الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 -
مسلم بنُ إبراهيم الأزديُّ الفراهيديُّ مولاهم البصري، الإمامُ الحافظُ الثقةُ، مُسند البصرة. روى عنه البخاريُّ، وابنُ معين، والذُّهلي وأبو زُرعة وأبو حاتِم، قال أبو داود: كتبَ عن قريب مِن ألفِ شيخ. وثقه ابنُ معين وأبو حاتم، توفي سنة اثنتين وعشرين ومئتين
(1)
. روى عنه أبو داود في "السنن" ثمانية ومئة حديثٍ تقريباً.
ثناء أهل العلم عليه:
لم يكن غريباً على من تتلمذَ على أولئك الجِلَّة مِن أهل العلم أن يَبْلُغَ مرتبةً عالية جليلة، تجعله أهلاً لأن يُشار إليه بالبنان، وأن يُشادَ بفضله في كل مكان، هذا إلى ما كان لديه من ذكاء حادٍّ وحافظةِ قوية وذهنٍ وقّاد، مع إخلاصه لله تعالى، لأن إنساناً مهما بلغ في العلم مرتبةً لا يُمكن بحال أن يُبَارِكَ الله سبحانه وتعالى له فيه، ويجد قبولاً وثناءً إلا بإخلاصه لله عز وجل، وقد تحقق ذلك كُلُّه في الإمام أبي داود رحمه الله، حتى أقرَّ علماءُ عصره له بالتقدم وخصوصاً في علم الحديث، حيث صرف همته إليه، فكان الغالبَ عليه.
قال أبو بكر الخلالُ: أبو داود الإمامُ المقدَّمُ في زمانه، رجلٌ لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه أحدٌ في زمانه، رجل وَرِعٌ مُقدّمٌ. سَمعَ أحمد بن حنبل منه حديثاً واحداً كان أبو داود
(1)
المزي في "تهذيب الكمال" 27/ 487 - 492، والذهبي فى "سير أعلام النبلاء" 10/ 314 - 318.
يذكُرُه. وكان إبراهيمُ الأصبهانيُّ وأبو بكر بنُ صدقة يرفعون مِن قدره ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه مثلَه
(1)
.
وقال أحمدُ بنُ محمد بنِ ياسين الهرويُّ: كان أحدَ حفاظِ الإسلامِ لحديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسندِه، في أعلى درجاتِ النُّسُكِ والعفافِ والصلاحِ والورعِ، من فُرسان الحديث
(2)
.
وقال محمد بنُ إسحاق الصغاني وإبراهيمُ بن إسحاق الحربي، لما صنَّفَ أبو داود كتابَه "السنن": أُلِينَ لأبي داود الحديثُ كما أُلينَ لداود عليه الصلاة والسلام الحديد
(3)
.
وقال محمد بنُ مخلدِ: كان أبو داود يفي بمذاكرةِ مئةِ ألفِ حديث، ولما صنَّف كتاب "السنن" وقرأه على الناس، صار كتابُه لأصحابِ الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهلُ زمانه بالحفظِ والتقدم فيه
(4)
.
وقال موسى بنُ هارون الحافظ: خُلِقَ أبو داود في الدُّنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة.
وقال: ما رأيتُ أفضلَ مِن أبي داود
(5)
.
(1)
الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 9/ 57، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ ورقة 548.
(2)
المرجعان السابقان.
(3)
الخطابي في "معالم السنن" 1/ 7، وابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة" ص 17.
(4)
أبو طاهر السلفي في مقدمته على شرح الخطابي آخر "معالم السنن" 4/ 367.
(5)
ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ ورقة 547.
وقال علاّنُ بنُ عبد الصمد: سمعت أبا داود وكان مِن فُرسان هذا الشأن
(1)
.
وقال أبو حاتم بنُ حبان والسمعاني: كان أبو داود أحدَ أئمة الدنيا فقهاً وعلماً، وحِفظاً ونُسُكاً، وورعاً وإتقاناً، جمع وصنَّف، وذبّ عن السنن، وقمع من خالفها وانتحل ضِدَّها
(2)
.
وقال أبو عبد الله بن منده: الذين خرَّجوا الصحيح، وميّزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مُسلِمُ بنُ الحجاج القُشيري، وبعدهما أبو داود سليمانُ بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
(3)
.
وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو داود إمامُ أهلِ الحديثِ في عصره بلا مُدافعة، سماعه بمصر والحجاز والشام والعراقَين وخُراسان، وقد كتب بخراسانَ قبل خروجه إلى العراق في بلده وهراة، وكتب ببَغْلان عن قتيبة، وبالرَّيّ عن إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلى إسناده القعنبيُّ ومسلمُ بنُ إبراهيم وموسى بنُ إسماعيل، وبالشام أبو توبة الربيعُ بنُ نافع، وحيوةُ بنُ شُريح الحمصيُّ، وقد كان كتب قديماً بنيسابور، ثم رحلَ بابنه أبي بكر بن اْبي داود إلى خراسان
(4)
.
(1)
ابن عساكر 7/ ورقة 548، والمزي 11/ 365، والذهبي 13/ 212.
(2)
ابن حبان في "الثقات" 8/ 282، والسمعاني في "الأنساب" 7/ 46.
(3)
ابن منده في "شروط الأئمة" المسمى "بيان فضل الأخبار وشرح مذاهب أهل الآثار وحقيقة السنن وتصحيح الروايات" ص 42.
(4)
ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ ورقة 545 - 546.
وقال النووي: واتفق العلماءُ على الثناء على أبي داود، ووصفِه بالحفظِ التام، والعلم الوافر، والإتقان والورعِ والدينِ والفهمِ الثاقب في الحديث وغيره
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: البخاري وأبو داود إمامان في الفقه من أهل الاجتهاد
(2)
.
وقال ابن عبد الهادي: الإمام الثبت، سيد الحفاظ
(3)
.
وقال الحافظ الذهبي: الإمام شيخ السنة، مقدّم الحفاظ
(4)
.
وقال أيضاً: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك
(5)
.
وقال ابن تغري بردي: كان إمامَ أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، وكان عارفاً بعلل الحديث ورعاً
(6)
.
وحكى القاضي أبو محمد أحمد بن محمد بن الليث قال: جاء سهل بن عبد الله التُّستَري إلى أبي داود السجستاني، فقال: يا أبا داود لي إليكَ حاجةٌ. قال: وما هي؟ قال: حتى تقولَ: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: أخرج إليَّ لسانك
(1)
"تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 225.
(2)
"مجموع الفتاوى" 20/ 40.
(3)
"طبقات علماء الحديث" 2/ 290.
(4)
"سير أعلام النبلاء" 13/ 203.
(5)
المرجع السابق 13/ 215.
(6)
"النجوم الزاهرة" 3/ 73.
الذي حدّثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبّله، فأخرج إليه لسانه فقبّله.
قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي معلقاً على هذه القصة: لم يُسهِّل على سَهْل هذا الفعل، مع انقباضه عن الناس وانزوائه عنهم، ميلاً منه إلى اليأسِ، وإيثاره الخمول، وتركه الفضول، إلا لإحياء أبي داود الحديث والشرع الشريف بالبصرة، عقيب ما جرى عليها من الزُّنوج القائمين مع القرمطي وخرابها، وقتل علمائها وأعيانها ما جرى، واشتهر عند الخاص والعام من الورى، وإتيان الموفق إليه (قلنا: هو الأمير أبو أحمد طلحة بن المتوكل بن المعتصم أخي الخليفة المعتمد على الله، وكان أميراً بطلاً شجاعاً كبير الشأن ذكره الذهبي في "تاريخ دول الإسلام" وفيات ثمان وسبعين ومئتين) وسؤاله إياه التوجه في الانتقال إليها ليُرحَل إليه، ويُؤخذ عنه كتابُه في السنن وغير ذلك من علومه، وتتعمّر به كما تقدم فيما أمليناه، إذ تحقق أن مقامه بها وكونه بين أهليها يقومُ مقام كُماة أنجادٍ، وحُماة أمجاد، وقليل ما فعله سهلٌ في حقه، حين رأى الحق المستحق
…
وفضائل أبي داود كثيرة ورُتبته بين أهلِ الرتب كبيرة.
وقال أبو طاهر أيضاً: وكان رحمه الله في زمانه يراجَع في الجرح والتعديل، ويدوَّن كلامه ويُعوَّل عليه غايةَ التعويل. وقال أيضاً: كان على علم بالرجال، وفي معرفة الحديث وروايته جبلاً من الجبال
(1)
.
(1)
أبو طاهر السِّلفي في مقدمته على شرح الخطابي "معالم السنن" 4/ 370 - 371 و372.