المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: سيماء الصورة في التدافع الحضاري - سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة

[فريد الأنصاري]

الفصل: ‌المبحث الأول: سيماء الصورة في التدافع الحضاري

‌الفصل الثاني: المرأة وسيماء الصورة

‌المبحث الأول: سيماء الصورة في التدافع الحضاري

ونعني بسيماء الصورة هنا صورة الجسم. فكل الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، المتعلقة بلباس المرأة؛ إنما هي راجعة إلى الأصل الأول المبين في الفصل الأول. أي سيماء النفس. فوجب أن تكون الصورة خادمة للنفس وليس العكس، كما هي فلسفة الحضارة المادية في الغرب اليوم!

الصورة سيماء حضارية:

يخطئ الذين يظنون أن الصورة -بما تحمله من ألبسة وعلامات- محايدة لا انتماء لها. بل هي رمز خطير من أهم رموز الانتماء الحضاري! إنها تعبر عن تصور ما للحياة والوجود والمصير بصورة واعية، أو غير واعية.

إن العري في الغرب اليوم، عري الرجل والمرأة كليهما، صورة تعبر عن فلسفة حضارية! فأروبا وسليلتاها: أمريكا وأستراليا، تختزن مضمونا وثنيا قديما، يرجع إلى العهد اليوناني القديم. لقد انهزمت المسيحية يوم تبناها قسطنطين إمبراطور روما، فانتقلت من الشرق مهدها الأول إلى الغرب؛ ذلك أن الغرب لم يستطع أن يتخلص من فكره الوثني القديم. فبدل أن تتمسح أروبا توثنت المسيحية! أو بدل أن (تتنصر روما ترومت النصرانية) كما قال بعض مؤرخي الملل والنحل من المسلمين. وهذه أعظم مصيبة في تاريخ الديانة المسيحية! لقد فقدت طبيعتها الروحية إلى الأبد! قال ابن كثير رحمه الله:(ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له (قسطنطين)، فدخل في دين النصرانية.

ص: 48

قيل: حيلة؛ ليفسده، فإنه كان فيلسوفاً، وقيل: جهلاً منه، إلا أنه بدَّل لهم دين المسيح وحرَّفه، وزاد فيه ونقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة، وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصلوا له إلى المشرق، وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع، وزاد في صيامهم عشرة أيام؛ من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون، وصار دين المسيح (دين قسطنطين)!) (1)

إن الفنان اليوناني القديم الذي لا يجد حرجا في رسم أو نحت الصورة عارية تماما، مع العناية الشديدة في نقش الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، في التماثيل والصور؛ إنما يستجيب لطبيعة الفلسفة الإغريقية القديمة. فكل ذلك له دلالة التفسير المادي للحياة، والتصوير الغرائزي للإنسان! وهو حس وثني غليظ، بمقتضاه عبد الإنسان الشهوات السلطانية والمالية والجنسية، سواء في عهد الفراعنة في مصر، أو في عهد اليونان القديم، حيث الآلهة هي مرجع التفكير، والاعتقاد الفلسفي والاجتماعي لدى الإنسان. ولذلك كان العهر جزءا من فلسفة اليونان، وجزءا من قيمهم الدينية. وقد فصل العلامة المودودي في كتابه "الحجاب" هذا المعنى بما يكفي، لكنا نقتطف منه قوله رحمه الله: (وتبدلت مقاييس الأخلاق عندهم، إلى حد جعل كبار فلاسفتهم، وعلماء الأخلاق عندهم؛ لا يرون في الزنى وارتكاب الفحشاء غضاضة، يلام المرء عليها ويعاب! (

) وانتشرت فيهم عبادة أفروديت " Aphrodite" التي كان من قصتها عندهم في الأساطير " Mythology" أنها خادنت ثلاثة آلهة، مع كونها زوجة إله خاص! وأيضا كان من أخدانها رجل من عامة البشر، علاوة على تلك الآلهة. ومن بطنها تولد كيوبيد " Kupid" إله الحب! نتيجة اتصالها بذلك الخدن البشري!) (2).

(1) تفسير ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} الآية: (آل عمران:55).

(2)

الحجاب: 15. وانظر تفاصيل هذه الفلسفة فيما بعدها من صفحات!

ص: 49

إن هذا المضمون -مع الأسف- لم تستطع المسيحية في أوروبا أن تقضي عليه، وإنما تكيفت معه وتبنته؛ استجابة لمحاباة الإمبراطور من جهة، واستجابة للعرقية الغربية اليونانية القديمة من جهة أخرى. ولكن الذي حدث هو تحول الأوثان من صورة إلى صورة! فبدل أن تصور الآلهة اليونانية شرعت في تصوير الآلهة المسيحية! فظهرت صورة العذراء وصورة المسيح عليه السلام -زعموا- وصور القديسين! وأثقلت بها الكنائس في كل مكان! وصار للمسيحية تجل وثني مع الأسف! هو الذي تطور ليعري الصورة البشرية الحية في الغرب اليوم كاملة! فتوجهت العقلية الغربية إلى التعري في كل مجالات الحياة! ومن هنا شهد الغرب ثقافة العري، التي طبعت أدبه وفنونه. ومن ثم صدرها إلينا مع المثقف العربي المصنوع على النمط الأوروبي!

ولذلك فليس عبثا أن يتجه الفن الإسلامي في العمارة إلى التجريد بدل التجسيد! من خلال اعتماد الخط العربي في الزخرفة والتعبير، والأشكال الهندسية الانحنائية، المتكاتفة والمتعاطفة، نقوشا وأسوارا وأزقة، كتعاطف المصلين في الصف خلف الإمام. ثم الأشكال التجريدية في الأعمال من صيام وقيام. كل ذلك لأن التجريد هو الفضاء الأقدر على التعبير عن عقيدة التوحيد.

إن حركة العري الجنسية في الغرب اليوم ما هي إلا امتداد طبيعي للانتماء الحضاري اليوناني القديم! فهي تحمل في طياتها تقديس الشهوات، وعبادة الملذات. وبذلك صار للجسم/الصورة سلطة كبرى في بناء التصورات وصناعة القرارت، في السياسة والتجارة والإعلام! وتلك هي الوثنية في صورتها الجديدة!

الصورة سيماء إعلامية تجارية:

وبهذه الخلفية الحضارية وُظِّفَتْ صورة المرأة، كاسية أو عارية، في الثقافية الإعلامية الغربية، فكانت بذلك رمزا لترويج السلع والبضائع، والمنتوجات

ص: 50

المختلفة، من خلال أبعاد صورتها الجسمانية، وما يتداعى عنها من غرائز جنسية، تستدعيها في نفسية المشاهد والمتلقي؛ ليكون بعد ذلك أحد المستهلكين للبضاعة، التي مرت إلى عقله عبر قناة الجسد، جسد المرأة المشتهى!

إن هناك شيئا يمكن تسميته بعلم النفس التجاري! لكنه (علم) -إن صحت العبارة- نشأ في بلاد لا تعرف معنى لمفهوم الحرام! بل إنما تفتقت عنه عبقرية الشيطان اليهودي أساسا؛ ولذلك فقد جاء يحمل كل خصائص الرأسمالية المتوحشة. فصار صناعةً تستغل كل شيء، وتضحي بأي شيء: الدين والأخلاق والأعراض والقيم الإنسانية جملة؛ من أجل الوصول إلى غاية واحدة: هي الربح! فكان أن وظف السيمياء الأكثر تأثيرا في نفسية المستهلك الشهواني، وهي: جسد الأنثى، في صورته الجنسية!

فكانت هذه الصورة -مع الأسف- هي القناة الإشهارية الأولى، لكل البضاعة العالمية، من السيارة حتى الحذاء! ولم تعد صورة المرأة في الواقع النفسي التجاري العالمي؛ تتجاوز معنى مومياء البلاستيك المعدة لعرض الأزياء على قارعة الطريق!

والصورة سيماء سياسية: وبنجاح السيماء التجارية في استغلال جسد المرأة بأبعاده الجنسية؛ انتقلت العدوى إلى مجال التدافع السياسي الصرف خاصة في الوطن العربي والإسلامي اليوم، حيث توظف الصورة العارية من خلال الأدب، والثقافة، والفن السينمائي، والمسرحي، والألبوم الغنائي، والموديل الفتوغرافي، وموضة الشارع المتحركة، حتى نمط العمل الإداري! كل ذلك لتدمير بنية التدين في المجتمعات الإسلامية، هذه البنية التي تعتبر خميرة ما يسمى (بالإسلام السياسي) باصطلاح أعدائه، أو (الصحوة الإسلامية)، أو (حركة تجديد الدين)، باصطلاح أبنائه. لقد استُغل السلاح النسوي استغلالا خطيرا، في إعادة صياغة الأسرة؛ وفق المقياس الأوروبي وقيمه الحضارية،

ص: 51

ونقض أصول بناء الأسرة في القرآن بالتدريج. كل ذلك يحصل اليوم من خلال وسائل من أخطرها التطبيع على تداول الصورة العارية كموضة متحركة في بنية المجتمع العربي والإسلامي! (1)

والصورة سيماء قرآنية:

ومن هنا لم تكن عناية الإسلام بالصورة الجسمية فارغة من أي مضمون، أو مجرد شكليات، وجودها كعدمها، كلا! بل هي أيضا تعبر عن انتماء حضاري، وموقف عقدي، ورؤية وجودية. إنها عمق مذهبي، والتزام ديني (2). ولذلك فليس عبثا أن تجد القرآن نفسه وهو أعظم مصدر ديني في الإسلام ينص على قواعد اللباس، وقواعد التصرف الصوري (نسبة إلى الصورة)، على سبيل الإلزام حينا، وعلى سبيل الإرشاد حينا آخر.

إن رمزية اللباس في الإسلام تنطلق مرجعيتها من قصة خلق آدم عليه السلام وزوجه حواء. حيث كان لباس الجنة رمزا للرضى الإلهي، وبمجرد ارتكابهما للخطيئة تحول ذلك إلى عري! فالعري هو رمز التمرد على الخالق. إنه إذن رمز الشيطان! قال عز وجل:{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه:117 - 122). إن هذه الآيات تلخص قصة اللباس كيف بدأ في تاريخ الإنسان وفي تاريخ الدين كله. فآدم عليه السلام وزوجه

(1) ن. ذلك مفصلا في كتابنا: الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب.

(2)

يقول الدكتور أحمد الأبيض التونسي: (إن الدعوة للتمسك بالزي الإسلامي ليست دعوة شكلانية ظاهرية؛ لإيماننا أن اللباس ليس غلافا خارجيا للجسد، بل هو كساء للجسد بمجموع القيم والمبادئ التي تحملها ثقافة معينة، ومن خلالها تقرأ الجسد وتُرَمِّزُه) فلسفة الزي الإسلامي: 8 - 9.

ص: 52

كانا على تمام النعمة في الجنة، أَكْلاً وشُرْباً ولباسا. فقوله تعالى:(ولا تعرى) دال على أنه عليه السلام كان يتمتع بلباس الجنة هو وزوجه. قال القرطبي في تفسير هذه الآيات: (فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الكسوة والطعام والشراب والمسكن)(1). وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ({إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى}: إنما قرن بين الجوع والعري؛ لأن الجوع ذل الباطن، والعري ذل الظاهر)(2). وقوله (ولا تضحى) أي لا تتعرض لحر الشمس. فهو في ظلالها وجمالها.

فصرح القرآن العظيم بعلة وسوسة الشيطان لآدم وزوجه؛ أنها الرغبة في تعريتهما التعرية التامة! حتى تظهر لهما سوءاتهما، فيريان ذلك من أنفسهما معا! وليس أبعد في المنكر والخزي من أن يتعرى الإنسان، ويكشف عن عورته على ملأ الناس! إذن تمسخ طبيعته التي فطر عليها، من رتبة الإنسانية إلى دَرَك البهَمِيَّة، كما هي معظم شوارع هذا الزمان وتلفزيوناته! صحيح أن آدم وزوجه إنما كانا وحيدين في جنسهما آنذاك. إذ هما أول الخلق البشري. ولكن قصة آدم إنما كانت لوضع أصول التربية الفطرية للإنسان، والعهد إليه بميثاقها.

فالشيطان سعى قصدا لنقض هذه المقاصد، وتعرية الإنسان وتطبيعه على التعري، وخرق الحياء كقيمة إنسانية. ولذلك قال عز وجل في سورة الأعراف مبينا: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلَاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ

(1) الجامع لأحكام القرآن: ج 11/ 253

(2)

مختصر تفسير ابن كثير للصابوني:3/ 168. طبعة دار الفكر بيروت.

ص: 53

الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ!} (الأعراف:20 - 22).

ومن هنا كانت الآية البصيرة -وكل آيات القرآن بصائر- الآية التي تحكم منطق اللباس في الإسلام، وتوجهه، وتمنحه مضمونه المقاصدي بالشمول الكلي، تحيل تعليل فطرة اللباس وطبيعته الإسلامية على قصة آدم نفسها، لكن بوضوح أبين، ودلالة أقوى، وهي قوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا. وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ. ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا. إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:26).

والذي نفسي بيده! لو أبصرت النساء اليوم هذه الآية وحدها لكفتهن! ولكن أكثرهن -مع الأسف- هن كما قال الله تعالى عَمْياوَاتُ البصائر: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ!} (الأعراف:198).

ومن جمالية التعبير القرآني بهذه الآية البصيرة؛ أنه تعالى ذَكَر لباس الثياب، ثم كنى عنه بالريش؛ وذلك لما للطائر من جمال إذ ينطلق بريشه محلقا في الفضاء، أو مستقرا على الشجر، أو ماشيا على الأرض. وما أتعسه من طير فقد ريشه! أو نتفه من يعذبه به! ألا ذلك هو العذاب الأليم! وقرن تعالى هذا كله بلباس التقوى، وإنما القصد (بلباس التقوى) صلاح النفس، لا اللباس المادي الظاهر، ولكنه هنا سيق ليكون هو غاية اللباس المادي في الإسلام، والمقصد الأساس من تشريعه. فإنما اللباس ما عبر عن ورع صاحبه وتقواه، ذكرا كان أم أنثى.

ومن ثَمَّ كان العهد الذي أخذه الله على الإنسان، بعدم عبادة الشيطان؛ يعود بنا إلى قصة العري والعصيان الآدمي. وذلك قول الله جل جلاله: {أَلَمْ

ص: 54

أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَاّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (يس:60 - 61). فكان الالتزام باللباس نوعا من الوفاء العَقَدي لعهد الله وعدم الإشراك به، كما كان التعري نوعا من الشرك والوثنية! لما فيه من إبراز وتقديس للجسمانية على حساب الروحانية؛ ومن هنا كانت أحكام اللباس في الإسلام متأصلة في عقيدة التوحيد! وهذا معنى من ألطف ما يكون، وسر من أعجب أسرار القرآن! .. فتدبر!

في هذا الفضاء الكوني القرآني إذن؛ جاءت آية سورة الأحزاب في فرض نموذج لباس المرأة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب:59). وآيات سورة النور التي منها قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31).

وفي هذا الفضاء أيضا جاء تمييز الرجال بألبستهم وصورهم. صحيح أن الإسلام لم يفرض نموذجا عربيا أو عجميا للباس، ولكنه فرض قواعد يجب أن تحترم سواء كان اللباس عربيا أو عجميا. وقد لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم اللباس العجمي وأقره بين الصحابة، كالقَبَاطِي والجبة الرومية، وغير ذلك (1)،

(1) والقَبَاطِي، بفتح القاف، وكسر الطاء، كما هو عند ابن الأثير: جمع قِبْطِيَّة، وهي: ثوب من ثياب مصر القبطية رقيقة بيضاء، كأنها منسوبة إلى القبط. انظر كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر:(حرف الجيم باب الجيم واللام).

وشاهده ما رواه أسامة بن زيد قال: (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له [هرقل] فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُرْهَا فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف حجم عظامها!) رواه أحمد والطبراني قال الهيثمي: (وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات) مجمع الزوائد:5/ 137. وفي سنن أبي داود عن دِحْيَةَ بن خليفة الكلبي أنه قال: (أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباطيَّ فأعطاني منها قبطية فقال: "اصدعها صدعين (يريد شقها =

ص: 55

مادامت تلك الألبسة لا تحمل دلالة دينية رمزية لغير المسلمين من ناحية، وما دامت من ناحية أخرى تستجيب لقواعد اللباس الرجالي في الإسلام.

فالأمر الوارد بإعفاء اللحية بصورة مخصوصة لا بأي صورة، وكذا الأمر بالتزام قواعد معينة عند كل لباس؛ كل ذلك يخدم هذه الأصول التشريعية والعقدية المنطلقة من قصة آدم، والساعية إلى تمييز الإنسان المسلم عن عالم الخطيئة والعصيان الشيطاني، الذي انحدرت إليه أمم المجوس وأهل الكتاب من اليهود والنصارى. فقوله صلى الله عليه وسلم مثلا:(خالفوا المشركين! أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى!)(1) وفي رواية لمسلم: (خالفوا المجوس)؛ ليس لتشكيل صورة قائمة على مجرد فن الديكور! كلا! بل هو لتمييز الصورة الإسلامية في سيميائها الحضارية، وانتمائها العقدي. إنها تعبير عن التبرؤ من النموذج الشيطاني الذي جر إليه إبليس اللعين الأمم الضالة لتغيير خلق الله، بما حكى عنه القرآن العظيم مفصلا بشكل عجيب! قال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا. لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا.

= نصفين)، فاقطع أحدهما قميصاً، وأعط الآخر امرأتك تختمر به" فلما أدبر قال:"وامر امرأتك أن تجعل تحته ثوباً لا يصفها"). رواه أبو داود.

وعن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة رومية ضيقة الكمين) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. كما رواه بصيغ أخرى الإمام النسائي والبيهقي والطبراني. وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليه جبة رومية من صوف، ضيقة الكمين، فصلى بنا فيها، ليس عليه شيء غيرها!) وقال ابن حزم: (والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه؛ لقول الله تعالى: "خلق لكم ما في الأرض جميعا". وقد صح أن رسول الله صلى في جبة رومية. ونحن على يقين من طهارة القطن، والكتان، والصوف، والشعر، والوبر، والجلود، والحرير للنساء، وإباحة كل ذلك. فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق إلا بدليل من نص قرآن، أو سنة صحيحة! قال تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم"، وقال تعالى: "إن الظن لا يغني من الحق شيئا") المحلى: 4/ 75.

(1)

متفق عليه

ص: 56

وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (النساء:117 - 119).

ومن ذلك حديث أبي أمامة قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: "يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب! " قال: فقلنا: يا رسول الله! إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون؟ فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب! " قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يَتَخَفَّفُونَ ولا ينتعلون! (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب! " فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عَثَانِينَهُمْ (يعني: لحاهم) ويُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ (يعني: شواربهم)! قال: فقال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم: "قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم! وخالفوا أهل الكتاب!) (2).

وبهذا القصد نهى الرجال عن إسبال الثوب، وإرخائه إلى ما تحت الكعبين من الأقدام؛ لما كان يدل عليه من خيلاء وكبر في عادات العرب، فقال صلى الله عليه وسلم:(ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار!)(3). وقال صلى الله عليه وسلم مبينا علة ذلك: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)(4). ولنكتف بهذه الإشارات فيما يتعلق بسيمياء اللباس لدى الرجل؛ حتى لا نخرج عن غرض هذا الكتاب المتعلق بسيمياء المرأة على الخصوص. وإنما القصد أن نبين أن اللباس عموما في الإسلام، سواء منه ما تعلق بالرجال، أو ما تعلق بالنساء؛ له دلالة سيميائية

(1) تَخَفَّفَ: لبس الخُفَّ، وهو: جلد يلبس للقدمين كالجوارب.

(2)

رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم، وهو ثقة وفيه كلام لا يضر.

(3)

رواه البخاري

(4)

متفق عليه.

ص: 57

ترجع في رمزيتها إلى مقاصد دينية تعبدية، تضرب حقيقتها في عمق التصنيف الاعتقادي، وتتشكل صورتها في صلب الانتماء الحضاري، والتميز الثقافي.

العري كبيرة من الكبائر:

فمن هنا إذن؛ كان الوعيد النبوي شديدا بالنسبة للمتعريات من المسلمات، ففي هذا الإطار السيميائي، والسياق الحضاري؛ جاءت الأوامر القرآنية والنبوية بالتزام صورة معينة للباس لدى النساء. وأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم إنكارا رهيبا تعري المرأة. والعجيب أن ذلك الإنكار تعلق بصورة (كاريكاتورية) للباس المرأة؛ لم تكن قد ظهرت في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولا عرفتها العرب. وإنما حدَّث عنها عليه الصلاة والسلام مطلا على المستقبل من مشكاة النبوة، ومستبصرا للغيب، مما علمه الله. أي أنه كان يقرأ زماننا ويبصر عري نسائنا من قمة زمانه صلى الله عليه وسلم! فأنكر ذلك المستقبل الماضي في علم الله، وحذر من مجاراته والافتتان به؛ لِمَا عَلِم عليه الصلاة والسلام من انتسابه الشيطاني، وتمرده على رب الكون! فرتب عليه وعيدا شديدا من عذاب الله! وتلك صفة كبائر الذنوب عموما في الإسلام، والسياق قاطع بأن هذه منها! وقد اشتهر في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)(1).

فهذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد وصف فيه ما لم يره بعين البصر، وإنما رآه بعين النبوة، مما سيكون في آخر الزمان وهو زماننا هذا. فكان وصفه العجيب كأدق ما يكون الوصف؛ لما عليه حال النساء اليوم، مما لم يسبق له مثيل في التاريخ! فهن فعلا كما قال صلى الله عليه وسلم (كاسيات عاريات) بمعنى أنهن يلبسن ما به يكون العري أشد! وهو شيء غريب فعلا. ألا ترى أن نوع

(1) رواه مسلم

ص: 58

اللباس الأنثوي اليوم إنما هو لزيادة بيان تفاصيل العورة، ومواطن الفتنتة من الجسم: خِرَقٌ رقيقة أو ناعمة تكشف وتشف، أو ترسم هيأة البدن على التمام والكمال، وتعري بعضه أو أغلبه تعرية تامة. فإذا المرأة في الشارع تسير عارية تماما! إنها لو خرجت بلا ثوب مطلقا لما فتنت كما تفتن الآن بقليل اللباس، مما يكون به عرض مواطن الفتنة في الجسم على أبين وجه، وعلى أدق توصيف! فأي شيطان هذا الذي يملي هندسة الشر على منتجي الموضة في العالم؟ ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (كاسيات عاريات!)

ثم إنهن بعد ذلك (مائلات مميلات)، ومعناه أنهن مائلات عن الصراط المستقيم أولا، ثم هن مائلات في مشيتهن بالطرقات، يَسِرْنَ بنوع من الانحناء إلى شمال تارة، وإلى يمين تارة أخرى؛ إمعانا في عرض أجسامهن العارية بأوضاع مختلفة، في المعرض المفتوح لأجساد النساء! ماذا بقي بعدُ من الكرامة لهؤلاء؟

وأما كونهن (مميلات) فهو أنهن يملن أعطافهن وأردافهن -إذا مشين- بتكسر ماجن، وتعهر فاضح. و (الإمالة) أيضا هي أثر ذلك كله على قلوب الشباب خاصة، وقلوب الرجال عامة، من التأثير الشيطاني والغواية الإبليسية، التي تميلهم عن الصراط المستقيم، وتخرجهم عن سبيل الهدى إلى سبل الضلال، وتخرجهم من النور الظلمات، أو من الظل إلى الحرور!

ثم هن كما قال صلى الله عليه وسلم: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)، ومعناه أن طريقة قص شعرهن، وشكل حلاقته؛ تجعل رؤوسهن أشبه ما تكون بأسنمة البُخْت المائلة. والبُخْت: جمع بُخْتِية، وهي الناقة. لكنها نوع خاص من الإبل، مُنَسَّلَةٌ من الجِمال العجمية. والأسْنِمَةُ: جمع سنام، وهو ذروة الناقة. وكثيرا ما تكون ذروة الناقة، أو الجمل؛ فعلا مائلة إلى جانب معين، ثائرة الوبر، متناثرة الشعر، بشكل وحشي، أو قل (فوضوي) بالمعنى الفني المعاصر للكلمة! أليس النساء هن كذلك فعلا؟ بلى والله! وبالضبط كما وصفهن

ص: 59

النبيُّ! فَعُدَّ أنواع القَصَّات في حلاقة الموضة الجهنمية اليوم! لترى مدى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في الوصف الاستبصاري النبوي! عُدَّ إذن: القَصَّةَ المربَّعة! وقَصَّةَ الفرس! وقَصَّةَ الفتى! (للبنات طبعا!) والقَصَّةَ الإيطالية! والقَصَّةَ الوحشية

! إلى آخر ما في جعبة إبليس من تحليقات شيطانية! ذلك هو والله وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لهن: (رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)! وصدق نبي الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا أضفت إلى هذا ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في بداية هذا الحديث، وهو الصنف الأول من أهل النار، أي:(قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ!) رأيت ما يسمى في العصر الحديث بـ (قوات مكافحة الشغب)، ورأيت (جلادي السجون)، وشرطة الاختطافات والاستنطاقات القسرية، ورأيت كيف يحملون معهم هراواتهم وسياطهم، وسائر أدوات التعذيب الميكانيكية والكهربائية؛ لتحطيم جماجم المستضعفين، وتهشيم عظام المظلومين في كثير من بلاد العالمين! مما لم يدر بخلد شياطين العهد النبوي! إذا أضفت ذلك إلى ذلك؛ علمت دقة التصوير النبوي لمدى خطورة الانحراف الذي عليه المرأة المسلمة اليوم!

فاقرئي الحديث -بنيتي- مرة أخرى، وتدبري! أليس كان عليه الصلاة والسلام ينظر إلى زماننا هذا بالضبط، وبدقة متناهية؟ أليس كان ينظر من مشكاة النبوة إلى غيب يبعد عنه صلى الله عليه وسلم بأزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان؟ بلى والله! وقطعا ستصدق نذارته كما صدقت نبوته. وإنما نذارته هنا هي قوله عن الفريقين: إنهم جميعا: (صنفان من أهل النار)، وأن النساء الكاسيات العاريات:(لَا يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)! أي أنه كان يصف البعد الرهيب الذي يفصل بين هؤلاء النسوة وبين ريح الجنة؛ لِمَا هن هاويات فيه من دركات الجحيم الضاربة في أعماقها والعياذ بالله!

ص: 60

ولقد روي هذا المعنى بنبوءات أخرى عجيبة، في أحاديث صحيحة، تتحدث عن موديلات السيارات الفاخرة، التي تركبها النساء العاريات! فأبصَرَ منها النبي صلى الله عليه وسلم لقطة فيها من التناقض السلوكي، والانفصام النفسي والاجتماعي؛ ما نراه اليوم عيانا! وهو ذهاب هؤلاء الكاسيات العاريات مع أزواجهن إلى المساجد للصلاة أحيانا! زعموا! وهو ما يقع خاصة يوم الجمعة، وأحيانا لا يذهبن للصلاة، وإنما يتبعن موكب العرسان، على عادة بعضهم في إدخال العريس إلى المسجد، في جوقة من الزغاريد والغناء، والعري الفاضح الماجن. وهذا أمر نشاهده اليوم في مصيف الأعراس، في بعض المساجد المغربية! وهو من أقبح البدع وأسوئها! اقرأ هذا الحديث النبوي العجيب، وانظر إلى تلك السيارات الموصوفة منذ أزيد من أربعة عشر قرنا من الزمان! قال صلى الله عليه وسلم:(سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف! العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم! كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم)(1).

وروي بلفظ آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المَياثِرِ (2)؛ حتى يأتوا أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات! لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمتهم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم!) (3)

(1) رواه أحمد وابن حبان والطبراني في الثلاث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/ 137: (رجال أحمد رجال الصحيح. وعبارة الطبراني قال: (سيكون في أمتي رجال يُركبون نساءَهم على سروج كأشباه الرحال) ".

(2)

المَيَاثِر: جمع مَيْثَرَة، وهي الأريكة الفخمة. والمقصود هنا أريكة السيارة.

(3)

رواه الطبراني والحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.

ص: 61