الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن وسطية الإسلام:
جعل تحيته " السلام "، وعلاقاته مع الآخرين: السلام:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} . والبر بكل من لا يحاربنا ولا يخرجنا من ديارنا ولا يظاهر عدوا علينا فالإقساط إليهم واجب: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، والوفاء بالعهود:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (1) .
وبما أن الإسلام دين الوسط ومن معاني ذلك العدل: فإن العدل والقسط من أسس الحضارة الإسلامية حتى مع من يشنؤنا: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .
(1) التوبة: 7.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتطبيقات العملية كثيرة، وكلها تبين عظمة عدالة هذا الدين الذي ظل قويا بها إلى الآن على رغم ما اعترى هذا الركن من ضعف واضطراب، ذلك أن قاعدة "العدل أساس الملك" هي قاعدة إسلامية يقول تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (1) . ولم يقل وإذا حكمتم بين المسلمين فالعدالة شاملة للجميع وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (2) . ويقول ابن القيم:" فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العِباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها وصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل (3) ، ولذلك كان الظلم ظلمات يوم القيامة، وقد حرم الله الظلم على نفسه كما حرمه على الخلق، وأوجب عليهم ألا يتظالموا فيما بينهم، ودعوة المظلوم مستجابة ولو كان هذا المظلوم كافرا إذ ليس
(1) النساء: 58.
(2)
النحل: 90.
(3)
أعلام الموقعين عن رب العالمين 3 / 3.
بينها وبين الله حجاب، وقد عنون ابن خلدون فصلا من فصول مقدمته بقوله: الفصل الثالث والأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران (1) . ويقول بعد إيراده حكاية دالة عن خراب الأمم بسبب شيوع الظلم:" فلما كان الظلم كما رأيت مؤذنا بقطع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كان حكمة الخطر فيه موجودة فكان تحريمه مهما، وأدلته من القرآن والسنة كثيرة أكثر مما يأخذها قانون الضبط والحصر (2) .
(1) المقدمة ص353 طبعة دار الفكر بيروت.
(2)
انظر كتابه: نظرة في مستقبل البشرية قضايا لا تحتمل الانتظار ص87 ترجمة د. محمود علي مكي الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية 1987م، القاهرة، مصر.
وبهذه العدالة استطاعت الحضارة الإسلامية أن تحتفظ للعالم بمجتمع متنوع الثقافات والأديان حتى الثقافات القديمة التي ظلت شاهدة على حضارات بائدة كالحضارة الآشورية والفينيقية والفرعونية وغيرها من الحضارات السابقة على الحضارة الإسلامية، ولا يقاس التقدم الحضاري بالشاقول كما يقول جورج سارطون فيما أظن صاحب كتاب تاريخ العلم، أو كما يقول الأستاذ الدكتور فيديريكو مايور سرقسطة Federico mayor zaragoza الإسباني مدير اليونسكو السابق بمقاييس مادية تتجلى في مجتمع الاستهلاك وإشباع رغباته حتى التخمة والإخلاد إلى الخمول. إن المعيار الجديد للرقي الحقيقي هو الذي يتخذ محوره من القيم الخلقية التي ينبغي أن تتوافر في الإنسان بصفته إنسانا (1) . ولا يقاس الرقي بتقدم المعارف وتطبيقاتها التقنية فقد بلغ هذا التقدم حدا هائلا من التضخم جعله يثقل كواهلنا وينسينا الوعي الجاد بخطورة المشكلات المتولدة عنه، ويتساءل الدكتور فيديريكو سرقسطة: السنا نرى كيف يؤدي التقدم العلمي إلى تدمير الإنسان (2) . ويقتبس من بعض كبار المفكرين الذين درسوا الحضارة الغربية قوله: " ولكن الحقيقة هي أن كل شيء يسير في طريق خاطئ"(3) .
(1) نفسه 356.
(2)
نفسه 71.
(3)
نفسه 70.
والخلاصة أن الحضارة الغربية في رأي هذا المفكر الكبير الذي يعزز أفكاره بخلاصات كثيرة لأفكار عظماء الغرب قد صنعت مستقبلا بدل أن يسيطر فيه الإنسان على التقدم أصبح عبدا له (1) .
والحقيقة أن كبار المفكرين متشائمون من عاقبة هذه الحضارة. وينقل الدكتور سرقسطة هذا التشاؤم في كتابه النفيس مثل قول السيدة إستيفانا ألدابا بيم التي تتساءل عن مصير القيم الأخلاقية في عالم الاستهلاك السفيه: " عالم اختراعات تدميرية، عالم معقد، عالم نرى فيه جهود العلماء والمخترعين موجهة إلى تدمير حياة الإنسان بدلاً من تمكينه من البقاء (2) . إن ما يقوله سرقسطة قاله من قبل شبجلر "، وقاله كثير من المعاصرين (3) .
(1) نفسه 70.
(2)
نفسه75.
(3)
نفسه87.
إن المجتمع المتقدم يتسم بصفات نبيلة كثيرة يخلو منها مجتمع الاستهلاك (1) ويرى أن اختلاف الثقافات هو التعبير الصادق عن الإنسان المبدع. . . الإنسان الحكيم (2) والعلم الذي يُشقي والتقدم الاستهلاكي الذي يؤخر هو ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بعلم لا ينفع وبطن لا يشبع، وما قاله القرآن الكريم:{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (3) .
(1) انظر مثلا «الصراع على القمة» ، ص 195، وغيرها تأليف كستير ثارو ترجمة أحمد فؤاد بليغ - عالم المعرفة 204.
(2)
نفسه89.
(3)
الروم: 6- 9.