المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقرأ زيد بن علي: قياماً بالنصب على الحال، وخبر المبتدأ - الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط - جـ ٧

[ياسين جاسم المحيمد]

الفصل: وقرأ زيد بن علي: قياماً بالنصب على الحال، وخبر المبتدأ

وقرأ زيد بن علي: قياماً بالنصب على الحال، وخبر المبتدأ الظرف الذي هو إذا الفجائية، وهي حال لا بد منها، إذ هي محط الفائدة، إلا أن يقدر الخبر محذوفاً، أي فإذا هم مبعوثون، أي موجودون قياماً. وأن نصبت قياماً على الحال، فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف. إن قلنا الخبر محذوف، وأن لا عامل، فالعامل هو العامل في الظرف، فإن كان إذا ظرف مكان على ما يقتضيه كلام سيبويه، فتقديره: فبالحضرة هم قياماً؛ وإن كان ظرف زمان، كما ذهب إليه الرياشي، فتقديره: ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه، هم أي وجودهم، واحتيج إلى تقدير هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة؛ وإن كانت إذا حرفاً، كما زعم الكوفيون، فلا بد من تقدير الخبر، إلا أن اعتقد أن ينظرون هو الخبر، ويكون ينظرون عاملاً في الحال.

جواب إذا: فتحت أبوابها.

إذا شرطية وجوابها قال الكوفيون: وفتحت، والواو زائدة؛ وقال غيره محذوف. قال الزمخشري: وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة، فدل على أنه شيء لا يحيط به الوصف، وحق موقعه ما بعد خالدين. انتهى. وقدره المبرد بعد خالدين سعدوا. وقيل الجواب:{وقال لهم خزنتها} ، على زيادة الواو، قيل:{حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها} . ومن جعل الجواب محذوفاً، أو جعله:{وقال لهم} ، على زيادة الواو؛ وجعل قوله: وفتحت جملة حالية، أي وقد فتحت أبوابها لقوله:{جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} .

قال الأخفش: من زائدة، أي حافين حول العرش؛ وقيل: هي لابتداء الغاية.

‌سورة غافر

خمسة وثمانون آية وهي مكية

وابن إسحاق وعيسى: بفتحها، وخرج على أنها حركة التقاء الساكنين، وكانت فتحة طلباً للخفة كأين، وحركة إعراب على انتصابها بفعل مقدر تقديره: اقرأ حم.

أعربا حاميم، ومنعت الصرف للعلمية، أو العلمية وشبه العجمة، لأن فاعيل ليس من أوزان آبنية العرب، وإنما وجد ذلك في العجم، نحو: قابيل وهابيل.

ص: 299

فإن كانت حم اسماً للسورة، كانت في موضع رفع على الابتداء، وإلا فتنزيل مبتدأ، ومن الله الخبر، أو خبر ابتداء، أي هذا تنزيل، ومن الله متعلق بتنزيل. والعزيز العليم: صفتان دالتان على المبالغة في القدرة والغلبة والعلم، وهما من صفات الذات. وقال الزجاج: غافر وقابل صفتان، وشديد بدل. انتهى.

وإنما أعرب {شديد العقاب} بدلاً، لأنه من باب الصفة المشبهة، ولا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة، وقد نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة، إذا أضيف إلى معرفة، جاز أن ينوي بإضافته التمحض، فيتعرف وينعت به المعرفة، إلا ما كان من باب الصفة المشبهة، فإنه لا يتعرف. وحكى صاحب المقنع عن الكوفيين أنهم أجازوا في حسن الوجه وما أشبهه أن يكون صفة للمعرفة، قال: وذلك خطأ عند البصريين، لأن حسن الوجه نكرة، وإذا أردت تعريفه أدخلت فيه أل. وقال أبو الحجاج الأعلم: لا يبعد أن يقصد بحسن الوجه التعريف، لأن الإضافة لا تمنع منه. انتهى وهذا جنوح إلى مذهب الكوفيين.

ص: 300

وقد جعل بعضهم {غافر الذنب} وما بعده أبدالاً، اعتباراً بأنها لا تتعرف بالإضافة، كأنه لاحظ في غافر وقابل زمان الاستقبال. وقيل: غافر وقابل لا يراد بهما المضي، فهما يتعرفان بالإضافة ويكونان صفتين، أي إن قضاءه بالغفران وقبول التوب هو في الدنيا. قال الزمخشري: جعل الزجاج {شديد العقاب} وحده بدلاً بين الصفات فيه نبو ظاهر، والوجه أن يقال: لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة الواحدة، فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن، فهي محكوم عليها أنها من الرجز، فإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل، ولا نبو في ذلك، لأن الجري على القواعد التي قد استقرت وصحت هو الأصل. وقوله: فقد آذنت بأن كلها أبدال تركيب غير عربي، لأنه جعل فقد أذنت جواب لما، وليس من كلامهم: لما قام زيد فقد قام عمرو، وقوله: بأن كلها أبدال فيه تكرار الأبدال، أما بدل البدل عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال، وأما بدل كل من كل، وبدل بعض من كل، وبدل اشتمال، فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها، أو منعه، إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يكرر، وذلك في قول الشاعر:

فإلى ابن أم أناس ارحل ناقتيعمرو فتبلغ ناقتي أو تزحف ملك إذا نزل الوفود ببابهعرفوا موارد مزنه لا تنزف قال: فملك بدل من عمرو، بدل نكرة من معرفة، قال: فإن قلت: لم لا يكون بدلاً من ابن أم أناس؟ قلت: لأنه قد أبدل منه عمرو، فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى، لأنه قد طرح. انتهى. فدل هذا على أن البدل لا يتكرر، ويتحد المبدل منه؛ ودل على أن البدل من البدل جائز.

ص: 301

وأجاز مكي في غافر وقابل البدل حملاً على أنهما نكرتان لاستقبالهما، والوصف حملا على أنهما معرفتان لمضيهما. وقال أبو عبد الله الرازي: لانزاع في جعل غافر وقابل صفة، وإنما كانا كذلك، لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار، وكذلك شديد العقاب تفيد ذلك، لأن صفاته منزهة عن الحدوث والتجدد، فمعناه: كونه بحيث شديد عقابه، وهذا المعنى حاصل أبداً، لا يوصف بأنه حصل بعد أن لم يكن. انتهى. وهذا كلام من لم يقف على علم النحو، ولا نظر فيه، ويلزمه أن يكون حكيم عليم من قوله:{من لدن حكيم عليم} ، ومليك مقتدر من قوله:{عند مليك مقتدر} ، معارف لتنزيه صفاته عن الحدوث والتجدد، ولأنها صفات لم تحصل بعد أن لم تكن، ويكون تعريف صفات بأل وتنكيرها سواء، وهذا لا يذهب إليه مبتدىء في علم النحو، فضلاً عمن صنف فيه، وقدم على تفسير كتاب الله.

وتلخص من هذا الكلام المطوّل أن غافر الذنب وما عطف عليه وشديد العقاب أوصاف، لأن المعطوف على الوصف وصف، والجميع معارف على ما تقرر أو أبدال، لأن المعطوف على البدل بدل لتنكير الجميع. أو غافر وقابل وصفان، وشديد بدل لمعرفة ذينك وتنكير شديد.

{أنهم} : بدل من {كلمة ربك} ، فهي في موضع رفع، ويجوز أن يكون التقدير لأنهم وحذف لام العلة.

ص: 302

ربنا وسعت كل شيء رحمتة وعلماً {النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَنِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ * ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْءَايَتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَاّ مَن يُنِيبُ * فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن} : أي يقولون: ربنا واحتمل هذا المحذوف بياناً ليستغفرون، فيكون في محل رفع، وأن يكون حالاً، فيكون في موضع نصب.

وانتصب رحمة وعلماً على التمييز، والأصل: وسعت رحمتك كل شيء، وعلمك كل شيء.

ص: 303

والظاهر عطف ومن على الضمير في وأدخلهم، إذ هم المحدث عنهم والمسئول لهم. وقال الفراء، والزجاج: نصبه من مكانين: إن شئت على الضمير في {وأدخلهم} ، وإن شئت على الضمير في {وعدتهم} .

والتنوين في يومئذ تنوين العوض، والمحذوف جملة عوض منها التنوين، ولم تتقدم جملة يكون التنوين عوضاً منها، كقوله:{فلولا إذ بلغت الحلقوم} ، {وأنتم حينئذ} أي حين إذ بلغت الحلقوم، فلا بد من تقدير جملة يكون التنوين عوضاً منها كقوله، يدل عليها معنى الكلام، وهي {ومن تق السيئات} : أي جزاءها يوم إذ يؤاخذ بها {فقد رحمته} . ولم يتعرض أحد من المفسرين الذين وقفنا على كلامهم في الآية للجملة التي عوض منها التنوين في يومئذ.

واللام في {لمقت} لام الابتداء ولام القسم، ومقت مصدر مضاف إلى الفاعل، التقدير: لمقت الله إياكم، أو لمقت الله أنفسكم، وحذف المفعول لدلالة ما بعده عليه في قوله:{أكبر من مقتكم أنفسكم} .

وقال الزمخشري: وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول.

وأخطأ في قوله: {وإذ تدعون} منصوب بالمقت الأول، لأن المقت مصدر، ومعموله من صلته، ولا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد استيفائه صلته، وقد أخبر عنه بقوله:{أكبر من مقتكم أنفسكم} ، وهذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تخفي على المبتدئين، فضلاً عمي تدعي العجم أنه في العربية شيخ العرب والعجم.

ولما كان الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، لا يجوز قدرنا العامل فيه مضمر، أي مقتكم إذ تدعون، وشبيهة قوله تعالى:{إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر} . قدروا العامل برجعه {يوم تبلى السرائر} للفصل بـ {لقادر} بين المصدر ويوم.

ص: 304

ورفيع: خبر مبتدأ محذوف. وقال الزمخشري: ثلاثة أخبار مترتبة على قوله: الذي يريكم {يُنِيبُ * فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُم بَرِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأٌّزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَظِمِينَ مَا لِلظَّلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى الأٌّرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى الأٌّرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، أو أخبار مبتدأ محذوف، وهي مختلفة تعريفاً وتتكيراً. انتهى. أما ترتبها على قوله:{هو الذي يريكم} ، فبعيد كطول الفصل، وأما كونها أخباراً لمبتدأ محذوف، فمبني على جواز تعدد الأخبار، إذا لم تكن في معنى خبر واحد، والمنع اختيار أصحابنا. وقرىء: رفيع بالنصب على المدح، واحتمل أن يكون رفيع للمبالغة على فعيل من رافع، فيكون الدرجات مفعولة، أي رافع درجات المؤمنين ومنازلهم في الجنة. وبه فسرا بن

ص: 305

سلام، أو عبر بالدرجات عن السموات، أرفعها سماء، والعرش فوقهنّ. وبه فسر ابن جبير، واحتمل أن يكون رفيع فعيلاً من رفع الشيء علا فهو رفيع، فيكون من باب الصفة المشبهة.

ويوماً بدل من يوم التلاق، وكلاهما ظرف مستقبل. والظرف المستقبل عند سيبويه لا يجوز إضافته إلى الجملة الإسمية، لا يجوز: أجيئك يوم زيد ذاهب، أجراء له مجرى إذا، فكما لا يجوز أن تقول: أجيئك إذا زيد ذاهب، فكذلك لا يجوز هذا. وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك، فيتخرج قوله:{يوم هم بارزون} على هذا المذهب. وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا على قلة، والدلائل مذكورة في علم النحو. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون انتصابه على الظرف، والعامل فيه قوله:{لا يخفى} ، وهي حركة إعراب لا حركة بناء، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، كيومئذ. وقال الشاعر:

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وكقوله تعالى: {هذا يوم ينفع} . وأما في هذه الآية فالجملة اسم متمكن، كما تقول: جئت يوم زيد أمير، فلا يجوز البناء. انتهى. يعني أن ينتصب على الظرف قوله:{يوم هم بارزون} . وأما قوله لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، فالبناء ليس متحتماً، بل يجوز فيه البناء والإعراب. وأما تمثيله بيوم ينفع، فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز النباء والإعراب فيه. وأما إذا أضيف إلى جملة سمية، كما مثل من قوله: جئت يوم زيد أمير، فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب، كما ذكر، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء. وذهب إليه بعض أصحابنا، وهو الصحيح لكثرة شواهد البناء على ذلك. ووقع في بعض تصانيف أصحابنا أنه يتحتم فيه البناء، وهذا قول لم يذهب إليه أحد، فهو وهم.

انتصب كاظمين على الحال.

ص: 306

ويجوز أن يكون حالاً عن قوله: أي وانذرهم مقدرين. وقال ابن عطية: كاظمين حال، مما أبدل منه قوله تعالى:{تشخص فيه الأبصار مهطعين} : أراد تشخص فيه أبصارهم، وقال الحوفي: القلوب رفع بالإبتداء، ولدى الحناجر الخبر متعلق بمعنى الاستقرار. وقال أبو البقاء: كاظمين حال من القلوب، لأن المراد أصحابها. انتهى. {ما للظالمين من حميم} : أي محب مشفق، ولا شفيع يطاع في موضع الصفة لشفيع، فاحتمل أن يكن في موضع خفض على اللفظ، وفي موضع رفع على الموضع.

وجاز أن يكون فينظروا مجزوماً عطفاً على يسيروا وأن يكون منصوباً على جواب النفي، كما قال:

ألم تسأل فتخبرك الرسوم

وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة، وحمل الزمخشري هم على أن يكون فصلاً ولا يتعين، إذ يجوز أن يكون هم توكيداً لضمير كانوا.

{وآثاراً في الأرض} : معطوف على قوة.

وجعل آل فرعون متعلقاً بقوله: يكتم إيمانه {الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَدِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يقَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَهِرِينَ فِى الأٌّرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن} ، لا في موضع الصفة لرجل، كما يدل عليه الظاهر، وهذا فيه بعد.

ص: 307

وقال الزمخشري: ولك أن تقدر مضافاً محذوفاً، أي وقت أن يقول، والمعنى: أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روبة ولا فكر في أمره؟ انتهى. وهذا الذي أجازه من تقدير المضاف المحذوف الذي هو وقت لا يجوز، تقول: جئت صياح الديك، أي وقت صياح الديك، ولا أجيء أن يصيح الديك، نص على ذلك النحاة، فشرط ذلك أن يكون المصدر مصرحاً به لا مقدراً، وأن يقول ليس مصدراً مصرحاً به.

وانتصب ظاهرين على الحال، والعامل فيها هو العامل في الجار والمجرور، وذو الحال هو ضمير لكم.

ص: 308

وجوزوا في الذين يجادلون {هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَدِلُونَ فِىءَايَتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَنٍ أَتَهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ * وَقَالَ فَرْعَوْنُ يهَمَنُ ابْنِ لِى صَرْحاً لَّعَلِّى أَبْلُغُ الأٌّسْبَبَ * أَسْبَبَ السَّمَوَتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لأّظُنُّهُ كَذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَاّ فِى تَبَابٍ * وَقَالَ الَّذِىءَامَنَ يقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا مَتَعٌ وَإِنَّ الأٌّخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أن تكون صفة لمن، وبدلاً منه: أي معناه جمع ومبتدأ على حذف مضاف، أي جدال الذين يجادلون، حتى يكون الضمير في {كبر} عائداً على ذلك أولاً، أو على حذف مضاف، والفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من قوله:{يجادلون} ، أو ضمير يعود على من على لفظها، على أن يكون الذين صفة، أو بدلاً أعيد أولاً على لفظ من في قوله:{هو مسرف كذاب} . ثم جمع الذين على معنى من، ثم أفرد في قوله:{كبر} على لفظ من. وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون {الذين يجادلون} مبتدأ وبغير {سلطان أتاهم} خبراً، وفاعل {كبر} قوله:{كذلك} ، أي {كبر مقتاً} مثل ذلك الجدال، و {يطبع الله} كلام مستأنف، ومن قال {كبر مقتاً، عند الله}

ص: 309

جدالهم، فقد حذف الفاعل، والفاعل لا يصح حذفه. انتهى، وهذا الذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح، فكيف في كلام الله؟ لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض، وارتكاب مذهب الصحيح خلافه. أما تفكيك الكلام، فالظاهر أن بغير سلطان متعلق بيجادلون، ولا يتعقل جعله خيراً للذين، لأنه جار ومجرور، فيصير التقدير:{الذين يجادلون في آيات الله} : كائنونن، أو مستقرون، {بغير سلطان} ، أي في غير سلطان، لأن الباء إذا ذاك ظرفية خبر عن الجثة، وكذلك في قوله يطبع أنه مستأنف فيه تفكيك الكلام، لأن ما جاء في القرآن من {كذلك يطبع} ، أو نطبع، إنما جاء مربوطاً بعضه ببعض، فكذلك هنا. وأما ارتكاب مذهب الصحيح خلافه، فجعل الكاف اسماً فاعلاً بكبر، وذلك لا يجوز على مذهب البصريين إلا الأخفش، ولم يثبت في كلام العرب، أعني نثرها: جاءني كزيد، تريد: مثل زيد، فلم تثبت اسميتها، فتكون فاعلة.

وأما قوله: ومن قال لي آخره، فإنّ قائل ذلك وهو الحوفي، والظن به أنه فسر المعنى ولم يرد الإعراب. وأما تفسير الإعراب أن الفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من يجادلون، كما قالوا: من كذب كان شراً له، أي كان هو، أي الكذب المفهوم من كذب. والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر، والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون.

ص: 310

وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشيء أجازه الكوفيون ومنعه البصريون، واحتج الكوفيون بهذه القراءة وبقراءة عاصم، فتنفعه الذكرى في سورة عبس، إذ هو جواب الترجي في قوله:{لعله يزكي أو يذكر فتنفعه الذكرى} . وقد تأولنا ذلك على أن يكون عطفاً على التوهم، لأن خبر لعل كثيراً جاء مقروناً بأن في النظم كثيراً، وفي النثر قللاً. فمن نصب، توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبراً كان منصوباً بأن، والعطف على التوهم كثير، وإن كان لا ينقاس، لكن إن وقع شيء وأمكن تخريجه عليه خرج، وأما هنا، فأطلع، فقد جعله بعضهم جواباً للأمر، وهو قوله:{ابن لي صرحاً} ، كما قال الشاعر:

ص: 311

يا ناق سيري عنقاً فسيحاًإلى سليمان فنستريحا النار {حِسَابٍ * وَيقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَوةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِى لأّكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلَا فِى الأٌّخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَبُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُواْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَتِ قَالُواْ بَلَى قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَفِرِينَ إِلَاّ فِى ضَلَلٍ * إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأٌّشْهَدُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ الْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} بدل من {سوء العذاب} ، أو خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل: ما سوء العذاب: قيل: النار، أو مبتدأ خبره {يعرضون} .

ص: 312

والظاهر تمام الجملة عند قوله: {وعشياً} ، وأن يوم القيامة معمول لمحذوف على إضمار القول، أي ويوم القيامة يقال لهم: ادخلوا. وقيل: ويوم معطوف على وعشياً، فالعامل فيه يعرضون، وأدخلوا على إضمار الفعل. وقيل: العامل في يوم أدخلوا.

والعامل في إذ فعل مضمر تقديره واذكروا. وقال الطبري: وإذ هذه عطف على قوله: {إذ القلوب لدى الحناجر} ، وهذا بعيد.

وقرأ ابن المسيفع، وعيسى بن عمران: كلا بنصب كل. وقال الزمخشري، وابن عطية: على التوكيد لاسم إن، وهو معرفة، والتنوين عوض من المضاف إليه، يريد: إنا كلنا فيها. انتهى. وخبر إن هو فيها، ومن رفع كلا فعلى الابتداء، وخبره فيها، والجملة خبر إن. وقال ابن مالك في تصنيفه (تسهيل الفوائد) : وقد تكلم على كل، ولا يستغنى بنية إضافته، خلافاً للفرّاء والزمخشري. انتهى، وهذا المذهب منقول عن الكوفيين، وقد رد ابن مالك على هذا المذهب بما قرره في شرحه (التسهيل) . وقال الزمخشر: فإن قلت: هل يجوز أن يكونن كلاً حالاً قد عمل فيها فيها؟ قلت: لا، لأن الظرف لا يعمل، والحال متقدمة، كما يعمل في الظرف متقدماً، تقول: كل يوم لك ثوب، ولا تقول: قائماً في الدار زيد. انتهى. وهذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال، نحو: زيد قائماً في الدار، وزيد قائماً عندك، والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقاً في الآية، لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم، وهو اسم إن، وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال، وتأخر العامل فيها، وأما تمثيله بقوله: ولا تقول قائماً في الدار زيد، تأخر فيه المسند والمسند إليه، وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة. وقال ابن مالك: والقول المرضي عندي أن كلاً في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في فيها، وفيها هو العامل، وقد تقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه، كما قدمت في قراءة من قرأ:{والسموات مطويات بيمينه} . وفي قول النابغة الذبياني:

ص: 313

رهط ابن كوز محقبي أدراعهمفيهم ورهط ربيعة بن حذار وقال بعض الطائيين:

دعا فأجبنا وهو باديّ ذلةلديكم فكان النصر غير قريب انتهى. وهذا التخريج هو على مذهب الأخفش، كما ذكرناه، والذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلاً بدل من اسم إن، لأن كلاً يتصرف فيهما بالابتداء ونواسخه وغير ذلك، فكأنه قال: إن كلاً بدل من اسم إن، لأن كلاً فيها: وإذا كانوا قد تأولوا حوفلا أكتعاً ويوماً أجمعاً على البدل، مع أنهما لا يليان العوامل، فإن يدعى في كل البدل أولى، وأيضاً فتنكير كل ونصبه حالاً في غاية الشذوذ، والمشهور أن كلاً معرفة إذا قطعت عن الإضافة. حكى: مررت بكل قائماً، وببعض جالساً في الفصيح الكثير في كلامهم، وقد شذ نصب كل على الحال في قولهم: مررت بهم كلاً، أي جميعاً. فإن قلت: كيف يجعله بدلاً، وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم، وهو لا يجوز على مذهب البصريين؟ قلت: مذهب الأخفش والكوفيين جوازه، وهو الصحيح، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف، بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة، جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب، لا نعلم خلافاً في ذلك، كقوله تعالى:{تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} ، وكقولك: مررت بكم صغيركم وكبيركم، معناه: مررت بكم كلكم، وتكون لنا عيداً كلنا. فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة، فجوازه فيما دل على الإحاطة، وهو كل أولى، ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه، لأنه بدل من ضمير المتكلم، لأنه لم يتحقق مناط الخلاف.

{يوم لا ينفع} : بدل من يوم {يقوم} .

وانتصب هدى وذكرى {الدَّارِ * وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَءِيلَ الْكِتَبَ * هُدًى وَذِكْرَى لاٌّوْلِى الأٌّلْبَبِ} على أنهما مفعولان له، أو على أنهما مصدران في موضع الحال.

ص: 314

الذين كذبوا {الْعَلَمِينَ * قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَآءَنِى الْبَيِّنَتُ مِن رَّبِّى وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَلَمِينَ * هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * هُوَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَدِلُونَ فِىءَايَتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِالْكِتَبِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأٌّغْلَلُ فِى أَعْنَقِهِمْ والسَّلَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِى الْحَمِيمِ ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَفِرِينَ * ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأٌّرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُواْ أَبْوَبَ جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} مبتدأ، وخبره:{فسوف يعلمون} . وأما على الظاهر، فالذين بدل من الذين، أو خبر مبتدأ محذوف، أو منصوباً على الذم، وإذ ظرف لما مضى، فلا يعمل فيه المستقبل، كما لا يقول: سأقوم أمس، فقيل: إذا يقع موقع إذ، وأن وقعها على سبيل المجاز، فيكون إذ نا بمعنى إذا، وحسن ذلك تيقن وقوع الأمر، وأخرج في صيغة الماضي، وإن كان المعنى على الاستقبال.

ص: 315

وقرأ: والسلاسل عطفاً على الأغلال، يسحبون مبنياً للمفعول. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن علي، وابن وثاب، والمسيء في اختياره: والسلاسل بالنصب على المفعول، يسحبون مبنياً للفاعل، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية. وقرأت فرقة منهم ابن عباس: والسلاسل، بجر اللام. قال ابن عطية: على تقدير، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ، إذ ترتيبه فيه قلب، وهو على حد قول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي.

وقال الزجاج: من قرأ بحفص والسلاسل، فالمعنى عنده: وفي السلاسل يسحبون. وقال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز، لو قلت: زيد في الدار، لم يحسن أن تضمر في فتقول: زيد الدار، ثم ذكر تأويل الفراء، وخرج القراءة ثم قال: كما تقول: خاصم عبد الله زيداً العاقلين، بنصب العاقلين ورفعه، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر. انتهى، وذه المسألة لا تجوز عند البصريين، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي، قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول، وقرىء: وبالسلاسل يسحبون، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر.

قيل: وجواب فإما نرينك محذوف لدلالة المعنى عليه، أي فيقر عينك، ولا يصح أن يكون {فإلينا يرجعون} جواباً للمعطوف عليه والمعطوف، لأن تركيب {فإما نرينك} بعض الموعود في حياتك، {فإلينا يرجعون} ليس بظاهر، وهو يصح أن يكون جواب، {أو نتوفينك} : أي: {فإلينا يرجعون} ، فننتقم منهم ونعذبهم لكونهم لم يتبعوك. ونير هذه الآية قوله:{فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون} ، إلا أنه هنا صرح بجواب الشرطين.

ص: 316