الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جانب ذلك يتولون حماية الثغور لصدِّ أي هجوم مِن قبل العدو في البلاد المتاخمة، حماية لحدود دولةِ الإسلام من أن تُخْتَرَقَ مِن جهتهم، وكانت سجستان إحدى تلك الثغور.
عصره، وسيرته العلمية، ورحلته وشيوخه:
نشأ الإمامُ أبو داود وعاش في عصرٍ زاخرٍ بأهلِ العلم في مختلِف التخصصات، لا سيما في علم الحديث والرواية الذي بلغ أوجَه في القرن الثالث الهجري. فكان فيه عددٌ كبير من الحفاظِ الكبارِ الذين سجَّل لنا التاريخُ مآثِرهم، وحَفِظَتْ لنا الدواوينُ التي صنَّفوها مروياتِهم، وامتلأت الخزانة الإسلامية في ذلك القرن بالمصنفاتِ الجليلةِ التي لا يستغني عنها طالب علم البتة.
وقد شاعت آنذاك الرِّحْلَةُ في طلبِ العلم، فقلما تَجِدُ طالبَ علم إلا ويتركُ وطنَه ومسقِط رأسه، ليرحل إلى مختلِفِ الأقطارِ الإسلامية التي كانت حَوَاضر للعلم والعلماء رغبةً في الالتقاء بأهل العلم الكبار الذين عُرفوا بحفظ الحديث وروايته، يختلف إلى مجالسهم، للأخذ عنهم والإفادة منهم، واستنزاف ما صح عندهم من الرواية.
فكان أمثالُ الأئمة أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ) ويحيى بن معين (ت: 233 هـ) وابن أبي شيبة (ت: 235 هـ) وابن راهويه (ت: 238 هـ) وأبي حاتم (ت: 250 هـ) وأبي زرعة (ت: 264 هـ) الرّازيين، والبخاري (ت: 256 هـ)، والذهلي (ت: 258 هـ) ومسلم (ت: 261 هـ) إلى غير هؤلاء الذين كانوا مهوى أفئدةِ طلبةِ العلم ومقصدَهم.
وقد كان الإمامُ أبو داود مِن أولئك الذي آثَرُوا الرِّحْلَةَ في طلب العلم على البقاء في الأوطان، فبعد أن تلقَّى مبادئ العلوم في سِنٍّ مبكرة، وكتبَ الحديثَ في بلده سجستان والمناطق المجاورة، امتدت أنظارُه إلى عاصمة الدولةِ الإسلامية آنذاك بغداد، حيث كانت مِن حواضر العلم، وبالرغم من بُعد الشُّقة والمسافاتِ الشاسعةِ رَحَلَ إليها وهو في مقتبل عُمره لم يجاوز الثامنة عشرة، فقد أخبر عن نفسه أنه وصل بغداد سنة عشرين ومئتين
(1)
.
قال أبو عبد الله الحاكمُ: أبو داود إمامُ أهلِ الحديث في عصره بلا مُدافَعَةٍ: سماعه بمصر والحجاز والشام والعِرَاقَيْنِ وخراسان، وقد كتب بخراسانَ قبلَ خروجه إلى العراق في بلدهِ وهَراة، وكتب ببَغْلان عن قُتيبة (هو ابن سعيد)، وبالري عن إبراهيمَ بنِ موسى
…
وقد كان كتب قديماً بنَيسابور
(2)
.
وقال الحافظ المزي: وكان أبو داود أحد من رحَلَ وطوَّف، وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين والخراسانيين، والشاميين والمصريين، والجزريين والحجازيين وغيرهم
(3)
.
وقال الحافظ الذهبي تعليقاً على قولِ أبي داود: ودخلت البصرةَ وهم يقولون: أمسِ مات عثمانُ بنُ الهيثم المؤذن، فسمعتُ مِن أبي
(1)
المرجعان السابقان.
(2)
ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ ورقة 546، والمزي في "تهذيب الكمال" 11/ 366.
(3)
المزي في "تهذيب الكمال" 11/ 356.
عمر الضرير مجلساً واحداً، فقال الذهبي: مات في شعبان سنةَ عشرين ومات عثمان قبله بشهر
(1)
.
ثم قال الذهبيُّ: وسمع بمكةَ مِن القعنبي وسليمانَ بنِ حرب وجماعةِ بمكة سنةَ عشرين أيام الحج.
وسمع مِن مُسْلِمِ بن إبراهيم، وعبدِ الله بنِ رجاء، وأبي الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وطبقتِهم بالبصرة.
ثم سمع بالكوفة مِن الحسنِ بنِ الربيع البُوراني وأحمدَ بنِ يونس اليربوعي وطائفة، وسمع من أبي توبة الربيع بنِ نافع بحلب، ومن أبي جعفر النُّفيليِّ وأحمد بنِ أبي شعيب وعدة بحرَّان، ومن حيوة بنِ شُريح ويزيدَ بنِ عبد ربه وخلقٍ بحمص، ومِن صفوانَ بنِ صالح وهشام بنِ عمار بدمشق، ومن إسحاق بن راهويه وطبقته بخُراسان، ومن أحمد بن حنبل وطبقته ببغداد، ومن قتيبة بن سعيد ببلْخ، ومن أحمدَ بنِ صالح وخلقٍ بمصر
(2)
.
ومِنْ أهم شيوخه الذين لقيهم، وأخذ عنهم علم الحديث الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بنُ معين كما يقول الحافظ المزي
(3)
، وإليك ترجمتَهما مختصرة، فأما الإمام أحمد، فهو:
أ- الإمامُ الحافظُ، شيخُ الإسلام أبو عبد الله أحمدُ بنُ محمد بن حنبل بنِ هلال بنِ أسد الذُّهلي الشيبانيُّ، روى عنه البخاري ومسلم،
(1)
"سير أعلام النبلاء" 13/ 204، و"تاريخ الإسلام" وفيات 261 - 280.
(2)
"سير أعلام النبلاء" 13/ 204 - 205.
(3)
"تهذيب الكمال" 11/ 359.
وكان يحفظ ألف ألف حديث، قال عنه الشافعي: خرجتُ من بغداد، فما خلفتُ بها رجلاً أفضلَ ولا أعلم ولا أفقه مِن أحمد بن حنبل.
وقال أبو عبيد: انتهى العلمُ إلى أربعة أفقهُهُم أحمد، وقال أبو ثور: أحمد أعلمُ -أو قال: أفقه- من الثوري، توفي سنة إحدى وأربعين ومئتين، وله سبع وسبعون سنة
(1)
.
وقد دون أبو داود عنه مسائلَ في كتاب يشتمل على الفقه والحديث والرجال، سنأتي على وصفه إن شاء الله تعالى.
2 -
الإمام الحافظ العَلَم أبو زكريا يحيى بنُ مَعين المُرِّي مولاهم البغدادي، شيخ البخاري ومسلم، كتب بيديه ألفَ ألفِ حديث، وقال ابنُ المديني: انتهى علمُ الناسِ إلى يحيى بن معين، وقال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين في المدينة المنورة
(2)
.
ومن أشهر شيوخه في الرواية الذين أكثر عنهم الرواية ودوَّن ذلك في كتابه "السنن":
1 -
عبدُ الله بن مسلمة بن قعنب القعنَبيُّ البصري الإمام الثبت القدوة، روى عنه البخاري ومسلم والذهلي. قال أبو زرعة: ما كتبتُ عن أحدٍ أجلَّ في عيني مِن القعنبي، وقال أبو حاتِم الرازي: ثقة حجة
(1)
ابن عبد الهادي في "طبقات علماء الحديث" 2/ 81 - 83، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 177 - 358.
(2)
ابن عبد الهادي في "طبقات علماء الحديث" 2/ 79 - 81، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 71 - 96.
لم أر أخشع منه. وقدَّمه الخريبي على مالك. توفي سنة إحدى وعشرين ومئتين
(1)
. وقد روى عنه أبو داود في" السنن" ثلاثة عشر وثلاث مئة حديثٍ تقريباً.
2 -
مُسدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبَل الأسدي البصري، الإمامُ الحافظُ الحجةُ، روى عنه البخاري والذهلي وأبو حاتِم وأبو زرعة الرازيان، وقال أبو زرعة: قال لي أحمدُ بن حنبل: مسدّد صدوق، فما كتبتَه عنه فلا تَعْدُه، ووثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين. توفي سنة ثمان وعشرين ومئتين
(2)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وأربعين وخمس مئة حديث تقريباً.
3 -
الحسنُ بنُ علي بن محمد الهُذَلي الخَلاّل الحُلْواني (وحُلْوان: بلدة مما يلي الجبال ببغداد) نزيل مكة والمجاور بها، الامام الحافظ الصدوق، روى عنه البخاري ومسلم، وثقه النسائي يعقوب بنُ شيبة والخطيب، وقال الخليلي: كان يُشبَّه بأحمدَ في سَمْتِه وديانته، توفي سنة اثنتين وأربعين ومئتين
(3)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" تسعة وعشرين ومئة حديث تقريباً.
(1)
المزي في "تهذيب الكمال" 16/ 136 - 143، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 257 - 264.
(2)
المزي في" تهذيب الكمال" 27/ 443 - 448، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 591 - 595.
(3)
المزي في (تهذيب الكمال) 6/ 259 - 263، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" 1/ 406.
4 -
قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي مولاهم البلخي (وبلخ من أجل مدن أفغانستان في الشمال منها)، المحدِّثُ الإمامُ الثقةُ، راويةُ الإسلامِ، روى عنه أحمد وابن معين والبخاري ومسلم، وثقه أبو حاتم والنسائي وابنُ معين، وقال أحمدُ بنُ سيار المروزي: كان صاحبَ سنةٍ وجماعةٍ، توفي سنة أربعين ومئتين
(1)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وثمانين ومئة حديث تقريباً.
5 -
سعيدُ بنُ منصور بنِ شُعبة الخراساني، ثم البلخي المجاور بمكة، الإمام الحافظُ، شيخُ الحرم، روى عنه مسلمٌ وأحمد بن حنبل حدَّث عنه وهو حيٌّ، وثقه أبو حاتم وابنُ خراش وابنُ نمير وابنُ سعد ومحمدُ بنُ عبد الرحيم صاعقة، وفخّم أحمدُ بنُ حنبل أمرَه، وقال حربُ بنُ إسماعيل: أملى علينا نحواً مِن عشرة آلاف حديث مِن حفظه. ثم صنف بعد ذلك الكتب. توفي سنة سبع وعشرين ومئتين على الصحيح
(2)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" ستة وأربعين حديثاً تقريباً.
6 -
هنادُ بنُ السَّرِيِّ بنِ مُصعبٍ الدارمي الكُوفي، الإمامُ الحجةُ القدوةُ، روى عنه البخاري في "خلق أفعال العباد" ومسلم وبقية الأربعة، وثقه النسائي، وكان أحمد بنُ حنبل يأمر بالكتابة عنه، وكان
(1)
المزي في "تهذيب الكمال" 23/ 523 - 537، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 13 - 24.
(2)
المزي في "تهذيب الكمال" 11/ 77 - 82، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 586 - 590.
وكيعٌ يُعظّمه. توفي سنة ثلاث وأربعين ومئتين
(1)
. وقد روى عنه في "السنن" ستة وستين حديثاً تقريباً.
7 -
محمدُ بنُ العلاء بن كُرَيْبٍ، أبو كريب الهَمْدَاني الكُوفي، الحافظُ الثقةُ الإمامُ، روى عنه الجماعةُ، والذهلي وأبو زرعة وأبو حاتم، قال محمد بنُ عبدِ الله بن نُمير: ما بالعراق أكثرُ حديثاً من أبي كريب ولا أعرَفُ بحديث بلدنا منه، وقال أبو العباس ابنُ عُقدة: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاث مئة ألف حديث. توفي سنة ثمان وأربعين ومئتين
(2)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" سبعةً وسبعينَ حديثاً تقريباً.
8 -
محمد بن كثيرٍ العبدي البصري، الحافظُ الثقةُ، قال الحافظ الذهبي: كان صاحب حديثٍ ومعرفة سَمعَ بالبصرة وبالكوفة وطال عُمرُهُ، وحديثُه مخرج في الصحاح كلها، حدث عنه البخاري في "صحيحه"، وروى عنه أيضاً الذهلي وأبو حاتم وأبو زرعة. توفي سنة ثلاث وعشرين ومئتين
(3)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" واحداً وثلاثين ومئة حديثٍ تقريباً.
(1)
المزي في "تهذيب الكمال" 30/ 311 - 313، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 465 - 466
(2)
المزي في "تهذيب الكمال" 26/ 243 - 248، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 394 - 398.
(3)
المزي في "تهذيب الكمال" 26/ 334 - 336، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 383 - 384.
9 -
عبدُ الله بنُ محمد بن علي بن نُفيل النفيلي الحرَّاني (وحران تقع في شمال سوريا وهي من بلاد الجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل فن، وهي من ديار مُضَر، ولها تاريخٌ عمله أبو عَروبة الحسين بن أبي معشر الحراني الحافظ، ذكر فيه جماعة من أهل الجزيرة سماه "تاريخ الجزريين"، افتتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنْم، دخلها صلحاً سنة 18 هـ الإمام الحافظ عالم الجزيرة، روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة والذُّهلي، قال أبو داود: ما رأيتُ أحفظَ من النفيلي، وقال: كتبَ عنه أحمد وهو شابٌّ. وثقه أبو حاتم والنسائي والدَّارقطني. توفي سنة أربع وثلاثين ومئتين
(1)
. وقد روى عنه أبو داود في "السنن" خمسة وثلاثين ومئة حديث تقريباً.
10 -
عثمانُ بن محمد بن أبي شيبة العبسي مولاهم الكُوفي، الإمامُ الحافظ المفسِّر، صاحبُ التصانيف روى عنه البخاريُّ ومسلم وأبو حاتِم، وثقه ابنُ معين. وقال أبو حاتِم: كان أكبرَ من أبي بكر -يعني أخاه صاحب "المصنف" و"المسند"- وأثنى عليه أحمدُ بنُ حنبل خيراً. توفي سنة تسع وثلاثين ومئتين
(2)
. روى عنه أبو داود في "السنن" أحدَ عشرَ وثلاث مئة حديث تقريباً.
(1)
المزي في "تهذيب الكمال" 16/ 88 - 92، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/ 634 - 637.
(2)
المزي في "تهذيب الكمال" 19/ 478 - 487، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 11/ 151 - 153.