الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الترخيم بحذف حرفين وشروطه
* ترخيم المركب ترخيم الجملة
* اللغات في آخر المرخم
* ترخيم غير المنادى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ما زال الحديث في باب التَرخِيم، وقلنا:(المُرَخَّم) على أربعة أنواع:
النوع الأول: ما يُحْذَف منه حرفٌ واحد، وهو الذي أشار إليه بقوله:
(وَجَوِّزَنْه مُطْلَقاً فِي كُلِّ مَا أُنِّثَ بِالهَا) ثُمَّ قال:
.................. وَاحْظُلَا
إِلَاّ الرُّبَاعِيَّ ..............................
…
تَرْخِيمَ مَا مِنْ هَذِهِ الْهَا قَدْ خَلَا
.....................................
ذَكَر نوعين:
النوع الأول: كل منادىً اتصلت به تاء التأنيث، حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف التاء نفسها، وما قبل التاء قال:(وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحَذْفِهَا) حذف الهاء (وَفِّرْهُ بَعْدُ) يعني: بَعدَ حذْفها (وَفِّرْهُ) أبقه على ما هو عليه، هذا النوع الأول.
ثم قال: (وَاحْظُلَا) أي: امنَعن، (ترخيم ما قد خلا من هذه الهاء) كـ:(سُعاد وزينب) مثلاً، فهذا الأصل فيه: المنع، إلا ما استوفى أربعة شروط: أن يكون رباعياً فما فوق .. أن يكون علماً، وأن يكون غير مُرَكَّبٍ تركيباً إضافياً ولا تركيباً إسنادياً، فإذا وجِد في الاسم مُستكملاً لهذه الشروط الأربعة جاز ترخيمه وإلا فلا، وذكرنا محترزات الشروط السابقة.
ثُمَّ شَرَع في النوع الثاني: وهو ما يُحْذَف منه حرفان.
الترخيم قلنا: على أربعة أقسام، النوع الأول: ما يُحْذَف منه حرفٌ واحد، والنوع الثاني: ما يُحْذَف منه حرفان، قال:
وَمَعَ الآخِرِ احذِفِ الَّذِيْ تَلَا
…
إِنْ زِيدَ لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلَا
أَرْبَعَةً فَصَاعِداً وَالْخُلْفُ فِي
…
وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي
(وَمَعَ الآخِرِ احْذِفِ) .. (واحذف مع الآخر)(الَّذِي تَلَاه) يعني: تلاه الآخر.
(احْذِف): هذا فعل أمر هنا للوجوب، يعني: ليس على جهة الجواز، بل هو أمرٌ واجب، (احذف مع الآخر في الترخيم).
(وَمَعَ الآخِرِ) يعني: مع حذف الحرف الآخر في الترخِيم احذف وجوباً الحرف الذي تلاه، (تلا .. تلاه الآخر) يعني: الحرف الذي قبل الأخير احذفه معه، يعني: تَحذف الحرف الأخير والذي قبله، هنا على حذف موصوفات.
(وَمَعَ الاخِرْ) يعني مع حذف الحرف الآخر في الترخيم السابق، احذف وجوباً الحرف الذي فـ:(الَّذِي) هذا صفة لموصوفٍ محذوف، أي: الحرف الذي (تَلَا)(تلا الآخر هو .. إياه) يعني: تلاه، فالضمير العائد على الاسم الموصول محذوف، والضمير المستتر الفاعل يعود على (الاخِرْ).
و (مَعَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (احْذِفِ)، وهو مضاف و (الاخِرْ) مضافٌ إليه، (احْذِفِ الَّذِي)(الَّذِي) هذا مفعول به، وجملة (تلاه) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أي: الذي تلاه الآخر، وهو ما قبل الآخر، لكن ليس مطلقاً قال:(إِنْ) يعني: بشروطٍ أربعة:
(إِنْ زِيدَ) .. إن كان زائداً لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلَا .. أَرْبَعَةً فَصَاعِداً
إن وُجِدَت فيه هذه الشروط الأربعة وجب حذف ما قبل الآخر مع الآخر، (إِنْ زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة:(زاد .. زِيد)(زيد هو) يعني: الذي تلاه الآخر، (إِنْ زِيدَ) إن كان زائداً.
(لَيْناً) يعني: حرف عِلَّة وليس بصحيح، (سَاكِناً) لا مُتحرِّكاً، (مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِداً) حينئذٍ جاز أن يُحْذَف مع الآخر.
قوله: (إِنْ زِيدَ) أي: إن كان ما قبل الآخر حَرفاً زائداً، و (زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة .. فعل الشرط، (إِنْ زِيدَ) يعني: إن كان ما قبل الآخر زائداً، فإن كان أصلياً لم يَجُز حذفه، ولو كان ظاهره ليناً ساكناً، وهذا فيما إذا كان في الأصل عيناً ثم قُلِبت ألفاً نحو:(مُختار)، قالوا:(مختار) لا تُحذف الألف هذه، ولو كانت ليْناً ساكناً مُكمِّلةً أربعة، نقول: هذا لا يجوز حذفه، لأن هذه الألف عين الكلمة:(مُختيَر .. مُفتعل) هذا الأصل، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقُلِبت ألفاً.
إذاً: إذا كان أصلياً لا يُحْذَف، نحو:(مُختار) ومثله: (مُنْقاد .. قاد يقود .. مُنْقَوَد) هذا الأصل. علمين لأن الألف فيهما مُنقَلبة عن عين الكلمة فتقول: (يا مختا .. يا منقا) مثل: (يا سعا .. سُعاد .. يا سعا) فيُحْذَف منه حرفٌ واحد ولا يُحذف الذي تلاه الآخر، لماذا؟ لأن شرط جَواز حذف ما قبل الآخر: أن يكون زائداً، فإذ كان أصلياً ولو في ظاهره ليناً ساكناً مُكمِّلاً أربعةً فصاعداً، نقول: لا يجوز حذفه، لأن الأصلي أصلي كاسمه، حينئذٍ لو رُخِّم بِحذف الأخير وهو حرفٌ أصلي، لا يُحْذَف معه الحرف الذي قبله، وإنما يُتَوسَّع في اللين الساكن، وأما الصحيح فلا.
إذاً: (مُختار) نقول: هذه الألف جاءت رابعة وهي حرف لين وساكن، لكنه لا يُحْذَف لكونه مُنقلباً عن عين الكلمة، وعين الكلمة أصليه:(مختيَر .. منقود) فإذا رخَّمته وهو عَلَم تقول: (يا مختا .. يا منقا) بِحذف الراء فقط.
(إِنْ زِيدَ لَيناً)، (زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة، والضمير المستتر نائب فاعل، (لَيناً) هذا حالٌ منه، إن زيد الحرف الذي قبل آخره .. الذي تلاه الآخر، زيد حال كونه ليناً، (سَاكِناً) نعت له .. نعتٌ أول، (مُكَمِّلاً) هذا نعتٌ ثاني.
(إِنْ زِيدَ لَيناً) أي: حرف لين، وهو الألف والواو والياء، يعني: أن يكون ألفاً، أو واواً، أو ياءً، بشرط ألا يكون الألف مثلاً مُنقَلباً عن واوٍ أصلية أو ياء أصليه كما الشأن في (مختار) و (منقاد)، فإن كان صحيحاً لم يُحْذَف، سواءٌ كان مُتحرِّكاً نحو:(سَفَرْجَل) إذا رُخِّم (سَفَرْجَل) يقال: (سَفَرجُ .. سَفَرجَ) بحذف اللام فقط، ولا يجوز حذف الجيم معه، لأنه ليس بِحرف لين بل هو حرفٌ صحيح.
أو ساكناً نحو: (قِمَطْرٌ) نقول: يُحذف الراء فقط (يا قِمَطْ) ولا يجوز حذف ما قبل الآخر، فتقول:(يا سَفَرجُ .. يا سَفَرجَ) و (يا قِمَطْ .. يا قِمَطُ) خلافاً للفراء في (قِمَطْرٌ) فإنه يجيز: (يا قِمْ .. قِمَ .. يا قِمُ) يُجوِّز فيه حذف الحرفين.
إذاً: (إِنْ زِيدَ لَيْناً) أي: حرف ليْن وهو الألف والواو والياء، فإن كان صحيحاً مُتحرِّكاً أو ساكناً لم يَجُز حذفه.
(إِنْ زِيدَ لَيناً سَاكِناً) فإن كان مُتحرِّكاً لم يَجُز ولو كان حرف علَّةٍ: واو أو ياء .. فإن كان مُتحرِّكاً لم يُحْذَف، نحو:(هَبَيَّخ) عندنا ياءان: الياء الثانية مُحرَّكَة لأن الأولى مُدْغَمة فيها، حينئذٍ نقول: ليست بساكنة فلا يَجوز حذفها، (قنَّوَّر) نقول: الواو مُشدَّدة، حينئذٍ الواو الثانية لا يجوز حذفها لأنها مُتحرِّكة، وشرط الحذف: أن تكون ساكنة، (هَبَيَّخ) قيل: الغُلام السمين الممتلي، و (قنَّوْر) بِزنة:(سَفَرْجل): الصعب اليبوس من كل شيء.
(مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِدَاً) إن كان ثلاثياً فلا يجوز الحذف منه البتَّة، ولو كان الألف .. ولو كان ما قبل الأخير واواً، أو ياءً، ساكناً وهو حرف ليْن، فلا يجوز حذف الثالث، خلافاً للفراء، كما في نحو:(ثَمُود) وقَعَت الواو هنا ثالثة لا رابعة، والشرط: أن يَقَع حرف اللين رابعاً، وليس المراد: رُباعي الكلمة، ثُمَّ قَدْ يتلوه حرفٌ أو حرفان، فـ (ثمود) لا يصح تَرخِيمه بحذف حرفين، وإنما بحرفٍ واحد، لماذا؟ لكون الواو هنا وقعت ثالثةً، والشرط أن تقع رابعةً فصاعداً.
حينئذٍ يُقال: (يا ثَمُو، أو: يا ثَمِي) إذاً لا يُحْذَف منه الواو، وإنما يُحْذَف منه الدال فقط، فيقال:(يا ثَمُو) بحذف الدال.
وكذلك: (عِماد) يُقال: (يا عِما) لا يقال: (يا عم) وكذلك: (سعيد) يُقال: (يا سَعي) ولا يُقال: (يا سع) لكون الياء وقعت ثالثة، والشرط أن تقع رابعةً.
إذاً: بهذه الشروط الأربعة يَجوز الحذف .. حذف حرفين .. أن يكون الترخيم بحذف حرفين، مثل:(منصور) وقعت رابعة وهي زائدة، لأنه على وزن (مفعول) وكذلك ساكنة، حينئذٍ تقول:(يا منْصُ) بحذف الواو والراء، فَرُخِّم بحذف حرفين، هذا في الرباعي.
(فَصَاعِدَاً): فذهب العدد صاعداً، هذه حالٌ .. منصوبٌ على الحالية، (فَصَاعِدَاً) مثل:(مَصَابِيح) .. عَلَم، إذا جَعَلته عَلَماً وقعت خامسة هنا، فتقول:(يا مَصَابِ .. يا مَصَابُ) بحذف الياء والحاء، تحذف حرفين (يا مصابيح .. يا مَصَابِ .. يا مَصَابُ).
والسادس نحو: (اسْتِخْرَاج)، لو سُمي رجل بـ (اسْتِخْرَاج) وقَعَت الألف خامسة، حينئذٍ تَحذف الألف والجيم تقول:(يا اسْتِخْرِ .. يا اسْتِخْرُ) على اللغتين، إذاً:
وَمَعَ الآخِرِ احذِفِ الَّذِيْ تَلَا
…
إِنْ زِيدَ لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلَا
أَرْبَعَةً فَصَاعِداً ..........
…
....................................
يجب أن يُحذف مع الآخر ما قبله إن كان زائداً ليِّناً، أي: حرف ليْنٍ ساكناً رابعاً فصاعداً، وذلك نحو:(عثمان) و (منصور) و (مسكين) و (شِملال) و (قنديل) و (أسماء):
يَا أَسْمُ صَبْراً عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ ..
(يا أسمُ .. يا أسماء) حُذِفت الألف والهمزة، هذا مستوفٍ للشروط.
يَا أَسْمُ صَبْراً عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ ..
(مروان .. يا مَرْوُ .. يا مَرْوَ):
يَا مَرْوَ إِنَّ مَطِيَّتِي مَحْبُوسَةٌ ..
إذاً: جاز حذف الألف والنون كما حُذِفت من (أسماء) الألف والهمزة، كذلك:(عثمان) فتقول: (يا أسمُ) .. (يا عثمُ) .. (يا منصُ)(يا مسكُ) .. مسكين لو سُمِي رجل (مسكين) بماذا تُدلِّله؟ (يا مسكُ)، وكذلك:(شِملال .. يا شِملُ) و (قنديل .. يا قندُ) فإن كان غير زائدٍ كـ: (مُختار) أو غير لينٍ كـ: (قِمَطْرٍ) وهو الجمل القوي الضَّخم، والرجُل القصير، أو غير ساكنٍ كـ:(قَنُّور)، أو غير رابعٍ كـ:(مجيد) لم يجز حذفه.
ليس المراد أنه لم يُجز ترخيمه لا، لم يجز حذفه بحرفين، وإنَّما يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحدٍ فحسب، والكلام فيما يُحْذَف مع الأخير ما قبله، وليس فيما يُرَخَّم بِحرفٍ أو لا .. هذا سبق، فكل ما ذُكِر من الممنوع، نقول: يُمْنَع ترخيمه بحذف حرفين، لا أنه لا يُرَخَّم .. لا، يُرَخَّم وإنما بِحذف حرفٍ واحدٍ فتقول:(يا مختا) و (يا قمط) و (يا قنَّو) و (يا مجي .. مجيد) ترخمه: (مجي).
ثُمَّ قال:
. . . . . . . وَالخُلْفُ فِي
…
وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي
(وَالخُلفُ) هذا مبتدأ، (فِي وَاوٍ وَيَاءٍ)، (فِي وَاوٍ) متعلِّقٌ بالخلف لأنه مصدر، (وَيَاءٍ) معطوف عليه، (بِهِمَا فَتْحٌ)، (بِهِمَا) هذا خبر مُقدَّم، و (فَتْحٌ) مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المُقدَّم في محل خفض صفة لواو وياء.
(فِي وَاوٍ وَيَاءٍ) مُحرَّكَين بفتحٍ، (قُفِي) أي: تُبِع، يعني: الخُلْف قفي، هذا خبر المبتدأ.
قوله: (إِنْ زِيدَ لَيناً) يعني: حرف عِلَّة، فيكون ما قبله – يعني: حَرَكَته - من جنس حرف اللين، إن كان واواً يكون ما قبله مضموماً، وإن كان ياءً كان ما قبله مكسوراً، هنا إذا كانت الواو والياء ما قبلهما مفتوح هل يُلْحَق بمثل (منصور) و (سلمان) و (أسماء) ونحو ذلك؟ قال: فيهما خُلفٌ، يعني: فيهما خُلْفٌ بين النحاة، مثل:(فِرْعَون) و (غُرْنَيق) هذا طيرٌ من طيور الماء، طويل العنق.
(فِرْعَون) هل يُرَخَّم أم لا .. هل الواو هذه مثل واو (منصور)؟ الجواب: لا، (منصُور) الصاد مضمومة، إذاً: واوٌ قبلها ضَمَّة، وهنا واوٌ قبلها فتحة، (فِرْعَون) وكذلك:(غُرْنَيْق) ياءٌ قبلها فتحة، ففيه خلافٌ بين النحاة.
فمذهب الفراء والجرمي: أنهما يُعاملان مُعاملة (مسكين) و (منصور) يعني: يُرَخَّمان بِحذف حرفين، يُحْذَف مع الآخر كالذي قبله حركة مُجانسة مثل (منصور) و (مسكين)، فتقول عندهما:(يا فِرْعَ .. فِرْعُ) بالفتح والضم، و (يا غُرْنَ) بِحذف الياء والقاف، و (فرعون) بِحذف الواو والنون.
ومذهب غيرهما من النحوييِّن: عدم جواز ذلك، حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف حرفٍ واحد، فتقول:(يا فِرْعُو) مثل (يا ثَمُو)، و (يا غُرْنَي) بإثبات الياء.
إذاً: إذا كانت الواو والياء مفتوحاً ما قبلهما حينئذٍ فيه خلاف بين النحاة، منهم من جَوَّز ترخيمه بحرفين، ومنهم من لم يُجوِّزه بل أبقاه على أصله: وهو بِحذف حرفٍ واحدٍ.
إذاً النوع الثاني مِمَّا يُرَخَّم: ما يُرخَّم بِحذف حرفين، وهو ما اشتمل على أربعة شروط: أن يكون زائداً، وهذا الزائد يكون حرف ليْن .. ساكناً، وما قبله وحَرَكته مُجانسة له .. مُكمِّلاً أربعةً فصاعداً، يعني: أربعة حروف فصاعداً، حينئذٍ يَجوز ترخيمه بِحذف حرفين .. يكون من النوع الثاني.
(وَالخُلفُ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي) هذا أشار إلى أن حرف اللين إذا لم يَكن ما قبله حركة مجانسة له، هل يُرَخَّم أم لا؟ ففيه مذهبان للنحاة، ولذلك أطلقه الناظم ولم يُرجِّح، (والخلف قفي بواوٍ وياءٍ بهما فتحٌ) الباء للتعْدِية الخاصة مُتعلِّقة بـ:(قُفِي)، فالمعنى: أُتْبِعا الفتح، أي: جُعلا تابعين للفتح، يعني: أن حرف الليْن إذا كان قبله حَرَكة غير مُجانسة له، نحو:(فِرْعُون) و (غُرْنَيْق) ففي حذفهما مع الآخِر خلافٌ بين النحاة.
وَالْعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّب وَقَلّ
…
تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ
هذا النوع الثالث: وهو ما يُرَخَّم بِحذف كلمة وهو العَجُز، وهذا في المركَّب تركيب مزجي أو تركيب إسنادي، فيحذف بِحذف عَجُزه، المركب له صدر وعَجُز، أوله يُسمى: صدراً، وثانيه يُسمى: عَجُزاً .. مُؤخره يعني، حينئذٍ الترخيم يكون بِحذف آخره.
(وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ)، (احْذِفْ العَجُزَ) هذا مفعول مُقدَّم، (مِنْ مُرَكَّبٍ) مُتعلِّق بقوله: احْذِفْ، (احذف أنْتَ العَجُز .. عجز المركَّب)، (مِنْ مُرَكَّبٍ) هذا أشْبَه ما يكون بيان للعجز، من أين؟ (مِنْ مُرَكَّبٍ) تركيب مزجٍ، لأنه كما سبق أن الناظم اشترط:(دُونَ إِضَافَةٍ وَإِسْنادٍ مُتَمّ).
حينئذٍ نقول: احْتَرَز بهذين النوعين عن المركَّب تركيباً مزجياً، (وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ) أطلق المركَّب، واستثنى هناك الإضافي والإسنادي، فَدَّل على أنه أراد هنا المركَّب المزجي، فنحمله على المركَّب المزجي نحو:(بَعْلَبَّك وسيبويه)، (بَعْلَبَّك) هذا مُركَّب من كلمتين:(بَعْل) و (بَكَّ)، إذا أرَدَت الترخيم، قال: احذف العَجُز من المركب الإضافي، فتقول:(بَعْلَ .. يا بعلَ) تحذف (بَكَّ) لأن هذا هو العَجُز و (بَعَل) هو الجزء الأول، و (سيبويه) (يا سِيْبَ) تَحذف (وَيْه) لأنه مُرَكَّبٌ من كلمتين:(سِيْبَ) و (وَيْه) وهذا هو المختوم بـ (وَيْه).
إذاً: نَحو (بَعْلَبَّك) و (سيبويه)، وذكرنا في السابق: أنَّ من شروط الترخيم العام: ألا يكون مبنياً قبل النداء، وهنا جَوَّزوا (سيبويه) حينئذٍ نقول: من جَوَّزه هنا لم يشترط ذاك الشرط هناك .. حذف الشرط، لذلك قُلنا: الشروط الثلاثة الأولى مُتفَق عليها: ألا يكون مندوباً .. ألا يكون مستغاثاً ونحو ذلك.
وأمَّا ألا يكون مبنياً قبل النداء هذا ليس مُتفقاً عليه، فلا اعتراض حينئذٍ، فمن مثَّل بـ (سِيْبَويْه) حينئذٍ نقول: هذا لا يُشترط عنده أن الترخيم لا يدخل ما كان مبنياً قبل النداء، ومن اشترط يَحتمل أنه يُمثِّل به على قِلة، وإذا كان كذلك فيكون نادراً فلا يقاس عليه.
نَحو: (بَعْلَبَّك) و (سِيْبَويْه) فتقول: (يا بَعْلَ) و (يا سِيْبَ)، وكذلك تفعل في المركب العددي، لو سُمي:(خمسة عشر) رَجُل .. عَلَماً، تقول:(يا خمسة) وتِحذف (عشرة)، وكذلك تفعل في المركَّب العددي، فتقول في (خمسة عشر) عَلَماً:(يا خمسة)، إذا قيل:(يا خمسة) حينئذٍ كيف تقف عليه؟ قيل: بهاء السكْتِ: (يا خمسه) في اللغتين: من ينتظر ومن لا ينتظر، إذاً: إذا وقَفْت على المُرَخَّم في العددي تقف عليه بهاء السكْت مُطلقاً، على اللغتين: لغة من ينتظر ومن لا ينتظر.
وأمَّا (بَعْلَبَّك) إذا رخَّمْته هذا فيه تفصيل. و (بَعْلَبَّك) إذا رُخِّم ثُم وقفت: فعلى لغة من ينتظر - يعني: المحذوف - يَجوز أن تقول: (يا بَعْله) بهاء السكْتِ، ويَجوز ألا تأتي بها وتقف بالإسكان، فَعَلى لغة من ينو المحذوف تقول:(يا بَعْله .. يا بَعْلْ) بالإسكان أو بهاء السكْت، وأمَّا على لغة من لا ينتظر المحذوف .. من لا ينوي المحذوف، فيَتحَتَّم الوقف عنده بالإسكان:(يا بَعْلْ) ولا يَجوز أن تأتي بهاء السكْت، لأنه يقول:(يا بَعْلُ) بالضَّمِّ كما سيأتي.
وذهب الأخفش: إلى أنه يُردُّ العَجُز المحذوف من المُرَكَّب المُرَخَّم عند الوقف، فإذا قلت:(يا بَعْلُ .. يا بَعْلَ) حينئذٍ إذا وقفت عند الأخفش تقول: (يا بَعْلَبَّك) تَرُده، كما ذكرناه في التاء هناك .. في الوقف على (فاطمة) .. هل الراجح أن هاء السكْت هي تاء التأنيث رجعت أم لا؟ هنا عند الأخفش يَرى أنه إذا وقفت على المحذوف .. الكلمة الأخير، حينئذٍ تَرْجع كما كانت.
ومنَع الفراء من ترخيم المُرَكَّب العددي إذا سُمِّي به لا يُرَخَّم .. لوسُمِّي به قال: لا يُرَخَّم، ومنَع أكْثر الكوفيين من تَرخِيم ما آخره (ويْه)، وذهب الفراء إلى أنه لا يُحْذَف منه إلا الهاء فقط فتقول:(يا سيبَويْ) .. تحذف الهاء فقط، يعني: مِمَّا يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحدٍ فحسب، وليس مِمَّا يُرَخَّم بحذف حرفين أو بحذف كلمة، وإنما رَدَّه إلى النوع الأول.
إذاً: المُرَكَّب تركيب مَزْجٍ في تَرخِيمه خلافٌ بين النحاة، منهم من جَوَّزه ومنهم من منعه، ثُمَّ إذا رُخِّم حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف العَجُز، ثُمَّ إذا وُقِف عليه ثَمَّ تفصيلٌ على ما ذكرناه.
(وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ) يعني: تركيب مزجٍ، ولذلك قال بعضهم: المنقول أن العرب لم تُرخِّم المُرَكَّب، وإنما أجَازَه النحاة قياساً، يعني: لم يُسْمَع في لسان العرب أنه رخموا المُرَكَّب، وإنما جَوَّزه النحاة من باب القياس اجتهاداً، وإلا لم يُسْمَع.
(وَقَل تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ): قليل تَرخيم جملة، يعني: تَرخِيم علمٍ مُرَكَّبٍ تركيب إسنادٍ، وهو المنقول من جملة، وهذا كما سبق:(وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا) وقبل ذلك قال: (وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ).
إذاً: قد يكون منقولاً من جملةٍ اسمية أو فعلية، حينئذٍ إذا رخَّمْت تَحذف الجزء الثاني، سواءٌُ كان فعلاً أو كان اسماً .. مطلقاً في الاسمية والفعلية، (وَقَلَّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) ترخيم علمٍ مُرَكَّبٍ تركيب إسنادٍ، وهو منقولٌ من جملةٍ:(تأبَّط شراً .. يا تأبَّط شراً) تقول: (يا تأبَّط) وتحذف (شَراً)، (شاب قرناه .. يا شاب) وتحذف (قرناها)، إذاً: يكون بحذف الكلمة الثانية.
(وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) هل بيَّن كيف يُرَخَّم أم لا؟ قد يُحال إلى السابق: (وَالعَجُزَ احْذِفْ) .. قد يُقال بأنه تَحذف العَجُز، لكن إذا رددناه إلى السابق حينئذٍ قوله:(مِنْ مُرَكَّبٍ) لا نَخصُّه بتركيب مزجي، وإنما نَعمُّ الطرفين من أجل أن يكون قوله:(احذف العَجُز) عامَّاً، يَشمل ما رُكِّب تركيب مزجٍ وما رُكِّب تركيب إسنادٍ، إذاً تشمل هذه: مِنْ مُرَكَّبٍ
إذا قلنا: (وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) حينئذٍ إمَّا أن نُدخِله في قوله: (مُرَكَّبٍ)، وإمَّا أن نُحيل على ما سبق، فنقول قوله:(احذف العجز من مُرَكَّبٍ) فيعُم هذا: تركيب مزجٍ، وتركيبٍ إسنادٍ، ثُمَّ لئلا يُفْهم أنهما مستويان في القلة والكثرة، قال:(وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) هذا مُحتمل ولا إشكال، فإذا حَمَلنا (مُرَكَّبٍ) على أنه مُرَكَّب مزجٍ فقط، حينئذٍ قوله:(وَقَل تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) لم يُبيِّن كيفية الترخيم، لكن لمَّا كان مُرَكَّباً تركيباً إسنادياً فأقرب ما يُحمَل عليه هو المُرَكَّب التركيب المزجي، فيكون قد دَلَّ بالأول على الثاني، وإن لم يَنُصَّ عليه.
(وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ) .. وَذَا عَمْرٌو نَقَل، (ذَا) مبتدأ أول، و (عَمْرٌو) مبتدأ ثاني، و (نَقَلْ) يعني: نقل عن العرب، (نَقَلْ) خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
(وَذَا عَمْرٌو)، (ذَا) الذي هو تَرخِيم الجملة إذا كانت عَلَماً، (عَمْرٌو) الذي هو (سيبويه) .. هذا اسمه، سيبويه:(عمرو بن عثمان بن قُنْبُر الفارسي) وكنيته: (أبو بِشْرٍ) و (سيبويه) لقبه .. (سيب .. سيبويه)، (سِيْبَ) بمعنى: تفاح و (ويْه) بمعنى: رائحة .. رائحة التفاح، لأن الإضافة في لغة العَجَم على قلبها في لغة العرب، عندهم المضاف إليه مُقَدَّم على المضاف:(غلام زيدٍ .. زيدِ غلامُ) هكذا، هذا مثله:(سيب .. سيبويه) يعني: تفاح رائحة .. رائحة التفاح، هكذا قيل.
(وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ) يعني: نقله، الضمير يعود على عمرو، حينئذٍ يكون هو الرابط بين المبتدأ الأول والجملة، نَقَله، أي: نقل ذا، الذي هو ترخيم الجملة، نقل ذا عن العرب، وأكثر النحويين لا يُجيزون تَرخِيم المُرَكَّب المضمَّن إسناداً كـ (تأبَّط شراً) وجَوَّزه ابن مالك رحمه الله تعالى بناءً على ما نقله عمروٌ وهو سيبويه، لأنه في باب الترخيم لم يُجَوِّز، هو سيبويه نفسه في الكتاب، قال:"لا يجوز ترخيم الجملة الإسنادية"، وفي باب النسب لمَّا ذَكَر المُرَكَّب الإسنادي (تأبَّط شراً) قال:" يُقال في النسب إليه (تأبَّطِيٌّ) حيث قال العرب (يا تأبَّط) "، فَفَهِم ابن مالك ما لم يَفْهَمُه الكثير: وهو أنه في باب الترخيم مَنَع، ولكنَّه في باب النسب نَقَل عن العرب .. جعله أصلاً وقاس عليه النسب.
إذا قيل: (تأبَّط شراً) وأردت النسبة إليه تَحذف عَجُز الكلمة، فتقول:(تأبَّطِيٌّ) حذفت (شراً) قاسه سيبويه على ما سُمِع في لسان العرب .. في الترخيم: (يا تأبَّط) إذاً: هو مَسْمُوعٌ، لَكنَّه لم يُجوِّزه في باب الترخيم، حينئذٍ ابن مالك رأى أن عَدَم تَجويزه في باب الترخيم هذا رأي، وما ذَكَره في باب النسب هذا نقلٌ، حينئذٍ لا مانع أن نقف مع نقله ولا نأخذ برأيه، هو مَنَع لكنَّه نقل، حينئذٍ نقول: لا بأس أن نأخذ بنقله، لأنه خاطب وشافه العرب فسمع منهم، إذاً: سمع أنهم قالوا: (يا تأبَّط) بالترخِيم، حينئذٍ هو المعتمد، وأمَّا رأيه أجاز أو لا هذا رأيه له، ولذلك: العبرة بِما روى لا بما رأى، فإذا نُقِل عن العرب فهو الأصل.
هنا قال: والذي نَصَّ عليه سيبويه في باب الترخيم أن ذلك لا يجوز، وفَهِم المُصنِّف عنه من كلامه في بعض أبواب النسب جواز ذلك، حيث قال نَصَّاً سيبويه، قال:"تقول في النسب إلى تأبَّط شراً: (تأبَّطيٌّ) لأن من العرب من يقول: (يا تأبَّط) " مُنَادى .. حينئذٍ حذف العَجُز، فَدَل على أنه يُرَخَّم، إذاً: هذا هو الأصل، فتقول في (تأبَّط شراً)(يا تأبَّط).
إذاً:
وَالْعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّب وَقَلّ
…
تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ ..........
قليل جَوَّزه ابن مالك لكنه على قِلةٍ، نَحو:(تأبَّط شراً) .. فتقول: (يا تأبَّط)، و (برق نحره .. يا برق)، (وَذَا عَمْرٌو نَقَل) يعني: نَقَله عن العرب.
قال الشارح: تَقَدَّم أن المُرَكَّب تركيب مزجٍ يُرَخَّم، وذكر هنا أن ترخيمه يكون بِحذف عَجُزه، تَقَدَّم أن المُرَكَّب تركيب مزجٍ يُرَخَّم، بالمفهوم .. لم يَنُص على ذلك ابن مالك قال:(دُونَ إضَافَةٍ وإِسْنَادٍ مُتَمْ) حينئذٍ بالمفهوم، لم يَنُص على ذلك، وهنا نَصَّ عليه، فَصَرَّح بالمفهوم السابق مع بيان كيفية الترخيم.
" فتقول في (معدي كرب)(يا معدي)، بحذف الجزء الثاني، وتَقدَّم أيضاً أن المُرَكَّب تركيب إسنادٍ لا يُرَخَّم، وذكر هنا أنه يُرَخَّم قليلاً - (وَقَلّ) نَصَّ .. وأن عمراً يعني: سيبويه نقل ذلك عنه، والذي نَصَّ عليه سيبويه في باب الترخيم أن ذلك لا يجوز.
ثم قال رحمه الله:
وَإِنْ نَوَيْتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ
…
فَالْبَاقِيَ اسْتَعْمِلْ بِمَا فِيهِ أُلِفْ
إذاً: بَقِي نوعٌ واحد مِمَّا يُرَخَّم، وهو: ما يُرَخَّم بِحذف كلمةٍ وحرفٍ وهو (اثنا عشر) و (اثنتا عشرة) فقط إذا سُمَّي بهما، حينئذٍ تَحذف العَجُز والألف، فتقول:(يا اثن .. يا اثنت)، تَحذف الألف والجزء الثاني، (اثنا عشر .. يا اثنا عشر)، إذا أردت أن تُرَخِّمه تقول:(يا اثْنَ .. يا اثْنُ) وتَحذف (عشر والألف) لماذا؟ لأن (عشر) هذا في مَقَام التنوين، فلا يكفي أن يكون ترخيماً، فلا بد من حذف شيءٍ من الجزء الأول .. الصدر، فتحذف منه الألف.
إذاً: الأقسام صارت رباعية: ما يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحد .. ما يُرَخَّم بحذف حرفين .. ما يُرَخَّم بحذف كلمة .. ما يُرَخَّم بحذف كلمة وحرفٍ.
ثُمَّ في المُرَخَّم بعد الترخيم لغتان في لسان العرب وهما: ما يُعَنْوَن لهما بلغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، من ينتظر يعني: ينتظر المحذوف .. ينويه، ولذا عَبَّر هنا الناظم بالنِّية، يعني: يَحذف الحرف والحرفين ويُقَدِّر وجوده، حينئذٍ المحذوف كالموجود هنا، وإن لم يكن لعلَّة تصريفية، وأمَّا من لا ينتظر فيقطع الكلمة، يَجعل الكلمة كأنها موضوعة على تلك الحروف، ينبني عليه أنه إذا راعى المحذوف فيقول:(يا جَعْفَ) بفتح الفاء لأنه يقول: (يا جَعْفَرُ) إذاً: حذف الراء وهو ينتظر، يعني: ينوي المحذوف، إذا نوى المحذوف حينئذٍ يُبقِي الفاء على حالها، فيقول:(يا جَعْفَ) ولا يجوز تغييرها، هذا على لغة من ينتظر، ينتظر ماذا؟ ينتظر المحذوف أو ينوي المحذوف.
وعلى لغة من لا ينتظر المحذوف حينئذٍ جَعَل المحذوف نسياً منسياً، لم ينوه ولم يلتفت إليه، حينئذٍ يُعامل الموجود مُعاملة كلمة تامة، كأن الكلمة أول ما وُضِعَت:(جَعْفُ) حينئذٍ صار مثل: (زَيْدُ)، و (زَيْدُ) هذا يكون مبنياً على الضَّمِّ، فيبنيه على الضَّم، فيقول:(يا جَعْفُ .. يا حَارُ .. يا مَنْصُ .. يا مِسْكُ) كلها يبنيها على الضَّم، كأن آخر الكلمة (الفاء) من (جعفُ) .. كأنها هكذا وُضِعَت ابتداءً لم يَحذف شيئاً، حينئذٍ يبنيه على الضَّم، يقول:(يا جَعْفُ .. يا مَنْصُ .. يا مِسْكُ .. يا حَارُ .. الخ) هذه لغة من لا ينتظر، يعني: لا ينتظر المحذوف.
(وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ) بعد الترخيم بالحذف سواءٌ الذي حُذِف حرف، أو حرفان، أو كلمة، أو كلمة وحرف، فشمل الكل. شَمِل ما حُذِف منه حرفٌ نحو:(يا جَعْفُ في جَعْفَر)، وما حُذِف منه حرفان:(يا مَرْوُ .. مَرْوَ في مروان)، وما حُذِف منه كلمة نحو:(يا بَعْلْ في بَعْلَبَّك)، (وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ) إذاً: أطلق الحذف هنا فشَمِل الأنواع الثلاثة.
(مَا حُذِفْ)، (مَا) اسمٌ موصول بمعنى: الذي، مفعولٌ لقوله:(نَوَيتَ) .. (وإن نَويَت ما حُذِف) الذي حُذِف من حرفٍ، أو حرفين، أو كلمة، أو كلمة وحرف، إن نويته، أي: نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم، (فَالبَاقِي اسْتَعْمِل بِمَا فِيهِ أُلِفْ) فاستعمل الباقي بعد الحذف .. استعمله بِما فيه على حاله أُلِف، من فتحٍ أو كسرٍ أو ضَمٍّ، يعني: تُبقِيه على حاله، فتقول في ترخيم حَارِثَة:(يا حَارِ) الباقي بعد الحذف .. حذف الثاء والتاء أبقه كما هو لا تغيره، وفي (مِسْكِ .. يا مسكين) تَحذف الياء والنون، فتقول:(يا مِسْكِ) تبقي الكاف مكسورة كحالها .. بما أُلِف عليه قبل الحذف، وهو كونها مكسورةً، وتقول في منصور:(يا مَنْصُ) .. (سُعَاَد .. يا سُعَا) تبقى كما هي، هذا في لغة من ينوِي.
وإن نَوَيْتَ ما حُذِف بعد حذفٍ، (فَالبَاقِي) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله:(اسْتَعْمِلْ) .. فاستعمل الباقي .. الباقي من المُرَخَّم، (اسْتَعْمِل بِمَا فِيهِ أُلِفْ) يعني: بالذي أُلِف فيه، (أُلِفْ) هذا صِلَة الموصول لا محل لها من الإعراب، و (فِيهِ) متعلقٌ به، و (مَا) .. الباء هذه للملابسة: جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِل)، و (مَا) واقعة على حال، يعني: على حاله الذي أُلِف عليه قبل الحذف .. قبل الترخيم، إن كان مكسوراً فأبقه مكسوراً .. إن كان مفتوحاً فأبقه مفتوحاً .. إن كان مضموماً فأبقه مضموماً، هذه لغة من ينتظر.
وَإِنْ نَوَيْتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ
…
فَالْبَاقِيَ اسْتَعْمِلْ بِمَا فِيهِ أُلِفْ
بما أُلِف فيه قبل الحذف، وتُسمى هذه لغة من ينوِي، ولغة من ينتظر، عبَّر الناظم هنا بالنية، لغة من ينوِي، يعني: ينوي المحذوف، أو لغة من ينتظر، يعني: ينتظر المحذوف.
وَاجْعَلْهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفَاً كَمَا
…
لَوْ كَانَ بِالآخِرِ وَضْعَاً تُمِّمَا
(وَاجْعَلهُ) أي: الباقي من المُرَخَّم، أو الضمير عائد على الحرف الذي قبل المحذوف، (اجْعَلهُ) يعني: الحرف الذي قبل المحذوف، (إنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) ما هو المحذوف؟ الحرف، أو الحرفان، أو الكلمة، أو الكلمة والحرف، إن لم تنوه .. لم تنتظره، (اجْعَلهُ) الضمير هنا: مفعول أول، (كَمَا لَو كَانَ) .. (كَمَا لَوِ الَاّ عُدِمَا) .. هذا مثله، الكاف هنا داخلة على (ما) زائدة، و (لَو) هذه مصدرية، لأن المصْدَري لا يدخل على الحرف المَصْدَري، حينئذٍ إمَّا أن نَجْعل (لَو) زائدة أو (ما) زائدة .. واحد منهما.
(كَمَا) نقول: هذه زائدة، و (لَو) حرف مصدر، حينئذٍ الكاف داخلة على المصدر، يعني: ككون الآخر مُتَمَّمَاً وضعاً، يعني: تَجعل الآخر كأنه آخر ما وُضِعت عليه الكلمة، (وَاجْعَلهُ إنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) اجْعَلهُ أي: الباقي من المُرَخّم كما لو كان الباقي بالآخر – أي: آخره بعد الحذف- تُمِّمَ وضعاً يعني: في الوضع، (وَضْعاً) هذا منصوب على التمييز أو حال، (تُمِّمَا) الألف هذه للإطلاق، أي: كالاسم التام الموضوع على تلك الصيغة، فيُعْطى آخره من البناء على الضَمِّ وغير ذلك من الصحْة والإعلال ما يستحقه لو كان آخراً في الوضع.
إذاً: كأن (جَعْفَ)(الفاء) هذه هي آخر الكلمة، كأنها مثل (زيد) .. كأن الواضع وضع هذه الكلمة على ثلاثة أحرف، حينئذٍ ماذا تصنع إذا قلت:(يا جَعْفَ)؟ تبنيه على الضَّم فتقول: (يا جَعْفُ .. يا مِسْكُ .. يا مَنْصُ) فتُقدِّر الضَمَّة هنا، لأن هذه الضَمَّة في الأصل ليست ضَمَّة بناء:(مَنْصُ) ليست الضَمَّة ضَمَّة بناء، وإنما هي حركة بِنْيَة، فإذا نَويَت ضَمَّه حينئذٍ حذفت هذه الضَمَّة وجئت بضَمَّة بناء، فقلت:(يا مَنْصُ).
إذاً: (يا مَنْصُ) يحتمل على اللغتين، (مَنْصُ) بهذا اللفظ يَحتمل أنه على لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، إن جَعَلْت الضَمَّة هذه ضَمَّة بِنْيَة فهي لغة من ينتظر، وإن جَعَلتها ضَمَّة بناء فهي لغة من لا ينتظر.
(وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) اجعله ككون الآخر مُتَمَّمَاً وضعاً، أي: كالاسم التام الموضوع على تلك الصِيغَة، وحينئذٍ يُبنى على الضَّمِّ، ويُعَامل معاملة الموضوع على هذا اللفظ.
(فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ) أي: على الوجه الأول .. وهو مذهب من ينتظر .. لغة من ينتظر، (فِي ثَمُودَ يا ثَمُو)، ثَمُودَ تقول:(يا ثَمُو) بإثبات الواو، والأصل: أنه لا يوجد كلمة .. اسمٌ مُعرَب آخره ألفٌ لازمة البتًّة .. لا يوجد في لسان العرب، قيل: إلا (سمندو) و (قمندو)، أما اسمٌ مُعرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة لا يوجد إلا ويجب قلب الواو والياء والضمة كسرة، لا بُدَّ من القَلْب .. لا بد من الإعلال، وحينئذٍ إذا قيل:(يا ثَمُو) على لغة من ينتظر، هل يرد هذا الإيراد؟
نقول: لا، لا يَرِد؛ لأن الكلمة هنا:(يا ثَمُو) مع انتظار ونية الحرف المحذوف، حينئذٍ الواو هذه هل هي آخر حقيقةً أم حشواً؟ حشواً، لأنه على لغة من ينتظر، فلا يَرِد الإيراد بأنه كلمة مُعرَبة آخره واوٌ قبلها ضمة لازمة، نقول: هذا ليس بوارد، لأن هذه الواو صارت حشواً على لغة من ينتظر.
(فَقُلْ) هذا الفاء للتفريع، قل على الوجه الأول، (الأَوَّلِ) هذا صفة لموصوفٍ محذوف .. على الوجه الأول، وهو مذهب من ينتظر، في ترخيم (ثَمُود)(يا ثَمُو) بإبقاء الواو لأنها محكومٌ لها بِحكم الحشو .. بنية المحذوف، فلم يَلْزم مُخالفة النضير، يعني لا نقول: لا نضير له في لسان العرب، كلمة اسمٌ مُعْرَب آخره واو لا نضير له، نقول: لا، هذا الإيراد ليس بواردٍ.
(وقُل: (يا ثَمي) على الوجه الثاني (بياء)، يعني: بقلب الواو (ياءً) على لغة من لا ينتظر، لأننا إذا عَاملناها مُعاملة اللفظ الموضوع حينئذٍ ورَدَ الإيراد: ليس عندنا اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، إذاً وجب قلب الواو ياءً كأن اللفظ هكذا وُضِع أول ما تَكَّلَم الناطق به قال:(يا ثَمُو) فوجب قلب الواو ياءً، لأنه ليس عندنا حرف مُنتظر أو منوي، فبقيت الكلمة على حالها.
وقل: (يا ثَمي) بقلب الواو ياءً على الوجه الثاني، (بِيَا) أي: بقلب الواو ياءً لتطرفها بعد ضَمَّة وإلا لزم عَدَم النضير.
إذاً: قَسَّم لنا الناظم هنا المُرَخَّم بعد ترخيمه إلى لغتين: لغة من ينوي المحذوف، وهي التي تُسمى: من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، فأشار إلى الأول بقوله: وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ فَالبَاقِي -من المُرَخَّم- استعمل بما أُلِف فيه .. على حاله الذي نَطَق به الناطق، ومعنى البيت: أنك إذا نويت المحذوف للترخيم فاترك الحرف الذي قبله على حاله قبل الحذف، واستعمله كما كان قبل الحذف.
(وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً)، (مَحْذُوفاً) هذا مفعول به لـ:(تَنْوِ)، و (تَنْوِ) مجزوم بِحذف حرف العلَّة.
(كَمَا لَوْ كَانَ بِالآخِرِ وَضْعاً تُمِّمَا) تُمِّمَ من جهة الوضع، ومعنى البيت، أي: اجعل الحرف الذي قبل المحذوف إذا لم يُنْوَ المحذوف كما لو كان آخر الكلمة، فيتعيَّن بناؤه على الضمِّ، كما تُضَمُّ دال (زَيْد) و (جعفر) قبل الترخيم، تقول:(يا جَعْفَرُ) هل يَجوز فيه وجهان؟ لا يَجوز .. لا يُقال: (يا جَعْفَرَ) وإنما يُقال: (يا جَعْفَرُ) ببنائه على الضمِّ، لأن الكلمة هكذا، لو رخَّمتها:(يا جَعْفَ) جاز لك الوجهان، إذا نويت المحذوف حينئذٍ تقول:(يا جَعْفَ) تُبقِي الفاء على حالها قبل الحذف، وهو كونها مفتوحة، حينئذٍ كيف نُعرِبه (يا جَعْفَ)؟ (يا) حرف نداء، (جعف) مُنَادى مبنيٌ عل الضمِّ .. أين الضَمُّ؟ على الراء المحذوفة .. على الحرف المحذوف، لماذا نُقدِّره عليه؟ لأنه منوي، وإذا قلت:(يا جَعْفُ) مبني على آخره، أين آخره؟ الفاء، إذاً: صار آخره، فرقٌ بينهما في الإعراب.
فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ فِي ثَمُودَ يَا
…
ثَمُو وَيَا ثَمِي عَلَى الثَّانِي بِيَا
قال الشارح هنا: يجوز في المُرَخَّم لغتان، إحداهما: أن ينوَى المحذوف منه، والثانية: ألا ينوَى، ويُعَبَّر عن الأولى بلغة من ينتظر الحرف، وعن الثانية بلغة من لا ينتظر الحرف، فإذا رخَّمْت على لغة من ينتظر تركت الباقي بعد الحذف على ما كان عليه من حركة أو سكون، فتقول في جعفرٍ:(يا جَعْفَ) أبقيت الفاء على حالها -فتح -، وفي حارثٍ:(يا حَارِ) بكسر الراء كما هي، وفي قِمَِطْرٍ بالسكون:(يا قِمَطْ) وفي منصور: (يا مَنْصُ) بالضمة.
وإذا رخَّمْت على لغة من لا ينتظر عَامَلت الآخر بما يُعامل به لو كان هو آخر الكلمة وضعاً - في الوضع .. التمييز- فتبنيه على الضمِّ وتُعامله مُعاملة الاسم التام فتقول: (يا جَعْفُ) بضَمِّ آخره، كما تقول:(يا زَيْدُ) و (يا حارُ) و (يا قِمَطُ) و (يا مَنْصُ) حينئذٍ (يا مَنْصُ) تُقَدِّر الضمَّة. بضَمِّ الفاء والراء والطاء، و (يا مَنْصُ) بالضّمِّ في الجميع كما لو كانت أسماءً تامة لم يُحْذفَ منها شيء.
لو كان ما قبل المحذوف مُعتلاً قَدَّرت فيه الضمَّ على هذه اللغة، فتقول في ناجية:(يا نَاجِيْ) بالإسكان، لأنه ما يظهر عليه الضمّ، حينئذٍ على لغة من لا ينتظر تقول:(يا نَاجِي) تُقدِّر الضمَّة .. تنويها، إذاً: هذا صار مثل (مَنْصُ)، إذا سمعت (يا مَنْصُ) يَحتمل أنه على لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، لأن الحكم واحد، (يا نَاجِي .. يا ناَجِيَ) نقول: هنا كذلك يَحتمل، فتُقدِّر الضمَّة كما تُقدِّرها في الصاد. وهو علامة تقدير الضمِّ، ولو كان مضْمُوماً قَدَّرَت ضَمَّاً غير ضَمَّة الأول نحو:(يا مَنْصُ).
وتقول في (ثَمُود) على لغة من ينتظر الحرف: (يا ثَمُوْ) بواوٍ ساكنة، وعلى لغة من لا ينتظر تقول:(يا ثَمي) فتقلب الواو ياءً والضمَّة كسرة، لأنك تُعامله معاملة الاسم التام، وإذا كان اسماً تاماً حينئذٍ لا يوجد عندنا اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، لا يوجد اسمٌ مُعْرَب، أمَّا فعلٌ فيوجد (يدعو) آخره واو لازمة، مُعْرَب لا مبني، أمَّا المبني فيوجد (هو) و (ذُو الطَائِيَّة) في حالة البناء.
آخره واوٌ لازمة، أمَّا غير اللازمة فموجود:(هذا أخوك)(أخو) هذه آخره واوٌ لكنَّها ليست لازمة؛ لأنها تنقلب ألفاً: (رأيت أخاك) وتنقلب ياءً (مررت بأخيك) إذاً ليست بلازمة، يعني: تنتقل عن الأخ فيكون ياءً أو ألفاً.
واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، وأمَّا إذا لم يكن قبلها ضَمَّة بل ساكن، فهو موجود في لسان العرب نحو:(دلْوٌ) دلْوٌ هذا آخره واوٌ .. اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ، لكن ليس قبله ضَمَّة، وهذه الواو لازمة، لأنها من أصل الكلمة (دلوٌ)، وكذلك (ضبيٌ).
إذا وُجِد اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة وجب قلب الواو ياءً، والضَمَّة كسرة، ولذلك:(يا ثَمُوْ) الواو ساكنة وقبلها ميمٌ مضمومة، وجب قلب الواو ياءً حينئذٍ يُقال:(يا ثَمُي) وجب قلب الضمَّة كسرة لمناسبة الياء.
وَالتَزِمِ الأَوَّلَ فِي كَمُسْلِمَهْ
…
وَجَوِّزِ الْوَجْهَينِ فِي كَمَسْلَمَه
يعني: قد يَعترِي اللغتين ما يُوقع في اللبْس، فإن أوقع شيءٌ من إحدى اللغتين السابقتين في اللبْس وهو الاختلاط: المُذكَّر بالمؤنَّث، والمؤنَّث بالمذكَّر، حينئذٍ التُزِم أحد اللغتين، ويُعدَل إلى الأخرى، (وَالتَزِمِ الأَوَّلَ فِي كَمُسْلِمَهْ) يعني: ما لَحقه تاء الفرق بين المُذكَّر والمؤنَّث، حينئذٍ إذا قيل:(مُسْلِمه) هنا يلتزم الوجه الأول، لو رُخِّم فقيل:(يا مُسْلِمَ) هذا يتعيَّن أن أصله: (مُسْلِمَةُ) إذا قيل: (يا مُسْلِمَ) بفتح الميم هذا يتعيَّن أنه مؤنَّث، لأنه مُرَخَّم بحذف آخره، ما الذي دلنا على أنه مُرَخَّم؟ فتح الحرف الأخير، إذ لو كان غير مُرَخَّمٍ لقال:(يا مُسْلِمُ) مثل: (يا زَيْدُ) و (يا جَعْفرُ) لكن لمَّا قال: (يا مُسْلمَ) بفتح الميم حينئذٍ عَلمْنا أنه مُرَخَّم وأن أصله مؤنَّث.
في هذه الحالة يجب التزام لغة من ينتظر، لا يجوز إجراء هذا اللفظ:(يا مُسْلمَ) على لغة من لا ينتظر، لأنك لو عَاملته بِمعاملة لغة من لا ينتظر لقلت:(يا مُسْلمُ) حينئذٍ لا يُدْرى أن ثَمَّ تَرخِيماً، فاختلط المؤنَّث بالمذَكَّر، فيتعيَّن حينئذٍ التزام اللغة الأولى، ولذلك قال:(وَالتَزِمِ الأَوَّلَ) وهو لغة من نوى المحذوف، لا بُدَّ أن تنو المحذوف (فِي كَمُسْلِمَهْ) في مثل .. الكاف اسمية، (في مثل مُسلِمَة) وهو ما كان اللفظ مُتصلاً به تاء التأنيث الدالة على الفرق بين المذَكَّر والمؤنَّث، لأنك لو ضممت آخره على لغة من لا ينتظر حينئذٍ التبَس المذَكَّر والمؤنَّث.
(وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ) لغة من ينوي ومن لا ينوي على الأصل، ولو تركه لبقينا على الأصل، (فِي كَمَسْلَمَه) مَسْلَمة وحَمْزَة وطَلْحَة، (مَسلَمَه) هذا عَلَم وهو مختومٌ بالتاء، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، لأن (مَسْلَمَ .. مَسْلَمُ) هذا لا يلْتبِس، أمَّا الأول (مُسْلِم) هذا واضح أن ضَمَّ الميم في الأول أنه اسم فاعل من: أسَلَم يُسْلِم فهو مُسْلِم، والتاء داخلة للفرق، أما (مَسْلَمَة) و (حَمْزَة) و (طَلْحَة) إذا حُذِفت منه التاء حينئذٍ لا يلتبس بغيره.
(وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ فِي كَمَسْلَمَه) في مثل .. (فِي) هنا داخلة على الكاف، حينئذٍ وجَبَ أن نَجعل الكاف هنا اسمية، يعني: مثل .. في مثل (مَسْلَمَة) بفتح الأول اسم رجل لعدم المحذور، فتقول:(يا مَسْلَمَ .. يا مَسْلَمُ) هذا لا يلتبس، بخلاف (يا مُسْلِمُ) هذا يلتبس، والأكثر فيما جاز فيه الوجهان الوجه الأول .. لغة من ينوِ المحذوف.
إذاً: (وَالتَزِمِ الأَوَّلَ)، (التَزِمِ) هذا فعل أمر مبني على السكون المُقَدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التَخلُّص من التقاء الساكنين، و (الأَوَّلَ) هذا مفعولٌ به، وهو صفة لموصوفٍ محذوف (والتزم الوجه الأول) أو (المذهب الأول) وهو لغة من نوى المحذوف.
(فِي كَمُسْلِمَهْ)، (وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ) جَوِّز أنت .. فعل أمر كذلك مُقَدَّر السكون فيه لاشتغال المحل بحركة التخلُّص من التقاء الساكنين، (الوَجْهَينِ) السابقين فيما هو كـ (مَسْلَمَة) و (حَمْزَة) و (طَلْحَة).
قال الشارح: إذا رُخِّم ما فيه تاء التأنيث للفرق بين المذَكَّر والمؤنَّث: كـ (مُسْلِمَه) وجب ترخيمه على لغة من ينتظر الحرف، فتقول:(يا مُسْلِمَ) بفتح الميم، ولا يجوز ترخيمه على لغة من لا ينتظر الحرف، فلا تقول:(يا مُسْلِمُ) بِضَمِّ الميم لئلا يلتبس بنداء المذَكَّر، وأمَّا ما كانت فيه التاء لا للفرق فيُرَخَّم على اللغتين فتقول في (مَسْلَمَة) عَلَماً (يا مسلَمَ .. يا مسلَمُ).
وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا
…
مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ أَحْمَدَا
هذا خاتمة الباب.
(وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا)، (لاِضْطِرَارٍ) هذا مفعول لأجله، في الأصل (رخموا لاضطرارٍ)، (لاِضْطِرَارٍ) جار مجرور مُتعلِّق بقوله:(رَخَّمُوا).
(رَخَّمُوا لاِضْطِرَارٍ مَا لِلنِّدَا) دون نداء، (مَا لِلنِّدَا) ما يصلح للنداء، (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به، رخَّموا ماذا؟ رخَّموا (مَا) هذا مفعولٌ به، (وَيَصْلُحُ) صلة الموصول، و (لِلنِّدَا) مُتعلِّقٌ بـ (يَصْلُحُ).
إذاً تركيب الكلام: (رخَّموا ما يَصلُح للنداء دون نداء لاضطرارٍ)، فذَكَر شرطين من شروط جواز الترخيم دون نداء:
أولاً قال: (ما يصلح للنداء) يعني: بشرط كون المُرَخَّم صالحاً للنداء، يعني: لو دَخَلَت عليه (يا) صَلُح، نحو:(أحمد .. يا أحمد) يَصلُح أن يُنَادى، تقول:(يا أحمد) إذاً: مُنَادى مبني على الضَمِّ، (يا الغلام) لا يصلح، إذاً: يَصِح تَرخِيم (أحمد) دون نداء، لأنه لو دَخَلَت عليه (يا) النداء صَحَّ النداء، (الغلام) هل يصح ترخيمه أو لا؟ (يا الغلام) نقول: دخلت عليه (أل) وحرف النداء لا يدخل على ما فيه (أل) إذاً: لا يجوز ترخيم (الغلام) لاضطرارٍ، لا بُدَّ أن يكون صالحاً للنداء.
(لاضطرارٍ لا في السعة) إذاً: لا بُدَّ أن يكون مُضْطرَّاً إليه، فلا يجوز ذلك في السعة.
الشرط الثالث: أن يكون إمَّا زائداً على الثلاثة، أو بتاء التأنيث، ولا تُشتَرط العَلَمية ولا التأنيث بالتاء، يعني: لا يُشترط هنا؛ لأنه ليس ترخيماً اصطلاحياً، وإنما هو من باب الضرورة، وإذا قيل:(لاِضْطِرَارٍ) يعني: في الشِّعْر خاصة، لا في سِعَة الكلام، وإذا كان كذلك حينئذٍ لم يكن الترخيم اصطلاحياً ونرجع إلى الأصل: وهو أن ما جاء مُرَخَّماً في الشِّعْر لا بُدَّ من ضَبْطِه بِما ورد فيه، يعني: يُنظَر في أحواله فتؤخذ منه الشروط فتُجْعَل شروطاً في صحته، وما عداه فيبقى على المنع.
قلنا: (لاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا) أطلَقه فَلَم يَشتَرط العَلَمية والتأنيث بالتاء، اقتضى كلامه هنا:(ورخَّموا لاضطرارٍ دون نداء): أن هذا الترخيم جائزٌ على اللغتين: لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، وهو على لغة التمام إجماعٌ، يعني: على لغة من لا ينتظر هذا محل وفاق، وأمَّا على لغة من ينتظر فأجازه سيبويه ومنعه المُبَرِّد.
إذاً قوله: (رَخَّمُوا) ثُمَّ في الترخيم لغتان، أطلق الناظم كأنه يَجوز على اللغتين مُطلقاً، فإذا رخَّم في الشِّعْر جاز أن يرخِّمه على لغة من ينتظر وعلى لغة من لا ينتظر، أمَّا لغة التمام وهي من لا ينتظر، هذا
جائزٌ بالإجماع، وأمَّا على لغة من ينتظر فهذا فيه خلاف، أجازه سيبويه ومنعه المُبَرِّد.
(وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا)، (دُونَ نِدَاءٍ) قَصَره للضرورة، و (دُونَ) هذا ظرفٌ مُتعلِّق بِمحذوف حالٌ من (مَا) .. من المفعول به، لأن أصل التركيب:(رَخَّمُوا ما يصلح للنداء دون نداءٍ لاضطرارٍ).
(نَحْوُ أَحْمَدَا) الألف للإطلاق، يعني: وذلك نحو، (نَحْوُ) خبر مبتدأ محذوف.
قال الشارح: " قد سبق أن الترخيم حذف أواخر الكَلِم في النداء. هذا الأصل، إذاً إذا حصل لا في النداء لم يكن هو الترخيم الاصطلاحي معنا هنا.
وقد يُحذف للضرورة آخر الكلمة في غير النداء، لكن بشروطٍ ثلاثة، بشرط: كونها صالحة للنداء كـ (أحمد) فلا يجوز حينئذٍ في (الغلام) فلا يُرَخَّم، (الغلام) لا يصح، ومنه قوله:
لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوءِ نَارِهِ
…
طَرِيفُ بْنُ مَالٍ لَيْلَةَ الْجُوعِ وَالخَصَر
أي: طريف ابن مالكٍ، (مالٍ .. مالكٍ) فحذف الكاف وجعل ما بقي من الاسم بِمنزلة اسمٍ لم يُحْذَف منه شيء، ولذلك نوَّنه.
لَيسَ حَيٌّ عَلَى المَنُونِ بِخَالِ .. يعني: (بِخالدٍ).
قال في التسهيل: ولا يُرَخَّم في غيرها - يعني: في غير الضرورة - منادى عارٍ من الشروط إلا ما شَذَّ" أي شروط؟ الثلاثة السابقة: كون الكلمة صالحة للنداء للضرورة .. أن يكون إما زائداً على ثلاثة أحرف، أو بتاء التأنيث.
إلا ما شَذَّ من نحو: (يا صاح) و (أطرق كرا)، (أطرق كرا) سبق معنا و (يا صاح) .. يَا صَاحِ
شذَّ لمعنًى فِيهِ بِاصْطِلاحِ
نقول: هذا شَاذ، لكنَّه لكثرة استعماله وخاصةً في الشِّعْر (يا صاح .. يا صاح شمِّر) نقول: لكثرة استعماله عُومِل مُعاملة العَلَم، حينئذٍ حُذِف منه الأخير وهذه هي علته، وإلا في الأصل: أنه لا يُرَخَّم إلا في الشِّعْر خاصة لاضطرار.
إذ الأصل: (صاحب) و (كروان) فَرُخِّما مع عَدَم العَلَمية شذوذاً. لكن الأشهر أنه لا يُشترط إذا رُخِّم لا في باب النداء أن يكون عَلَماً، ولا مستوفياً للشروط السابقة، وأما (صَاحِ) لماذا نَصَّ ابن مالك هنا على أنه شاذ؟ لأنه ليس بعَلَم، ونحن نقول:(وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا) نقول: خالفوا الأصل، لأنه إذا اسْتُعْمِل صاحب في الشعر يؤتى بـ:(يا) النداء، ونحن الآن بحثنا فيما رُخِّم دون نداء، فلا يُشترط فيه العَلَمية.
وهنا قال في: (يا صاح) و (أطلق كرا) إذ الأصل: (صاحب) فَرُخِّم مع عَدَم العَلَمية شذوذاً، إذاً: يا صَاحِ (صَاحِ شَمِّرْ) نقول: (صاح) هذا مُنَادى حُذِفت (يا) النداء، إذاً: ليس بعَلَم هو شاذ، وليس بحثنا في هذا.
وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا
…
مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ أَحْمَدَا
ثم قال رحمه الله: الاِخْتِصَاصُ.
الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا
…
كَأَيُّهَا الْفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا
وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلْوَ أَلْ
…
كَمِثْلِ نَحْنُ الْعُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ
ونقف على، هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!