الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثانية: ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن وكسب الحجام
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين.
من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الأخ المكرم الشيخ الأمجد عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار. سلمه الله تعالى وعافاه، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فالموجب لتحريره إبلاغ السلام، والسؤال عن حالكم لازلتم في خير وعافية. والخط الشريف وصل، وما ذكرتَ من المسائل التي تسأل عنها:
فثمن الكلب هو أخذ العوض عنه، ومهر البغي هو الجُعل التي تأخذه على زناها، وحُلْوانُ الكاهن هو ما يأخذه الكاهن في مقابلة أخباره بالمغيبات، وثمن السنور هو أخذ العوض عنه، وكسب الحَجَّامِ هو ما يأخذه أُجرة على حِجَامَتِهِ، فأما ما يُعْطَى إياه بغير شرط فرخَّص فيه بعض العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي حَجَّمَه. قالوا: ولو كان حراما، لم يعطه؛ وحملوا النهي على الاشتراط خاصة.
بيع الخمر
وتحريم بيع الخمر ظاهر، وهو المعاوضة عنه، وهذا حكم كل مسكر، وبيع الميتة، وما حرم أكله، لما في الحديث المشهور:"إن الله إذا حرم شيئا، حرم ثمنه"1.
ثمن الحر وبيع عسب الفحل
وثمن الحر ظاهر، وهو أخذ العوض عنه، وبيع عسب الفحل وهو أخذ العوض عن ضرابه، كما يفعله كثير من الناس في أخذ العوض عن نزو الحصان على الرمكة.
منع فضل الماء
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن منع فَضْلِ الماء؛ فهذا إذا كان لرجل بئر، واحتاج الناس لسقي بهائمهم، فلا يحل له أن يمنعهم ما فَضَلَ عن حاجته، وهذا إذا كان الماء في قراره.
وأما ما يخرجه الإنسان من البئر، في بركته وآنيته، فإنه يملكه ويختص
1 أبو داود: البيوع (3488) ، وأحمد (1/322) .
به، ويجوز له بيعه.
منع الكلأ
وأما نهيه عن منع الكلأ، فالكلأ هو العشب، ونحوه النابت في أرضه، وبعض العلماء يقول: إذا كان في أرض محوطة، فلا يدخلها إلا بإذن صاحبها، وقال الشيخ تقي الدين: إذا ترك زرع أرضه قاصدا كلأها، فإنه يختص به، ويجوز له بيعه.
بيع الحصاة
وأما بيع الحصاة فهو أن يقول: ارم بهذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت، أو دابة، فهو لك بكذا، وفسر بأن يقول: أبيعك من هذه الأرض ما تبلغ هذه الحصاة، إذا رميت بها بكذا.
بيع الضرر
وبيع الضرر يدخل تحته صور كثيرة منها: بيع العبد الآبق، والدابة الشاردة ومنها: بيع الدَّيْنِ لمن هو في غير ذمته، إذا كان غير ملي، ويدخل تحته كل مَبيع لا يدري مشتريه، أيحصله أم لا؟
بيع حبل الحبلة
(وأما) بيع حبل الحبلة، ففيه تفسيران: أحدهما: أن أهل الجاهلية كانوا يشترون الجزور، ونحوها إلى أن تلد الناقة، ثم يلد ولدها، فيكون النهي لأجل جهالة الأجل، وقيل: هو أن يبيعه نِتاج ما في بطن هذه الناقة وهو ولدها، لما فيه من بيع الضرر.
بيع الملامسة
(أما) بيع الملامسة: فنحو أن يقول: أي ثوب لمستُه، فهو لي بكذا، فيشتريه من غير نظر إليه، ولا تقليب.
بيع المنابذة
وبيع المنابذة: هو أن يقول: أي ثوب نبذته إلي، فهو عليَّ بكذا؛ والعلة في ذلك جهالة المبيع وقت العقد؛ ولهذا اشترط العلماء لصحة البيع معرفة المَبِيع.
بيع المحاقلة
(وأما) بيع المحاقلة فهو أن يبيعه زرعه القائم بكيل معلوم من الحب يقبضه. وبيع المخاضرة: هو بيع الزرع الأخضر قبل اشتداد حبه.
حكم المخابرة
(وأما) نهيه عن المخابرة؛ ففسر بأن يدفع إليه أرضه يزرعها بالربع أو الثلث ونحوهما، وفسر بأن يزارعه على أرضه بجزء معلوم كالربع ونحوه، ويشترط
زرع بقعة بعينها، أو يشترط زيادة آصع معلومة على الجزء المسمى. ونحو ذلك في المساقاة: أن يساقيه على نخله بالربع ونحوه، ويشترط زيادة نخلة معينة أو غير معينة يختارها كما يفعله كثير؛ وهذا حرام عند العلماء.
بيع المعاومة
وبيع المُعَاومَة نحو أن يشتري منه ثمرة هذه النخلة سنتين أو أكثر، وبيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها ظاهر.
بيع الثنيا
ونهيه عن الثنيا إلا أن تُعلم، فنحو أن يبيعه عددا من الدواب، أو الثياب ونحوها، ويستثني منها غير معين نحو أن يقول: بعتك هذه الغنم بكذا، ولي منها واحدة أختارها، وفيه صور كثيرة.
بيع الطعام قبل قبضه
وبيع الطعام قبل قبضه، إن كان بيعه على الكيل، فقبضه اكتياله، وإن كان جزافا، فقبضه بالتخلية، لكن لا يبيعه حتى ينقله من مكانه.
بيعه على بيع أخيه
وأما بيعه على بيع أخيه: فهو أن يقول لمن اشترى سلعة من مسلم بعشرة -مثلا-: أبيعك مثلها بتسعة ليفسخ البيع، ويعقد معه؛ وقيد بعضهم ذلك بمجلس الخيار.
وقال بعض العلماء: هذا ممنوع بعد التفرق من المجلس لأن ذلك يوجب للمشتري التحيل على رد المبيع وفسخه.
بيع النجش
وأما النجش: فهو أن يزيد في ثمن السلعة مَنْ لا يريد شراءها، لِيَغُرَّ المشتري ويضر به. والتصرية معروفة، وهو الذي يسمى التحيين، وهو حرام. وجميع ما تقدم حرام عند العلماء.
بيع الحاضر للبادي
وبيع الحاضر للبادي معروف، والبادي مَنْ لا يكون مِنْ أهل البلد مِنْ غير أن يكون بدويا، واشترط بعض العلماء لذلك شروطا مذكورة في مواضعها.
تلقي الركبان
وأما تلقي الركبان فهو ظاهر، والبائع بالخيار إذا قدم البلد كما في الحديث.
ضابط الغش
وأما الغش فأنواع كثيرة، ضابطه إذا كان المبيع غير متساوي
أظهر الحسن للمشتري وأخفى الذي دونه، أو يخفي عيبا في المبيع ويكتمه عن المشتري، أو يفعل فعلا في المبيع فيحسنه في عين المشتري، وهو غير ثابت في المبيع كتحمير وجه الجارية المبيعة، وتسويد شعرها، ونحو ذلك.
حكم الاحتكار
وأما الاحتكار فنحو ما إذا كان بالناس حاجة إلى الطعام، فيشتري إنسان ما يُجْلَبُ للبلد من الطعام ليبيعه على أهل البلد؛ فنهي عن ذلك لما فيه من التضييق عليهم.
أكل الربا وتأكيله والشهادة عليه وكتابته
وأما أكل الربا وتأكيله والشهادة عليه وكتابته، فإنما يستحق هؤلاء الثلاثة اللعن إذا علموا به كما في الحديث، وأما الأصناف الستة الربوية المذكورة، فلا يجوز بيع واحد منها بجنسه إلا مِثلا بِمِثل، يدا بيد وأما بيعه بغير جنسه، فيجوز التفاضل فيه بشرط التقابض في مجلس العقد.
النهي عن بيعتين في بيعة
وأما النهي عن بيعتين في بيعة، فنحو أن يقول: أبيعك دابتي هذه بكذا، بشرط أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا، أو تؤجرني دارك بكذا، أو يكتب عليه طعاما، ويشترط أن يشتري منه شيئا. ومنه أن يقول: أشتري دابتك هذه -مثلا- بعشرة، ويشترط عليه أن يأخذ عن العشرة أو بعضها ثوبا، أو صرفها، ونحو ذلك كما يفعله كثير، وضابطه أن يشتري شيئا، ويشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر.
النهي عن سلف وبيع
وأما النهي عن سلف وبيع فنحو أن يشتري منه سلعة، أو يكتب عليه طعاما أو غيره، ويشترط أن يقرضه شيئا. وأما ربح ما لم يُضمن، فهو أن يبيع ما لا يدخل في ضمانه، كأن يشتري طعاما، ويبيعه قبل اكتياله.
بيع المضامين والملاقيح
وأما بيع المضامين والملاقيح، فقيل: المضامين ما في بطون الإناث
والملاقيح: ما في ظهور الفحول، وفسر بالعكس.
وبيع الغنيمة قبل القسمة، المراد به: الإنسان يبيع نصيبه من القسمة قبل تمييزه وقبضه.
بيع السلعة بنسيئة
وأما بيع السلعة بنسيئة، ثم يشتريها البائع بأقل مما باعها به نقدا، نحو أن يبيعه إياها بخمسين إلى أجل، ثم يشتريها بثلاثين نقدا قبل قبض الخمسين؛ فهذه مسألة العِينَة، لكن اشترط الفقهاء لعدم الجواز أن لا تتغير صفتها، فإن تغيرت بهزال أو نحوه، فلا بأس أن يشتريها بأقل مما باعها به نقدا.
وبيع اللبن في الضرع، نحو أن يشتري منه حليبها أسبوعا، أو شهرا، أو نحو ذلك.
بيع الكالئ بالكالئ
وبيع الكالئ بالكالئ له صور كثيرة مذكورة في كتب الفقه، منها ما هو متفق عليه، ومنها ما فيه خلاف، وهو بيع مؤخر بمؤخر. ومنها أن يسلم إليه في طعام أو نحوه، ولم يُقْبِضْه رأس مال السلم في المجلس. ومنه عند كثير من العلماء أن يكون له في ذمته دراهم ويكتبها عليه في طعام في ذمته.
والمسألة التي يسمونها التصحيح، إنما يفعلونها حيلة إلى التوصل إلى ذلك، لأنه يعطيه ريالا بكذا طعاما، ثم يرده إليه، فيرجع برياله، وهو لم يعطه إياه، ويملكه إياه تمليكا تاما، بل إنما أعطاه إياه بشرط أن يرده إليه في الحال، فيكون العقد وقع على ما في الذمة من الدراهم.
الإسلام في ثمرة نخل بعينه
وأما الإسلام في ثمرة نخل بعينه، أو زرع بعينه، فهذا لا يجوز، بل لا بد أن يكون السلم في ذمة. وإن أسلم إليه في ذمته، واشترط عليه أن يعطيه من ثمرة نخله، أو زرعه، فقد أجاز الشيخ تقي الدين هذا الشرط.
منع السلم بزرع غير معلوم
(وأما) منع السلم بزرع غير معلوم، أو كيل غير معلوم؛ فلما فيه من جهالة المسلم فيه، ومن شروط السلم ما في الحديث "من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"1.
1 البخاري: السلم (2239)، ومسلم: المساقاة (1604)، والترمذي: البيوع (1311)، والنسائي: البيوع (4616)، وأبو داود: البيوع (3463)، وابن ماجه: التجارات (2280) ، وأحمد (1/217،1/222) .
بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته
(وأما) بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته، فيشترط لصحته أن يكون بسعر يومه، وأن يقبض العوض في المجلس كما إذا أخذ عن الذهب فضة وعكسه. وأما المنفعة التي يجرها القرض، فهي حرام، ومنه الهدية لأجل إقراضه إياه إلا إن حسبها من دينه، فلا بأس. وكذلك لو قضاه خيرا مما أخذ منه من غير شرط ولا مواطأة، فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا، ورد خيرا منه، وقال:"خيركم أحسنكم قضاء"1.
انتفاع المرتهن بالمرهون
(وأما) الرهن إذا كان محلوبا، أو مركوبا؛ فإن المرتهن يحلب ويركب بقدر نفقته متحريا للعدل.
(وأما) غير المحلوب والمركوب، فلا ينتفع به بغير إذن صاحبه، ومعنى الحديث المشهور "لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه"2.
فمعناه عند مالك، وأحمد، وغيرهما كما ذكرتم، وفسر بغير ذلك، وقول أحمد:"أكره قرض الدور.. إلى آخره"؛ وذلك لأنه قرض جر منفعة. وبعض الناس يتوصل إلى ذلك بحيلة باطلة إذا أراد أن يرتهن دارا أو أرضا في قرض، وينتفع بها، أظهروا صورة البيع وهو في باطن الأمر رهن، فيبيعه ما يساوي مائة بخمسين أو أقل أو أكثر، بأقل من قيمتها، ويشترط الخيار، وهذا يسميه بعض الناس بيع الأمانة.
(وأما) إذا كان بيعا حقيقيا ظاهرا وباطنا بأن يبيعه إياها بقيمتها من غير نقص، ويشترط الخيار، فلا بأس بانتفاعه بالمبيع في مدة الخيار كما نص عليه أحمد.
وهذه العقود المنهي عنها حرام عند العلماء، وقالوا: يحرم تعاطيهما عقدا فاسدا؛ فإذا كان العقد فاسدا فتعاطيه حرام على المتعاقدين جميعا.
بيع اللحم بثمر أو عيش نسيئة
(وأما) بيع اللحم بثمر، أو عيش نسيئة، فبعض العلماء رخص في
1 البخاري: الوكالة (2305)، ومسلم: المساقاة (1601)، والترمذي: البيوع (1316)، والنسائي: البيوع (4618)، وابن ماجه: الأحكام (2423) ، وأحمد (2/393،2/416،2/476،2/509) .
2 ابن ماجه: الأحكام (2441)، ومالك: الأقضية (1437) .
ذلك، وبعضهم يمنعه. والذين يسهلون فيه يقولون: اللحم موزون، والثمر والعيش مكيلان؛ هذا الأصل فيهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلفت العلة، جاز بيع أحدهما بالآخر نسيئة. وهؤلاء يقولون: العلة في الأصناف الأربعة الطعم، فإنهم يمنعون ذلك.
اشتراط البائع على المشتري اشتراء سلعة من غيره
(وأما) اشتراط البائع على المشتري اشتراء سلعة من غيره، فالذي يظهر أن هذا شرط فاسد، وإذا استسلم رجل من آخر دراهم، ثم اشترى بها منه طعاما، فهذا إذا كان بشرط أو مواطأة، فلا يجوز.
(وأما) إذا أخذ الدراهم، وذهب ليشتري بها من غيره، فلم يجد عند غيره شيئا، ثم رجع فاشترى منه، فلا بأس بذلك.
اشتراط صاحب الأرض على مستأجرها أن يستسلم منه
(وأما) اشتراط صاحب الأرض ونحوها على مستأجرها أن يستسلم منه، فلا يجوز، وهو كبيعتين في بيعة كما تقدم.
دم الذبيحة الذي يبقى في مذبحها ولحمها بعد الذبح
(وأما) دم الذبيحة الذي يبقى في مذبحها ولحمها بعد الذبح، فإنه طاهر، لأن الله إنما حرم الدم المسفوح، والمسفوح هو الذي يسيل. فالذي ليس بمسفوح، ليس بحرام، وحله يدل على طهارته.
وهذه المسائل تحتاج إلى بسط وتفصيل، لكن الموضوع لا يتسع لذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.