المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة التاسعة: معنى لا إله إلا الله وشروطها السبعة - رسائل وفتاوى عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

الفصل: ‌الرسالة التاسعة: معنى لا إله إلا الله وشروطها السبعة

وتطلب أدلته، واستحضارها ذهنا وقولا وطلبا ورغبة.

فهذه نصيحة مني لكل إنسان، دعاني إليها غربة الدين، وقلة المعرفة فيه، فينبغي أن تشاع وتذاع في مخاطر أهل العلم، يقبلها من وفقه الله تعالى للخير، فإنها خير مما كتبت فيه بأضعاف أضعاف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

‌الرسالة التاسعة: معنى لا إله إلا الله وشروطها السبعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلام في بيان ما أوردناه على الجهمي الذي في بني ياس، أما الكلام في معنى "لا إله إلا الله" فأقول وبالله التوفيق: أما هذه الكلمة العظيمة، فهي التي شهد الله بها لنفسه، وشهد بها له ملائكته، وأولو العلم من خلقه، كما قال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1.

فلا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، لا يصح إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له ودلت عليه، وقبوله والانقياد للعمل.

وهي كلمة الإخلاص المنافي للشرك، وكلمة التقوى التي تقي قائلها من الشرك بالله، فلا تنفع قائلها إلا بشروط سبعة:

الأول العلم بمعناها نفيا وإثباتا، واليقين -وهو كمال العلم بها- المنافي للشك والريب، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المانع من النفاق، والمحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه، والسرور بذلك، والقبول المنافي للرد، فقد يقولها من يعرفها لكن لا يقبلها مما دعاه إليها تعصبا وتكبرا، كما هو قد وقع من كثير. السابع

1 سورة آل عمران آية: 18.

ص: 87

الانقياد بحقوقها، وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته.

إذا عرفت ذلك فقولك: "لا إله إلا الله": فلا: نافية للجنس. والإله هو: المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر، كحال من عبد الأموات والغائبين والأصنام، فكل معبود مألوه بالعبادة. والخبر المرفوع محذوف تقديره: حق. وقوله: "إلا الله" استثناء من الخبر المرفوع. فالله سبحانه هو الحق، وعبادته وحده هي الحق، وعبادة غيره منتفية بلا في هذه الكلمة.

قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} 1، فإلهية ما سواه باطلة، فدلت الآية على أن صرف الدعاء الذي هو مخ العبادة عنه لغيره باطل؛ فتبين أن الإلهية هي العبادة لأن الدعاء من أفرادها، فمن صرف منها شيئا لغيره تعالى فهو باطل.

والقرآن كله يدل على أن الإلهية هي العبادة كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ? إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي} 2، فذكر البراءة من كل معبود سوى الله، ولم يستثن إلا عبادة من فطره سبحانه، ثم قال:{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} 3 أي: "لا إله إلا الله" فعبر عن الإلهية بالعبادة في النفي والإثبات.

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} 4: فقوله {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} 5 هو معنى "إلا الله" في كلمة الإخلاص، وقوله:{وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} 6 هو المنفي في كلمة الإخلاص ب "لا إله"؛ فتبين أن "لا إله إلا الله" دلت على البراءة من الشرك في العبادة في حق كل ما سوى الله.

وقال الله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} 7 والدين هو العبادة، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ} 8، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 9 أي: الذي لا تصلح الإلهية إلا له وحده، فانتفت الإلهية

1 سورة الحج آية: 62.

2 سورة الزخرف آية: 26.

3 سورة الزخرف آية: 28.

4 سورة الجن آية: 20.

5 سورة الجن آية: 20.

6 سورة الجن آية: 20.

7 سورة الزمر آية: 11.

8 سورة الرعد آية: 36.

9 سورة الكهف آية: 110.

ص: 88

وبطلت في حق كل ما سوى الله، والقرآن يبين بعضه بعضا ويفسره.

والرسل إنما يفتتحون دعوتهم بمعنى "لا إله إلا الله": {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 1، فتبين أن الإلهية هي العبادة؛ ولهذا قال قوم هود لما قال:{يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 2 {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} 3، فتبين بالآية أنهم لم يستنكفوا من عبادة الله، لكنهم أبوا أن يخلصوا العبادة لله وحده؛ فلم ينفوا ما نفته "لا إله إلا الله"، فاستوجبوا ما وقع بهم من العذاب، بعدم قبولهم من دعاهم إليه من إخلاص العبادة.

كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} 4 وهم الرسل جميعهم {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ} 5 وهذا هو معنى كلمة الإخلاص الذي اجتمعت عليه الرسل، فقوله:{أن لا تعبدوا} هو معنى (لا إله) وقوله: {إِلَاّ اللَّهَ} هو المستثنى في كلمة الإخلاص؛ فهذا هو تحقيق معناها -بحمد الله- إنذار الرسل جميعهم أممهم عن الشرك في العبادة، وأن يخلصوها لله وحده لا شريك له. ففي ما ذكرناه في هذه الآيات في معناه كاف واف شاف، ولله الحمد والمنة.

تعريف العبادة

وأما تعريف العبادة، فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:

وعبادة الرحمن غاية حبه

مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر

ما دار حتى قامت القطبان

ومداره بالأمر أمر رسوله

لا بالهوى والنفس والشيطان

فذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، فذكر قطبيها، وهما غاية المحبة لله في غاية الذل له. والغاية تفوت بدخول الشرك، وبه يبطل هذا الأصل، لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده، ولا

1 سورة الأعراف آية: 59.

2 سورة الأعراف آية: 59.

3 سورة الأعراف آية: 70.

4 سورة الأحقاف آية: 21.

5 سورة هود آية: 2.

ص: 89

بد أن يذل له، ففسد الأصل بوجود الشرك فيه. ولا تحصل الغاية فيهما إلا بانتفاء الشرك، وقصر المحبة والتذلل لله وحده؛ وبهذا تصلح جميع الأعمال المشروعة، وهي المراد بقوله: وعليهما فلك العبادة دائر. والدائرة هي الأعمال، ولا تصلح إلا بمتابعة السنة.

وهذا معنى قول الفضيل بن عياض رحمه الله في قول الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 1 قال: "أخلصه وأصوبه". قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال:"إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".

أقسام التوحيد

وأما أقسام التوحيد فهي ثلاثة:

توحيد الإلهية

وهي العبادة كما تقدم، فهي تعلق بأعمال العبد وأقواله الباطنة والظاهرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".

قلت: فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك بالله، وهذا هو الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب بالإنذار عنه، وترتبت عليه عقوبات الدنيا والآخرة في حق من لم يتب منه، ويسمى هذا التوحيد إذا كان لله وحده "توحيد القصد والطلب والإرادة" وهو الذي جحده المشركون من الأمم.

وقد بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالأمر به، والنهي عما ينافيه من الشرك، فأبى المشركون إلا التمسك بالشرك الذي عهدوه من أسلافهم، فجاهدهم صلى الله عليه وسلم على هذا الشرك، وعلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} 2 إلى قوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ

1 سورة هود آية: 7.

2 سورة ص آية: 4.

ص: 90

امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} 1.

(النوع الثاني) : توحيد الربوبية: وهو العلم والإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، وهو المدبر لأمور خلقه جميعهم كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} 2 إلى قوله: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 3، وقال:{قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 4 إلى قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 5. وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير، وهذا النوع قد أقر به المشركون كما دلت عليه الآيات.

(والنوع الثالث) : توحيد الأسماء والصفات: وهو أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، التي تعرف بها سبحانه إلى عباده، ونفي ما لا يليق بجلاله وعظمته، وهذا النفي أقسام، ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية الشافية.

فأهل السنة والجماعة سلفا وخلفا يثبتون لله هذا التوحيد، على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، وهذا النوع والذي قبله هو توحيد العلم والاعتقاد.

تعريف التوحيد

وأما تعريف التوحيد فقد ذكره ابن القيم في الكافية الشافية فقال:

فالصدق والإخلاص ركنا ذلك ال

توحيد كالركنين للبنيان

وحقيقة الإخلاص توحيد ال

مراد فلا يزاحمه مراد ثاني

والصدق توحيد الإرادة وهو بذ

ل الجهد لا كسلا ولا متواني

ثم ذكر توحيد المتابعة فقال:

والسنة المثلى لسالكها فتو

حيد الطريق لأعظم السلطان

1 سورة ص آية: 6.

2 سورة يونس آية: 31.

3 سورة يونس آية: 31.

4 سورة المؤمنون آية: 84.

5 سورة المؤمنون آية: 89.

ص: 91

فلواحد كن واحدا في واحد

أعني سبيل الحق والإيمان

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الإخلاص بمثل ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال: "الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه".

أقسام العلم النافع

وأما أقسام العلم النافع الذي يجب معرفته أو اعتقاده فهو يتضمن ما سبق ذكره، وهو ثلاثة أقسام، ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكافية الشافية قال:

والعلم أقسام ثلاث ما لها

من رابع خلوا عن الروغان

علم بأوصاف الإله وفعله

وكذلك الأسماء للرحمن

والأمر والنهي الذي هو دينه

وجزاؤه يوم المعاد الثاني

وبهذا تم الجواب عما أوردناه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ص: 92