المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيف يدعو المدرس المسلم طلابه إلى الله - رسالة إلى المدرسين والمدرسات

[أبو بكر أحمد السيد]

الفصل: ‌كيف يدعو المدرس المسلم طلابه إلى الله

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كيفَ يدعُو المدرّس المسلِم طلَاّبَهُ إلى الله

؟

الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله..

أخي المدرس.. أختي المدرسة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

موضوع هذه الرسالة

أيًّا كانت المادة التي تقومون بتدريسها (فيزياء أو رياضيات أو تاريخ أو لغات

) وأيًّا كان المعهد الذي تعملون فيه (مدرسة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعة) فإنني أكتب لكم هذه الرسالة التي جمعت فيها بعض الملاحظات والاقتراحات والوسائل الخاصة بدعوة الطلاب إلى الله، وتشجيع روح الإيمان بالله تعالى في قلوبهم، وتأكيد اقتناعهم بأن الإسلام منهاج كامل للعمل للدنيا والآخرة، فهو كما يقال دين ودولة، ومصحف وسيف

وهذه الوسائل هي مجرد أمثلة - عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها- ولكم أن تطبقوا منها ما ترونه مناسبا لطلَاّبكم، أو تضيفوا عليها ما يتلاءم مع ظروف العمل في معهدكم ومدى تعاون المسؤولين وأولي الأمر معكم

وقبل أن نبدأ ذكر هذه الاقتراحات والوسائل نحب أن نشير إلى أهميتها وضرورتها لأن المدرس إذا لمس عظم الغاية من تطبيق هذه الاقتراحات بذل جهده في تنفيذها وطار شوقا إلى قاعات الدرس، لأنه أصبح يراها ميداناً للجهاد، أما إذا لم يدرك هذه الأهمية فسيتخلى عن تلك الوسائل حينما تواجهه أول عقبة في طريتي تنفيذها، أو قد يستغرب هذه الوسائل نفسها، ويستمر في الذهاب متثاقلاً إلى عمله الروتيني كما هو الحالة مع عدد كبير من المدرسين الذين يتباطؤون في الذهاب إلى فصول الدراسة {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} 1.

1 سورة الأنفال آية6.

ص: 5

أهمية الدعوة بين الطلاّب

1-

طلاب اليوم هم قادة المستقبل:

إن طلاّب اليوم هم الذين سيتولون في المستقبل القريب توجيه سفينة المجتمع وإدارة شؤونه، فإذا قمنا اليوم بتوجيههم الوجهة الصالحة وخرَّجوا لنا جيلا مثقفاً مؤمناً بالله تعالى تسري في نفوسهم روح الجهاد وحب العمل ابتغاء وجه الله وليس ابتغاء مطمع دنيوي أو متاع زائل تخلصت مجتمعاتنا- تحت إدارة هذه الصفوة من الشباب الطيب- من أمراض النفاق والواسطة وأكل السحت والرشوة واتباع الشهوات وغيرها، وسارت سفينتنا إلى غايتها لا تبالي بالرياح ولا الأمواج التي تأتيها من الشرق والغرب محاولة إغراقها

2-

خصوبة تربة الدعوة بين الطلاب:

إن مجال التعليم لهو من أخصب المجالات للدعوة إلى الله، وذلك لأن المدرس يظل على صلة مستمرة بالطلاب لفترة طويلة تصل إلى عدة شهور وأحياناً إلى عدة سنوات، فإذا كان المدرس مؤمناً بالله معتزاً بإسلامه شاعراً بواجبه في الدعوة إلى الله أفاض على طلابه من نور هذا الإيمان الذي يحمله بين جنبيه ويمشي به في الناس، واستطاع خلال تلك الفترة أن يؤثر فيهم بالكلمة الطيبة والسلوك الحسن فتنفتح قلوبهم لدعوته وتحيا بها كما تتحول البذور إذا وجدت من يرعاها إلى زهور وثمار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 1

1 سورة الأنفال آية 24

ص: 6

3-

الثواب الجزيل من الله تعالى:

أخي المدرس

أختي المدرسة

لاشك أن حماسكم للدعوة إلى الله في صفوف طلابكم أو طالباتكم يزداد إذا بشرتم بأن هداية طالب واحد بإذن الله بسبب دعوتكم لهو خير لكم من الدنيا وما فيها، أو إذا بشرتم بأنكم إذا أرشدتم طلابكم لعمل خير ما فإنكم تنالون بإذن الله تعالى أجراً كلما فعل أحدهم هذا الخير، حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:"من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم، ويقول:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه مسلم، ويقول:"لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" متفق عليه.

4-

كلكم مسئول عن رعيته:

فليكن شعاركم يا أخي ويا أختي {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى قد أتاح لكم هذه الفرصة وجعل تحت رعايتكم ومسئوليتكم من يستمع إليكم ويتأثر بكم من هذه البراعم وهؤلاء الشباب، فلا تتركوا هذه الفرصة تمر دون حسن استغلالها، ولا تتركوا هؤلاء الشباب للضياع فريسة فهم أبناؤكم وإخوانكم وعليكم إنقاذهم من الدعوات الفاسدة والاتجاهات المادية والمنحرفة التي يتعرضون لها، فإذا فرطتم في هذه الأمانة فستُسألون عنها أمام الله عز وجل يوم القيامة "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"

1 سورة فصلت آية33

2 رواه البخاري ومسلم.

ص: 7

وإذا أديتم ما عليكم فيها فلكم من الله خير الجزاء على وفائكم بواجبكم {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} 1.

5-

محاربة الفساد والدعوات الهدامة:

ولا تنس يا أخي أن هناك من المدرسين والعاملين في حقل التعليم من يقوم بنشر الدعوات الهدامة بين الطلاب ويحارب الاتجاهات الإسلامية، فهذا مدرس ينشر الإلحاد ويشكك في وجود الخالق عز وجل، وهذا وكيل مدرسة يضع العقبات أمام تلاميذه الذين يريدون أداء الصلوات جماعة، وهذا ناظر يمنع تكوين أي جماعة إسلامية في المدرسة ويحظر أي ندوات إسلامية، وهذه مدرسة متبرجة تدرِّس لبناتنا التربية الإسلامية، وهذه ناظرة تسخر من تلميذة أطاعت أمر ربها وتحجبت، وهذه راهبة تعلم أطفال المسلمين طقوس النصرانية، وهذه مدرِّسة أمريكية2 شبه عارية تعطي بناتنا وأبناءنا القدوة السيئة في الانحلال والتبرج وتزكي لهم عادات الغربيين من اختلاط وإباحية تحت دعاوى الحرية الشخصية3، وهذا أستاذ قد تفرنج ودخل قاعة المحاضرات فاتحا أعلى قميصه ليري طلابه ما تحلى به من زينة النساء ونعني بها تلك السلسلة الذهبية التي سلسل بها عنقه، وكم من أستاذ أجنبي استقدمناه خبيرا فجاءنا مخبرا4 أو صليبيا مثيرا للشبهات بين الطلاب، وهكذا ترى للباطل وحزب الشيطان جنودا مجندة في حقل التعليم ثم يخرج الطلاب من معاهدهم بعد تلقي العلوم على أيدي أمثال هؤلاء

1 سورة الحج آية 41

2 أوغيرها ممن ينتسبن للإسلام

3 يقصد بعض الدول الذين يوجد فيهم مثل هؤلاء

4 ينقل أخبارنا إلى دولته

ص: 8

المدرسين لتستقبلهم أجهزة الإعلام بوابل من المسلسلات والمباريات والمسرحيات والأفلام التي تزين لهم المنكر فينامون سكارى ثم يستيقظون سكارى وهكذا يخرج لنا جيل يستخف معظم شبابه بأوامر الله وتعاليم الدين وقد يشكون في وجود الخالق سبحانه وتعالى.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في القلب إسلام وإيمان1

فهل يليق بك يا أخي أن ترى كل هذا ثم تقف موقف المتفرج وتكتفي بأن تدخل قاعة الدرس على مضض لتحشو أذهان الطلاب ببعض المعلومات التي لا تنفع (إن لم تضر) إن لم تصاحبها تقوى الله، وأن يصبح كل همك هو انتظار المرتب آخر الشهر؟ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 2.

6-

التربية والتعليم ميدان للجهاد:

واعلم يا أخي أن جهادك في ميدان التعليم لتربية الشباب المثقف المؤمن بالله لا يقل أهمية عن الجهاد بالمدفع والصاروخ، فالأيدي التي ستحمل المدفع وتوجه الصاروخ إن لم تكن من الأيدي التي تربَّت على الوضوء والصلاة فستتخلى عن السلاح وتفر من الميدان وتخلد إلى الأرض.

واعلمي يا أختي أن جهادك في ميدان التعليم لتربية الفتاة المؤمنة الملتزمة بأوامر ربها وتعاليم نبيِّها له أكبر الأثر في تقدم أمتنا الإسلامية، فالنساء المسلمات المؤمنات القانتات هن اللائي يشجعن أزواجهن على الجهاد، ويدفعن أبناءهن إلى ساحات القتال، ويفرحن لاستشهادهم، وهن اللائي يهرعن إلى حلقات العلم وبيوت الله بدلاً من حلبات الرقص

1من قصيدة قيلت في رثاء الأندلس (انظر جواهر الأدب 2/385)

2سورة يونس آية 58

ص: 9

وبيوت الأزياء، فلا يكن همك من الاشتغال بالتدريس هو تحصيل الدنانير والدراهم وإنفاقها على الملابس والحلي، وإلا فالبيت أولى لك، ولكن اجعلي غايتك هي تقوية الإيمان في نفوس تلميذاتك كما تلقنيهن دروس العلم، خاصة وأنك تعلمين أن تنفير المرأة المسلمة من تعاليم الإسلام وبقاءها جاهلة بها من أهم أهداف أعداء الإسلام لضمان انحراف الأسر المسلمة والمجتمع المسلم، وإن الصحوة الإسلامية التي نشهدها والحمد لله في ربوع الأمة الإسلامية وعلى وجه الخصوص بين النساء لهي لا أمس الحاجة إلى تدعيمها بجهادك وجهاد أخواتك المدرسات المؤمنات في الدعوة إلى الله بين صفوف الطالبات.

وسائل دعوة الطلاب إلى الله

أخي المدرس

أختي المدرسة

والآن بعد أن أدركنا أهمية دعوة طلابنا وطالباتنا إلى الله، وضرورة ذلك وفرضيته في الظروف الحالية التي تعيشها مجتمعاتنا، ننتقل إلى ذكر بعض وسائل هذه الدعوة

وغني عن البيان أن إخلاص النية لله عز وجل عند تطبيق هذه الوسائل وغيرها عامل أساسي لنيل ثواب الله ولنجاح الدعوة، وبدون هذا التجرد لله سبحانه وتعالى تصبح هذه الوسائل نوعا من الرياء الذي ينأى المسلم بنفسه عنه، "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى"1.

أولا: السمت الإسلامي للمدرس:

أقل ما ينتظر من المدرس المسلم أن يكون مظهره إسلاميا وينبغي أن يتفق قوله وفعله وسلوكه مع روح الإسلام ومبادئه، فمثلا:

1رواه البخاري ومسلم

ص: 10

1-

من الشعائر والسمات التي يعرف بها المسلم ويتميز بها عن غيره إعفاء اللحية وقص الشارب أو إحفاؤه وعدم إسبال الإزار. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب " متفق عليه، ويقول:" ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " رواه البخاري. ويقول: "لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خُيلاء" رواه البخاري.

2-

لا تنتظر المدرسة من تلميذاتها أن يستجبن لدعوتها إياهن إلى طاعة الله وهن يرينها تعصيه جهارا بدخولها وخروجها سافرة متبرجة، فعليها طاعة الله أولا بارتداء الحجاب الصحيح ونبذ كل ما فيه إبداء لزينتها وكل لباس ضيق أو شفَّاف1 {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} 2.

3-

إذا دخل قاعة الدرس قابل طلابه بوجه طليق "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " رواه مسلم، وحياه بتحية الإسلام:(السلام عليكم) وليس بتحية العوام: صباح الخير أو مساء الخير، وكذلك إذا قابل أحدهم خارج قاعة الدرس حياه ومن السنة مصافحته، فإنه "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا" رواه أبو داود3.

4-

يبدأ حديثه للطلاب بحمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" رواه أبو داود4

1أو قصير لا يستر الذراعين والساقين

2 سورة النور آية 31

3والإمام أحمد والترمذي وابن ماجه

4وابن ماجه وضعفه الألباني (انظر إرواء الغليل1/30)

ص: 11

"وما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم تِرَة 1، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" رواه الترمذي 2.

5-

إذا بدأ شرح درسه على لوحة الفصل (السبورة) فليجعل البسملة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هي أول ما يطالعه الطالب على اللوحة فيتعلم أن البسملة تستحب في أول كل عمل "كل عمل لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم"3.

6-

بعد انتهاء الدرس وقبل مفارقة الطلاب يتلو سورة العصر ويدعو "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" فذلك كفارة لما يكون في المجلس (كما في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) .

7-

يحرص على أن يؤدي الصلاة المفروضة مع طلابه جماعة في مسجد المعهد ليكون قدوة حسنة لهم، وليشعرهم عمليا بأهمية إقامة الصلاة في وقتها، وإذا تيسر فيفضل أن يكون هناك درس قصير أو مناقشة دينية قصيرة بعد الصلاة.

8-

إذا ابتلي بالتدريس لطالبات4- كما هو الحال في عدد كبير من جامعاتنا اليوم- فعليه أن يغض من بصره فذلك من أخلاق الإسلام {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} 5.

1 تَِرة: نقص

2 قال الألباني: وإسناده صحيح (انظر مشكاة المصابيح)

3 ذكره ابن كثير في مقدمة تفسيره ولم يعزه إلى أحد وذكره الألباني في أول كتابه إرواء الغليل وضعفه

4 ما هو موجود في بعض الدول. والأصل أن يدرس النساءَ النساءُ

5 سورة النور آية 30

ص: 12

ثانيا: الربط بين الإسلام والمقررات الدراسية

أ-استخدام العلوم لتثبيت العقيدة:

من ناحية المادة التي يقوم المدرس بتدريسها، عليه- ما أمكنه ذلك- أن يربط بين محتوى المقرر وبين مبادئ الإسلام وأسس عقيدته، فالتعليم وسيلة هامة إلى تثبيت العقيدة وعمارة الكون وعبادة الله، وليس غاية في حد ذاته لمجرد الحصول على شهادات للمباهاة، والتفاخر بها "لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار" رواه ابن ماجة1، {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 2.

فعلى المدرس أن يعمل على أن تسرى روح الإيمان بالله تعالى في مادة المنهج، وأن ترتبط محتويات المقرر بحياة المسلم وذلك للمساهمة في تكوين العقلية الإسلامية والشخصية المسلمة

وفيما يلي نعطي بعض الأمثلة:

ا- مدرس التاريخ لا يكتفي إطلاقا بمجرد سرد الأحداث التاريخية وإنما عليه أن يستخلص منها لطلابه أن لله سننا كونية ثابتة تسير عليها الأمم والأفراد كما تسير المجسمات وفق قوانين الحركة {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 3، وأن تقدم الأمم وتأخرها إنما يتبع هذه القوانين، ومن هذه السنن والقوانين مثلا:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} 4، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ

1 الترمذي بلفظ "من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" وله شواهد (انظر مشكاة المصابيح (

2 سورة غافر آية 83

3 سورة الأحزاب آية 62 وسورة الفتح آية 23

4 سورة غافر آية 51

ص: 13

مِنَ السَّمَاءِ وَالأََرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 1فالتخلي عن الأخلاق الفاضلة التي ذكرها القرآن وجحود نعمة الله يؤدي حتما إلى انهيار الأمم واندثار الحضارات، بينما الإيمان بالله والتمسك بهذه الأخلاق يؤدي إلى النصر والعزة، فالتاريخ الإنساني كله تطبيق وتحقيق عملي للقواعد المذكورة في آيات القران الكريم.

2-

مدرس الجغرافيا أو الجيولوجيا أو الفلك يثبت للطالب من خلال المعلومات التي يدرسها له أن هذا الكون الذي نعيش فيه بسمائه وأرضه منسق ومنظم تنظيما بديعا فلابد أن يكون له خالق حكيم خبير2.

3-

مدرس العلوم الطبيعية من فيزياء أو كيمياء أو أحياء يستخدم الحقائق العلمية لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى وحكمته وقدرته ويربط تفسيرات المشاهدات العلمية بوجود الخالق عز وجل، وكلما تعرض لشرح حقيقة أشار إليها القرآن في بعض آياته ذكر هذه الآيات وشرحها لطلابه، وهذا يؤكد أيضا للطلاب أن القرآن ليس من اختصاص مدرس التربية الإسلامية فقط وأن الدعوة إلى الإسلام ليست مسئولية رجال بأعينهم يسمون (رجال دين) 3 فحسب، فليس في الإسلام رجال دين ورجال دنيا وإنما المفروض أن المسلم رجل دين ودنيا في آن واحد.

4-

مدرس التربية الإسلامية عليه أن يدرك عظمة الرسالة المسئول عن تبليغها وشرف المادة التي يقوم بتعليمها، فهو مسئول عن تعليم كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإذا أدى الذي عليه في هذه الأمانة رفع إلى

1 سورة الأعراف آية 96

2 ويدعو تلاميذه إلى التفكر في الكون قال تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} سورة يونس آية 101

3 هذا التعبير يوجد لدى النصارى أما المسلم فهو رجل دين ودنيا في آن واحد كما أشار إلى ذلك المؤلف

ص: 14

مرتبة خير الناس "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري. فعمله ليس كسائر الأعمال ومادته ليست- كما ينظر إليها للأسف كثير من المدرسين- مجرد مادة نجاح أو رسوب، إنما هي مادة الدعوة إلى الله، فليحبب المادة إلى طلابه ولا يجعلها جافة بتحويل حصص القرآن إلى مجرد حفظ آيات دون فهمها، وحصص السيرة إلى مجرد حفظ بعض التواريخ والسنين والأعداد وأسماء الغزوات والأشخاص، وسرد الأحداث سردا عقيما، وإنما يشرح آيات القرآن بما يجعل الطالب يفهمه ويحسن تذوقه ويبين له الدروس والعبر التي نستفيدها من الآيات وكيف نطبق القرآن في حياتنا وكيف نتخلق بأخلاقه كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم:"كان خلقه القرآن"1، فلا يخوض مثلا في توضيح المسائل اللغوية فقط وشرح الآيات شرحا دون أن يشير إلى التطبيق العملي لهذه الآيات وربطها بحياتنا في الوقت الحاضر، فالناس اليوم ليسوا في حاجة إلى ثقافة إسلامية نظرية بقدر ما هم في حاجة إلى توجيههم ليكونوا إسلاما متحركا على وجه الأرض، وهنا يأتي دور السيرة العطرة لإعطاء الأمثلة العملية الحية التي تملأ القلب إيمانا وحماسة وتبعث على تقليد هذه الأمثلة البشرية الرائعة، فإن للقصص تأثيرا عميقا في النفوس ليس للمقالات و {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ} 2.

5-

مدرس الرياضيات يستطيع أن يوضح المفاهيم الرياضية بأمثلة إسلامية كأن يوضح مفهوم المجموعات بمجموعة خلفاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أو مجموعة أمهات المؤمنين ولتوضيح كيفية حساب النسب الرياضية يشرح أمثلة حساب زكاة الأموال وحساب المواريث، وحين تدريس فرع الإحصاء

1 رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن

2 سورة يوسف آية 111

ص: 15

يستطيع المدرس بعد شرح قوانين الاحتمالات أن يستخدمها لإثبات أن احتمال تواجد هذا الكون- بكل ما فيه من تنظيم وتنسيق وترتيب- مصادفة دون خالق إنما يساوي صفراً، وبالتالي تؤدي العلوم التي يدرسها الطالب إلى تأكيد إيمانه بالله تعالى.

6-

مدرس علوم الحاسب حين يشرح لطلابه كيفية كتابة البرامج يمكنه أن يوضح لهم كيفية عمل برامج للحصول على جداول الزكاة والمواريث وحسابات نظم البنوك الإسلامية وعمل إحصائيات أعداد الحجاج ورحلات العمرة وتعداد السكان في البلاد الإسلامية، وعلى العموم ربط بعض مسائل الحسابات المعتادة بأفكار إسلامية

7-

مدرسو اللغات والآداب يجب أن يحرصوا على أن تحتوي الموضوعات التي يعرضونها ويدرسونها- سواء في القطع الإنشائية أو القصص أو الشعر أو النثر- على أفكار إسلامية، وإن مدرسي اللغات الأجنبية وآدابها لهم أحوج من غيرهم إلى الحرص على ذلك، فلا يقومون بتدريس الكتب الأجنبية كما هي فإن الكتب التي كتبت في الغرب غالبا ما تحتوي على أفكار الإلحاد والإيمان بالماديات فقط وما يتعارض مع مبادئ عقيدتنا، ولا يخفى ما للغات والآداب من تأثير في تكوين العقليات العامة.

8-

مدرس الأناشيد يستطيع أن يملأ قلوب طلابه إيمانا بالله وحماسا للعمل في سبيله وتمسكا بكتابه وسنة رسوله، وذلك بتحفيظهم الأناشيد الإسلامية والاشتراك معهم في ترديدها، فمثلا بدل أن يعلمهم أشعار الجاهلية كأغاني الافتخار بالعصبيات والقوميات وبأن بلدي كذا أو كذا، يؤكد في نفوسهم أن جنسية المسلم عقيدته وأن دعوة الإسلام دعوة عالمية فيعلمهم:

ص: 16

الصين لنا والعرب لنا

والهند لنا والكل لنا

أضحى الإسلام لنا دينا

وجميع الكون لنا وطنا

ب- تنبيه الطلاب إلى ما يتعارض مع الإسلام:

إذا لاحظ المدرس في الكتاب أو المنهج الذي يقوم بتدريسه ما يتعارض مع أسس العقيدة أو روح الإسلام وجب عليه أن ينبه طلابه إلى هذا التعارض مبينا حقيقة الأمر فمثلا:

1-

مدرس الرياضيات ينبه الطالب إلى أن ما يسمى بفوائد البنوك أو أرباحها هو في الحقيقة ربا، وقد أحل الله البيع وحرم الربا

2-

مدرس الأحياء يبين للطلاب وجه التعارض بين ما يدرسونه تحت اسم نظرية التطور وبين الإسلام وفكرته عن خلق الكائنات وخلق الإنسان في أحسن تقويم.

3-

مدرس التاريخ إذا وجد أن الكتاب المقرر يتحدث عما يسمى بالغزو العثماني لبلادنا!! كما يتحدث مثلا عن الغزو الفرنسي أو البريطاني، نبه المدرس طلابه إلى أن العثمانيين هم أساسا إخواننا في العقيدة وهم الذين استردوا مكانة المسلمين وقوتهم في العالم وقادوا الأمة الإسلامية وفتحوا القسطنطينية بعد أن استعصت على المسلمين ما يقرب من ثمانية قرون، ونشروا الإسلام في ربوع أوربا حتى بلغوا أسوار فينا، وجعلوا البحر المتوسط بحيرة إسلامية

ولكن أعداء الإسلام أثاروا النعرات القومية بين المسلمين وصوروا للعرب أن الترك هم عدوهم اللدود مستغلين في ذلك ما تسرب إلى قلوب بعض الحكام العثمانيين من أمراض الجور والاستبداد والخلود إلى الأرض.

ص: 17

ثالثا. حسن التدريس والمعاملة الطيبة

"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" 1، "وإن الله كتب الإحسان على كل شيء

" رواه مسلم، فإذا درَّس المسلم فليحسن التدريس فعليه أن يخلص في إعداد دروسه وشرحها وإيصال معلوماتها إلى أفهام الطلاب، وليحسن معاملتهم كإخوة له أو أبناء، وليرفق بهم فـ "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم، و"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه، فيتجنب مثلا الاختبارات الشديدة الصعوبة والتعقيد والتي لا تميز بين الطالب الذي استذكر دروسه وزميله الذي لم يذاكر، ولا يسمح بالغش في الاختبارات والواجبات بل يعاقب عليه فإنه "من غشنا فليس منا" 2 وليعدل بينهم

وكذلك من حسن المعاملة ألا يسخر من أحدهم إذا استفهم أو سأله سؤالا ولو كان بسيطا

وعلى العموم فإن فهم الطالب للمادة واستيعابه إياها وحسن معاملة المدرس له وطيب خلق المدرس وسيرته وموافقة قوله عمله، كل ذلك من أهم العوامل التي تساعد على إيصال دعوة المدرس إلى قلب الطالب وتأثره بها واستجابته لها

رابعا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إذا كان حسن التدريس وإتقانه مطلوبا من المدرس باعتبار أن التدريس هو مهنته فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب منه أيضا باعتبار أن الإسلام هو دينه والإيمان هو منهجه وسبيله

1 رواه البيهقي وغيره عن عائشة ورمز السيوطي لضعفه انظر فيض القدير شرح الجامع القدير (2/286-287)

2 رواه مسلم

ص: 18

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1.وحول كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نذكر الملاحظات التالية:

أ- الكلمة الطيبة:

يمكن للمدرس أن يتحدث لطلابه عن توجيهات الإسلام ويدلهم على الخير وفعله وذلك مثلا لدقائق خلال الاستراحة (الفرصة) 2 أو قبل ابتداء درسه أو بعد انتهائه أو خلاله أو قبيل طابور الصباح أو بعد انتهاء اليوم الدراسي أو خلال لقاء أسبوعي بالمعهد، وهذه الكلمة الطيبة التي تُلقى بانتظام تؤتي بإذن الله تعالى ثمارها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} 3.

وهذه الكلمة الطيبة إن كانت من غير مدرس التربية الإسلامية كان لها بإذن الله- بالإضافة إلى هذه الثمار- ثمرة أخرى وهي اقتناع الطالب عمليا بأن الإسلام والعمل به والدعوة إليه ليس خاصا بطائفة بعينها، بينما لو تحدث إليه مدرس التربية الإسلامية عن الإسلام وعظمته فقد يعتقد الطالب أن المدرس إنما يقول له هذا الكلام تأدية لوظيفته فحسب، ويتأكد لديه هذا الاعتقاد إذا علم أن مدرس التربية الإسلامية هذا لا يصلي مثلا، أو إذا رأت الطالبة أن مدرسة التربية الإسلامية هذه من النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات.. أما إذا تحدث مدرس اللغة الإنجليزية مثلا، أو مدرس العلوم عن الإسلام فإن الطالب يسائل نفسه: لماذا يتحدث هذا

1 سورة التوبة آية 71

2 الفسحة

3 سورة إبراهيم آية 24

ص: 19

المدرس عن الإسلام وذلك ليس من وظيفته ولا يتقاضى عليه فلسا واحدا؟ فهذا الأمر إذآ أمر هام استدعى المدرس أن يتحدث فيه ولم يلزمه بذلك أحد من الناس، وبذلك يهتم الطالب بهذا الأمر ويصغي إلى هذا الكلام ويدرك أن هذا الإلزام إنما جاء من الله عز وجل الذي يقول {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} 1 والذي وصف عباده المؤمنين بأنهم {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَر} 2

ب- النقاط التي يحسن طرحها:

من الطبيعي أن تختلف الموضوعات التي يفضل التحدث فيها إلى الطلاب وأسلوب عرضها تبعا لاختلاف أعمارهم ومستوياتهم "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"3 فمثلا تعتبر الإشارة إلى قصص الأنبياء والرسل والصحابة والمجاهدين والقصص الإسلامي عموما من أنجح الوسائل لغرس مبادئ الإيمان والقيم الإسلامية في نفوس الأطفال خاصة، وبالنسبة للطلاب في المراحل التعليمية المتقدمة.

1-

يحسن البدء بتثبيت أسس العقيدة في نفوس الطلاب ودرء الشبهات التي يثيرها الملحدون وأشباه المتعلمين وتلامذة المستشرقين، فيثبت المدرس لطلابه استحالة وجود هذا الكون بدون خالق مدبر حكيم، وضرورة اليوم الآخر والإيمان به4 وأن القرآن الكريم كتاب من عند الله تعالى، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، ويتحدث كذلك عن الآثار الجليلة لتقوى الله عز وجل.

1 سورة النحل آية 125

2 سورة التوبة آية 112

3 رواه الديلمي بسند ضعيف بلفظ " أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم " مقرر علم التوحيد للصف الثالث الثانوي ص31

4 لجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته

ص: 20

2-

ويبين المدرس معنى الإسلام وكيف أنه هو التسليم المطلق لأوامر الله، وأنه منهج كامل للحياة وأنه ينظم الدنيا والآخرة فهو عبادة ومعاملة وسياسة واقتصاد واجتماع وثقافة، وأنه سبيلنا الوحيد إلى العزة والنصر، وأن تخلفنا إنما هو نتيجة طبيعية لبعدنا عن الإسلام، ويحث طلابه على التمسك بأخلاق الإسلام، وتحث المدرسة تلميذاتها على ارتداء اللباس الذي يتفق مع تعاليم الإسلام، وعموما يؤكد المدرس على ضرورة العودة إلى الإسلام بمعناه الشامل وإخلاص النية لله وضرورة العمل للإسلام والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله..

3-

وبعد توضيح هذه الصورة المشرقة للإسلام ينقد الاتجاهات المعادية للإسلام كالشيوعية والرأسمالية وغيرهما..

4-

وكذلك ينقد الانحرافات والأمراض الخطيرة المنتشرة في مجتمعاتنا والاستهانة بأوامر الله وفي مقدمة ذلك كله إضاعة الصلاة، والحكم بغير ما أنزل الله، والنفاق، والفساد في نظم التعليم، والانغماس في حمأة الرذائل والملذات، واتباع الشهوات باسم الفن، وتبرج النساء وتقليد الغربيين، والاعتزاز بالقوميات والعادات والتقاليد الجاهلية..

ويفضل أن يتخير الأوقات المناسبة لتحطيم هذه الأصنام المعاصرة، فمثلا يعمل معوله في وثن الفن حين تعلن أجهزة الإعلان عن إقامة حفل راقص أو مهرجان غنائي يحييه بعض الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا سواء كانوا من فرق الرقص من الخارج أومن صعاليك القوم من الداخل.

وعلى العموم يستحسن أن يربط دائما بين المبادئ التي يتحدث عنها وبين الأحداث التي يعيشها الطلاب في معهدهم أو في بلدهم أو في العالم من حولهم، فإن التعليق على هذه الأحداث يجذب انتباه الطلاب مما يهيئ أذهانهم لسماع النصيحة..

ص: 21

ج- أمثلة للنهي عن المنكر داخل المعهد:

إذا رأى المدرس منكرا- وعلى الأخص في معهده- وجب عليه أن يغيره قدر استطاعته، وأن يرشد طلابه إلى الابتعاد عن هذا المنكر فمثلا:

ا- إذا انعدم الحياء عند بعض المسئولين عن التربية وانعدمت الغيرة عند بعض أولياء أمور طالبات المرحلة الثانوية والمتوسطة فوافق هؤلاء وأولئك على تدريب هؤلاء الطالبات عدة شهور من أجل أن تظهرن بلباس فاضح يكشف عوراتهن ويبرزها لتستطعن القيام بحركات خليعة في مهرجانات أمام جمهور كبير من الرجال الذين لا يرجون لله وقارا وفي مقدمتهم علية القول، وجب على المدرسة نهي تلميذاتها عن هذا المنكر وحثهن على عدم الاشتراك فيه، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

2-

إذا رأى المدرس في معهده بعض العادات التي لا تتفق مع روح الإسلام نبه إليها وحثَّ على أن تُسْتَبْدَل بها عادات إسلامية، مثل ضرورة ذكر التحية الإسلامية (السلام عليكم) بدلا من تحية بدء طابور الصباح (أسعد الله صباحكم) ، والتكبير (الله أكبر) بدلا من التصفيق عند الاستحسان، والهتافات والأناشيد الإسلامية التي تثير الحماس الديني والعزة الإسلامية في نفوس الطلاب بدلا من هتافات العصبية عند الوقوف لتحية علم كالوقوف لتعظيم صنم، والحفلات الإسلامية الهادفة بدلا من حفلات اللهو والعبث، وهكذا.. وعموما إذا كان في الصعب تغيير أي من هذه العادات الجاهلية فعلى الأقل ينبه إليها ولا يشارك هو في اتباعها.

3-

إذا رأى المدرس أن معهده أو جامعته صورة لا تختلف عن معاهد وجامعات الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في الشرق أو الغرب من حيث اختلاط الطلاب والطالبات والسفور والتبرج ووجود ما يسمى بالصداقات بين الطلاب والطالبات وما يتبع ذلك من نظرات

ص: 22

خائنة وضحكات مائعة وكلام مبتذل ومقابلات يكون الشيطان فيها ثالث ثلاثة ومظاهر الانحلال الخلقي وما ينطبق عليه "إذا! تستح فاصنع ما شئت" 1، وكل هذا تحت سمع وبصر مسئولي المعهد فلا يحركون ساكنا ولا ترى لهم غضبة، بل قد تكون هذه المناظر التي تَسْتَاءُ منها النفوس الطيبة قرة عين لهم وذلك بعد أن تتلمذوا في الغرب وجامعاته وألفوا هذه المناظر هناك حتى كأنما تبلدت مشاعرهم وأصبحوا لا يرون فيها أي غضاضة، وإذا طالبتهم بمنع الاختلاط ترى في وجوههم المنكر يكادون يسطون بك وسلقوك بألسنة حداد.. إذا رأى المدرس كل هذا وجب عليه أن ينهى طلابه عن هذا المنكر البواح الذي سيكون عليهم حسرة يوم القيامة، بالإضافة إلى ما يجره عليهم في الدنيا من خيبة وخسران كما جر على أمم الغرب حيث انتشرت هناك الأمراض النفسية والعصبية والجنسية بدرجة كبيرة وتفسخت الأسر والعلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يلحظه بوضوح كل من عاش في تلك البلاد.. ولذلك فعلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من المدرسين أن ينادي بضرورة تحويل معاهدنا وجامعاتنا من معاهد غربية إلى معاهد إسلامية.

خامسا: تشجيع الطلاب والحوافز الإسلامية:

1-

يستطيع المدرس أن يثيب طلابه المجدين والممتازين ببعض الهدايا والمكافآت الإسلامية التي تعود عليهم بالنفع بإذن الله في الدنيا والآخرة، كأن يوزع عليهم مثلا كتيبات إسلامية ذات موضوعات هادفة أو أشرطة تسجيل إسلامية، فإن الطالب سيعتز بهذه الهدية من أستاذه - وبالتالي يحاول الاستفادة بها- حيث أنه قد حصل عليها في مناسبة عزيزة

1رواه البخاري

ص: 23

عليه وهي مناسبة تفوقه وامتيازه.. هذا بالإضافة إلى ما تحدثه الهدية من أثر طيب في تبادل المحبة في الله وذهاب وساوس الصدر "تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر"1.

2-

إذا رأى المدرس من أحد تلاميذه امتيازا في التمسك بالإسلام وآدابه والاجتهاد في التحصيل والدراسة أثنى عليه- بالإضافة إلى مكافأته- أمام زملائه في الفصل حتى يحفزهم إلى أن يسلكوا سلوكه وينهجوا نهجه {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} 2.

سادسا: أنشطة مختلفة:

وتوجيه النشاط الطلابي توجيها إسلاميا.

كلما استطاع المدرس المسلم أن يشرف على جماعة من جماعات النشاط الطلابي فليفعل حتى يقوم بتوجيه هذا النشاط حسب ما يتفق مع تعاليم الإسلام، ومن أمثلة ذلك:

1-

الجماعة الثقافية.. والإشراف على كلمات الصباح والمحاضرات والندوات التي تقام في المناسبات المختلفة، والصحف والمجلات التي تصدر في المعهد.

2-

جماعة الرحلات.. وخروج المدرس مع تلاميذه في الرحلة والتحدث معهم، والمحافظة على أداء الصلوات معهم في أوقاتها وهم في الرحلة، كل هذا له أثر محمود بإذن الله في نفوس التلاميذ.

1 رواه الترمذي وضعفه السيوطي وغيره

2 سورة المطففين آية 26

ص: 24

3-

إيجاد جو إسلامي في المعهد، وتعظيم مكانة الآيات والأحاديث في نفوس الطلاب بوسائل مختلفة مثل إذاعة آيات من القرآن الكريم صباحا كل يوم قبل بدء الدراسة، وتعليق لافتات فيها أحاديث وعظات على جدران المدرسة، وكذلك أوراق المسائل والتدريبات والاختبارات التي يقوم المدرس بتوزيعها على طلابه يمكنه أن يبدأها بآية كريمة ويختتمها بحديث شريف فيتفكر الطالب قي معانيهما ويأخذ منهما بإذن الله العظات والعبر.

4-

يحرص على أن تحتوى مكتبة الفصل على كتب إسلامية ويشجع تلاميذه على قراءتها ويمكنه أن ينظم لهم مسابقات إسلامية ثقافية لها جوائز تقديرية.

5-

يحاول أن يجيب على ما يدور في أذهان تلاميذه من أسئلة تتعلق بالإسلام والحياة ويمكنه تنظيم ذلك مثلا بأن يجمع تساؤلات الطلاب إما في نهاية الدرس أو في مكتبة أو في صندوق خاص يوضع في فناء المعهد، ثم يرد على هذه التساؤلات في وقت يناسب الطلاب.

6-

تبادل الزيارات مع طلابه وخاصة في مناسبات الأعياد الإسلامية، وحضور مخيماتهم ولقاءاتهم الإسلامية في المساجد والديوانيات1، ولا يخفى ما في تبادل الزيارات من تدعيم لأواصر المحبة بينه وبينهم، وقبل ذلك من نيل لمحبة الله عز وجل " قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلى" رواه (أحمد والطبراني)

1 والمكتبات

2 قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/424) : ورواة أحمد ثقات ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد

ص: 25

كلمة أخيرة:

أخي المدرس.. أختي المدرسة..

إن العمل والدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية في أمتنا واجب شرعي. وهذا العمل وتلك الدعوة لا يؤتيان ثمارهما المرجوة بجهود بعض الأفراد فحسب، وإنما لا بد من المجهودات الجماعية والتعاون {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1 لذلك نرجو أن تولوا هذه الرسالة اهتمامكم وتبدأوا من الآن دعوة طلابكم إلى الله وتأسيس بنيان التعليم على تقوى من الله ورضوان حتى يخرج لنا في المستقبل القريب بإذن الله جيل من الشباب المؤمن الذي يرفع هامة أمتنا بين الأمم.

نسأل الله العلي القدير أن يعيننا وإياكم ويهدينا جميعا أقوم السبل لتأدية تلك الأمانة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} 2.

وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د. أبو بكر أحمد السيد جامعة الكويت

1 سورة آل عمران آية 104

2 سورة العنكبوت آية 69

ص: 26