الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجملة من قوله: ماذا تكسب {بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأٌّرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ} في موضع مفعول {تدري} ، ويجوز أن يكون ماذا كلها موصولاً منصوباً بتدري، كأنه قال: وما تدري نفس الشيء التي تكسب غداً. وبأي متعلق بتموت، والباء ظرفية، أي: في أي أرض؟ فالجملة في موضع نصب بتدري.
سورة السجدة
ثلاثون آية مكية
والكتاب القرآن. قال الحوفي: {تنزيل} مبتدأ، {ولا ريب} خبره. ويجوز أن يكون {تنزيل} خبر مبتدأ، أي هذا المتلو تنزيل، أو هذه الحروف تنزيل، و {الم} بدل على الحروف. وقال أبو البقاء:{الم} مبتدأ، و {تنزيل} خبره بمعنى المنزل، و {لا ريب فيه} حال من الكتاب، والعامل فيه تنزيل، و {من رب العالمين} متعلق بتنزيل أيضاً. ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في فيه، والعامل فيه الظرف. ويجوز أن يكون {تنزيل} مبتدأ، و {لا ريب فيه} الخبر، و {من رب العالمين} حال كما تقدم. ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل، لأن المصدر قد أخبر عنه. ويجوز أن يكون الخبر {من رب العالمين} ، و {لا ريب} حال من الكتاب، وأن يكون خبراً بعد خبر. انتهى. والذي أختاره أن يكون {تنزيل} مبتدأ، و {لا ريب} اعتراض، و {من رب العالمين} الخبر. وقال ابن عطية:{من رب العالمين} متعلق بتنزيل، ففي الكلام تقديم وتأخير؛ ويجوز أن يتعلق بقوله:{لا ريب} ، أي لا شك، من جهة الله تعالى، وإن وقع شك الكفرة، فذلك لا يراعى. والريب: الشك، وكذا هو في كل القرآن، إلا قوله:{ريب المنون} . انتهى.
وإذا كان {تنزيل} خبر مبتدأ محذوف، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى غيره وبينه، لم نقل فيه: إن فيه تقديماً وتأخيراً، بل لو تأخر لم يكن اعتراضاً. وأما كونه متعلقاً بلا ريب، فليس بالجيد، لأن نفي الريب عنه مطلقاً هو المقصود، لأن المعنى: لا مدخل للريب فيه، إن تنزيل الله، لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه، وهو الإعجاز، فهو أبعد شيء من الريب.
وقال الزمخشري: والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة، كأنه قيل: لا ريب في ذلك، أي في كونه منزلاً من رب العالمين.
ومن ربك في موضع الحال، أي كائناً من عند ربك، وبه متعلق بلتنذر، أو بمحذوف تقديره: أنزله لتنذر. والقوم هنا قريش والعرب، وما نافية، ومن نذير: من زائدة، ونذير فاعل أتاهم.
والذي ذهب إليه غير ما ذهب إليه المفسرون، وذلك أنهم فهموا من قوله: ما أتاهم {رَّبِّ الْعَلَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن} ، و {ما أنذر آباؤهم} ، أن ما نافية، وعندي أن ما موصولة.
وكذلك {لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم} : أي العقاب الذي أنذره آباؤهم، فما مفعولة في الموضعين، وأنذر يتعدى إلى اثنين. قال تعالى:{فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة} ، وهذا القول جار على ظواهر القرآن. قال تعالى:{وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} ، و {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير} ، {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ، {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً} .
وقرأ زيد بن علي: {عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم} : بخفض الأوصاف الثلاثة؛ وأبو زيد النحوي: بخفض {العزيز الرحيم} . وقرأ الجمهور: برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك، أو الأول خبر والاثنان وصفان، ووجه الخفض أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر، وهو فاعل بيعرج، أي ثم يعرج إليه ذلك، أي الأمر المدبر، ويكون عالم وما بعده بدلاً من الضمير في إليه. وفي قراءة ابن زيد يكون ذلك عالم مبتدأ وخبر، والعزيز الرحيم بالخفض بدل من الضمير في إليه. وقرأ الجمهور: خلقه، بفتح اللام، فعلاً ماضياً صفة لكل أو لشيء. وقرأ العربيان، وابن كثير: بسكون اللام، والظاهر أنه بدل اشتمال، والمبدل منه كل، أي أحسن خلق كل شيء، فالضمير في خلقه عائد على كل. وقيل: الضمير في خلقه عائد على الله، فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة، كقوله:{صبغة الله} ، وهو قول سيبويه، أي خلقه خلقاً. ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول، وبأنه أبلغ في الامتنان، لأنه إذا قال:{أحسن كل شيء} ، كأن أبلغ من: أحسن خلق كل شيء، لأنه قد يحسن الخلق، وهو المجاز له، ولا يكون الشيء في نفسه حسناً. فإذا قال:{أحسن كل شيء} ، اقتضى أن كل شيء خلقه حسن، بمعنى: أنه وضع كل شيء في موضعه. انتهى.
وقيل: في هذا الوجه، وهو عود الضمير في خلقه على الله، يكون بدلاً من كل شيء، بدل شيء من شيء، وهما لعين واحدة.
{وجعل لكم} : التفات، إذ هو خروج من مفرد غائب إلى جمع مخاطب، وتعديد للنعم، وهي شاملة لآدم؛ كما أن التسوية ونفخ الروح شامل له ولذريته. والظاهر أن {وقالوا} ، الضمير لجمع، وقيل: القائل أبيّ بن خلف، وأسند إلى الجمع لرضاهم به، والناصب للظرف محذوف يدل عليه {أئنا} وما بعدها تقديره انبعث.
{ولو ترى} : رأى أن الجملة معطوفة على {يتوفاكم} ، داخلة تحت {قل} ، فلذلك لم يجعله خطاباً للرسول. والظاهر أن لو هنا لم تشرب معنى التمني، بل هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره، والجواب محذوف، أي لرأيت أسوأ حال يرى. ولو تعليق في الماضي، وإذ ظرف للماضي، فلتحقق الأخبار ووقوعه قطعاً أتى بهما تنزيلاً منزلة الماضي. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون خطاباً لرسول الله، وفيه وجهان: أحدهما: أن يراد به التمني، كأن قيل: وليتك ترى، والتمني له، كما كان الترجي له في:{لعلهم يهتدون} ، لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل الله له، تمنى أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون لو امتناعية، وقد حذف جوابها، وهو: لرأيت أمراً فظيعاً. ويجوز أن يخاطب به كل أحد، كما تقول: فلان لئيم إن أكرمته أهانك، وإن أحسن إليه أساء إليك، فلا يريد به مخاطباً بعينه، وكأنك قلت: إن أكرم وإن أحسن إليه. انتهى. والتمني بلو في هذا الموضع بعيد، وتسمية لو امتناعية ليس بجيد، بل العبارة الصحيحة لو لما كان سيقع لوقوع غيره، وهي عبارة سيبويه، وقوله قد حذف جوابها وتقديره: وليتك ترى ما يدل على أنها كانت إذا للتمني لا جواب لها، والصحيح أنها إذا أشربت معنى التمني، يكون لها جواب كحالها إذا لم تشربه. قال الشاعر:
فلو نبش المقابر عن كليبفيخبر بالذنائب أي زير بيوم الشعمثين لقر عيناوكيف لقاء من تحت القبوروقال الزمخشري: وقد تجيء لو في معنى التمني، كقولك: لو تأتيني فتحدثني، كما تقول: ليتك تأتيني فتحدثني. فقال ابن مالك: إن أراد به الحذف، أي وددت لو تأتيني فصحيح، وإن أراد أنها موضوعة للتمني فغير صحيح، لأنها لو كانت موضوعة له، ما جاز أن يجمع بينها وبين فعل التمني. لا يقال: تمنيت ليتك تفعل، ويجوز: تمنيت لو تقوم. وكذلك امتنع الجمع بين لعل والترجي، وبين إلا واستثنى. انتهى.
و {هذا} : صفة ليومكم، ومفعول {فذوقوا} محذوف، أو مفعول فذوقوا هذا العذاب بسبب نسيانكم {لقاء يومكم هذا} ، وهو ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم؛ أو ذوقوا العذاب المخلد في جهنم. وفي استئناف قوله:{إنا نسيناكم} ، وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم.
{يدعون} : حال، أو مستأنف خوفاً وطمعاً، مفعول من أجله، أو مصدران في موضع الحال.
و {ما أخفي} يحتمل أن تكون موصولة، وأن تكون استفهامية، فيكون {تعلم} متعلقة. والجملة في موضع المفعول، إن كان {تعلم} مما عدى لواحد؛ وفي موضع المفعولين إن كانت تتعدى لاثنين.
{ولا تعلم نفس} : نكرة في سياق النفي، فيعم جميع الأنفس مما ادّخرا لله تعالى لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه مما تقر به أعينهم، لا يعلمه إلا هو، وهذه عدة عظيمة لا تبلغ الأفهام كنهها، بل ولا تفاصيلها. وقال الحسن: أخفوا اليوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
والظاهر أن الضمير عائد على موسى، مضافاً إليه على طريق المفعول، والفاعل محذوف ضمير الرسول، أي من لقائك موسى، أي في ليلة الإسراء، أي شاهدته حقيقة، وهو النبي الذي أوتي التوراة، وقد وصفه الرسول فقال: آدم طوال جعد، كأنه من رجال شنوءة حين رآه ليلة الإسراء، قاله أبو العالية وقتادة وجماعة من السلف. وقال المبرد: حين امتحن الزجاج بهذه المسألة.
وقيل: عائد على الكتاب، فإما مضاف إليه على طريق الفاعل والمفعول محذوف، أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه، وإما بالعكس، أي من لقاء موسى الكتاب وتلقيه. وقيل: يعود على الكتاب على تقدير مضمر، أي من لقاء مثله، أي: إنا آتيناك مثل ما آتينا موسى، ولقناك بمثل ما لقن من الوحي، فلا تك في شك من أنك لقنت مثله ولقيت نظيره، ونحوه من لقائه قوله: وإنك لتُلَقىّ القرآن {مُوسَى الْكِتَبَ فَلَا تَكُن فِى مِرْيَةٍ} .