المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الرابعة عشر: إخراج الزكاة عن الذهب والفضة - رسائل وفتاوى أبا بطين

[عبد الله أبا بطين]

الفصل: ‌الرسالة الرابعة عشر: إخراج الزكاة عن الذهب والفضة

‌الرسالة الرابعة عشر: إخراج الزكاة عن الذهب والفضة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الأخ المكرم صالح بن عبد الرحمن بن عيسى -سلمه الله تعالى-، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومن حال ما ذكرت فلا شك أن الأفضل أن يخرج عن الذهب والفضة منهما لا من غيرهما، لكن إذا كان الشيء قليلا، والمستحق كثيرا، فأرجو أنه يجوز إخراج القيمة تمرا أو عيشا، والمحتاج الذي في بيته ما يسأل الناس أولى من الذي يسألهم.

زكاة الدين الذي في ذمم الناس

(وأما) الدَّيْنُ الذي في ذمم الناس، فلا يجب الإخراج عنه حتى يقبضه صاحبه، فإذا قبض شيئا أخرج زكاته.

(وأما) إخراجها إذا حال الحول قبل قبضه، فهو أفضل، لكن لا يجب إخراج الزكاة قبل قبضه.

إعطاء الزكاة للأقارب

(وأما) إعطاء عيال إخوانك وأخواتك، فهو جائز -إن شاء الله تعالى-؛ فيجوز إعطاء إخوانك وأخواتك وعمتك، وكذلك بنات عيال أخيك يجوز إعطاؤهن.

(وأما) القوي من عيال أخيك، فإن لم يكن كسب يكفيه، جاز أن يعطى من الزكاة. فإن كان لو يحترف كفى نفسه بحرفته، ولكن يترك الحرفة تكاسلا، فلا يُعْطَى منها. وأخوك سليمان يجوز إعطاؤه، ولكن نقلها في هذه المسافة فيه خلاف بين العلماء. وأرجو أن القول بجوازه للقريب ونحوه صواب، وأرجو أنه لا بأس إذا أرسلت إليه شيئا من الزكاة أو لعياله.

ص: 144

القيلولة في المسجد

(وأما) مسألة التقدم للمسجد في مثل الظهر والقيلولة فيه، فإن كان الإنسان قصد المسجد لانتظار الصلاة المفروضة، فيصلي ما تيسر من النوافل، ثم يجلس في المسجد يقرأ القرآن أو يذكر الله، وهذا قصده، لكن في نيته إن حدث عليه نعاس، نام في المسجد، لم يقصد القيلولة فيه عادة، فهذا حسن -إن شاء الله تعالى-.

(وأما) إن كان نيته أنه يقصد المسجد ليضع عصاه في الصف، ويصلي ما تيسر، ثم ينام، أعني: أنه قاصد النوم فيه، وعازم عليه، فهذا مكروه، أعني: اتخاذ المسجد مقيلا، فالأفضل في حق هذا أن يقيل في بيته، فإذا قضى حاجته من النوم، تطهر، وقصد المسجد. (وأما) جلوسه في سطح المسجد بين العشاءين لأجل البراد ونحوه، فلا بأس بذلك.

اتخاذ السترة في الصلاة

(وأما) السترة، فقد ذكر العلماء: أن المأموم لا يستحب له اتخاذ السترة وإنما اتخاذها مسنون للإمام والمنفرد، وكذلك يسن القرب منها بقدر ثلاثة أذرع من قدميه إليها. واتخاذ السترة سنة لا واجب، فإن مر بين يدي الإمام ما يبطل مروره الصلاة: كالكلب، والحمار، بطلت صلاته وصلاة المأمومين؛ وإن مر بين يديه ما لا يبطلها كمرور الرجل، لزمه دفعه، فإن لم يفعل، فالإثم عليه.

التضحية ممن لم يصل العيد

(وأما) الذي ضحى بعد صلاة الإمام فأضحيته مجزية، ولو لم يصل، لأن العبرة بصلاة الإمام لا صلاة كل إنسان بنفسه. ومِن طرف الصدقة بثمن الضحية، فذكر العلماء أن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها مطلقا. ومن طرف ما سألت عنه من الاقتصار في التراويح على أقل من عشرين ركعة، فلا بأس بذلك، وإن زاد فلا بأس.

ص: 145

قال الشيخ تقي الدين: له أن يصلي عشرين كما هو المشهور في مذهب أحمد والشافعي، قال: وله أن يصلي ستة وثلاثين ركعة كما هو مذهب مالك، قال الشيخ: وله أن يصلي إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، قال: وكله حسن كما نص عليه الإمام أحمد. قال الشيخ: فيكون تكثير الركعات، وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، وقد استحب أحمد أن لا ينقص في التراويح عن ختمه، يعني: في جميع الشهر، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ضمان ما تلف من ثمن المبيع

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله بن مانع إلى جناب شيخنا المكرم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمنأبا بطين) سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فالموجب لتحرير الكتاب إبلاغ جنابك الشريف جزيل السلام والتحية، والاحترام وغير ذلك -أمتعنا الله تعالى بحياتك- فقد أشكل علينا ما إذا اشترى رجل ذهبا بفضة معلومة نسيئة، وأعطى زوجته الذهب، فباعته وأخذت ثمنه. ثم مات الزوج، وضاقت التركة عن وفاء دينه، تبينا أن العقد باطل، وقد أتلفت المرأة الذهب، ولم يُعلم المشتري الثاني، فمن يستقر الضمان عليه؟ أفتنا أثابك الله الجنة بمنه وكرمه.

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. (وبعد) : فالجواب -وبالله التوفيق-: لبائع الذهب تضمين من شاء من الثلاثة المشتري منه، وزوجته، والمشترِي منها إن علم، ويستقر الضمان عليه، فلو ضمنه المالك القيمة، رجع على المرأة بما دفع من الثمن فقط، هذا هو الظاهر من كلام

ص: 146

الأصحاب وغيرهم، حيث شبهوا المقبوض بعقد فاسد بالمغصوب؛ فيقتضي ذلك المشابهة في جميع الأحكام لا ما استثنى بعضهم من نفوذ العتق في المقبوض بعقد فاسد، وبعضهم استثنى صحة انعقاده فيه، قال في "القواعد": المعروف في المذهب أنه غير منعقد، وتترتب عليه أحكام الغصب، وما قلنا من جواز تضمين المالك مَنْ شاء من الثلاثة، واستقرار الضمان على من تلف في يده.

صرح به "الشرح الكبير" فقال": إذا باع المشتري المبيع الفاسد، لم يصح، لأنه باع ملك غيره بغير إذنه، وعلى المشتري رده إلى البائع الأول؛ لأنه مالكه، ولبائعه أخذه حيث وجده، ويرجع المشتري الثاني بالثمن على الذي باعه، ويرجع الأول على بائعه. فإن تلفت في يد الثاني، فللبائع مطالبة من شاء منهما؛ لأن الأول ضامن، والثاني قبضه من يد ضامنه بغير إذن صاحبه، فكان ضامنا. فإن كانت قيمته أكثر من ثمنه، فضمن الثاني، لم يرجع بالفضل على الأول، لأن بالتلف في يده استقر الضمان عليه، وإن ضمن الأول، رجع بالفضل على الثاني. انتهى

وقوله في "القواعد": تترتب عليه أحكام الغصب يدل على ذلك؛ ولهذا ذكر مرعي في "الغاية" اتجاها جازما به بأنه لو باعه قابضه للآخر، فللمالك مطالبة كلٍّ. وقرار ضمان على تالف عنده، وأن تفصيله كغصب كما يأتي، إلا في صحة انعقاده فيه لإعراض ربه عنه بطيب نفس. انتهى.

إذا تقرر هذا، فللبائع تضمين الزوجة قيمة الذهب، وترجع به في تركة زوجها، فتضرب بها مع الغرماء، ومقتضى ما ذكرناه أنها لا ترجع مع علمها بفساد العقد. وقولنا بضمان القيمة إنما هو إذا كان الذهب مصوغا أو مغشوشا، فإذا كان خالصا غير مصوغ، ضمن بمثله. ويشترط في ضمانه بالقيمة أن تكون من غير الجنس. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 147

مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) رحمه الله تعالى

رهن الزرع بالدين

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) رحمه الله تعالى:

الأولى: فيما إذا كان لإنسان على آخر دين، وقال: دينك قادم في هذا الزرع أو هذه الثمرة، هل يكون هذا رهنا أم لا؟

وفي رجل عليه دين، ولا يفي دينه بما عليه، وعند إنسان له رهن هل صاحب الرهن مقدم على من سواه؟

وفيما إذا امتنع الراهن من قضاء الدين، وأبى أن يأذن في بيع الرهن، وتعذر إجباره، وتعذر الحاكم، فهل إذا قام عدل، وباع الرهن، فقضى الدين، هل ينفذ تصرفه أم لا؟

وهل إذا أعطت الأم ابنتها الصغيرة حليا تلبسه، ولم يقبضه وليها لها، وليست ذات زوج، فهل تملكه أم لا؟

وهل إذا شرط البائع للثمرة بعد بدو صلاحها على المشتري القطع، فتلفت بجائحة أو تعيبت بها، فهل يكون ضمانها على المشتري أم لا؟

وهل إذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن، فهل يكون بدله الذي أبدله به رهن، والحالة هذه أم لا؟

وإذا ادعى إنسان على آخر عقارا، فقال المدعَى عليه: ورثته من أبي، ولم أعلم لك فيه حقا، هل تقبل يمينه هذه على صفة جوابه؟

وإذا ادعى إنسان شيئا أنه يملكه الآن، وشهدت البينة أنه كان له أمس، أو لأبيه قبل موته إلى أن مات، هل تسمع أم لا؟ أفتونا مأجورين.

الجواب وبالله التوفيق:

أما المسألة الأولى: فيما إذا قال: حقك أو دينك قادم في هذا الزرع

إلخ، فهذا ليس برهن، وإنما هو وعد، فيصير المقول له ذلك أسوة الغرماء، وإن

ص: 148

لم يكن غريم غيره، فيستحب للقائل الوفاء بوعده، ولا يجب عند أكثر العلماء.

المرتهن أحق بثمن الرهن من سائر الغرماء

وأما إذا ضاق مال الإنسان عن دينه، وكان له عين مرهونة عند بعض الغرماء؛ فإن المرتهن أحق بثمن الرهن من سائر الغرماء إذا كان رهنا لازما بلا نزاع.

قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا، فإن كان الراهن حين الرهن قد ضاق ماله عن دينه، نبني صحة رهنه على جواز تصرفه وعدمه، وهو أنه هل يكون محجورا عليه إذا ضاق ماله عن ديونه بغير حكم حاكم، كما هو قول مالك، ويحكى رواية عن أحمد، اختاره الشيخ تقي الدين؟ أو لا يكون محجورا عليه إلا بحكم حاكم، كما هو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه؟

امتنع الراهن من قضاء الدين

وأما إذا امتنع الراهن من قضاء الدين

إلخ فقال الشيخ تقي الدين: جوز بعض العلماء للمرتهن دفع الرهن إلى ثقة يبيعه، ويحتاط بالإشهاد على ذلك، ويستوفي حقه إذا تعذر الحاكم، ولم يكن الراهن قد أذن للمرتهن في بيع الرهن بعد حل الأجل. انتهى. وهذا قول حسن -إن شاء الله تعالى- تدعو الحاجة إليه في كثير من البلدان والأزمان، والله أعلم.

نحلة الأبوين لبنتهما

وأما إذا ألبست الأم ابنتها حليا

إلخ، فقد رأيت في ذلك جوابا لأحمد بن يحيى بن عطوة، فإنه سئل عما إذا وجد على البنت الصغيرة حلي وثياب فاخرة، فما حكم ذلك؟ وهل تسمع دعوى الأم أن ذلك لها، وإنما ألبستها إياه تجميلا، أو دعوى الورثة أنه لموروثهم، وإنما جملها به؟ وهل بين الصغيرة والكبيرة فرق في ذلك، أم لا؟ وهل ذلك عام بالأب والأم؟ أفتونا مأجورين.

أجاب رحمه الله تعالى: الظاهر من شواهد الأحوال والعرف والعادة المستمرة أن تجميل الأبوين بنتهما بكل ما يعد تجميلا أنه تخصيص لها

ص: 149

بذلك دون سائر من يرثها، إذا لم تجر عادتهما بأنه عارية تجري عليها أحكامها، إذا علم ذلك فلا كلام لسائر الورثة في ذلك بعد موت المخصص المعطي للزوم ذلك بموته، كما صرح به الأصحاب، والتخصيص سائغ أيضا: في مسائل كفقر وعلم ونحوهما في رواية.

وأما الأم فإن أقامت بينة شرعية أن ذلك لها، وأنه عارية ساغت دعواها، وإلا فلا فرق بين الصغيرة المميزة والكبيرة في ذلك. وأما غير المميزة فمحل نظر وتأمل، والذي يظهر لي أن ذلك عام في الأب والأم، وإنما يعد الأب لأنه الغالب، والشيء إذا خرج مخرج الغالب لا مفهوم له

إلى أن قال: فحيث ثبت إمكان مِلك البنت في المسألة المذكورة بما ذُكر، فلا يجوز انتزاع ما صار إليها، إلا بدليل راجح يسوغ المصير إليه شرعا. انتهى.

ومن جواب للشيخ سليمان بن علي بن مشرف -رحمه الله تعالى- وقد سئل عن هذه المسألة: إذا كان الحلي على البنت، ولو لم تذهب به إلى بيت زوج، وادعته الأم، لم تقبل إلا ببينة أنه للأم، وأنه على البنت عارية. ولو أقامت الأم بينة أنها التي اشترته، لم تقبل حتى تقول: وهو على البنت عارية. انتهى.

بيع الثمرة بعد بدو صلاحها بشرط القطع

وأما إذا باع الثمرة بعد بدو صلاحها بشرط القطع، فقدم في الشرح وغيره: يجوز هذا الشرط، وهو ظاهر. وإذا تلفت والحالة هذه، فإن كان تلفها قبل تمكن المشتري من أخذها، فهي من ضمان بائع، وإن كان تلفها بعد التمكن من أخذها، فهي من ضمان مشترٍ، لتفريطه.

وقد صرح الأصحاب فيما إذا اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع، فتلفت بجائحة سماوية بعد تمكنه من قطعها، فهي من ضمانه، وإن تلفت قبل تمكنه من قطعها، فهي من ضمان بائع؛ لعموم الحديث.

ص: 150

وصرحوا -أيضا- فيما إذا اشتراها بعد بدو صلاحها، ولم يشترط القطع في الحال، بأنها من ضمان بائع، ما لم يؤخرها المشتري عن وقت أخذها المعتاد، فإن أخر أخذها عن الوقت المعتاد -فالثمرة التالفة من ضمان مشتر لتفريطه، والله أعلم.

بيع العين المرهونة بغير إذن المرتهن

وأما إذا باع الراهن العين المرهونة بغير إذن المرتهن -فالبيع فاسد بلا خلاف بين العلماء، فإن أمكن المرتهن استرجاع الرهن، استرجعه وهو رهن بحاله، وإن لم يتمكن من استرجاعه لزم الراهن دفع قيمته للمرتهن، فتكون رهنا، سواء كانت القيمة مثل الثمن الذي بيع به، أو أقل أو أكثر. والله علم.

ادعى إنسان عقارا في يد غيره

وأما إذا ادعى إنسان عقارا في يد غيره، فلا يخلو إما أن يدعي على من هو بيده أنه غصبه إياه ونحو ذلك، فإذا لم يكن للمدعي بينة فعلى المدعى عليه اليمين على حسب جوابه؛ فإن قال المدعي: غصبتني، حلف أني ما غصبتك. هذا وإن قال المدعي: أودعتك هذا، حلف أنك ما أودعتني إياه، ونحو ذلك. فإذا حلف بأنك ما تستحق علي شيئا، أو أنك لا تستحق شيئا فيما ادعيته -كان جوابا صحيحا، ولا يكلف سواه.

والحال الثاني: أن يدعي على من هو في يده بأن أباك غصبني هذا، أو أنه وديعة عنده، أو نحو ذلك، فيمين المدعى عليه على نفي العلم، فيحلف في دعوى الغصب بأني ما علمت أن أبي غصب هذا منك، وفي دعوى الوديعة ما علمت أنك أودعته إياه ونحو ذلك. وفي سنن أبي داود "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين ولم ينكر ذلك النبي

ص: 151

صلى الله عليه وسلم" 1؛ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه، فوجب أن لا يكلف اليمين فيه على البت.

وأما إذا ادعى أن هذه العين له الآن، وشهدت البينة بأنها كانت له أمس، أو أنها كانت في يده أمس، لم تسمع بينة لعدم تطابق البينة والدعوى.

قال في الإنصاف في أصح الوجهين: حتى يتبين سبب يد الثاني نحو غاصبه بخلاف ما لو شهدت أنه كان ملكه، اشتراه من رب اليد، فإنها تقبل انتهى.

وأما إذا شهدت البينة بأن هذه العين لهذا المدعي بهذه الصيغة، كفى ذلك، وسلمت إلى المدعي، ولو لم تقل وهي في ملكه الآن.

وأما إذا ادعى أن هذه العين كانت ملكا لأبيه أو أمه أو أخيه، ومات وهي في ملكه، فصارت لي بالميراث، فإن شهدت البينة بأن هذه العين كانت ملكا لأبيه ونحوه، ومات وهي في ملكه سمعت البينة بذلك، وإن قالت البينة كانت ملكا لأبيه ونحوه، ولم تشهد بأنه خلفها تركة، لم تسمع هذه البينة.

وفي الفروع والإنصاف عن الشيخ تقي الدين رحمه الله أنه قال فيمن بيده عقار، فادّعى آخر بثبوت عند حاكم أنه كان لجده إلى موته، ثم لورثته، ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه -لا ينزع منه بذلك؛ لأن أصلين تعارضا، وأسباب انتقاله أكثر من الإرث، ولم تجر عادتهم بسكوتهم المدة الطويلة، ولو فتح هذا الباب لانتزع كثير من عقار الناس بهذا الطريق، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما تثبت فيه الشفعة

هذه مسائل سئل عنها الشيخ العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) رحمه الله تعالى، ونصها:-

ما يقول شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبو بطين)

1 أبو داود: الأيمان والنذور (3244) .

ص: 152

أيده الله تعالى عن مسائل أشكلت علينا، وهي: الشفعة، هل تثبت للشريك مطلقا، أم لا تثبت إلا فيما يقسم قسمة إجبار؟ وعن ما إذا رهن إنسان شيئا معلوما في دين معلوم، وأراد الراهن أن يستدين من غير المرتهن، ويرهن عنده ما فضل بعد قدر دين المرتهن الأول، هل يصح ذلك أم لا؟

وعن ما إذا مات إنسان مسلم وله أولاد منهم مسلم وكافر، فأسلم الكافر بعد مدة طويلة أو غير طويلة، وبعض التركة بحاله، لم يبع، ولم يرهن، ولم يقسم، هل يرث الكافر من ذلك أم لا؟ وعما إذا وقف إنسان وقفا على مدرسة معينة أو سراج يوقد في مسجد معين، هل يجوز صرفه إلى مدرسة، أو مسجد غير ما عينه الواقف؟ وعما إذا ثبت لإنسان على إنسان دين، ثم ثبت على من لهم الحق دين لإنسان آخر، وقال للمدين الأول: لا تعط ديانك إلا بحضرتي؛ فإني قارع ما عليك له في يدك، فلم يعمل بقوله، وأوفى غريمه مع غيبة من قرع الدين في يده، هل يلزمه ضمان ما قرع في يده أم لا؟ وعن رجل وقف نخلة أو نخلتين -مثلا- يشتري بغلة ذلك الوقف أضحية كل سنة، واحتاج ولد الواقف حاجة شديدة، ربما أن من احتاج مثل حاجته يموت جوعا، هل يجوز بيع أصل الوقف أم لا؟ وإذا لم يبع الأصل فهل يجوز صرف الغلة إلى من احتاج من ولده، أم يلزم الوصي أن يشتري بها أضحية، ويمنع ورثته أكل الغلة مع حاجتهم؟ أفتونا مأجورين.

(الجواب) وبالله التوفيق: أما المسألة الأولى: ففيها عن الإمام أحمد روايتان: (إحداهما) : وهي المذهب عند أكثر الأصحاب: لا تجب الشفعة إلا فيما يقسم قسمة إجبار، فلا تجب في الدار الضيقة، والبئر، ونحو ذلك، لحديث جابر مرفوعا: أنه قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت

ص: 153

الطرق فلا شفعة. قالوا: والحدود إنما تقع فيما يقبل القسمة ما لم يقسم.

(والرواية الثانية) : ثبوت الشفعة في ذلك، اختارها ابن عقيل، والشيخ تقي الدين وغيرهما، قال الحارثي: وهو الحق. وروى عبد الله بن أحمد عن عبادة مرفوعا: أنه قضى بالشفعة بين الشركاء في الدور والأرضين.

رهن المجهول

المسألة الثانية: إذا رهن إنسان شيئا معلوما

إلخ، فنقول هذا رهن فاسد1 لأن من شرط صحة الرهن أن يكون معلوما، وهذا ليس كذلك.

وقد اختلف الفقهاء فيما إذا أرهن إنسان إنسانا شيئا في دين له، ثم قال الغريم: يعني كذا بكذا، ويكون الرهن الذي عندك رهنا به وبالدين الأول، والمذهب أن ذلك لا يصح. وأما الصورة المسؤول عنها، فلا أظن أن أحدا يجوزها.

وقد ذكر في الشرح وغيره عدم صحة رهن المجهول كما لو قال: أرهنتك هذا الجراب بما فيه، ونحو ذلك، ولم يذكر في ذلك خلافا، والمسألة المسؤول عنها أولى بعدم الجواز؛ لأنه لا يعلم هل يبقى منها شيء بعد استيفاء المرتهِن الأول حقه أم لا، وهذا ظاهر لا خفاء به، ولله الحمد.

أسلم من الورثة قبل قسمة التركة

المسألة الثالثة: إذا مات مسلم

إلخ، ففي هذه المسألة عن الإمام أحمد. روايتان: إحداهما وهي المذهب: أن من أسلم من الورثة قبل قسمة التركة -ورث، وكذلك إن أسلم وقد قسم بعضها، ورث مما لم يقسم، واحتجوا بما روى أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فهو على ما قسم الإسلام"2، وبما روى سعيد بن منصور في سننه عن عروة بن

1 يريد به الرهن الثاني المذكور في أصل المسألة، وهو ما فضل عن الرهن الأول فهو مجهول؛.

2 أبو داود: الفرائض (2914)، وابن ماجه: الأحكام (2485) .

ص: 154

أبي مليكة عن -النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أسلم على شيء فهو له".

ويروى أن عمر، وعثمان، قضيا بذلك. وعلى هذه الرواية إن كان الوارث واحدا، فتصرفه في التركة، وحيازتها بمنزلة قسمها؛ ذكر ذلك الموفق، وغيره.

والرواية الثانية: لا شيء له، لحديث "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"1.

وهذا حين الموت كان كافرا؛ فلا يرث بمقتضى هذا الحديث، وهذا قول أكثر العلماء، والقول الأول من مفردات المذهب.

الوقف على شيء معين

المسألة الرابعة: إذا وقف إنسان وقفا على مدرسة معينة

إلخ، فقد صرح الفقهاء بأن هذا شرط يجب العمل به، وإنما تنازعوا فيما فضل عن الجهة المعينة، فنص أحمد أن ما فضَل من وقف المسجد من حصره وزيته، عن حاجته، يجوز صرفه إلى مسجد آخر، ويجوز الصدقة به على فقراء المسلمين. وعنه رواية أخرى: يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به. وقيل: إن علم أن ريعه يفضل عنه دائما، وجب صرفه، وإلا فلا، قاله الشيخ تقي الدين.

أوفى غريمه مع غيبة من قرع الدين في يده

المسألة الخامسة: إذا ثبت لإنسان على آخر دين

إلخ، فلم أر للفقهاء في هذه المسألة نصا، ومقتضى أصولهم أنه لا يلزم المقول له إبقاء ما عنده، فإذا أعطى صاحب الحق حقه لم يكن ضامنا، لأنه ليس ضامنا، ولا محالا عليه، ومقتضى قوله –صلى الله عليه وسلم:"أد الأمانة إلى من ائتمنك" 2 –وجوب الدفع إلى المستحق حقه ولا يمنعه حقه بمجرد قول إنسان: لا تعطه، وقد يثبت لهذا القائل حق، وقد لا يثبت، ولكن ينبغي للمدعي رفع الأمر للحاكم، إن كان ثَم حاكم، وينظر الحاكم فيه بمقتضى الشرع إن رأى الحكم على الغائب، وقضى للمدعي بما ادعى به، وإن أمكن إحضار المدعى عليه –أحضره مع خصمه، ونظر في أمرهما، هذا ما ظهر لي، والله –سبحانه وتعالى أعلم.

1 البخاري: الفرائض (6764)، ومسلم: الفرائض (1614)، والترمذي: الفرائض (2107)، وأبو داود: الفرائض (2909)، وابن ماجه: الفرائض (2729،2730) ، وأحمد (5/200،5/201،5/202،5/208،5/209)، ومالك: الفرائض (1104)، والدارمي: الفرائض (2998،3000،3001) .

2 الترمذي: البيوع (1264)، وأبو داود: البيوع (3535)، والدارمي: البيوع (2597) .

ص: 155

تغيير شرط الواقف

المسألة السادسة: فيمن وقف نخلة ونحوها على أضحية ونحوها

إلخ، فأما بيع ذلك لما ذكر فلا يجوز، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم:"لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث"1.

وقد تنازع الفقهاء في جواز بيع الوقف إذا تعطلت منافعه، فأجازه أحمد وغيره، ومنعه الشافعي وغيره. وأما صرف غلة ذلك إلى المحتاج من أولاد الواقف، فقال الأصحاب يتعين صرف غلة الوقف إلى الجهة المعينة إلا ما فضل عنها، ونص على ذلك الإمام أحمد، ولم يفرق أحمد والأصحاب بين حالة الحاجة وغيرها. وقال الشيخ تقي الدين: يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح، وإن اختلف ذلك باختلاف الأزمان، حتى لو وقف على الفقهاء والصوفية، واحتاج الناس إلى الجهاد، صرف إلى الجند.

فعلى اختيار الشيخ –رحمه الله: يجوز صرف ثمن الأضحية إلى من اشتدت حاجته من ولد الواقف، وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال رجل لعطاء: رجل جعل ذودا في سبيل الله، قال: أله ذوو قرابة محتاجون؟ قال: نعم. قال: فادفعها إليهم. فكانت هذه فتياه في هذا وأشباهه، والله –سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

نذر التبرر إذا رده المنذور له

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبى بطين) إلى جناب الأخ المكرم عثمان بن علي بن عيسى، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : من طرف المسألتين المسؤول عنهما:

فالأولى: إذا نذر إنسان شيئا معينا لشخص معين نذر تبرر، فرده، أو مات

1 البخاري: الوصايا (2764)، ومسلم: الوصية (1633)، والترمذي: الأحكام (1375)، وأبو داود: الوصايا (2878) ، وأحمد (2/55،2/125) .

ص: 156

قبل قبوله، أو قبله وقبضه ثم رده: فأما إذا رده، أو مات قبل القبول والرد، فالذي يظهر بطلان هذا النذر كما تبطل الصدقة بذلك لأن الصدقة نوع من الهبة، صرح به الأصحاب كما في المغني وغيره. وهو ظاهر كلام أحمد لقوله في رواية حنبل: إذا تصدق على رجل بصدقة دار أو ما أشبه ذلك، فإذا قبضها الموهوب له صارت في ملكه، انتهى.

وقد صرحوا باعتبار القبول للهبة، وأنها تبطل بالرد وبموت الموهوب له قبل القبول، فإذا كان هذا حكم الهبة، والصدقة نوع من الهبة، وقد جعل الأصحاب حكم الصدقة المعينة حكم النذر، كما نقله في القواعد عنهم، ولفظه بعد كلام سبق، فإذا قال: هذه صدقة، تعينت، وصارت في حكم المنذورة، صرح به الأصحاب؛ لكن هل ذلك إنشاء للنذر، أو إقرار به؟ فيه خلاف بين الأصحاب، انتهى.

فقوله: "هل ذلك إنشاء للنذر، أو إقرار به" صريح في أنه إذا تصدق بشيء معين، فقال: هذا صدقة، إنه نذر حقيقة، فإذا علمت ما ذكره علماؤنا -رحمهم الله تعالى- من أحكام الهبة، وقد صرحوا بأن الصدقة نوع من الهبة، لها حكم الهبة، بل صرحوا باعتبار القبول للصدقة، ولم يخصوا بذلك نوعا منها، وجعلوا حكم الصدقة المعينة حكم المنذورة، ظهر لك حكم مسألة السؤال، إن شاء الله تعالى.

الوصية في الثلث بدون إجازة الورثة

وأما المسألة الثانية: وهي ما إذا أوصى إنسان بشيء من ماله، يحج به لبعض ورثته، أو يضحي به عنه، فالذي يظهر صحة هذه الوصية ولزومها في الثلث بدون إجازة، لأن الموصى له لا يملكها، ولا ينفع بها، وإنما يرجو ثوابها في الآخرة، فهي كصدقته في مرضه، وجعل ثوابها للوارث، وقد قال الأصحاب في تعليل صحة وقف المريض ثلثه، أو وصيته بوقفه على بعض

ص: 157

الورثة بأنهم لا يبيعون ذلك، ولا يهبونه، إنما ينتفعون به.

ومسألة السؤال أولى بالجواز، لأن الموصى له بأن يحج عنه ونحوه لا يملك الموصى به، ولا ينتفع به في الدنيا، والموقوف عليه ينتفع به، ويملكه على المشهور. ولما ذكر الزركشي تعليل الأصحاب لمسألة الوقف المذكورة قال: قلت: وكأنه عتق الوارث، انتهى. يشير –والله أعلم- إلى ما ذكروه في تصرف المريض إذا ملك وارثه بشراء ونحوه، وقياس مسألتنا على مسألة العتق أولى، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن بعد ختم الكتاب عثرت على فتيا منسوبة لأبي المواهب الحنبلي: أنه سئل عمن أوصى بأن يحج عن أمه من ماله، وأمه حية، فأفتى بأن ذلك يقف على إجازة الورثة -والله أعلم-. والذي يترجح عندي ما ذكرته في جواب خطك، ولكن حصل بعض التردد، وأحببت تشريفك على ذلك لتنظر، وتتأمل، والسلام.

ومن كلام لأحمد المذكور قال: وأما الحجة فليست بمال، ولا يقصد بها المال، وإنما هي قربة فلا يملك الموصى له بها لو كان حيا تصرفا، فلا تثبت بدون رجلين، والله أعلم.

وضع الجار الخشب على جدار جاره

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الأخ المكرم محمد آل عمر بن سليم، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وغير ذلك من حال ما سألت عنه.

فقول الفقهاء: لا يزال الضرر بالضرار فهذا كما قالوا في ان الجار لا يملك

ص: 158

وضع الخشب على جدار جاره إلا عند الضرورة إليه، فإن كان جدار الجار يتضرر بوضع الخشب عليه، لم يجز، لأن الضرر لا يزال بالضرر. وكما لو كان مع إنسان طعام أو شراب، هو مضطر إليه، وإنسان آخر مضطر إلى ذلك، فصاحبه أحق به؛ فلا يزال ضرر غير المالك بإدخال الضرر على المالك، ويدخل في ذلك صور كثيرة.

الإمام إذا حصل في صلاته نقص

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم" 1، وهذا يدل على أن الإمام إذا حصل في صلاته نقص فالإثم عليه دون المأموم، حتى لو صلى الإمام محدثا، جاهلا أو ناسيا، ولم يعلم المأموم حتى فرغ، فصلاته صحيحة. وأما قول من قال من الفقهاء: أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة إمامه، فمرادهم كما لو أحدث في صلاته؛ فبطلت، فتبطل صلاة المأموم، إذا علم حدث إمامه؛ مع أن كثيرا من العلماء لا يرون بطلان صلاة المأموم إذا بطلت صلاة إمامه، وهو رواية عن أحمد وفاقا لمالك والشافعي. وأما إذا سلم الإمام من نقص سهوا، ثم تكلم في تلك الحال بكلام لمصلحة الصلاة، فالصحيح أن صلاته لا تبطل، في رواية مشهورة عن أحمد اختارها جماعة من أصحابه وفاقا للشافعي.

شرط المرأة على الزوج طلاق زوجته

وأما شرط المرأة على الزوج طلاق زوجته فأكثر الأصحاب يصححون هذا الشرط،، بمعنى: أن لها الفسخ إذا لم يف. واختار الموفق، وجماعة من الأصحاب -عدم صحة هذا الشرط، وأنها لا تملك الفسخ إذا لم يف، للنهي عنه في الحديث الصحيح، وأرجو أن هذا القول أقرب.

قلب الدين

وأما مسألة قلب الدين في الصورة التي ذكرتم، وهي: ما إذا كان له على آخر دراهم، وطلب منه الوفاء، وادعى العسرة، فقال: أسلم إليك دراهم

1 البخاري: الأذان (694) ، وأحمد (2/355،2/536) .

ص: 159

في طعام توفيني بها، فإن كان المسلم إليه معسرا، وأكرهه غريمه على ذلك فهو حرام باتفاق الأئمة، قاله الشيخ تقي الدين، قال: لأنه مكره بغير حق. وإن كان المسلم إليه غير معسر، فالذي يظهر لنا عدم الجواز، لأن ذلك يتخذ حيلة على جعل الدين رأس مال سلم، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

جعل تعليم القرآن صداقا

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد آل عمر بن سليم إلى جناب شيخنا المكرم عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فأفتنا -عفا الله عنك- هل تعليم شيء من القرآن يجوز أن يكون صداقا أم لا؟ والحديث الذي فيه "أنه صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن وقال: لا تكون لأحد بعدك مهرا"، هل هو صحيح أم لا؟ كذلك -عفا الله عنك- إذا زرع إنسان أرضا مغصوبة، هل يكون عيشها مكروها أم لا؟ وهل يجوز للإنسان أن يشتري منه أم لا، أو سلم له في عيشها؟

وعن ولد الزنى إذا صلح، هل يجوز له إهداء شيء من القرب، مثل: الحج والتضحية لوالديه أم لا؟ وهل هو مسنون؟ أو مكروه؟ كذلك الرقيق الذي ما يدري عن والديه إذا عتق؟

وعن قول بعض الناس لبعض في أثناء الكلام: يا ذخري كذا وكذا، ماذا يكون؟ وعن ما إذا كان طريق على طرف المقبرة، هل يكره للنساء المرور منه أم لا؟ وعن قول بعض الفقهاء وإن اجتازت المرأة بقبر، فسلمت عليه، فحسن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 160

الجواب، وبالله التوفيق.

المسألة الأولى: اختلف العلماء في جواز جعل تعليم القرآن صداقا، وفي ذلك عن أحمد روايتان إحداهما: لا يجوز. اختارها أكثر أصحابه وفاقا لمالك وأبي حنيفة، والرواية الثانية: يجوز، وفاقا للشافعي.

وأما حديث: "لا تكون لأحد بعدك مهرا" فالظاهر عدم صحته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

زرع الأرض المغصوبة

وأما زرع الأرض المغصوبة فلا علمت فيه حكما واضحا، والأولى التنزه عنه، ولا أحب المعاملة فيه. وإهداء ولد الزنى لوالديه المسلمين جائز حسن- إن شاء الله- أعني إهداء جميع القرب والتضحية عنهما، والحج وغير ذلك. وأما الرقيق الذي لا يعلم حال والديه فلا بأس بدعائه لهما، وكذا إهداء القرب.

وقول بعض الناس: "يا عضيدي"، الظاهر أن المراد بمثل هذا المعاونة على ما ينوبه من أموره، مثل: انتصاره به على عدوه ونحوه، لا بأس به.

وإذا كان للناس طريق على حد المقبرة، ومرت معه امرأة وسلمت فلا بأس، لأنها لا تسمى زائرة، والله –سبحانه وتعالى أعلم.

أسقط عن المعسر أو فقير غير معسر زكاة الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

من محمد آل عمر بن سليم إلى جناب الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمنأبا بطين) سلمه الله تعالى، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : أفتنا -أثابك الله، وأحسن لك الخاتمة- عما إذا كان لإنسان على آخر دين، والمدين معسر، هل يجوز أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك

ص: 161

الدين، ويكون ذلك زكاة الدين أم لا؟ وعما إذا كان مصرف ريع الوقف في أضحية وقربة، هل يجوز أن يجعل جلد الأضحية قربة، أم لا بد أن يشتري جلدا غير جلد الأضحية؟ وعن قول بعض الناس: يحق من الله أن يكون كذا، إذا كان أمر نعمة، وعن قول بعض الناس: وحق الله، هل هو حلف بغير الله، أو لغو؟ وعن قول بعض الناس: بالرحمن نفعل كذا، أو يكون كذا، أو ما صار كذا، أو ما فعلت كذا، وعن الدعاء عند دخول الإمام يوم الجمعة، وبين الخطبتين، وبين الإقامة والصلاة، وعن الدعاء بعد الفريضة، وبعد التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين، هل الدعاء في هذه المواضع مستحب أو مكروه أو مباح، أو بعضها مستحب، وبعضها مكروه؟ وعن رفع اليدين بالدعاء في هذه المواضع، هل هو مستحب أو مكروه أو مباح، أو ما كان مكروها فرفع اليدين فيه مكروه، وما كان مستحبا فرفع اليدين فيه مستحب؟.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فالجواب -وبالله التوفيق- المعروف، المعمول به في المذهب –أنه إذا أسقط عن المعسر، أو فقير غير معسر زكاة الدين الذي عليه، أن ذلك لا يجوز، ولا يجزئ.

شرط في غلة الوقف أضحية وقربة

وإذا شرط في غلة الوقف أضحية، وقربة، فالذي أرى أنه يلزمه شراء قربة، فلا يكتفي بجلد الأضحية، والله أعلم.

وأما قول بعض الجهال: يحق من الله أن يكون كذا، فهذه كلمة قبيحة، يخاف أن تكون كفرا، فينهى من قال ذلك، وينصح.

ص: 162

الدعاء عند دخول الإمام يوم الجمعة وحال جلوسه بين الخطبتين

وأما الدعاء عند دخول الإمام يوم الجمعة، وحال جلوسه بين الخطبتين –فلا علمت فيه شيئا، ولا ينكر على فاعله الذي يتحرى الساعة المذكورة في يوم الجمعة.

وأما الدعاء بعد الإقامة فلم يرد فيه شيء، والأولى عدم فعله، وأما الدعاء بعد الفرائض، فإن فعله إنسان بينه وبين الله، فحسن.

وأما رفع اليدين في هذه الحال فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم-وخير الهدي هدي محمد، ومثل هذا ما أرى الإنكار على فاعله، ولو رفع يديه.

الحلف بحق الله

وأما الحلف بحق الله فكثير من أهل العلم يجوزه، وبعضهم يمنع منه، والمشهور في المذهب جوازه. وأما قول بعض الناس لك: لله ما فعلت كذا، فإذا لم يكن للقائل نية فهو لغو. وقول بعض الناس: بالرحمن نفعل، إن كان مراده الاستعانة فلا بأس، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

السكة إذا كسدت بتحريم السلطان لها أو بغيره

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الولد المكرم عبد الرحمن بن محمد بن مانع، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وموجب الخط إبلاغ السلام، والخط الشريف وصل، ومن حال المسائل المذكورة فيه.

فأما مسألة السكة إذا كسدت بتحريم السلطان لها أو بغيره، أو رخصت -فالأصحاب إنما أوجبوا القيمة، إذا حرمها السلطان، فمنع المعاملة بها سواء اتفق الناس على ترك المعاملة بها أو لا. وذكروا نص الإمام أحمد في القرض، وقاسوا عليه النقد المعين في المبيع، وثمن المبيع إذا رد بعيب ونحوه

ص: 163

بعد قبض البائع له ونحو ذلك، وقد ذكر المسألة ناظم المفردات وهي منها، فنذكر بعض كلامه، وكلام شارحها، فقال:

والنقد في المبيع حيث عينا

وبعد ذا كساده تبينا

نحو الفلوس ثم لا يعامل

بها فمنه عندنا لا تقبل

بل قيمة الفلوس يوم العقد

والقرض أيضا هكذا في الرد

ي: إذا وقع العقد بنقد معين: كدراهم مكسرة أو مغشوشة أو بفلوس، ثم حرمها السلطان، فمنع المعاملة بها مثل قبض البائع لها، لم يلزم البائع قبضها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد. وكذلك لو أقرضه نقدا، أو فلوسا، فحرم السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض، لم يلزم المقرض قبوله، ولو كان باقيا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد إن أفضى إلى ربا الفضل، فإذا كان دراهم أعطي عنها دنانير وبالعكس؛ لئلا يؤدي إلى الربا قال الناظم:

ومثله من رام عود الثمن

من رده المبيع خذ بالأحسن

قد ذكر الأصحاب ذا في ذا الصور

والنص في القرض عيانا قد ظهر

أي: مثل ما تقدم من اشترى معيبا أو نحوه بدراهم مكسرة، أو مغشوشة أو فلوس، وأقبضها للبائع، فحرمها السلطان.

بيعتين في بيعة

وأما صورة بيعتين في بيعة فكثيرة جدا، وضابطه: أن يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، ونص الإمام أحمد على صور من ذلك: كأن يشترط أحدهما على صاحبه سلما أو قرضا أو بيعا أو شركة أو إجارة أو صرفا للثمن أو غيره.

قال الأصحاب: وكذلك كل ما كان في معنى ذلك، مثل أن يقول:

ص: 164

بعتك كذا بكذا على أن تزوجني ابنتك، أو على أن أزوجك بنتي، وكذا أن تنفق على عبدي، أو دابتي، أو على حصتي من ذلك قرضا أو مجانا، فهذه الصور مما نص عليه الأصحاب وغيرهم، فإذا عرفت ضابط المسألة، تبين لك تفصيلها وأنواعها، فإذا أجره داره بكذا، بشرط أن يؤجره داره، أو يبيعه كذا بكذا، أو ساقاه على نخله، أو زارعه على أرضه، بشرط أن يبيعه كذا، أو يقرضه كذا، ونحو ذلك من اشتراط عقد في عقد آخر، فهو من نحو بيعتين في بيعة، وهو صفقتان في صفقة، وقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود مرفوعا: أنه نهى عن صفقتين في صفقة. وقد فسر جماعة من الأئمة البيعتين في بيعة بأن يقول بائع السلعة: هي بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا. وحديث "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا" 1 رواه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا.

قال الشيخ تقي الدين: للناس في بيعتين في بيعة تفسيران: أحدهما) أن يقول: هو لك بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا، كما رواه سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبيه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة" 2، قال سماك:"هو الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنساء بكذا، وهو ينقد بكذا وكذا" رواه الإمام أحمد. وعلى هذا فله وجهان:

أحدهما: أن يبيعه بأحدهما مبهما، ويتفرقا على ذلك، وهذا تفسير جماعة من أهل العلم، لكنه يتعذر من هذا الحديث، يعني حديث "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا" 3 هذا لفظ الحديث، قال: فإنه لا مدخل للربا هنا، ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بثمن مبهم.

والثاني: أن يقول: هي بنقد بكذا، وأبيعها بنسيئة بكذا، الصورة التي ذكرها ابن عباس رضي الله عنه فيكون قد جمع صفقتي النقد والنسيئة

1 أبو داود: البيوع (3461) .

2 أحمد (1/398) .

3 أبو داود: البيوع (3461) .

ص: 165

في صفقة واحدة، وجعل النقد معيار النسيئة، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم:"فله أوكسهما أو الربا" 1، فإن مقصوده حينئذ هو بيع دراهم عاجلة بآجلة، فلا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين، وهو مقدار القيمة العاجلة، فإن أخذ الربا فهو مربي.

التفسير الثاني: أن يبيعه الشيء بثمن، على أن يشتري المشتري منه ذلك الثمن، أولى منه أن يبيعه السلعة على أن يشتريها البائع بعد ذلك، وهذا أولى بلفظ البيعتين في بيعة؛ فإنه باع السلعة وابتاعها، أو باع الثمن وابتاعه، وهذه صفقتان في صفقة، وهذا بعينه هو العينة المحرمة وما أشبهها. ومثل أن يبيعه نسأ، ثم يشتري بأقل نقدا أو بنقد، ثم يشتري بأكثر منه نسأ، ونحو ذلك؛ فيعود حاصل هاتين الصفقتين إلى أن يعطيه دراهم، ويأخذ أكثر منها، وسلعته عادت إليه؛ فلا يكون له إلا أوكس الصفقتين، وهو النقد، فإن ازداد فقد أربى.

مات ولم يحج

وأما من مات ولم يحج، فإن كان قد وجب عليه الحج قبل موته لاستكمال شروط الوجوب في حقه، وجب أن يحج عنه من رأس ماله أوصى به أم لا. وإن كان الميت لم يجب عليه الحج في حياته لعدم تكامل شرائط الوجوب في حقه في حياته، لم يجب أن يحج عنه من ماله إن لم يوص به؛ فإن أوصى به فمن ثلثه. هذا ما ذكره أصحابنا وغيرهم.

وضع الجائحة في الأرض المستأجرة

وأما ثبوت الجائحة في الأرض المستأجرة ونحوها، فاختيار الشيخ تقي الدين معلوم لديكم، وجمهور العلماء على خلافه. بل قال في المغني والشرح: لا نعلم فيه خلافا، ولفظ الشارح بأن استأجر أرضا، فزرعها، فتلف الزرع، فلا شيء على المؤجر، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا لأن المعقود عليه منافع الأرض، ولم تتلف، إنما تلف مال المستأجر فيها، فصار كدار استأجرها ليقصر فيها ثيابا،

1 أبو داود: البيوع (3461) .

ص: 166

فتلفت الثياب فيها، انتهى.

ولم يحك صاحب الإنصاف إثبات الجائحة في الإجارة عن غير الشيخ تقي الدين إلا ما حكاه عن أبي الفضل في الحمام، وقد ذكر الشيخ عن اختياره أنه خلاف ما رآه عن أحمد. والذي نعتمده في المسألة الصلح إن تيسر، وإلا لم نحكم بوضع شيء من الأجرة، كما هو قول جمهور العلماء. والفرق بين الثمرة والأجرة أن المعقود عليه في شراء الثمرة هو عين الثمرة، والمعقود عليه في الإجارة منافع الأرض؛ ولهذا لو تركها المستأجر معطلة، فلم ينتفع بها لزمته الأجرة لتلف المنافع تحت يده. فالمعقودعليه في الإجارة نفع الأرض، فالتالف غير المعقود عليه. قال في الاختيارات لما ذكر إثبات الجائحة في أجرة الأرض: وبعض الناس يظن أن هذا خلاف ما في المغني من الإجماع، وهو غلط؛ فإن الذي في المغني أن نفس الزرع إذا تلف يكون من ضمان المستأجر صاحب الزرع، لا يكون كالثمرة المشتراة، فهذا ما فيه خلاف، وإنما الخلاف في نفس أجرة الأرض، ونقص قيمتها، فيكون كما لو انقطع الماء عن الرحى.

طلق زوجته وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه

وأما الذي طلق زوجته، وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه، فإنه يعمل بقوله، ولا يقبل قولها: أنه واقعها بعد ذلك، إلا ببينة والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

دخل إليه مدينان ليدفعا إليه ماله عليهما ثم وجد نقصا

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) رحمه الله تعالى.

(الأولى) : رجل دخل إليه مدينان ليدفعا إليه ماله عليهما، فأخرج أحدهما عشرة دراهم، وقال: هذه هي التي عندي لك، خذها لتحسبها، فقال: ضعها

ص: 167

وقال الآخر كذلك، وأمره أن يضعها على دراهم الأول، أو إلى جنبها، فأخذهما صاحب الحق جميعا، وحسبهما، فوجد نقصا، لا يدري من أيهما، فما الحكم في ذلك؟

(فأجاب رحمه الله تعالى) بأن له على كل منهما اليمين أنه دفع إليه حقه تاما، وليس له إلا ذلك، لأنه فرط في خلطهما، فلم تكن الدعوة على إنسان بعينه، بل عليهما جميعا، وهي لا تسمع إلا على معين.

موافقة الرسول ظاهرا وباطنا

(الثانية) : ما معنى قول الحموية: أما الذين وافقوه ببواطنهم، وعجزوا عن إقامة الظواهر، أو الذين وافقوه بظواهرهم، وعجزوا عن تحقيق البواطن، أو الذين وافقوه ظاهرا وباطنا بحسب الإمكان، لا بد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصا يذمونهم به، ويسمونهم بأسماء مكذوبة، وإن اعتقدوا صدقها كقول الرافضة: من لم يبغض أبا بكر، وعمر، فقد أبغض عليا.

(فأجاب رحمه الله تعالى) : لما ذكر قبل ذلك: أن السنة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقادا واقتصادا وقولا وعملا، ثم ذكر التابعين له على بصيرة، الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات، باطنا وظاهرا، ثم ذكر الفريق الذين وافقوه ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، فهم الذين وافقوه اعتقادا وعجزوا عن إقامة القول والعمل، كالدعوة إلى الله - سبحانه-، وطائفة وافقوه في الظواهر وعجزوا عن تحقيق البواطن على ما هي عليه من الفرق بين الحق والباطل بقلوبهم، ففيهم نقص من هذا الوجه، وفريق وافقوه ظاهرا، وباطنا، بحسب الإمكان، لكنهم دون الأولين التابعين له على بصيرة، اعتقادا واقتصادا قولا وعملا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

إطلاق الإمامة على من ليس قرشي

(الثالثة) : إن قال بعض الجهال: إن من شرط الإمام أن يكون قرشيا، ولم يقل عارضيا، يشير إلى أنه قد ادعاها من ليس من أهلها، يعني شيخ

ص: 168

الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- ومن قام معه وبعده بما دعا إليه، وأيضا: إن البغاة تحل دماؤهم دون أموالهم، وقد استحل الأموال، والدماء من العلماء وغيرهم، فما الجواب؟ أفدنا وفقك الله للصواب.

(الجواب) وبالله التوفيق: إذا قال بعض الجهال ذلك فقل له: ولم يقل تركياً، فإذا زال هذا الأمر عن قريش، فلو رجع إلى الاختيار لكان العرب أولى به من الترك؛ لأنهم أفضل من الترك؛ ولهذا ليس التركي كفوا للعربية، فلو تزوج تركي بعربية كان لمن لم يرض من الأولياء فسخ هذا النكاح، وهذا الذي يعظمه الناس تركي لا قرشي، وهم أخذوها بغيا على قريش. ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم، ودعا إلى هدى، وقاتل عليه، ولم يلقب في حياته بالإمام، ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود، ما كان أحد منهما يسمى إماما في حياته، وإنما حدث تسمية من تولى إماما بعد موتهما.

وأيضا، فالألقاب أمرها سهل، وهذا من صار واليا في صنعاء سمي إماما، وصاحب مقط يسمى إماما. وقتال الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قاتله ليس لكونهم بغاة، وإنما قاتلهم على ترك الشرك، وإزالة المنكرات، وعلى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والذين قاتلهم الصديق والصحابة لأجل منع الزكاة، لم يفرقوا بينهم وبين المرتدين في القتل وأخذ الأموال.

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية -رحمه الله تعالى-: كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق والصحابة مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم

إلى أن قال:

ص: 169

فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال أو الخمر أو الزنى والميسر، أو عن التزام جهاد الكفار، وغير ذلك من واجبات الدين، ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها لوجوبها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء

إلى أن قال: وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة، انتهى.

وأيضا، فالمشار إليهم في السؤال، لا نقول: إنهم معصومون، بل يقع منهم أشياء تخالف الشرع، ولولا ما يحدث من المخالفات، لم يسلط عليهم عدوهم، لكن عوقبوا بأن سلط عليهم من هم خير منهم وأحسن.

"إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني" والذي أدركنا من سيرة هذه الطائفة المشار إليها ما بقي منها إلا الاسم {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1. واحتجاج بعض الناس بقول بعض العلماء: يباح الدعاء في الخطبة لمعين، ولم يقولوا: يسن، وأيضا فالدعاء حسن، يُدعَى له بأن الله يصلحه، ويسدده، ويصلح به، وينصره على الكفار، وأهل الفساد، وما في الخطب من الثناء، والمدح بالكذب الواجب على ولي الأمر، أولا- البداءة برعيته بإلزامهم شرائع الإسلام، وإزالة المنكرات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، فهذا أهم وأوجب من جهاد العدو الكافر، وهذا مما يستعان به على جهاد الكفار، لما روي: "إنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم" وولي

1 سورة البقرة آية: 213.

ص: 170

الأمر إنما يدعى له، لا يمدح، لا سيما بما ليس فيه. وهؤلاء الذين يُمدحون في الخطب هم الذين أماتوا الدين، فمادحهم مخطئ، وليس في الولاة اليوم من يستحق المدح، لا يثنى عليه، وإنما يُدعى لهم بالتوفيق، والهداية، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

الإيمان بالقدر ومعناه

بسم الله الرحمن الرحيم

من جمعان بن ناصر إلى جناب الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : أمتعنا الله بحياتك، المرجو من إحسانك الإفادة عن القدَرية ومذهبهم، وعن المعتزلة ومذهبهم، وعن الخوارج ومذهبهم، أثابك الله الجنة بمَنِّه وكرمه.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فالجواب -وبالله التوفيق- قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبريل بالاعتقاد الباطن فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"1.

والأحاديث في إثبات القدر كثيرة جدا. والقدر الذي يجب الإيمان به على درجتين:

الدرجة الأولى: الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر، وطاعة ومعصية، قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو من أهل النار؛ وأعد لهم الثواب، والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم؛ وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه، وكتابه.

والدرجة الثانية: الإيمان بأن الله خلق أفعال العباد كلها: من الكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، وشاءها منهم؛ فهذه الدرجة يثبتها أهل السنة والجماعة،

1 مسلم: الإيمان (8)، والترمذي: الإيمان (2610)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990)، وأبو داود: السنة (4695)، وابن ماجه: المقدمة (63) ، وأحمد (1/28) .

ص: 171

وينكرها جميع القدرية، يقولون: إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم، بل هم الذين يخلقون أفعال أنفسهم من خير وشر، وطاعة ومعصية.

والدرجة الأولى نفاها غلاة القدرية: كمعبد الجهني، وعمرو بن عبيد؛ ونص أحمد والشافعي على كفر هؤلاء.

القول بأن الله لم يخلق أعمال العباد ولم يشأها

وأما من قال: إن الله لم يخلق أعمال العباد ولم يشأها منهم، مع إقرارهم بالعلم، ففي تكفيرهم نزاع مشهور بين أهل العلم. فحقيقة القدر الذي فرض علينا الإيمان به أن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى علم ما العباد عاملون قبل أن يوجدهم، وأنه كتب ذلك عنده، وأن أعمال العباد خيرها وشرها مخلوقة لله، واقعة بمشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله -تعالى-:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 1، وقال:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} 4.

فهذه الآيات ونحوها صريحة في أن أعمال العباد خيرها وشرها، وضلالهم واهتداءهم، كل ذلك صادر عن مشيئته، وقال –تعالى-:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} 5 وقال: {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} 6، فدل ذلك على أن الله –سبحانه- هو الذي جعلها فاجرة، أو تقية، وأنه خلق الإنسان هلوعا، خلقه متصفا بالهلع. وقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} 7، ففي هذه الآية بيان أن الله خلق المؤمن وإيمانه، والكافر وكفره. وقد صنف البخاري -رحمه الله تعالى- كتاب خلق أفعال العباد، واستدل بهذه الآيات، أو بعضها على ذلك، وفي الحديث:"إن الله خلق كل صانع وصنعته".

الأدلة على تقدم علم الله سبحانه بجميع الكائنات قبل إيجادها

أما الأدلة على تقدم علم الله -سبحانه- بجميع الكائنات قبل إيجادها، وكتابته ذلك، ومنها السعادة والشقاوة، وبيان أهل الجنة وأهل النار قبل

1 سورة المدثر آية: 31.

2 سورة الأنعام آية: 137.

3 سورة البقرة آية: 253.

4 سورة الأنعام آية: 107.

5 سورة الشمس آية: 7.

6 سورة المعارج آية: 19.

7 سورة التغابن آية: 2.

ص: 172

أن يوجدهم، فكثيرة جدا، كقوله -تعالى-:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 1.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" 2، وفي حديث آخر:"إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة"3.

والأحاديث في هذا كثيرة جدا، فهؤلاء الذين وصفنا قولهم بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم، هم القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة. وقابلتهم طائفة أخرى غلوا في إثبات القدر، وهم يسمون الجبرية، فقالوا: إن العبد مجبور مقهور على ما يصدر منه، لا قدرة له فيه، ولا اختيار؛ بل هو كغصن الشجرة الذي تحركه الريح. والذي عليه أهل السنة، والجماعة: الإيمان بأن أفعال العباد مخلوقة لله، صادرة عن مشيئته، وهي أفعال لهم، وكسب لهم باختيارهم؛ فلذا ترتب عليها الثواب والعقاب. والسلف يسمون الجبرية قدرية؛ لخوضهم في القدر.

ولهذا ترجم الخلال في كتاب السنة، فقال: الرد على القدرية، وقولهم: إن الله جبر العباد على المعاصي، ثم روى عن بقية، قال: سألت الزبيدي، والأوزاعي عن الجبر، فقال الزبيدي: أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل، ولكن يقضي، ويقدر، ويخلق، ويَجبُل عبده على ما أحب.

وقال الأوزاعي: ما أعرف للجبر أصلا من القرآن ولا السنة، فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والجبل والخلق، فهذا يعرف من القرآن، والحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: فهذان الجوابان اللذان

1 سورة الحديد آية: 22.

2 مسلم: القدر (2653)، والترمذي: القدر (2156) ، وأحمد (2/169) .

3 الترمذي: تفسير القرآن (3319) ، وأحمد (5/317) .

ص: 173

ذكرهما هذان الإمامان في عصر تابعي التابعين من أحسن الأجوبة.

أما الزبيدي فقال ما تقدم؛ وذلك لأن الجبر في اللغة: إلزام الإنسان بغير رضاه، كما يقول الفقهاء: هل تجبر المرأة على النكاح أم لا؟ وإذا عضلها الولي ماذا تصنع؟ فقال: الله أعظم من أن يجبر، أو يعضل؛ لأن الله قادر على أن يجعل العبد مختارا راضيا لما يفعله، مبغضا تاركا لما يتركه، فلا جبر على أفعاله الاختيارية، ولا عضل عما يتركه لكراهته أو عدم إرادته. وروي عن سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- أنه أنكر جَبَرَ، وقال: الله -سبحانه- جَبَلَ العباد. وقال الراوي عنه: أراد قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "بل جبلت عليهما"1، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله. يعني الحلم والإناءة.

وقال المروزي للإمام أحمد: إن رجلا يقول: إن الله جبر العباد، فقال: لا نقول هكذا، وأنكر هذا، وقال:{يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 2.

عقيدة المعتزلة

وأما المعتزلة: فهم الذين يقولون بالمنزلة بين المنزلتين، يعنون أن مرتكب الكبيرة يصير في منزلته بين الكفر والإسلام، فليس هو بمسلم ولا كافر. ويقولون: إنه يخلد في النار، ومن دخل النار لم يخرج منها بشفاعة، ولا غيرها. وأول من اشتهر عنه ذلك عمرو بن عبيد، وكان هو وأصحابه يجلسون معتزلين الجماعة، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة؛ وهم كانوا بالبصرة بعد موت الحسن البصري. وضَم المعتزلة إلى ذلك التكذيب بالقدر، ثم ضموا إلى ذلك نفي الصفات، فيثبيتون الاسم دون الصفة، فيقولون: عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهكذا سائر الصفات؛ فهم قدرية جهمية، وامتازوا بالمنزلة بين المنزلتين، وخلود عصاة الموحدين في النار.

1 ابن ماجه: الزهد (4187) .

2 سورة المدثر آية: 31.

ص: 174

عقيدة الخوارج

وأما الخوارج: فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وقبل ذلك قتلوا عثمان؛ وكفروا عثمان وعليا وطلحة والزبير ومعاوية وطائفتي علي ومعاوية، واستحلوا دماءهم. وأصل مذهبهم الغلو الذي نهى الله عنه، وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فكفَّروا من ارتكب كبيرة، وبعضهم يكفر بالصغائر، وكفروا عليا، وأصحابه بغير ذنب، فكفروهم بتحكيم الحَكمَين: عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وقالوا: لا حكم إلا لله، واستدلوا على قولهم بالتكفير بالذنوب بعمومات أخطؤوا فيها، وذلك كقوله –سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً} 2، وقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} 3 الآية، وغير ذلك من الآيات.

وأجمع أهل السنة، والجماعة أن أصحاب النار لا يخلدون في النار، إذا ماتوا على التوحيد، وأن من دخل النار منهم بذنبه يخرج منها كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا فلو كان الزاني، وشارب الخمر، والقاذف، والسارق، ونحوهم، كفارا مرتدين، لكان حكمهم في الدنياالقتل، الذي هو حكم الله في المرتدين، فلما حكم الله على الزاني البكربالجلد، وعلى السارق بالقطع، وعلى الشارب، والقاذف بالجلد، قلنا: حكم الله فيهم بذلك لأنهم لم يكفروا بهذه الذنوب كما تزعمه الخوارج.

فإذا عرفت مذهب الخوارج أن أصله التكفير بالذنوب، وكفَّروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلوا قتلهم متقربين بذلك إلى الله، فإذا تبين لك ذلك تبين ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة، في زعمهم أن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- وأتباعه خوارج، ومذهبهم مخالف

1 سورة الجن آية: 23.

2 سورة النساء آية: 14.

3 سورة النساء آية: 93.

ص: 175

لمذهب الخوارج، لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ويعتقدون فضلهم على من بعدهم، ويوجبون أتباعهم، ويدعون لهم، ويضللون من قدح فيهم، أو تنقص أحدا منهم. ولا يكفرون بالذنوب، ولا يخرجون أصحابها من الإسلام، وإنما يكفرون من أشرك بالله، وحسن الشرك؛ والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع. فكيف يجعل هؤلاء مثل أولئك؟ وإنما يقول ذلك معاند يقصد التنفير للعامة، أو يقول ذلك جاهلا بمذهب الخوارج، ويقوله تقليدا.

ولو قدرنا أن إنسانا يقع منه جراءة وجسرة على إطلاق الكفر جهلا منه، فلا يجوز أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم وعلماؤهم بعده؛ وهذا أمر ظاهر للمنصف، وأما المعاند المتعصب فلا حيلة فيه. إذا عرفت مذاهب الفرق المسؤول عنها، فاعلم أن أكثر أهل الأمصار اليوم أشعرية، ومذهبهم في صفات الرب –سبحانه وتعالى موافق لبعض ما عليه المعتزلة الجهمية؛ فهم يثبتون بعض الصفات دون بعض. فيثبتون الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وينفون ما سوى هذه الصفات بالتأويل الباطل، مع أنهم وإن أثبتوا صفة الكلام موافقة لأهل السنة فهم في الحقيقة نافون لها لأن الكلام عندهم هو المعنى فقط، ويقولون: حروف القرآن مخلوقة؛ لم يتكلم الله بحرف ولا صوت. فقالت لهم الجهمية: هذا هو نفس قولنا: إن كلام الله مخلوق لأن المراد الحروف لا المعنى.

تقارب الأشعرية من المعتزلة والجهمية في بعض الصفات

ومذهب السلف قاطبة: أن كلام الله غير مخلوق، وأن الله -تعالى- تكلم بالقرآن، حروفه ومعانيه، وأن الله سبحانه وتعالى يتكلم بصوت يسمعه من يشاء.

والأشعرية لا يثبتون علو الرب فوق سماواته واستواءه على عرشه

ص: 176

ويسمون من أثبت صفة العلو والاستواء على العرش مجسما مشبها، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يثبتون صفة العلو، والاستواء، كما أخبر الله –سبحانه- بذلك عن نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تعطيل.

وصرح كثير من السلف بكفر من لم يثبت صفة العلو والاستواء. والأشاعرة وافقوا الجهمية في نفي هذه الصفة، لكن الجهمية يقولون: أنه سبحانه وتعالى في كل مكان، ويسمون الحلولية، والأشعرية يقولون: كان ولا مكان، فهو على ما كان قبل أن يخلق المكان. والأشعرية يوافقون أهل السنة في رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، ثم يقولون: إن معنى الرؤية إنما هو زيادة علم، يخلقه الله في قلب الناظر ببصره، لا رؤية بالبصر حقيقة عيانا. فهم بذلك نافون للرؤية التي دل عليها القرآن، وتواترت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومذهب الأشاعرة: أن الإيمان مجرد التصديق، ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح. قالوا: وإن سميت الأعمال في الأحاديث إيمانا، فعلى المجاز لا الحقيقة.

ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. وقد كفر جماعة من العلماء من أخرج العمل عن الإيمان. فإذا تحققت ما ذكرنا عن مذهب الأشاعرة من نفي صفات الله –سبحانه وتعالى غير السبع التي ذكرنا، ويقولون: إن الله لم يتكلم بحرف، ولا صوت، وأن حروف القرآن مخلوقة، ويزعمون أن كلام الرب سبحانه وتعالى معنى واحد، وأن نفس القرآن هو نفس التوراة والإنجيل، لكن إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعبرانية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل، ولا يثبتون رؤية أهل الجنة ربهم بأبصارهم، إذا عرفت ذلك عرفت

ص: 177

خطأ من جعل الأشعرية من أهل السنة، كما ذكره السفاريني في بعض كلامه، ويمكن أنه أدخلهم في أهل السنة مدارة لهم لأنهم اليوم أكثر الناس، والأمر لهم، والله أعلم، مع أنه قد دخل بعض المتأخرين من الحنابلة في بعض ما هم عليه.

معنى يأس الشيطان من كفر جزيرة العرب

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" 1 فقد يحتج بهذا الحديث من زعم أن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند القبور ومع الجن، مثل سؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والاستعاذة بهم، والتقرب إليهم بالذبح لهم، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادات، ليست عبادة لهم ولا شركا، فيقال:(أولا) : إن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الإياس إلى الشيطان، ولم يقل: إن الله آيسه، فالإياس الصائر من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ولكن عدو الله لما رأى ما ساءه من ظهور الإسلام في جزيرة العرب وعلوه أيس من ترك المسلمين دينهم الذي أكرمهم الله به، ورجوعهم إلى الشرك الأكبر، وهذا كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن الكفار في قوله:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} 2، قال المفسرون: لما رأى الكفار ظهور الإسلام في أرض العرب، وتمكنه فيها، يئسوا من رجوع المسلمين عن الإسلام إلى الكفر.

قال ابن عباس وغيره من المفسرين: يئسوا أن تراجعوا دينهم، قال ابن كثير: وعلى هذا يرد الحديث الثابت في الصحيح أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" 3 يعني أن إياس الشيطان مثل إياس الكفار، وأن الكل يئس من ارتداد المسلمين، وتركهم دينهم، ولا يلزم من ذلك امتناع وجود الكفار في أرض العرب؛ ولهذا قال ابن رجب على الحديث: إن الشيطان يئس أن تجتمع

1 مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2812)، والترمذي: البر والصلة (1937) ، وأحمد (3/313،3/354،3/384) .

2 سورة المائدة آية: 3.

3 مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2812)، والترمذي: البر والصلة (1937) ، وأحمد (3/313،3/354،3/366،3/384) .

ص: 178

الأمة على أصل الشرك الأكبر. يوضح ذلك ما حصل من ارتداد أكثر أهل الجزيرة بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم وقتال الصديق والصحابة لهم على اختلاف تنوعهم في الردة، وقال أبو هريرة لما مات النبي –صلى الله عليه وسلم: وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب، وردة بني حنيفة مشهورة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون" 1 معناه: أنه يئس أن يطيعه المصلون في الكفر بجميع أنواعه، لأن طاعته في ذلك هي عبادته، قال الله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} 2.

ومن استدل بالحديث على امتناع وجود كفر في جزيرة العرب، فهو ضال مضل، فماذا يقول هذا الضال في الذين قاتلهم الصديق والصحابة من العرب، وسموهم مرتدين كفارا؟ فلازم دعوى هذا الضال أنه لم يكفر أحد من العرب بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم، وأن الصحابة أخطؤوا في قتالهم والحكم عليهم بالردة، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى" ومكانهما معلوم، وقال –صلى الله عليه وسلم:"لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس عند ذي الخلصة" 3 وهو صنم لدوس رهط أبي هريرة، بعث النبي –صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي وهدمه. وفي الحديث الصحيح من خبر الدجال:"أنه لا يدخل المدينة بل ينزل بالسبخة؛ فترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج منها على كافر ومنافق" 4 فأخبر أن في المدينة إذ ذاك كفارا ومنافقين.

ويقال –أيضا- لهذا المجادل: بين لنا الشرك الذي حرمه الله وعظم أمره

1 مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2812)، والترمذي: البر والصلة (1937) ، وأحمد (3/313،3/354،3/366،3/384) .

2 سورة يس آية: 60.

3 البخاري: الفتن (7116)، ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2906) ، وأحمد (2/271) .

4 أحمد (4/338) .

ص: 179

فإنه لا يعرفه، أو يفسره بالشرك في الربوبية الذي أقر به المشركون، وحينئذ بينت له أن الشرك في الإلهية، وهو جعل شيء من العبادة لغير الله: كالسجود، ودعاء الأموات والغائبين، والذبح لهم، والنذر لهم، وهذه الأمور كانت تفعل عند مشاهد شركية في اليمن والحرمين، ومع الجن في نجد، وغيرها من الجزيرة.

أيظن هؤلاء المجادلون بالباطل أن العلماء الذين نصوا على أن هذه الأفعال والأقوال من الشرك الأكبر -أنهم لا يعرفون معنى الحديث الذي أوردتموه؟ أو لا يعرفون الشرك؟ وهذا ظاهر ولله الحمد، ونص عليه العلماء، وحكوا الإجماع عليه، وأقاموا عليه الأدلة من الكتاب والسنة. فإن كابر، وعاند، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.

نسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

الكتابة على القبر

سئل الشيخ العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) -رحمه الله تعالى- عن كتب اسم الميت على نصيبة القبر، فقال: داخل في عموم النهي عن الكتابة على القبر.

نصاب الزكاة في الأريل

وسئل كم نصاب الزكاة في الأريل؟ فقال: إحدى وعشرون واثنان وعشرون.

الرسم على القبر

وسئل عن الرسم على القبر فقال: لا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم علم على قبر عثمان بن مظعون بحجر، جعله علما عند رأسه.

فعل ذوات الأسباب في وقت النهي

وسئل عن فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، فقال: الذي يظهر لي أن القول بجوازه أولى.

ص: 180

قول "العمل لأجل الناس شرك وتركه لأجل الناس رياء"

وسئل أيضا عن "العمل لأجل الناس شرك وتركه لأجل الناس رياء"، فقال: هذا من كلام الفضيل بن عياض.

صحة قول "من مات بالحرمين بعث يوم القيامة آمنا "

وسئل عما يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات بالحرمين بعث يوم القيامة آمنا". فقال: كذب لا أصل له.

الصلاة على النبي عليه السلام بعد قنوت الوتر

وسئل عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قنوت الوتر فقال: مستحبة، فقيل: وآله، فقال: لا بأس كما في التشهد.

القول بان الريح أتت سليمان بن داود عليه السلام

وسئل عما ذكر من أن الريح أتت سليمان بن داود عليه السلام، فقال لا أصل له.

تعصيب الصبي

وسئل عما يفعل بالصبي، الذي يسمونه التعصيب، هل يجوز أم لا؟ فقال: ما علمت فيه شيئا، ولكني أكرهه، والله أعلم.

التداوي بالنجس

وسئل عما يحكى من دم البرزاني أنه دواء لعضة الكلب الكلب المسمى الآن بالمغلوث، فقال: لا أصل له، والتداوي بالنجس حرام.

سلم عليه أحد وسأله عن حاله، قال: الله يسأل عن حالك

وسئل عما يقول بعض الناس إذا سلم عليه أحد، وسأله عن حاله، قال: الله يسأل عن حالك، فقال: هذا كلام قبيح ينصح من تلفظ به.

قول البعض أمتعني الله بحياة فلان

وسئل عن قول الإنسان: أمتعني الله بحياة فلان، قال: مرادهم أن الله يبقيه ما دمت حيا، ولا يبين لي فيه بأس، والله -سبحانه- أعلم.

الوطء بعد الحيض قبل الغسل

وسئل عن الوطء بعد الحيض قبل الغسل، أفيه كفارة أم لا؟ فقال: الظاهر أنه ما فيه كفارة.

داوى عينه ليلا في رمضان فوجد طعمه نهارا في حلقه

وسئل عن ما إذا داوى الإنسان عينه ليلا في رمضان، فوجد طعمه نهارا في حلقه، هل يضر ذلك على صيامه؟ فقال: أرجو أنه ما يضر، والله –سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 181

الاستجمار في الأرض

وسئل عن كراهة بعض الناس الاستجمار في الأرض، لأنه خلق منها، فقال: هذا وسواس شيطاني، ما يلتفت إليه.

قول البعض: علي الحرام أو الحرُم

وسئل عما يجري على ألسنة بعض الناس من قولهم: علي الحرام، أو الحرم؟ فقال: إن نوى تحريم شيء فعلى نيته، وإن لم ينو شيئا فلغو، وقول: الله يحرم، بلفظ المضارع، ليس بشيء، والله –سبحانه وتعالى أعلم.

حكم قول البعض: الله يخلي عنا

وسئل عما يجري على ألسنة بعض الناس من قولهم: الله يخلي عنا، هل فيها بأس؟ فقال: ما علمت فيها بأسا لأن معناها: الله يتسامح عنا، والله أعلم.

الحلف بقول: الله يعلم ما فعلت كذا

وسئل عن إقسام بعض الناس بقول: الله يعلم ما فعلت كذا، فقال: إن كان القائل صادقا في قوله فلا بأس، وإن كان كاذبا في قوله: الله يعلم ما فعلت كذا، وهو قد فعله، أو: الله يعلم ما صار كذا، وهو قد صار، فهذا حرام. ولو عرف القائل معنى قوله لكان قوله هذا كفرا، لأن مقتضى كلامه أن الله يعلم الأمر على غير ما هو عليه، فيكون وصفا لله بالجهل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

التحية التي شرعها الله

وسئل عما يستعمله كثير من الناس من قولهم في التحية: الله بالخير، فقال: هذا كلام فاسد خلاف التحية التي شرعها الله، ورضيها، وهو السلام، فقال: صبحك الله بخير، أو الله يصبحك بالخير بعد السلام، فلا ينكر، والله أعلم.

قول بعض الناس: نتبرك بالله ثم بكم

وسئل عن قول بعض الناس: نتبرك بالله، ثم بكم، نتبرك بدخولكم، نتبرك بحضرتكم، فقال: ما علمت فيه شيئا، ولا أحبه خاصة إذا قيل ذلك لمن لا يظن به خيرا.

القول بأن صخرة بيت المقدس نزلت من السماء

وسئل عما يحكى: أن صخرة بيت المقدس نزلت من السماء شيئا فشيئا، وإذا وصلت إلى الأرض قامت الساعة، فقال: هذا كذب باطل.

ص: 182

قول بعض العوام مالك صفاتي

وسئل عما يقول بعض العوام: مالك صفاتي، ماذا يترتب عليه؟ فقال: هذا اللفظ قبيح، ولو قصد به نفي الوصيف مع أنه مراده فيما يظهر، ولو اعتقد معناه في نفي الصفات -كان كفرا، والله أعلم.

الأوراد التي تجزأ

وسئل عن الأوراد التي تجزَّأ: ورد يوم الجمعة، وورد يوم السبت، وورد يوم الأحد،

إلخ، فقال: لا أصل له، الورد واحد لكل يوم.

معنى حديث: " أنا ابن عبد المطلب"

وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لما غشيه الكفار يوم حنين: "أنا ابن عبد المطلب" 1 فقال: هذا إظهار للافتخار، والقوة في تلك الحال.

مزق من كتب أهل السنة شيئا

وسئل عمن مزَّق من كتب أهل السنة شيئا، ما حكمه؟ فقال: إن كان الكتاب مشتملا على آيات وأحاديث، وفعل ذلك امتهانا له، واستهانة، فلا يبعد القول بكفره، والله –سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

قص الشارب وحفه

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمنأبا بطين) رحمه الله تعالى.

(فأجاب) : مسألة قص الشارب وحفه سنة مؤكدة، ويكره تركه، وصرح بعضهم بوجوب القص؛ فيكون عدم قصه محرما لحديث:"من لم يأخذ شاربه فليس منا"2.

الموالاة في الوضوء إذا كان في بعض أعضاء الوضوء ما يتيمم له

(مسألة) : اشتراط بعضهم مراعاة الموالاة في الوضوء، إذا كان ببعض أعضائه جرح، فيلزم من ذلك غسل الصحيح عند كل تيمم، وعدم

1 البخاري: الجهاد والسير (2874)، ومسلم: الجهاد والسير (1776) ، وأحمد (4/280،4/289،4/304) .

2 الترمذي: الأدب (2761)، والنسائي: الطهارة (13) ، وأحمد (4/366،4/368) .

ص: 183

جواز الطهارة قبل الوقت، وفي ذلك مشقة، وأيُّ وجه يكون به الخروج؟

(الجواب) : اشتراط الترتيب بين الوضوء والتيمم، إذا كان في بعض أعضاء الوضوء ما يتيمم له، فالذي يظهر لي عدم وجوب الترتيب، ولأن في ذلك حرجا، وما جعل عليكم في الدين من حرج. وكذلك يترجح عندي عدم وجوب الموالاة. فيعيد التيمم، إذا خرج الوقت الذي يتيمم فيه لبعض أعضاء الوضوء فقط، والله أعلم.

الماء القليل إذا خالطته نجاسة ولم يتغير

(مسألة) : الماء إذا تغير وهو قليل فما الثابت فيه، وهل يفرق بين الجاري، والراكد أم لا؟

(الجواب) : أما الماء القليل إذا خالطته نجاسة، ولم تغيره، فالذي يترجح عندنا طهارته، وأنه لا ينجس إلا بالتغير؛ لكن الاحتياط حسن، نفعله خروجا من الخلاف.

الماء إذا خالطه بول أو روث طاهر

(مسألة) : ماء وردت عليه إبل، وغنم، وهو كثير، وتغير بأبوالها، هل يسلب ذلك طهوريته أم لا؟

(الجواب) : الماء إذا خالطه بول، أو روث طاهر فلا يضره، إذا كان باقيا على إطلاقه. وما تلقيه الريح، والسيول يعفى عنه. استدان من المرتهن دينا آخر وأدخله في الرهن

(مسألة) : إذا كان على زيد لعمر دين، وله به رهن، وأعطاه دينا أيضا، وقال: أنا على رهني السابق، هل يجوز ذلك أم لا؟

(الجواب) : وبالله التوفيق، ما يفعله بعض الناس اليوم، إذا كان عنده رهن –مثلا- في مائة –مثلا- ثم استدان من المرتهن دينا آخر، وأدخله في الرهن، فالأكثر من العلماء لا يجوزون ذلك، وهو المشهور في المذهب، وفيه قول آخر بالجواز، وعمل الناس عليه، ويحكم به، والله أعلم.

الحاج الذي نوى الإقامة بمكة فوق أربعة أيام، هل له القصر أم الجمع

(مسألة) : من كان بعرفة ممن نوى الإقامة بمكة فوق أربعة أيام، هل

ص: 184

الأولى له القصر، أو الجمع؟

(الجواب) : أما الحاج الذي نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام بمكة، فالجمهور على أنه يجوز له الجمع بعرفة، ومزدلفة. وأما القصر بعرفة فالاحتياط الإتمام.

طهارة المني

(مسألة) : اشتراط بعضهم أن طهارة المني لا تكون إلا بعد استنجاء، أو استجمار، وقال قائل: وكذا حكم رطوبة فرج المرأة، هل طهارتها على الإطلاق، أو يتوجه تقييدهم؟

(الجواب) : أما القول في طهارة المني فهو مذهب أحمد، والشافعي، لكن الشافعية يشترطون كون خروجه بعد الاستنجاء بالماء. والحنابلة يقولون بطهارته، ولو كان خروجه بعد استجمار بالحجر، ونحوه، فإن لم يتقدمه استجمار شرعي ففي النفس منه شيء، ولم أر من صرح بحكمه والحالة هذه.

واستدلوا على رطوبة فرج المرأة بدلالة السنة على طهارة المني، ولو كان من جماع، لحديث عائشة –رضي الله عنها: أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله –صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا، وهو –صلى الله عليه وسلم لا يحتلم، والحديث مطلق. ومني الرجل في الجماع يباشر رطوبة فرج المرأة، فدل على طهارتها، لكن صرح الشافعي بأن رطوبة فرج المرأة إذا انفصلت عن محلها تنجس من أصابته، ولم أر لأصحابنا تصريحا بذلك، والله أعلم.

بيع السلم لمن هو عليه بشرط قبضه ثمنه

(مسألة) : بيع السلم لمن هو عليه بشرط قبضه ثمنه، هل يصح أم لا؟

(الجواب) : أما دين السلم لمن هو عليه، فأكثر أهل العلم لا يجوزونه، والشيخ تقي الدين يرى الجواز.

صلاة من أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع ولم يتابعه في السجود

(مسألة) : إذا دخل المسبوق مع الإمام، ولم يدرك الركوع مع الإمام

ص: 185

إذا لم يتابع إمامه في السجود، هل تبطل صلاته أم لا؟

(الجواب) : أما الذي يدخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع فإنه يجب عليه متابعته، لكن أرجو أن ذلك يغتفر في حق الجاهل.

رهن الضامن في الدين الذي ضمن

(مسألة) : رهن الضامن في الدين الذي ضمن، يصح ذلك أم لا؟

(الجواب) : أما رهن الضامن فلا يصح؛ لأنه لم يثبت له حق عند المضمون عنه، ولا يعلم أنه يؤول إلى الثبوت.

دخل المأموم مع الإمام بنية القصر

(مسألة) : إذا دخل المأموم مع الإمام لظنه أنه مسافر لعلامة رآها، فأتم إمامه، ماذا له؟

(الجواب) : إذا دخل المأموم مع الإمام بنية القصر لظنه أن الإمام مسافر، لعلامة رآها، فأتم إمامه، نوى الإتمام، وأجزأته صلاته، والله أعلم.

عق الابن عن نفسه إذا لم يعق عنه أبوه

(مسألة) : إذا لم يعق الأب عن ابنه، هل للابن أن يعق عن نفسه؟

(الجواب) وبالله التوفيق: العقيقة مشروعة في حق الأب فقط، عند الجمهور، واستحب جماعة من الحنابلة أن يعق عن نفسه، إذا بلغ. وهي مشروعة، ولو بعد موت المولود، والله أعلم، وصلى على محمد وآله وصحبه وسلم.

حجز مكان في المسجد وخروج المعتكف من مسجده

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الأخ المكرم صالح بن عبد الرحمن بن عيسى، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فالموجب لتحريره إبلاغ السلام، ومن حال ما سألت عنه، فإذا صار إنسان يجلس في المسجد فلا بأس كونه يجعل عصاه في مكان فاضل، بحيث أنه ما يخرج من المسجد إلا لما لا بد منه، من نحو وضوء، وكذلك

ص: 186

لفطور، وسحور، ونحوه، فلا بأس بجعله عصاه في مكان فاضل. وإن كان يحط عصاه في مكان، ويخرج لأشغاله لنحو: بيع وشراء أو كد ونحوه، فلا ينبغي لمثل هذا يحط عصاه في مكان يحميه عن غيره.

وأما الذي ما يخرج إلا لنحو أكل وشرب أو وضوء، فلا بأس بجعله عصاه في مكان فاضل؛ ليجوز فضيلة الصف الأول، أو وسط الصف، وكذلك الجمعة، وغيرها.

وأما من دخل المسجد، ووجد فيه عصى يضعونها أهلها، ويخرجون لغُرضانهم -فلا بأس بتوخيرها، والمجيء في موضعها، فإن حاذرت من شيء يصير في نفس أخ لك، إذا أخرت عصاه، وجلست في مكانه، فالذي أُحِبُّ تركها، والجلوس في مكان آخر. ولا تنسنا -يا أخي- من دعائك في هذا الشهر المبارك، وفي الحديث الصحيح:"إن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك: ولك بمثل ذلك"1.

ومن حال خروج المعتكف لغسل الجمعة، فلا يخرج له، ولا لغيره من السنن إلا أن يشترط ذلك في أول اعتكافه، فيجوز له الخروج، ويصح شرطه.

وأما السحور: وهو مسنون، وإن قل، كما في الحديث "ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء"2. والسلام، انتهى.

كتاب الحاكم إلى الولاة برؤية الهلال والعمل به

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الأخ المكرم الشيخ عثمان بن علي بن عيسى، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وموجب الخط إبلاغ السلام، وما

1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2732)، وأبو داود: الصلاة (1534)، وابن ماجه: المناسك (2895) ، وأحمد (5/195،6/452) .

2 أحمد (3/12) .

ص: 187

ذكرت من حال كتاب الحاكم برؤية الهلال، فالذي يظهر لي العمل به، والاعتماد عليه في ذلك، لأن الفقهاء ذكروا أنه إذا رُئِىَ هلال رمضان بمكان لزم جميع الناس الصوم؛ وإنما يثبت ذلك غالبا في حق غير أهل موضع الرؤية بأخبار الثقات فرعا عن أصل، وخطوط القضاة، بل أهل موضع الرؤية، ليسوا كلهم يأتون إلى الشاهد برؤية الهلال ليسمعوا شهادته، بل يعتمدون على أخبار بعضهم بعضا عن الشاهد، كشهادة الفرع على الأصل. فإذا تقرر قبول خبر الفرع، أو شهادته في ذلك، فكذا كتاب القاضي؛ لأن الفقهاء ذكروا أنه لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا فيما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي، وأن كتاب القاضي حكمه كالشهادة على الشهادة. وكلامه في الكافي صريح في قبول الشهادة على الشهادة في ذلك، لما ذكر وجهين في قبول قول المرأة في هلال رمضان.

قال في تعليل الوجه الثاني: ولهذا لا يقبل فيه شهادة الفرع مع إمكان شاهد الأصل، فدل كلامه على قبول شهادة الفرع مع الإمكان، ونظره صاحب الفروع بقوله: كذا قال، والذي يظهر لي أن تنظيره إنما هو لاعتباره لقبول شهادة الفرع عدم إمكان شاهد الأصل، كما قدمنا أن المسلمين يعتمدون على ذلك مع الإمكان وعدمه. ولعلك وقفت على قول شارح الإقناع عند قول الماتن في حكم كتاب القاضي: لا يقبل في حد لله -تعالى- كزنى، ونحوه، قال الشارح: وكالعبادات؛ ووجه ذلك لأنه لا مدخل لحكمه في عبادة، فكذا كتابه.

قال الشيخ تقي الدين: أمور الدين والعبادات المشتركة لا يحكم فيها إلا الله ورسوله إجماعا، قال في الفروع عقبه: فدل أن إثبات سبب الحكم كرؤية الهلال، والزوال ليس بحكم

إلخ، فدل ذلك أن كتاب

ص: 188

القاضي بإثبات رؤية الهلال ليس حكما في عبادة، ولا إثباتا لها، وإنما هو لإثبات سببها، فلا ينافي كونه لا يقبل في عبادة، وكونه لا يحكم فيها. وقد صرحوا بأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت، وإنما هو فتوى، فدل كلامهم على أن إثباته لرؤية الهلال –مثلا- فتوى، والفتوى يعمل فيها بالخط، وإن كان كتابه: شهد عندي فلان وفلان –مثلا- برؤية الهلال، ففرع على أصل، لا فتوى. والله -سبحانه- أعلم.

ومن طرف هلال رمضان شهد على رؤيته رجلان من أهل الرَّسِّ، شهدا برؤيته ليلة الجمعة، وجماعتهم يزكونهم، ونحن نعمل بشهادتهما عند ظهوره، إن شاء الله –تعالى- أحببنا أخباركم.

استدخلت ذكر زوجها وهما محرمان

وما ذكرت من حال المرأة التي استدخلت ذكر زوجها، وهما محرمان، مرادكم وهو نائم، هل يجب عليه كفارة أم لا؟ وهل تحملها عنه الزوجة كالنفقة أم لا؟ فالظاهر وجوب الفدية عليه، لأن هذا نوع إكراه، والمكره تجب عليه الفدية على الصحيح من المذهب، قال في الإنصاف في باب ما يفسد الصوم، ويوجب الكفارة: عند قول المصنف: وإذا جامع في نهار رمضان

إلخ شمل كلام المصنف المكره، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب، وسواء أُكره حتى فعله، أو فعل به من نائم، وغيره، إلى أن قال: وحيث فسد الصوم بالإكراه؛ فهو في الكفارة، كالناسي على الصحيح من المذهب، وقيل: يرجع بالكفارة على من أَكرهه، قلت: وهو الصواب، انتهى.

فتبين بذلك أن المذهب وجوب الكفارة على من استدخلت زوجته ذكره، وهو نائم، وأنها لا تتحملها عنه على الصحيح من المذهب، كما تتحمل نفقة القضاء، والله أعلم.

ص: 189

تعليق عتق الغلام على شرط

وأما من قيل له: لم ضربت غلامك، ولم أدميته؟ فقال: إن كان ظهر منه دم فهو حر، هل يعتق بذلك التعليق إذا وجد الشرط هو وظهور الدم؟ فالظاهر أنه يعتق، إذا كان قد وجد الشرط، وهو ظهور الدم، والتعليق على الماضي معلوم في الكتاب، والسنة، والله أعلم.

الاجتماع للصلاة عند نزول الوباء

وما سألت عنه، هل للاجتماع للصلاة عند نزول الوباء أصل؟ فأنا ما علمت لذلك أصلا من كونه يشرع لذلك صلاة كالاستسقاء، والكسوف، وإنما حصل الاختلاف في الفنون لرفعه. ولما وقع عندنا في السنة الماضية أكثروا علينا الجماعة، وذكرت لهم أني ما علمت لهذا أصلا، فبالغوا ظنا منهم أن ما بينه وبين رفعه إلا الصلاة، فوافقناهم، وقلنا: أتوا صلاة توبة.

وأما ما يفعله بعض الناس من ذبح شاة، أو غيرها، يسمونه فدية، فهذا لا شك في أنه بدعة ما يجوز، انتهى.

العدد الذين تصح بهم الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الولد المكرم سليمان بن عبد العزيز، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ومن حال عدد الجمعة، واعتبار الأربعين، وعدم اعتبار ذلك، فالخلاف فيه مشهور، وأظن عادة جماعتك في السابق أنهم يصلون جمعة مع نقصهم عن الأربعين، وأنهم فعلوا ذلك بفتوى مفتٍ، فإن استمررتم على عادتهم، فأرجو أن ما عليكم خلاف، فإن أحبوا أنهم يصلون ظهرا، ولا يجمعون -فهو فيما أرى أحوط، والله أعلم، انتهى.

الذي طلق زوجته وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه

ومن جواب للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) قال: وأما

ص: 190

الذي طلق زوجته، وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه، فإنه يعمل بقوله، ولا يقبل قولها، إن واقعها بعد ذلك إلا ببينة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قسمة الوقف على مستحقيه

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله بن مانع إلى جناب الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وموجب الخط إبلاغ جنابك الشريف جزيل السلام، والسؤال عن الحال، لازلت محروسا في خير، وعافية، وغير ذلك.

ما قولك -رفع الله قدرك- في ريع عقار وقف، انتقل من طبقة إلى طبقة أرضا، أو نخلا، من مزارعة أو مساقاة، أو أجرة بعد ظهور الثمرة، ومتى تستحق الطبقة الثانية لذلك، وهل بين من كان يستحقها بوصف، أو مقابلة عمل فرق؟ أفتونا مأجورين.

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فالجواب -وبالله التوفيق-: الكلام في هذه المسألة كالكلام في الحمل، في أنه يتجدد حقه من الوقف بوضعه، لا قبله من ثمر وزرع، كتجدد حق المشتري، هذا هو المشهور في المذهب. ومن المعلوم أنه إذا بيعت أرض، وفيها زرع كبر، ونحوه، أنه للبائع ما لم يشترطه المشتري، فهكذا حكم الحمل المستحق للوقف بعد وضعه.

ص: 191

قال في المغني: ومن وقف على أولاده، وأولاد غيره، وفيهم حمل، لم يستحق شيئا قبل انفصاله.

قال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم: وما توالدوا، ثم ولد مولود، فإن كان النخل قد أُبِّرت، فليس له فيه شيء، وهو للأول، وإن لم تكن قد أبرت فهو معهم. وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع، وهذا الموجود يستحق نصيبه، فيتبعه حصته من الثمر، كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل، وبعد التأبير لا تتبع الأصل، ويستحقها من كان له الأصل، فكانت للأول لأن الأصل كان كله له، فاستحق ثمرته، كما لو باع هذا النصيب منها، ولم يستحق المولود منها شيئا، كالمشتري، وهكذا الحكم في سائر ثمر الشجر الظاهر، فإن المولود لا يستحق منه شيئا، ويستحق مما ظهر بعد ولادته، وإن كان الوقف أرضا، فيها زرع، يستحقه البائع -فهو للأول، وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه. انتهى كلامه.

وهذا التعليل الذي علل به ظاهر في أن حكم الطبقة الثانية حكم الحمل، وهذا واضح، ولله الحمد.

قال في الإنصاف: تجدد حق الحمل بوضعه من ثمر، وزرع كمشتر، نقله المروذي، وجزم به في المغني والشرح والحارثي، وقال: ذكره الأصحاب في الأولاد، وقدمه في الفروع. ونقل جعفر: يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد، ومن نخل لم يُؤَبَّر، فإن بلغ الزرع الحصاد، وأُبِّر النخل -لم يستحق شيئا

إلى أن قال: قال في الفروع: ويشبه الحمل إن قدم إلى تغير موقوف عليه فيه، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه، نقله يعقوب، قال: وقياسه

ص: 192

من نزل في مدرسة ونحوه.

قال ابن عبد القوي: ولقائل أن يقول: ليس كذلك، لأن واقف المدرسة ونحوها، جعل ريع الوقف في السنة كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عاما، فينبغي أن يستحق بقدر عمله من السنة من ريع الوقف في السنة لئلا يفضي أن يحضر الإنسان شهرا –مثلا- فيأخذ مغل جميع الوقف ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور الثمرة، فلا يستحق شيئا؛ وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها. انتهى.

قال الشيخ تقي الدين: يستحق بحصته من مغله، وقال: من جعله كالولد فقد أخطأ، وللورثة من المغل بقدر ما باشر مورثهم، انتهى.

قال في القواعد الفقهية: واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه هاهنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة مثل كونه ولدا، أو فقيرا، ونحوه.

أما إن كان استحقاقه الوقف عوضا عن عمل، وكان المغل كالأجرة، فيقسط على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة، حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه، وإن لم يكن الزرع قد وجد، وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين. انتهى.

فظهر من كلامهم أن من كان استحقاقه بصفة ككونه ولدا فقيرا ونحو ذلك، أن حكمه في الاستحقاق من زرع الأرض الموقوفة، وثمر الشجر الموقوف حكم المشتري، هذا هو المعمول به في المذهب.

وأما من كان استحقاقه في مقابلة عمل ففيه الخلاف كما تقدم، فصاحب الفروع قاس هذه المسألة قبلها، فقال: وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه، وتبعه في الإقناع وغيره، وكلام الشيخ تقي الدين وابن عبد القوي وابن رجب بخلاف ذلك، والعمل به أولى، إن شاء الله تعالى.

ص: 193

وأما إن كان الوقف مؤجرا، فالذي ظهر لنا من كلامهم أن الأجرة تقسط على جميع السنة، فمن مات من المستحقين في أثناء السنة، فله من الأجرة بقدر ما مضى من السنة، وهو صريح في كلام بعضهم، كما قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- في أثناء كلام له، قال: كما نقول في الوقف إذا انتقل إلى البطن الثاني، ولم تنفسخ إجارته، إنهم يستحقون الأجرة من يوم الانتقال، انتهى.

فهذا على القول بأنها لا تنفسخ بموت المؤجر من الطبقة الأولى، وعلى القول الثاني الذي هو الصحيح عند ابن رجب، وصححه -أيضا- الشيخ تقي الدين، وصوبه في الإنصاف، أنها تنفسخ، فإن المنافع تنتقل للطبقة الثانية، فتكون الأجرة لهم من حين انتقل الوقف إليهم. قال ابن رجب -أيضا- في أثناء كلام له: ومن أمثلة ذلك الوقف، إذا زرع فيه أهل البطن الأول، أو من حين أجروه، ثم انتقل إلى البطن الثاني، والزرع قائم. فإن قيل: أن الإجارة لا تنفسخ، وللبطن الثاني حصتهم من الأجرة، فالزرع يبقى لمالكه بالأجرة السابقة. وإن قيل بالانفساخ -وهو المذهب الصحيح- فهو كزرع المستأجر بعد انقضاء المدة، إذا كان بقاؤه بغير تفريط من المستأجر فيبقى بالأجرة إلى أوان أخذه. وقد نص عليه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في رواية مُهَنَّا في مسألة الإجارة المنقضية، وأفتى به في الوقف الشيخ تقي الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم.

ص: 194

حديث ليس في أهل البدع غيبة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله بن سليم إلى جناب شيخنا المكرم عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) ، سلمه الله تعالى.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وموجب الخط إبلاغ السلام.

وبعد ذلك أمتعنا الله بحياتك، ما قولك في حديث "ليس في أهل البدع غيبة" رواه البيهقي في الشعب بسند جيد، فهل يؤخذ من هذا جواز أهل البدع على الإطلاق؟ وما جنس البدع التي تبيح العرض؟

الثانية: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له" رواه البيهقي في السنن، والشعب عن أنس. وقال: ليس بالقوي، ما معنى هذا الكلام؟

الثالثة: حديث: "بئس مطية الرجل: زعموا" 1 رواه أحمد، وأبو داود عن حذيفة، وابن مسعود. ما معناه؟

الرابعة: ما يُروى: عرضنا على رسول –الله صلى الله عليه وسلم رقية الحمد، فأذن فيها، وقال:

"إنما هي من مواثيق الجن وهي هذه: بسم الله شجة قرينة قفطاء" رواه الطبراني في الأوسط، هكذا ذكره ابن الجزري في الحصن الحصين. وذكر –أيضا- موقوفا "إذا خَدَرت رجله فليذكر أحب الناس إليه".

الخامسة: لما قال الخضر لموسى عليه السلام لما نقر العصفور في البحر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر، قال بعضهم: فهذا وما شاكله راجع إلى المعلومات؛ لأن علم الله الذي هو صفة لا يتبعض، ما هذا الكلام المتفرع على كلام الخضر؟

وما يروى عن ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب على بطوننا، ونهانا أن نغرف باليد الواحدة كما يشرب القوم الذين سخط الله عليهم، ولا

1 أبو داود: الأدب (4972) ، وأحمد (4/119،5/401) .

ص: 195

يشرب في الليل في إناء حتى يحركه إلا أن يكون مخمرا، ومن شرب بيد وهو يقدر على إناء يريد التواضع كتب له الله بعدد أصابعه حسنات، وهو إناء عيسى بن مريم عليه السلام".

وما يروى: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة كان الذي يتولى قبض روحه ذو الجلال والإكرام".

وما يروى عن علي رضي الله عنه قال: سمعت نبيكم على أعواد المنبر، وهو يقول:"من قرأ آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد" إلخ.

وإذا رأى هلال شوال عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا، وردت شهادتهما للجهل بحالهما، فهل الأولى لهما أو لمن عرف عدالتهما الفطر أم لا؟ وإذا أُشْهِدَ أحد من الأعراب في دخول رمضان، أو غيره من الشهور، فهل تقبل شهادته أم لا؟

وعن قوله –صلى الله عليه وسلم: "لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ما لم يُحْدِث" 1 فهل إذا تحول الإنسان من مجلسه إلى موضع آخر في المسجد، هل يحصل له ذلك، أم لا بد من تخصيص موضع الصلاة نفسه؟

وعن قول الشيخ عثمان –رحمه الله تعالى-: والحاصل أن الصفة تعتبر من حيث هي هي، وتارة من حيث قيامها به تعالى، وتارة من حيث قيامها بغيره، وليست الاعتبارات الثلاث متماثلة؛ إذ ليس كمثله شيء: لا في ذاته، ولا في شيء من صفاته، ولا في شيء من أفعاله، وهو السميع البصير.

فاحفظ هذه القاعدة؛ فإنها مهمة جدا، بل هي التي أغنت السلف الصالح

1 البخاري: الصلاة (445)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (649)، والنسائي: المساجد (733)، وأبو داود: الصلاة (469) ، وأحمد (2/289،2/312)، ومالك: النداء للصلاة (382) .

ص: 196

عن تأويل آيات الصفات، وأحاديثها، وهي العاصمة لهم من أن يفهموا من الكتاب والسنة مستحيلا عن الله –تعالى- من تجسيم، أو غيره، ثم بعد إثباتي لهذه القاعدة رأيتها منصوصة في كلام السيد المعين، ثم رأيته قد سبقه إليها العلامة ابن القيم، انتهى.

بين لنا هذه العبارات الثلاث، ومن هو السيد الذي ذكر؟

وعن قوله عز وجل {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 1، قال سفيان: فرق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بينهما فقد كفر، بين لنا قول سفيان، وما صفة الجمع وضده في قوله: فمن جمع بينهما فقد كفر.

أفتنا، أثابك الله الجنة والسلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وبعد: (فالجواب)، وبالله التوفيق:

أما الأثر المروي عن الحسن -رحمه الله تعالى- قوله: "ليس لأهل البدع غيبة"، فمعناه صحيح، نص العلماء على جواز غيبة أهل البدع، وأطلقوا؛ فيتناول كل مبتدع، وبعضهم خص ذلك بالداعي إلى البدعة. قال الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية –رحمه الله تعالى- بعد ما أَنجز كلامه في الغيبة، فقال: لكن يباح من ذلك ما أباحه الله ورسوله، وهو ما يكون على وجه القصاص والعدل، وما يحتاج إليه لمصلحة الدين، ونصيحة المسلمين.

فالأول: كقول المشتكي المظلوم: فلان ضربني، وأخذ مالي، ومنعني حقي

إلى أن قال، وكذلك بيان أهل العلم، من غلط في أمر رآه في أمر الدين من المسائل العلمية، والعملية، فهذا إذا تكلم فيه الإنسان بعلم، وعدل، وقصد

1 سورة الأعراف آية: 54.

ص: 197

النصيحة فالله يثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيا إلى بدعته، فهذا يجب بيان أمره للناس؛ فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق، انتهى.

فدل كلامه على جواز ذلك في جميع أهل البدع، بل استحبابه بالشرط الذي ذكره، وأن ذلك واجب في حق الداعي إلى بدعته. وذكر النووي في رياض الصالحين ستة أسباب تباح فيها الغيبة، ذكرها عن العلماء، قال: ومنها إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق، يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة

إلى أن قال: (الخامس) أن يكون مجاهرا بفسقه، وبدعته، إلى آخر كلامه، رحمه الله تعالى. واستدل لذلك بأحاديث منها: حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ائذنوا له بئس أخو العشيرة" 1 قال: واحتج به البخاري في جواز غيبة أهل الريب، والفساد.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في شرح هذا الحديث بعد كلام سبق: بل كل من اطلع من حال شخص على شيء، وخشي أن غيره يغتر بجميل ظاهره؛ فيقع في محذور ما، فعليه أن يطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدا نصيحته. والإمام أحمد –رحمه الله تعالى- مع ورعه –قد تكلم في أناس بأعيانهم، وحذر منهم، ومنهم من ليس معروفا بالبدعة، مثل: كلامه في الحارث المحاسبي، وقال: لا يغُرَّنك لينه، وخشوعه؛ فإنه رجل سوء، لا يعرفه إلا من خَبَرَه. وكلامه -رحمه الله تعالى- في أهل البدع، والتحذير منهم كثير.

حديث: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له"

وأما ما روي: "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له" فالمراد به: المجاهر

1 البخاري: الأدب (6054)، وأبو داود: الأدب (4792) ، وأحمد (6/38،6/79) .

ص: 198

بالمعصية، فإنه يجوز ذكره بما يجاهر به، كما تقدم من كلام الثوري، ونقله ذلك عن العلماء.

حديث "بئس مطية الرجل زعموا"

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "بئس مطية الرجل: زعموا" 1، فهذا مثل ما في الحديث الصحيح:"إن الله كره لكم قيل وقال" 2 ومعناه: أن يُحَدَّث الإنسان بكل ما سمع، فيقول: قيل كذا، وقال فلان كذا، مما لا يعلم صحته، ولا يظنها، وهو معنى الحديث الآخر "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"3.

وشبه حديث الإنسان الذي يحدث به، ويخبر به بالمطية التي يركبها، والله أعلم.

حديث "الرقية الذي فيه إنها من مواثيق الحمد"

والحديث الذي فيه الرُقْيَة، التي قال فيها: إنها من مواثيق الجن، ما أعرف معنى هذه الألفاظ، ولعلها ألفاظ ليست عربية، والله أعلم.

وأما الأثر الذي فيه: أن من خدرت رجله فليذكر أحب الناس إليه، فهذا الأثر مروي عن ابن عمر، أو ابن عباس من قوله: ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الأثر أن المقول له قال: محمد، يعني أن أحب الناس إليه محمد صلى الله عليه وسلم، فلما قال ذلك زال خدره، فإن صح فلعل الله سبحانه وتعالى جعل في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الأمر خاصية، والله أعلم. ولم يقل: يا محمد، أزل خدري، أو أشكو إليك خدر رجلي، كما قد احتج بهذا من يجوز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، وسؤاله قضاء الحاجات، وتفريج الكربات.

المقصود بعلم الله تعالى

وأما قول من قال في قول الخضر لموسى: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر، وقال: إن المراد بعلم الله معلومه، فهذا على طريقة أهل التأويل في صفات الرب -سبحانه- كما يقوله البيضاوي

1 أبو داود: الأدب (4972) ، وأحمد (4/119،5/401) .

2 مسلم: الأقضية (593) .

3 مسلم: مقدمة (5)، وأبو داود: الأدب (4992) .

ص: 199

وأمثاله في قوله -سبحانه-: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} 1 أي: من معلومه.

وأما مفسرو أهل السنة: كابن جرير، والبغوي، وابن كثير فأقروه على ظاهره، فقالوا:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ} 2 أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما علَّمه الله -سبحانه- وأطلعه الله عليه.

وقول الخضر يشهد له قول الله عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} 3، هل يسوغ أن يقال: وما أوتيتم من المعلوم إلا قليلا؟ وقال تعالى {لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 4 قال ابن كثير: أنزله بعلمه أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات، والهدى، والفرقان، وما يحبه الله، وما يكرهه، وما فيه من العلم بالغيب، وما فيه من ذكر صفاته المقدسة، كما قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ} 5.

وقال الخضر لموسى: إني على علم من علم الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علَّمَك إياه لا أعلمه؛ فهذا كله يبطل قول من تأول العلم بالمعلوم، وأي محذور في إجرائه على ظاهره، والله أعلم.

الشرب باليد الواحدة والشرب على البطن

وما ذكرت من النهي عن الشرب باليد الواحدة، وحديث الترغيب في الشرب باليد، فلا أظن لذلك أصلا، والله أعلم.

وأما الشرب على البطن يراد به: الكرع في الماء، فقد ورد حديث يدل على جواز الكرع، ففي البخاري أن -النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار، فقال له:"إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كَرَعنا" 6 والكرع: هو الشرب من النهر ونحوه، بالفم من غير إناء، ولا يد. وورد حديث رواه ابن ماجه بالنهي عن الشرب كذلك، فيحمل هذا إن صح على ما إذا انبطح الشارب على بطنه، وحديث البخاري إذا لم ينبطح،

1 سورة البقرة آية: 255.

2 سورة البقرة آية: 255.

3 سورة الإسراء آية: 85.

4 سورة النساء آية: 166.

5 سورة البقرة آية: 255.

6 البخاري: الأشربة (5613،5621)، وأبو داود: الأشربة (3724) ، وأحمد (3/328،3/343،3/344،3/355) .

ص: 200

أو يحمل النهي على التنزيه، وحديث البخاري على الجواز، والله أعلم، أو يحمل النهي على التنزيه، وحديث البخاري على الجواز، والله أعلم.

الأحاديث الواردة في فضل آية الكرسي

وأما الأحاديث الواردة في فضل آية الكرسي، فمنها ما هو صحيح ثابت، ومنها ما ليس بصحيح، والظاهر أن الحديث الذي فيه:"إن الله يتولى قبض روح من قرأها دبر كل صلاة" لا يصح، وكذلك الحديث المروي عن علي رضي الله عنه، الظاهر عدم صحته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وروى النسائي وابن حبان عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت"، قال ابن القيم: بلغني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: ما تركتها بعد كل صلاة إلا نسيانا؛ أو نحوه، وقال شيخنا أبو الحجاج المزي: إسناده على شرط البخاري.

قال ابن كثير: وروى ابن مردويه من حديث علي، وجابر، والمغيرة نحو ذلك، وفي أسانيدها ضعف.

حديث صلاة الملائكة على المصلي ما دام في مجلسه

وأما حديث صلاة الملائكة على المصلي ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، فالذي يظهر أن حكم المسجد الذي صلى فيه حكم موضع صلاته، والله أعلم.

شهد عدلان برؤيه الهلال وردت شهادتهما لجهالة حالهما

وأما قبول شهادة الأعراب بالهلال فحكمهم حكم الحضر: لا يحكم بشهادة مجهول الحال، والأعرابي الذي عمل النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته يحتمل أنه يعرف حاله. والعلماء لم يفرقوا في هذه المسألة بين البادية والحاضرة.

وأما مسألة الرؤية لهلال شوال إذا شهد به شاهدان، ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا عنده ولم يحكم بشهادتهما، فهل لهما ولمن عرف عدالتهما الفطر أم لا؟ أما إذا انفرد واحد بالرؤية فنص أحمد أنه لا يفطر، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وهو مروي عن عمر وعائشة، لحديث: "صومكم يوم تصومون،

ص: 201

وفطركم يوم تفطرون" 1 وقيل: يفطر سرا، وهو قول الشافعي.

قال المجد: ولا يجوز إظهاره بالإجماع، وكذا الحكم إذا رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا عنده، ورَدَّ شهادتهما لجهله بحالهما، فالمذهب أنه لا يجوز لهما ولا لمن عرف عدالتهما الفطر، للحديث السابق، ولما فيه من الاختلاف وتشتيت الكلمة، وجعل مرتبة الحكم لكل أحد. وهذا القول اختيار الشيخ تقي الدين، واختار الموفق أنه يجوز له الفطر، لحديث:"وإن شهد شاهدان، فصوموا وأفطروا" 2 رواه أحمد وغيره.

تأويل آيات الصفات وأحاديثها

وقول الشيخ عثمان: إن الصفة تعتبر من حيث هي هي

إلخ، يعنى لها ثلاث اعتبارات: تارة تعتبر من حيث هي هي، أي: تعتبر منفردة من غير تعلقها بمحل، مثال ذلك: البصر، فيقال: البصر من حيث هو هو ما تدرك به المُبْصَرات، ومن حيث تعلقه بمخلوق فيقال: هو نور في شَحمة تسمى إنسان العين، تحت سبع طبقات في حدقة ينطبق عليها جفنان.

وأما بالنسبة إلى الرب -سبحانه- فنقول: هو -سبحانه- سميع يسمع، بصير يبصر، ليس كسمع المخلوق، ولا كبصر المخلوق، وهكذا سائر الصفات، والله -سبحانه- أعلم.

ومراده بالسيد معين الدين: هو أبو المعالي محمد بن صفي الدين.

الرد على من يقول: إن كلام الله مخلوق

وأما قول سفيان في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 3، فمراده بذلك الرد على من يقول: إن كلام الله مخلوق، يقول: إن الله -سبحانه- عطف الأمر على الخلق، وأمره هو كلامه، فمن قال: إن كلام الله مخلوق، فقد جعل أمره مخلوقا، فجمع بين الخلق والأمر، والله -سبحانه- قد فرق بينهما بعطفه الأمر على الخلق، فالمعطوف غير المعطوف عليه.

1 الترمذي: الصوم (697) .

2 النسائي: الصيام (2116) ، وأحمد (4/321) .

3 سورة الأعراف آية: 54.

ص: 202

والمراد بسفيان: هو سفيان بن عيينة، الإمام المعروف، -رحمه الله تعالى-.

هذا ما ظهر لي، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

البلد التي فيها شيء من مشاهد الشرك

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى جناب الأخ المكرم علي بن سليم، سلمه الله تعالى وعافاه، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : من حال ما سألت عنه:

(فالأولى) : البلد التي فيها شيء من مشاهد الشرك والشرك فيها ظاهر، مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، مع عدم القيام بحقيقتهما، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك، هل تسمى دار كفر، أو دار إسلام؟

فهذه المسألة يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء في بلدة كل أهلها يهود أو نصارى، أنهم إذا بذلوا الجزية صارت بلادهم بلد إسلام، وتسمى دار إسلام. فإذا كان أهل بلدة نصارى، يقولون في المسيح: إنه ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلد إسلام، فبالأولى فيما أرى أن البلد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها، أولى بهذا الاسم؛ ومع هذا يُقاتَلون لإزالة مشاهد الشرك، والإقرار بالتوحيد، والعمل به، بل لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام قوتلوا، وإن لم يكونوا كفارا ولا مشركين، ودارهم دار إسلام.

قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله تعالى-: أجمع العلماء على أن كل طائفة

ص: 203

امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام أنها تقاتل حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين، وأولى، انتهى.

وما ذكرناه عن العلماء: من أنهم يسمون البلد التي أهلها يهود أو نصارى، دار إسلام، يذكرونه في باب اللقيط، وفي غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.

بيع من أجر أرضه لغرسها

(المسألة الثانية) : فيمن دفع أرضه لإنسان ليغرسها بما اتفقا عليه من نصيب كل منهما، فهل يجوز لصاحب الأرض بيع نصيبه من الغرس، ولو لم تتم المدة التي بينه وبين المغارس؟

(الجواب) وبالله التوفيق: يجوز لصاحب الأرض بيع نصيبه من الغرس، ولو لم تتم المدة التي بينه وبين المغارس؛ لأن بيع المشاع صحيح، والمشتري يقوم مقام البائع في إلزام العامل بإتمام العمل الذي شرط عليه في العقد. وإذا تلف نصيب الغارس من النخل، رفع يده عن الأرض، ليس له فيها حق، بل لو شرط في ابتداء العقد أن له شيئا من الأرض فسد العقد بلا خلاف بين العلماء. والمشتري من مالك الأرض إن كان إنما اشترى نصيبه من الغرس فهو صحيح كما ذكرنا، وإن كان الشراء لنصيبه من الغرس وجميع الأرض فالذي أرى أنه ما يصح، لأنه ما يمكنه تسليم الأرض، والحالة هذه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

الصرف من منافع الوقف في قضاء دين الواقف بعد موته

(الثالثة) : فيمن وقف وقفا، وجعل للناظر وضعه فيما يراه أنفع، والمراد: فيما يراه أكثر ثواباً، هل يجوز للناظر أويجب أو يستحب له صرف شيء من منافع الوقف في قضاء دين الواقف بعد موته؟

فنقول: لا يجب صرف شيء من غلة الوقف في قضاء دين الواقف حيا كان أو ميتا، بل لا يستحب،

ص: 204

بل لا يجوز، قال الخرقي –رحمه الله تعالى-: ولا يجوز أن يرجع إليه -أي الواقف- شيء من منافعه، قال في المغني بعد ذكره كلام الخرقي: وجملة ذلك أن من وقف وقفا صحيحا، فقد صارت منافعه للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه، وملك منافعه؛ فلم يجز أن ينتفع بشيء منها إلا أن يكون وقف شيئا للمسلمين، فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجدا فله أن يصلي فيه، أو شيئا يعم المسلمين، فيكون كأحدهم، لا نعلم في هذا كله خلافا. ثم قال الخرقي بعد كلامه: إلا أن يأكل منه فيكون له ما شرط، وصحة هذا الشرط من مفردات المذهب، وأكثر العلماء يقولون بفساد الوقف المشروط فيه ذلك. وقولهم: لا يجوز للواقف الانتفاع بشيء منه عام، وقضاء دين الميت بعد موته فيه نفع له، وأظنه لو كان حيا واستفتاكم لم تجوزوا له ذلك، فما الفرق بين الحياة والموت؟ وما الفرق بينه وبين الناظر؟ والله –سبحانه وتعالى أعلم.

مجيب المؤذن هل له الكلام بين كلمات الإجابة

وأما مجيب المؤذن: هل يجوز له الكلام بين كلمات الإجابة، أو يكره؟ فلم أر في ذلك كلاما لأحد، والظاهر عدم الكراهة، مع أن الأولى عندي أن لا يشوبه بغيره من الكلام، بخلاف تالي القرآن، فالذي أرى كراهة الإجابة بين الكلمات، أو الآيات، فلا يُدخِل بين أبعاضه ذكرا غير متعلق بالقراءة كسؤال عند آية رحمة، واستعاذة عند آية عذاب، يدل لذلك قول من قال من العلماء: إن القارئ إذا سمع الأذان يقدم إجابة المؤذن على القراءة؛ لأن ذلك يفوت، والقراءة لا تفوت، ولم يقولوا: يجمع بينهما، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ص: 205

الغرس في الإقطاعات

بسم الله الرحمن الرحيم

من الولد علي آل محمد إلى جناب شيخنا المكرم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) لا زال علمه منتشرا في جميع البلاد، منتفعا به كافة العباد، الحاضر منهم والباد، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأزكى وأشرف تحياته.

(وبعد) : فموجب الخط إبلاغ جنابك الشريف جزيل السلام، والسؤال عن حالك، لا زلت محروسا في خير، وعافية، وغير ذلك، متعنا الله بحياتك.

من حال المغارسة في الوادي أو غيره، إذا قطع، هل ترجع الأرض لأهلها؟ أو تكون في يد المغارس؟ وهل الحكم واحد، إذا بقي فيها شيء، أو لم يبق فيها شيء من الغرس الأول؟.

(الثانية) : إذا اشترى إنسان نخلا في الوادي، والخيار للمشتري، وبعدما نزل محمد آل فيصل الوادي، وبدؤوا يقطعون في النخل فسخ خياره، هل له ذلك، أم لا؟ كذلك إنسان طلق زوجته، ومات، والشهود ما عندهم علم من وقت طلاقه، ولا يعلم هل خرجت من العدة أم لا، هل تقول: إن الأصل عدم خروجها من العدة وترث، أم لا؟ كذلك المرأة التي فيها عوار، ولا تحققت خروج الولد، هل تبقى في عدة، ولو أكثر من أربع سنين، وهل إذا كان في كل شهر يأتيها الحيض، وهي ما تحققت سقوطه، فالحكم فيها واحد، تبقى في عدة ولو تكرر، ولو طالت كذلك؟ (مسألة الوقف) إذا قال: وقفت على أولادي، أو ذريتي، فالحكم فيها واحد، هل يستحقون مرتبا؟ وهل إذا قال: على أولادي، كُلٌّ على قدر ميراثه، ثم بعد ذلك لم يكن له إلا بنت، أو بنات، وأولاد بنين، هل يستحقون أولاد البنين شيئا؟ أو حتى ينقرضن البنات جميعهن؟ أفتنا، أثابك الله الجنة بمنه وكرمه، والسلام.

ص: 206

بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب، وبالله التوفيق:

أما إذا قطع الغراس، فالذي أرى أن الأرض ترجع إلى صاحبها، وليس للعامل إحداث غرس إلا بعقد جديد بتراضيهما.

وأما إذا بقي شيء من الغرس، قليل أو كثير، ففيه إشكال، والذي أرى: أنه يشبه.

(مسألة) : من اشترى أرضا وغرس فيها، ثم أخذت بالشفعة، أن الشفيع يدفع قيمة الغراس إن لم يختر صاحبه قلعه، وكذا إن انقضت مدة الإجارة وغرسه باق، مع أن التالف في هذه الحادثة يقل ويكثر؛ فيحتاج أن ينظر فيها الأضر فيه على صاحب الأرض والغارس، والصلح جائز بين المسلمين.

فسخ المشتري للعقد قبل قطع النخل

(وأما المسألة الثانية) : فإذا فسخ المشتري قبل قطع النخل، صح الفسخ، فإذا ثبت قطع شيء منه قبل الفسخ فعلى المشتري لأن الملك للمشتري، فضمانه عليه.

إذا لم تعلم انقضاء عدتها قبل موت زوجها

(وأما المسألة الثالثة) : فيحكم للمرأة بالإرث، ما لم يعلم انقضاء عدتها قبل موته.

البقاء في العدة ما لم تتحقق سقوط الحمل

(وأما المسألة الرابعة) : فالذي أرى أنها باقية في العدة، ما لم تتحقق سقوطه. والتحديد بأربع سنين، الظاهر أنه اعتبار بالغالب، وإلا فقد يبقى أكثر من ذلك، كما حققه ابن القيم، وهو مشاهد اليوم.

وأما تكرر الدم عليها في كل شهر فيحتمل أنه دم فساد، وأيضا فعند الشافعي، ورواية عن أحمد: أن الحامل تحيض، والله أعلم.

ص: 207

الوقف على الأولاد والذرية

(وأما مسألة الوقف) : فالحكم فيما إذا قال: على أولادي، أو على ذريتي، مختلف. أما إذا قال: على أولادي، فما دام باقيا من أولاده أحد، ذكر أو أنثى، استحق جميع الوقف. فإذا انقرض البطن الأول صار لولدهم، وفي دخول أولاد البنات خلاف مشهور، كذا إذا قال: على أولادي، كل على قدر ميراثه فلا يستحق البطن الثاني شيئا حتى ينقرض الأول.

وأما الوقف على الذرية: فيتناول قريبهم وبعيدهم، ذكورهم وإناثهم سواء، وفي دخول أولاد البنات أيضا الخلاف المشهور، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عيب المبيع إذا علمه المشتري

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الأخ المكرم جمعان بن ناصر -سلمه الله تعالى آمين-.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وموجب الخط إبلاغ السلام، وما سألت عنه في دعوى عيب المبيع، إذا علمه المشتري وأمسكه ليرجع بالأرش، فهل يقبل قوله بلا بينة، أم لا؟ فاختلف في هذه المسألة فقهاء نجد: فبعضهم يقول: يقبل قوله بيمينه، وبعضهم يقول: لا يقبل قوله إلا ببينة أشهدها حين بان له العيب، وهذا هو الذي يترجح عندي.

رد المبيع إذا اشترى خيرا منه

وأما قولهم: من اشترى متاعا، فوجده خيرا مما اشترى، فعليه رده؛ فهذا كما لو اشترى عباءة، يقول صاحبها: إنها صوف أو قز، فوجدها المشتري قيلان، والبائع جاهل الحال، كما لو اشتراها على أنها قيلان، فوجدها المشتري صوفا ونحوه، فله ردها. وكما لو اشترى غازيا على أنه ناقص، فوجده

ص: 208

وافيا، فله رده. والظاهر أنه إذا أخبر صاحبه بالحال، فسمحت به نفسه، جاز.

أجرة الأجير المشترك

وأما قولهم في الأجير المشترك: لا أجرة له فيما عمل فيه حتى يسلمه لربه معمولا، فالذي نرى ونعمل به في حال رعاة الإبل، كمعاملة الحضر مع البدو. واليوم في الذي يأخذ إبل الناس ليرعاها، ويقوم عليها أنه لا يستحق شيئا، ما لم يسلمها لربها لأنه مشترك؛ فلو هلكت قبل تسليمها لربها لم يستحق شيئا، والله أعلم.

من خلص متاع غيره من هلكة

وأما قولهم: إن من خلص متاع غيره من هلكة استحق أجرة المثل، قالوا: كما لو أخرجه من بحر، أو خلصه من فم سبع، أو وجده بمهلكة، بحيث يظن هلاكه في تركه لأنه يخشى هلاكه وتلفه على مالكه، بخلاف اللقطة، وفيه حث وترغيب في إنقاذ الأموال من الهلكة.

لكن لو قيل في هذه الأزمنة: إن من وجد حيوان غيره بمهلكة، بحيث يظن هلاكه بتركه، فأنقذه بنية الرجوع على ربه بما غرمه، أو بأجرة عمله، والحال إن لم يكتمه لم يكن بعيدا رجوعه، ولا يفهم من قولهم هذا أن المشتري من الغاصب ونحوه يرجع بثمنه على المغصوب منه، إذا أخذ سلعة لأنهم ذكروا هذه المسألة، وفسروها بما ذكرنا.

وذكروا أن المشتري من الغاصب يرجع بثمنه على من اشترى منه، لا على من عرف سلعته وأخذها، وهذا ظاهر قولهم: من خلص متاع غيره

إلخ، من جملة ما تضمنه كلام الشيخ في قوله: ومن لم يخلص مال غيره من القلق إلا بما أدى، رجع به في أظهر قولي العلماء لأنه محسن، فقوله:"لأنه محسن" مشعر بأن ذلك فيمن خلص مال غيره استفادة لصاحبه، لا ليتملكه لأنه الذي يوصف بالإحسان.

الشراء من الغاصب

وأما الذي يشتري من الغاصب ونحوه للتملك، ويستعمل المبيع

ص: 209

ويعجفه إن كان حيوانا، فهذا لا يوصف بأنه محسن. وأيضا الحديث المرفوع الذي احتج به الأئمة أحمد وغيره:"من وجد متاعه عند إنسان، فهو أحق به" 1، ويتبع المبتاع من باعه، لا يجوز أن يعارض بقول أحد كائنا من كان.

الخلع على نفقة الحامل ورضاع الولد ثم تبين عدمه

وأما الخلع على نفقة الحامل، ورضاع الولد، ثم تبين عدمه، فالموافق لقاعدة المشهور من المذهب صحة الخلع، ويرجع عليها بقدر النفقة المشترطة، وهي نفقة الحامل. وقدر أجرة المرتضع حولين، إذا كان الخلع على نفقتها، ورضاع ولدها. إذا تلف الشيء المعلق عليه الطلاق

ومن قال لزوجته: أنت طالق بالثلاث إن لم تعطيني كذا، فإن كانت نيته الفورية أو مع قرينة تقتضي الفورية وقع الطلاق بفوات الفورية، إن لم ينو الفورية. ولا قرينة تدل على الفورية، فهو للتراخي. لكن لو تلف الشيء المعلق عليه الطلاق، والحالة هذه وقع الطلاق، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخلع على البراءة من الحمل وتوابعه

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الأخ المكرم محمد بن عبد الله -سلمه الله تعالى-.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وما ذكرت من صورة الخلع، فإن كانت الزوجة قالت: إني حامل، وطلبت من الزوج يطلقها على البراءة من الحمل وتوابعه، وصار ما فيها حمل، فالذي يبين لي من كلام العلماء أن الزوج يرجع عليها بقيمة ما غرته به. فإن كانت المرأة ما ادعت الحمل، لكن الزوج خاف أنها حامل، وطلب البراءة، فلا أرى له عليها شيئا. وأما الطلاق فيقع

1 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2402)، ومسلم: المساقاة (1559)، وأبو داود: البيوع (3523)، وابن ماجه: الأحكام (2358) ، وأحمد (2/347)، ومالك: البيوع (1382،1383)، والدارمي: البيوع (2590) .

ص: 210

بكل حال، وليس له منعها من نكاح غيره، إذا كانت قد انقضت عدتها، وهو يطالبها بالغرامة في صورة الغرور منها، والله سبحانه وتعالى أعلم، ومن خطه نقلت.

نكاح المسلم الكتابية

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الولد المكرم عبد الرحمن بن محمد بن مانع، زاده الله علما، ووهب لنا وله حكما، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : فموجب الخط إبلاغ السلام، والخط وصل -أوصلك الله إلى ما تحب-، وسرنا ما ذكرت، أتم الله على الجميع نعمته، وما ذكرت من نكاح المسلم الكتابية، فأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل، وأما الإنكليز فالظاهر أنهم نصارى، فإن كانوا ينتسبون إلى عيسى وأتباع الإنجيل فهم كذلك.

من مات في زمان الفترات

وأما حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول، فالله -سبحانه- أعلم بهم. واسم الفترة لا يختص بأمة دون أمة، كما قال الإمام أحمد في خطبة على الزنادقة والجهمية: الحمد الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، ويروي هذا اللفظ عن عمر رضي الله عنه.

والكلام في حكم أهل الفترة لسنا مكلفين به، والخلاف في المسألة معروف لما تكلم في الفروع على حكم أطفال المشركين، وكذا من بلغ منهم مجنونا، قال: ويتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة، وقاله شيخنا.

وفي الفنون عن أصحابنا: لا يعاقب، وذكر عن ابن حامد: يعاقب مطلقا، إلى أن قال القاضي أبو يعلى في قوله -تعالى-:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 1: في هذا دليل أن معرفة الله لا تجب عقلا، وإنما تجب

1 سورة الإسراء آية: 15.

ص: 211

بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار، انتهى.

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طبقات المكلفين:

الطبقة الرابعة عشر: قوم لا طاعة لهم ولا معصية، ولا كفر ولا إيمان، قال: وهؤلاء أصناف: منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئا، ومنهم الأصم الذي لا يسمع شيئا أبدا، ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئا؛ فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافا كثيرا، وذكر الأقوال، واختار ما اختاره شيخه أنهم يكلفون يوم القيامة.

واحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن الأسود بن سريع مرفوعا، قال:"أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة. أما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وأنا ما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يرمونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني من رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما" ثم رواه من حديث أبي هريرة بمثله، وزاد في آخره:"ومن لم يدخلها رد إليها" انتهى.

وذكر ابن كثير عند تفسير قوله -تعالى-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 1، قال: وهنا مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي مسألة الولدان الذين ماتوا وهم صغار، وآباؤهم كفار، وكذا المجنون، والأصم، والخرِف، ومن مات في الفترة. وقد روي في شأنهم أحاديث، أنا ذاكرها بعون الله وتوفيقه.

1 سورة الإسراء آية: 15.

ص: 212

ثم ذكر في المسألة عشرة أحاديث، افتتحها بالحديث الذي ذكرناه، ثم أشار إلى الخلاف، ثم قال: ومن العلماء من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة: فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه، ومن عصى دخل النار، وانكشف علم الله فيه، وهذا القول يجمع بين الأدلة، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض. وهذا قول حكاه الأشعري عن أهل السنة، ثم ردَّ قول من عارض ذلك بأن الآخرة ليست بدار تكليف

إلى أن قال: ولما كان الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى دلائل صحيحة، وقد يتكلم فيها من لا علم عنده، ذكر جماعة من العلماء الكلام فيها، روي ذلك عن ابن عباس، وابن الحنفية، والقاسم بن محمد، وغيرهم، قال: وليعلم أن الخلاف في الولدان مخصوص بأولاد المشركين.

فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء؛ حكاه القاضي أبو يعلى الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة.

فأما ما ذكره ابن عبد البر: أنهم توقفوا في ذلك، وأن الولدان كلهم تحت المشيئة، وهو يشبه ما رسم مالك في موطّئِه في أبواب القدر، فهذا غريب جدا، وذكر القرطبي في التذكرة نحوه.

إخبار الإمام للمأمومين بنيته الجمع بين الصلاتين

وما ذكرت من قول الإمام إذا نوى الجمع بين الصلاتين، فأرجو أنه لا بأس به أن يعلمهم أنه ناوٍ الجمعَ لأن المشهور في المذهب وفاقا لمالك والشافعي اشتراط نية الجمع. ولم أسمع في ذلك شيئا عن الصحابة، كما هو حجة من لم يشترط النية للجمع، وهو اختيار الشيخ تقي الدين؛ لكن الخروج

ص: 213

من الخلاف لا بأس به، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وسلم لنا على الوالد والإخوان، ومن لدينا العيال والطلبة يسلمون، فأنت سالم، والسلام.

بيع الفضة بالفضة

ومن خطه نقلت.

بسم الله الرحمن الرحيم

سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) عما إذا كان لرجل على آخر ريالات، وأراد أن يعطيه عنها نوعا آخر من الفضة، مثل هذه التي يسمونها المجيديات، أو غيرها.

(فأجاب) : هذا حرام بلا شك؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة اشترط المماثلة في بيع الفضة بالفضة، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد مرفوعا:"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض"1.

والأحاديث في هذا كثيرة، ولم يستثن صورة من ذلك، كما استثني العرايا من المزابنة بشروطها، فمن الذي يجترئ على تخصيص هذه العمومات بالرأي؟ والنبي صلى الله عليه وسلم سمى مبادلة الذهب بالذهب، والفضة بالفضة بيعا، ولا فرق بين كون العوضين عينين، أو أحدهما في الذمة لوجود المبادلة فيها، التي عرَّف بها الفقهاء البيع، فقالوا في حده: هو مبادلة مال بمال، وقالوا: بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته، فسموا المبادلة بما في الذمة بيعا، والفقهاء يسمون الاعتياض عما ما في الذمة من أحد النقدين بجنسه صرفا.

كما قالوا فيما إذا انفسخ عقد السلم: إنه يرد رأس ماله، إن كان موجودا، أو يرد عوضه إن لم يوجد، فإن كان رأس مال السلم نقدا، وأخذ عينه نقدا من

1 البخاري: البيوع (2177)، ومسلم: المساقاة (1584) ، وأحمد (3/61)، ومالك: البيوع (1324) .

ص: 214

جنسه فصرف له حكمه، وقالوا فيما إذا اقترض دراهم مكسرة، وحرمها السلطان، ورد المقترض فضة فصرف، نعتبر له شروطه.

وقال في الشرح الكبير في مسألة اقتضاء أحد النقدين من الآخر: إنه يشترط لجواز ذلك أن يكون بالسعر، وأنه قول الجمهور خلافا لأصحاب الرأي، واستدل لقول الجمهور بحديث ابن عمر، وعلله بأن هذا جرى مجرى القضاء، فتقيد بالمثل، كالقضاء من الجنس قال: والتماثل هنا بالقيمة لتعذر التماثل بالصورة، انتهى.

فكلامه صريح في أنه إذا كان القضاء من الجنس فلا بد من التماثل بالصورة، وجعل ذلك أصلا لمسألة الخلاف، فدل أنه لا بد من التماثل في الصورة، إذا كان القضاء من الجنس بلا خلاف، وهذا أمر ظاهر.

وقد علمتم كلام الفقهاء: إن من اشترى طعاما بكيل لا يصح قبضه جزافا؛ لحديث: "إذا سميت الكيل فكل" 1 وغير ذلك، وليس في حديث جابر ما يستدل به للجواز، وقد استدل به ابن عبد البر، وجماعة على جواز أخذ الثمر على الشجر عن ما في الذمة، إذا علم أنه دون حقه إرفاقا بالمدين، وإحسانا إليه.

وهذا يشبه مسألة ذكرها الفقهاء في الصلح فيما: إذا أقر إنسان لآخر بدين في ذمته، فصالحه بجنسها، قل أو كثر على سبيل المعاوضة لم يجز. وإن صالحه بأقل على سبيل الإبراء والهبة، لا بلفظ الصلح فهو جائز. وقولهم: إن الناس لا مفك لهم عن ذلك فهذه حجة فاسدة، وللناس عن ذلك مندوحة، بأن يشتري بالمجيديات أو القطع، ولا يسمي الريالات.

لكن الشيطان يضيق طرق الحلال، ويفسح طرق الحرام، نسأل الله لنا ولكم الهدى والسداد، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 ابن ماجه: التجارات (2230) .

ص: 215

اشتراط الكيل في القهوة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله بن مانع إلى جناب شيخنا المكرم عبد الله بن الرحمن (أبا بطين) -وفقه الله لإيضاح المشكلات، وكشف المعضلات، آمين-.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : أمتعنا الله بحياته، إذا اشترى إنسان قهوة من آخر مثلا، واكتالها كيلا جيدا، أو اشترط أنه يكيلها فلان مثلا، وأراد بعد ذلك بيعها، فلما باعها قال المشتري: أكيلها أنا أو فلان، والحالة أنه هو أو فلان كيلهما أنقص من ذلك الكيل الأول، هل يكون ذلك ممنوعا في الشرع المطهر، أم لا؟

أيضا -سلمك الله-: إذا اشترط البائع على المشتري أنه لا يكيلها إلا أنت أو فلان، والحالة أنه هو أو فلان لا يحسنون الكيل الذي يساوي كيله أولا، والتزم له المشتري بذلك، هل يسوغ هذا الشرط أم لا؟ نلتمس من فيض أفضالكم تحرير الجواب باختصار وإيجاز، ولكم بذلك من الله -تعالى- الثواب الجزيل والمفاز.

سلمك الله، حصل زيادة بين كيل البائع، وكيل المشتري بلا شرط على المشتري، والحال أن المشتري الأول مشترط على البائع الأول أن يكيلها فلان، والمشتري الثاني لم يشترط كيل أحد، وأنت في أمان الله وحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(الجواب) وبالله التوفيق:

الذي أرى -والله أعلم- أنه إذا قال المشتري: أكيلها أنا أو فلان، والحالة أن كيله أو كيل فلان أنقص من الكيل الأول الذي اكتاله البائع، إن ذلك لا يمنع، وأما إذا اشترط البائع على المشتري أنه لا يكيلها إلا أنت أو فلان

ص: 216

فهذا الشرط غير صحيح، ويجوز أن يتولى الكيل غير المعين المشروط، كما قالوا: إذا شرط في السلم مكيالا معين لنا عرف أنه لا يصح هذا الشرط، ولا يلزم التعيين، والله سبحانه وتعالى أعلم، انتهى. ومن خطه نقلت.

النور الذي كلم الله منه موسى

بسم الله الرحمن الرحيم

ما قولكم -أدام الله النفع بعلومكم- في قول بعض شراح عقيدة الشيباني رحمه الله على قول الناظم:

وخصص موسى ربنا بكلامه

على الطور ناداه وأسمعه الندا قال الشارح: خص الله موسى بتكليمه على الطور، وأسمعه نداه إذ لم تكن لموسى جهة يسمع منها الكلام، ولا يرى منها النار، أو سمع في الوادي المقدس كلاما بلا حرف ولا صوت، ونارا إلا في جهة محدودة، وإنما يعرف ذلك أهله، وأما غير أهله فلا يدري كيف ذلك.

وقال على قول الناظم: ومنه بدأ قولا قديما، وأنه

إلخ، أي: وهو منه، أي: من الرحمن بدأ قولا، أي: قاله في القدم حيث لا أكوان ولا أزمان، ويعود إليه كما بدأ منه. وهذه الحروف، والأصوات التي تعبر عن القرآن ليس1 هي القرآن لأن القرآن صفة الحق، والصفة لا تنفصل عن موصوفها، والحروف والأصوات تتصل وتنفصل، فهي صفات لا صفاته، لأنه باين، أي: منفرد عن خلقه بذاته وصفاته، وبذلك اغتر من اغتر، أفتونا -أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه- ما معنى قوله هذا؟

أجاب الشيخ الإمام العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) أثابه الله الغرف العلية، فقال:

1 هذا الكلام به مخالفة لمقتضى الإعراب مجاراة للغة العوام في خطابهم.

ص: 217

بسم الله الرحمن الرحيم

ما ذكره هذا الشارح بناء على أصلين فاسدين للأشعرية:

(أحدهما) : إنكار علو الرب -سبحانه- فوق سماواته، واستوائه على عرشه.

(والثاني) : إنكارهم تكلم الرب -سبحانه- بالحرف والصوت، والكلام عندهم هو: المعنى النفسي القائم بذات الرب سبحانه وتعالى. فلما رأى الشارح كلام المفسرين، وقولهم: إن النار التي رأى موسى هو نور الرب تبارك وتعالى، وأن القرآن يدل على أن ذلك النور في مكان، قالوا: يلزم من كون نور الرب في مكان جواز كون الله -سبحانه- في مكان؛ فيلزم إثبات علوه –سبحانه- فوق السماء، واستوائه على العرش.

فقال: لم يكن لموسى جهة يسمع منها، ولا يرى منها النار، وسمع كلاما بلا حرف، ولا صوت، ونارا لا في جهة محدودة، قلت: القرآن صريح في أن موسى عليه السلام رأى نارا في موضع معين، قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ} 1، وقال -تعالى-:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ} 2، فدل قوله:(أتاها) ، و (جاءها) ، أنها في موضع مخصوص، قال -تعالى-:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} 3، وقال -تعالى-:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} 4.

قال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: وقوله: من الشجرة هو بدل من قوله: من شاطئ الوادي الأيمن، فالشجرة كانت فيه؛ فالنداء كان من الجانب الأيمن من الطور، ومن الوادي؛ فإن شاطئ الوادي جانبه، فذكر أن النداء كان من موضع معين، وهو الوادي المقدس طوى، من شاطئه الأيمن، من جانب الطور الأيمن من الشجرة، انتهى.

1 سورة النمل آية: 8.

2 سورة طه آية: 11.

3 سورة مريم آية: 52.

4 سورة القصص آية: 30.

ص: 218

فالآيات تدل على أن النور كان في موضع معين، وأن النداء كان من موضع معين.

قال ابن عباس في قوله -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} 1 قال: الله في النور، ونودي من النور.

وروى عطية عن ابن عباس: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} 2، يعني نفسه، قال: كان نور رب العالمين، قال: في الشجرة ومن حولها، وقال عكرمة:{أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} 3 قال: كان الله في نوره، وقال سعيد بن جبير:{أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} 4 قال: ناداه وهو في النور.

وقال ابن ضمرة: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} 5، قال: إنها لم تكن نارا، ولكنه كان نور الله، وهو الذي كان في ذلك. النور، وإنما كان ذلك النور منه، وموسى حوله.

وقال ابن عباس في قوله: {وَمَنْ حَوْلَهَا} الملائكة، وروي عن عكرمة، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة مثل ذلك، وقول الشارح: وإنما يعرف ذلك أهله، لما كان قولهم هذا ظاهر البطلان، وأنه ليس لهم حجة على صحته، أراد التمويه بقوله ذلك، إلا أن لقولهم هذا وجها صحيحا ومحملا يخفى على من لم ير رأيهم.

وأما قوله: ومنه بدأ قولا قديما، وأنه

إلخ، فهذا ما عليه الأشاعرة المخالفون للكتاب، والسنة، وسلف الأمة، فقد أجمع أهل السنة والجماعة على ما دل عليه كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن القرآن كلام الله، حروفه ومعانيه.

وعند الأشعرية أن الكلام هو: المعنى النفسي، وأن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، وقد صنف شيخ الإسلام تقي الدين -رحمه الله تعالى- مصنفا ذكر فيه تسعين وجها في

1 سورة النمل آية: 8.

2 سورة النمل آية: 8.

3 سورة النمل آية: 8.

4 سورة النمل آية: 8.

5 سورة النمل آية: 8.

ص: 219

بيان بطلان هذا القول:

(منها) : إن الله سبحانه وتعالى قال كذا، ويقول كذا، ونادى، وينادي، والقول إنما يكون حرفا، والنداء إنما هو بحرف وصوت، وكذلك الكلام لا يكون إلا قولا لا حديث نفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله عفا لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" 1 فجعل الكلام غير حديث النفس.

وأجمع العلماء على أن المصلي إذا تكلم في صلاته عالما عامدا لغير مصلحتها، أن صلاته فاسدة، مع إجماعهم أن حديث النفس لا يبطلها؛ ففي ذلك، وما أشبهه دلالة صريحة على أن المعنى الذي يكون في النفس ليس بكلام. وعند الأشاعرة أن الله لم يكلم موسى، وإنما اضطره إلى معرفة المعنى القائم بالنفس، من غير أن يسمع منه كلمة، وما يقرؤه القارئون ويتلوه التالون فهو عبارة عن ذلك المعنى، وأن الحروف مخلوقة، وفي حديث عبد الله بن أنيس المشهور:"فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان"

الحديث.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي فقلت: إن الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت، فقال: كذبوا، إنما يدورون على التعطيل، ثم قال: حدثنا عبد الله بن محمد المحاربي قال: حدثني الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء.

وعند الأشاعرة أن المعنى النفسي القائم بذات الرب الذي يسمونه كلاما شيء واحد لا يتبعض، وأن معنى الأمر والنهي والخبر واحد، وأن معنى القرآن والتوراة والإنجيل واحد، إن عبر عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عبر عنه بالعبرانية فهو التوراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل، وهذا مما يقطع ببطلانه.

1 البخاري: الطلاق (5269)، ومسلم: الإيمان (127)، والترمذي: الطلاق (1183)، والنسائي: الطلاق (3435)، وابن ماجه: الطلاق (2040) ، وأحمد (2/393،2/474،2/481،2/491) .

ص: 220

وقول الشارح: وبذلك اغتر من اغتر، فقد قال تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} 2 فنسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم آمين، وصلى الله على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

حديث خلق الله آدم بيده على صورته

بسم الله الرحمن الرحيم

ما يقول العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين- في حديث: "خلق الله آدم بيده على صورته" 3 هل الكناية في قوله: على صورته راجعة إلى آدم، وأن الله خلقه على الصورة التي خلقه عليها، أم لها معنى، وتأويل غير ذلك؟ وأجيبوا -أدام الله النفع بعلومكم- وابسطوا الجواب، أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه.

الجواب: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) -رحمه الله تعالى- قال: هذا الحديث المسؤول عنه ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا"4.

وفي بعض ألفاظ الحديث: "إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته".

قال النووي: هذا من أحاديث الصفات، ومذهب السلف أنه لا يتكلم في معناه، بل يقولون: يجب علينا أن نؤمن بها، ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله -تعالى-، مع اعتقادنا أن ليس كمثله شيء، انتهى.

وقال بعض أهل التأويل: الضمير في قوله: "صورته" راجع إلى آدم، وقال بعضهم: الضمير راجع على صورة الرجل المضروب، ورد هذا التأويل بأنه إذا كان الضمير عائدا على آدم فأي فائدة في ذلك؟ إذ ليس

1 سورة فاطر آية: 8.

2 سورة النمل آية: 24.

3 البخاري: الاستئذان (6227)، ومسلم: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2841) ، وأحمد (2/315،2/323) .

4 صحيح البخاري: كتاب الاستئذان (6227)، وصحيح مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2841) ، ومسند أحمد (2/315) .

ص: 221

يشك أحد أن الله خالق كل شيء على صورته، وأنه خلق الأنعام، والسباع على صورها، فأي فائدة في الحمل على ذلك.

ورد تأويله بأن الضمير عائد على ابن آدم المضروب، بأنه لا فائدة فيه؛ إذ الخلق عالمون بأن آدم خلق على خلق ولده، وأن وجهه كوجوههم.

ويرد هذا التأويل كله بالرواية المشهورة: "لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن" وقد نص الإمام أحمد على صحة الحديث، وإبطال هذه التأويلات، فقال في رواية إسحاق بن منصور:"لا تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته" صحيح.

وقال في رواية أبي طالب: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم، فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟ وعن عبد الله بن الإمام أحمد قال: قال رجل لأبي: إن فلانا يقول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته" 1 فقال: على صورة الرجل، فقال أبي: كذب، هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا؟

وقال أحمد في رواية أخرى: فأين الذي يروي: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن"؟ وقيل لأحمد عن رجل: إنه يقول: على صورة الطين، فقال: هذا جهمي، وهذا كلام الجهمية، واللفظ الذي فيه على صورة الرحمن رواه الدارقطني، والطبراني، وغيرهما بإسناد رجاله ثقات. قاله ابن حجر، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجها ابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعا، قال:"من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" وصحح إسحاق بن راهويه اللفظ فيه على صورة الرحمن، وأما أحمد فذكر أن بعض الرواة وقفه على ابن عمر، وكلاهما حجة.

1 أحمد (2/251) .

ص: 222

وروى ابن منده، عن ابن راهويه قال: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن آدم خلق على صورة الرحمن" وإنما علينا أن ننطق به، قال القاضي أبو يعلى: والوجه فيه أنه ليس في حمله على ظاهره ما يزيل صفاته، ولا يخرجها عما ما تستحقه، لأننا نطلق تسمية الصورة عليه، لا كالصور كما أطلقنا تسمية ذات ونفس، لا كالذوات والأنفس.

وقد نص أحمد في رواية يعقوب بن يختان قال: خلق آدم على صورته، لا نفسره كما جاء الحديث. وقال الحميدي لما حدث بحديث:"إن الله خلق آدم على صورته" 1 قال: لا نقول غير هذا على التسليم، والرضى بما جاء به القرآن والحديث، ولا نستوحش أن نقول كما قال القرآن والحديث.

وقال ابن قتيبة: الذي عندي -والله أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع والعين، وإنما وقع الألف لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، هذا كلام ابن قتيبة.

وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: "فيأتيهم الله في صورة غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون" 2 وفي لفظ آخر: "صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيعرفونه" 3 الحديث، فالذي ينبغي في هذا ونحوه إمرار الحديث كما جاء على الرضى والتسليم، مع اعتقاد أنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، والله -سبحانه- أعلم.

نهب البدو بعضهم بعضا

وما ذكرت من السؤال، فالمسألة الأولى وهي: نهب البدو بعضهم

1 أحمد (2/251) .

2 البخاري: الرقاق (6574)، ومسلم: الإيمان (182) .

3 البخاري: التوحيد (7438)، ومسلم: الإيمان (182) .

ص: 223

بعضا، فالذي أرى عدم الشراء منهم مطلقا إذا تحقق أنه نهب بعينه لاشتباه أمرهم. وأما إذا عرف أحدهم ماله عند حضري، وثبت أنه منهوب منه بالبينة، فالذي نفتي به في أزمنة هذا الاختلاف أنه يعطي المشتري ثمنه الذي دفع إليه، ويأخذ ماله إن لم يكونوا حربا للحضر، وقد أفتى بذلك غير واحد من متأخري الأصحاب.

الجائحة في الإجارة

وأما مسألة الجائحة في الإجارة: قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يقول بثبوت الجائحة في الإجارة للأرض ونحوها، كما تثبت في الثمرة المشتراة بنص الحديث. وأكثر العلماء يفرقون بين الصورتين، على خلاف ما قاله الشيخ، وهو الذي نفتي به، أعني بقول أكثر العلماء، والله أعلم.

أخذ الرجل من لحيته إذا كانت دون القبضة

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن إلى الولد المحب علي بن عبد الله القاضي -ألهمه الله رشده وهداه، ووفقه لما يحبه ويرضاه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : موجب الخط إبلاغك السلام، والخط وصل، أوصلك الله إلى ما تحب. ومن حال ما ذكرت من أخذ الرجل من طول لحيته، إذا كانت دون القبضة، فالظاهر الكراهة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اعفوا اللٍّحَى" وفي حديث آخر: "أرخوا اللحى". والسنة عدم الأخذ من طولها مطلقا، وإنما رخص بعض العلماء في أخذ ما زاد على القبضة لفعل ابن عمر رضي الله عنه، وبعض العلماء يكره ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعفوا اللحى"1.

وأما حلق ما على الخدين من الشعر فلا شك في كراهته لمخالفة قوله –صلى الله عليه وسلم:

"أعفوا اللحى" 2، واللحية في اللغة: اسم للشعر

1 مسلم: الطهارة (259)، والترمذي: الأدب (2763،2764)، والنسائي: الزينة (5046)، وأبو داود: الترجل (4199) ، وأحمد (2/16،2/52،2/156) .

2 مسلم: الطهارة (259)، والترمذي: الأدب (2763،2764)، والنسائي: الزينة (5046)، وأبو داود: الترجل (4199) ، وأحمد (2/16،2/52،2/156) .

ص: 224

النابت على الخدين والذقن. ومعنى قوله: "أعفوا اللحى" 1 أي: وفروها، واتركوها على حالها.

مع أنه ورد حديث في النهي عن ذلك، فروى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مثل بالشعر ليس له عند الله خلاق" قال الزمخشري: معناه: صيره مُثلة: بأن نتفه، أو حلقه من الخدود، أو غيره بسواد، وقال في النهاية: مثل بالشعر حلقه من الخدود، وقيل: نتفه، أو تغيره بسواد؛ فهذا الحديث ظاهره تحريم هذا الفعل والله -سبحانه- أعلم.

وقال أصحابنا: يباح للمرأة حلق وجهها وحفه، ونص الإمام أحمد على كراهة حف الرجل شعر وجهه، والحف: أخذه بالمقراض، والحلق بالموسى، فإذا كره الحف فالحلق أولى بالكراهة، ويكفي في ذلك أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"أعفوا اللحى" 2، وفي الحديث الآخر:"وفروا اللحى، خالفوا المشركين"3.

ضياع العبادة مع الجهل

بسم الله، والحمد لله، وصلى -الله- على نبينا محمد.

سئل شيخنا عبد الله (أبا بطين) عن قول السيوطي على قوله –تعالى- في آخر سورة المائدة، من الجلالين:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 4 قال: وخص العقل ذاته، فليس عليها بقادر، فأجاب: الظاهر أن مراده: أن الرب -سبحانه- يستحيل عليه ما يجوز على المخلوق من العدم والعيب والنقص، وغير ذلك من خصائص المخلوقين، فلكون ذلك يستحيل على ذات الرب -سبحانه- عبر عنه بأنه لا يدخل تحت القدرة، وأنا ما رأيت هذه الكلمة لغيره، والنفس تنفر منها.

وقد روي عن ابن عباس حكاية على غير هذا الوجه، وهو: أن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا

1 مسلم: الطهارة (259)، والترمذي: الأدب (2763،2764)، والنسائي: الزينة (5046)، وأبو داود: الترجل (4199) ، وأحمد (2/16،2/52،2/156) .

2 مسلم: الطهارة (259)، والترمذي: الأدب (2763،2764)، والنسائي: الزينة (5046)، وأبو داود: الترجل (4199) ، وأحمد (2/16،2/52،2/156) .

3 البخاري: اللباس (5892)، ومسلم: الطهارة (259) .

4 سورة المائدة آية: 120.

ص: 225

نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد؟ والعالم لا نصيب منه، والعابد نصيب منه، قال: انطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري، فقال أترونه! لم تنفعه عبادته مع جهله، فسألوا عالما عن ذلك، فقال: هذه المسألة محال لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقا؛ فكونه مخلوقا وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقا لم يكن مثله، بل كان عبدا من عبيده. فقال: أترون هذا! يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين. والله أعلم.

وقال –أيضا-: والذي ذكره السيوطي لفظ لم يأت في الكتاب ولا في السنة، ولا رأينا أحدا من أهل السنة ذكرها في عقائدهم، ولا ريب أن ترك فضول الكلام من حسن الإسلام، وهذه كلمة ما نعلم مراد قائلها: يحتمل أنه أراد بها معنى صحيحا، ويحتمل أن يراد بها باطل، فالواجب اعتقاد ما نطق به القرآن من أن الله على كل شيء قدير، وأنه إذا أراد شيئا قال له: كن، فيكون كما أراد، وأنه ليس كمثله شيء، فلا يكون شيء مثله سبحانه وتعالى وتقدس-.

وجواب العالم الذي قال: لا يكون المخلوق مثل الخالق جواب صحيح، لأنه الذي غاظ الشيطان، وهو نتيجة العلم، ويدل على أنه لو قال: قادر، أو غير قادر لم يكن جوابا صحيحا. وما ذكرنا من جواب هذا العالم فيه مشابهة لكلام السيوطي من بعض الوجوه.

واعلم أن طريقة أهل السنة أن كل لفظ لا يوجد في الكتاب ولا في السنة، ولا في كلام أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين، لا نفيه ولا إثباته، لا يثبت ولا ينفي إلا بعد الاستفسار عن معناه، فإن وجد معناه ما أثبته الرب لنفسه أثبت، وإن وجد مما نفاه

ص: 226

الرب عن نفسه نفي. وإن وجد اللفظ أثبت به حق وباطل، وكان مجملا يراد به حق وباطل، فهذا اللفظ لا يطلق نفيه ولا إثباته، وذلك كلفظ: الجسم، والجوهر، والجهة ونحوها.

وكره السلف والأئمة الكلام المحدث لاشتماله على كذب وباطل، وقول على الله بلا علم، وما ذكره السيوطي من هذا النوع. وضد القدرة العجز، وهل يسوغ أن يقال: إن الله عاجز عن كذا، وإنما يقال: إنه -سبحانه- يستحيل وصفه بما يتضمن النقص والعيب، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. اه.

نقلته من قلم تلميذ الشيخ عبد الرحمن بن مانع.

الأماكن التي يأتيها الأعراب بزعم شفائها للمريض والمبتلى

بسم الله الرحمن الرحيم

من جري بن فهد الصميت إلى الأخ في الله والمحب فيه الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمنأبا بطين) ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : منّ الله عليك، أسألك عما يوجد على هذه الأماكن التي ينتابها الأعراب ونحوهم، يزعمون أنها تعافي المريض والمبتلَى ونحوهم، مما سول لهم الشيطان، مثل: عبل الرياش بأعلى شعيب الشعرا، أو مثل شجرة خنوقه، وغار في حرة حرب ينتابها الأعراب بالمرضى، حتى ربما قربوا لها شيئا، من دم، أو طعام، أو شراب، أو متاع.

أما اللحم تبينا أنه يحرم أكله لأنه أُهِّل به لغير الله، لكن الطعام الذي غير اللحم المبتاع، والشراب من لبن ونحوه، هل يحل تناوله أم لا، وأكله وأخذ ما عليه؟ وأخبرني عن رجل حرم امرأته، ورجل حرم أمَته، هل حكم التحريمين واحد متفرق؟ لأن الله -تعالى- قال لنبيه في سورة التحريم:

ص: 227

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 1 في شأن أمته.

وفي "المنتقي" في الرجل الذي قال: "يا رسول الله إني حرمت امرأتي، فقال –صلى الله عليه وسلم: كذبت إنها لم تحرم ولكن عليك أغلظ الكفارة: عتق رقبة"، أم هذه الكفارة مخصوص بها نبينا –صلى الله عليه وسلم؟ كذلك في حديث ابن عباس في "المنتقي" قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، وقال لكم في رسول الله (أسوة حسنة) متفق عليه.

بيّن لنا صفة الأمر- من الله عليك-. كذلك ذكر لنا بعض العوام، ينسبه عن بعض العلماء، قال: إذا بدأك رجل بتحية قبل السلام، فرد عليه أنت: وعليكم السلام، هل كان صحيح قوله، أم لا؟ وأخبرني –بارك الله فيك- عن الجعل على عقد النكاح، هل يحل، أم لا يحل قليل دون كثير؟ بين لنا -أثابك الله الجنة-.

كذلك رجل أوصى أخا له حين أراد الحج أن يهدي له سبعا من طوافه ونحوه، هل يصح له ذلك؟ وإذا ذكرت أمواتي، فدعوت لهم، أو أهديت لهم ركعتين نفلا، أو شيئا من تلاوة قرآن، ونحو ذلك؟ وسلم لي على العيال، والإخوان، ومن لدينا الجماعة يسلمون، والسلام.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وبعد ما ذكرت مما يطلبه الأعراب عند هذه المواضع التي يعظمونها، فما سوى الذبيحة أرجو أنه لا بأس به.

يمين الحرام

وأما تحريم الإنسان أمته، أو الطعام، والشراب، أو اللباس، ونحو ذلك، ففيه كفارة يمين.

أما تحريم الزوجة ففيه خلاف مشهور، وأقوال العلماء كثيرة: قيل طلاقُ ثلاثٍ، وقيل: طلقةٌ بائنةٌ، وقيل: يمين فيه كفارة، وقيل: ظهار فيه كفارةُ

1 سورة التحريم آية: 2.

ص: 228

الظهار، وهذا القول هو المشهور عند الحنابلة، والله أعلم.

أخذ الجعل على عقد النكاح

وأما أخذ الجعل على عقد النكاح فلا بأس به إذا أُعْطِيَ بغير شرط، فإن كان بشرط فلا أدري، وأنا أكرهه.

الرد على من بدأ بتحية قبل السلام

وأما من بدأ بتحية قبل السلام، فلا يرد عليه إلا مثل تحيته، أو يترك؛ لحديث:"من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه".

وأما بيع الخيل بالثاني1 فهو حرام، لا تجوز الشهادة عليه، ولا الكتابة بينهم.

إهداء ثواب العبادات لحي أوميت

وأما كون الإنسان يطوف ما أحب، ويهدي ثوابه لحي، أو ميت، فهو جائز، وكذلك لو صلى ركعتين، أو صام، وجعل ثوابه لغيره، جاز عند كثير من العلماء، وكذلك إهداء ثواب القراءة لميت، أو حي، وأفضل من ذلك: الدعاء لهم، والصدقة.

الذي له غنم ويفرقها فِرارا من الزكاة

وأما الذي له غنم، ويفرقها فِرارا من الزكاة، فلا تسقط الزكاة عنه، بل يجب عليه زكاة جميع ماله، ولا ينفعه فراره من الزكاة. فإن كان ماله متفرقا من غير قصد الفرار، وأن الذي هو معه يزكيه مع ماله، فلا بأس، والله سبحانه وتعالى أعلم. وَسَلِّمْ لنا على جميع من ذكرتَ، ومن لدينا العيال والإخوان يسلمون، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قلب الدين على المعسر

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى صالح العثمان -سلمه الله تعالى-.

وما ذكرت من حال المسألتين اللتين ذكرت، ما قلب الدَّيْن؟ فشيخ الإسلام –رحمه الله ذكر حكم القلب على المعسر في الصورة التي لا خلاف فيها، أي: عدم جوازها، وعلَّله بالإكراه، وأما غيرها من صور القلب التي

1 كذا في الأصل ولم يسبق سؤال عنه.

ص: 229

لا إكراه فيها، وربما يُجَوِّزُهَا مَن لا يمنع بعض الحِيَل من الحنفية، والشافعية، فلم يصرّح بها في الموضع، وكلامه معروف في إبطال الحيل، وصنَّف في ذلك كتابه المعروف، وهو قول الإمام مالك، والإمام أحمد، وأصحابهما، وقول أئمة الحديث.

وبعض أهل زماننا أخذ من قول الشيخ في المسألة: أنه إذا كان ذلك برضاء الغريم فلا بأس به، والذي نرى، ونفتي به –المنع في الصورة التي يسميها العامة التصحيح، فيما إذا كان لإنسان على آخر عشرة –مثلا- فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن يقول في لفظ العامة: أما أكتبها علي، فيقول: كَتْب الذي في الذمة لا يجوز، ولكن نصحح، اكتب عليك عشرة، توفيني بها، إذا قبضتها، أو يقول ذلك في العادة المستمرة.

والعرف المُطَّرِد كالتواطؤ أنه يرد عليه دراهمه في المجلس غالبا، فيكون ذلك في العادة مواطأة، والقابض للدراهم لا يتصرف فيها، فلا يصير ملكه تاما عليها، بل يردها عليه بعينها في الحال، فدراهمه رجعت إليه، ويصير رأس مال السلم الذي في الذمة، وربما يكون أصل الدين عشرة، فيصل بالقلب مرة بعد مرة إلى مائة، أو أكثر.

وذكر الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" مسألة تشبه هذه المسألة، فقال: من اشترى طعامًا بثمن معلوم إلى أجل مسمًى، فلما دخل الأجل قال الذي عليه الطعام لصاحبه: ليس عندي طعام، فبعني الطعام الذي عليَّ إلى أجل، فيقول صاحب الطعام: هذا لا يصلح لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يُسْتَوْفَى. فيقول الذي عليه الطعام لغريمه: فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيك، فهذا لا يصلح لأنه إنما يعطيه طعاما، ثم يرده إليه، فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الطعام الذي كان عليه، ويصير الطعام الذي أعطاه محللا فيما بينهما، ويكون ذلك -إذا فعلاه- بيع الطعام قبل أن يستوفى. انتهى.

وفي

ص: 230

مسألتنا تكون الدراهم للذي يعطيه، ثم يردها إليه وفاء محللا، ويكون رأس مال السلم في ذمة غريمه، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم. وإن رأيت ذلك فتذكر لمن استنصحك، ولا تجادل، ولا تنازع.

ثم ذكر الشيخ المسألة الثانية، والجواب، وقد تقدمت مفردة، وهي: ما إذا كان لرجل على آخر ريالات، وأراد أن يعطيه عنها فضة، مثل الذي يسمى المجيديات

إلى آخره، ثم قال رحمه الله: ونذكر لكم صورة من صور قلب الدَّين، ذكرها مالك في "الموطأ" يفعلها بعض الناس، إذا صار له على آخر مائة -مثلا- وطلبها منه، قال: ما عندي نقد، لكن بعني سلعة بثمن مؤجل.

كما يقول بعضهم: العشر اثنا عشر، فيبيعه سلعة بمائة وعشرين مؤجلة، تساوي مائة نقدا، ثم يبيعها المشتري، ويعطيه ثمنها مائة.

قال مالك رحمه الله في الرجل: يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل، فإذا حلَّتْ، قال الذي عليه الدين: بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل، قال مالك: هذا بيع لا يصلح، ولم يزل أهل العلم ينهون عنه.

قال: إنما كره ذلك لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه، ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكره له آخر مرة، ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه، فهذا مكروه لا يصح، وهو يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قالوا للذي حل عليه الدين: إما أن تقضي، وإما أن ترابي، فإن قضى أخذوا، وإلا زادوهم في حقوقهم، وزادوهم في الأجل. انتهى.

والسلف يعبرون كثيرا بالكراهة فيما هو محَرَّم عندهم، وقوله: إنما يعطيه ثمن ما باعه، يعني: أن مشتري السلعة يبيعها على غيره، ويعطيه ثمنها

ص: 231

مائة، وأخبر -رحمه الله تعالى- أن أهل العلم لم يزالوا ينهون عن ذلك، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا، آمين.

الموصى بوقفه إذا نما بعد الموت وقبل إبقافه

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة سئل عنها الشيخ عبد الله (أبا بطين) فوجدت ما هذه صورته بخطه، ولم أجد غيره من كلام السائل.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(وبعد) : الذي ذكرت وصل، ومن جهة الحجة فالذي بان لي من كلام العلماء -رحمهم الله تعالى- أن هالنخل وما حصل منه يُصْرَف كله في حِجَجٍ عن الموصِي، والله -سبحانه- أعلم.

ونصَّ الإمام أحمد رحمه الله فيمن أوصى بدراهم في وجه البر، أو ليشتري بها ما يُوقف، فاتجر بها الوصي، فربحه مع أصل المال فيما أوصى فيه، ولا زكاة فيه، وإن خسر ضمن النقص، هكذا نص أحمد رحمه الله نقله عنه جماعة من أصحابه.

وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله غيره في الموصَى بوقفه: أنه إذا نما بعد الموت، وقبل إيقافه أن نماه يُصْرَف مصرف الوقف، والله سبحانه وتعالى أعلم، هكذا كلام السائل وجدناه.

وصية الميت بالحج عنه من ماله

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد العزيز بن عبد الله بن مفدا إلى الأخ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن رحمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد ذلك -مَتَّعَ الله بك- أوصت أمي بستة وعشرين ريالا، ثلاثة عشر لها حَجة، وحَجَّهَا خالي في حياتها، وأوصت لأمها بثلاثة عشر، ولا توفق لها حجة زمان توصي بها، وشرينا بهن نخلا، وجمعنا من غلته ما يَرْهَى على الحجة، أفتني -عفا الله

ص: 232

عنك، وثبتك بالقول الثابت. أخبرنا، وأيش نصنع بما فضل عقب الحجة؟ والسلام. أجابه الشيخ بما قدمنا أعلاه، والله أعلم.

حكم مال المسلم إذا استولى عليه الكفار

قال شيخنا عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى-: ما قولكم -دام فضلكم- في رجل مسلم، له ثمرة نخل أخذها جيرانه بدعوى أنهم اشْتَرَوْهَا من رجل آخر، اشتراها من إبراهيم باشا، وأقام صاحب الثمرة بينة أن هذا الرجل الذي باعها على جيرانه أنه استوهبها من الباشا، فوهبها له، والبينة تشهد بإقرار البائع لها، وكذلك تشهد البينة على إقرار المشترين الذين باشروا أخذها من رؤوس النخل، فما حكم ذلك؟ هل يرجع صاحب الثمرة على من أخذها وحدها؟ وهل تقبل بينتهم على الشراء من الباشا، مع بينة الإقرار بالهبة أم لا؟ حَقِّقُوا لنا الجواب، أثابكم الله تعالى.

فأجاب شيخنا عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) ، آتاه الله الأجر مرتين، وكبت شانئه في الدارين- الحمد لله رب العالمين.

لا بد من الكلام على أصل المسألة، وهو: ما حكم مال المسلم إذا استولى عليه الكفار، هل يملكونه بذلك، أم لا؟ وفي المسألة قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد، حكاهما أكثر الأصحاب:

(أحدهما) : لا يملكونه بذلك، اختارها جماعة من الأصحاب، وهذا مذهب الشافعي. والرواية الأخرى: يملكونه، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وعلى هذا فهل يملكونه بمجرد الاستيلاء، أو بالحيازة إلى دارهم؟

(الثاني) قول أبي حنيفة، قال في "القواعد الفقهية": وهو المنصوص عن أحمد، قال في الفروع: نص عليه فيما بلغ به قبرس يُرَدُّ إلى أصحابه، ليس غنيمة، ولا يُؤْكل؛ لأنهم لم يحوزه إلى بلادهم، ولا إلى أرض هم أغلب عليها؛ ولهذا قيل له: أصبنا في قبرس من متاع

ص: 233

المسلمين، قال: يُعَرَّفُ.

وقال أبو العباس -رحمه الله تعالى-: لم ينص أحمد على الملك، ولا على عدمه، وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك، قال: والصواب أنهم يملكونها ملكا مقيدا، لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه. انتهى.

ولهذا إذا وجدها صاحبها قبل القسمة أخذها مجانا. ومن فوائد الخلاف في المسألة أن من أثبت الملك للكفار في أموال المسلمين، أباح للمسلمين إذا ظهروا عليها، قسمتها والتصرف فيها ما لم يعلموا صاحبها.

وأن الكافر إذا أسلم، وهي في يده، فهو أحق بها. ومن لم يُثْبت الملك لم يُجَوِّز قسمتها، وتوقف إذا جهل ربها. ولربه أخذه بغير شيء حيث وجده، ولو بعد القسمة، أو الشراء منهم، أو إسلام آخذه وهو معه، فيأخذه من مشتريه مجانا. فعلى القول بعدم الملك، ومقتضى اختيار أبي العباس أن الثمرة المذكورة باقية على ملك صاحبها، يرجع مجانا على من هي بيده. ومقتضى هذا القول -أيضا- أن صاحبها يُضَمِّنها مَن انتفع بها، إذا كانت تالفة.

وعلى القول الثاني يأخذها صاحبها ممن هي في يده مجانا، إن كان متهبا، وإن كان مشتريا أعطاه الثمن الذي اشتراها به. وإذا اختلفا في كونه مشتريا، أو متهبا، وأقام من هي في يده بينة أنه مشتر، وأقام صاحب الثمرة بينة أنه أقر أنه متهب، فالظاهر تعارض البينتين، ويصيران كمن لا بينة لهما، ويكون القول قول صاحب الثمرة بيمينه: أن من هي في يده متهب لأنه غارم، كالمذهب فيمن اشترى أسيرا مسلما من الكفار ببينة الرجوع، وتنازعا في قدر ما دفع فيه، أن القول قول الأسير لأنه منكر للزيادة، ولأنه غارم. وكلامهم هذا، واختلافهم -إنما هو في الكفار الأصليين.

وأما المرتدون، فكلامهم رحمهم الله صريح في أن حكمهم ليس كذلك، وأنهم لا يملكون ما استولَوْا عليه من أموال المسلمين، لأنهم صرحوا

ص: 234

إن المرتد إذا أسلم، وفي يده مال مسلم، أن صاحبه يأخذه مطلقا، ولم نَرَهُم ذكروا في ذلك خلافا، وإنما تنازعوا في تضمينه ما أتلفه حال ردته.

وفي تضمينه ذلك قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد، والمذهب منهما عند أصحابه الضمان، ومن لم يُضَمِّنه علل ذلك: بأن في تضمينه تنفيرا له عن الإسلام، لم يعللوه بأنه ملكه. وقد أجمعوا أن الكافر الأصلي لا يضمن ما أتلفه حال كفره على القولين جميعا، أعني ملكه حال إسلامه وعدمه. ولم نعلم بينهم نزاعا في أن المرتد إذا أسلم يرد ما في يده من أموال المسلمين.

واختلفوا في الأصلي إذا أسلم، هل يُنْزَع ما في يده من أموال المسلمين؟ فظهر من كلامهم الفرق بين الأصلي والمرتد، وأن المرتد لا يملك مال المسلم بالاستيلاء. وعلى هذا: فمن انتقل إليه مال مسلم من مرتد بقهر، أو هبة، أو شراء، فصاحبه أحق به، إذا وجده بغير شيء، إذا ثبت ذلك فهؤلاء –العدوين- الذين استولوا على نجد وأهلها، من حكمنا بكفره منهم –فحكمه حكم المرتدين لا الأصليين؛ لأن دارهم دار إسلام، وحكم الإسلام غالب عليها، وإن كان الشرك موجودا فيه كثير. فهذا الذي نراه، ونعتقده، والله سبحانه وتعالى أعلم.

الرد على ما يقوله صاحب البردة في الرسول صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

منقول من البردة للبوصيري، وتشطيرها لداود بن سليمان بن جرجيس البغدادي، الداعي إلى الشرك، -عافانا الله والمسلمين مما ابتلاه به، وعصمنا من متابعة الهوى والشيطان -قال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:

ص: 235

يا خير من يَمَّمَ العافون ساحته

فحَصَّلُوا من نداه أوفر القسم

ومن رجاه فما إن خاب حيث أتى

سعيا فوق متون الأينق الرسم

ومنها -أيضا- وتشطيرها لداود المذكور:

فإن لي ذمة منه بتسميتي

كاسمه ذا مقام بالسعود سمي

شاركته بحروف الاسم حيث غدا

محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم تكن في معادي آخِذًا بيدي

ومنقذي من عذاب الله والألم

أو شافعا لي مما قد جنيت غدا

فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه

فيرجعن منه صفر الكف ذا عدم

فلا يظن به تخييب ذا أمل

أو يرجع الجار منه غير محترم

ومنها -أيضا- وتشطيرها لداود المذكور:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

عند الزحام إذا ما اشتد بي ندمي

إن لم تكن لي فمن أرجوه يشفع لي

سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي

وقد وسعت به للرسل والأمم

فانظر إليَّ بعين اللطف لا سيما

إذا الكريم تحلى باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها

حاشاك تبخل عني معدن الكرم

وكيف تغفل عن مثلي وتهمله

ومن علومك علم اللوح والقلم

ونقلنا هذه الأبيات التي فيها من الشرك ما لا يخفى، إلا على من أعمى الله بصيرته، وطبع الله على قلبه، وأركسه بكسبه، وأرسلتها إلى شيخنا ناصر الكتاب والسنة، وقامع الشرك والبدعة، عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) -نصر الله به الوحيَيْن، وجعله ممن يُؤْتَى أجره مرتين- وسألناه: أيتعين علينا نصح مستصحبها، أم هجره، والتحذير عنه، بحسب

ص: 236

الإمكان، وكتب تحتها ما يكفي أقلُّ منه لمَن بصَّره الله، وعافاه من الهوى والتعصب، فجزاه الله عن المسلمين خيرا، وجعله ممن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، آمين.

أجاب -عفا الله عنه وأيده، آمين-: هذه الأبيات تتضمن تنْزيل الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بمنزلة رب العالمين، إذ مضمونها: أن الرسول هو المسؤول المَرْجُوّ لكشف أعظم الشدائد، وهو عذاب الآخرة، وأن الدنيا والآخرة من جوده وأفضاله، وأنه يعلم الغيب، وهذه هي خصائص الربوبية، والألوهية التي جعلتها النصارى للمسيح ابن مريم، ففيه مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سَنن من كان قبلكم"1.

وهؤلاء، وإن لم يقولوا: إن محمدا هو الله، لكن أثبتوا له خصائص الرب الإله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. فانظر قوله:

إن لم تكن في معادي آخذا بيدي

ومنقذي من عذاب الله والألم

وانظر قول الله -سبحانه- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 2. وهذا الضال يزعم أن محمدا ينقذ مَن شاء مِن عذاب الله، وقال -تعالى- عن صاحب يس: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} 3. ووازن بينه وبين البيت المذكور، وقوله: أو شافعا لي

إلخ.

فالقرآن يخبر أن مَن أراده الله بضر فلا مُنْقِذ له، ولا شافع، وهذا يزعم أن الرسول ينقذ من عذاب الله، ويشفع فيمن عذَّبه الله، فأثبت هذين الأمرين اللذين نفاهما القرآن، فأيّ محادة للقرآن أعظم من ذلك؟!

وقال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 4. ونحو ذلك في القرآن كثير، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم:

1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3456)، ومسلم: العلم (2669) ، وأحمد (3/84،3/89) .

2 سورة الأنعام آية: 15.

3 سورة يس آية: 23.

4 سورة الانفطار آية: 19.

ص: 237

"يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار

، إلى أن قال: يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا" 1.

وهذا المفتري يزعم أن النبي ينقذ مِن عذاب الله من شاء، فأي مشاقة لله ورسوله أعظم من هذا؟! وقال –سبحانه-:{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} 2. وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً} 3، أي: أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسي اجتلاب نفع، ولا دفع ضر، كالمملوك، إلا ما شاء الله مالكي من النفع لي، والدفع عني.

فكيف يجتمع في قلب عبدٍ الإيمانُ بما ذكرنا من الآيات، ونحوها من آي القرآن، وقوله –صلى الله عليه وسلم لابنته:"أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك من الله شيئا" 4، كيف يجتمع الإيمان بذلك، والإيمان بقول الضال:

إن لم تكن في معادي آخِذًا بيدي

ومنقذي من عذاب الله والألم

ويزعم بعض المتعصبين لهم أن مرادهم بذلك طلب الشفاعة، فيقال: أولا: طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ممتنع شرعا، وعقلا. وأيضا فالمستشْفِع يقول للمستشْفَع به: اشفع لي، ادع الله لي، لا يقول: أعطني كما كان الصحابة يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته: استسق لنا، استنصر لنا، لا يقولون: اسقنا، أو أغثنا، أو انصرنا على عدونا.

فمن استشفع بالنبي أو غيره إلى الله في جلب رزق، أو دفع ضر، أو دفعه، لا يقول: ارزقني أو اكشف ضري، بل يقول: ادع الله لي، وأيضا- فقول الناظم أولا:

إن لم تكن في معادي آخِذًا بيدي

ومنقذي من عذاب الله والألم

م قال: أو شافعا لي

إلخ، فعطف

الشفاعة على الأخذ باليد والإنقاذ،

1 البخاري: الوصايا (2753) وتفسير القرآن (4771)، ومسلم: الإيمان (204)، والترمذي: تفسير القرآن (3185)، والنسائي: الوصايا (3644،3646،3647) ، وأحمد (2/360)، والدارمي: الرقاق (2732) .

2 سورة الجن آية: 21.

3 سورة الأعراف آية: 188.

4 مسلم: الإيمان (204)، والترمذي: تفسير القرآن (3185)، والنسائي: الوصايا (3644) ، وأحمد (2/333،2/360،2/519) .

ص: 238

فالمعطوف غير المعطوف عليه، فهو يقول: إن لم يحصل منك إنقاذ بالفعل، فانزل إلى مرتبة الشفاعة، وحاشاك أن تُخَيِّبَ رجائي فيك. وقد أبطل -سبحانه- هذين الأمرين الذين تعلق بهما المشركون، كما في قوله:{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} 1، فالولي هو: الناصر المعين بالقول، وهذا كثير في القرآن، يقرر أنه لا ولي من دونه، ولا شفيع من دونه.

وأما قوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي وأفضاله، والجود هو: العطاء والإفضال.

فمعنى الكلام: أن الدنيا والآخرة له صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} 2 {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} 3، وأيّ غلو أكبر من هذا؟!

وكذا قوله:

.......................... ومن علومك علم اللوح والقلم فجعل ما جرى بالقلم السابق في اللوح المحفوظ بعض علوم محمد صلى الله عليه وسلم، والله -سبحانه- يقول:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 4.

ومقتضى قوله، بل صريح قوله: ومن علومك علم اللوح والقلم، أنه يجوز أن يقال: ومحمد يعلم ذلك، وأنه يجوز أن يقال: مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله ومحمد، وقال –سبحانه-:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 5، فيجوز عند الناظم أن يقال: لا يعلم مَن في السموات والأرض الغيبَ إلا اللهُ ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم وهذا صريح كلامه، وإن تأوله بعض المتعصبين بتأويلات بعيدة لا يحتملها اللفظ.

وقد قال -سبحانه- لنبيه:

{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ

1 سورة السجدة آية: 4.

2 سورة الليل آية: 13.

3 سورة النجم آية: 25.

4 سورة الأنعام آية: 59.

5 سورة النمل آية: 65.

ص: 239

الْغَيْبَ} 1، وأن يقول:{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} 2، فقال صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع"3.

والآيات والأحاديث في هذا كثيرة مع أن هذا لا يحتاج إلى إقامة الأدلة على بطلانه؛ لأنه معلوم بالاضطرار من دين الرسل كلهم -أن الدنيا والآخرة لله وحده، وأنه لا يعلم الغيب إلا هو، ولقد أحسن القائل:

الحق شمسٌ والعيون نواظر

ولا يخفى إلا على العُمْيَان

ويشبه قوله هذا قوله في الهمزية، في مخاطبته للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال:

الأمان الأمان إن فؤادي

من ذنوب أتيتهن هواء

فهذه علتي وأنت طبيبي

وليس يخفى عليك في القلب داء

فانظر إلى طلبه الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله:

..........................

وليس يخفى عليك في القلب داء يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم علل القلوب وأدواءها وأنه لا يخفى عليه ما في القلوب، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} 4. وغير ذلك من أدلة الكتاب والسنة التي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما في القلوب إلا مِمَّا أطْلَعَهُ الله عليه، قال -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} 5 أي: فإنه يُطْلِعه على ما يشاء من غيبه. والله المسؤول المرجو أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، ويتوفانا مسلمين غير مُغَيِّرين، ولا مُبَدِّلين، وهو أرحم الراحمين.

1 سورة الأنعام آية: 50.

2 سورة الأعراف آية: 188.

3 البخاري: الأحكام (7169)، ومسلم: الأقضية (1713)، والنسائي: آداب القضاة (5401)، وأبو داود: الأقضية (3583) ، وأحمد (6/290،6/320)، ومالك: الأقضية (1424) .

4 سورة التوبة آية: 101.

5 سورة الجن آية: 26.

ص: 240

اتباع اليهود والنصارى فيما أحدثوا

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) إلى الولدين المكرمين محمد آل عبد الله، ومحمد آل عمر آل سليم، زادهما الله علما وفهما، ووهب لنا ولهما حكما،

إلى أن قال: وكذلك الأبيات التي نقلتم، كتبنا عليها ما اتسع له المحل، وبطلانُ ما تضمنته ظاهرٌ، ولله الحمد ما يخفى إلا على من أعمى الله بصيرته، ولكن إذا تحققتم بقول الصادق المصدوق:"إن هذه الأمة تتبع اليهود والنصارى فيما أحدثوا حذو القذة بالقذة" مع قوله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ"1.

فإذا صدَّق الإنسان بذلك، لم يستنكر ما حدث من الشرك، والبدع، وظهور المنكرات، وتضييع شرائع الإسلام، وتعطيل حدود الله، فإذا عرف الإنسان ذلك، وعلم أنه لم يُضِلّ اليهودَ والنصارى إلا علماؤهم، علم أن سبب ضلال هذه الأمة علماؤهم، كما في الحديث المشهور:"علماؤهم شر من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود".

وقول القائل: لو أن هذا ما يجوز ما خفي على فلان وفلتان، فهذه شبهة باطلة. وقد روى ابن وضَّاح عن عمر رضي الله عنه قال:"أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 2، فقلت: أجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فما ذلك يا رسول الله؟ قال: أتاني جبريل فقال: إن أمتك مُفْتَتَنَة بعد قليل من الدهر غير كثير، قلت: ففيه كفر، أم فتنة ضلالة؟ قال: كلٌّ سيكون. قلت: وأين يأتيهم ذلك وأنا تارك فيهم كتاب الله؟ قال: بكتاب الله يضلون" أي يتأولونه على غير تأويله، وزاد "من قِبَل قُرَّائهم وأمرائهم ".

قال محمد بن وضَّاح: الخير بعد الأنبياء ينقص،

1 مسلم: الإيمان (145)، وابن ماجه: الفتن (3986) ، وأحمد (2/389) .

2 سورة البقرة آية: 156.

ص: 241

والشر يزداد، وقال: إنما هلك بنو إسرائيل على يد قرائهم وفقهائهم، وستهلك هذه الأمة على أيدي قرائهم وفقهائهم، قال ابن المبارك:"وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ وأحبار سوء ورهبانها".

وقد أخبر الله -سبحانه- عن اليهود أنهم يحرِّفون الكلم عن مواضعه، أي: يتأولون كتاب الله على غير ما أراد الله، وقال:{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1.

وأخبر عنهم أنهم {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 2. ولا بد أن يوجد في هذه الأمة من يتابعهم على ما ذَمَّهم الله به. والإنسان إذا عرف الحق من ضده، لم يبال بمخالفة من خالف كائنًا من كان، ولا يكبر في صدره مخالفة عالم، ولا عابد؛ لأن هذا أمر لا بد منه، وما أخوفني على من عاش أن يرى أمورا عظيمة لا منكر لها، والله المستعان.

وقوع الشرك من كثير من المتأخرين

والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم صدرت من كثير من المتأخرين ممن يُشَار إليه بالعلم. وقد صنَّف رجلٌ يقال له: ابن البكري كتابا في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجلد، بيَّن فيه بطلان ما ذهب إليه، وبيَّن أنه من الشرك.

قال الشيخ رحمه الله: وقد طاف هذا -يعني: ابن البكري- على علماء مصر فلم يوافقه منهم أحد، وطاف عليهم بجوابي الذي كتبته، وطلب منهم معارضته، فلم يعارضه أحد منهم، مع أن عند بعضهم من التعصب ما لا يخفى، ومع أن قوما كان لهم غرض وجهل بالشرع قاموا في ذلك قياما عظيما، واستعانوا بمن له غرض من ذي سلطان، مع فرط عصبيتهم، وكثرة جمعهم، وقوة سلطانهم، ومكايدة شيطانهم.

قال -رحمه الله تعالى-: والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد

1 سورة البقرة آية: 75.

2 سورة النساء آية: 51.

ص: 242

موته موجودة في كلام بعض الناس، مثل: يحيى الصرصري، ومحمد بن النعمان، وهؤلاء لهم صلاح، لكن ليسوا من أهل العلم، بل جَرَوْا على عادة كعادة من يستغيث بشيخه في الشدائد، ويدعوه. انتهى.

والمقصود أن نوع الشرك من الاستغاثة بالنبي وغيره جرى في زمان الشيخ، والشر يزيد، لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، والله المستعان، وفي هذه الأزمنة يقال: العجب لمن نجى، كيف نجى؟! ليس العجب لمن هلك، كيف هلك؟!

وقول من يقول: استعملها من هو أعلم منا، وأعرف بكلام العرب، فبئس الحجة الواهية، والله -سبحانه- لم يأمرنا باتباع من رأيناه أعلم منا، وإنما أوجب علينا عند التنازع الرد إلى كتابه، وسنة نبيه، قال -تعالى-:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 1 خاصة في أصول الدين؛ بأنه لا يجوز التقليد فيها بإجماع العلماء؛ ولأن أدلته -ولله الحمد- ظاهرة، ولم يقل الله -سبحانه-: إذا تنازعتم فاتبعوا ما عليه أكثر الناس، ولا ما عليه بلد من البلدان.

وأكثر الناس اليوم -خصوصا طلبة العلم- خفي عليهم الشرك، وشيخ الرجل المذكور يُجَوِّز الاستغاثة بالأموات فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! كلامه صريح ما يحتمل تأويلا، كقوله:

...........................

منقذي من عذاب الله والألم

نسأل الله السلامة، وابن عجلان أقل الأحوال: هجره.

وأما النصيحة فلا تفيد في مثله، وأمره هذا، إن وصل الشيخ عبد الرحمن بن حسن أو فيصلا أو ابن سعود الأدنى فأخاف على نفسه، ولو له عقل ما أظهر مثل هذا الأمر الذي يجر عليه شَرًّا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

1 سورة النساء آية: 59.

ص: 243

إذا ترك الساعي في الخَرْص لرب المال أشياء من كمال النصاب

مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله (أبا بطين) فأجاب:

(مسألة) : إذا ترك الساعي في الخَرْص لرب المال أشياء من كمال النصاب، كما إذا كان عنده خمسة أوسق، فترك منها وسقا، فقد ذكروا: إن كان رب المال أكل هذا الوسق المتروك، فلا يجب عليه شيء في الأربعة الأوسق الباقية، وإن لم يأكل هذا الوسق المتروك -زَكَّى الأربعة الأوسق فقط.

الزكاة في غلة الوقف

(الثانية) : وجوب الزكاة في غلة الوقف، فإن كان الوقف على معين واحد أو جماعة، وحصل لكل واحدة نصاب زَكَّاهُ، وإن كان الوقف على غير معين لم يجب فيه شيء.

إذا كان عند إنسان نصاب في الشتاء وبعض نصاب في القيظ

(الثالثة) : إذا كان عند إنسان نصاب في الشتاء وبعض نصاب في القيظ -أخرج زكاة نصاب الشتاء، ولم يجب عليه شيء في زرع القيظ إذا لم يبلغ نصابا.

إذا دَبَّر عبده وأوصى بثلث ماله

(الرابعة) : إذا دَبَّر عبده، وأوصى بثلث ماله في جهة بر، كان الجميع يخرج من الثلث؛ لأن التدبير وصيةٌ على المشهور، وله الرجوع في الوصية وبيع المدبر، على اختلاف في ذلك.

بيع السلم قبل قبضه

(الخامسة) : السلم، فلا يباع قبل قبضه، ولا يؤخذ ممن هو عليه عوض عن دين السلم، في قول أكثر العلماء.

هل للعصبة ولاية مع عدم حاكم ووصي

(السادسة) : إذا مات الوصي أقام الحاكم عدلا في ذلك من العصبة أو غيرهم، وليس للعصبة ولاية إلا مع عدم حاكم ووصي، على قول غير مشهور، لكنه متوجه مع عدم الحاكم.

الطلاق على عوض

(السابعة) : إذا طلق الرجل زوجته؛ فإنها تقع الثلاث لو كان على عوض.

الطلاق المعلق ثلاثا

(الثامنة) : إذا قال الزوج لامرأته: إن خرجت فأنت طالق، وكرره

ص: 244

ثلاثا، ثم خرجت فإنها تطلق ثلاثا، ولو لم ينو شيئا، وإن ادعى إرادة الإفهام بالتكرير قُبِلَ منه.

قال لامرأته: أمرك بيدك

(التاسعة) إذا قال الرجل لامرأته: أمرك بيدك، فإنها تملك ثلاثا، ولو قال طلقي نفسك. لم تملك إلا واحدة.

إذا وقف نخلة معينة ثم سقطت

(العاشرة) : إذا وقف نخلة معينة، فالذي نرى أن موضعها لا يكون وقفا بذلك، فإذا سقطت النخلة زال حق أهل الوقف. وقد صرح بذلك الفقهاء فيما إذا أقر له بنخلة أو باعه إياها، تناول ذلك الجذع فقط، فإذا سقطت لم يكن له إعادتها، كما نص عليه الإمام أحمد فيما إذا أقر له بنخلة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما ينبت من النخل ونحوه على ماء الشريك في المشاع

(مسألة) : ما حكم ما يغرس أو ينبت من النخل ونحوه على ماء الشريك في المشاع، إذا أراد الشركاء القسمة؟

الجواب: الحمد لله، أما ما غرسه الشريك في الأرض المشاعة بغير إذن شريكه فقد صرح الأصحاب بأن حكمه حكم غرس الغاصب، ونص على ذلك الإمام أحمد –رحمه الله؛ فإنه سئل عمن غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا. قال: إن كان بغير إذنهم قلع نخله.

قال في "الإنصاف": قلت: وهذا مما لا شك فيه، قالوا: وكذا لو غرس نوى، فصار شجرا، فحكمه كحكم الغرس لا كالزرع، على الصحيح من المذهب.

وأما قول الشيخ -رحمه الله تعالى-: من زرع بلا إذن شريكه، والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم، وله بها نصيب قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك. فالظاهر أن هذا في الزرع خاصة دون الغرس، ولجريان العادة بذلك.

ص: 245

حكم ما ينبت في الأرض وقت استئجارها

وأما إذا نبت في الأرض المشاعة شجر بغير فعل صاحب الماء، وإنما نبت على مائة بغير فعل منه، فلم أر في كتب الأصحاب ذكرا لهذه المسألة بعينها، ورأيت جوابا للشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان النجدي في هذه المسألة: اعلم أن الغرس النابت في الأرض المأجورة أو الموقوفة، لم نظفر فيه بنص، وتعبنا من زمن، وجاءنا فيه جواب للبلباني -أظنه غير محرر- وأرسلنا من زمن طويل للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي المفتي بالأحساء فيمن استأجر أرضا مدة طويلة، فنبت فيها غراسٌ، الظاهر سقوطه في مدة الإجارة، ونما بعمل المستأجر، ما حكمه؟

فأجاب: إذا استأجر شخص أرضا مدة طويلة، ووقع منه نوى في الأرض المذكورة، ولم يعرض عنه، كان النابت ملكا للمستأجر؛ إن تحقق أن النوى ملكه، وإن لم يتحقق أنه ملكه، أو أعرض عنه، وهو ممن يصح إعراضه، فهو ملك لصاحب الأرض، وإن نما بعمل المستأجر.

هذا جوابه، ومن جواب محمد بن عثمان الشافعي: الودي النابت في الأرض لمالكها لا للمستأجر، وإن حصل نموه بفعل المستأجر من سقيه ومعاهدته. انتهى.

وقال في الشرح: وإن رهن أرضا، فنبت فيها شجر، فهو رهن؛ لأنه من نماء الأرض، سواء نبت بفعل الراهن أو بغيره. وكذا قال في "المغني" وغيره، فتعليلهم أن النابت من نماء الأرض ربما يُلْحَظ منه شيء، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 246

حديث الخراج بالضمان وما يتناوله

وأما حديث: "الخراج بالضمان" 1، وفي لفظ:"الغلة بالضمان" 2، فهذا الحديث، وإن كان واردًا في صورة رد المبيع المعيب، فيتناول بعمومه صورًا كثيرة غير صورة الرد بالعيب كالنماء الحاصل في مدة الخيار، وفيما إذا رد المبيع بالإقال، وقد نما عند المشتري، وفي الشقص المشفوع؛ إذا أخذه الشفيع، وقد نما عند المشتري، وفي العين عند المفلس؛ إذا أخذها بائعها، وقد نمت عند المفلس، وفي هبة الأب لولده؛ إذا رجع فيها، وقد نمت عند الولد، وفي الصداق إذا نما بيد الزوجة، ثم رجع نصفه إلى الزوج بنحو طلاق قبل الدخول ونحوه، وغير ذلك فالنماء المنفصل3.

تأثير الخلطة في غير الماشية

وأما تأثير الخلطة في غير الماشية في باب الزكاة، فالخلاف في ذلك مشهور بين القائل بتأثير الخلطة في الماشية، فالمشهور في مذهب أحمد، وهو مذهب مالك، عدم تأثير الخلطة في الجملة. وعن أحمد رواية بتأثير خلطة الأعيان في غير السائمة، وهو مذهب الشافعي. وعلى هذا، فهل تؤثر خلطة الأوصاف؟ فيه وجهان للأصحاب، ودليل كل من القولين مذكور في محله، وإن كانت حجة القول الأول أظهر، والقائلون به أكثر، والله أعلم.

ضم الثمار والزروع بعضها إلى بعض في تكميل النصاب

وأما ضم ثمرة العام وزرعه بعض إلى بعض في تكميل النصاب، فأما الثمار فلا يُضَمُّ جنس إلى آخر كالتمر إلى الزبيب، إجماعا، وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض. وأما الزرع فالمشهور في مذهب أحمد أنه لا يضم جنس منه إلى آخر، وهو مذهب الشافعي والحنفية. وعن أحمد رواية بضم الحنطة إلى الشعير، والقطاني بعضها إلى بعض، واختار هذه الرواية الخرقي وأبو بكر، وهو مذهب

1 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243) .

2 أحمد (6/80) .

3 في الأصل بياض وفي هامشه هكذا: بياض لكلمة مختلطة.

ص: 247

مالك.

وعن أحمد رواية ثالثة بضم الحبوب بعضها إلى بعض مطلقا، والقطاني: اسم لحبوب كثيرة منها: الحمص، والعدس، واللوبيا، والدُّخْن، والرز، والباقلا.

إذا بذلت المرأة العوض للزوج في حال طلب الخلع

وأما إذا بذلت المرأة العوض للزوج في حال طلب الخلع، وقبله الزوج، وقال: الله يرزقك، ونحو ذلك من ألفاظ العامة التي يعتقدها اللافظ بها طلاقا؛ ولهذا يقول: إذا صدر منه نحو هذا اللفظف طلقت امرأتي، فالأمر في هذه المسألة مشكل جدا.

قال أبو العباس: المنقول عن أحمد وقدماء أصحابه، ألفاظهم كلها صريحة في أن الخلع بلفظ البيع فسخ، وبأيّ لفظ كان، وأفتى بعض متأخري الأصحاب بأن الزوجة إذا طلبت التخلاة على عوض بذلته لزوجها، فقال: خلعت جوازك، صح وبانت، قال: لأن ذلك لغة أهل بلدنا، قال: والعبرة في ذلك ومثله بلغة المتكلمين به.

وقال الشيخ تقي الدين، بعد أن ذكر ألفاظ العقود في الماضي والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول: وإنها لا تنعقد بالمضارع، وما كان من هذه الألفاظ محتملا، فإنه يكون كناية حيث تصح الكناية له، كالطلاق ونحوه، ويعتبر دلالات الأحوال. وهذا الباب عظيم المنفعة، خصوصا في الخلع وبابه. وقد ذكروا من ألفاظ الكناية: أغناك الله، وقول القائل:"الله يرزقك" دعاء منه لها، ويظهر أن مراده بهذا اللفظ في حال سؤالها الطلاق، وبذلها العوض الطلاق.

ص: 248

إذا منع التعامل بالدراهم أو قلت قيمتها

ما قولكم، رفع الله قدركم، وأدام فضلكم، فيما إذا غلت، أو رخصت الدراهم المُتَعَامَل بها بين الناس، فما قولكم فيمن باع إلى أجل بعشرة دراهم، وهي قيمة الدينار وقت العقد، فلما حل الأجل، وإذا الدراهم المذكورة بعدُ ما هي قيمة الدينار صارت نصف قيمته أو عكسه، هل للبائع على المشتري دراهمه المسماة أو قيمتهن وقت العقد، أو قيمتهن وقت حلول الأجل، فيما إذا أخر المطالبة لغيبة أو مَطْل أو غير ذلك؟ وهل حكم القَرْض حكم ثمن المبيع الذي في الذمة أم لا؟ وما معنى كلام الناظم في قوله:

والنص بالقيمة في بطلانها

لا في ازدياد القدر أو نقصانها

بل إن غلت فالمثل فيها أحرى

كذا عشرين صار عشرا

ما الحكم في ذلك؟ أفتونا مأجورين، أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه، آمين.

الحمد لله (الجواب) والله أعلم بالصواب: قد ذكر الأصحاب -رحمهم الله تعالى- أنه إذا وقع البيع بنقد معين كدراهم مكسرة أو مغشوشة أو فلوس، ثم حرمها السلطان فمنع المعاملة بها قبل قبض البائع لها -لم يلزم البائعَ قبضُها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد، وكذا لو أقرضه نقدا أو فلوسا، فحرم السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض، لم يلزم المقرضَ قبولُه، ولو كان باقيا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد؛ إن أفضى إلى ربا الفضل، ووجه رد القيمة فيما ذكرنا.

أما في مسألة البيع، فلأنها من ضمان المشتري حتى يقبضها البائع، وقد بقيت بيد المشتري، فلم يلزم البائعَ قبولُها.

ص: 249

وأما في مسألة القرض، فلأنها بقيت في ملك المقترض، فلم يملك ردها، وإنما يملك القيمة -والحالة هذه- على المذهب فيما إذا منع السلطان المعاملة بها خاصة، أما إذا زادت قيمتها، أو نقصت مع بقاء التعامل بها وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها، سواء غلت، أو رخصت، أو كسدت، هذا حاصل المذهب في المسألة عند أكثر الأصحاب.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: قياس القرض فيما تقدم جميع الديون من بدل المتلف والمغصوب، والصداق، والصلح عن القصاص، والكتابة، قال: وكذا نص أحمد في جميع الديون.

قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل له على رجل دراهم مكسرة، فسقطت المكسرة أو فلوس، قال: يكون له عليه قيمتها من الذهب. انتهى.

وقال الشيخ -أيضا-: وقد نصوا في القرض على أن الدراهم المكسرة إذا مُنِعَ التعاملُ بها، فالواجب القيمة، فيخرج في سائر المتلفات، كذلك في الغصب والقرض؛ فإنه معلوم أنه ليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق، وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يُعْقَل عيبُها إلا نقصان قيمتها.

فإذا أقرضه، أو غصبه طعاما، فنقصت قيمته -فهو نقص النوع، فلا يُجْبَر على أخذه ناقصا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل؛ فإن المالين إنما يتماثلان؛ إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين، وعيب العين المعينة خروجها عن الكمال بالنقص، وأما الأنواع فلا عيب فيها بالحقيقة، وإنما نقصانها كعيبها. انتهى.

فالحاصل أن الأصحاب إنما أوجبوا رد قيمة ما ذُكِرَ في القرض والثمن

ص: 250

المعين، خاصة فيما إذا منع السلطان التعامل بها فقط، ولم يَرَوْا رد القيمة في غير القرض والثمن المعين، وكذا لم يُوجِبوا ردَّ القيمة -والحالة هذه- فيما إذا كسدت بغير تحريم السلطان لها، ولا فيما إذا غلت، أو رخصت.

وأما الشيخ تقي الدين فأوجب رد القيمة في القرض والثمن المعين، وكذلك سائر الديون فيما إذا كسدت مطلقا، وكذلك إذا نقصت القيمة فيما ذكر، وفي جميع المثليات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

معنى قوله: (وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي)

(الحمد لله وحده)

سلمكم الله، وعافاكم، ووفقكم، وحماكم1، ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "وأنا الحاشر، يحشر الناس على قدمي"2. وفي لفظ: "على عقبي"؟ وما يظهر لكم في رجل أخذ من آخر مجيديات فضة مضاربة، واشترى بها عروض وبهائم، وباعها بريالات النقد الرابح اليوم، وظهر ربح بينهما، هل يدفع المضارب إلى الدافع ريالات بثمن المجيديات، أم لا يدفع له إلا مجيديات أو ذهب مما لا يجري فيه الربا؟ أفتونامأجورين، أثابكم الله جزيل الثواب بمَنِّه وكرمه، آمين.

أجاب شيخنا مفتي الديار النجدية الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) أمتعنا الله به. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء، وذكر منها الحاشر 3 الذي يحشر الناس على قدمي" قوله: (قدمي) روي بتخفيف الياء على الإفراد، وتشديدها على التثنية، وفي رواية:"على عقبي"

1 في هامش الأصل: السؤال بخط محمد بن مانع.

2 البخاري: المناقب (3532)، ومسلم: الفضائل (2354)، والترمذي: الأدب (2840) ، وأحمد (4/80،4/84)، ومالك: الجامع (1891)، والدارمي: الرقاق (2775) .

3 في هامش الأصل قال: وفي النهاية في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا الحاشر الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره.

ص: 251

أي: على أثري وزمان نبوتي ورسالتي؛ إذ لا نبي بعده.

وقيل معناه: يقدمهم وهم خلفه، أو على أثره في المحشر؛ لأنه أول من تنشق عنه الأرض. والعاقب: هو الذي يخلف من كان قبله في الخير، ومنه عقب الرجل لولده، وقيل: معناه؛ لأنه ليس بعده نبي؛ لأن العاقب هو الآخر، فهو عقب الأنبياء، أي: آخرهم.

إذا طلب المالك من العامل أن يرد رأس ماله كما أخذه

وأما مسألة المضاربة، فإن طلب المالك من العامل أن يرد رأس ماله كما أخذه، لزمه ذلك بطريق مباح. وأما إذا رضي رب المال بقبض الريالات الرابحة، فالذي أرى أن هذا جائز لا محذور فيه؛ لأنه عين ماله انقلب بالتجارة فيه من نوع إلى نوع آخر لم يكن في ذمة العامل، بل رأس المال والمنضوض ملك لرب المال، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فإن كان قد ظهر ربح قوم، وأعطي العامل حصته من الربح من الناض لا من رأس المال. انتهى جواب الشيخ من خطه.

................1

إذا قبض دين السلم قبضا تاما

بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخنا العلامة عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله، وكثَّر فوائده:(جواب) في مسائل سئل عنها الفقير إلى الله عبد الرحمن بن عدوان، قال بعد السلام: هذا جواب المسائل:

أما (الأولى) وهي: ما إذا قبض دين السلم قبضا تاما يتمكن من التصرف فيه جاز له أن يبيعه على مَن أوفاه به مطلقا، وليست هذه من صور عكس العِينَة.

قلب الدين

(الثانية) : رجل اشترى تمرا نسيئة من آخر، ثم رده عليه عما في ذمته.

1 حذفت مسألة الرهن المعسر داره في دينه لأنها تقدمت في صفحة 137.

ص: 252

(الجواب) : إن كان قبضه قبضا صحيحا جاز أن يوفيه به المشتري؛ إذا كان له قدرة على أن يوفيه دينه من غيره، بخلاف ما إذا كان لا يقدر على الوفاء؛ لعسرته، واضطره إلى أن يستدين له من نفسه ليوفيه، فهذا لا يجوز لوجهين:

أحدهما: أن المعسر يجب إنظاره، وهذا إضرار به يزيد به عسرته.

الثاني: أنه من قلب الدين الذي نص عليه العلماء رحمهم الله كشيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجوز.

خرْص النخل وإعطاؤه للشريك

(الثالثة) : خرْص النخل وإعطاؤه للشريك ليأخذ مثله وقت الجذاذ، فالظاهر أن هذا لا يجوز؛ لأنه من صور بيع الجنس بجنسه، وشرطه: جواز التماثل والتقابض، والذي يجوز في ذلك أن يقتسماه على رؤوس النخل خَرْصًا، فيأخذ كل واحد منهما مثل ما أخذه شريكه؛ فيختص كل واحد بما أخذ بالقسمة، فلا يكون في ذمة أحدهما للآخر شيء.

من صور قلب الدين

(الرابعة) : مَلِيٌّ عليه دين لآخر، فأسلم إليه دراهم، فقضاه دينه منها.

(الجواب) : أن هذه الصورة من صور قلب الدين، وقد نصوا على أنه يضارع الربا. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن السلف منعوا منه، وأفتى هو بالمنع، وكذا شيخنا الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-؛ وذلك لأنه تنمية للدين في ذمة المدين بمجرد القلب، وهو بمعنى ربا الجاهلية: إما أن تقضي، وإما أن ترابي.

التفرق قبل قبض رأس مال السلم

(الخامسة) : إذا تقايلا دين السلم، فهل يجوز التفرق قبل قبض رأس سن المال أم لا؟

(الجواب) : قال في "المنتهى": ويجوز إقالة في سلم وبعضه بدون قبض رأس ماله أو عوضه إن تعذر في مجلسها؛ لأنه إذا حصل الفسخ ثبت الثمن في ذمة البائع، فلم يشترط قبض بدله في المجلس كالقرض، وفيه وجه يشترط. انتهى.

ما تراه الحائض من النشاف في أيام الحيض

(السادسة) : ما تراه الحائض من النشاف في أيام الحيض

ص: 253

الجواب: المذهب أن النقاء طهر، وإن لم تر معه بياضا؛ فعليها أن تغتسل، وتصلي، وفيه قول؛ لأن البياض الذي يأتي المرأة عقب انقطاع الحيض، هو الطهر الصحيح، وإليه يميل شيخنا رحمه الله فيما يرى، والله أعلم. انتهى.

بيع الكاليء بالكاليء

بسم الله الرحمن الرحيم

وجدت بخط الأشياخ قوله: ولا يصح بيع كالئ بكالئ، ولها صور منها: بيع ما في الذمة حالّ، وعروض وأثمان بثمن إلى أجل ممن هو عليه أو غيره، ومنها جعله رأس مال سلم كما ذكره المصنف رحمه الله، ومنها لو كان لكل واحد من اثنين دينا على صاحبه من غير جنسه، كالذهب والفضة، وتصارفا، ولم يحضر شيئا، فإنه لا يجوز سواء كانا حالَّين أو مؤجلين.

ثم اعلم أن قول المصنف رحمه الله: ولا يحل بيع كالئ بكالئ -يشمل ثمان صور:1

الأولى:- بيع حالٍّ بحَالٍّ لمن هو عليه. السادسة: بيع حال بمؤجل لغيره. السابعة: بيع مؤجل لمن هو عليه.

الثامنة: بيع مؤجل بمؤجل لغيره.

فلا يصح في هذه الصور جميعها إلا في الأولى والثانية، تمت، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

البلدة التي فيها شيء من مشاهد الشرك

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: فهذه خمس مسائل سئل عنها شيخنا عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) رحمه الله.

الحمد لله وحده.

(المسألة الأولى) : عن البلدة التي فيها شيء من مشاهد الشرك، والشرك فيها ظاهر، مع كونهم يشهدون "أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" مع عدم القيام بحقيقتهما، ويؤذنون، ويصلون الجمعة والجماعة، مع التقصير في ذلك.

1 هذا الكلام به مخالفة لمقتضى الإعراب مجاراة للغة العوام في خطابهم.

ص: 254

فهذه المسألة يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء في بلدةٍ كلُّ أهلها يهود أو نصارى أنهم إذا كانوا يقولون في المسيح: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، وأنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام؛ فبالأولى فيما أرى أن البلاد التي سألتم عنها، وذكرتم حال أهلها أولى بهذا الاسم، ومع هذا يُقَاتلون لإزالة مشاهد الشرك والإقرار بالتوحيد والعمل به، بل لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام –قُوتِلُوا، وإن لم يكونوا كفارا، ولا مشركين، ودارهم دار إسلام.

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: أجمع العلماء أن كل طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام -تُقَاتَلُ حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى. انتهى.

وما ذكرناه عن العلماء: من أنهم يسمون البلد التي أهلها يهود أو نصارى أنهم يسمونها دار إسلام، ويذكرون ذلك في باب اللقيط وفي غيره.

من قصد إنسانا بخشبة ونحوها ليضربه بها

(المسألة الثانية) : فيمن قصد إنسانا بخشبة ونحوها؛ ليضربه بها، فللمقصود دفعُه بالأسهل، أو بالهرب عنه، إن أمكن، فإن لم يندفع بذلك فله ضربُه بما يندفع به، وأرجو أنه ما يضمن، والحالة هذه.

من دفع أرضه لإنسان ليغرسها بما اتفقا عليه من نصيب كل منهما

(المسألة الثالثة) : فيمن دفع أرضه لإنسان؛ ليغرسها بما اتفقا عليه من نصيب كل منهما، فيجوز لصاحب الأرض بيع نصيبه من الغرس، ولو لم تتم المدة التي بينه وبين الغارس؛ لأن بيع المشاع صحيح، والمشتري يقوم مقام البائع في إلزام العامل بإتمام العمل الذي شرط عليه في العقد.

وإذا تلف نصيب الغارس من النخل رفع يده عن الأرض التي ليس له فيها حق، بل لو اشترط في ابتداء العقد أن له شيئا من الأرض فسد العقد

ص: 255

بلا خلاف بين العلماء، والمشتري من مالك الأرض، إن كان إنما اشترى نصيبه من الغرس، فهو صحيح كما ذكرنا، وإن كان اشترى نصيبه من الغرس وجميع الأرض، فالذي أرى أنه ما يصح؛ لأنه ما يمكنه تسليم الأرض –والحالة هذه- والله أعلم.

وطء الأب مملوكة ولده

(المسألة الرابعة) : في وطء الأب مملوكة ولده، فهو حرام يوجب التعزير. فإن حملت من الأب صارت أم ولد له، وولده حر، ولا حد ولا مهر عليه، فإن كان الابن قد وطئها، ولو لم تلد منه، لم يملكها الأب بالإحبال، ولم تَصِرْ أمّ ولد له، وحرمت عليهما، هكذا ذكره الفقهاء.

حكم مال الغريم إذا ضاق ماله عن الديون التي عليه

(المسألة الخامسة) : في حكم مال الغريم إذا ضاق ماله عن الديون التي عليه، فالمشهور في المذهب فيها معروف، وأنه يُتْرَك له المسكن والخادم؛ إذا كان مثله يُخْدَمُ، ما لم يكونا عين مال غريم، ويُشترى، أو يُكترى له بدلهما، ويُترك له ما يَتَّجِر به؛ إن كان تاجرا، ويترك له آلة محترف؛ إن كان ذا صنعة، ومقتضى قولهم: إنه إذا كانت حرفته الحراثة أن يُترك له ما يحرث عليه من سوان وآلة حراثة.

ومقتضى قولهم: أنه إذا لم يكن له حرفة، وله عقار، أنه يُترك له؛ إذا لم يكن فيه فضل عما يقوم به معاشه، والذي أرى أنه ما يمكن العمل اليوم بالمذهب في بلدان نجد؛ لقلة أموالهم، والغالب على الحُرَّاث الفقر.

ويمكن أحدهم أن يشتري من الناس أموالهم، ويشتري بها دارا أو عقارا، أو يشتري بها سواني، فإذا طلب أهل الحقوق حقوقهم، لم يجدوا إلا هذه التي ذكرنا، فيقال: تترك له الدار، ويترك له العقار يَتَعَيَّش به؛ إذا لم يكن له ما يعيش به، أو تترك له السواني؟ وإن كان تاجرا، وفي يده رأس مال، قيل: يترك له ما يتجر به، وهذا فيه إشكال.

ص: 256

وأما ما سوى مذهب أحمد، فأبو حنيفة يقول: يترك له المسكن فقط، وقال مالك والشافعي: تباع ويكترى له بدلها؛ لحديث: "خذوا ما وجدتم".

والقول بأنه يترك له ما يتجر به؛ إن كان تاجرا، أو آلة الحرفة إن كان له صنعة، فمن مفردات المذهب. ونقل عبد الله عن أبيه: يباع الكل إلا المسكن وما يواريه من ثياب وخادم يحتاجه، وفي رواية أخرى: يُترك له ما يقوم به معاشه.

قال في "الشرح الكبير": وهذا في حق الشيخ وذوي الهيئات الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم، ومع ذلك قال أصحابنا: إن كانت أمواله كلها أعيان أموال أناس، أفلس بأثمانها، أخذوها بشروطها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس، فهو أحق به" 1 انتهى.

لكن إن كانت الدار ونحوها رهنا، ففي حكمها على المذهب تردد؛ ولهذا قال صاحب "الغاية": إن كانت الدار ونحوها رهنا، توجه احتمالان، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

(تمت)

طبعت هذه المجموعة عن الأصل المرسل من نجد بحسب ترتيبه في النسخ بغير تصرف ما، وقد كتب في آخر النسخة التي طبعنا عنها ما نصه:

"وقع الفراغ من نسخ هذه المسائل الفقهية في آخر اليوم السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1329 بمعونة الله الفرد الصمد، بقلم عبده الفقير إليه، الغني به عما سواه -إن شاء الله- سليمان بن عبد الله بن سليمان بن ماجد الحنبلي مذهبًا، والسلفي معتقدا، غفر المولى له ولوالديه ولمعلميه وللمسلمين والمسلمات آمين.

1 البخاري: في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2402)، ومسلم: المساقاة (1559)، والترمذي: البيوع (1262)، وأبو داود: البيوع (3519)، وابن ماجه: الأحكام (2358) ، وأحمد (2/228،2/247،2/249،2/347،2/468،2/474،2/487)، ومالك: البيوع (1383)، والدارمي: البيوع (2590) .

ص: 257