المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقرأ نافع، وعاصم: {جبلاً} ، بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، - الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط - جـ ٧

[ياسين جاسم المحيمد]

الفصل: وقرأ نافع، وعاصم: {جبلاً} ، بكسر الجيم والباء وتشديد اللام،

وقرأ نافع، وعاصم:{جبلاً} ، بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وهي قراءة أبي حيوة، وسهيل، وأبي جعفر، وشيبة، وأبي رجاء؛ والحسن: بخلاف عنه. وقرأ العربيان، والهذيل بن شرحبيل: بضم الجيم وإسكان الباء؛ وباقي السبعة: بضمها وتخفيف اللام؛ والحسن بن أبي إسحاق، والزهري، وابن هرمز، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وحفص بن حميد: بضمتين وتشديد اللام؛ والأشهب العقيلي، واليماني، وحماد بن مسلمة عن عاصم: بكسر الجيم وسكون الباء؛ والأعمش: جبلاً، بكسرتين وتخفيف اللام. وقرىء: جبلاً بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام، جمع جبلة، نحو فطرة وفطر، فهذه سبع لغات قرىء بها. وقرأ علي بن أبي طالب وبعض الخراسانيين: جيلاً، بكسر الجيم بعدها ياء آخر الحروف، واحد الأجيال.

قرىء: ولتكلمنا أيديهم، بتاءين. وقرىء: ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الأمر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة. وروي عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة أنه قرأ: ولتكلمنا أيديهم ولتشهد، بلام كي والنصب على معنى: وكذلك يختم على أفواهم.

قرأ الجمهور: {فاستبقوا} ، فعلاً ماضياً معطوفاً على {لطمسنا} ، وهو على الفرض والتقدير. والصراط منصوب على تقدير إلى حذفت ووصل الفعل، والأصل فاستبقوا إلى الصراط، أو مفعولاً به على تضمين استبقوا معنى تبادروا، وجعله مسبوقاً إليه. قال الزمخشري: أو ينتصب على الظرف، وهذا لا يجوز، لأن الصراط هو الطريق، وهو ظرف مكان مختص. لا يصل إليه الفعل إلا بوساطة في إلا في شذوذ، كما أنشد سيبويه:

لدن بهز الكف يعسل متنهفيه كما عسل الطريق الثعلب وقال الزمخشري: والرميم اسم لما بلى من العظام غير صفة، كالرمة والرفاة، فلا يقال: لم لم يؤنث؟ وقد وقع خبراً لمؤنث، ولا هو فعيل أو مفعول. انتهى.

‌سورة الصافات

مكية وهي مائة واثنان وثمانون آية

ص: 251

الجملة المقسم عليها تضمنت وحدانيته تعالى، أي هو واحد من جميع الجهات التي ينظر فيها المتفكرون خبر بعد خبر، على مذهب من يجيز تعداد الأخبار، أو خبر مبتدأ محذوف، وهو أمدح، أي هو رب.

قرأ الجمهور: بزينة الكواكب {خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَمَ وَهِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأٌّخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَذِى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالأٌّرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَنَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَالصَّفَّتِ صَفَّا * فَالزجِرَتِ زَجْراً * فَالتَّلِيَتِ ذِكْراً * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَّبُّ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَرِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَكِبِ * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَنٍ مَّارِدٍ * لَاّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأٌّعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ * إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَهُم مِّن طِينٍ لَاّزِبٍ * بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُواْ لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْاْءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُواْ إِن هَذَآ إِلَاّ سِحْرٌ} بالإضافة، فاحتمل المصدر مضافاً للفاعل، أي بأن زانت السماء الكواكب، ومضافاً للمفعول، أي بأن زين الله الكواكب.

ص: 252

قرأ ابن مسعود، ومسروق: بخلاف عنه؛ وأبو زرعة، وابن وثاب، وطلحة: بزينة منوناً، الكواكب بالخفض بدلاً من زينة. وقرأ ابن وثاب، ومسروق: بخلاف عنهما؛ والأعمش، وطلحة، وأبو بكر: بزينه منوناً، الكواكب نصباً، فاحتمل أن يكون بزينة مصدراً، والكواكب مفعول به، كقوله:{أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً} . واحتمل أن يكون الكواكب بدلاً من السماء، أي زينا كواكب السماء. وقرأ زيد بن علي بتنوين زينة، ورفع الكواكب على خبر مبتدأ، أي هو الكواكب، أو على الفاعلية بالمصدر، أي بأن زينت الكواكب. ورفع الفاعل بالمصدر المنون، زعم الفراء أنه ليس بمسموع، وأجاز البصريون ذلك على قلة.

انتصب {وحفظاً} على المصدر، أي وحفظناها حفظاً، أو على المفعول من أجله على زيادة الواو، أو على تأخير العامل، أي ولحفظها زيناها بالكواكب.

لا يجوز أن يكون لا يسمعون صفة ولا استئنافاً جواباً لسائل سأل لم يحفظ من الشياطين، لأن الوصف كونهم لا يسمعون، أو الجواب لا معنى للحفظ من الشياطين على تقديرهما، إذ يصير المعنى مع الوصف: وحفظاً من كل شيطان مارد غير سامع أو مسمع، وكذلك لا يستقيم مع كونه جواباً. وقول من قال: إن الأصل لأن لا يسمعوا، فحذفت اللام وإن، فارتفع الفعل، قول متعسف يصان كلام الله عنه.

دحوراً مصدر في موضع الحال. قال مجاهد: مطرودين، أو مفعول من أجله، أي ويقذفون للطرد، أو مصدر ليقذفون، لأنه متضمن معنى الطرد، أي ويدحرون من كل جانب دحوراً.

{إلا من خطف الخطفة} : من بدل من الضمير في لا يسمعون، ويجوز أن يكون منصوباً على الاستثناء، أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف.

ومن مبتدأ، والخبر محذوف تقديره أشد.

ص: 253

من قرأ: أئذا {شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَهُم مِّن طِينٍ لَاّزِبٍ * بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُواْ لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْاْءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُواْ إِن هَذَآ إِلَاّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَءَابَآؤُنَا الأٌّوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ * وَقَالُواْ يوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُمْ بِهِ} بالاستفهام، فجواب إذا محذوف، أي نبعث، ويدل عليه إنا لمبعوثون، أو يعرى عن الشرط ويكون ظرفاً محضاً، ويقدر العامل: أنبعث إذا متنا؟ وقرأ الجمهور: {أو آباؤنا} بفتح الواو في أو. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وابن عامر، ونافع في رواية قالون: بالسكون، فهي حرف عطف، ومن فتح قالوا وحرف عطف دخلت عليه همزة الاستفهام. قال الزمخشري:{أو آباؤنا} معطوف على محل إن واسمها، أو على الضمير في مبعوثون. والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام، والمعنى: أيبعث أيضاً آباؤنا؟ على زيادة الاستبعاد، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل. انتهى. أما قوله معطوف على محل إن واسمها فمذهب سيبويه خلافه، لأن قولك: إن زيداً قائم وعمرو، فيه مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف. وأما قوله: أو على الضمير في {مبعوثون} إلى آخره، فلا يجوز عطفه على الضمير، لأن همزة الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل، لا على المفرد، لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بوساطة حرف العطف، وهمزة الاستفهام لا يعمل فيما بعدها ما قبلها. فقوله:{أو آباؤنا} مبتدأ، خبره محذوف تقديرهه مبعوثون، ويدل عليه ما قبله. فإذا قلت: أقام زيد أو عمرو، فعمرو مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا.

ص: 254

{وأنتم داخرون} : أي صاغرون، وهي جملة حالية، العامل فيها محذوف تقديره نعم تبعثون.

وقال الزمخشري: هي مبهمة يوضحها خبرها. انتهى. وكثيراً ما يقول هو وابن مالك أن الضمير يفسره الخبر، وجعل من ذلك ابن مالك {إن هي إلا حياتنا الدنيا} ، وتكلمنا معه في ذلك في شرح التسهيل. وقال الزمخشري: فإنما جواب شرطط مقدر، وتقديره: إذا كان ذلك، فما هي إلا زجرة واحدة. انتهى. وكثيراً ما تضمن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ، تقديره: ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي، وما ذكر معهما على قول بعضهم، أما ابتداء فلا يجوز حذفه.

فواكه بدل من رزق.

فأقبل {كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ * فَوَكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِى جَنَّتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَبِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّرِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ * وَعِندَهُمْ قَصِرَتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ * قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَاّ مَوْتَتَنَا الاٍّولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَمِلُونَ} : معطوف على {يطاف عليهم.

ص: 255

وقرىء: فأطلع، مشدداً مضارعاً منصوباً على جواب الاستفهام.

وقرأ أبو البرهسم، وعمار بن أبي عمار فيما ذكره خلف عن عمار: مطلعون، بتخفيف الطاء وكسر النون، فاطلع ماضياً مبنياً للمفعول؛ ورد هذه القراءة أبو حاتم وغيره. لجمعها بين نون الجمع وياء المتكلم. والوجه مطلعي، كما قال، أو مخرجي هم، ووجهها أبو الفتح على تنزيل اسم الفاعل منزلة المضارع، وأنشد الطبري على هذا قول الشاعر:

وما أدرى وظني كل ظنأمسلمني إلى قومي شراحي قال الفراء: يريد شراحيل. وقال الزمخشري: يريد مطلعون إياي، فوضع المتصل موضع المنفصل كقوله:

هم الفاعلون الخير والآمرونه

أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما، كأنه قال: تطلعون، وهو ضعيف لا يقع إلا في الشعر. انتهى. والتخريج الثاني تخريخ أبي الفتح، وتخريجه الأول لا يجوز، لأنه ليس من مواضع الضمير المنفصل، فيكون المتصل وضع موضعه، لا يجوز هند زيد ضارب إياها، ولا زيد ضارب إياي، وكلام الزمخشري يدل على جوازه، فالأولى تخريج أبي الفتح، وقد جاء منه:

أمسلمني إلى قومي شراحي

وقول الآخر:

فهل فتى من سراة القوم يحملنيوليس حاملني إلا ابن حمال

وقال الآخر:

وليس بمعييني

فهذه أبيات ثبت التنوين فيها مع ياء المتكلم، فكذلك ثبتت نون الجمع معها إجراء للنون مجرى التنوين، لاجتماعهما في السقوط للإضافة.

قال الزمخشري: الذي عطف عليه الفاء محذوف معناه: أنحن مخلدون؟ أي منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين. انتهى. وتقدم من مذهبه أنه إذا تقدمت همزة الاستفهام، وجاء بعدها حرف العطف بضمير ما، يصح به إقرار الهمزة والحرف في محليهما اللذين وقعا فيهما، ومذهب الجماعة أن حرف العطف هو المقدم في التقدير، والهمزة بعده، ولكنه لما كانت الهمزة لها صدر الكلام قدمت، فالتقدير عند الجماعة. فأما وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة، وتقدم الكلام معه في ذلك.

ص: 256

واللام في فلنعم {اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأٌّخِرِينَ * سَلَمٌ عَلَى نُوحٍ} جواب قسم كقوله:

يميناً لنعم السيدان وجدتما

والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: فلنعم المجيبون نحن، وجاء بصيغة الجمع للعظمة والكبرياء.

{وتركنا عليه في الآخرين} : أي في الباقين غابر الدهر؛ ومفعول تركنا محذوف تقديره ثناء حسناً جميلاً.

سلام: رفع بالإبتداء مستأنف.

ص: 257

قال الزمخشري: فإن قلت: بم يتعلق الظرف؟ قلت: بما في الشيعة من معنى المشايعة، يعني: وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم، أو بمحذوف، وهو اذكر. انتهى. أما التخريج الأول فلا يجوز، لأن فيه الفضل بين العامل والمعمول بأجنبي، وهو قوله: لإبراهيم {أَغْرَقْنَا الأٌّخَرِينَ * وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَهِيمَ * إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لأًّبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَءِفْكاًءَالِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَلَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَناً فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ * فَأَرَادُواْ بِهِ} ، لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ، وزاد المنع، إذ قدره ممن شايعه حين جاء لإبراهيم. وأيضاً فلام التوكيد يمنع أن يعمل ما قبلها فيما بعدها. لو قلت: إن ضار بالقادم علينا زيداً، وتقديره: ضارباً زيداً لقادم علينا، لم يجز. وأما تقديره اذكر، فهو المعهود عند المعربين.

ص: 258

أجازوا في نصب {أئفكاً} وجوها: أحدها: أن يكون مفعولاً بتريدون، والتهديد لأمته، وهو استفهام تقرير، ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه، وذكره الزمخشري قال: فسر الإفك بقوله: آلهة من دون الله، على أنها إفك في أنفسهم. والثاني: أن تريدون آلهة من دون الله إفكاً، وآلهة مفعول به، وقدمه عناية به، وقدم المفعول له على المفعول به، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم، وبدأ بهذا الوجه الزمخشري. والثالث: أن يكون حالاً، أي تريدون آلهة من دون الله آفكين؟ قاله الزمخشري، وجعل المصدر حالاً لا يطرد إلا مع أما في نحو: أما علماً فعالم.

{فراغ عليهم ضرباً باليمين} : أي أقبل عليهم مستخفياً ضارباً، فهو مصدر فى موضع الحال، أو يضربهم ضرباً، فهو مصدر فعل محذوف، أو ضمن فراغ عليهم معنى ضربهم.

«ما» في: {وما تنحتون} بمعنى الذي، فكذلك في {وما تعملون} ، لأن نحتهم هو عملهم. وقيل: ما مصدرية، أي خلقكم وعملكم.

وقيل: ما استفهام إنكاري، أي: وأي شيء تعملون في عبادتكم أصناماً تنحتونها؟ أي لا عمل لكم يعتبر. وقيل: ما نافية، أي وما أنتم تعملون شيئاً في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء. وكون ما مصدرية واستفهامية ونعتاً، أقوال متعلقة خارجة عن طريق البلاغة.

انظر معلقة، وماذا استفهام. فإن كانت ذا موصولة بمعنى الذي، فما مبتدأ، والفعل بعد ذا صلة. وإن كانت ذا مركبة، ففي موضع نصب بالفعل بعدها. والجملة، واسم الاستفهام الذي هو للفعل بعده في موضع نصب لانظر.

ص: 259

افعل ما تؤمر {فَجَعَلْنَهُمُ الأٌّسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّلِحِينِ * فَبَشَّرْنَهُ بِغُلَمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يبُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّبِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَدَيْنَهُ أَن يإِبْرَهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأٌّخِرِينَ * سَلَمٌ عَلَى إِبْرَهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّلِحِينَ * وَبَرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَلِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ * وَنَجَّيْنَهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَلِبُونَ * وَءَاتَيْنَهُمَا الْكِتَبَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَهُمَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الأٌّخِرِينَ * سَلَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَرُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَلِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّءَابَآئِكُمُ الأٌّوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأٌّخِرِينَ * سَلَمٌ عَلَى

ص: 260

إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَاّ عَجُوزاً فِى الْغَبِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الأٌّخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِالَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَهُمْ إِلَى حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَئِكَةَ إِنَثاً وَهُمْ شَهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَنٌ مُّبِينٌ * فَأْتُواْ بِكِتَبِكُمْ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ * وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَنَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَتِنِينَ * إِلَاّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ * وَمَا مِنَّآ إِلَاّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ * وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ

ص: 261

عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأٌّوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَلِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ * وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * سُبْحَنَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ} : أي ما تؤمره، حذفه وهو منصوب، وأصله ما تؤمر به، فحذف الحرف، واتصل الضمير منصوباً، فجاز حذفه لوجود شرائط الحذف فيه. وقال الزمخشري: أو أمرك، على إضافة الصدر إلى المفعول الذي لم يسم فاعله، وفي ذلك خلاف؛ هل يعتقد في المصدر العامل أن يجوز أن يبني للمفعول، فيكون ما بعده مفعولاً لم يسم فاعله، أم يكون ذلك؟

جواب لما محذوف يقدر بعد {وتلة للجبين} ، أي أجز لنا أجرهما، قاله بعض البصريين.

وقال الكوفيون: الجواب مثبت، وهو:{وناديناه} على زيادة الواو. وقالت فرقة: هو {وتله} على زيادة الواو.

وانتصب نبياً على الحال، وهي حال مقدرة.

و {هم} : يجوز أن يكون فصلاً وتوكيداً أو بدلاً.

وقرأ الكوفيون، وزيد بن عليّ:{الله ربَّكم وربَّ آبائكم} ، بالنصب في الثلاثة بدلاً من {أحسن} ، أو عطف بيان إن قلنا إن إضافة التفضيل محضة؛ وباقي السبعة بالرفع، أي هو الله؛ أو يكون استئنافاً مبتدأ وربكم خبره.

ص: 262

{إلا عباد الله المخلصين} : استثناء يدل على أن من قومه مخلصين لم يكذبوه، فهو استثناء متصل من ضمير {فكذبوه} ، ولا يجوز أن يكون استثناء من {فإنهم لمحضرون} ، لأنهم كانوا يكونون مندرجين فيمن كذب، ويكونون {عباد الله المخلصين} ، وذلك لا يمكن ولا يناسب أن يكون استثناء منقطعاً، إذ يصير المعنى: لكن عباد الله المخلصين من غير قومه لا يحضرون للعذاب.

الضمير في فاستفتهم {أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَهُمْ إِلَى حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَئِكَةَ إِنَثاً وَهُمْ شَهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَنٌ مُّبِينٌ * فَأْتُواْ بِكِتَبِكُمْ} ، قال الزمخشري: معطوف على مثله في أول السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة. أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولاً، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض، ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى. انتهى. ويبعد ما قاله من العطف.

وإذا كانوا عدوا الفصل بجملة مثل قولك: كل لحماً واضرب زيداً وخبزاً، من أقبح التركيب، فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة؟ فالقول بالعطف لا يجوز.

ص: 263