المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرار السلف الصالح من القضاء - ذم القضاء وتقلد الأحكام

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌فرار السلف الصالح من القضاء

‌فرار السلف الصالح من القضاء

144 -

وقال الدينوري في المجالسة: حدثنا أحمد بن عيسى وعلي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب السختياني قال:

لما مات عبد الرحمن بن أذينة، ذكر أبو قلابة للقضاء فهرب حتى أتى اليمامة. قال أيوب: فلقيته بعد ذلك فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر فما سعى أن يسبح حتى يغرق (41).

145 -

أخرجه ابن سعد في الطبقات (42).

146 -

وفي كتاب عقلاء المجانين بسنده عن محمد بن يحيى البصري قال: دعا المنصور أبا حنيفة والثوري ومِسْعراً وشريكاً ليوليهم القضاء، فقال أبو حنيفة: أتحامق فيكم تحميقاً، أما أنا فأحتال فأخلص.

وأما مسعر فيتجاني فيخلص، وأما سفيان فيهرب.

وأما شريك فيقع، فلما دخلوا عليه، قال أبو حنيفة: أنا رجل مولى، ولست من العرب، ولا تكاد العرب ترضى بأن أكون عليهم مولى، ومع ذلك

(41) حديث صحيح. أخرجه ابن سعد (7/ 183)، وأبو نعيم (2/ 285) في الحلية والفسوى (2/ 65، 66) في المعرفة والتاريخ، وأورده الذهبي (4/ 470) في السير، وأشار إليه ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 259)، وابن حجر في التهذيب (5/ 226).

وقال حماد: سمعت أيوب ذكر أبا قلابة، فقال: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب، إني وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فراراً، وأشدهم منه فرقاً، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة.

أخرجه ابن سعد (7/ 183)، والحلية (2/ 285)، السير (4/ 470).

(42)

انظر السابق.

ص: 89

فإني لا أصلح لهذا الأمر، فإن كنت صادقاً في قولي فلا أصلح له، وإن كنت كاذباً فلا يجوز لك أن تولى كاذباً دماء المسلمين وفروجهم.

وأما سفيان فأدركه المشخص في طريقه فذهب لحاجته، وانصرف ينتظر فراغه، فبصر سفيان بسفينةٍ فقال للملاح: إن مكنتني من سفينتك، وإلا أذبح بغير سكين تأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين"(43).

فأخفاه الملاح تحت السارية (44).

وأما مسعر فدخل على المنصور فقال له: هات يدك كيف أنت، وأولادك، ودوابك؟ فقال: أخرجوه فإنه مجنون.

وأما شريك فقال له المنصور: تقلد القضاء. قال: أنا رجل خفيف الدماغ. قال: تقلد وعليك العصيد والنبيذ الشديد حتى يرجح عقلك فتقلد، ْفهجره الثوري، وقال: أمكنك الهرب فلم تهرب (45).

147 -

وفيه أيضاً بسنده عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال: كتب الخليفة إلى عبد الله بن وهب في قضاء مصر، فتجنن نفسه، ولزم بيته، فأطلع عليه راشد بن سعيد، وهو يتوضأ في صحن داره فقال: أبا محمد، ألا تخرج بين الناس فتحكم بينهم بكتاب الله وسنة رسوله، وقد جننت نفسك، ولزمت نفسك بيتك، فرفع إليه رأسه، وقال: إلى هنا انتهي عقلك أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والمرسلين، والقضاة يحشرون مع السلاطين" (46).

(43) سبق تخريجه.

(44)

السارية: الأسطوانة، وهي الخشبة التي يعلق عليها قلع المركب.

(45)

أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص59 - 60) في عقلاء المجانين، وانظر أثر دخول شريك في القضاء على حفظه في التهذيب (4/ 336).

(46)

أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص/60) في عقلاء المجانين.

ص: 90

148 -

وفيه أيضاً بسنده إلى أبي معشر

أن رجلاً آلى بيمين أن لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس، فلما قاسى من بلاء النساء فاستشار تسعاً وتسعين نفساً، فبقى واحد فخرج على أن يسأل أول من يطرأ عليه، فرأى مجنوناً قد اتخذ قلادة من عظم، وسود وجهه، وركب قصبة، وأخذ رمحه، فسلم عليه وقال: مسألة؟ قال: اسأل ما يعنيك، وإياك وما لا يعنيك، واحذر رمحة هذا الفرس قال: فقلت: مجنون والله، ثم قلت: إني رجل لقيت من النساء بلاء، وآليت أن لا أتزوج حتى أستشير مائة نفس، وأنت تمام المائة، فقال: أعلم أن النساء ثلائة واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة لا لك ولا عليك، فأما التي لك فشابة طرية لم تمس الرجال فهي لك لا عليك، إن رأت خيراً حمدت، وإن رأت شراً، قالت: كل الرجال كذا.

وأما التي عليك ولا لك، فامرأة لها ولد من غيرك، فهي التي تسلخ الزوج وتجمع لولدها.

وأما التي لا لك ولا عليك، فامرأة تزوجت زوجاً قبلك إن رأت خيراً قالت هكذا يجب، وإن رأت شراً حَنَّتْ لزوجها الأول، قال: فقلت: نشدتك الله ما الذي غير من أمرك ما أرى؟ قال: ألم أشترط عليك أن لا تسأل عما لا يعنيك؟! فأقسمت عليه، فقال: إني طلبت للقضاء فاخترت ما ترى على القضاء (47).

(47) أخرجه أبو القاسم النيسابوري (ص/62) في المصدر السابق.

ص: 91