مستديرٌ به [الظُّلْم](3) ومِثلُه:

تَضْحَكُ عن مُتَّسِقٍ ظَلْمُهُ

في ثَغْرِه (4) الإثمِدُ لم يُفْلَلِ

يريد تَضْحَكُ عن ثَغْر.

كسُلافةِ العِنَبِ العَصيرِ مِزاجُهُ

عُودٌ وكافورٌ ومِسكُ أصْهَبُ

السُّلافة: أوّلُ ما يَخْرُج من الدَّنّ، وأوَّلُ ما يخرج من العَصير أيضًا إذا طُرِح بعضُه على بعض. وأوَّلُ كلِّ شيء سَلَفُه. ومِزاجُه: خِلْطُه.

خَصِرٌ كأنّ رُضابَه إذ ذُقْتَه

بَعْدَ الهُدُوءِ وقد تَعالىَ الكَوْكبُ

رُضابُه: ما تَقطَّع في الفم من الرّيق. والرُّضاب أيضًا: النّدى يَسقُط على الشّجر وعلى البَقْل. قال أبو العبّاس: ليس الرّضاب إلَاّ المعنى الأول. بعد الهُدُوء، أي بعد ما هَدَأَ الناسُ وناموا، وتَعالَى الكَوْكَب: ارتفع. والرُّضاب أيضًا: قِطَعُ المِسْك، وقِطَعُ الماء، وقِطَعُ الرِّيق.

(1) في كتب اللغة (مادة نصب) أن المنصب: الثغر المستوى النبتة كأنما نصب، أي أقيم وسوّى.

(2)

الصلت: الواضح المستوى.

(3)

هذه الكلمة يقتضيها السياق.

(4)

يريد بقوله: "في ثغره الإثمد" وصف اللثة بالسمرة كأنما ذرّ عليها الإثمد؛ وتمدح الثغور بذلك كما قال طرفة:

سقنه إياة الشمس إلا لثاته

أسف ولم تكدم عليه بإثمد

ويريد بقوله: "لم يفلل" وصف الثغر بالحدّة وأنه لم يثلم.

ص: 176

أَرْيُ الجوارسِ في ذُؤابةِ مُشْرِفٍ

فيه النُّسُورُ كما تَحَبَّى الموْكِبُ

أَرْيُها: عَمَلُها. والأرْيُ: العَمَل. ويقال: يأْرِي، أي يجَمع العسَلَ. والجَرْسُ: العَمَل، وهو أَخذُها من الشَّجر وأَكْلُها. وقولُه:"فيه النسور كما تَحى المَوْكِبُ" يقول: هُمْ مُحْتَبُون قد نَزَلوا كأنّهم موكِب. مُحْتَبُون، نَزَلوا قَعَدوا مُحْتَبِين. والجَرْس: أَكْلُ النَّحْلِ الشَّجَرَ لتُعَسِّل.

مِن كلِّ مُعِنِقَة وكلِّ عِطافةٍ

ممّا يُصَدِّقُها ثَوابٌ يَزْعَب

المُعنِقَة. الطويلة. يقول: خلط (1) ماءَ هذه بماء هذه. وصَدَقتْها المَخِيلةُ الّتي تَزْعَب بالماء، أي تدافَعُ به. وعِطافَتُه: مُنْحَناه. وثواب. مَوضِع ما يَثوبَ الماء. أي يجتمع فيه من الوادي. ويَزْعَب: يَتدافع. ويقال: مَرَّ الوادى يَزْعَب، إذا مَرَّ يتدافع.

منها جَوارِسُ لِلسَّراةِ وتَأْتَرِى

كَرَباتِ أَمْسِلةٍ إذا تَتَصوَّبُ

ويُروَى "وتَحتَوِى (2) كَرَبات". والجَرْسُ: الأَكْل. للسَّراة، أي من السَّراةِ (3)

(1) كذا ورد هذا الكلام في الأصل تفسيرا لهذا البيت؛ وهو في جملته غير واضح؛ ولعل قبله بيتا سقط من الناسخ يتفق مع هذا التفسير الذي ذكره الشارح هنا. والذي في اللسان (مادة عطف) في تفسير هذا البيت أن الشاعر يصف صخرة طويلة فيها نحل، وفسر الثواب في (مادة ثوب) بأنه النحل؛ وأنشد بيت ساعدة هذا، وهو مخالف لما ذكره الشارح هنا تفسيرا لهذه الكلمة، كما ورد في اللسان أيضًا (في مادة زعب) أنه يقال: زعب النحل: إذا صوّت. وهو الملائم في تفسير قوله "يزعب" في هذا البيت. يقول: إن هذه الصخرة وهذا المنحنى ينتابهما النحل ويأوى إليهما في مواعيد لا يخلفها؛ فهذا معنى تصديق النحل إياها. ثم ذكر أن هذا النحل له صوت.

(2)

كذا ورد هذا اللفظ بالحاء المهملة في هذا الموضع وفما يأتي في الأصل. والذي في اللسان (مادة مسل)"وتختوى" بالمعجمة، وذكر أن معناه تأكل للخواء أي الجوع، وأن الكرب بالتحريك ما غلظ عن أصول جريد النخل، وأن الأمسلة جمع مسيل وهو الجريد الرطب.

(3)

سراة الجبل: أعلاه.

ص: 177

تأكل. وتأتَرِي، الأَرْيُ: العَمَلُ والتَّعْسيل. والأَمْسِلة: المُسْلان، وهي بطون الأَوْدِية. والأَرْيُ: عَمَلُ النَّحل. [يقول (1): كأنّ أَرْيَ الجوَارِسِ خُلِط بهذه المُعْنِقَة فصَدَّقها، يقول فصَدَّقَ تلك المَخيلةَ هذا الماءُ يكون تصديقا لها، أي خُلط ماءُ هذه بماء هذه. وعِطافَتُها: مُنْحَناها]. وقوله: وتَحْتَوى، أي تَغْلِبُ على بُطون الأَوْدِية ورءوسها. والكَرَبات: مواضعُ فيها غِلَظ (2). والمُسْلان: بطونُ الأِودية تَسِيل. والمسَيل: بقعةٌ من الأرض (3) ، وهي (4) الأَمْسِلة، وهو جَمْعُ مَسِيل، وبُنِيتْ (5) مثلَ مَكانٍ وأَمكنة؛ وأَنشَدَني لأبي ذؤيب:

* وأَمْسِلَةٍ مَدافِعُها خَليفُ *

كلُّ مكان يسيل هو أَمْسِلة.

فتكشَّفتْ عن ذي مُتونٍ نَيِّرٍ

كالرَّيْطِ لاهِفُّ ولا هو مُخْرَبُ

فكشّفتْ عن ذي مُتون، يعني العسلَ. والمُتون: طرائقُ بِيضٌ مِن عَسَل شَبَّهها بالرَّيط في بياضها. وقوله: "لاهِفٌّ" قال: الهِفُّ الخالي الّذي ليس فيه شيء؛ قال أميَّة بنُ أبي الصَّلْت الثَّقَفىّ:

(1) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هذين القوسين المربعين في الأصل. وهو غير واضح إذ لا صلة بينة وبين تفسير هذا البيت الذي نحن بصدده.

(2)

فسر أبو عمرو الكراب بأنها صدور الأودية، وفسرها غيره بأنها مجارى الماء في الوادى، وهي والكربات واحد.

(3)

أي بقعة يسيل فيها ماء السيل، كما في اللسان.

(4)

وهي، أي المسلان.

(5)

في الأصل: وليست؛ وهو تحريف. وفي اللسان نقلا عن المحكم: المسل بالتحريك والمسيل مجرى الماء؛ وهو أيضًا ماء المطر. وقيل: المسل المسيل الظاهر، والجمع أمسلة ومسل بضمتين، ومسلان ومسايل؛ وزعم بعضهم أن ميمه زائدة من سال يسيل، وأن العرب غلطت في جمعه. قال الأزهريّ: هذه المجموع على توهم ثبوت الميم أصلية في المسيل، كما جمعوا المكان أمكنة، وأصله مفعل من كان. وأنشد هذا البيت.

ص: 178

وشَوَّذَتْ شَمسُهمْ (1) إذ اطَّلعتْ

بالجُلْبِ هِفًا (2) كأنّه الكَتَمُ

شَوَّذتْ: عَمَّمتْ. واسم العِمامة المِشْوَذ، وأنشَدَ للهُذَليّ (3):

يَوْما كأنّ مَشاوِذًا رَبَعِيّةً (4)

أو رَيْطَ كَتّانٍ لهنّ جُلودُ

ويقال: شُهْدةٌ هِفّة. وسَحابةٌ هِفّة: إذا لم يكن فيها ماء. وقوله: ولا هو مُخْرَب المُخْرَب: الّذي ترك من التعسِيل فيه وانقلَب عنه النَّحل، أُخِذَ مِن الخَراب.

وكأَنَّ ما جَرَسَتْ على أعْضادِها

حِينَ استقَلَّ بها الشرائعُ مَحْلَبُ

جَرَسَتْ: أَكَلَتْ. وأعضادُها: أَجْنحتُها (5) تَحمِله (6) عليها. مَحْلَب: يريد أنّه مِثلُ حبّة مَحْلب. قال: والشّرائع الطَّرائق في الجبل. يقول: إنّها (7) أَخذَتْ هذا الشَّمَع مِن وادٍ، وشبَّهه بالمَحْلَب. والجَرْس: الأَخذ والعَمَل، لأنّها حملتْه على أجنحتِها حين استقلَّتها (8) شَرائعُها إلى مَجْراها حيث تَذْهَب، كأنّها جَرَسَتْه في وادٍ ثم استقلّت بها

(1) في كلتا النسختين "أو" مكان "إذ". والذي في اللسان (مادة هف): إذا.

(2)

الهف في هذا البيت: السحاب الرقيق لا ماء فيه؛ قال في اللسان (مادة شوذ) نقلا عن الأزهريّ: أراد أن الشمس طلعت في قتمة كأنها عممت بالغبرة التي تضرب إلى الصفرة، وذلك في سنة الجدب والقحط، أي صار حولها جلب: سحاب رقيق لا ماء فيه وفيه صفرة، وكذلك تطلع الشمس في الجدب وقلة المطر. وروى فيه (مادة هف) بالجلب، بالجيم وفي (مادة شوذ) بالخلب بالخاء؛ وفي الرواية الأخيرة تصحيف. والكتم: نبات لا يسمو صعدا، وينبت في أصعب الصخر فيتدلى تدليا خيطانا لطافا؛ وهو أخضر، وورقه كورق الآس أو أصغر، وهو نبات يختضب به، ويخلط بالحناء.

(3)

هو قيس بن عيزارة؛ والبيت من قصيدة له يرثى بها أخاه الحارث بن خويلد.

(4)

ربعية: نسبة إلى ربيعة؛ يصف الشاعر في هذا البيت بقرا بيضا كما يعلم ذلك من القصيدة.

(5)

فسر في اللسان (مادة عضد) الأعضاد في هذا البيت بأنها سيقان النحل. قال: واستعمل ساعدة ابن جؤية الأعضاد للنحل، وأنشد هذا البيت، ثم قال: شبه ما على سوقها من العسل بالمحلب. اهـ والذي شبه ساعدة بالمحلب إنّما هو الشمع لا العسل كما ذكر.

(6)

الهاء في قوله: "لا تحمله" تعود على "ما" أي الشمع.

(7)

في كلتا النسختين "كأنها"؛ وهو تحريف.

(8)

استقلتها شرائعها، أي حملتها.

ص: 179

الشرائعُ، ثم تَبْنى بالشَّمَع، ثم تُعسِّل فيه. الّذي تَمُجُّ فيه شَمَع. قال: وتجئُ بالشَّمَع ولا يُدْرَى (1) من أين تَجِئُ به.

حتّى أُشِبَّ لها وطالَ إيابُها

ذو رُجْلَةٍ شَثْنُ البرَاثِنِ جَحْنَبُ

أُشِبَّ لها: أُتِيحَ لها. وطال إيابُها: أبطأَ رُجوعُها. وقولهُ: "ذو رُجْلَة" يقول: صَبُورٌ على المَشْى. وجَحْنَب: قصيرٌ قليل. والبراثن: الأَصابعُ ها هنا. قال: والبَراثن لا تكون للإنسان، وإنّما هي للكَلْب والذِّئب والرَّخَم والنَّسر ونحوها.

والشَّثْن: الخَشِن. والشُّثُونة: غِلَظ؛ ومنه قولُ الشاعر (2):

وتَعْطُو بِرَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّه

أَسارِيعُ ظَبْيٍ أو مَساويكُ إسْحِلِ

وقولهُ: "وطال إيابُها"، أي أَبطأَ رُجوعُها ولُبْثُها في مَسْرَحها واحتْبستْ عن العسل فاستَمْكَن من أخْذِه.

معه سِقاءٌ لا يفرِّطُ حَمْلَه

صُفْنٌ وأَخْراصٌ يَلُحْنَ ومِسْأَبُ

قولهُ: "لا يفرِّط حَمْلَه"، يقول: لا يُغادِر سِقاءه، أين ذهب فهو معه. والأَخْراص: أَعوادٌ يُخرَج بها العَسَل. والصَّفْن: شئٌ فيه أَداتُه بين الَزَّنْفَلِيجَةَ (3) وبين العَيْبَة يكون معه. والصُّفْن: شئٌ مِثلُ السَّفْرة يُستقى به الماء وبعضهم يقول: صَفْنة؛ قال الراجز: * في صَفْنةٍ رَجَّعَ في أَثْنائها * قال: والمِسْأَب: السِّقاء الضَّخْم.

(1) المعروف عند العلماء بالنحل أن الشمع من النحل نفسها؛ وأما ما يفيده بيت الشاعر هنا وكلام الشارح من أن النحل تجئ بالشمع من مكان آخر فهو غير صحيح.

(2)

هو امرؤ القيس.

(3)

الزنفليجة: وعاء الراعى يجعل فيها أداته.

ص: 180

صَبَّ اللَّهِيفُ (1) لها السُّبوبَ بطَغْيةٍ

تُنْبِى (2) العُقابَ كما يُلَطُّ الِمجنَبُ

قوله: صَبّ، أي دَلَّى حِبالا له يَرْبُطُها في شيء ثم يتدلّى. والسَّبوب (3): الأسباب، وهو الحبال الّتي يرقى فيها ويَنْزل بها. والطَّغْية: شِمراخٌ من شَماريخ الجَبَل وهو مُسْتَصعَبٌ مِن الجَبَل. فيقول: هذه الطَّغْيَة كالمِجْنَب. والمِجْنَب: التُّرْس. والمَلْطوط: المُسوَّى (4)، وذلك من مُلوستها. وكلَّما حَجَبْتَ شيئا فقد لَطَطْتَ دُونَه. وُيَلَطُّ: يُسْتَر. وإنما أراد كالتُّرْس المَلْطُوط، كما يُلَطُّ الحائِط (5).

وكأنه حِينَ استَقَلَّ يرَيْدِها

مِن دُونِ وَقْبَتِها لَقًا يَتَذَبْذَبُ

الرَّيْد: شَبِيهٌ بالحَيْد. يقول: فكأنّه شيءٌ أُلْقى فهو يَتَذَبْذَب. واللَّقا: ثوبٌ خَلَق. وَقْبَتُها: خَرْقُها مِن أعلاها إلى أسفَلها. والوَقْبُ: النَّقْبُ في الجَبَل؛ وأنشَدَنا أبو سعيد:

بِدَوْسَرِىٍّ (6) عَيْنُه كالوَقْبِ

ناجٍ أَمامَ الرَّكْبِ مُجْلَعِبِّ

وقال أبو زَبيد: * كأنّ عَيْنيَه في وَقْبَيْن مِن حَجَرٍ *. ويَتَذَبْذَب: يتطوّح.

(1) اللهيف: الملهوف المكروب.

(2)

كذا في ب واللسان مادتي (لهف) و (طغى).

والذى في الأصل: "تثنى". وفي اللسان مادة (طغى) في تفسير قوله: "تنبى العقاب" أي تدفع لأنها لا تثبت عليها مخالبها لملاستها.

(3)

نقل صاحب اللسان عن ابن برى أن السبوب جمع سب (بكسر السين وتشديد الباء).

(4)

لم نجد اللط بمعنى التسوية والتمليس فيما راجعناه من كتب اللغة. والذي وجدناه أن اللط بمعنى الستر، وبمعنى الإلصاق؛ يقال: لط الحوض إذا ألصقه بالطين ليس خلله. فلعله أخذ معنى التسوية والتمليس للط من هذا المعنى. والذي في اللسان (مادة لط) أن الملطوط هو المكبوب على وجهه. أراد أن لهذه الطغية مثل ظهر الترس إذا كببته؛ واستشهد بهذا البيت.

(5)

لط الحائط، أي ألصق به الطين لسدّ ما به من خلل.

(6)

الدوسرىّ: القوىّ الضخم من الإبل. والمجلعب: الجادّ في السير.

ص: 181

فقَضىَ مَشارَتَه وحَطَّ كأنّه

خَلَقٌ ولمَ يَنْشَبْ بما يَتَسَبْسَبُ

مَشارَته: ما اشتارَ مِن العسلِ، أي أَخَذ. والشَّوْر: الأَخذ، يقال: اِشتارَ يَشْتار اشتِيارا إذا أَخَذَ الَعَسَل. وقوله: لم يَنْشَب، أي لم يَعْلَق وانخَرَط مُنْحَطًّا كأنّه ثوبٌ خَلَقٌ. يَنْشَب: يَلْبَث. يَتَسَبْسَب: يَسيل (1).

فأَزالَ ناصِحَها بِأبيَضَ مُفْرَطٍ

مِن ماء أَلهْابٍ عليه التَّأْلَبُ

فأزالَ ناصِحَها، أي فرَّقَ ناصِحَها. وناصِحُها: خالِصُها. وقولُه: بأبيضَ مُفْرَط أي غَدِير. يقول: مَزَجَها بماءِ ذلك الغَدِير، مِن ماءِ أَلْهاب، واللِّهْبُ: مَهْواةٌ في الجبَل، والجميع الأَلهْاب، وهو شَقٌّ في الجبَل. والتَّأْلَب: شجرٌ (2). فيقول: قَطَّع خَالِصَها بأبيَضَ، أي مزَجَه حتى تقَطَّع العَسَلُ. منْ ماءٍ غَدِيرٍ، مُفْرَطٍ: مملوءٍ وأنشدَنَا أبو سعيد: * ثَجَّ المَزادِ مُفرطًا تَوْكيرا (3) * وقولهُ: مِن ماءِ أَلهْاب يقول: من ماءٍ في جَبَل. عليه التَّأْلَب، أي عليه شجرٌ فهو باردٌ صافٍ؛ ومِثلهُ قوُل الآخر:

بالعَذْبِ في رصَفِ الفَلاةِ مَقِيلُه

قَضُّ الأَباطِحِ ما يزَالُ ظلِيلَا

والقَضُّ: الحِجارةُ الصِّغار. والماءُ أَطْيَبُ في الرَّضْراض.

ومِزاجُها صَهْباءُ فَتَّ خِتامَها

قَرِطٌ مِن الخُرْسِ القِطاطِ مُثَقَّبُ

(1) يريد أنه لم يعلق بالعسل السائل ولم يتلطخ به. يصفه بالخفة والنشاط والقوّة على استخراج العسل من الوقبة.

(2)

التألب: من أشجار الجبال، تتخذ منه القسيّ.

(3)

الثج: الصب.

والتوكير: الملء؛ يقال: وكر السقاء أي ملأه.

ص: 182

يقول: مِزاجُها الماءُ الّذي في هذا الجَبَل عليه شجرٌ يغطّيه. (1) والقِطاط: الجِعاد؛ ويقال: جَعْدٌ قَطَط. وقوله: مُثقَّب، يقول: قد ثُقِّبَتْ أُذُناه ففيها تُومَتان (2).

والخُرْس: العُجْمُ الّذين لا يَفْقَهون الكلامَ. القَرِط، يقول: عليه قِرَطة يَعْنى الخَمّار.

فكأنّ فاها حينَ صُفِّيَ طَعْمُه

واللهِ أو أَشْهَى إليّ وأَطْيَبُ

يقول: كأنّ فاهَا طَعْمُ هذه الخَمْرِ بطعْم هذا العسلِ.

فاليومَ إمّا تُمْسِ فاتَ مَزارُها

مِنّا وتُصْبِحْ ليس فيها مَأْرَبُ

مَأْرَب: مَفْعَلٌ من الأَرَبِ، وهو الحاجة، أي مَطْلب لِحاجة. ويقال: لا أَرَبَ لى في ذَاك، أي لا حاجة لي فيه.

فالدّهرُ لا يَبْقَى على حَدَثانِه

أنَسٌ لَفيفٌ ذو طَوائفَ حَوْشَبُ

أَنسَ لَفِيف، أي جماعةٌ كثيرة. طَوائف: نَواح. يقول: هم كثير لا تَجْمَعُهم مَحَلّة واحدة. حَوْشَب: مُنتفِخُ الجَنْبَيْن. ويقال: بعيرٌ حَوْشَبٌ، أي منتَفِخ الجَنْبَينْ (3). ولَفِيف: ملتفّ كثير ليس فيه رقّة.

في مجلسٍ بِيضِ الوُجوهِ يَكُنَّهمْ

غابٌ كأَشْطانِ القَليِبِ مُنَصَّبَ

(1) كذا وردت هذا التفسير في الأصل. وهو غير صحيح. والذي نراه أنه يقول: ومزاجها أي مزاج العسل هذه الصهباء، أي الخمر الموصوفة في البيت. والعسل مؤنثة كما هو معروف.

(2)

تومتان، أي لؤلؤتان.

(3)

ذكر في اللسان وتاج العروس نقلا عن السكري في تفسير الحوشب بالمعنى المذكور هنا أنه استعار ذلك للجمع الكثير.

ص: 183

يَكُنُّهمْ: يُظِلُّهمْ من الشمس. غابٌ، يقول: فَوقَهم مِثلُ الأَجَم. والغاب: جَمْعُ غابة. والغابة: الأجمة. يَعنى الرِّماح كأنّما أَجَمٌ من كَثْرَتها. ومُنَصَّب: مَرْكوز. والقَلِيب: بِئر. والأَشْطان: الحِبال.

مُتَقارِبٌ أَنْسابُهمْ وأَعِزّةٌ

تُوقَى بِمثْلهم الظُّلامُ وتُرْهَبُ

وأَعِزّة، أي وهم أَعِزّة أيضا. تُرْهَب: تُخافُ وتُتَّقى. والظُّلام (1): الظُّلامة.

فإذا تُحُومِيَ جانِبٌ يرْعَوْنَه

وإذا يَجئُ نَذيرُه لمَ يَهْرُبوا

تُحومِىَ، يقول: إذا تَحامَى الناسُ جانبا يَرْعَوْنه (2) من خُبْثه وخَوْفه رَعَوْه وأَقالوا فيه. وتُحُومِى: تَحاماه الناسُ ولَم يَنْزِلُوا به، تَرَكُوه. والنَّذير، هم القومُ الّذين يُنْذرُونَهمْ بالشّرّ.

بُذَخاءُ كلُّهمُ إذا ما نُوكِرُوا

يُتْقىَ كما يُتْقىَ الطَّلِىُّ الأَجْرَبُ

بُذَخاء، أي عظماء الشَّأْنِ والأمُور. إذا ما نُوكِرُوا: مِن المُناكَرة والمُقَاتلة.

"يُتْقَى كما يُتْقَى الطَّلِىُّ الأَجْرَب" أي كما يُتَّقَى بعِيرٌ مَطْلِىٌّ بهِناء.

ذو سَوْرَةٍ يَحْمِى المُضافَ ويَحْتَمِى

مَصِعٌ إذا يُساوَر يَكْلَبُ

ذو سَوْرَة، أي يَسُوُر إذا قاتَلَ. والمُضاف: المُلْجَأ. وقولُه: مَصِعٌ أي شديد المُماصَعة. والمُماصعة: المُماشَقة بالسّيف، وهي المُضارَبة، يقال: ما صعتُه وما شَقتُه.

(1) لعله يريد أن الظلام جمع ظلامة وإن لم نجد هذا فيما راجعناه من كتب اللغة؛ على أنه يحتمل أن يكون الظلام بكسر الظاء بمعنى الظلم؛ وإذن فيقرأ "يوقى" و "يرهب" بالياء مكان التاء.

(2)

الظاهر أن كلمة "يرعونه" زيادة من الناسخ.

ص: 184

بَيْنا هُمُ يوما كذلك راعَهُمْ

ضَبْرٌ لبِاسُهم الحَديدُ مُؤلَّبُ

ويُروى "القَتِير مُؤَلَّب". ضَبْر: جَماعة. مُؤلَّب: مُجمَّع من كل مكان، يقال: تألَّبوا عليه أي اجتمعوا. والقتِير: الدُّروع.

تَحمِيهمُ شَهْباءُ ذاتُ قَوانِسٍ

رَمّازةٌ تَأْبَى لهم أن يُحْرَبُوا

شَهْباء: كَتِيبةٌ بَيْضاءُ مِن الحديد. يقول: هي كثيرةٌ السِّلاحِ الأبيض.

وخَضراء: كتيبةٌ كثيرةُ الحديد الّذي ليس بأبيض (1). وقوله: ذات قَوانِس، إنّما هذا مَثَل إذا كان لها فروعٌ مِثل قَوانِس الدّوابّ، أي ذاتُ بَيْض. وقوْنسَ الدّابّة: وسَطُ رأْسِها. رَمّازة: كثيرةُ الأهْلِ (2) من نواحيها تَرْتَمِز، أي تموجُ من كَثْرتها؛ ويقال: رَجْراجة تَضْطرب مِن كَثْرتها؛ وهذا مَثلٌ. وقولُه: يُحْرَبوا، تؤخذ حَرِيَتهُمْ (3).

مِن كلّ فَجٍّ تَستقيمُ طِمِرّةٌ

شَوْهاءُ أو عَبْلُ الجُزارةِ مِنْهَبُ

يقول: من كلّ فَجّ، أي طريق تُرَى دابّةٌ طالعة أو عَبْلُ الجزارة. قال أبو سعيد: ويُسْتَحَب أن يكون الفرسُ عَبْلَ القَوائم. والجُزارة: القَوائم. وطِمِرّة: طويلة. والشَّوْهاءُ الخَيْل: المُشْرِفة. ومنْهَبٌ: كأنّه يَنْتَهِبُ العَدْوَ انتهابا. والفَجُّ: الطّريق.

خاظِي البَضيعِ له زَوافِرُ عَبْلَةٌ

عُوجٌ ومَتْنٌ كالجَدِيلَةِ سَلْهَبُ

(1) في كتب اللغة أن الكتيبة توصف بالخضرة لما عليها من سواد الحديد؛ والخضرة عند العرب تطلق على السواد.

(2)

عبارة اللسان: "كتيبة رمّازة إذا كانت ترتمز من نواحيها" الخ.

والرمز والترمز في اللغة: الحزم والتحرك.

(3)

في كلتا النسختين: "حربتهم"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا. وحريبة الرجل: ماله الذي سلبه، أو ماله الذي يعيش منه.

ص: 185

قوله: زَوافِرُ عَبْلةٌ، الزافرة: الوَسَط (1)، يقول: وسطه ضَخْم. والجَدِيلة: حَبْلٌ مَجدولٌ مِن سُيورٍ أو شَعْر أو صُوف. خاظى البَضِيع، أي ممتليء اللَّحم. وزَوافِر الفَرس: وسَطُه. يقول: ذلك الموضعُ فيه زفر (2)؛ يقول: هو مجدول الخَلْق. وسَلْهَب: طويل، وهو مِن صِفة الَمْتن، وهو عَيْبُ عند البُصَراء (3)، أي ضُلُوعُه كبيرة. عَبْلَة: ضَخْمة. عُوجٌ: متعطّفة.

وحَوافرٌ تَقَعُ البَراحَ كأنّما

أَلِفَ الزِّماعَ بها سلامٌ صُلَّبُ

قوله: تَقَعُ البَراح، أي تَقْرَعه. والوَقْع: القَرْع، وتَقَعُه (4): تَقْرَعُه، والمِيقعة: المِطْرَقة. يقول: كأنّما أَلِف زِماعَها مِن حَوافِرها سِلام، وهي الحِجارة، أي فكأنّما أَلِفَ زِماعَه صَخْرةٌ مِن شدّة الحوَافِر. والبرَاح: المُسْتَوِى من الأرض. والزِّماع (5): الشَّعَرات اللَّواتى يكنّ خَلْفَ الحافِر وخَلْفَ ظِلْفِ الشاة كأنّها الزيتون. والسِّلام: الحِجارة (6). وقوله: صُلَّب، أي شِداد؛ بقول: كأنمّا لزَم الزِّماعَ حِجارةٌ مَكانَ الحوَافر؛ قال: * كأنّما تَرَوْنَ بي شَيْطانا * أي إذا رَأَيْتموني.

يَهْتَزُّ في طَرَفِ العِنان كأنّه

جِذْعٌ إذا فَرَعَ النَّخِيلَ مُشذَّبُ

(1) كان الأولى أن يفسر الزوافر هنا بالضلوع، أما وسط الفرس فهو الزفرة (بفتح الزاى وضمها) ولا يجمع على زوافر، كما في كتب اللغة؛ ويدل على ما ذكرنا قول الشاعر بعد:"عوج".

(2)

كما وردت هذه العبارة في الأصل. وهي غير ظاهرة. وكان سياق الكلام يقتضى أن يقول: ذلك الموضع فيه عبل، أي أن ذلك الموضع في الفرس ضخم.

(3)

كذا وردت هذه العبارة في الأصل. ولم نجد فيما راجعناه من الكتب أن هذا النعت عيب في الخيل؛ والذي وجدناه في كتب اللغة أن السلهبة من النساء الجسيمة، وليست بمدحة.

(4)

في هذه العبارة تكرار مع ما سبق.

(5)

الزماع بكسر الزاي: جمع زمعة بالتحريك.

(6)

قد سبق تفسير السلام؛ فذكره هنا تكرار.

ص: 186

يهتزّ، هذا مَثَل. وقوله: في طَرف الْعِنان، أي في العِنان. إذا فَرَعَ النَّخيلَ أي إذا عَلاها. قال أبو سعيد: وسمعتُ عيسى بنَ عمر يقول: سَمِعتُ أَعرابيّا يقول: فَرَعْتُ رأسَه بالعصا، أي عَلَوْتُه بها. وقوله: مُشَذَّب، أي مُنقًّى قد شُذِّب عنه سَعَفُه. يقول: يهتزّ من حِدّته.

فَحبَتْ كَتِيبَتُهُمْ وصَدَّقَ رَوْعَهُمْ

من كلِّ فَجٍّ غارَةٌ لا تَكْذِبُ

قوله: حَبَتْ كِيبتُهم، أي تهيّأت للقتال وعَطَفَتْ، فإذا حَبَبتْ فقد تهيّأتْ وأَنشَدَنا:

بأوْشَكَ صَوْلةً مِنّى إذا ما

حَبَوْتُ له بقَرقَرةٍ وهَدْرِ

يقوله أبو أُسامةَ حليفُ هُبَيْرة بن أبي وَهْب، شَهِد معه بَدْرا كافر. وقوله: وصَدَّق رَوْعَهم، قال: كانوا يُراعُون فصَدَّقَتْ رَوْعَهم هذه الغارة، صَدَّقَت ظَنَّهم. يقول: فَزِعوا، ثم صَدَّق فَزَعَهُم من كلّ أَوبٍ، أي مِن كلّ ناحية، غارةٌ لا تَكذِبُهمْ.

لا يُكْتَبُون ولا يُكَتُّ عَدِيدُهم

حَفَلَتْ (1) بجَيْشهمُ كَتائبُ أَوْعَبُوا

لا يُكْتَبون، يقول: لا يُحْصَوْن، يقول: لا يَكْتُبهم كاتبٌ من كثرة عَدَدِهم. ويُكَتُّ: يُحْصَى. ويقال: كلَّمتُه بما كَتَّ أَنْفَه، أي بما جَدَع أَنْفَه. وقوله: حَفَلَت، أي كَثُرتْ به. وحَفَلَ الوادي: كثُر ماؤه. وحَفَل الضَّرْعُ: كَثُر لبَنُه يريد: كثرتْ به. ويقال: أَوْعَبَ القومُ واستَوْعَبوا، إذا استَجْمعوا بأَجْمَعِهم.

وإذا يَجيءُ مُصَمِّتٌ من غَارةٍ

فيقولُ قد آنَستُ هَيْجًا فارْكَبوا

(1) روى في اللسان (مادة كتب)"جفلت بساحتهم" مكان "حفلت بجيشهم" وهو تصحيف في "جفلت".

ص: 187

كأنّه جاء بخبرٍ يصمِّتهم، يأْمُرُهم بأن يَسْكُتوا له، فيقول: اسْمَعوا، فَيسْكُتون. آنستُ: رأيتُ.

طارُوا بكلّ طِمِرّةٍ مَلْبُونةٍ

جَرْداءَ يَقْدُمُها كُمَيْتٌ شَرْجَبُ

قوله: طِمِرّة ، أي طويلة. مَلْبُونة: تُسْقَى اللَّبن. شَرْجَب: طويل جسيم.

وجَرْداء: قصيرةُ الشَّعر.

فرُمُوا بنَقْعٍ يَسْتقِلُّ (1) عَصائِبًا

في الجَوِّ منه ساطِعٌ ومُكَثَّبُ

يقول. أتتهم الخيل فرُمُوا بالغُبار، فإذا الغُبار ساطعٌ في السماء. يقول: سِيقَ إليهم غُبار. عصائبا، أي قِطَعا. ساطِعٌ: منتصِب (2). ومكثَّب: مُجْتَمِع في السماء لا يَبرح.

فتعاوروا ضَرْبًا (3) وأُشْرِعَ بينَهمْ

أسَلاتُ ما صاغَ القُيونُ ورَكَّبُوا

فتعاوَرُوا ضَرْبا، يقول: بعضُهم يضِرب بعضا. والأَسَل: الرِّماح.

والأَسَلَة: الرُّمْح.

مِن كلِّ أظْمَى عاتِرٍ (4) لا شانَه

قِصَرٌ ولا راشُ الكُعوبِ مُعَلَّبُ

(1) يستقل: يرتفع.

(2)

كان الأولى في تفسير الساطع هنا أن يقول: "منتشر" أو "مرتفع"، كما هي عبارة اللغويين.

(3)

في خزانة الأدب ج 1 ص 474: "ضبرا" مكان قوله: "ضربا". وفسر الضبر بأنه الوثب. كما وردت فيها أيضا رواية الأصل.

(4)

في خزانة الأدب "أسحم ذابل لا ضرّه"، كما روى فيها أيضا:"أسمر" مكان "أسحم" و "أظمى" كما هنا. والأظمى من الرماح: الأسمر. والعاتر: المضطرب المهتز.

ص: 188

الراشُ: الخَوّار. ويقال ذلك للناقة إذا كانت ضعيفه الظَّهْر. مُعَلَّب: مشدودٌ بالعِلْباء (1).

خِرْقٍ (2) مِن الخَطِّيِّ أُغْمِضَ حَدُّه

مِثْلِ الشِّهابِ رَفَعْتَه يَتلهَّبُ

ويُروَى: "سِنانُه يتَلهّب". خِرْق، قال: جَعَلَه في الرِّماح مِثلَ الحِرْق في الرّجال: الذى يتخرّق في المال والخير. يقول: إذا هُزَّ تَخَرّق وأَخَذَ كذا وكذا، ليس بِجاسٍ (3)؛ ومِن هذا قِيل للرجل إذا كان يتحرّق فى الخير: خِرقٌ؛ وأَنْشَدَنا:

فَتًى (4) إنْ هو استغنَى تَخرَّق في الغِنَى

وإن حَطَّ فقرٌ لم يَضَعْ مَتْنَه الفَقْرُ

وقولُه. أُغْمِضَ حَدُّه، أي أُلْطِفَ حَدُّه.

مّمِا يُتَرَّصُ في الثِّقافِ يَزينُه

أخْذَى كخافِيةِ العُقابِ مُحَرَّبُ

قوله: مما يُترَّص في الثِّقاف ، أي يُحْكَم. قال: والتَّتْرِيص الإحكام؛ ويقال: أَمْرٌ مترَّص، أي مُحْكَم؛ وأَنْشَدَ أبو سعيد عن أبي عَمرو بن العلاء:

تَرَّصَ (5) أفْواقَها وقَوَّمَها

أنبَلُ عَدْوانَ كلِّها صَنَعا

(1) علباء البعير: عصب عنقه. وله علباءان بينهما منبت العنق؛ يصف الرمح بأنه صحيح لم يكسر ولم يشدّ بعلباء.

(2)

في رواية "خرق من الخطى ألزم لهذما" وخرق أي بفتح الخاء وكسر الراء بمعنى طويل انظر خزانة الأدب 1 ص 475 طبع بولاق.

(3)

جاس: كز صلب.

(4)

هذا البيت للأبيرد اليربوعي في اللسان (مادة خرق) وفيه: "وإن عض دهر لم يضع" الخ.

(5)

هذا البيت لذي الإصبع العدواني، كما في اللسان (مادة ترص).

ص: 189

وأَخْذَى: قد كُسِر حَرْفاه. ومحُرَّب، إنّما ضَرَبَه مَثَلا، كأنّه مِن حِرْصه على الدّماء محرّب، يقول: كأنّه حُرِّب حتى غَضِبَ شهوةً إلى الدّم. وأَخْذَى، يقول: ليس بمنتشِر الرأس. يقول: كُسِرَت ناحيتاه حتى دَقَّ. والأَخْذَى ها هنا هو السِّنان.

لَذٍّ (1) بهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُه

فيه كما عَسَلَ الطريقَ الثَّغْلَبُ

قوله: لَذّ، أي تَلذُّ الكَفُّ بهَزِّه. وقوله: "يَعْسِلُ مَتنْهُ

فيه" أي في كَفّه (2).

يَعْسِل، أي يَضْطرب. كما عَسَل الطريقَ الثعلبُ، أي في الطريق، وهو اضطرابُه.

فأَبارَ جَمْعَهمُ السُّيوفُ وأَبَرزُوا

عن كلّ راقِنةٍ تُجَرُّ وتُسْلَبُ

أَبْرَزوا: كَشَفوا لهؤلاء المُغِيرِين عن الرَّواقن. والرّاقِنة: المرأة المتضِّخة بالزّعفران. قال أبو سعيد: وسمعتُ أبا عَوانةَ قال: ثلاثهٌ لا تَقْربهم الملائكهُ بخير: جَنازة الكافر، والمترقِّن بالزّعفران، والجُنُب حتى يَغْتَسل؛ وأنشد لرُؤْبة:

* رَبُعٌ كرَقْمِ الكاتِبِ المُرقِّنِ *

والمرقِّن: المُفَعِّلُ من التَّرْقِين؛ ويقال: تَرقّنَت المرأةُ بالزَّعفران إذا انتَقَشَتْ.

واستَدْبَرُوهم يُكْفئُون عُرُوجَهُمْ

مَوْرَ الجَهامِ إذا زَفَتْه الأزْيَبُ

(1) في رواية "لدن" مكان "لذ". وفي رواية "نصله" مكان "متنه".

(2)

الذي في خزانة الأدب أن قوله: "فيه" ، أي في الهز. وقيل إن الهاء تعود على "لدن" في روايته، أو تعود على "لذ" في رواية الأصل، ولا يجوز عودها على الكف كما ذكر الشارح هنا لأن الكف أنثى.

ص: 190

استَدْبَروهم، أي طَردُوهم. يُكْفِئون عُرُوجهمِ مِنْ أرض إلى أرض.

والكَفْء: القَلْب. يقول: يَقْشَعُونها. والعَرْجُ: الإبِل الكثيرة: ألفٌ، تِسعمائة ثمانمائة. مَوْرُه: مَوْجُه، كما يموج السحاب. والجَهام مِن السّحاب: الذّي قد هَراقَ ماءَه. زَفَتْه: اِستخفّتْه، يقال: زَفاه وزَهاه وحَزاه، أي استخَفَّه. والأَزْيَب: الجَنوب، وهي النُّعامَى أيضًا، قال أبو العبّاس: النُّعامَى رِيحٌ تَهُبُّ بين الجَنوب والشَّمال.

وقال ساعدة أيضًا

يا لَيْتَ شِعْرِى ألَا مَنْجَى مِن الَهَرِم

أم هل على العَيْشِ بعد الشَّيْبِ مِن نَدَمِ

قال أبو سعيد: قولُه ألا مَنْجَى مِن الهَرَمِ، يريد لا مَهْرَب منه ولا مَنْجَى منه؛ ثم (1) قال: وهل العيش مِنْ نَدَم، يقول: يا لَيْتَ شِعْرِى هل أَنْدَمُ على ما فات مِن شبابي إذا جاءَ الشَّيْب، والهَرَم لا بدّ منه. قال أبو العبّاس: ويُروَى "ولا مَنْجَى من الهَرَمِ".

والشَّيْبُ داءٌ نَجِيسٌ لا دَواءَ له

للَمِرءِ كان صحِيحًا صائِبَ القُحَمِ

النَّجيس والنّاجس واحد، وهو الذي لا يَكاد يُبْرَأُ منه مِن الأَدْواء. لا دواء له أي لا شِفاء له، والشِّفاء: الدّواء. وقوله: كان صحيحًا صائبَ القُحَم، يقول: كان إذا اقتَحَم قُحْمَةً لم يَطِش. وصائب: قاصِدُ القُحَم. يقول: إذا اقتحَم في أمرٍ أَصاب وقَصَدَ في اقتحامه. قال: يقول هو شابٌّ لا يَطيش؛ ومنه:

(1) وردت هذه الكلمة في الأصل هكذا: "اعرى"؛ وهو غير واضح.

ص: 191

أعرابيُّ مُقْحَم، أي أصابته مَجاعة فأقحمتْه الأمصارَ. وصائب: قاصد. للِمرء كان

صحيحا. ونَجيس: لا يَكاد ويُبرأ منه، وأَنشَدَنا (1):

* وداءٌ قد اعْيَا بالأَطبّاء ناجِسُ *

ومنه قولهُم: تَقَع الفتنةُ فتقحِّم أقواما في الكفر تقحيما؛ ومنه المَثَل:"إنه لثَبْتُ (2) الغَدَر" والغَدَر (3): جِرَفَةٌ (4) وحِجَرة.

وَسْنانُ ليس بقاضٍ نَوْمةً أبدًا

ولا غَداةُ يسيرُ الناسُ لَم يَقُم

يقول: لا تَراه أبدا إلّا كأنه وَسْناُن مُسترخٍ، كأنه نائم من الضَّعف وليس بنائم. يقول: كان صحيحا فهو اليومَ وَسْنانُ مِن الضعف.

في مَنْكِبَيه وفي الأصلاب (5) واهِنةٌ

وفي مَفْاصِلِه غَمْزٌ مِن العَسَمِ

ويرُوَى "في مِرْفَقَيه". واهِنةٌ: وَجَعٌ يأخذ في المَنْكِبيَن والعُنُق. والعَسَم: اليَبْس، يريد أنّ مفاصِلَه قد يَبِستْ؛ يقال: عَسِمَ يَعْسَمُ عَسَما.

إِنْ تأتِه في نهار الصَّيفِ لا تَرَه

إلّا يُجمِّعُ ما يَصْلى مِن الحُجَمِ

ما يَصلَى. أي ما يَصْطلِي به في الشّتاء ، يريد أنّ الهَرِم لا تراه في شِتاءٍ ولا في قَيْظٍ إلَاّ يجمِّع ويُعِدّ للشتاء الحَطبَ؛ لأنه لا يُسافِر ولا يَبْرح. والحُجْمة: حَرُّ النار.

(1) الشطر لأبي ذؤيب؛ وقد سبق في شعره.

(2)

جاء في اللسان في تفسير هذا المثل ما نصه: "رجل ثبت الغدر إذا كان ثبت في مواضع القتال والجدل والكلام". وقيل في تفسيره: إنه يقال للرجل إذا كان ثبتا في جميع ما يأخذ فيه. وقال اللحيانيّ: معناه ما أثبت حجته وأقل ضرر الزلق والعثار عليه. وإنما أورد الشارح هذا المثل في هذا الموضع لأنه في معنى قول ساعدة: "صائب القحم".

(3)

في الأصل: "والغدرة" والتاء زيادة من الناسخ.

(4)

في كلتا النسختين "حفره" وهو تحريف؛ والتصويب من كتب اللغة في تفسير الغدر بالتحريك. والجرفة: جمع جرف بضم فسكون والحجرة جمع جحر بضم فسكون أيضا.

(5)

في رواية: "الأرساغ" مكان "الأصلاب".

ص: 192

حتى يُقالَ وراءَ البَيتِ مُنْتَبِذًا

قُمْ لا أَبا لَكَ سارَ الناسُ فاحتَزِمِ

حتى يقال له وهو وَراءَ البيِت والدارِ يُحَدِّث نفسَه: قُمْ فقد سارَ الحيُّ. فاحتَزِمِ أي شُدَّ وَسَطَك.

فقامَ تُرْعَدُ كَفّاه بمِحْجَنِه

قد عاد رَهْبًا رَذِيًّا طائشَ القَدَمِ

أي قاَم بمِحْجَنِه الّذي يتوكّأُ عليه وكَفّاهُ تُرْعَدان. والرَّهْبُ: الرّقِيق والضّعِيف. والرَّذِيّ: المُعييِ المَطْرُوح. طائش القَدَم، يقول: إذا مَشَى طاشَتْ قَدَمُه، لا يَقْصِد من الضَّعف، إذا مَشَى طاش.

تالله يَبْقَى على الأيّاِم ذو حِيَدٍ

أَدْفَي صَلودٌ من الأَوعال ذو خَدَمِ

تالله، أي بالله، وهذا قَسَم. والحِيَدُ في القَرْن، أي في قَرْنه (1). والأَدْفَى: الّذي في قَرْنِه دَفًى، وهو الحَدَب، وهو الّذي تُحْنَى قَرْناه إلى ظَهْره. والصَّلود: الّذي يَصْلِد برِجْله، أي يَضْرِب بها على الصَّخرة فَتسْمَع لها صوتا (2)؛ ومِن ثَمّ قيل: حِجارةٌ صَلاّدة (3)، أي تَسْمَع لها صوتا. ذو خَدَم، أي أعْصَم (4). وقال أيضا: الصَّلود الّذي إذا فَزِعَ صَلَدَ في الجبل، أي صَعِد إليه.

(1) ذكر في اللسان أنه يقال: قرن ذو حيد، أي ذو أنابيب ملتوية.

(2)

فسر في اللسان الصلود (مادة صلد) بأنه المنفرد؛ وأنشد هذا البيت، ولم يذكر الصلود بالمعنى الذي ذكره الشارح هنا.

(3)

في كتب اللغة أن هذا يقال في الزند إذا صوّت ولم يور؛ ولم نجد أنه يقال ذلك في الحجارة كما هنا.

(4)

في كتب اللغة أن الأعصم من الوعول ما في يديه بياض أو في إحداهما.

والمخدّم منها: ما ابيضت أوظفته دون تخصيص ليديه أو رجليه. فيعلم من هذا أن المخدّم أعمّ من الأعصم.

ص: 193

يأوِى إلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ

شُمٍّ بِهنّ فُروعُ القانِ والنَّشَمِ

مُشْمَخرّات: مُرْتفِعات. والقانُ والنَّشَمُ: شَجرانِ تُتّخَذ منها القِسِيّ العربيّة (1).

منْ فَوْقِه شَعَفٌ (2) قَرٌّ وأَسْفَلُه

جِيُّ تَنَطَّقَ بالظَّيّانِ والعَتَمِ

قَرّ: بارد. وجِيّ: جِماعُ جِيّة، وهي مَناقِعُ ماءٍ. وجِيّة: فِعْلةٌ، مِن الجَوّ، وهو ما انخَفَض من الأرض وانْجوَى. قال: الجِيُّ غير مَهْموز، وهي جِفارٌ (3) تُمْسِك الماء. والظَيّان: شجرٌ يُشبِه النِّسرِين. والعَتَم: شجرُ الزّيتون البَرّىّ.

مُوَكَّلٌ بشُدُوفِ الصَّوْم يَنْظُرُها

من المَغارب مَخْطوفُ الحَشَازَرمُ (4)

الشُّدوف: الشُّخوص. والصَّوْم: شجرٌ (5) يشبِه الناس، يَرْقُبه يَخْشَى أن يكون ناسا. وقوله: مَخطوف الحشَا، صَيَّره في تلك الحال من الفزَع. والمغَارِب:

(1) في كتب اللغة أن كلا الشجرين من شجر الجبال. وقال الأزهريّ في القان: انه ينبت في جبال تهامة.

(2)

شعف الجبال: رءوسها.

(3)

الجفار: الآبار لم تطو الواحد جفر (بفتح فسكون). وفي كلتا النسختين "حفار" بالحاء؛ وهو تصحيف.

(4)

في هذا البيت إقواء كما ترى، لتغير حركة الروىّ من الجرّ إلى الرفع، وكذلك ورد في اللسان (مادة شدف) وفي رواية "من المعازب" وفسره في اللسان (مادة صوم) فقال: من المعازب، أي حيث يعزب عنه الشئ، أي يتباعد. وفي رواية "يبصرها" مكان "ينظرها".

(5)

ذكر في اللسان (مادة شدف) في تفسير الصوم أنه شجر قيام كالناس. وذكر في (مادة صوم) أنه شجر على شكل شخص الإنسان، كريه المنظر جدا، يقال لثمره: رءوس الشياطين، يعنى بالشياطين الحيات، وليس له ورق. وقال أبو حنيفة: للصوم هدب، ولا تنتشر أفنانه، ينبت نبات الأثل ولا يطول طوله؛ وأكثر منابته بلاد بني شبابة؛ وأنشد هذا البيت.

ص: 194

كلُّ مكانٍ يُتوارَى (1) فيه. والشُّدوف: الشُّخوص، الواحد شَدَف. زَرِم، يقال: أَزْرَمَه، وهو أن يَقْطع عليه البولَ أو الحاجةَ قبل أن يُتِمَّه (2). وقوله: مُوَكَّل، كأنّه قد وُكِّلَ بها يفَرَقُ أن تكون ناسا. ويقال: أَخَذَه زَرَمٌ، وَأَزْرَمْتُه: إذا قَطعتَ عليه؛ وأنشد: * لا يَحْطِمَنَّكَ أنّ البَيْعَ قد زَرِما *، أي انْقَطع. وقال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد أرادوا حَمْلَ الحَسَنِ بن عليّ -كرم اللهُ وجْهَه- مِن حجِرِه وقد أَخَذ في البوْل: "لا تُزْرِمُوا ابْنيِ".

حتِّى أُتِيحَ له رامٍ بمُجْدَلةٍ

جَشْءٍ وبِيض نَواحِيهنّ كالسَّجَمٍ (3)

قوله: أُتِيح، يُريد قُدِّرَ له. والمُحْدَلة: الّتي غُمِزَ طائِفاها (4) حتى اطمأنا. قال: ويقال رَجُلٌ أَحْدَل، وامرأةٌ حَدْلاء، وذلك انحِطاطٌ في المَنْكِب، وهو أن يرتفِع أحدُ المنْكِبين ويطمئنَّ الآخَر. فيقول: حُطَّتْ سِيَتُها (5) ثم عُطِفَتْ. والجَشْءُ؛ القَضِيب الخفيف. والبِيضُ: السِّهام. والسَّجَم: شجرٌ له ورق كوَرَق (6) الخِلاف. يريد أنّ نِصالَه كورَقِ هذا الشَّجر، مِثلُ وَرَقِ الزَّيتون.

(1) واحد المغارب بالمعنى الذي ذكره مغرب (بضم الميم وكسر الراء).

(2)

فسر في اللسان مادتي (صوم) و (زرم) الزرم في هذا البيت بأنه الذي لا ثبت في مكان.

(3)

في كلتا النسختين (كالشحم) بالشين والحاء؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما في اللسان (مادة سجم).

(4)

في اللسان أن القوس المحدلة هي التي حدرت إحدى سيتيها ورفعت الأخرى اهـ وهذا هو الموافق لقول الشارح بعد: "ويقال رجل" الخ وطائف القوس: ما بين السية والأبهر. وفي القوس كبدها، ثم الكلية، وقيل: هما واحد، ثم الأبهر، ثم الطائف، ثم السية.

(5)

في كلتا النسختين: "سيتاها" والتفريع على المعنى السابق يقتضي الإفراد كما أثبتنا. وسية القوس: ما عطف من طرفيها.

(6)

قال في اللسان (مادة سجم) في صفة هذا الشجر: إنه شجر له ورق طويل، مؤلل الأطراف، تشبّه به المعابل؛ وأنشد هذا البيت.

ص: 195

فظَلَّ يَرْقُبُه حتّى إذا دَمَسَتْ

ذاتُ العِشاءِ بأَسْدافٍ مِن الغَسَم

ذاتُ العِشاء، أي الساعةُ التي من العِشاء. وقوله: يَرْقُبُه، أي يَرْصُده. وقوله: دَمَسَت، أي التبَسَت الظُّلمة. بأسداف: جَمْع سَدَف، وهو الظُّلْمة؛ وربما جعلوه الضَّوءَ؛ ويقال: اَسْدِفْ لنا، أي أَضِئْ لنا. والغَسَم: اختلاط الظُّلْمة، وهو غَبَسُ اللَّيْل وسَوادُه.

ثمّ يَنُوشُ إذا آدَ النَّهارُ له

بَعْدَ التّرقُّبِ مِن نِيمٍ ومِن كَتَم

يَنُوش: يَتنَاول. ويقال للناقة: هي تَنُوشُ النَّبْتَ؛ وقال الرّاجز:

* تَنُوشُ منه بِجرانٍ سَرْطَمِ *

السَّرْطَم: الطّويل. آدَ الّنهار، أي مال للزّوال (1). يقول: إذا آدَ الظلّ أَكَل تلك الساعة حين يَغفُل الناسُ إذا مالَ الظِّلّ. وآدَ يَؤُود. والتّرقُّب: التخوُّف والنَّظَر. والنِّيمُ والكَتَم: شَجَران (2).

دَلَّى يَدَيْه له سَيْرًا فأَلزَمَه

نَفّاحةً غبرَ إنْباءٍ ولا شَرَمٍ

دلَّى يديه، كأنه رماه من فَوْقه. يقول: حَطَّ يَدَيْه له وهو يَمْشي. سَيْرا، أي مَشْيا. ونَفّاحة، أي تَنْفَح بالدم. وقوله: غيرَ إنْباء، يقول: لم يُنْبِ سَهْمَه حين رماه. ولا شَرَم، أي لم يَشْرِم، أي لم يُصِب بعض جِلْده فيَشُقَّه، ولكنّه نَفَذ حتى خرج من الشِّقّ الآخَر.

(1) عبارة اللسان "آد النهار أودا إذا رجع في العشيّ" وأنشد هذا البيت.

(2)

ذكر في اللسان في وصف النيم أنه شجر له شوك لين وورق صغار، وله حب كثير متفرق يشبه الحمص، حامض، فإذا أينع اسودّ وحلا؛ وهو يؤكل. وذكر في وصف الكتم أنه نبات لا يسمو صعدا، ينبت في أصعب الصخر ثم يتدلى تدليا خيطانا لطافا، وهو أخضر، وورقه كورق الآس أو أصغر.

ص: 196

فراغَ منه بجَنْب الرَّيْد ثمّ كَبا

على نَضِيٍّ خلالَ الصَّدْر مُنْحَطِم

يقول: راغَ منه بناحيةِ رَيْدِ الجَبَل رَوْغةً ثم عَثَر والسهمُ فيه. والنَّضِىّ: قِدْحٌ بغير ريشٍ ولا نَصْل أَدرَكه طُولُ الزّمان؛ هذا أَصْله، ثم صار كلّ نَضِيٍّ (1) سَهْما. وقوله: خِلالَ الصَّدْر، أي دخَلَ بينْ أطْباق الضُّلوع.

ولا صُوارٌ (2) مُذَرّاةٌ (3) مَناسِجُها

مِثلُ الفَريدِ الّذي يَجرى من النُّظُمِ

يقول: كأنّ مَناسِجَها ذُرِّيتْ بالمِذْرَى، أي ضَرَبتْها الرِّيحُ كما يُذَرَّى الشَّعيرُ بالمَذارِى. مِثلُ الفَريد، أي كأنها فريد من فضّة من بياضها ، يصفُ أجسادها. والفَريد: شيءٌ يُعمَل مدوَّرٌ مِن فِضّة ويُجعَل في الحُلىّ.

ظَلَّتْ صَوافِنَ (4) بالأَرْزان صادِيةً

في ماحِقٍ مِن نهَار الصَّيف مُحْتَدِمِ

قال: الأرزان الأمكِنة الصُّلْبة (5)، واحدُها رَزِنْ. والصادى: الذّابل.

ومن قال: "طاوِية" فإنّه يريد خِماصا. وقوله: في ماحِق مِن نهار الصَّيف أي في شِدّةِ حَرّ؛ يقال: أَتانا في ماحِقِ الصَّيْف، أي في شِدّة الحَرّ.

(1) لعلّ صواب العبارة "ثم صار كل سهم نضيا" عكس ما هنا.

(2)

الصوار بكسر الصاد وضمها: القطيع من البقر. ومنسج الدابة (بكسر الميم وفتح السين، أو فتح الميم وكسر السين): ما بين مغرز العنق إلى منقطع الحارك في الصلب، وفي عبارة أخرى: ما شخص من فروع الكتفين إلى أصل العنق. وقيل فيه غير ذلك؛ وهو اختلاف في العبارات. والنظم بضمتين: جمع نظام، والخيط الذي ينظم فيه.

(3)

روى هذا البيت في اللسان (مادة درى) بالدال المهملة (مدرّاة) إلخ، وقال في نفس هذا اللفظ: كأنها هيئت بالمدرى (أي المشط) من طول شعرها، وكذلك أورده في (مادة ذرى) بالمعجمة ولم يفسّره.

(4)

الصوافن: القائمات على ثلاث قوائم، ثانية سنبك يدها الرابعة.

(5)

قال في اللسان: الرزن: نقر في حجر أو غلظ في الأرض. وقيل: هو مكان مرتفع يكون فيه الماء، وأنشد بيت ساعدة هذا.

ص: 197

قد أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فهي طاوِيةٌ

مَهْمَا تُصِب أفُقا من بارِقٍ تَشِمِ

قد. أُوبِيتْ كلَّ ماء، أي مُنِعتْ كلَّ ماء. وقوله: طاوية، أي ضامرة. وقوله: تَشِم، أي تُقَدِّر أين مَوْقِعُه ثم تَمْضى إليه. يقول: أفُقا من البوارق الّتي تَبرُق. وأُوبِيَتْه: مُنِعَتْهَ مِن الرُّماة. تُصِب أُفقُا، أي تَجِد ناحية.

حتّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ

باتت طِرابًا وباتَ اللَّيلَ لمَ يَنِم

شآها: شاقَها فاشتاقت. كَلِيلٌ: برقٌ ضعيف. مَوْهنا، أي بعد وَهْن من اللّيل. قال يقال: جاءنا مَوْهِنا من اللّيل، ووَهْنًا، وبعدَ وَهْن. قال: وقوله: باتت طِرابا، يعنِي البقرَ. وباتَ الليلَ لَم يَنمَ، أي بات البرقُ يَبرُق لَيْلَتَه.

كأنّ (1) ما يَتَجلَّى عن غَوار به

بَعْدَ الهُدُوء تَمَشِّيَ النار في الضَّرَم

قوله: عن غواِربه، أي عن أَعالِيِه. وغارِبُ كلِّ شيء: أعلاه، وهو مَوْضِعُ المَنْسِج من الدّابة. والضَّرَم: ما دَّق وخَفَّ من الحَطَب ليس بالجَزْل ولا بالغليظ. وقوله: يتجلَّى، إذا يتجلىّ من السحاب. بعد الهدُوء والسكون، بعد أن يَسكُنَ الناسُ.

حَيْرانُ يَرْكَبُ أَعلاهُ أسافِلَه

يُخْفِي جَديَد تُراب الأرض مُنْهزِمُ (2)

ويروَى "يَحْفِي" أي يُظْهِر. قال يقول: هذا السحابُ حَيْرانُ لا يأخذ جهةً واحدة، إنّما يأخذ يمينا وشِمالا. وقوله: يَخْفِي [أي] يَنْثرُه ويَستَخْرجُه

(1)"ما" هنا مصدرية، أي كأن التجلّي.

(2)

في هذا البيت إقواء كما ترى.

ص: 198

قال أبو سعيد: وأهلُ المَدِينة يسمُّون النّباش المُختَفِي، أي يَسْتَثِير تُراب القُبور.

وقوله: مُنْهَزِم، أي متفجِّرٌ بالماء.

فأَسْأَدَت دَلَجًا (1) تُحيِى لمَوْقِعهِ

لَم تَنْتَشِبْ بوُعوثِ الأرض والظُّلَمِ

الإسْئاد: يسيْرُ اللّيل. وقوله: تُحيِى لمَوْقِعِه، أي أَحْيَتْ ليلتَها. يريد لِتبَلُغَ ذلك المطر. وقوله: لم تَنْتَشِب، أي تَحتَبِس، ولم يُتْعِبْها الوَعْثُ والظُلْمةُ إذ مَضَتْ.

حتّى إذا ما تَجَلَّى لَيْلُها فَزِعتْ

مِن فارسٍ وَحلِيِف الغَرْبِ مُلْتَئِمِ

قال: غَرْبُ كلِّ شيء حَدُّه. والحَلِيف: السِّنان أي الحديد، ويقال للرجل: إنّه لَحلِيف اللّسان، يريد حَدِيدَه: مُلتئم: مُشْتَبِهٌ (2) غيرُ مُخْتَلِف، وهو من صفة القَناة. وقوله: حَلِيف الغَرْب، أي حَديد الحَدّ.

فافتَنَّها في فَضاء الأَرض يأْفِرُها

وأَصْحَرَت عنِ قِفافٍ ذاتِ مُعْتَصَمٍ

فافتَنَّها، يقول: اِشتَقَّ (3) بها. يأْفِرُها: يَنْزُو بها نَزْوا؛ وأَنْشَد:

* تَقْرِيبُهنّ (4) نَقَلٌ وأَفْرُ *

قال: وَأراد به إذا خرج بها إلى الأرض جَرى بها كذا؛ وأَنشَد لذي الرُّمّة:

(1) الدلج بالتحريك: الليل كله في قول ثعلب عن أبي سليمان الأعرابيّ. وقيل: الساعة من آخر الليل. والأوّل هو المناسب لما هنا.

(2)

في "أ" مشيه؛ وهو تحريف.

(3)

في "أ""استبق بها"؛ وهو تحريف.

(4)

التقريب: أن يرفع الفرس يديه معا ويضعهما معا. والنقل بالتحريك: سرعة نقل القوائم.

ص: 199

يَغْشى (1) الحُزُونَ بها عَمْدا ليُتْعِبها

شِبْهَ الضِّرار فما يُزْرِى بها التَّعَبُ

قال: والقِفاف: غَلِظٌ من الأرض لا تَجرِى فيه الخَيْل (2). يقول: فلمّا أَصْحَرتْ عن القِفاف أدْرَكَتْها الخَيْل.

أنْحَى عليها شُراعِيًّا فغادَرَها

لَدَى المزاحِفِ تَلَّى في نُضُوخِ دَمِ

أَنْحَى: حَرَّفَ إليها وحَمَل عليها رُمحا. [شُراعيّا]: طويلا، وهو منسوبٌ إلى رجل أو إلى بلد (3). وقوله: تَلَّى، يقال: تركتُه تَلِيلا أي صَرِيعا. وقوله: لدى المَزاِحف، أي عند المَزاحِف. قال أبو سعيد؛ النَّضخ أشدُّ من النَّضْح.

فكان حَتْفًا بِمقدار وأَدْرَكَها

طُولُ النّهار وليَلٌ غيرُ مُنصَرم

يقول: فكان ما أصابها بمقدار. وأدْركها طولُ النهار والليل، ولا يَسلَم عليهما شيء. يقول: غَوائلُ النهار والليل الذي لم ينصرم ولَمْ ينقطع. وقوله: غيرُ مُنصَرِم ، يقول: يذهب ويعود.

هل اقتَنَى حَدَثانُ الدَّهرِ من أَنَسٍ

كانوا بمَعْيَطَ (4) لا وَخْشٍ ولا قَزَم

قال أبو سعيد: قوله "هل اقتَنَى حَدَثانُ الدّهْر من أَنَس" جواب:

يا ليت شِعْرى أَلَا مَنْجَى من الهرَمِ

أي هل اقتَنَى الموتُ أحدا؟

(1) في نسخة "يعلو"؛ وهو مستقيم أيضًا.

(2)

واضح أن هذا تفسير للقف بالضم لا للقفاف الذي هو الجمع.

(3)

لم نجد في الكتب التي بين أيدينا اسم بلد ينسب إليه هذا الرمح. والذي وجدناه أنه ينسب إلى رجل أسمه (شراع).

(4)

في رواية: "من أحد" مكان "من أنس". ومعيط: موضع ببلاد هذيل.

ص: 200

يقول: لو كان الزمانُ مُقْتَنِيا أحدا أَبْقَى هؤلاء. الوَخْش: الأنذال. ووَخْشُ المَتاع: رُذالُه. والقَزَم: اللِّئام؛ ويقال. إِبِلٌ قَزَم وقومٌ قَزَم. يقول: هؤلاء ليسوا بلِئام.

كَيْدًا وجمْعًا بآناسٍ كأنّهُمُ

أَفْنادُ كَبْكَبَ ذاتُ الشَّثِّ والخَزَمِ

قوله: بآناس، جَمْعُ أَنسَ، وهم الكثير. والفِنْد: الأَنْف من الجَبل. وأَفْنادُه وشَماريخه واحد. وكَبْكَب: الجَبَل الأبيض (1)، جَبَل بالموقف. يقول: لو كانت (2) لهم كتائبُ وجُيوشٌ كأنها أَفنْادُ جَبَل لأَدْركَهم الموتُ. والخَزَم: شجر (3).

قال أبو سعيد: وبالمدينة سُوقٌ يقال لها سُوقُ الخَزّامِين. يؤخذ قِشْعر هذا الشَّجَر فتُفْتَل منه الحِبال.

يُهْدى ابنُ جُعْشُمٍ الأَنْباءَ نَحوَهُمُ

لا مُنْتَأَي عن حِياض المَوْتِ والحُمَمِ

قال: ابنُ جُعْشُمٍ سُراقةُ بُن مالك بنِ جُعْشُم. [نحوَهم]، أي نحو هؤلاء القوم. يقول: يُرِسل إليهم بالأخبار فلَم يَنْفَعْهم ذلك، نَزَلَ بهم القدَر فاجتِيحوا، يقول: فلم ينفعهم ذلك، لأنه لا يستطيع أحد أن يَنْتئَى عن الموت. والحُمَم: الأَقدار، يقال: حُمّ كذا وكذا أي قُدِّر، والواحدُ حُمّة وحُمَم ، مِثلُ جُمّةٍ وجُمَم وقوله: يُهْدِى، يَبْعَث. والهَدْيُ مِن الهدّية وأَنْشَدنا: * سأُهدِى لها فِي كلّ عامٍ قصِيدةً *

(1) في ياقوت: قيل هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة.

(2)

كان الأولى أن يقول: "كانت لهم كتائب وجيوش كأنها أفناد جبل فأدركهم الموت، كما يقتضيه سياق الشعر، إذ لا يظهر فيه معنى الشرط الذي ذكره الشارح.

(3)

قال أبو حنيفة في الخزم: إنه شجر مثل الدوم سواء، وله أفنان وبسر صغار، يسودّ إذا أينع، مرّ عفص، لا يأكله الناس، ولكن الغربان حريصة عليه تنتابه اهـ. والشث، شجر طيَّب الريح، مرّ الطعم، يدبغ به. وقال أبو حنيفة: هو شجر مثل شجر التفاح القصار في القدر، وورقه شبيه بورق الخلاف، ولا شوك له وله برمة مورّدة وسنفة صغيرة فيها ثلاث حبّات أو أربع سود، ترعاه الحمام؛ واحدته شثّة.

ص: 201

يَخشى عليهم من الأملاك بائجةً

مِن البَوائج مِثلَ الخادِرِ الرُّزَمِ

رَوَى أبو العبّاس غيرَ هذا. بائجة مِن البَوائج، وهي داهيةٌ وأمرٌ عظيم ، مِثل بائقةٍ وبَوائق. وروَى بُنْدار الأصبَهانيّ "نابخة"(1) بالخاء، قوله: نابِخة، أي رجلا عظيمَ الأمر (2). مِثل الخادِر (3)، وهو الأَسَد الذي اتّخذ الغَيْضةَ خِدْرا؛ ويقال: خَدَرَ وأَخْدَر. والرُّزَمُ: الّذي يَبْرُك على قِرْنِه يَرْزُم عليه وَيَبْرُك ويَرْبِضُ.

ذا (4) جُرْأهٍ تُسْقِط الأَحْبالَ رَهبْتُهَ

مهما يكنْ من مَسامٍ مَكْرَهٍ يَسُمِ

يقول: إذا سَمِعَت الحَبالى بَغزْوَتِه أَلقت أولادَها من رَهْبِته. والمَسامُ: المَسْرَح. يَسُومُها (5): يَسْرَحها. ذا جُرْأة، أي اجتِراء.

يُدْعَون حُمْسًا ولَم يَرتَعْ لهمْ فَزَعٌ

حتّى رأوهم خِلالَ السَّبْيِ والنَّعَمِ

يقول: كانوا من العِزّ لا يُغْزَوْن، وكانت قريش ومَن دانَ بدِينها في الجاهليّة حُمْسا (6).

(1) في كلتا النسختين "بائخة"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا إذ لم نجد البائخة بالمعنى الذي ذكره الشارح. انظر اللسان مادتي (نبخ)(ورزم). وقد ذكر فيه النابخة بهذا المعنى مستشهدا بهذا البيت، كما وردت فيه رواية أخرى وهي (نابجة) بالنون والباء والجيم. قال: من النبجة، وهي الرابية.

(2)

عبارة اللسان (مادة نبخ) في تفسير (النانخة) أنه الجبار.

(3)

روى "الحادر" بالمهملة، وهو الغليظ؛ وفسر بأنه يريد الفيل. انظر اللسان (مادة رزم).

(4)

ورد هذا البيت في اللسان (مادة حبل) شاهدا على أن الحبل يكون اسما كما يكون مصدرا. قال: ولو جعله مصدرا وأراد ذوات الأحبال لكان حسنا، وضبط فيه (مكره) بفتح الميم والراء، أي مسام ذو مكره، أي ذو كره.

(5)

الذي وجدناه في كتب اللغة أنه يقال: أسام الماشية يسيمها. أما سام يسوم فهو لازم، والذي يلوح لنا أن المراد بالسوم هنا التجشم والتكلف.

يقول: مهما يجشّم من صعب أو مكروه تجشمه ولا ينكل عنه عجزا.

(6)

ذكر في اللسان (مادة حمس) نقلا عن أبي الهيثم قال: الحمس قريش ومن ولدت قريش وكنانة وجديلة قيس، وهم فهم وعدوان ابنا عمرو ابن قيس عيلان وبنو عامر بن صعصعة، هؤلاء الحمس، سموا بذلك لأنهم تحمسوا في دينهم، أي تشدّدوا.

ص: 202

يقول: يُتَّقُون، لهم حُرمةُ الحُمْسِ ولم يَفْجَأْهم إلّا الخيل. يَرْتَع: مِن الرَّوْعِ حتّى رأَوا أعداءهم معم. خِلالَ السَّبْىِ: بين ظَهْرَيْه.

بمُقْرَباتٍ بأيديهمْ أعِنّتُها

خُوصٍ (1) إذا فَزِعوا أُدْغِمْن في اللُّجم

المُقْرَبات: اللّواتي عند البيوتِ لِصارِخٍ أو لفَزِع. وقوله: أُدْغْمِن في اللُّجُمِ أي أُدْخلَت رءوسهنّ في اللُّجُم، ومِن ثَم قيل: أَدْغَمَ الحرفَ في الحَرْف، أي أَدخَلَه في الآخَر.

يُوشُونَهنّ إذا ما نابَهمْ فَزَعٌ

تحت السَّنَوَّر بالأَعقابِ والِجذِم

يُوشُونهنّ، أي يستخرِجون ما عندهن من الجَرْىِ بأرجلهم وبالسِّياط. يقال: أوْشَى فرسَه إذا استَخرج ما عنده من الجَرْى، وأَنْشَد:

* كأنّه كَوْدَنٌ يُوشَى بكُلاّبِ (2) *

والسَّنَّور: ما عُمِل مِن حَلَقِ الحَدِيدِ من دِرْعٍ أو مِغْفَر. والجذْمة: السَّوْط (3).

فأَشْرَعوا يَزَنيّاتٍ مُحرَّبةً

مِثلَ الكَواكِب يَسّاقَوْن بالسِّمَمِ (4)

(1) خوص: من الخوص بالتحريك، وهو ضيق العين وغؤورها.

(2)

هذا عجز بيت لجندل بن الراعي يهجو ابن الرقاع، وصدره:"جنادف لاحق بالرأس منكبه" والكلّاب: المهماز.

(3)

ذكر في اللسان (مادة جذم) هذا البيت شاهدا على أن الجذمة هي السوط الذي يقطع طرفه الدقيق. ويبقى أصله.

(4)

كذا ضبط هذا اللفظ في (ب) بكسر السين، وهو جمع سمة بتشديد الميم، وهي القطعة والطائفة من السم بتثليث السين.

ص: 203

أَشْرَعوا، أي سَدَّدوهنّ (1) للطعن. ومحرّبة، أي كأنّ بها غضبا. وقوله: يَسّاقَوْن أي يَسقي بعضُهم بعضا الطعنَ، كأنما يَسّاقَوْن السِّمَم، وإنمّا هي يَتساقَوْن بالسِّمَم.

فقال يَسّاقَوْن، فأَدْغَمَها. ومحرَّبة، يقول: قد أُغْضِبتْ فغَضِبَتْ.

كأنّما يَقَعُ البُصْرِىُّ بينهمُ

مِن الطَّوائِف والأعناقِ بالوَذَمِ

البُصْرِىّ: [سَيْفٌ مِن] سُيوفِ بُصْرَى. والطّوائف: النواحي: الأَيْدِي والأَرْجل. والوَذَمة: السَّيْر بين العَرْقُوَةِ وأُذُنِ الدَّلو. يقول: فكأنّما يَقَعُ في سُيورٍ من شِدّةِ وَقْعِه ومَرِّه، يَقْطَع رِقابَهم وأَيْدِيَهم.

يُجَدِّلُون مُلوكًا في طَوائِفِهِمْ

ضَربًا خَرادِيلَ كالتَّشقِيقِ في الأَدَمِ

يُجَدِّلَون: يَصْرَعون. وطوائفهم: نواحيهم. وقوله: ضَرْبا خَرادِيل ، قال: يقال (2): خَرْدَلَ الشاةَ، إذا قطّعها قِطَعا قِطَعا. قال أبو سعيد: حدَّثنا عُمارةُ بنُ حمزةَ شيخٌ من آلِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: نَطرح الرملَ في أَرِضنا السَّبِخةِ بالأَعْوِص (3) فيُخَرْدِلُها كأنّه صعيد. فإذا طُرح الرملُ فيها شَقّقها. ويقال للنخلة إذا بقي عليها شيءٌ يسير: قد خَرْدَلَت، فَيْعُظم بُسْرُها على ذلك؛ ويقال: خَرْدَلَ ثوبَه، أي قَطّعَهَ.

ماذا هُنالِكَ مِن أَسْوانَ مكتئبٍ

وساهِفٍ ثَمِلٍ في صَعْدةٍ حِطَمِ

(1) في كلتا النسختين "شدّوهن" بالشين المعجمة ودال واحدة؛ وهو تحريف.

(2)

في الأصل: "يقول".

(3)

الأعوص: موضع قرب المدينة.

ص: 204

ويُروَى: "قِصَم". قال: يقال: رجلٌ أَسْوانُ، أي حزين، من الأَسى. والساهِف: العَطْشان (1). وهو ثِمَلٌ مِن الجراح. وحِطَم: كِسَر. والحِطْمَة القِطْعة. وصَعْدة: قَناة، أي في صَعْدهٍ كِسَر: ويقال طعامٌ مَسْهَفَةٌ إذا كان يُعْطِش.

وخِضْرِمٍ زاخِرٍ أَعْراقُه تَلِفٍ

يُؤْوِى اليتيمَ إذا ما ضُنَّ بالذِّمَم

الِخضْرِم: الواسع الخُلُق. والخَضارِم: الأشراف إذا كان لهم معروفٌ وسَعة. قال أبو سعيد: وقال جَزْءُ بن (2) حازم: قال لي العجّاج: أين تريد؟ قلت: البحرين. قال: لَتُصِيبَن بها نَبِيذا خِضْرِما، أي كثيرا. ويقال: بئر خِضْرِم ، أي كثيرةُ الماءِ غَزِيرة. وآباِرُ اليمامة غَزِيرات، يقال طعن (3) الخِضْرِمات. قال العَجّاج:

* اِنصاعَ (4) بين الخِضْرِماتِ وهَجَرْ *. وقوله: أَعراقه ، أي له عروق تَرفع عُرُوقه (5) وقولُه: تَلِف، أي هالِكٍ هَلَك في الوَقْعة. يُؤْوِى اليتيمَ في ذمته إذا لَم يتكفّل أحدٌ بيتيم.

وشَرْجَبٍ نَحْرُه دامٍ وصَفْحَتُه

يَصِيح مِثلَ صياحِ الَّنسْرِ مُنْتَحِم

الشَّرجَب: الطّوِيل. صِياحُ النَّسرِ كأنّه انتحام. والانتحام: شبيهٌ بالنَّفَسِ من الصَّدْر.

(1) ذكر في اللسان (ماده سهف) أن السهف بفتح السين وسكون الهاء: تَشحّط القتيل في نزعه؛ وأنشد هذا البيت، كما ورد فيه هذا المعني الذي ذكره الشارح هنا أيضا للساهف.

(2)

في اللسان (مادة خضرم) جرير بن الخطفي، وفيه:"اليمامة" مكان قوله: "البحرين".

(3)

لعل صوابه "طغت الخضرمات" أو "طمت" أو "طفت" مكان قوله: "طعن"، أي فاض ماء الآبار.

(4)

انصاع أي مرّ مسرعا.

(5)

لعل صوابه "فروعه" مكان "عروقه" أي أن له أصولا تنمى فروعه وتطيلها.

ص: 205

مُطَرِّفٍ وَسْطَ أُولَى الخَيلِ مُعْتَكِرٍ

كالفَحْل قَرْقَرَ وَسْطَ الهَجْمَةِ القَطِم (1)

المطِّرف: الّذي يَردّ أوائلَ الشيء ، يقال: طَرَّف أوائلَ الإبلِ، أي رَدَّها. والقَرْقَرَة: الهَدْر. والهَجْمَة: القِطْعة من الإبِل. والمُعْتَكرِ: الّذي يَعْتَكِر وَسْطَها يُقْبِل ويُدْبِر. يقول: هذا في أوائل الخيل يَرُدُّ ما أتاه من (2) الإبِل. ويقال: طَرِّف عليّ أوائلَ الخَيلِ، أي رُدَّها. ويقال: طَرِّف فلانٌ وفلان: إذا رَدّا أوّلَ الخيل.

وحُرّةٍ مِن وراءِ الكُورِ واركة

في مَركَبِ الكُرْهِ أَو تَمشِي على جَشَمِ

قوله: في مَركَبِ الكُرَه، أي قد أَرْدَفَتْ فهي متورِّكة لم تَبلُغ بادَّها. والبادُّ: باطِن الفَخِذِ. تَمشِي علي جَشَم، يقول: تَمشِي على كُرَهٍ تَجَشَّمُ ذاك تَجشُّما، أي على تجشُّمٍ ومشَقَّة. مَركَب الكُرْه، يعنى الرَّحْلَ.

يُذْرِينَ دَمْعا على الأَشفار مُنْحَدِرًا (3)

يَرْفُلْن بعدَ ثيابِ الخالِ في الرُّدُمِ

ثيابُ الخال: بُرودٌ حُمرٌ فيها خطوطٌ خُضْر. والثوب المردَّم (4) هو المرقَّع.

ويقال: ثوبٌ مردَّم. ويقال: ارْدِمْ ثَوْبَك. ويقال: رَدَمَه يَرْدِمُه رَدْما إذا رَقَعَه. ومِن هذا قيل: رَدَمَ البابَ.

فاستَدْبَروهم فهاضُوهمْ (5) كأنّهمُ

أرْجاءُ هارٍ زَفاهُ اليَمُّ مُنْثَلمِ

(1) فحل قطم ، أي صؤول مهتاج.

(2)

لعله "منها" أي من خيل الأعداء.

(3)

في اللسان (مادة ردم)"مبتدرا".

(4)

في اللسان أن الردم جمع رديم، كأمير وهو الثوب الخلق؛ وأنشد هذا البيت.

(5)

في اللسان (مادة هار)"فهاروهم" ويلاحظ أنه ورد في اللسان الشطر الأوّل من هذا البيت مضافا إلى عجز بيت آخر من هذه القصيدة غلطا.

ص: 206

هاضُوهم، أي كَسَروهم؛ ويقال: دَقُّوهم. وأَرْجاء: نَواحٍ. هارٍ: تكسَّرَ وانهَدَم؛ هَار ينهار (1)، وشَبَّهَهم بجُرُفٍ استَخَفَّه الماءُ فغَمَره. فشبّه الوادي (2) الّذي وَصَفَ بالبحر. واليمّ: البحر. زَفاه: اِستَخَفّه وزَهاُه.

فَجلَّزوا بأُسارَى في زِمامهِمُ

وجامِلٍ كَحرمِ الطَّوْدِ مُقْتَسَمِ

قوله: في زمِامِهِم، أي في حِبالهم (3). وحَزِيمه: وَسَطُه. والحَزيم: موضِع الِحزامِ وصَدْرُه (4). وقولُه: جَلَّزوا، أي مَضَوا ومَرُّوا مَرّا خفيفا.

"وقال ساعدة أيضا"

وما ضَرَبٌ بيضاءُ يَسقى دَبوبَها

دُفاقٌ (5) فعَرْوانُ الكَراثِ فضِيمُها

في الأصل: عُرْوان؛ والأجوَد الفتحُ. قال أبو سعيد: الضَّرَب: العسل الشديد الصُّلْب الأبيض. قال: وإذا اشتدّ العسل فقد استَضْرَب، [وذلك] إذا أكلَ النّحلُ البَردَ. دَبُوب: غَوْر (6). وعَرْوان: وادٍ (7). والكَراث: شجر (8). وضِيم:

(1) كان الأولى أن يقول: (يهور) لأن ذلك مضارع (هار).

(2)

يلاحظ أنه لم يشبه واديا بالبحر في البيت كما ذكر الشارح، وإنما شبه العسكر أو الجيش المنهزم بالجرف المنهار بفعل البحر.

(3)

كان الأولى تفسير الزمام بالحبل الواحد لا بالحبال.

(4)

لعل صوابه "والصدر".

(5)

دفاق: موضع قرب مكة كما في ياقوت.

(6)

في كلتا النسختين (نور) ولم نجد الدبوب بهذا المعنى فيما لدينا من كتب اللغة، ولعل صوابه ما أثبتنا أخذا من قولهم في تفسير الدبوب إنه الغار القعير.

وأورد في اللسان هذا البيت (مادة دبب) شاهدا على أن الدبوب اسم موضع. وقال ياقوت: هو موضع في جبال هذيل، وأنشد هذا البيت أيضا.

(7)

قال ياقوت نقلا عن نصر: عروان جبل بمكة، وهو الجبل الذي في ذروته الطائف، وتسكنه قبائل هذيل. ثم أنشد بيت ساعدة هذا.

(8)

قال أبو حنيفة: الكراث شجرة جبلية لها خطرة ناعمة لينة إذا فدغت هراقت لبنا. والناس يستمشون بلبها. وفي موضع آخر أن الكراث تطول قصبته الوسطى حتى تكون أطول من الرجل.

ص: 207

وادٍ (1). قال أبو سعيد: وسمعتُ رجلا من قريش بالطائف يقول: استَضَرب العسلُ: إذا أكلَ نَحْلُه الَبرَد.

أُتِيحَ لها شَثْنُ البنان مُكدَّمٌ (2)

أَخو حُزَنٍ قد وَقَّرَتْه كلُوُمُها

قال: الشَّثْنُ البَنان الخَشِنة (3). والمكدَّم: الذي قد أَكَلَتْ أظفارَه الصّخْر (4).

والحُزَنَ: المكان (5) الغليظ، واحدها حزن وحُزْنة (6). قد وقّرتْه كُلومُها، أي كُلومُ تلك الِجراح قد وقرتْه أصارت به وقَرات، وهنّ الآثار (7)؛ وأنشَدَنا:

* لها هامةٌ قد وقَّرَتْها كُلومُها *

قليلُ تِلاد المال إلّا مَسائبًا

وأَخراصَه يَغْدُو بها ويُقيمُها

المسْأب والسَّأْب: السِّقاء (8). والأخراص؛ عيدانٌ يُصلِحُ بها ما أَخَذَ من العسل (9). يقيمها: يسوِّي عِوَجَها، إذا اعوجّتْ قوَّمَها، يُخرِج بها العسلَ يَشْتارُه. وأخراصُه: قصَبُه، وهي العيدان.

(1) ذكر ياقوت في هذا الموضع عدّة أقوال، فقيل: هو ناحية الجبل. وقيل: هو واد بالسراة.

وقيل: هو بلد من بلاد هذيل.

(2)

رواية اللسان (مادة وقر) مكزم، وفسره بأنه القصير.

(3)

لم يقل "الخشنها" لما ذكروا من أن كل جمع بينه وبين واحده الهاء يوحد ويذكر. قاله في اللسان مادة (بنن) ويقال: بنان مخضب.

(4)

في اللسان أن المكدم هو المعضض؛ ورجل مكدم إذا لقى قتالا فأثرت فيه الجراح. وورد في اللسان أيضًا هذا البيت (مادة كزم) ورواه "مكزم" بالزاي وفسره بأنه الذي أكلت أظفاره الصخر كما هنا.

(5)

صوابه: الأمكنة الغلاظ.

(6)

الذي وجدناه في كتب اللغة أن الحزن جمع حزنة بصم الحاء فيهما. أما الحزن بفتح الحاء فجمعه حزون لا حزن كما يفيده كلام الشارح. وذكر الأصمعي أن الحزن بضم ففتح: الجبال الغلاظ.

(7)

قال في اللسان (مادة وقر) رجل موقر إذا وقحته الأمور واستمر عليها. وقد وقرتني الأسفار أي صلبتني ومرنتني عليها وأنشد بيت ساعدة شاهدا على هذا.

(8)

في اللسان (مادة سأب) أنه سقاء العسل.

(9)

واحده خرص بكسر الخاء وسكون الراء.

ص: 208

رَأَى عارضًا يَهوى إلى مُشْمَخِرّةٍ

قدْ احجمَ عنها كُلُّ شيءٍ يَرومُها

قال: يقول رأى عارضًا من ثَوْل كأنّه عارِضٌ من سحاب. مشمخِرّة: هَضْبة طويلة في السماء ذاهبة. قد أحجمَ عنها كلُّ أحدٍ فهي لا تُقرَب. يقول: لا يستطيع أن يَقرَبها من رامها.

فما بَرِحَ الأسبابُ حتّى وَضَعْنَه

لَدَى الثَّوْلِ يَنفى جَثَّها (1) ويَؤومُها

أي ما برحتْ بِه الأسباب حتى وضعنَه. والأسباب: الِحبال. يقول: تنخرِط به حتى وضعْته (2) لدى الثَّوْل. والثَّوْل: جماعة النحل. وجَثُّها: خِرْشاءٌ (3): ما كان على عسلها من جَناحٍ أو فرخٍ أو فراخٍ، وما ليس بخالص. وقوله: يؤومها، أي يدخِّن عليها. ويقال: آمَها يؤومها أَوْما، والدّخان: الإيام (4).

فلما دنا الإِبْرادُ حَطَّ بشَوْرِهِ

إلى فَضَلاتٍ مستِحيرٍ جُمومُها

الإبراد: العشِيّ. حَطَّ بما اشتارَ مِن العسل، أي بما أَخَذ من الوَقْبةِ. والوَقْبة: مِثل النُّقْرةِ. ويُنْزِله (5) الغديَر مملوءا. وقوله: مستحير، أي متحيِّر (6). يقول تَحَيَّر ماؤها أي ما جَمَّ منها. وجَمَّت: زاد ماؤها.

(1) في كلتا النسختين "حتها" بالحاء والتاء هنا وفيما يأتي بعد في الشرح، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادتي "جثث" و "أوم".

(2)

كان الأولى أن يقول "تضعه" بصيغة المضارع.

(3)

في كلتا النسختين "غثاء"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادة (جثث)؛ وكان الأولى أن يقول: خرشاؤها.

(4)

هذه الكلمة واوية ويائية، يقال آم يؤوم أوما وآم يئيم إياما: ولم يقولوا في الدخان "أُوام" إنما قالوا "إيام" فقط. اللسان (مادة أوم).

(5)

وينزله، أي ينزل الثور أي العسل.

(6)

في اللسان: "والعرب تقول لكل شيء ثابت دائم لا يكاد ينقطع مستحير ومتحير".

ص: 209

إلى فَضَلاتٍ مِن حَبِيٍّ مُجلجِلٍ

أَضّرتْ به أضواجُها وهُضومُها

مجلجل: فيه رَعْد. وقوله: إلى فَضَلات، أي إلى فضلاتٍ: غَدِير من هذا السحاب. والحَبيُّ: سحابٌ يَعترِض، يُقال: إنه لجيٌّ حَسَن. والهُضُوم، هي الغُمُوض في الأرض، وهي أماكِنُ مطمئنّة. يقول: فكأنّها (1) دنتْ من الماء فأَضرّت به، وليس من الضَّرَر، ومن ذلك قولُ أبي ذؤيب:

غَداةَ المُلَيْحِ يومَ نحن كأنّناء

غَواشِي مُضِرٍّ تحت رِيحٍ ووابِلِ

يقول: كأنها (1) دَنَت منه. أَضَرّ: دنا. وضَريرَا الوادِي: ناحِيَتَاه. والأضْواج: نواحي الوادي حيث يَنْثَنِي. قال: وإذا كان في ظِلٍّ كان أطيَبَ له.

فشَّرجَها حتّى استَمر بنُطفةٍ

وكان شفاءً شَوْبُها وصَميمُها

يقول: فَتّقَها (2) حتى مَضَى بها معه. شَرَّجها: فَتّقها (2). وقوله: شَوْبُها، أي مِزاجها من هذا الماء. وصَميمُها: خالِصُها، هي نفسُها. قال خُفافُ بنُ عُمَير:

فإنْ تكُ خَيْلِي قد أُصيبَ صَمِيمُها

فعَمْدًا على (3) عَيْنٍ تيممّتُ مالِكَا

ويقال: شِيبَ الشيءُ إذا مُزِج.

(1) لا مقتضى لقوله هنا: "فكأنها" وقوله بعد: "كأنها" إذ دنوّ الأضواج والهضوم المذكورين في البيت من الماء حاصل بالحقيقة لا بالتشبية.

(2)

في كلتا النسختين "عتقها" بالعين في كلا الموضعين؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما يستفاد من كتب اللغة، فقد ورد فيها أن التشريج بمعنى الخلط والمزج؛ يقال: شرج العسل والخمر ونحوهما إذا مزجهما بالماء. وقوله: "بنطفة" متعلق بقوله: "فشرّجها".

(3)

يقال: فعلت ذلك عمدا على عين وعمد عين، أي بجد ويقين. قاله في اللسان وأنشد بيت خفاف هذا.

ص: 210

فذلكَ ما شَبَّهتُ فا أمِّ مَعْمَرٍ

إِذا ما تَوالِي الليّلِ غارتْ نُجُوُمها

تَوالِيه: أواخِرُه. غارت، أي دخلتْ في الَغْورِ، أي غابت.

(وقال ساعدة أيضا يصِف ضَبُعا)

ألا قالت "أُمامةُ" إذ رأَتْنِي

لشِانِئكَ الضَّراعةُ والكلُولُ

قال أبو سعيد: كأنهّا قد رأته وقد ضَرِع وكَلَّ مِن المرض فكرهت أن تقول له شيئًا، فقالت:"لِشانِئك الضَّراعةُ والكُلول" كما تقول: لِعدوك النبلاءُ.

والكلُولُ أن يَكِلَّ بصُره، يَكِلُّ كِلّةً وكُلولا. وكَلَّ السيفُ كِلّةً وكلولا. وكَلَّ عن الأمرِ وأَكَلَّ رِكابَه. وأَكَلَّ ناقتَه. والضّراعة: التصاغر.

تَحوَّبُ قد تَرى أَنِّي لِحَمْلٌ

على ما كان مُرْتَقَبٌ ثَقِيلُ

تَحوبُ أي توجَّعُ وتَفَجَّعُ. قد ترىَ أَنِّي لحملٌ أي كالحمِلِ من المرض، ثقيل على أهلى. والرقبة: التخوّف. يقول: تتخوف أن أقْعد (1) عليهم؛ وأنشَدَنا أبو سعيد:

فجاءتْ تَهادَى على رِقبةٍ

من الخَوفِ أحشاؤها تُرْعَدُ

والارتقاب: التخوف عل كل حال. يقول: فأنا حِمْلٌ من المرض ثقيلٌ على أصحابي لا أنفعهم، كأنهم يتخوفون أن تأتيَهم الفَجائع مِن قِبَلِى.

جَمالَكِ إنّما يُجْدِيكِ عَيْشٌ

أمَيْمَ -وقد خلا عُمْرى- قَلِيلُ

(1) الذي نراه أنه يريد بقوله: "مرتقب" أنهم يرتقبون موته آنا بعد آن لثقل ما به من المرض.

ص: 211

جَمالَكِ، يقول: لا تَنْسَى جَمالكِ، تَجمَّليِ بِجُهْدِكِ، فإنّما يكفِيكِ ويغنِيكِ عيشٌ قليل. وقد مضى عمرى، أي عيشي. إنما يُجْدِيكِ عَيْشُ، أي يكفيك ويُجزِئُكِ عيشٌ قليل. وقليلٌ ما يُجْدِى عليكِ، أي قَلَّ ما ينفعُكِ. ويقال في "جَمالَك": تجمَّلى واذكرى جَمالَكِ. وقال أبو ذؤيب:

جَمَالَكَ أيُّها القلبُ القَريحُ

ستَلقَى مَن تُحِبُّ فَتَستريِح

وقال الآخَر:

* ويَقْنَى الحياءَ الَمْرءُ والرُّمحُ شاجِرُه * (1)

أي يلزَم الحياءَ وقد شجرته الرِّماح.

وإنِّي يا أُمَيْمَ ليَجْتَديِني

بنُصْحَتِه المحسَّبُ والدَّخِيلُ

يجتديني: يعتمِدني. (2) بنُصحَتِه: صميم أمرِه. وناصحُ كلِّ شيءٍ: خالِصُه وصمِيمُه ومنه قول الشاعر (3):

فأَزالَ ناصِحَها بأبيَضَ مُفْرَطٍ

من ماءِ أَلْهابٍ عليه التَّألَبُ

ويُروَى: لَيَعْمِدَنِّي، وأنشَدَنا لأبي ذؤيب:

لَأُخبرتِ أنّا نجتَدِى الحمدَ إنَّما

يُكلَّفه مِن النّفوسِ خِيارُها

قال. ومنه قَولُ عنترة:

(1) أورد هذا الشطر لما فيه من معنى التجمل.

(2)

لم يرد في كتب اللغة التي بين أيدينا النصحة بهذا المعنى الذي ذكره؛ والذي ورد بهذا المعنى الناصح كما ذكر بعد. وقد ضبطناه هكذا كما ورد في الأصل.

(3)

هو ساعدة بن جؤية الذي نحن بصدد شعره.

ص: 212

قصائدُ مِن قول امريءٍ يجتدِيكُم

بني العُشَراءِ فارْتدُوا أو تَقَلَّدوا

يريد يختصّكم بها ويجعلكم جَدْوَى. والمحسَّب: المكرم (1). قال أبو سعيد: وحدّثنا شُعْبة عن سماكِ بنِ حرب قال: يقال: ما حَسَّبوا جارهم، أي ما كرَّموه.

ويقال: ما يُحسِبُك أي ما يكفِيك. ويجتدِينى: يختصّنى.

ولا نَسَبٌ سَمِعتُ به قَلانِى

أُخالِطُه أُميمَ ولا خَليِلُ

يقول: ولا ذو نَسَب. وهذا كقوله: غَضِبتِ علينا يا رَحِم، وإنما يعني به أهلَ الرَّحِم. وقلانِى: أَبغَضَنى.

أَنِدُّ من القِلَى وأَصونُ عرْضِى

ولا أَذَأُ الصَّديقَ بما يقولُ (2)

أنِدُّ مِن القِلَى، يقول: أفِرّ مِن القِلَى. والقِلَى: البُغْض، ممّا (3) يُقلَى من الأخلاق. ولا أذأُ الصَّدِيق، يقول: ولا أُوذيه وأُعنِته وأُدْخلُ عليه مكروها. ويقال: وَذَأَه يذَؤُه وذأً قبيحا، مِثل وضعَه يضعُه وضْعا، وذأْتُه فأنَا آذَؤُه وَذأً، كأنه آذاه.

وإنِّي لَابنُ أقوامٍ زِنادِى

زَواخِرُ والغُصونُ لها أُصولُ

زِنادِى زواخِر، أي شجرتي تطول في السماء، فأنا في شجرةٍ ثابتة الأصل طويلة الفرع.

وما إنْ يَتَّقِى من لا تَقِيه

مَنيّتُه فيُقْصِر أو يُطِيلُ

(1) كذا فسر الشارح هذه الكلمة؛ والذي يلوح لنا أن المحسب هنا ذو الحسب بمعنى الشرف الثابت في الآباء، بدليل عطف الدخيل عليه.

(2)

في رواية "بما أقول"؛ اللسان (مادة وذأ).

(3)

مما يقلى، أي أندّ مما يقلى.

ص: 213

يقول: لا يستطِيع أَحدٌ أن (1) يقي من لا يقيه قَدَرُه. فيُقْصر. "يقول: من الناس من يطولُ عمره، مَن قُضِيَ عليه أن يطولَ عمره لم يقصر"(2)، أي منهم من يُقْصِر: يكون قصيرا (3)، وليس من نحو أَقصر عن الجهل. يطيل، يكون عمره طويلا (3). يقول: من لا يقيه قَدَرٌ لا يستطيع أن يتّقِىَ فيطولُ قَدَرُه أو يَقْصُر، إنما يقيه القدَر.

وما يُغنِي أمرأً وَلدٌ أَحَمّتْ

مَنيّتُه ولا مالٌ أَثِيلُ

يقول: لا يُغني أمرأً حانت منيّتُه ولدٌ. أحَمّت: حانت، وحُمَّتْ: قُدِّرت. والأثيل: المؤثَّل الكثير، وهو المثَّمر؛ ويقال: حاجة مُحِمَّة بالحاء غير معجمة: يأخذك لها زَمعَ وحديثُ نَفْسٍ. والمؤثَّل من المال: المثمر؛ وقال الشاعر (4):

ولكنّما أَسعَى لمجدٍ مؤثَّلٍ

وقد يُدرِك المجدَ المؤثَّلَ أمثالِي

ولو أَمْستْ له أُدْمٌ صَفاياَ

تُقَرْقِرُ في طَوائفها الفحُول

قولُه: صفايا، أي إبِلٌ كِرام. وقولُه: تُقَرْقر، أي تَهدر. وطوائفها: نواحيها.

مصعِّدةٌ حَوارِكُها تَراها

إذا تَمْشِى يَضِيقُ بها المَسِيل

(1) كان الأولى في تفسير هذه العبارة كما يظهر لنا أن يقول: لا يستطيع أحد أن يتقى إذا لم يقه قدره كما تقتضيه مسايرة ألفاظ البيت.

(2)

الظاهر أن هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين قد وضع في غير موضعه من شرح البيت خطأ من الناسخ؛ والظاهر أن موضعه بعد قوله الآتى: "يكون عمره طويلا".

(3)

لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أن أقصر وأطال يجيئان بمعنى يكون قصيرا ويكون طويلا أي بمعنى قصر وطال اللازمين كما ذكره الشارح هنا.

(4)

هو امرؤ القيس بن حجر الكندي.

ص: 214

مصعِّدة، أي شُمُّ الحَوارك. يقول: هي مفرَّعة الأكتاف ليست بدُنٍّ ولا هُبع.

والأَدَنُّ: القريب الصَّدرِ مِن الأرض، وهو الدَّنَن. والهُبَّعُ: المتواضعة (1) الأعناق.

وقوله: "إذا تَمشِى يَضِيق بها المَسِيلُ" يقول: يضيق بها الوادِي من كثرتها.

إذا ما زارَ مُجْنَاةً عليها

ثِقالُ الصَّخرِ والخَشَبُ القَطِيلُ

مجنأة، يعني القبر؛ والمجنأ: المحدودب، وكلّ مُحْدَوْدِبٍ مُجنأ، ويقال: رجلٌ أجْنأ، وتُرْس مُجْنأ. وإذا استمر (2) القبر قيل مجنأ. والقَطيل: المَقطوع، ويقال: قطَلَه أي قَطَعَه، يريد زار حُفْرَته، أي قبرَه.

وغُودِر ثاوِيًا وتأوّبتْه

مذرَّعةٌ أُمَيْمَ لها فَلِيلُ

غُودِر: تُرِك. والثاوِي: المقيم. ومذرَّعة، يعني ضبعا بذراعيها توقيف أي آثار (3).

والفَليل: الشعر والوبر، وهذه ضبعٌ فيها خطوط سود، وأنشَدنا أبو سعيد:

دَفوعٌ لِلقبورِ بمنكِبَيهْا

كأنّ بوَجْهِها تحمِيمَ قِدْرِ

قال: وأنشَدَني أبو عمرو بنُ العَلاء:

وجاءت جَيْئُل وأبو بَنِيها

أَحَمَّ المَأقِيينْ به خُماعُ (4)

لهما خُفّانِ (5) قد ثُلِبَا ورأسٌ

كرأسِ العَوْدِ شَهْبَرةٌ نَؤُولُ

(1) في كتب اللغة أن الهبع هي التي تمدّ أعناقها في المشي.

(2)

كذا وردت هذه الكلمة في الأصل؛ ولم نتبين لها معنى.

(3)

عبارة اللسان (مادة ذرع) والمذرعة: الضبع لتخطيط ذراعيها، صفة غالبة؛ وأنشد بيت شاعرنا هذا.

(4)

به خماع أي ظلع؛ والبيت لمثقب كما في اللسان (مادة خمع).

(5)

في كلتا النسختين: "حفان" بالحاء المهملة؛ وهو تصحيف.

ص: 215

قال: أراد أنّ لها خُفًّا (1) غليظا قد تكسَّر أو تجسّأ (2)، من قولِك: ثَلَب فلانٌ عِرْضَ فلان أي كسّره وقطّعه. والشهْبرة (3): التي قد أَسنّت. والنَّهْشلة: مِثلُها، وهما واحد وأنشَدَنا أبو سعيد:

رُبَّ عَجوزٍ مِن أناسٍ شَهْبَرهْ

علّمتُها الإنقاضَ بعد القَرْقَرهْ

يقول: أَغارَ (4) عليها فأخذ إِبلها وتركها تُنْقض بالغنم. والقرْقَرة للإبل ، والإنقاض للغَنَم، والشَّهْبَرة، هي الكبيرة المُسِنّة. والنَّؤول، هي الّتي كأنها تدافَعُ بِحملٍ، يقال: مّرَّ يَنْأل بِحمْلِه نأْلا. والنَّؤول: الّتي تمشِى كأنّها مُثقَلة.

تَبِيتُ اللَّيلَ لا يَخفَى عليها

حِمارٌ حيث جُرَّ ولا قَتِيلُ

كَمشْي الأَقْبَلِ السّارِى عليها

عِفاءٌ كالعَباءةِ عَفْشَلِيلُ

(1) في كلتا النسختين "خدا" بالدال؛ وهو تحريف.

(2)

تجسأ: تصلب وخشن. وفي كلتا النسخين "تخسأ" بالخاء المعجمة؛ وهو تحريف إذ لم نجد من معانيه ما يناسب السياق.

(3)

ويقال الشهربة أيضا؛ وقد روى هذا البيت في اللسان (مادة نأل) شهربة بتقديم الراء على الباء.

(4)

أورد صاحب اللسان هذا البيت (مادة شهبر) وذكر أنه لشظاط الضبى أحد اللصوص الفتاك وكان رأى عجوزا معها جمل حسن، وكان راكبا على بكر له. فنزل عنه وقال: أمسكي لي هذا البكر لأقضى حاجة وأعود. فلم تستطع العجوز حفظ الجملين؛ فانفلت منها جملها وندّ، فقال: أنا آتيك به، فمضى وركبه وقال:"رب عجوز من نمير شهبرة" الخ البيت. ثم قال: أراد أنها كانت ذات إبل فأغرت عليها ولم أترك لها غير شويهات تنقض بها. وفسر الإنقاض في مادتي (شهبر ونقض) بأنه صوت صغار الإبل. والقرقرة بأنها صوت الكبير منها، وفي مادة "قرقر" أن الإنقاض دعاء الغنم، والقرقرة دعاء الإبل، وهو الموافق لما هنا في الشرح. وذكر صاحب اللسان في هذه المادة أيضا بعد أن أنشد هذا البيت أن معناه أنه سبى تلك العجوز فحوّلها إلى ما لم تعرف اهـ. أي حوّلها إلى رعي الغنم بعد الإبل.

ص: 216

قال أبو سعيد: تَمشِي كمشي الأَقْبَل الّذي في عينه قَبَل شبيهٌ بالحوَل. وعِفاؤُها وبَرُها وشَعرُها. (1) والعَفشَلِيل: الجافى، ويقال: ثوبٌ عَفْشلِيل، أي جافٍ ثقيل. قال: يقول تَمشِى كَمشى الأقبل الذي يسير بالليل فكأنه يتلفت يدير عينيه.

فذاحَتْ بالوَتائر ثم بَدَّتْ

يَدَيْها عند جانبِه (2) تَهِيلُ

ذاحَتْ: مرّت مرا سِريعا سهلا (3). والوَتائر: طرائق (4) مرتفعة من الأرض يتبع (5) بها بناءُ القبور. والوتيرة من الأرض كأنها طرِيقة منقادة دقيقة؛ ويقال: هو على وَتِيرةٍ أي علي طريقةٍ مستقيمة. وقوله: بَدَّت يدَيها، أي فتحتْ ما بين يديها. وتهيل: تنبِشُ. يقال: هالَ الترابَ يهيلُه إذا نبشه.

هُنالِكَ حِينَ يَتْرُكه ويَغْدُو

سَلِيبًا ليس في يده فَتيِلُ

حين يتركه: إذا تَرَكَ مالَه. والفَتِيل: الذي في شِقّ النَّواة.

(1) ذكر في اللسان هذا البيت شاهدا على أن العفشليل من أسماء الضبع.

(2)

في نسخة "جانبها".

(3)

في اللسان مادة (ذاح) الذوح السير العنيف؛ وأنشد بيت ساعدة هذا. ولم يرد في تفسير الذوح معنى السهولة كما ذكره الشارح هنا.

(4)

قال في اللسان (مادة وتر) في تفسير الوتيرة: إنها قطعة تسكن وتغلظ وتنقاد من الأرض. ثم قال: وربما شبهت القبور بها؛ وأنشد بيت ساعدة هذا؛ وذكر أيضا بعد ما يوافق تفسير الشارح هنا، وقال: إن تفسير الوتيرة بالطريقة تفسير الأصمعي. ونقل عن أبي عمرو الشيباني أن الوتائر في هذا البيت ما بين أصابع الضبع؛ يريد أنها فرّجت بين أصابعها.

(5)

لعل في هذه الكلمة تحريفا صوابه "يشبه بها" أو ما يفيد هذا المعنى كما هو نص عبارة اللسان (مادة وتر).

ص: 217

ولو أنّ الّذي يُتْقَى (1) عليه

بضَحْيانٍ أشَمَّ به الوُعولُ

ضَحْيان: جبلٌ ضاحٍ. يقول: ليس فيه شجرٌ يوارى من بهذا الجبل. أشمّ: طويل مشِرف.

عَذاةٍ ظَهْرُه نَجْدٌ عليه

ضَبابٌ تَنْتحيه الرِّيُح مِيلُ

أي ظَهرُه نجدٌ وأسفَلُه تِهامة [وأهلُ تهامةَ يقولون: رجلٌ من أهل نُجُد؛ يريدون نجدا (2)] والعَذاة: البعيدة من الماءِ والرِّيف (3). يقول: ظهرُه مُشرِف وأسفلهُ تهامة. تنتحيه، أي تأخذه يمنةً ويَسْره. ميل (4)، ضبابٌ ميل: يميل مع الريح.

(1) يتقى عليه، أي لو أن الذي تتخذ الوقاية والمحافظة عليه حصن في جبل صفته ما ذكر لآيته الحوادث الخ. هذا ما يظهر لنا من معنى هذا البيت. وقد ضبطنا "يتقى" بسكون التاء وفتحها لما ورد في اللسان (مادة وقى) من اختلاف الأقوال في ذلك، فقد ورد فيه أولا مما يدل على فتحها ما نصه: أصل تقى أي بفتح التاء يتقى أي بتشديدها، فحذفت التاء الأولى، ثم أنشد بيت خفاف في ندبة:

جلاها الصيقلون فأخلصوها

خفافا كلها يتقى بأثر

بفتح التاء ثم ذكر كلاما لأبي منصور يدل على تسكينها، قال: اتقى يتقى (أي بتشديد التاء) كان في الأصل أو تقى على افتعل فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وأبدلت منها التاء، وأدغمت، فلما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الحرف، فجعلوه اتقى يتقى بفتح التاء فيهما مخففة، ثم لم يجدوا له مثلا في كلامهم يلحقونه به فقالوا: تقى يتقى مثل قضى يقضى؛ ثم أنشد قول الأسدى:

ولا أتقى الغيور إذا رآني

ومثلى لزّ بالحمس الربيس

بسكون التاء في أتقى. ومن رواها بتحريك التاء فإنما هو على ما ذكر من التخفيف. قال ابن برى: والصحيح في هذا البيت وفي بيت خفاف بن ندبة يتقى وأتقى بفتح التاء فيهما لا غير الخ.

(2)

ذكر في اللسان (مادة نجد) نقلا عن الأخفش أن نجدا بضمتين بمعنى نجد (بفتح فسكون) لغة هذيل وقد أثبتنا هذه التكملة عن "ب".

(3)

في اللسان مادة (عذا) العذاة: الأرض الطيبة التربة الكريمة المنبت التي ليست بسبخة. وقيل هي الأرض البعيدة عن الأحساء والنزوز والريف، السهلة المريئة التي يكون كلؤها مريئا ناجعا؛ وقيل فيها غير ذلك.

(4)

في الأصول: "مثل" بالثاء؛ وهو تصحيف.

ص: 218

إذا سَبَلُ الغَمامِ دنا عليه

يَزِلّ برَيْدِه ماءٌ زَلُولُ (1)

ويروَى "إذا سَبَلُ العماءِ"(2)، والعماء: السحاب الرقيق (3). والرَّيد: الحَرْف من الجبل. زَلول وزُلال واحد، وهو السريع المَرِّ في الحَلْق. والسَّبَل: المطر. وقوله: يزل برَيْده، أي هو أملس. برَيدِه: بحرفه لأنه أملس، فإذا أصابه المطر سال. زَلُول: يزلق؛ لأن الجبل أملس فيَزِلّ عنه. وقوله: دنا عليه، أي دنا منه.

كأنّ شُؤونَه لَبّاتُ بُدْنٍ

خِلافَ (4) الوَبْلِ أو سُبَدٌ غَسيلُ

شؤوُنه: خطوط فيه مخالِفةٌ للونِه. يقول: سَبَلٌ (5) كأنه لبّلتُ بُدْنٍ منحورةٍ تسيل. والسُّبَد: طائرٌ مِثُل الخُطّافِ أملس إذا أصابه المطر سال عنه. يقول: فكأنه في خِلاف المطرِ ممّا يَثُجّ بالماء بعيرٌ نُحِرَ فهو يثج بالدم.

لآبَتْه (6) الحوادِثُ أو لَأَمْسَى

به فَتْقٌ رَوادِفُه تَزُولُ

يقول: لأنفتق به فتقٌ من الأمور وزالت رَوادِفه عنه. وروادفه: مآخيرُه وما رَدِفَه من خلفِه وقُدّامه (7).

(1) ورد في اللسان (مادة زلل) ما نصه: وماء زلال وزليل سريع النزول والمرّ في الحلق، قال ساعدة ابن جؤية، وبعده بياض بالأصل، والظاهر أن البيت الذي سقط من اللسان هو هذا البيت. ويستفاد من هذا أنه يروى أيضًا زليل مكان زلول.

(2)

في الأصل: "الغماء" بالغين؛ وهو تصحيف.

(3)

وقيل: الكثيف.

(4)

روى في اللسان (مادة سبد)"غداة" مكان "خلاف".

وخلاف الوبل، أي بعده.

(5)

لعل صوابه "جبل" مكان قوله "سبل". إذ المشبه بلبات البدن إنما هو الجبل حين يسيل الماء من خطوط فيه، لا نفس المطر. وذلك لأن الضمير في شؤونه يعود على الجبل لا على السبل، إذ ليس في المطر خطوط تخالف لونه.

(6)

لآبته، جواب "لو" في قوله السابق: * ولو أن الذي يتقى عليه *

(7)

لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أنه يقال: الروادف لما كان من قدّام كما ذكره الشارح.

والذي وجدناه أن الروادف للتوابع من خلف.

ص: 219

وقال يهجو امرأة من بني الدِّيلِ بنِ بكر:

فيمَ نساءُ الناسِ مِنْ وَتَرِيّةٍ (1)

سَفَنَّجةٍ كأنّها قوسُ تَأْلَبِ

سَفَنّجة: سريعة، يريد امرأةً. وتَأْلَب: نَبْت (2).

لها إلْدةٌ (3) سُفْعُ الوُجوه كأنّهمْ

نصالٌ شَراها القَيْنُ لمّا تُرَكَّبِ

قال أبو جعفر الأصفهانىّ: الرواية "لها (4) لدِة" سُفْعُ الوُجوه، حُمر الوجُوه. والسُّفْعة: حُمرةٌ إلى السواد، والذَّكَر أسفَع، والأنثى سَفْعاء. وشراها: اشتراها تكون لهما جميعا (5). والقَيْن: الحدَّاد، وكل من يعملُ بحديدة فهو قَين (6).

إذا جَلستْ في الدار يوما تأبَّضتْ (7)

تأبُّضَ ذئبِ التَّلْعةِ المتصوِّبِ

(1) وترية: نسبة إلى الوتائر، وهي مساكن الذين منهم هذه المرأة التي يهجوها. وقبل: وترية أي صلبة كالوتر (اللسان مادة وتر) وفي هذا البيت الخرم كما ترى.

(2)

قد سبق التعريف بالتألب في قول ساعدة في القصيدة الأولى من شعره:

فأزال ناصحها بأبيض مفرط

من ماء ألهاب عليه التألب

(3)

الإلدة: الأولاد، كالولدة بالواو المكسورة أيضا.

(4)

كذا في الأصل. ولم نجد اللدة بالمعنى المراد هنا وهو الأولاد فيما راجعناه من كتب اللغة وإنما اللدة الترب؛ وهو غير مراد هنا، وأيضا فاللدة مفرد، فلا يصح وصفه بالجمع؛ فلعل في الكلمة واوا سقطت من الناسخ، والأصل "ولدة" بكسر الواو.

(5)

تكون لهما جميعًا، أي أن هذه الكلمة تستعمل في البيع والشراء.

(6)

قال ابن السكيت: قلت لعمارة: إن بعض الرواة زعم أن كل عامل بالحديد قين. فقال: كذب، إنما القين الذي يعمل بالحديد ويعمل بالكير.

ولا يقال للصائغ قين ولا للنجار قين.

(7)

التأبض: التقبض وشدّ الرجلين قاله في اللسان (مادة أبض) وأنشد بيت ساعدة هذا، ثم قال: أراد أنها تجلس جلسة الذئب إذا أقعي؛ وإذا تأبض على التلعة رأيته منكبا.

ص: 220

شَروبٌ لمِاءِ (1) اللَّحمِ في كلّ صَيْفةٍ

وإن لم تجِدْ مَن ينُزْلُ الدَّرَّ تَحْلُبِ

نُفاثِيّةُ (2) أيّان ما شاءَ أهلُها

رأَوا فُوقَها في الخُصِّ لمَ يتَغيّب

الفُوق: الفَرْج.

إذا جَلستْ في الدار حَكّتْ عجانَها

بعُرْقوبها من ناخِسٍ متقوِّبِ

الناخِس: الجرب (3). والمتقوِّب: المتقشِّر.

إذا مُهرتْ صُلْبا قليلا عُراقُه

تقول: ألا أرضَيْتَنى (4) فتَقرَّبِ

مُصَنْتَعُ (5) أعلى الحاجِبيَنِ مسبَّلٌ

له وَبَرٌ كأنّه صُوفُ ثَعلَبِ

قال الشيخ أبو عمران: لا أدرى هل قرأتُ هذا البيتَ على أبي بكر بن دُرَيْد أم لا، يعنِي "مصنتع أعلى الحاحبين".

(1) ماء اللحم: الدم. وقيل: أراد بماء اللحم المرق تحسوه دون عيالها. وإن لم تجد من يحلب لها حلبت هي، وحلب النساء عار عند العرب. (اللسان مادة موه).

(2)

نفاثية: نسبة إلى نفاثة بن عديّ بن الديل من كنانة.

(3)

في اللسان: الناخس جرب يكون عند ذنب البعير. قال: واستعار ساعدة ذلك للمرأة؛ وأنشد هذا البيت.

(4)

أنشد في اللسان بيت ساعدة هذا. وروى فيه "اديتنى" مكان "أرضيتنى".

والصواب رواية الأصل، إذا لم نجد في كتب اللغة أن أدى يتعدى إلى مفعولين، فلا يقال: أدى المرأة مهرها مثلا. بل يقال: أدّى إليها. والعراق هنا القطع من اللحم. قال في اللسان (مادة عرق): والعرق بالفتح: الفدرة من اللحم، وجمعه عراق (بضم العين)؛ وهو من الجمع العزيز، ولم يفسر في اللسان مراد الشاعر بقوله: صلبا قليلا عراقه. ولعل المراد به متاع الرجل.

(5)

لم نجد في كتب اللغة (مادة صنتع) أنه يقال "مصنتع" والذي وجدناه الصنتع بضم الصاد والتاء وسكون ما بينهما، وهو الناتئ الحاجبين الصلب الرأس؛ ويقال ذلك الحمار. وظاهر أنه لا ارتباط بين هذا البيت وبين ما قبله، فلعل قبله بيتا أو أكثر قد سقط من الناسخ.

ص: 221

وقال يَرثى ابنَ عمٍّ له لقبه عبدُ شمس، واسمه جُنْدَب، قتلتْه قَسْرٌ، وهي قبيلة:(1)

ألا يا فتًى ما عبدُ شمسٍ بمِثْله

يُبَلُّ على العادى (2) وتُؤبَى المخَاسِفُ

قال: ويُروى "أُبِلَّ على العادى (2) " قال أبو سعيد: قوله: "ألا يا فتى" كأنه يندُبه. عبد شمس: اسم الرجل، و"ما" (3) زائدة. ثم قال:"بمِثله". أبلَّ على كذا وكذا أي غلب عليه. يقول: غُلِب على العادى به. ويقال: أَبَلَّ عليّ فلانٌ أي غلبنى عليه (4). والمخاسف: الضَّيم (5)؛ وأنشدَنا:

وزيدٌ إذا ما سِيمَ خَسْفا رأيتَه

كسِيدِ الغَضَى أَربَى لكَ المتظالعِ

أَربَى: أَشرَفَ. قال وأنشَدَنا أبو سعيد أيضًا:

لهَانَ عليّ أن تثنى (6) مُناخةً

على الخَسْف (7) ما نُجْتيّةُ ابنِ رَباحِ

(1) هي قبيلة من بجيلة، وأبوها قسر بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخو الأزد بن الغوث، ومنهم خالد بن عبد الله القسرى ورهطه.

(2)

كذا في لسان العرب (مادتى بلل وخسف) وكذلك في النسخة الأوربية. والذي في الأصل: "العدى" بضم العين وتشديد الدال. ولم نجده فيما راجعناه من كتب اللغة. ولعله محرّف عن العدا بضم العين وتخفيف الدال أو العدى بكسر العين وتخفيف الدال، أي الأعداء.

(3)

قال في اللسان (مادة بلل) في شرح قوله: "ما عبد شمس" ما نصه: "وقوله: ما عبد شمس تعظيم، كقولك: سبحان الله ما هو ومن هو، لا تريد الاستفهام عن ذاته تعالى، وإنما هو تعظيم وتفخيم".

(4)

كذا وردت هذه الكلمة في الأصل؛ والظاهر أنها زيادة من الناسخ.

(5)

كان الأولى أن يقول: والمخاسف: جمع خسف ، وهو الضيم.

(6)

كذا في الأصل. ولعله "تبييت".

(7)

"ما" هنا زائدة.

ص: 222

ويقال للبعير: بات على الخسف، إذا كان قد بات على غير أكل. قال: ثم صار كلّ نقصان خَسْفا. والخسف: قلّة الطعام. والخسف: الضَّيم. وقوله: "وزيدٌ إذا ما سِيمَ خَسْفا" أي ضَيمْا. "أن تثنى (1) مُناخةً على الخَسف" أي على غير طعام.

هو الطِّرْف لم تُحشَش مَطِيٌّ بمِثلِه

ولا أَنَسٌ مستوبِدُ الدار خائفُ

قال أبو سعيد: ويُروى "لَم تُوحِش مَطِيٌّ بِمثلِه". والطِّرْف في لغة هذيل هو الكريم. وقولُه "لم تُحشش"(2): لم تُسَقْ بمثله؛ ومِثلُه حَشَّ النار "أي أوقدها (3) ". والوَبَدُ: القَشَف والجُفوف والبؤس. قوله: "لم تُحشش"، لم تُسَق، وأنشد للراجز:"قد لفّها الليلُ (4) بسوّاقٍ جَلِدْ". وأنشد:

قد حَشَّها الليلُ بسَوّاق حُطَمْ (5)

خَدَلجَّ (6) الساقيَن خفّاقِ القَدَمْ

ومن قال: "تُوِحش" يقول: لا تكون -إذا كان فيها- خاليةَ البطون ولا ضعيفة. ويقال: "بات الليلَ وَحِشا" و "بات الوَحْشَ" إذا بات على غير طعام.

(1) تراجع الحاشية 6 في الصفحة السابقة.

(2)

ذكر في اللسان (مادة حش) في تفسير هذا البيت ما نصه: "لم تحشش" أي لم ترم مطى بمثله، ولا أعين بمثله قوم عند الاحتياج إلى المعونة. ويقال: حششت فلانا أحشه إذا أصلحت من حاله.

(3)

يلاحظ أن هذه الكلمة قد وردت في الأصل في غير موضعها، فقد وردت بعد قوله: بسواق جلد، والسياق يقتضى إثباتها هنا.

(4)

إيراد هذا الشطر بعد الكلام السابق غير واضح المناسبة، إذ لا يظهر فيه ما يريده من الاستشهاد.

(5)

ورد في اللسان (مادة حطم) أن هذا البيت للحطم القيسيّ، ويروى لأبي زغبة الخزرجي يوم أحد كما يروى أيضًا لرشيد بن رميض العنزى. والسواق الحطم: العنيف، كأنه يحطمها أي يكسرها إذا ساقها.

وهذا مثل؛ ولم يرد إبلا يسوقها، وإنما يريد أنه داهية متصرف. وفي اللسان "قد لفها الليل" مكان "حشها".

(6)

خدلج الساقين: ممتلئهما.

ص: 223

ومن ذلك يقال: تَوحَّشْ للدّواء، أي يخفِّفُ طعامه. وقوله: لم تُوحِش يقول: "لم يكن (1) في المطيِّ فيوحِشَ أهلهَ، أي لا يكون أهلُ المطِي وَحْشا؛ يريد أنه يصيب له مصلحة"، ومن ذا: بات فلانٌ وحْشا وبات الوحش وبات مُوحِشا إذا بات ليس في بطنِه طعام. ومن روى لَم تُحشَش، أراد أنه لم يقوها وكعبها" (2). ومنه قولهم: فلانٌ نِعْمَ محشُّ الكتِيبة. ونِعم مِحَشُّ الحرب. وقوله: ولا أنَس مستوبِدُ الدار يقال: وَبِدَ، الوبَد القَشَف والجوع. ويقال: الوَبَد ظاهر، أي الجفوف واليُبْس.

وَمشَرَبِ ثغرٍ للرجال كأنهمْ

بِعَيْقاتِه هَدْءًا سِباعٌ خَواشفُ

أي ثغرٌ من الثغور؛ والعَيْقة: الساحة. وهدءا أي بعد نومة. والخَشْف: المَرّ السريع. فيقول: رُبّ ثغر مخوفٍ قد وردتَه على مخافة أهله؛ يقول: هم مِثلُ السِّباع لهؤلاء الغُزاة الذين يخرجون يتلصّصون.

به القوم مسلوبٌ تَلِيلٌ وآئبٌ

شَماتًا ومكتوفٌ أَوانا وكاتفُ

يقول: بهذا الثغر قومٌ منهم من قد سُلِب، ومنهم من قد رجع خائبا بغير غنيمة. ويقال: رجع شَماتا، إذا رجع خائبا بغير غنيمة.

وقال آخر هذلي (3):

* فآبتْ عليها ذُلهُّا وشَماتها *

(1) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين في كلتا النسختين؛ وفيه اضطراب ظاهر لا يتضح معه المعنى.

(2)

كذا ورد هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين في كلتا النسختين، وهو تحريف لا يتضح معه المعنى.

(3)

الشطر للمعطل الهذلي؛ ورواية البيت:

فأبنا لنا مجد العلاء وذكره

وآبوا عليهم فلها وشماتها

ص: 224

أي خيبتُها من الغنيمة. والتَّليل: الصَّريع. وقوله: شَماتا، يقول: أصابوا الشَّمات لأنهم (1) رجعوا بغير غنيمة. وقوله: أوانا، أي حينا، وأنشد:

طَلبوا صُلحَنا ولاتَ (2) أوانٍ

فأجَبْنا أن ليس حِينَ بقاءِ

أي ليس حِينَ ذلك.

أَجَزْتَ بَمخْشوبٍ صَقيلٍ وضالةٍ

مَباعَج ثُجْرٍ كلَّها أنتَ شائفُ

المخشوب: الصَّقيل. كلها أنت شائف، أي جالٍ. والشَّوْف: الجلاء. وقوله: وضالةٍ، أي نَبْل من ضالة. وقوله: مباعج، أي عِراض النِّصال. والثُّجْر: العِراض الأوساط (3) ، يريد كلها أنت جالٍ ومبيِّض، وأنشد للأعشى

* ودُرّةٍ شِيفتْ إلى (4) تاجِرِ *

كَساها رَطيبُ الرِّيش فاعتدلتْ لها

قِداحٌ كأعناق الظِّباء زَفازِفُ

قال: الرَّطيب الناعم. وأنشد لأبي خِراش:

رأت قَنَصا على فَوْتٍ فضَمَّت

إلى حَيْزُومها رِيْشًا رَطيبا

وقوله: كأعناق الظِّباء، أي حسان بيض. وقوله: زفازف، أي لها زفزفة إذا أُديرتْ بالكفّ. يقول: تُزفزِف، إذا نُقِرتْ على الظُّفر زفزفت وسمعت لها

(1) في الأصول: "كأنهم" بالكاف؛ وهو تحريف.

(2)

الأصل في "لات" أن تعمل عمل ليس على قول، أو عمل إنّ على قول آخر، وإنما جاء ما بعدها مجرورا في هذا الشطر بتقدير حرف جر محذوف، والأصل "ولات من أوان" اهـ. ملخصا من المغني.

(3)

عبارة اللسان "مادة ثجر" الثجر سهام غلاظ الأصول عراض.

(4)

في ديوان الأعشين: (لدى) مكان (إلى) وصدر البيت:

* أو بيضة في الدِّعص مكنونة *

ص: 225

صوتا؛ وربما قيل: يَخُور (1) السهمُ حين يديره الرجل على ظُفره. وقوله: اعتدلتْ أي قامت فليس فيها عِوَج.

فإن يك عَتّابٌ أَصابَ بسهمِه

حَشاه فعَنّاه الجَوَى والمحَارِفُ

الحشَى: الكَشْح، وهو مَعقِد الإزار بين الحَجَبة والأضلاع. عنّاه: أطال حبسه. والجَوَى: فساد الجوف؛ ويقال: أجواه جرحه، أي أفسد جوفه. والمحارف: التي تقاس بها الشِّجاج، وهي الملاميل (2) ، والواحدة مِحْرَفة.

فإِنّ ابن عَبْسٍ قد علمتْم مَكانَه

أذاعَ به ضَرْبٌ وطَعْنٌ جَوائفُ

أذاع به أي طيره وطوَّح به وفرقه. ويقال: أذاع سره، أي أفشاه وطوح به. وقال أبو الأسود:

أَذاعَ به في النّاس حتّى كأنّما

بَعلْياءَ نارٌ أُوقدَتْ بثَقُوبِ

والجائفة: التي تصيب الجوف.

تَدارَكَه أُولَى عَدِيٍّ كأنّهمْ

على الفَوْت عِقْبانُ الشُّرَيْف (3) الخَواطفُ

العدى: العادية الذين يحملون الحملة الأولى، يقال: رأيت عدى القوم أي حاملتهم. يقول: كأنهم قد فِيتُوا فطلبوا على فوت.

(1) في (أ)"سحور" وفي ب "منحور"؛ وهو تحريف في كلتا النسختين صوابه ما أثبتنا؛ يقال: خار السهم إذا صوّت. قال في اللسان: الخوار من أصوات البقر والغنم والظباء والسهام.

(2)

الملاميل: جمع ملمول (بالضم) وهو المسبار الذي تسبر به الجراح.

(3)

الشريف: ماء لبني نمير تنسب إليه العقبان. وقيل: إنه سرة بنجد.

ص: 226

فإِنْ تك قَسْرٌ أَعقبتْ مِن جُنَيْدبٍ

فقد علموا في الغَزْوِ كيف نُحارِفُ (1)

قَسْر، يريد قسر بجيلة، أعقبت عقبا (2) منه. يقول: إن كانوا أعقبوا فقد علموا كيف نصنع بهم إذا غزوناهم، أي كيف محاربتنا إياهم، كانوا غزوهم فقتلوهم.

ألم نَشْرِهْم شَفْعا ويُترَك منهمُ

بجَنْب العَروض رمّةٌ ومَزاحفُ

نشرهم، أي نَبْتَعْهم. شفعا: اثنين اثنين. والعروض: جبلٌ من نواحي الحجاز.

ورمة: بالية (3) قد (4) انقضت. ومَزاحِف: مُلتقًى، حيث زحف القوم بعضهم إلى بعض.

وقال أيضا

أهاجَكَ مَغنَى دِمنةٍ ورُسومُ

لِقَيْلةَ منها حادِثٌ وقَديمُ

مَغْنى الدار: حيث غَنِيَ فيها أهلها. حادث: حديث. وقديم: مُزْمِن. يقول: منها ما قُدم (5) وحَدُثَ الآن، ومنها قديم قد عفا. وكأنه قد نزلها مرارا.

عَفا غيَر إِرْثٍ من رَمادٍ كأنّه

حمامٌ بأَلباد القِطارِ جُثومُ

الإرث: الأصل. (6) ويقال: فلانٌ في إرث حسب. وقوله: كأنه حَمامٌ، يعنى الرماد. الألْباد: ما لَبَّده المطر، وهو القِطار، أي كأنه حمام جثوم قد لبده القطر يعنى الرماد.

(1) ذكر في اللسان (مادة حرف) المحارقة بمعنى المفاخرة، واستشهد بهذا البيت. وفي هذه المادة أيضا أن المحارقة بمعنى مجازاة الصنيع بمثله؛ ومنه قولهم: لا تحارف أخاك بالسوء أي لا تجازه بسوء صنيعه؛ الخ وهذا المعنى محتمل هنا.

(2)

لعله يريد أنها قتلته وتركت له عقبا يقوم مقامه.

(3)

بالية، أي عظام بالية، كما في اللسان.

(4)

في النسخة الأوروبية "قد انقبضت" أي انكسرت.

(5)

الظاهر أن قوله: "قدم" في هذه العبارة زيادة من الناسخ. وحدث هنا (بضم الدال) يقال حدث الشيء (بفتح الدال) فإذا قرن (بقدم) ضمت الدال فيه مراعاة للازدواج.

(6)

فسر في التاج الإرث بأنه الرماد نفسه، وأنشد بيت ساعدة هذا.

ص: 227

فإن تك قد شَطّتْ وفاتَ مَزارُها

فإِنِّي بها -إِلاّ العَزاءَ- سقيمُ

شَطّتْ: بَعُدتْ. وفاتَ مزارُها: سبق أن يدرك. فإني بها - إلا أن أتعزّى - سقيم. يقول: إلّا أنى أتعزى.

وما وَجدتْ بها أمُّ واحدٍ

على النَّأْى شَمْطاءُ القَذالِ عَقيمُ

يقول: عُقِمتْ رَحِمُها بعد الولادة. قال: وقوله "على النأى"، أي على أن قد نأيت عنها وبعدت.

رأته على فَوْت الشَّباب وأنّها

تُراجع بَعْلًا مرّةً وتَئيمُ

يقول: رأتْه على الشَّمَط وعلى أنّها تَطلُقُ مرّة وتزوَّجُ أخرى. يقول: رأته على حالَين: على أنها قد شَمِطتْ وذهبَ شبابُها، وعلى أنّها لا تريدها الأزواج، فهى تُطلَّق، فهذا أشد لفقدها.

فشَبَّ لها مِثلُ السِّنان مبرَّأُ

أشمُّ طُوالُ الساعدَين جَسيمُ

يقول: رُزِقتْ هذا الولد، أي نبتَ لها ابنٌ مثلُ السِّنان مبرَّأٌ من الأمراض.

يقول: نبت لها ابنٌ هكذا.

وألذَمَها (1) من مَعشرٍ يُبْغِضونها

نوافلُ تأتيها به وغُنومُ

قوله: ألذَمَها، أي أَلزمها وكسَبَها. من قومٍ يبغِضونها. وغُنوم: أُشْركَت الغُنومُ في الإتيان. تأتيها به أي بكسْبِه. وقوله: نوافل، يقول: كأنهّ نوافلُ وغنُوم أي يكون إتيانُها به شِبهْه، أشرَكَ الغنوم في الإتيان.

(1) رواية (ب) واللسان (مادة غنم) وألزمها بالزاي. وقال في اللسان "مادة غنم" في تفسير قوله: "وغنوم" يجوز أن يكون قد كسّر غنما على غنوم.

ص: 228

فأَصبَحَ يوما في ثلاثةِ فِتيةٍ

من الشُّعْث كلُّ خُلّةٌ ونديمُ

أي كلُّهم خليلٌ ونديم. والشُّعث: الغزاة (1).

وقَدَّم في عَيْطاءَ في شُرُفاتِها

نعائمُ منها قائمٌ وهَزيمُ

قَدَّم أي تقدّم ومضى؛ ويقال: قدَّم في الأمر وتقدم في معنى واحد. والعَيْطاء: الطويلة. (2) والنعائم: واحدتها نَعامة، تُبْنى ويُطَرح عليها شيءٌ من ثُمام يَستظِلّ بها الرَّبيئة. وهَزيم: محطوم متكسر. ويقال: ضَربَه فهزم عَظمَه، أي كسَرَه ولم يُبِنْه.

بذات شُدوفٍ مستقِلٍّ نَعامُها

بأدبارها جُنحَ الظّلام رَضيمُ

ويُروى: بأريادها، وهي الشَّماريخ التي في رءوس الجبال. والشُّدوف: الشُّخوص؛ (3) وهي قلة الجبل. يقول: كان مربؤه إيّاها (4) جنحَ [الظلام]. رضيم، أي حجارةٌ، يُرضَم بعضها على بعض، يُبنَى نعامُها، وتجعل (5) في أصول النعائم لئلا تقع.

وقوله: مستقلّ نعامها، أي مرتفع نعامها. بأدبارها، يقول: بأدبارها هذه الشُّخوص رضيم؛ أي حجارةٌ صغار تُستَر بها.

فلَم يَنْتَبِه حتى أَحاطَ بظَهره

حسابٌ وسِرْبٌ كالجَراد يَسومُ

(1) تفسير الشعث بالغزاة تفسير باللازم، وإلا فالأشعث هو المتلبد الرأس المغبّره، المتفرق الشعر.

(2)

الطويلة، أي الهضبة الطويلة.

(3)

وهي أي ذات الشدوف، لا الشدوف نفسها.

(4)

لعله "بها" مكان قوله: "إياها".

(5)

وتجعل، أي الحجارة السابق ذكرها.

ص: 229

سِرْب: قطيع رجال. ويقال: مرّ القوم أسرابا. ويَسُوم: يَسْرَح. يقول: كأنه جرادٌ يسرح. ويقال: خرج يَسُوم سوما إذا مرّ مرّا سهلا. ويقال: خَلِّه وسومه، أي وسننه؛ ولم يقل (1) في حساب شيئا. وقال أبو إسحاق: بل (2) قد فسّر حسابا فقال: عدد كثير.

فوَرَّك لَيْنا لا يُثَمثَم، نَصْلُه

إِذا صابَ أوساطَ العظامِ صَميمُ (3)

فورَّك لينا، أي حمل عليهم سيفا لينا. ويقال: وَرَّك (4) فلانٌ ذنبه (5) على فلان أي حمله عليه. والثَّمثمة (6): التَّعتعة، وهي الرد، أي لا ترد ضربته. وصميم: خالص. وصاب: إذا انحدر عليها كما يصوب المطر. لا يثمثم أي لا يردّ، يمضى. إذا صاب: إذا قصد وانحدر. ويروى لا يثمثم نصله أي لا يرجع ضربته.

تَرى أَثْرَه في صَفْحَتَيه كأنه

مدراجُ شِبْثانٍ لهنّ هَميمُ

أثره: فِرِنْدُه، وهو وَشْيُه الذي يكون على متنه. والشَّبث: دابّة تشبه العقربان (7)

(1) ولم يقل، أي أبو سعيد الذي يروى عنه الشارح كثيرا من هذا الشرح.

(2)

في الأصل: "بلى".

(3)

ورد بعد هذا البيت في الأصل هذه العبارة: "تم الجزء الثالث بعون الله تعالى". وفي الهامش: "الجزء الرابع من أشعار الهذليين وهو من رواية أبي سعيد، عن الأصمعي".

(4)

فسر في اللسان هذه العبارة مادة (ورك) فذكر أن المعنى أماله للضرب حتى ضرب به.

(5)

في الأصل "دينه" وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة ورك).

(6)

فسر في اللسان (مادة ثمثم) الصميم بأنه المصمم في العظم.

(7)

قال في اللسان (مادة شبث) في التعريف بهذه الدابة: إنها دويبة ذات قوائم ست طوال، صفراء الظهر وظهور القوائم، سوداء الرأس، زرقاء العين. وقيل هي دويبة كثيرة الأرجل، عظيمة الرأس، من أحناش الأرض؛ وذكر أقوالا غير ذلك، ثم أنشد بيت ساعدة هذا.

ص: 230

تكون في المواضع النَّدِيَة، واحدها شَبَث (1). والهَميم: الدبيب. ويقال للمرأة تَفْلى الرأسَ: تُهمِّم في الرأس. ويقال: هَمَّمَ (2) في رأسه إذا طلب.

وصَفراءَ مِن نَبْع كأنّ عِدادَها

مُزَعْزِعةٌ تُلْقى الثّيابَ حَطومُ

عدادُها: صوتها. وقوله: مزعزعة أي كأن حفيفها حَفِيفُ ريح حَطوم تُحطِّم ما مرت به، أي ريحٌ شديدة. والعِداد: الحفيف.

كحاشية المحذوف زَيَّن لِيطَها

مِن النَّبع أَزْرٌ حاشِكٌ وكُتومُ

المحذوف: إزارٌ قصير. ولِيطُها: لونها. أَزْر، يقال: قَوسٌ ذاتُ أَزر، إذا كانت صلبةً ذات شِدة. وحاشك (3): حافل؛ يقال: حَشَكَت بالدِّرّةِ إذا حَفَلَتْ. ويقال للقوس: كَتوم إذا لم يكن فيها صَدْع ولا شقّ.

وأَحصَنَه ثُجْرُ الظُّباتِ كأنّها

إذا لم يغيِّبها الجَفيرُ جَحيمُ

قوله: أحصنَه، كأنه (4) صار له مَعْقِلا يَمتنع فيه. يقول: منعته هذه الثُّجْر، صيّرْته في حِصْن. وثُجْر: عِراض النُّصول. وجَحيم، كأنّها نارٌ توَقَّدُ إذا لم توارَ

(1) لا مقتضى لهذه العبارة بعد قوله "والشبث دابة" الخ.

(2)

الذي في كتب اللغة همّ لنفسه، إذا طلب واحتال؛ ولم يذكروا الرأس في هذا المعنى. كما أننا لم نجد همم بميمين بمعنى طلب. والذي وجدناه همّ وتهمم. فلعلّ ما هنا تهمم بفتح التاء، يقال: تهمم الشيء إذا طلبه.

(3)

ذكر في اللسان الحشك في القوس بغير هذا المعنى، قال: وحشكت القوس صلبت. قال أبو حنيفة: إذا كانت القوس طروحا ودامت على ذلك فهي حاشك، وأنشد بيتا لساعدة غير هذا البيت. ثم قال بعده: وقوس حاشك وحاشكة إذا كانت مواتية للرامي فيما يريد. وقول الشارح: حشكت بالدّرة، أي حشكت الضرّة بالدرّة، بمعنى حفل الضرع باللبن.

(4)

كان الأولى أن يقول: كأنها صارت له، أي ثجر الظبات.

ص: 231

في الجَفِير. والجَفِير: الكِنانة. وثُجْرة الوادي: وسَطُه. وأنشد الأصمعي للعجّاج:

* ويتخللن الثُّجَرْ *

يعنى الأوساط.

فأَلهاهمُ باثنينِ منهم كلاهما

به قارب مِن النَّجيع دّميمُ

يقول: أَلهاهمْ عنه باثنين جَرَحَهما. والقارب: الدم (1) اليابس. والدَّميم: المطليُّ، كأنه شغَلهم عنه باثنين جَرحَهما فألهاهمْ بهما عنه.

وجاء خليلَاه إليها كلاهما

يُفيض دموعا غَرْبُهنّ سَجومُ

يقول: جاء صاحباه إلى أُمّه، وهما اللذان كانا معه حين صُرِع، وكِلاهما يَبكى يُرِى أنه قد قُتِل. وسَجوم: سائلة (2). وقوله: غَرْبُهنّ، هذا مثل. والغَرْب: الدلو. يقول: مُسْتَقاهُنَّ ساجِم.

فقالوا عَهِدْنا القومَ قد حَصَروا (3) به

فلا رَيْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحِيمُ

حَصِروا به، أي ضاقوا به وضاق. ويقال: حَصِرَ صدرُه بحاجتى، أي ضاق.

فيقول: كأنهم ضاقوا به ذَرْاعا. واللَّحيم: المَقْتول. والمستَلْحَم: الذي قد وقع في موضع لا يستطيع أن يخرج منه، وهو المُدْرَك، وهو مِثلُ المستلحم. وألحمتُ هذا بهذا، إذا ألزقته به.

(1) لم نجد القارب بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة التي بين أيدينا، غير أن سياق البيت يقتضى هذا التفسير.

(2)

كان الأولى أن يقول: "سائل".

(3)

روى هذا البيت في اللسان (مادة حصر)"حصروا به" بفتح الصاد، وفسره فقال: حصروا به أي أحاطوا به. وضبط بكسر الصاد وفتحها في الأصل، وروى في اللسان أيضًا (مادة لحم)"قد عصبوا به".

ص: 232

فقامت بسِبْتٍ يَلَعج الجِلْدَ وَقْعُه

يُقِّبض أحشاءَ الفؤاد أَليمُ

يقول: قامت بنَعلٍ مِن جلودِ البقر تَضِرب بِه صدرَها ونَحْرَها. واللَّعْج: الحُرْقة. ويقال: وَجدتُ لاعَج الحُزْن والوَجَعِ لحُرْقته وَحرِّه. وألِيم: وَجِيع.

يقول: إذا وقع السِّبْت بها أَلِمَ فؤادُها وانَقَبض. وأحشاء الفؤاد: الحشَى التى مع الفؤاد. قال: وكان ابنُ أبي طَرَفةَ يقول: شَحِيم (1).

إذا أَنْزَفَتْ مِن عَبْرةٍ يَمّمَتْهُمُ

تسائلهم عن حِبِّها وتَلومُ

إذا أَنزفَت، أي إذا أَفنَتْ. تقول: أَنْزَفَ فلان عَبْرَتَه. والعَبْرة: البكاء (2).

يَمَّمَتْهم: عَمَدَتْهم وقَصَدَتْهم. تسائِلهم كيف كان أمرُه؟ وتلومهمْ لِم فررتمْ عنه؟ حِبِّها، يعنِي حبيبَها، يعنِى ولدها.

فبَيْنا تنوحُ استَبْشَرُوها بحِبِّها

علي حِينِ أن كلَّ المرَامِ تَرومُ

استَبْشَروها، قالوا: البُشرى (3)، هذا ابنُكِ على حين أن تَجهَدَ كلَّ جَهدٍ مِن بُكاءٍ وطَلَبٍ وغيرِهما. وقوله: كلَّ المَرام تَرُوم، أى تريده. قال: ويقال: ذلك أمرٌ لا يُرام، أي لا يُطلَب ولا يُطمَع فيه فلا تطلبْه.

(1) شحيم هنا صفة لسبت، إن جرّ فيكون في البيت إقواء وإن كان مرفوعا فهو نعت مقطوع.

والشحيم: ذو الشحم، وكأنهم كانوا يجعلون على السبت شحما لئلا ييبس.

(2)

المراد بالعبرة في هذا البيت الدمعة. على أنه قد ورد في كتب اللغة في معنى العبرة عدة أقوال والصحيح منها ما ذكرنا.

(3)

ذكر في اللسان (مادة بشر) في معنى هذه الكلمة وجهين: أحدهما أنه يقال استبشره، بمعنى بشّره، وأنشد بيت ساعدة هذا. والآخر نقلا عن ابن سيده أن استبشروها بمعنى أنهم طلبوا منها البشرى علي إخبارهم إياها بمجيء ابنها، كما هو الموافق لما في الشرح.

ص: 233

فلمّا استفاقتْ فَجَّتِ الناسَ دُونَه

وناشَتْ بأطراف الرِّداء تَعومُ

فَجَّت الناسَ، أي فَرَّقتْ بين الناس بيَدِها. وناشت: لَمَّعَتْ كأنَّها تناوَلَتْ الرِّداءَ تَلْوِى به. ويقال: ناشَتْ تَنُوش نَوْشا، إذا تناولتْ. تَعُوم، كأنّها تَسْبَحُ فِي مِشْيَتِها من الفَرَح. والعَوْم: السِّباحة.

وخَرّتْ تَلِيلًا لليَدَين وَنعْلُها

مِن الضَّرْبِ قَطْعاءُ القِبالِ خَذيمُ

التَّليل: الصَّريع. ونَعْلُها من الضَّرب [قَطْعاء] يقول: لَم تَزَلْ تَضْرب بنَعْلِها حتى انقطع قِبالهُا وتَخَذَّمَتْ. والخَذِيم، هي الّتي قد انشقّت منها قطعةٌ وانخرَقَتْ.

فما راعَهمْ إلَّا أخوهمْ كأنّه

بغادَةَ فَتْخاءُ الجَناحِ لَحومُ

غادة: بلد (1). يقول: جاء أخوهم يَعْدو ويَنقَضّ انقضاضَ العُقاب. لَحوم أي أَكولٌ للّحم. والفَتَخ: لِينٌ في الجَنَاح. يقال: "أهلُ بَيْتٍ لحَوُمون، أي هم أهل بيتٍ كثيرٌ أَكلُهُمْ للّحم".

يخفِّض رَيعانَ السُّعاةِ كأنّه

إذا ما تَنَحَّي للنَّجاءِ ظَلِيمُ

يخفِّض، يقول: يَطْرحهم خَلْفَه. ورَيْعانُهم: أوائِلهُم. وقوله: إذا ما تَنَحَّي، أي إذا ما انحَرَف للعَدوِ، ظَلِيم. قال أبو سعيد: هم يقاتلون علي أرجلِهم؛ تَنَحَّى: انتَحَى. يقول: اعتَمَدَ. ورَيعان السُّعاة: أوائِلُ السُّعاة.

(1) لم يعين ياقوت هذا البلد، ولم يزد علي أن غادة اسم موضع في شعر الهذليين.

ص: 234

نَجاءَ كُدُرٍّ مِن حَمِيرِ أَبيدةٍ

بفائلهِ والصَّفحتَين كُدومُ

الكُدُرّ: الغليظ، يقال: حمارٌ كُدُرٌّ وكُنْدُرٌ وكُنادِر. وأَبِيدة: مَنزل الأَسد (1) بالسَّراةِ، وهو بلد. والفائل: هو عِرْقٌ يَخرج من فَوّارة الوَرِك حتّى يَجرِيَ في الفَخذ إلى الساق، وأنشَدَنا للأعشى:

قد نَخضِب العَيرَ مِن مكْنونِ (2) فائِله

وقد يَشِيط علي أرماحِنا البَطَلُ

والصَّفحتان: صَفحَتا العُنُق، يريد يُكدَمُ ويُعَضّ.

يُرِنُّ على قُبِّ البُطون كأنّها

رِبابةُ أيسارٍ بهنّ وُشومُ

يُرِنّ: يصوِّت. قُبُّ البُطون: خِماصُ البُطون. والرِّبابة: السِّهام. يقول: كأنهنّ جماعةُ قِداحٍ قد ضَمّهنّ اليَسَر. واليَسَر: أحد الضُّرّاب الذين يقامِرون بالقِداح. وقوله: بهنّ وُشُوم. قال: القِداح تُعلَّم وتُضْرَس حتّى تُعلَمَ مِن غيرها. ووُشُوم: خُطوط، وأنشَدَنا أبو سعيد:

وأصفَر مِن قِداحِ النَّبعِ فَرْعٍ

به عَلمَانِ مِن عَقَبٍ (3) وضَرْسِ

أي عَضَّه بِضْرسِه.

(1) الأسد: الأزد، بالسين أفصح، وبالزاي أكثر.

(2)

مكنون الفائل: دمه. قال الجوهري: أراد أننا حذاق بالطعن في الفائل، وذلك أن الفارس إذا حذق الطعن قصد الخربة، لأنه ليس دون الجوف عظم.

(3)

قال ابن برى: صواب إنشاده "صلب" مكان قوله "فرع" لأن سهام الميسر توصف بالصفرة والصلابة. ورواه بعضهم "وأسمر" مكان "وأصفر". والبيت لدريد بن الصمة. والعقب محركة: العصب الذي تعمل منه الأوتار، وهو الأبيض من أطناب المفاصل. ويقال عقب السهم والقدح والقوس عقبا إذا لوى شيئا من العقب عليه. اللسان (مادّتي عقب وضرس).

ص: 235

وقال أيضا [يرثي ابنَ أبي سُفيان](1):

ألا باتَ مَن حَوْلي نِيامًا ورُقّدا

وعاوَدَني حُزنِى الذي يتجدّدُ

وعاوَدَنى دِينِي فبِتُّ كأنّما

خِلالَ ضُلوعِ الصّدرِ شِرعٌ مُمدَّدُ

قال أبو سعيد: قوَله: دِيني، أي حالي الّتي كانت تعتادني. ويقال: ما زال ذلك دِيني ودَيْدَني ودأبي، أي حالي وأمري. وقولُه. شِرْع ممدَّد أي كأنّ في صدرِي دَوِيَّ عُودٍ ممّا أحدّث به نفسِي من همومي لأوتارِه رَنّة. والشِّرع: الوَتَر (2). يقول: لقلبي حنينُ مِعْزَفة، وإنّما يصِف ما في صَدْرِه من الحُزن.

بأِوْبِ يَدَيْ صَنّاجةٍ عند مُدْمنٍ

غَوِيٍّ إذا ما يَنتَشِي يَتغرّدُ

أَوْب يَدَيْها: رَجع يديها بضَرْبِ الصَّنج (3). يَتغرّد: يَطرَب أي يتغنّى. يقول: تُحَرِّكُ يديها.

ولو أنّه إذ كان ما حُمَّ واقعا

بجانبِ من يَحفَي ومن يَتودَّدُ

قوله: ما حُمَّ أي ما قُدِّر. يقول: لو أصابني هذا الّذي أصابني بجَنْب مَن يَحْفَى بي ويَودُّني، كان أَهَّل لِما بي، ولكنّني إلي جَنْبِ من لا يَوَدُّني، وأُلقِيتُ عند من لا يُبالِي بي.

(1) التكملة عن النسخة الأوروبية.

(2)

ذكر في اللسان (مادة شرع) أن الشرع جمع شرعة، وهي الوتر الرقيق، وشراع جمع الجمع، وأنشد بيت ساعدة هذا. وقال في قوله "ممدّد": ذكر لأن الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء لك تذكيره وتأنيثه، ثم شرح البيت بمثل ما ذكره الشارح هنا وإذن فقد كان الأولى أن يقول الشارح: والشرع الأوتار، كما هو لفظ القاموس.

(3)

المراد هنا الصنج ذو الأوتار؛ وهو دخيل معرّب، تختص به العجم. أما الصنج الذي يكون في الدفوف فهو عربي، وليس مرادا هنا. وهذا الصنج الأخير يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر.

ص: 236

ولكنّما أَهلي بِوادٍ أَنيِسُه

سِباعٌ تَبَغَّى الناسَ مَثنَى ومَوحَدُ

يقول: أهلِي بوادٍ ليس به أنيس، هم مع السِّباعِ والوَحش في بَلَدٍ قَفر. مَثنى: اثنان اثنان (1). ومَوْحَد: واحد واحد.

لهنّ بما بين الأَصاغِي وَمنْصَحٍ

تَعاوٍ كما عجَّ الحَجيجُ الملبِّدُ

قال: الأصاغِي ومَنْصَح: بلَدان (2). والملبِّد: الّذي يلبِّد رأسَه بالصَّمْغ لئلّا يتطاير شَعرُه ولا يَشْعَث. قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وسلم: "من سَبّد (3) أو لَبَّد أو خَلَّقَ أو ضَفَّر فليس منّا".

ألا هل أتَي أُمَّ الصَّبِيَّيْن أنّني

علي نأيها حِملٌ علي الحَيِّ مُقْعَدُ

أي أنا مُقعَد أُحْمَل حملا، يقول: هل أتاها على بُعدِها أني قد صرتُ حِمْلا على الحيّ لا يَنْتَفع بي أهلي، أي أنا ثقيلٌ عليهم كأنّي حِملٌ (4) عليهم.

ومُضْطجَعى نابٍ مِن الحيِّ نازِحٌ

وبَيْتٌ بِناهُ الشَّوْكُ يَضحَي ويَصْرَدُ

مُضطَجَعى ناب، يقول: حيث أُلقيتُ في مكانٍ بعبدٍ من الحيّ ليس عندي من يقوم عليّ. يقول: صار بيتي عِضاها (5) يَقْطَعُ شَوكُه كُلَّ من يمرّ به. يَضحَى: تُصيبه الشمس. ويَصْرَد: يُصيبه البَرْد. وقوله: بِناه الشَّوك، هى جمعُ بِنْية، فلذلك قُصِر. ورُوى: بَناه الشَّوك: قلتُ: كيف ذا؟ قال: إذا كان عليه فكأنّه بَناه.

(1) في الأصل: "اثنين اثنين".

(2)

قال ياقوت في الكلام علي الأصاغي إنه موضع ورد في شعر ساعدة، وأنشد هذا البيت. وقال في منصح: إنه واد بتهامة وراء مكة.

(3)

سيد شعره، إذا استأصله حتى ألزقه بالجلد. وتسبيد الشعر أيضا إعفاؤه؛ فهو من الأضداد.

(4)

في الأصل: "جبال"؛ وهو تحريف.

(5)

العضاه: كل شجر له شوك.

ص: 237

تَذكّرتُ مَيْتًا بالغَرابة ثاويًا

فما كاد لَيْلِي بعدما طال يَنفَدُ

الغَرابة: بلدٌ أو موضعٌ بعَينه (1). ثاوٍ: مقيم. بعد ما طال يَنْفَد، أي يَنقُص ويَذهَب.

شِهابي الذي أَعشُو (2) الطَّريقَ بضَوئه

ودِرْعِي ولَيْلُ النّاس بَعْدَكَ أَسْوَدُ

يقول: ذَهَب شِهابي وكنتُ أقتدى به. واسوَدّ عليّ الليلُ بعده. يقول: لا أَرَى للقمر بهجةً، وكان الذي أُبصِر الهُدى والقَصْدَ به، فصار عليّ لَيلا مُظلِما لفَقْدِك، لأنّي لا أَرى أحدا بعدَك يضيء لي. وقولهُ: ودِرعي، أي وهو الّذي يُجِنُّني.

فلو نبّأتْكَ الأرضُ أو لو سَمِعتَه

لأيقنتَ أنِّي كِدتُ بعدكَ أَكمَدُ

نبَّأَتْكَ، أي خَبَّرتْك. لأَيقنتَ، أي لَعَلِمتَ أنِّي أصابني من الحُزن ما كِدتُ أَكمَدُ له.

فما خادِرٌ مِن أُسْدِ حَليَةَ جَنَّهُ

وأَشبُلَه ضافٍ مِن الغِيلِ أَحصَدُ

قال: خادِرٌ ومُخْدِر واحد، وهو الّذي اتّخذ الغَيْضةَ خِدْرا. وأَحْصَد: مكتنِز ودِرْعٌ حَصْداءُ منه. وخَيشٌ (3) أَحْصَد إذا كان غليظا كثيفا. وغَزلٌ محُصَد، ويقال: أَحصِدْ حَبْلَك أي اشدُدْ فَتْلَه. والغِيل: ما كَثُف من الشّجر وما اكتَنَز يكون من الطَّرفاء والبَرديِّ والقَصَب. فيقول: هذا أَحْصَدُ مُلْتَفّ.

(1) يلاحظ أن معنى التفسيرين واحد، فلا مقتضى لعطف أحدهما علي الآخر بـ "ـأو". ولم يعين ياقوت في معجمه هذا الموضع.

(2)

أعشو الطريق: أقصد إليه. قاله في اللسان (مادة عشا) وأنشد بيت ساعدة هذا.

(3)

في النسخة المخطوطة: "وحنش"، وفي النسخة الأوروبية "وحسن"؛ وفيهما تحريف؛ ولعل الصواب ما أثبتنا.

ص: 238

أَراكٌ وأَثْلٌ قد تَحنَّتْ فُروُعه

قصارٌ وأُسلوبٌ طِوالٌ محدَّدُ

تحنّت، أي تثنّت. فروعه، أي أغصانه. وأُسلوب: طريقةٌ واحدة [من]. شجرٍ طِوال. ويقال: أَخذ فلان أُسلوبا من الأمر، أي طريقة. ويقال: أَخذ في أُسلوب سُوء، أي في طريقةِ سُوء. فيقول: هو نَبْت، فمنه طِوال، ومنه شجر قِصار ليس بالطوال.

إذا احتَضَر الصِّرمُ الجميعُ فإنّه

إذا ما أَراحوا حَضْرةَ الدارِ يَنْهَدُ

يقول: إذا أراحوا مواشِيَهم نهَد إليهم. ويقال: نهَد إليهم، إذا نهَض إليهم وانتهى إليهم. وحَضْرةُ الدار: حيث تكون الدار، وهو ما دنا من الدار. ويقال: هو بحضرةِ المسجِد. "وأهل الحِجاز يقولون: هو (1) بحضرةِ الدار". وقوله: احتَضَر الصِّرْم، أي أهلُ الدّار أهلُ الِحواءِ قال: الصِّرم الجماعةُ مِن البيوت ليس بالكثِيرة والحِواء: الأبيات الكثِيرة، ثلاثون أو أربعون.

وقاموا قِياما بالفِجاجِ وأَوْصَدوا

وجاءَ إليهم مُقبِلا يَتورَّدُ

يَتورّد، أي يغشاهم في بيوتِهم. والوَصيد هو الفِناء (2). يقول: إذا ما حَضَروا الدارَ نَهَضَ إِليهم وكاَبرَهم.

يقصِّم أَعناقَ المخَاضِ كأنّما

بمَفْرَجِ لَحْيَيَه الزِّجاج الموتَّدُ

(1) وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في شرح البيت الآتي بعد؛ وهو خطأ من الناسخ؛ والصواب نقلها إلى هذا الموضع.

(2)

كان الأولى أن يفسر قول الناس في البيت وأوصدوا أي أغلقوا أبوابهم بدل تفسيره الوصيد بالفناء، إذ لا مقتضى له هنا. وليس هذا من قبيل الاستطراد كما هو ظاهر.

ص: 239

يقصِّم: يكسِّر. ومَفْرَج لَحْيَيه: مُنْفَتَح لَحييه، يريد فاه. والقَصْم: فَكٌّ وفَتْح، وهو يُروى كنحوِ قولِك: قَصَمْتُ الخَلخال. والقَصم: كَسْر. يقول: كأن زِجاج الرِّماح في أَنيابِه. وقوله: المُوتَّد؛ يقول: كأنها رِماحٌ قد وُتِّدَت (1).

بأصدقَ بأسا من خَليلِ ثَمينةٍ

وأَمضَى إذا ما أَفلَطَ القائمَ اليَدُ

قال: ويُروَى بأصدقَ كَيْسا. والكَيس البأس عِند هُذَيل. وقوله: ثَمينة، وهو بلد.

وقوله: أَفْلَطَه أي فاجأه مفاجأةً (2). والقائم: قائم السَّيف. وقوله: خليلِ ثمينةٍ، أراد صاحبَها فلم يقدِر أن يقوله، فقال: خلِيلَها، وهو الّذي يحبّها ويأتيها (3).

أرَي الدهرَ لا يَبقَى علي حَدَثانِه

أبُودٌ بأَطرافِ المَناعةِ جَلعَدُ

الأَبُود: الأَبِد، وهو المتوحِّش. ويقال: أَبِدَ يأبَدُ: إذا تَوحَّش، وإنما يصِف وعِلا. والجَلْعَد: الغليظ. والمَناعة: بلد (4).

تَحَوَّلَ لونًا بعد لونٍ كأنّه

بشَفّانِ ريحٍ مُقلِعِ الوَبلِ يَصرَدُ

تَحَوَّلَ لونا: يَقْشعِرّ فيُخرِج باطنَ شَعرَته فيجئ لونٌ غيرُ لَونه، ثم يسكن فيعود لونُه الأوّل. والشَّفّان: الريح (5) البارِدة. والصَّرْد أشدّ البَرد.

(1) وتدت، أي ثبتت، كما يثبت الوتد.

(2)

فسر في اللسان (مادة فلط) الإفلاط بالإفلات، قال: أفلطني الرجل إفلاطا مثل أفلتني إفلاتا وقيل لغة في أفلتني تميمة قبيحة؛ وقد استعمله ساعدة بن جؤية فقال: وأنشد هذا البيت ثم قال: أراد أفلت القائم اليد -أي برفع القائم ونصب اليد- فقلب؛ علي أنه قد ورد في هذه المادة أيضا أن أفلطه بمعني فجأه، وذكر أنها هذلية.

(3)

يريد هذا المرثيّ.

(4)

في ياقوت: اسم جبل، وهو أنسب.

(5)

فسر في اللسان الشفان بأنه القر والمطر.

ص: 240

تَحُولُ قُشَعْرِيراتُه دون لوْنهِ

فَرائصُه مِن خِيفة الموت تُرعَدُ

الفَرِيصة. المُضَيْعة الّتي تحت الكَتِف.

وشَفّتْ مقاطيعُ الرُّماةِ فؤادَه

إذا يَسمَع الصَّوتَ المغرِّدَ يَصْلِدُ

شَفّتْ: آذت. والشَّفيف: الأَذَى. والمَقاطِيع: السِّهام. والقِطْع: النَّصْل العرِيض. والتَّغْرِيد: رَفْع الصّوت والتطريب. وقوله: يَصْلِد أي يَضرِبُ بيَدِه الصخرة فَتسمع لها صوتا.

رأى شَخْصَ مسعودِ بن سَعْدٍ بكَفِّه

حديدٌ حديثٌ بالوَقيعةِ مُعْتَدُ

الجديد: الحادّ. والوَقِيعة: المطرقة. والمُعتَد: المهيَّأ. ويروَى أيضا "رأت شخصَ مسعود" قال: أنَّثه جعله شاةً، ثم ذَكَّر فقال: فَجَال، وذلك أنّ الشاة يَصْلُح أن يكون ذَكَرا.

فجالَ وخالَ أنه لَم يَقَعْ به

وقد خَلَّه سَهْمٌ صوِيبٌ معرَّدُ (1)

قد خَلَّه، أي قد أَنفَذَه صاحبُه كأنّه خِلال (2)، وهو يَرَى أنه لم يُصِبْه. يقال: عَرَّد سَهْمَه إذا رمى به في السماء. وصَوِيب وصائب واصد، وقَوِيم وقائم واحد، إذا أردتَ مستقيما. عُرِّدَ، أي أُبعِد أي بعيد المَوْقِع.

(1) ورد هذا البيت في اللسان (مادة عرد) وروى فيه "وقد خلها قدح صويب" الخ وخلها بتأنيث الضمير يريد الشاة. وضبط فيه معرّد بكسر الراء المشدّدة وقال: عرّد السهم تعريدا إذا نفذ من الرمية.

(2)

كان الأولى أن يقول: خله أي دخل فيه كما هي عبارة اللسان (مادة عرد) وذلك لأن الضمير في "خله" يعود علي الوعل لا علي السهم.

ص: 241

ولا أَسفَعُ الخَدَّين طاوٍ كأنّه

إذا ما غدا فى الصُّبحِ عَضْبٌ مهنَّدُ

أَسفَع الخَدَّين ثَوْرٌ بخدّيه سُفْعة، وقد تكون السُّفْعَة من حُمرةٍ إلى سواد. والطاوِى: الخَمِيص البَطْن. عَضْب: قاطِع. يَعنِي سَيْفا مهنَّدا منسوبا إلى الهند.

كأنّ قَراه مُكتَسٍ رازقِيّةً

جَديدا بها رَقمٌ من الخالِ أَرْبَدُ

قال أبو سعيد: كلّ رقيقٍ من الثيابِ ناعمٍ رازقيٌّ، يعِني أنّ الثور أبيضُ وفيه خطوطٌ سُود. وقوله: أَرْبَد أي فيه رُبْدة، أي ليس بصافي اللّون. والخال: بُرودٌ خُضرٌ فيها خطوط.

* * *

تم القسم الأوّل من ديوان الهذليين، ويليه القسم الثاني وأوّله:"وقال المتنخل واسمه مالك بن عويمر" الخ. وقد رأينا إخراج هذا الديوان في ثلاثة أقسام ويلاحظ أنه قد بقى من شعر ساعدة بن جؤية خمس قطع وردت في نسخة الأصل بعد شعر أسامة بن الحارث أي بعد شعر سبعة من الشعراء الهذليين؛ ولم نضم هذه القطع إلى ما هنا من شعر ساعدة اتباعا لترتيب الأصل، ولأنه قد ورد هناك عند ذكر هذه القطع ما نصّه:"قال في الأم: هذا من غير رواية أبي سعيد جعلناه في هذا الموضع".

والحمد لله ربّ العالمين

ص: 242