المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) - سلسلة محاسن التأويل - المغامسي - جـ ٤

[صالح المغامسي]

فهرس الكتاب

- ‌ تفسير سورة البقرة [4]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)

‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)

قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة:61] هنا ذكر المفرد والمراد به المثنى، ما الطعام الواحد؟ المن والسلوى، {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة:61] مصراً جاءت منونة والمقصود بها أي مصر، وليس مصر المعروفة، وقد ذكر في القرآن مصر المعروفة، لكنها ليست المقصودة هنا.

وهذا الجواب غير متوقع: (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) والمقصود منه: إثارة الحياة في الناس ورفع الذل عنهم، فهم تاهوا في الأرض بسبب معصيتهم، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} [المائدة:22]، فتقاعسوا عن الجهاد:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، فهم لا يريدون أن يعملوا، ويريدون رزقاً فكان

‌الجواب

( اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) أي: إن كنتم تريدون البقاء والحياة فلا بد بالأخذ بأسبابها والسعي، ولا تنتظروا أن ينزل الأمر عليكم والرزق لديكم، فأمرهم الله جل وعلا بالسعي، فلأمر ما منع الله منهم تلك المطعومات حتى يحيي في قلوبهم ما يرفعون به الذلة عن أنفسهم (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ).

نعود إلى قوله جل وعلا: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61] الباء هنا لحقت بالمبدل منه لا بالبدل، وقد شاع في أقوال الناس حتى عند بعض أرباب الفصاحة إلحاقها بالبدل، قال شوقي رحمه الله: أنا من بدل بالكتب الصحابا لم أجد لي وافياً إلا الكتاب هو أراد أن يقول: أنني تركت الأصحاب وأقبلت على الكتاب، لكنه جعل الباء في البدل، والصواب أن تكون في المبدل منه، قال الله:(أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) فالمبدل منه الذي هو خير، والبدل الذي هو أدنى.

والدليل على ما ذكرنا قبل أن الله أراد أن يحيي بهذا الجواب قلوبهم ليرفعوا الذل عن أنفسهم أنه قال بعدها: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة:61]، والضرب في القرآن وفي اللغة يأتي في قضايا الإلصاق واللزوم:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:11]، يقول الفرزدق: ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل الضرب في اللغة: يراد به الإلصاق واللزوم، والله يقول هنا:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61]، وكلمة (بَاءُوا) لا تأتي إلا في الغضب، لا تأتي في الأمر الحميد، وهذا أمر باق في بني إسرائيل إلى اليوم، فبرغم ما أعطاهم الله وأورثهم من أموال وسلطان ظاهر وقاهر على اقتصاد العالم وإعلامه إلا أنهم أخفياء، لا تكاد تعرف منهم أحداً، فهم غير مشاهير، أذلة في كل مكان، رغم أي سلطان يؤتونه عليهم التعب ولغيرهم أن يجني، وهم الآن متسلطون جداً على قرار اختيار الرئيس الأمريكي، لكن لا يوجد رئيس أمريكي يهودي، فهم يسعون وغيرهم يجني، فهم حتى في تسلطهم قل أن يحصدوا الثمرة العليا، يحصدون ما دونها، وهذا معنى قول الله:(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ).

قال الله: {ذَلِكَ} [البقرة:61] أي: بسبب، {بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة:61] ومن أشهر من قتلوه زكريا عليه السلام {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61].

ص: 8