الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة (مالا ينصرف) وحده
* مقدمة في أنواع الإسم من حيث مشابهته لغيره
* شرح العلل التسع ، ووجه فرعيتها
* ألف التأنيث
* والوصفية والزيادة
* والوصفية ووزن الفعل ، وحكم والوصف والطارئ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
قال الناظم - رحمه الله تعالى -: (مَا لَا يَنْصَرِفْ).
أي: هذا باب ما يَتعلَّق بالأسماء التي لا تنصرف، وهذا الباب يَتعلَّق بالأسماء ولا يَتعلَّق بالأفعال وهو خاتمة الأبواب عند النحاة، يعني: يذكرون الأسماء كما جرى ابن مالك هنا، ويُقسِّمون الاسم إلى: مبني، ومُعرَب، والمعرب إلى: مُنصرِف، وغير منصرف، ثُمَّ إذا انتَهَوا من هذه القسمة شرعوا في أبواب الفعل، ولذلك سيعقد بعد هذا الباب ما يَتعلَّق بإعراب الفعل المضارع، ثُمَّ ما قد يشترك أو يكون خارجاً عن المسألتين.
(مَا لَا يَنْصَرِفْ)(مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، إذا كان الصَّرْف وعدمه من خواص الأسماء حينئذٍ يتعيَّن أن نحمل (مَا) الموصولة هنا على (اسمٌ لا ينصرف)، إذاً: أراد أن يُبيِّن بهذا الباب الخواص المُتعلِّقة بالاسم ما يَذْكُره من العلل التي يُحْكَمُ بوجودها أن الاسم ليس مُنصرفاً.
وقوله: (مَا لَا يَنْصَرِفُ) هذا نفي، مفهومه: أنَّ كل من سبق الأصل فيه الصَّرف وهذا في الجملة، لأنَّ ما سيذكره في هذا الباب بعضه داخلٌ فيما سبق كأفعل التفضيل، ونحو ذلك.
(مَا لَا يَنْصَرِفُ) يعني: ما لا يدخله الصَّرف.
(مَا لَا يَنْصَرِفُ) اخْتُلِف في حدِّه بناءً على الاختلاف في تعريف الصَّرف، ولذلك قَدَّم الناظم هنا تعريف الصَّرْف، لماذا قال:
الصَّرْفُ تَنْوِيْنٌ أَتَى مُبَيِّنَا
…
مَعْنًى بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا
قصده في هذا الباب: أن يُبيِّن الأسماء التي لا تنصرف، وإنَّما ذكر الصَّرْفَ وعدمه لأنَّه بمعرفة الصَّرف يُعْرَف الاسم الذي لا ينصرف، فما وجِد فيه التَّنوين الذي عناه هنا فهو مُنصَرِف، وما لم يوجَد فيه فهو غير منصرف.
إذاً: الناظم ذهب إلى أنَّ الصَّرف وعدمه هو التَّنوين، إن وجِد التَّنوين المخصوص المذكور فهو اسمٌ مُنصرِف، إذا انتفى ولم يدخل الاسم التَّنوين المذكور فهو غير منصرف، ولذلك نقول: اخْتُلِف في حدِّ الاسم الذي لا يَنصرِف بناءً على الاختلاف في تعريف الصَّرف.
فقيل: هو المسلوب منه التَّنوين فقط، يعني: الذي لا يدخله التَّنوين فحسب، بناءً على أنَّ الصَّرف ما في الاسم من الصَّوت أخذاً من الصريف: وهو الصَّوت الضعيف، يعني: كأنَّه مشتقٌّ من شيءٍ دَلَّ على ذلك، فالصَّرف مأخوذٌ من (الصَّرِيف) و (الصَّرِيف) هو الصَّوت الضعيف، والاسم يكون في آخره صوت ضعيف: زَيْدٌ .. عَمْروٌ .. خَالِدٌ، إلى آخره هذا فيه صوت.
وقيل: هو المسلوب منه التَّنوين والجر معاً يعني: لا يُحْكَم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف إلا إذا سُلِب التَّنوين والجر معاً، وأمَّا إذا سُلِب التَّنوين فقط حينئذٍ لا يُحْكَم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، لا بُدَّ من أن يجتمعا، فإن وجِد الجر فقط دون التَّنوين حينئذٍ نحكم عليه بكونه مصروفاً، لأنَّ الممنوع لا بُدَّ أن يجتمع فيه في السلب: التَّنوين والجر، فإن وجِد الجر دون التَّنوين حينئذٍ نحكم عليه بأنَّه مصروف.
وقيل: هو المسلوب منه التَّنوين والجر معاً بناءً على أن الصَّرف هو التَّصرُّف في جميع التراكيب، إذاً: قولان في تفسير الممنوع من الصَّرف:
- قيل: هو المسلوب التَّنوين فقط وحده، وهذا ظاهر كلام الناظم كما سيأتي.
- وقيل: هو المسلوب من التَّنوين والجر معاً.
- وهل هذا الخلاف ينبني عليه شيء؟ قال أبو حيَّان: وهذا الخلاف لا طائل تحته - يعني: لا ينبني عليه شيء البتَّة - إلا في الحكم على الكلمة هل هي ممنوعة أم لا فقط؟ ((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4](أَحْسَنِ) على القول الأول مصروفة، وعلى القول الثاني غير مصروفة، ما سُلِب منه التَّنوين والجر العكس (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) على القول الأول: ما زال التَّنوين مسلوباً عنه، فهو ممنوع من الصَّرف، وعلى القول الثاني: هو مصروف، لأنَّه جُرَّ بالكسرة، فإذا جُرَّ بالكسرة حينئذٍ رجع إلى أصله وهو الصَّرف.
إذاً: ينبني عليه الحكم على الكلمة فقط، وأمَّا من حيث الإعراب فيبقى على ما هو عليه (فِي أَحْسَنِ) نقول: اسم مجرور بـ (فِي) وجرُّه كسرة ظاهرة على آخره، لكن يرد السؤال: هل هو ممنوع أم لا؟ فعلى القول الأوَّل: لا زال ممنوعاً، لأنًّه وجِد فيه العلَّتان المانعتان من الصَّرف ولم يرجع إليه التَّنوين، فحينئذٍ نحكم عليه بأنَّه ما زال ممنوعاً من الصَّرف، لأنَّ حقيقة الممنوع من الصَّرف: هو سلب التَّنوين، إذاًَ (فِي أَحْسَنِ) نقول: هو ممنوع من الصَّرف وإن جُرَّ بالكسرة.
وعلى القول الثاني: المسلوب منه التَّنوين والجرُّ معاً نقول رجع إليه الكسر فحينئذٍ صار مصروفاً، وإعرابه كإعراب الأول، إذاً قوله: لا طائل تحته، المراد به: من حيث الإعراب والبناء فقط، يعني: ما يَتعلَّق به، لأنَّ الممنوع من الصَّرف يُجَرُّ بالفتحة، والمصروف يُجَرُّ بالكسرة، هل الخلاف هنا انبنى عليه تقدير فتحة أو كسرة؟ لم ينبني عليه، لو قيل (فِي أَحْسَنِ) من قال بأنَّه ممنوع من الصَّرف مجرور وجرُّه فتحة مُقدَّرة على آخره قد يُقال بأنَّه وجِد للخلاف أثر، ولكن لَمَّا لم ينبني عليه خلاف من جهة الإعراب بالفتحة أو بالكسرة حينئذٍ نقول: الخلاف لا طائل تحته، إلا من جهة كون الكلمة هل هي مصروفة أم لا؟
إذاً: حُكْمُ ما لا ينصرف أنَّه على القول الأول: ما سُلِب منه التَّنوين، وعلى القول الثاني: ما سُلِب منه الجرُّ والتَّنوين، حكمه: أنَّه لا يُنَوَّن ولا يُجَرُّ بالكسرة، يعني: على القولين -مِمَّا يؤَيِّد كلام أبي حيَّان-: أنَّه على القولين يُسْلَب التَّنوين والجر، اتفق القولان على سلب التَّنوين، واختلفا في الجَر، واتفقا على أن الممنوع من الصَّرف يُجَرُّ بالفتحة، إذاً: اتفقوا على هذا، ماذا بقي؟ بقي سلب الجر هل هو داخلٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف أم لا؟ هذا مل النِّزاع، وأمَّا كونه يُسلَب الجر أيضاً فهذا مَحل وفاق.
إذاً: الخلاف في سلب الكسر .. عدم الكسر، هل هو داخلٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف أم لا؟ أمَّا كونه يُسْلَب الكسر، هذا لا خلاف فيه، لكن هل هذا السلب داخلٌ في مفهوم المنع من الصَّرف أم لا؟ هذا محل النِّزاع بين النُّحاة.
إذاً: حُكم (مَا لَا يَنصَرِفْ) أنَّه لا يُنَوَّن ولا يُجَرُّ بالكسرة على القولين هذه النتيجة، على قول ابن مالك رحمه الله تعالى: أنَّه التَّنوين فقط، إذاً: لا بُدَّ من تعليل لماذا سُلِبَ الكسر مع كون الممنوع من الصَّرف هو التَّنوين فحسب.
قيل: واخْتُلِف - لم مُنِع منها الكسرة – فقيل: لِشَبَه الفعل كما مُنِع التَّنوين، وإن لم يكن داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف، فلمَّا وجد الشَّبه بالفعل أخذ حكمه، وأخذ الحكم إنَّما يكون بسلب التَّنوين وسلب الكسرة، لأنَّ الكسرة من خصائص الأسماء والتَّنوين من خصائص الأسماء، فلا يدخل الفعل لا تنوين ولا كسر، فَلمَّا وجِد الشَّبه مُنِع من التَّنوين فسُمِّي ممنوعاً من الصَّرف، ومراعاةً لهذا الشَّبه كذلك سُلِب عنه الكسرة، وهذا يؤيِّد القول الثاني.
وقيل: لئلا يُتَوَهَم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، لأنَّه سبق أنَّ ياء المتكلِّم قد تُحذف وتبقى الكسرة دليلاً على الياء، حينئذٍ لو جُرَّ بالكسرة على ما هو عليه فقيل: مَرَرْتُ بأَفْضَلِ، وأَحْمَدِ، وإِبْرَاهِيمِ، قد يظن الظَّانَّ أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، وحُذِفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها، فدفعاً لهذا الوهم حينئذٍ انتُقِل من الجر بالكسرة إلى الفتحة.
إذاً قيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم وأنَّها حُذِفت واجتزئ بالكسرة.
وقيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مبني مثل: حَذَامِ وأَمْسِ، ونحو ذلك، لأنَّ الكسرة لا تكون إعراباً إلا مع التَّنوين: لِعَمْرٍ .. لِزَيْدٍ، أو الألف واللام: مَرَرْتُ بالغُلام، أو الإضافة: بِغُلامِ زَيْدٍ، فلمَّا مُنِع الكسرة حُمِل جرُّه على نصبه بالفتحة كما يُنْصَب بها لاشتراكهما في الفضلية لأن كلاً منهما فضلة، الكسر فضلة .. إعراب الفضلات، والنصب إعراب الفضلات، حينئذٍ حُمِل الممنوع من الصَّرف على المنصوب حَملاً للخفض على النصب.
بخلاف الرفع فإنَّه عُمْدَة، كما حُمِل نصب جمع المؤنَّث السالم على خفضه لذلك، فإن أضِيف الممنوع من الصَّرف أو صَحِب (أل) مُطلقاً، سواءٌ كانت مُعرِّفة أم زائدة إلى آخره جُرَّ بالكسرة اتفاقاً، وهذا قد نَصَّ عليه في أول الكتاب عند قوله:
وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالَا يَنْصَرِفْ
…
مَالْمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ
((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4] .. ((كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ)) [هود:24].
رَأَيْتُ الْوَليْدَ بْنَ اليَزِيدِ مُبَارَكاً ..
(اليَزِيدِ)(يَزِيدِ) هذا ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه على القول الثاني، الكلام الآن في تعليل: لماذا الممنوع من الصَّرف على القول بأنَّه ما سُلِب التَّنوين، لماذا مُنِع من الكسرة أيضاً، وهو ليس داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف؟ حينئذٍ عُلِّل بهذه العلل.
وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه مع دخول (أل) وإنَّما جُرَّ لأمن دخول التَّنوين فيه، أو مصروف لأنَّه دخله خاصةٌ من خواص الاسم هذا خلافٌ بين النُّحاة، والثاني هو المختار، هكذا قال السيوطي في (الجمع) وعليه السِّيرَافي والزجَّاج والزجَّاجي .. (الزجَّاج) بدون ياء، والزجَّاجي.
إذاً: ثَمَّ خلافٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف، وإن كان المشهور عند المتأخِّرين: أنه ما سُلِب التَّنوين والجرِّ معاً، وهذا هو الظاهر والله أعلم.
هنا قال الناظم: (مَا لَا يَنْصَرِفْ).
الصَّرْفُ تَنْوِيْنٌ أَتَى مُبَيِّنَا
…
مَعْنًى بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا
عرفنا أنه يقصد بهذا الباب أن يُبيِّن الأسماء الَّتي لا تنصرف، ودبَّج بهذا الباب بهذا البيت، ليُبيِّن لنا حقيقة الصَّرف الذي هو التَّنوين، وإنَّما ذكره في أوَّل الباب، لأنَّه إذا عُرِف حقيقة تنوين الصَّرف، الذي هو المسلوب عن الاسم فيُحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، إذا عُرِفَت حقيقته حينئذٍ مَيَّز الطَّالب بين الممنوع وغيره.
(الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هذا تعريفه (الصَّرْفُ) حقيقته: أنَّه (تَنْوِينٌ أَتَى مُبَيِّناً)(تَنْوِينٌ) هذا جنس وسبق أنَّه في الأصل: مصدر (نَوَّنْتُ) أي: أدخلت الكلمة نوناً، ثُمَّ غَلَب حتى صار اسماً لنونٍ تلحق الآخر لفظاً لا خطاً بغير توكيد، وسبق أن السيوطي عرَّفه في (الجمع) بأنَّه: نونٌ تثبُت لفظاً لا خطاً، ويُطلق كذلك على التَّصويت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، والتَّصويت يُسمَّى نوناً، وهو ملحظٌ عند بعضهم في توصيل الممنوع من الصَّرف كما سبق، فيُطلق التنوين حينئذٍ على شيئين:
- إدخال النُّون.
- وعلى التَّصويت.
(إدخال النُّون) وهو فعل الفاعل، ثُمَّ نُقِل هذا اللفظ الذي هو التَّنوين - فعل الفاعل - وجُعِل علماً بالغلبة على النُّون نفسها (زَيْدٌ) النون هذه بعد زيد نقول: هذا تنوين، وأصل التَّنوين: أنَّك تدخل زيد هذه النون، ثُمَّ نُقِل فصار عَلَماً بالغلبة على النُّون نفسها.
ويُطلق ويراد به التَّصوِيت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، وعليه: هل المعنيان موجودان في النُّون الزائدة هذه أم لا؟ نقول: نعم، لا بأس بهذا أن يُقال: يُلاحَظ فيه إدخال النُّون، ويُلاحَظُ فيه أنَّه دالٌّ على الصَّوت.
فقوله: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هنا عيَّن أنَّه تنوين فقط، ولم يذكره معه الكسرة فدَلَّ على أنَّ المراد هنا (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) وحده فقط دون غيره، فلا يشترك معه الكسرة، فقوله:(الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) أي: وحده، وأمَّا الجرُّ بالكسرة فتابعٌ للتَّنوين، فسقوطه بِتَبَعِيَّة التَّنوين، لماذا سَقَط الجر؟ نقول: لكون التَّنوين قد سقط فهو تابعٌ له، وهذا التَّعليل فيه نظر. فقيل: مأخوذٌ من الصَّرِيف أو الصَّرْف وهو الفضل، لأنَّ له فضلاً على غير المنْصرِف.
إذاً الناظم هنا قال: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) ولم يذكر معه الكسرة، فدَلَّ على أنَّ الممنوع من الصَّرف ما مُنِع هذا التَّنوين.
. . . . . أَتَى مُبَيِّنَاً
…
مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا
سبق أنَّ التَّنوين أنواع، والذي يَكثُر دخوله على الاسم أربعة، أشهرها:
تنوين الصَّرف، وتنوين العِوَض، وتنوين المقابلة، وتنوين التَّنكير.
هذه أربعة، المعنيُّ به هنا في هذا المقام هو تنوين الصَّرف الذي يُسمَّى: تنوين التَّمكُّن، وتنوين التَّمكين، وتنوين الأمكنيَّة، فهي أربعة أسماء والمسمَّى واحد، وهو اللاحق للأسماء المُعرَبة المنصرِفة، فرقاً بين كون الاسم مُنصرِفاً وبين كونه غير منصرف، فَمَا دخل عليه التَّنوين فهو مصروف، وما لم يدخل عليه التَّنوين فهو ممنوع من الصَّرف.
قلنا: هذا التَّنوين فائدته: يَدلُّ على تَمكُّن الاسم في باب الإعراب، وهو المعنى الذي عناه (أَتَى مُبَيِّناً مَعْنَىً) ما هو هذا المعنى؟ تَمكُّن الاسم في باب الإعراب قالوا: بحيث إنَّه لم يشبه الحرف فيُبْنى ولا الفعل فيمنع من الصَّرف، لأنَّ الاسم له ثلاثة أحوال:
- اسمٌ أشبه الحرف.
- واسمٌ أشبه الفعل.
- واسمٌ لم يشبه الحرف ولا الفعل.
قالوا: ما أشبه الحرف: هو ما وجِد فيه واحدٌ من الأسباب الأربعة التي ذكرناها سابقاً: بأن يوجد شبه في الاسم يُلحِقه بالحرف: إمَّا وضعاً، وإمَّا معنىً، وإمَّا افتقاراً، وإمَّا استعمالاً، فواحدٌ من هذه الأمور تقتضي أن يكون الاسم قد أشبه الحرف شبهاً قوياً والقاعدة عند العرب: أنَّ الشيء إذا أشبه الشيء شبهاً قوياً أخذ حكمه، حينئذٍ حُكِم على الاسم بكونه مبنيَّاً، لماذا؟ لكونه أشبه الحرف.
مثله الكلام يُقال في الممنوع من الصَّرف: إذا أشبه الاسم الفعل، حينئذٍ يأخذ حكمه، في ماذا؟ قالوا: الاسم والفعل يشتركان في الرفع والنصب، إذاً: لا يُمكن أن يأخذ الاسم حكم الفعل، إلا إذا اخْتصَّ الاسم بشيءٍ لم يدخل على الفعل، والذي اخْتصَّ به الفعل من حيث العدم .. عدم الدخول هو التَّنوين والخفض بالكسرة، لأنَّ الفعل لا يُنَوَّن، لأنَّ التَّنوين من خصائص الأسماء، وكذلك الفعل لا يُخفَض، لأن الخفض من علامات وخصائص الأسماء.
فإذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، وما هو حكم الفعل .. هل هو أنَّه لا يرفع؟ لا، هل أنَّه لا ينصب؟ لا، وإنَّما لكونه لا يدخل عليه التَّنوين ولا الخفض، فحينئذٍ يُمنع الاسم من دخول التَّنوين ومن الخفض بالكسرة، متى؟ إذا أشبه الاسم الفعل شبهاً قوياً، ما وجه الشَّبه؟ عرفنا أن وجه الشَّبه في الاسم إذا أشبه الحرف محصورٌ في أربعة، والمراد به: البناء الأصلي لا البناء العارض.
ما وجه الشَّبه بين الاسم والفعل؟ قالوا: الفعل فيه عِلَّتان فرعيَّتان عن الاسم، ما هما هاتان العِلَّتان؟ قالوا: العِلَّة الفرعية التي ترجع إلى اللفظ، والأخرى التي ترجع إلى المعنى، الثانية المعنوية متَّفق عليها بين البصريين والكوفيين، وأمَّا العلَّة الأولى التي هي العِلَّة اللفظية الفرعية، فعند البصريين: أنَّ الفعل مُشتقٌّ من المصدر، ومعلومٌ أنَّ المشتق أصلٌ للمشتق منه، فحينئذٍ صار الفعل فرعاً من جهة اللفظ للاسم.
إذاً: وجد في كل فعل، كل فعل تحكم عليه بأنَّه فرع من حيث اللفظ، لماذا؟ لأنَّ (ضَرَبَ) هذا فرعٌ، أصله: الضَّرب، (يَضْرِبُ) هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، (اضْرِب): هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، إذاً: صَار المصدر وهو الاسم أصْلاً، والفعل بسائر أنواعه فرعاً، إذاً: وجِد في الفعل ما يدل على أنَّه فرعٌ عن الاسم، وهذه تؤخذ بالمادة كما سبق، أي: بالحروف، هذا عند البصريين القائلين: بأن أصل الاشتقاق هو المصدر، وأمَّا عند الكوفيين القائلين: بأنَّ أصل الاشتقاق هو الفعل والمصدر فرع، حينئذٍ لا بُدَّ من عِلَّة لفظية أخرى حتى يُعلَّق بها الحكم.
قالوا: كون الفعل مركَّباً من الحدث والزمن، وكل فعلٍ دالٌّ على حدثٍ وزمن (ضَرَبَ) دالٌّ على الضَّرْبِ في زمنٍ مضى، و (يَضْرِبْ) دالٌّ على حدثٍ وهو الضَّرْبْ في زمنٍ حال، و (اضْرِبْ) كذلك في المستقبل.
إذاًَ: هو مركَّب، والمصدر؟ بسيط يعني: يدلُّ على شيءٍ واحد وهو الحَدَث، ومَعلومٌ أنَّ المركَّب فرعٌ عن البسيط، إذاً: الفعل فرعٌ عن المصدر، لكن الفرعيَّة هنا من حيث ماذا؟ لا من حيث الاشتقاق كما قال البصريُّون وإنَّما من حيث كونه مُركَّباً من حدثٍ وزمن، يَرِد الاعتراض: بأنَّه كيف يقال - نَحن نَتكلَّم في العلَّة اللفظية لا المعنويَّة - والحدث والزمن كيف يكون دلالة الفعل عليهما باللفظ؟ هذا جوابه سهل ومَعلومٌ مِمَّا سبق: وهو أنَّ الفعل يدل على المصدر بالمادة، يعني: الحروف، ويدلُّ على الزمن بالصيغة، وهاتان معلومتان من اللفظ تقرأ: ضَرَبَ، تَعْلَم أنَّه على وزن (فَعَلَ) و (فَعَلَ) هذا خاصٌ بالفعل الماضي.
إذاً: دَلَّ على الزمن الماضي بصيغته، وهذه معلومة من اللفظ لا من جهة المعنى، وكذلك الحدث الذي هو (الضَّرْب) دالٌ عليه: ضَرَبَ، ويَضْرِبُ، واضْرِبْ من جهة المادة التي هي الحروف.
إذاً: مذهب الكوفيين مستقيم من هذه الحيثيَّة، لا من حيثيَّة كون المصدر أصلاً والفعل فرعاً، لأن هذا لا يقولون به، وإنَّما ذهبوا إلى التَّعليل السابق، لأنَّهم يَنْفُون ما ذهب إليه البصريُّون.
إذاً: العلَّة اللفظية الفرعية الموجودة في الفعل دلَّ عليها الفعل بنفسه بذاته بلفظه، وهو كونه فرعاً عن المصدر مشتقاً من المصدر، وهذا ما علَّلَ به البصريُّون، وكونه دالَّاً على حدثٍ وزمنٍ وهو ما علَّل به الكوفيُّون، ووجه التَّعليل هنا في الثاني: أنَّ الفعل دالٌّ على حدثٍ وزمن وهو مركَّب، والمصدر بسيط دالٌّ على شيءٍ واحد وهو الحدث ولا يدلُّ على الزَّمن، هذا من جهة اللفظ.
وأمَّا من جهة المعنى فاتَّفق الفريقان على أنَّ كُل فعلٍ لا بُدَّ له من فاعل، لأنَّه حدث وكل حدثٍ وقع أو سيقع لا بُدَّ له من مُحدِث، والمُحدِث هو الفاعل في اصطلاح النُّحاة، والفاعل في اصطلاح النُّحاة لا يكون إلا اسماً، إذاً: ثبت من جهة المعنى أنَّ الفعل فرعٌ عن الاسم.
إذاً: كل فعلٍ فيه عِلَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، أمَّا ما كونه يرجع إلى اللفظ فعلى الصحيح أنَّه فرعٌ عن المصدر، لأنَّه مشتقٌ منه، ولا شَكَّ أنَّ المشتق فرعٌ عن المشتق منه، وأمَّا من حيث المعنى فكل حَدَثٍ لا بُدَّ له من مُحدثٍ وهو الفاعل، إذاً: كل فعل يفتقر إلى اسمٍ، إذ لا يصح أن يقال هذا فعلٌ لا فاعل له.
إذاً: وجد في الفعل عِلَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، إذا وجد في الاسم عِلَّتان فرعيَّتان، إحداهما: ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، إذاً: جنس بِجنس، يعني: مُطلق عِلَّة مع خصوص علَّة، يعني: لا يُنظَر إلى كون العِلَّة الفرعية الموجودة في الاسم أنَّه مُشتقٌ منه وأنَّه فرعٌ عن المصدر كما هو الشأن في الفعل، لأنَّ الاسم لا يشتق هذا الأصل فيه، وكذلك لا يلزم أن يكون له فاعل.
فإذا وجِدَ في الاسم عِلَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، حكمنا على الاسم بكونه قد أشبه الفعل، ما وجه الشَّبه؟ نقول: وجد فيه علَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، هل يُشْتَرط أن تكون نفس العِلَّة هي الموجودة في الفعل أو مُطلق عِلَّة؟ مُطلق العلَّة، لأنَّ العلل المذكورة في الاسم:
اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ
…
رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلَا
ليس فيها كونه مشتقاً من المصدر، وليس فيها كونه مشتقاً إلى الفاعل، إذاً: لم توجد فيه خصوص العِلَّتين الموجودتين في الفعل، وإنَّما المراد الشَّبه في مطلق العلَّة فحسب، حينئذٍ نقول: وجِدَ في الاسم علَّتان فرعيتان، وسيأتي شرح هذا في كلام الشيخ هنا.
فحينئذٍ نقول: إذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، إذا وجِد في الاسم علَّتان نقول: أشبه الاسم الفعل في وجود عِلَّتين فرعيتين، فيأخذ حكمه، وما هو حكم الفعل؟ سلب التَّنوين والخفض بالكسرة، حينئذٍ يُمنع الاسم من التَّنوين ومن الخفض بالكسرة: مَرَرْتُ بأحْمَدَ، نقول:(أحْمَدَ) هذا ممنوع من الصَّرف، لماذا مُنِع من الصَّرف؟ لأنَّه أشبه الفعل في وجود عِلَّتين فرعيتين: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، أخذ حُكْم الفعل في كونه لا يُنَوَّن فيقال:(بِأحْمَدَ) ولا يصح أن يُقال: (بِأحْمَدٍ) وكذلك مُنِع الخفض بالكسرة فيقال: (بِأحْمَدَ) ولا يُقال: (بِأحْمَدِ) لأنَّ التَّنوين لا يدخل الفعل، وكذلك الخفض لا يدخل الفعل، هذا النَّوع الثاني وهو: ما أشبه الفعل فأخذ حكمه.
النَّوع الثالث: وهو الذي ليس من الأوَّل ولا من الثاني، يعني: اسمٌ خالصٌ من شبه الحرف ومن شبه الفعل، خالص .. أعلى الدَّرجات، لأنَّه ليس فيه شائبة الحرف، وليس فيه شائبة الفعل، فحينئذٍ نُوِّن: بتنوين الصَّرف، والتَّمكين، والأمكنيَّة، والتَّمَكُّن، والمعنى واحد ليست أربعة أنواع .. أربعة أسماء والمسمَّى واحد، لماذا نُوِّن بهذا؟ قالوا: هذا التَّنوين وضِع ليدلَّ على هذا المعنى، وهو: أنَّه لم يُشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيُمْنَع من الصَّرف، وهو الذي عناه بقوله:(أتَى) هذا التَّنوين الصَّرف:
. . . . .
أَتَى مُبَيِّنَاً
…
مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ ?لاِسْمُ أَمْكَنَا
(أَمْكَنَا) في باب الإعراب، ما وجه تَمكُّنه في باب الإعراب؟ نقول: الاسم على ثلاثة أنواع:
اسمٌ مبني لكونه أشبه الحرف، واسمٌ مُعرَب لكنَّه نقص بَعضَ إعرابه، وهو المتمكِّن غير الأمكن، وقسمٌ ثالث: مُعرَب كذلك، لَكنَّه مُتمكِّن في باب الإعراب، وهو: المتمكِّن الأمْكَن، فحينئذٍ نقول: أُعْطِي هذا النَّوع الثالث هذا التَّنوين ليدل على هذا المعنى، فمنذ أن تقرأ: زَيْدٌ .. عَمْراً .. خَالِدَاً، إلى آخره تقول: هذا التَّنوين تنوين صرف، يعني: أنَّ: زَيْدْ وخَالِدْ لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصَّرف.
هذا مُرادُه بقوله: (أَتَى) أي: هذا التَّنوين (مُبَيِّناً) حال كونه مُوضِّحاً وكاشفاً (مَعْنَىً) ما هو هذا المعنى؟ المعنى: هو عَدَم مشابهته للحرف والفعل.
(يَكُونُ الاِسْمُ بِهِ أَمْكَنَا) أي: بهذا التَّنوين، فدَلَّ على أنَّه أمْكَن ومُتمكِّن ومصروفٌ، ما هي أسمائه؟ تنوين الصَّرف .. تنوين الأمْكَنيَّة .. تنوين التَّمكُّن والتَّمكين، فهو إذا وجد فيه هذا النَّوع حينئذٍ حَكَمْنا عليه بكونه مُتمكِّناً في باب الإعراب.
(الصَّرْفُ تَنْوِينٌ أَتَى مُبَيِّناً)(تَنْوِينٌ) هذا جنس شمل الأنواع الداخلة على الاسم: تَنْوينْ المقابلة، وتَنْوينْ العِوض، وتَنْوينْ الصَّرْف، وتَنْوِينْ التَّنكير.
(أتَى مُبَيِّناً) هذا فَصْلٌ أخَرَج به ما سوى المعبَّر عنه بالصرف، يعني: ما لا يُعَبَّر عنه بالصرف وهو المقابلة والتَّنكير، والعوض خرج بقوله (أَتَى) أي: ذلك التَّنوين (مُبَيِّناً) هذا حالٌ من فاعل (أَتَى)(مَعْنَىً) هذا مفعولٌ به لـ (مُبَيِّناً)(بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا) يَكُونُ بِهِ، أي: بهذا التَّنوين .. بدخوله (الاِسْمُ يَكُونُ أَمْكَنَا) الألف للإطلاق و (أَمْكَنَا) هذا اسم تفضيل مِنْ: مَكُنَ مَكَانَةً إذا بَلَغَ الغاية في التَّمَكُّنِ، لا مِن: تَمَكَّن، لأنَّه أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل اشتقاقه من غير الثلاثي المجرَّد شاذ.
حينئذٍ (أمْكَن) وهو الذي جرى عليه النُّحاة لا نقول أنه من (تَمَكَّن) وإنَّما نقول هو من (مَكُنَ) مكانةً إذا بَلَغ الغاية في التَّمَكُّنْ، لا مِن (تَمَكَّنَ) خِلافاً لأبي حيَّان ومن وافقه، لأنَّ بناء اسم التفضيل من غير الثلاثي المجرَّد شاذ و (تَمكَّن) هذا شاذ .. هذا ليس ثلاثياً مُجرَّداً.
إذاً: الناظم هنا نصَّ على أنَّ الصَّرف هو التَّنوين وحده، حينئذٍ مذهب ابن مالك هنا في هذا المتن: أنَّ الممنوع من الصَّرْف: هو ما مُنِع التَّنوين فحسب، ما ذكره الناظم: من أنَّ الصَّرف هو التَّنوين، قيل: هو مذهب المحقِّقين، يعني: المتأخِّرين، لوجوه منها:
- أنَّه مطابق للاشتقاق من الصَّرِيف الذي بمعنى (الصوت) إذ لا صوت في آخر الاسم إلا التَّنوين، إذاًَ: هذا بناءً على الخلاف: هل هو مُشتقٌ من الصَّرِيف، أو من الصَّرْف؟ من قال من الصَّرِيف حينئذٍ اختَصَّه بالتَّنوين، من قال من الصَّرف وهو الأفضل بمعنى الفضل، حينئذٍ لا يلتزم ما ذكره الناظم.
- ومنها: أنَّه متى اضْطُر شاعرٌ إلى صَرْف المرفوع أو المنصوب نَوَّنَه، وقيل: صَرَف الممنوع من الصَّرف، مع أنَّه لا جَرَّ فيه، وقيل: الصَّرف هو الجَرُّ والتَّنوين معاً، إذاً: قولان للنُّحاة، وإن كان المشهور أنَّه قد يُطلَق تنوين الصَّرف على غير ما ذُكِر، لكن إذا جيء إلى تمحيص المصطلحات فيَختَص هذا النَّوع بما ذكره الناظم هنا.
قيل: تَخْصِيص تنوين التَّمْكِين بالصَّرف هو المشهور، وقد يُطلق الصَّرْف على غيره من تنوين التَّنْكِير والعِوَض والمقابلة، ويُستثنى نَحو: مُسْلِمَاتٍ، فإنه مُنصرِف مع أنَّه فاقدٌ للتَّنوين المذكور، وهذا قد سبق بيانه، إذاً الصَّرف: هو التَّنوين الدالُّ على مَعْنَىً يَكُونُ الاِسْمُ بِهِ أَمْكَن، وذلك المعنى: هو عدم مشابهته للحرف وللفعل كـ: زَيْدٍ، وفَرَسٍ.
وغير المنصرف، ما هو غير المنصرف؟ هو الفاقد لهذا التَّنوين ما عدى (مُسْلِمَاتٍ) ونحوها، مِمَّا كان التَّنوين فيه تنوين مقابلة وليس تنوين صرفٍ.
قال الشارح هنا: الاسم إن أشبه الحرف سُمِّى مبنيَّاً وغير مُتمكِّنْ، وإن لم يُشبه الحرف سُمِّى مُعرَباً أو مُتمَكِّناً وعليه الاسم قسمان:
مُتمَكِّن وغير متمكِّن (غير المتمكِّن) الذي خرج بالكليَّة عن باب الإعراب، لأنَّ القسمة ثُنائية ولا ثالث لها: إمَّا مبني، وإمَّا معرب، فإذا لم يكن مُعرَباً بالكليَّة حينئذٍ صار مبنيَّاً، ولذلك يُعَبَّر عنه: بأنَّه غير متمكِّن، يعني: لا حَظَّ له ولا نصيب من الإعراب، والمُعرَب هو المُتمكِّن مُتمكِّنٌ في الجملة، ثُمَّ هذا المتَمَكِّنْ على قسمين:
- أحدهما: ما أشْبَه الفعل ويُسمَّى: غير مُنصرِف، ومُتَمَكِّناً غير أمْكًن، سبق أن المراد بـ:(أمْكَن) أنَّه مأخوذ من (مَكُنَ) لا من (تَمَكَّنَ) خلافاً لأبي حيَّان، إذاً: هذا يُسمَّى ماذا؟ أشْبَه الفعل، ثُمَّ هو مُتمكِّن، لكنَّه غير أمْكَنْ، بمعنى أنَّه مُعْرب، والإعراب إنَّما يكون بالرفع والنصب والخفض، والرفع يكون بالضمَّة، والنصب يكون بالفتحة، والخفض يكون بالكسرة.
وهذا النَّوع أعْطِي الضمَّة في الرفع، والفتحة في النصب، لكنَّه سُلِب الكسرة مع أنَّه يستحقها، لأنَّه اسمٌ، حينئذٍ صار مُتَمَكِّناً في باب الإعراب، لأنَّه مُعرَب غير أمْكَنْ لفقده النَّوع الثالث وهو الكسرة، هو مجرور لَكنَّه بغير كسرة.
- والثاني: ما لم يُشْبِه الفعل، ويُسمَّى: مُنصَرِفاً ومُتَمَكِّناً أمْكَنْ، وعلامة المُنصَرِف:
- أن يُجَرَّ بالكسرة مع الألف واللام: مَرَرْتُ بالغُلامِ، وبالإضافة: مَرَرْتُ بِغُلامِ زَيْدٍ، وبدون (أل) و (الإضافة): مَرَرْتُ بغُلامٍ.
- وأن يدخله الصَّرْف: وهو التَّنْويِن الذي لغير مقابلة أو تعويض، لأنَّ المُقابلة إنَّما يكون في جَمع المؤنَّث السالم، وهو مُنصَرِف كذلك، أو تعويض وهذا يكون في المصروف وغير المصروف كذلك، كما سيأتي في: جَوَارٍ وغَوَاشٍ، الدَّالُ على معنىً يستحق به الاسم أن يُسمَّى: أمْكَن، وذلك المعنى هو عدم شبهه الفعل نحو: مَرَرْتُ بِغُلامٍ، إلى آخره.
واحْتَرز بقوله: لغير مُقابَلة: من تنوين: أذْرِعَات ونحوه، فإنَّه تنوين جمع المؤنَّث السالم، وهو يصطحب غير المنصرف، قلنا: أذْرِعَاتْ، هذا ممنوع من الصَّرف ودخله التَّنوين، نقول: اجْتمَع معه التَّنوين لكونه ليس تنوين الصَّرف، والذي يُمْنَع منه الممنوع من الصَّرف هو تنوين الصَّرف، وهذا ليس بتنوين صرف، مِثْلُه مِثْل العِوَض: جَوَارٍ وغَوَاشٍ ولَيَالٍِ، نقول: هذه ممنوعة من الصَّرف وهي مُنَوَّنة، لكن ليس المراد هنا التَّنوين هو تنوين الصَّرف وإنَّما تنوين العِوَض، إذاً: تنوين العِوَض والمقابلة قد يُجامع الممنوع من الصَّرف، بمعنى أنَّه يدخل عليه.
حينئذٍ: إذا وجد أذْرِعَاتٍ، ومُسْلِمَاتٍ، لا نقول: بأنَّه غير ممنوع من الصَّرف لوجود التَّنوين، نقول: لا، هذا التَّنوين ليس هو تنوين الصَّرف الذي يُحْكَم على الممنوع من الصَّرف بكونه ممنوعاً من الصَّرف بسببه، ليس هو هذا التَّنوين، لأنَّه لا يَدلُّ على تَمَكُّن الاسم في باب الإعراب، وإنَّما هو في مُقابلة نون جمع المذكَّر السالم، كذلك العِوَض: عِوَض عن كلمة .. عِوَض عن حرفٍ .. عِوَض عن جملة، هذا التَّنوين قد يدخل الممنوع من الصَّرف ويدخل المصروف.
إذاً: (بغير مُقَابَلة) احترز به من تنوين: أذْرِعاَت، (أو تعويض) احترز به من تنوين: جَوَارٍ وغَواشٍ ونحوهما، فإنه عِوَضٌ من الياء والتقدير: جَوَارِيٌ وغَوَاشِيٌ كما سيأتي، وهو يَصْطَحب غير المنصرف، يعني: تنوين التعويض عن حرفٍ وعن كلمة أو عن جملة، يصْطَحب غير المُنصَرِف كهذين المثالين.
وأمَّا المنصَرِف فلا يدخل عليه هذا التَّنوين، يعني: تنوين العِوَض، إن كان يعني به ما كان عِوَضاً عن حرفٍ قد يُسلَّم له، وأمَّا إن كان المراد به جنس تنوين العوض فلا يُسَلَّم له، لأنَّه سبق معنا: أنَّ (كُل وبعض) التَّنوين فيها عن عِوَض و (كُل وبَعض) لا شَكَّ أنَّهما مصروفان.
إذاً قوله: (وأمَّا المنْصَرِف فلا يدخل عليه هذا التَّنوين) هذا فيه تفصيل، وإن كان بعضهم ذهب إلى أنَّ التَّنوين في (قاضٍ) ونحوه، تنوين عِوَض وليس بتنوين صرف، والصواب: أنَّه تنوين صرفٍ.
ويُجَرُّ بالفتحة إن لم يُضَفْ، أو لم تدخل عليه (أَلْ) يعني: الممنوع من الصَّرف هو الذي يُجَرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وهذا مُقيَّدٌ إذا لم تدخل عليه (أَلْ) أو (يُضَفْ) والصَّواب في التَّعليل هنا: بكونه لم تدخل عليه (أَلْ) أو (يُضَفْ) نقول: لأنَّ الاسم هنا إنَّما سُلِب الخفض بالكسرة وأعْطِي الفتحة لأنَّه أشبه الفعل، فإذا أشبه الفعل حينئذٍ صار له بعدٌ عن الاسم، وإذا كان كذلك فإذا اتَّصل به ما هو من خصائص الأسماء ولا يدخل على الأفعال حينئذٍ ضَعُفَ الشَّبه، فإذا أضِيف حينئذٍ نقول: وجِد فيه شبهٌ بالفعل لكنَّه ليس قوياً، كما هو الشأن في ما إذا وجِد في الاسم شبهٌ بالحرف، قلنا: قد يكون في الاسم شَبهاً بالحرف لكنَّه ليس قوياً، وحينئذٍ لا يَستَلزِم بناءه، وأمَّا إذا كان قوياً فحينئذٍ نقول: هذا يستلزم البناء.
وقلنا هناك: أنَّ (أَيًّا) بجميع أحوالها لا تكون مبنيَّةً إلا في بعض الأحوال، وسبب ذلك أنَّها مُلازمةٌ للإضافة، والإضافة من خصائص الأسماء، إذاً: ضَعُفَ الشَّبه:
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي ..
هنا كذلك: قد يوجد الشَّبه بالفعل لكنَّه ليس قوياً، متى؟ إذا دخل على الاسم الذي وجِد فيه علَّتان دخل عليه ما هو من خصائص الأسماء، وهو (أَلْ) و (الإضافة) حينئذٍ يردُّه إلى أصله وهو الجرُّ بالكسرة، ولذلك الصواب: أنَّه مصروف، لأنَّه دخل عليه ما هو من خصائصه.
ويُجَرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة إن لم يُضَفْ، أو لم تدخل عليه (أَلْ):(مَرَرْتُ بأَحْمَدَ) الباء حرف جر، و (أَحْمَدْ) هذا اسمٌ ممنوع الصَّرف مجرورٌ بالباء، وجرُّه فتحة ظاهرةٌ على آخره نيابةً عن الكسرة، لأنَّه ممنوع من الصَّرف للعلميَّة ووزن الفعل، إذاً: وجِد فيه عِلَّتان.
فإن أضِيف أو دخلت عليه (أَلْ) ضعُف شبهه بالفعل فَجُرَّ بالكسرة على الأصل، فتقول: مَرَرْتُ بأَحْمَدِكُمْ وبالأحْمَدِ (بأَحْمَدِكُمْ) من باب المثال فقط وإلا الاسم لا يُضَاف أو (بالأحْمَدِ) كذلك (أَلْ) لا تدخل على الأعلام.
وإنَّما يُمْنَع الاسم من الصَّرف إذا وجِد فيه علَّتان من عِلَلٍ تسعٍ، أو واحدةٌ منها تقوم مقام العلَّتين، والعلل التِّسع يجمعها قوله:
عَدْلٌ وَوَصْفٌ وتَأْنِيثٌ ومَعْرِفَةٌ
…
وعُجْمَةٌ ثٌمَّ جَمْعٌ ثُمَّ تَرْكِيبُ
وَالنُّونُ زَائِدَةٌ مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ
…
وَوَزْنُ فِعْلٍ وهَذَا القَولُ تَقْرِيْبُ
والأحسن من هذا البيت المشهور:
اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ
…
رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلَا
هذه كلُّها عِلل: منها ما هو راجعٌ إلى اللفظ، ومنها ما هو راجعٌ إلى المعنى.
الذي يرجع إلى المعنى علَّتان فقط: العلميَّة والوصفية، هاتان عِلَّتان معنويَّتان: الأولى (الوصفية) والثانية (العلميَّة) وكلٌّ منهما فرع، وجه فرعيَّة (الوصفية) أنَّ الوصف مُفتقرٌ إلى موصوف، إذا كان كذلك صار الموصوف أصلاً والوصف فرعاً، مثل القول في الفعل لكونه مُفتقراً إلى اسمٍ .. إلى محدثٍ .. إلى فاعل، والفاعل لا يكون إلا اسْماً، إذا قلت: هذا صفة حينئذٍ يستلزم أن يكون له موصوف، فكل صفة مُفتقِرة إلى موصوفٍ، أين يظهر أثرها .. أين يَتعلَّق هذا المعنى .. بماذا يَرتبط؟ لا بُدَّ له من موصوفٍ يكون مُتعلِّقاً بهذه الصفة.
إذاً: الصِّفة مفتقرة إلى موصوف فصارت (الوصفية) فرعاً بهذا الاعتبار، فهي معنىً من المعاني، و (العلميَّة) كذلك فرع، لأنَّ العَلَم معرفة، والأصل في الاسم: التَّنْكِير، إذاً: إذا وجِد الاسم معرفةً، نقول: هذا فرعٌ عن أصلٍ وهو كونه نكرة.
إذاً: هاتان علَّتان ترجعان إلى المعنى، وأمَّا كون العدل فرعاً فلأنَّ العدل خلاف الأصل، وسيأتي أنَّه: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، مثاله: عُمَرْ (عُمَرْ) هذا معدولٌ عن (عَامِرْ) الأصل: (عَامِرْ) و (عُمَرْ) معدول، إذاً: أيُّهما أصلٌ وأيُّهما فرع؟ لا شك أن (عَامِرْ) المعدول عنه هو أصل، و (عُمَرْ) المعدول هذا فرع، إذاً صار العدل فرعاً من هذه الحيثيَّة.
كذلك (أُحَاد) و (مَوْحَد) و (ثُناء) و (مَثْنَى) كلَّها معدولة عن (واحدٍ .. واحدٍ) و (اثنين .. اثنين) وكذلك: (مَثْلَثْ ومَرْبَعْ) كما سيأتي، إذاً: العدل فرعٌ من هذه الحيثيَّة: أنَّه يستلزم معدولاً عنه، سواءٌ كان ملفوظاً به موجوداً في لسان العرب، أو كان مُقدَّراً.
(وَوَصْفٌ) عرفنا (الوصفية) أنَّها عِلَّةٌ معنويَّة، وأنَّها مفتقرة إلى موصوفٍ، وهذا وجه كونها فرعاً.
(وتَأْنِيثٌ) إذا وجِد في الاسم عِلَّة وهي كونه مؤنَّثاً، نقول: هذه العِلَّة سواءٌ كانت لفظية أو معنويَّة هذه العلَّة فرعية، لأنَّ الأصل: التذكير، فالمُذَكَّر أصل والمؤنَّث فرع، فإذا وجِد الاسم مؤنَّثاً قلنا هذه عِلَّةٌ فرعية، فرعاً عن المذكَّر، لأنَّ التذكير هو الأصل.
(ومَعْرِفَةٌ) المراد بالمَعْرِفَة هنا (العلميَّة) وسيأتي لماذا اختَصَّ العلم فقط دون سائر المعارف في هذا الباب، (مَعْرِفَةٌ) إذاً:(العلميَّة) فرعٌ، لأنَّ الأصل: هو التَّنكير.
(وعُجْمَةٌ) وهو أن يكون اللفظ على الأوضاع الأعْجَمِيَّة، وهذا واضحٌ بيِّن، لأنَّ العربي الفصيح، أو العربي مُطلقاً، إذا أراد أنْ يَتكلَّم فالأصل: أنَّه يتكلَّم بلسانه .. أن يأتيَّ بكلامٍ عربيٍّ من مُسند ومُسند إليه، وكلٌّ من الكلمتين عربيَّتين، فإذا استعمل ما ليس بعربي، حينئذٍ نقول: هذا عدولٌ عن أصلٍ إلى فرعٍ، فإذا استعمل كلمةً أعْجَمِيَّة نقول الأصل: أنَّه يستعمل كلمة عربية، هذا وجه الفرعية.
(ثٌمَّ جَمْعٌ)(جَمْعٌ) لا شكَّ أنَّه فرعٌ عن المُفرَد، فالأصل في الاسم: أن يكون مُفرداً، فإذا جاء جَمعاً قلنا: هذا فرعٌ إذا وجِد فيه علَّة فرعية.
(ثُمَّ تَرْكِيبُ) والمراد به: المُرَكَّب المَزْجِي كما سيأتي، المُرَكَّب المَزْجِي: بَعْلَبَكَّ، وحَضَرَمَوت، وسِيبَويه، ونحو ذلك، حينئذٍ إذا كان الاسم مُرَكَّباً قلنا: هذه علَّةٌ فرعية والأصل: عدَم التَّرْكِيب.
وَالنُّونُ زَائِدَةٌ مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ ..
يعني: أن الألف والنُّون يكونان زائدتين، حينئذٍ المزيد عليه دون زيادةٍ أصلٌ لِمَا زيد، فـ:(عُثْمَانْ) الألف والنُّون زائدة، وأصل الكلمة مُؤَلَّفة من: عين، وثاء، وميم، حينئذٍ نقول الأصلُ: عدم الزيادة فما زيد عليه صار فرعاً.
(وَوَزْنُ فِعْلٍ) إذا كان الاسم على وزنٍ من أوزان الفعل نقول: هذا فرعٌ، لماذا الفرعيَّة ثبتت هنا؟ لأنَّ الاسم الأصل فيه: أن يكون على وزنٍ خاصٍ به، والفعل الأصل فيه: أن يكون على وزنٍ خاصٍ به، حينئذٍ: إذا جاء الاسم على وزنٍ لا يَختصُّ به وإنَّما جاء على وزن يَختصُّ بالفعل، حينئذٍ نقول هنا: جاء على فرعٍ، فالأصل في الاسم أن يكون على وزنه هو الخاص به، فإذا جاء على وزنٍ لا يَختصُّ به حينئذٍ نقول: عَدَل عن أصلٍ إلى فرعٍ وهو كونه على وزن الفعل.
(وَهَذَا القَولُ تَقْرِيبُ) وهذا الشَّرح مبسَّط.
حينئذٍ نقول: هذه العلل التِّسعة إذا وجِد منها اثنتان إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، ثبت كون الاسم ممنوعاً من الصَّرف، وحُصِرت العِلَّة المعنويَّة في اثنين لا ثالث لهما وهما (العلميَّة والوصفية) وما يقوم مَقام علَّتين منها اثنان فقط، وهما: ألف التَّأنيث مُطلقاً والجمع المتناهي، ألف التَّأنيث مُطلقاً سواءٌ كانت مقصورة أو ممدودة .. اسماً .. عَلَماً .. أم نكرة .. معرفة إلى آخره كما سيأتي، أو الجمع المتناهي كـ: مَسَاجِد ومَصَابِيح، وهو ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل).
إذاً: الاسم إذا وجد فيه عِلَّتان تدلُّ على أنَّه فرعٌ، وكانت إحدى العلَّتين راجعةً إلى اللفظ والأخرى راجعةً إلى معناه، فحينئذٍ نَحكم عليه بكونه قد أشبه الفعل، إذاً: هذه كلُّها عِلَل سيذكرها الناظم عِلَّةً عِلَّة، وبعد أن ننتهي منها نأخذ حكمها من حيث التنكير والتعريف.
قال:
فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ
…
صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ
هذا ما يقوم فيه عِلّةٌ مَقام علَّتين، وليس المراد عِلَّتان مَقام علَّتين بالفعل، وإنَّما يُنْظَر إلى هذه العِلَّة من جهتين: إحدى الجهتين ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، فحينئذٍ بالنَّظريين بالاعتباريين جعلوا هذه العِلَّة قائمة مقام علَّتين.
ثُمَّ اعلم أنَّ تسميتهم (عِلَّة) هذا من قبيل المجاز فحسب، يعني إذا قيل: علَّتان، يعني: سببان قامَا بالاسم، هذان السَّببان هو علَّةٌ واحدة، فإذا قيل مُنِع للعمليَّة ووزن الفعل، العلميَّة جزء عِلَّة، ووزن الفعل جزء عِلَّة، وإنَّما أطلِق على كل واحدٍ من هذين اللفظين أنَّه علَّة من باب التَّوسع والمجاز.
(فَألِفُ) الفاء هذه فاء الفصيحة (ألِفُ التَّأنيث مُطْلَقاً مَنعْ)، (التَّأنيث) سيأتي أنَّ له علامة:
عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ
…
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ
(فَألِفُ التَّأنيث) مِمَّا يُعرَف به أو يُحْكَم به على كون اللفظ مؤنَّثاً، حينئذٍ: إذا وجد الاسم مَختوماً بـ (ألِفُ التَّأنيث مُطْلَقاً) كما قال النَّاظم (مُطْلَقاً) يعني: مقصورةً كانت أو ممدودة، حينئذٍ حَكَمنَا على الاسم بكونه ممنوعاً من الصَّرف، فيُسْلَب منه التَّنوين والخفض بالكسرة (مُطْلَقاً مَنَعْ) يعني: دون تفصيل، فكل اسم مختوم بألف التَّأنيث كـ: حُبْلى، وَسَلْمَى المقصورة، أو الممدودة كـ: خَضْرَاء، وَحَمْرَاء، وَصَفْرَاء، وَصَحْراء ونحو ذلك، حَكَمنَا عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، لقيام هذه الألف في الموضعين مَقَام العلَّتين، إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى.
(فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقاً)(مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير في (مَنَعْ) العائد على المبتدأ (أَلِفُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (التَّأْنِيْثِ) مضاف إليه، (مَنَعَ) فعل ماضي والفاعل ضمير مستتر يعود على (أَلِفُ التَّأْنِيْثِ) وذكَّره باعتبار كونه ألفاً ولم يَقل (مَنَعَتْ) وإنَّما قال (مَنَعَ) دليل على أنَّه راعى فيه الحرف.
(فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مَنعْ مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر "فاعل" العائد على المبتدأ، (صَرْفَ) هذا مفعولٌ به (صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ)(الَّذِي حَوَى) بمعنى جمع (صَرْفَ الَّذِي) ما إعراب (الَّذِي)؟ (صَرْفَ) مضاف و (الَّذِي) مضاف إليه، لكنَّه في المعنى صفى لموصوفٍ محذوف (صَرْفَ الاِسْم الذِي حَوَاهُ) يعني: ما هو فيه (الَّذِي حَوَاهُ) يعني: ما هو فيه (الَّذِي حَوَاهُ) فيه ضميران هنا (حَوَى) ضميرٌ مستتر وضميرٌ بارز، الضمير المستتر هذا يعود على الموصول الذي قلنا صفةٌ للاسم، والبارز يعود على ألف التَّأنيث كأنَّه قال: صَرْفَ الاِسْم الذي حوى ذلك الاسم الألف .. ألف التأنيث، فالاسم: صَحْراء حَوَى ذلك الألف، يعني اتَّصلَت به الألف فهو جامعٌ لها.
(كَيفَمَا وَقَعْ)(كَيفَمَا) اسم شرطٍ على مذهب الكوفيين و (وَقَعْ) هذا فعل الشَّرط والجواب محذوف دلَّ عليه قوله (مَنَعْ) والتقدير (كَيفَمَا وَقَعْ ألِفُ التَّأنيث) الجواب: (مَنعْ صَرْفَ الذِي حَوَاهُ) يعني: حَوَى ذلك الاسم ذلك الألف، أو أنَّ الضمير وقع للاسم الذِي حَوَى الألف التَّأنيث، وتقدير الجواب على هذا (كَيفَمَا وَقَعَ امْتَنَعَ صَرْفُه).
وهنا تعميم (كَيفَمَا وَقَعَ) يعني كَيفَمَا كان حال الاسم مع تلك الألف سواءٌ كان اسماً نكرة أو معرفة .. مفرداً أو جمعاً مطلقاً بدون استثناء، كُلُّ مَا كان اسماً واتَّصلت به هذه الألف فاحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف سواءٌ وقع نكرة كـ (ذِكْرَا وصحراء) أو معرفة كـ (رَضْوَى وزَكَرِياء) يعني: علم مفرداً كما مر أو جمعاً كـ (جَرْحَى وأصْدِقَاء وأنصباء) اسماً كما مر أو صفةً كـ (حُبْلى وحمراء).
(مُطْلَقاً) كلما وجدت الاسم متَّصِلاً بألف التَّأنيث مقصورةً كانت أو ممدودة فاحكم عليه بأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، وسيأتي مواضع الألفين في بابٍ خاص بهما في محله إن شاء الله تعالى.
وإنَّما استقلَّت بالمنع وهي صفة واحدة .. لماذا استقلَّت بالمنع؟ قالوا: لأنَّها قامت مقام علَّتين يعني وجِد في ألف التَّأنيث سببان: أحدهما يرجع إلى اللفظ والآخر يرجع إلى المعنى، لأنَّها قائمةٌ مقام شيئين وذلك لأنَّها لازمة لما هي فيه يعني: الألف الأصل فيها: أنَّها تنفصل وتتَّصل، العلامة .. إذا عُلِّم الشيء بكونه مؤنَّثاً أو بكون مثنَّىً أو بكونه جمعاً أو بكونه مذكَّراً ونحو ذلك الأصل في العلامة أنَّها تنفك وتنفصل، فإذا لزمت حينئذٍ صار فيها فرعاً وهو: كونها لازمةً لمدخولها والأصل: الاتِّصال والانفكاك .. تنفك تارة وتتَّصل تارةً، إذا اتَّصلت على جهة اللزوم نقول هذا خروجٌ عن الأصل وإذا كان كذلك صار فرعاً.
إذاً عندنا أصلٌ وهو جواز الحالين، وعندنا فرعٌ وهو اللزوم، إذاً لمَّا لزمت هذه الألف نقول حينئذٍ صار فيها فرعٌ وهو كونها لازمةً.
وإنَّما استقلَّت بالمنع لأنَّها قائمةٌ مقام شيئين، وذلك لأنَّها لازمةٌ لما هي فيه بخلاف التاء فإنَّها في الغالب مقدَّرة الانفصال، تاء التَّأنيث مثل (فَاطِمَة وعَائِشَة وقَائِمَة) مقدَّرة الانفصال. ففي المُؤَنَّث بالألف ألف .. التَّأنيث المقصورة والممدودة فرعيةٌ من جهة التَّأنيث وفرعيةٌ من جهة لزوم علامته بخلاف المؤنث بالتاء.
إذاً: كونه مُؤَنَّثاً هذه علَّةٌ معنوية وكون الألف لازمةً هذه علَّةٌ لفظية، لأنَّ الألف ملفوظٌ بها (صحراء .. حُبْلى .. سَلْمَى) تلفظ بالألف، حينئذٍ كونها لازمة ولا تَلْفِظ بهذه الكلمة دون الألف مقصورة أو ممدودة قالوا: هذه علَّةٌ لفظية ترجع إلى اللفظ وهو كونها لازمة، وكونها مؤنَّثاً قالوا هذه علَّةٌ معنوية ترجع إلى المعنى.
ألِفُ التَّأنيث لها جهتان:
أولاهما: الدَّلالَّة على أنَّ مدخولها مُؤَنَّث والمؤَنَّثٌ فرعٌ عن المذكر.
وثانيهما: لزوم هذه الألف لمصحوبها بخلاف التاء تاء التَّأنيث فإنَّها غير لازمة لمدخولها.
إذاً: علَّتان أو سببان قاما مقام علَّةٍ واحدة: التَّأنيث ولزومه، وهذا مرادهم بكون الألف هنا قامت مقام علَّتين: كونه مؤنَّثاً وكونه لازماً، إذاً لو قيل لك: ما هما السَّببان اللذان مُنِعَ بسببهما صرف ما اتَّصلت به ألف التَّأنيث؟ تقول: التَّأنيث هذا أولاً، وثانياً: لزومه وإن كان بعضهم يعبِّر عن الأوَّل بأنَّه معنوي والثاني بأنَّه لفظي .. على كلٍّ الحاصل أنَّ التَّأنيث لفظي.
ولذلك قال:
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ ..
فإذا لم توجد لفظاً قدَّروها، لأنَّ التَّأنيث لا بد أن يكون له علامة ملفوظاً بها، إما ألف بنوعيها وإما تاءٌ، إذا لم يكن مثل (هِنْدْ) قالوا (هُنَيْدَةٌ) التصغير دلَّ على أنَّ ثَمَّ هاء محذوفة كما سيأتي في محله، إذاً العلَّة هنا: التَّأنيث ولزومه فالتَّأنيث علَّة لفظية واللزوم علَّةٌ معنوية.
فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ
…
صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ
صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ يعني: صرف ما هي فيه (كَيفَمَا وَقَعْ) هذا تعميمٌ من النَّاظم، ثم قال:
وَزَائِدَا فَعْلَانَ فِيْ وَصْفٍ سَلِمْ
…
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ
(وَزَائِدَا) هذا بالألف معطوف على الضمير المستتر في (مَنعْ)
فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ
…
صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ ............
ومَنعْ َزَائِدَا فَعْلَانَ صَرْفَ الذي حَوَاهُ؛ لأنَّ الضمير هناك مستتر، وسوَّغ عطف الاسم الظاهر على الضمير المستتر الفصل بالمفعول به (صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ)(صَرْفَ) هذا مفعولٌ به (وَزَائِدَا) معطوفٌ على الضمير المستتر وفُصِل بينهما بالمفعول به، ويجوز أن يكون (وَزَائِدَا) هذا مبتدأ خبره محذوف (وَزَائِدَا فَعْلَانَ) كذلك يعني: يمنع من الصَّرف، إذاً (زَائِدَا) هذا تثنية (زائد) والألف محذوفة للإضافة فهو مضاف (وَفَعْلَانَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحة نيبابةً عن الكسرة، لأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف.
إذاً: (وَزَائِدَا فَعْلَانَ) يحتمل إعرابيين: أنَّه معطوفٌ على الضمير المستتر في (مَنعْ) وسوَّغ العطف الفصل بالمفعول به {أَوْ فَاصِلٍ مَا} كما قال ابن مالك.
والوجه الثاني وهو كذلك صحيح: أنَّ يكون مبتدأً خبره محذوف، (وَزَائِدَا فَعْلَانَ) كذلك يعني (مَنعَ الَّذِي حَوَاهُ).
(وَزَائِدَا فَعْلَانَ) ما هما الـ (زَائِدَا فَعْلَانَ)؟ (فَعْلَانَ) هذا مقصودٌ لفظه يعني: ما كان على هذا اللفظ فلا يقال (فُعْلَانَ أو فِعْلَانَ) مثله بل هو بفتح أوَّله مع كونه زائد الألف والنُّون، (وَزَائِدَا فَعْلَانَ) وهما الألف والنُّون، (فِي وَصْفٍ) هذا حالٌ من (زَائِدَا) حال كونه (فِي وَصْفٍ) لا في غير وصفٍ فإن كان في غير وصفٍ كالاسم لم يمنع وهذا قيدٌ أوَّل: أن يكون وصفاً فإن كان في الاسم كـ (سَرْحَان) اسمٌ للثُّعْبان ونحوه حينئذٍ نقول غير ممنوع من الصَّرف لهذه الحيثيَّة هنا.
فُهِم منه أنَّ الزِّيادة لو كانت في غير وصفٍ لم يمنع نحو (سَرْحَانَ)(فِي وصْفِ) هذا قيدٌ أوَّل:
............................. سَلِمْ
…
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ
(سَلِمَ) يعني: الوصف (مِنْ أَنْ يُرَى) يرى ذلك الوصف (خُتِم بِتَاءِ تَأْنِيِث) يعني: مختوماً بتاء تأنيث، و (يُرَى) تتعدَّى إلى مفعولين:
الأوَّل: هو نائب الفاعل.
والثاني: جملة (خُتِمْ) أي: مختوماً.
وقوله: (بِتَاءِ تَأْنِيثٍ) هذا متعلِّقٌ بـ (خُتِمْ) .. (خُتِمْ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة، إذاً:
(فِي وصْفٍ سَلِمَ مِنْ أنْ يُرَى مخُتِوماً بِتَاءِ تَأْنِيِث) فشرط لك في باب (فَعْلَانَ) الذي يُمْنع من الصَّرف بسبب الزِّيادة مع الوصفية: ألا يكون مختوماً بتاء التأنيث أي: ومَنعَ صَرْفَ الاِسْمِ أيضاً زَائِدَا فَعْلَانَ بهذا الشرط وهو كونه وصفاً، زاد في العمدة ابن مالك شرطاً ثانياً على وصفٍ: وهو أصالة الوصفية، احترازاً عمَّا عرضت فيه الوصفية نحو (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَفْوانٍ قَلْبُه) (صَفْوانٍ) هذا (فَعْلَانَ) الأصل: أنَّه علمٌ واسمٌ للحجر الأملس، لو نقل وجُعِل وصفاً إذاً هو في الأصل ليس بوصفٍ هو اسمٌ للحجر الأملس، لو قيل (هذا قَلْبٌ صَفْوَان) بمعنى أنَّه قاسي حينئذٍ نقول هذا وصفٌ، لكن هل الوصف هنا أصلي أم عارض؟ عارض ليس بأصلي، إذاً: وَصْفٌ يشترط فيه أن يكون أصليَّاً احترازاً من الوصف العارض فلا يؤثِّر. وهو أصالة الوصفية احترازاً عمَّا عرضت فيه الوصفية نحو (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَفْوانٍ قَلْبُه) يعني: قلبه قاسٍ.
(وَزَائِدَا فَعْلَانَ) إذاً قوله (فَعْلَان) نأخذ منه التَّنصيص على أنَّ هذا المنع مخصوصٌ بهذا الوزن فلا يمنعان في غيره من الأوزان كـ (فُعْلَان)(خُمْصَان) مثلاً لا يقال بأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، لأنَّ المخصوص هنا هو ما كان مفتوح الفاء لعدم شبههما في غيره بألف التأنيث كما سيأتي.
كذلك كونه (سَلِمْ) جملة (سَلِمْ) نعتٌ لـ (وصْفٍ)(وصفٍ سالمٍ) ذلك الوصف (مِنْ أَنْ يُرَى) الوصف مختوماً بتاء تأنيث، إذاً (فَعْلَان) إذا كان مختوماً بتاء التأنيث فإنَّه مصروف مثل (نَدْمَان ونَدْمَانَةٌ) وأمَّا الذي عناه الناظم هنا:
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيثٍ خُتِمْ ..
يعني: أن يكون سالماً من ختمه بتاء التأنيث هذا لاحتمالين:
إمَّا لأنَّ مؤَنَّثَهُ ليس (فَعْلَانَ)، في اللغة (فَعْلَانَ) على ثلاثة أحوال:
إمَّا أن يكون (فَعْلَانَ)(فَعْلى) يعني مُؤَنَّثُه على وزن (فعْلَى)(غَضْبَانْ .. غَضْبَى .. سَكْرَانْ .. سَكْرَى .. عطْشَانْ .. عَطْشَى).
الثاني: (فَعْلَانَ) لا مؤَنَّث له .. لم يسمع له مؤَنَّث قالوا مثل: (لَحْيَان) كثير اللحية ليس له مؤَنَّث، هذان النُّوعان ممنوعان من الصَّرف الأوَّل اتفاقاً والثاني على الصَّحيح، يعني (فَعْلَانَ .. فَعْلَى) ممنوعٌ من الصَّرف باتفاق، و (فَعْلَانَ) لا مؤَنَّث له ممنوع من الصَّرف على الصَّحيح، بقي (فَعْلَانَ) .. (فَعْلَانَةٌ) اتَّصلت به التاء هذا مصروفٌ وهو الذي عناه الناظم هنا.
إذاً ثلاثة أحوال لـ (فَعْلَانَ) وهذه كلَّها في مفتوح الفاء والألف والنُّون زائدان حينئذٍ متى يمنع من الصَّرف؟ (فَعْلَانَ .. فَعْلَى) و (فَعْلَانَ) لا مؤَنَّث له، بقي (فَعْلَانَ .. فَعْلانَةٌ) هذا مصروفٌ، إذاً:
............................. سَلِمْ
…
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ
إمَّا لأنَّ مؤنَّثه (فَعْلَى) كـ (سَكْرَان وغَضْبَان ونَدْمَان) من النَّدم لا من المُنَادمة وهذا متَّفقٌ على منع صرفه، لأنَّ (سَكْرَان) مؤَنَّثُه (سَكْرَى) و (غَضْبَان) مؤَنَّثُه (غَضْبَى) و (نَدْمان) مؤنَّثُه (نَدْمى)، إذاً وجد مؤنَّثُه غير مختوم بتاء التأنيث وله مؤنَّث وهو (فَعْلَى) نظرنا فيه فإذا به ليس مختوماً بتاء التأنيث إذاً هو داخلٌ في كلام الناظم، طيب! إذا لم يكن له مؤنَّث هذا محتمل لدخوله كلام الناظم وغير محتمل. وإمَّا لأنَّه لا مؤنَّث له نحو (لَحْيَان) فعلان لكبير اللحية وهذا فيه خلاف، هذا النُّوع (فَعْلَان) لا مؤنَّث له فيه خلاف، فمن لم يشترط لمنع صرف (فَعْلَانَ) إلا انتفاء فعلانة منعه من الصَّرف.
متى يكون (فَعْلَانَ) ممنوعاً من الصَّرف؟ إذا لم يكن له مؤنَّث مختوماً بالتاء .. بالنفي، مفهومه: أنَّه قد يكون له مؤنَّث وقد لا يكون، متى يمنع من الصَّرف (فَعْلَانَ)؟
كلام الناظم هنا قال: فِي وصْفٍ سَلِمَ مِنْ ختمه بالتاء إذاً كونه سالماً من أن يُخْتَم بالتاء مفهوم المخالفة: أنَّه إذا كان غير مختوم بالتاء فهو ممنوعٌ من الصَّرف، يدخل فيه ما هو؟ إن لم يكن له مؤنَّث، لأنَّه ماذا اشترط في (فَعْلَانَ)؟ ألا يكون مؤنَّثُه مختوماً بالتاء، هذا يدخل فيه ما ليس له مؤنَّث، حينئذٍ في ظاهر كلام الناظم: أنَّ (فَعْلَانَ) الذي لا مؤنَّث له ممنوعٌ من الصَّرف، لأنَّه اشترط انتفاء فعلانة فحسب، فإذا اشترط انتفاء (فَعْلَانَةٌ) حينئذٍ (لَحْيَان) ليس له (لَحْيَانَة) إذاً هو ممنوعٌ من الصَّرف، كذلك (سَكْرَان) ليس له (سَكْرَانَة) في اللغة المشهورة، حينئذٍ ممنوعٌ من الصَّرف، فمن اشترط في منع صرف (فَعْلَانَ) انتفاء (فَعْلَانَة) منع من الصَّرْف (لَحْيَان).
إذاًَ: وإمَّا لأنَّه لا مُؤَنَّثَ له نحو (لَحْيَانَ) وهذا فيه نزاع فمن لم يشترط لمنع صرف (فَعْلَانَ) إلا انتفاء فعلانة منعه الصَّرْفَ وهو ظاهر مذهب الناظم هنا، ومن اشترط وجود (فَعْلَى) تحقيقاً صرفه يعني:(لَحْيَان وفَعْلَان) النظر إليهما باعتبار المؤنَّث من قال بأنَّ (فَعْلَانَ) لا يكون ممنوعاً من الصَّرف إلا إذا كان مؤنَّثُه على (فَعْلَى) نص على المُؤَنَّث، إذاً ما ليس له مؤنَّث يكون مصروفاً.
إذاً نظر النُّحاة هنا في (فَعْلَانَ) إمَّا أنَّه اشْتَرَطَ في مَنْعِه الصَّرف انتفاء (فعلانة) فيصدق على (فَعْلَى) وما لا مؤنَّث له، وإمَّا أنَّه اشترط وجود (فَعْلَى) حينئذٍ خرج (فعلانة) وخرج ما لا مؤنَّث له فيكون مصروفاً، والمرجَّح عند الجماهير: هو أنَّه انتفاء (فعلانة) الذي ذكره الناظم هنا، فيصدق حينئذٍ على (لَحْيَان) أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف.
ومن اشترط وجود (فَعْلَى) تحقيقاً صرفه والصَّحيح منع صرفه أيضاً ولو اشترطنا وجود (فَعْلَى) لأنَّه وإن لم يكن له (فَعْلَى) وجوداً فله (فَعْلَى) تقديراً، والتقدير في حكم الموجود بدليل الإجماع على منع صرف (أكْمَر وآدَر) هذا سيأتي أنَّه ما كان على وزن (أَفْعَل) مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا، أَفْعَل التَّفْضِيل سيأتي أنَّه يمنع إذا كان مع الوَصْفِيَّة، حينئذٍ إذا لم يكن مختوماً بالتَّاء قالوا: هذا ممنوعٌ من الصَّرف، شمل ما لم يكن مختوماً بالتَّاء كـ (أَفْعَلْ .. فُعْلَى .. أَفْضَلْ .. فُضْلَى) وشمل ما ليس له مؤنَّثاً أصْلاً فدخل فيه: أكْمَر، وآدَر، و (أكْمَر) و (آدَر) لا مؤنَّث لهما فاتَّفقوا هناك على أنَّه ليس له مؤنَّث ومنِع من الصَّرف وهنا ليس له مؤنَّث واختلفوا فيه، إذاً يُحْمَل على ذلك من بابٍ أولى، لأنَّه له (فَعْلَى) تقديراً.
ويدلُّ على ذلك الإجماع على منع الصَّرف في: أكْمَر، وآدَر، مع أنَّه لا مؤنَّثَ له ولو فُرِضَ له مؤنَّث لكان على مؤنَّث (أَحْمَر) لكثرة نظائره، واحترز من (فَعْلَانَ) الذي مُؤَنَّثُه (فَعْلَانَة) فإنه مصروف نحو (نَدْمَان) من المُنَادَمْة و (نَدْمَانَة).
إذاً: (وَزَائِدَا فَعْلَانَ فِي وَصْفٍ) هذا قيد أوَّل ولا بُدَّ من تَقييده: بأن يكون الوصف أصليَّاً لا عارضاً.
(مِنْ أَنْ يُرَى) سلم هذا الوصف:
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيِثٍ خُتِمَ ..
حينئذٍ دخل فيه ما لا مؤنَّثَ له أصلاً، وما له مؤنَّث ليس مختوماً بالتَّاء وهو (فَعْلَانَ)(فَعْلَى) وخرج بقوله (مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيِث) ما قد كان متَّصلاً بتاء التَّأنيث، إذاً يُمْنَع الاسم من الصَّرف للصِّفَة وزيادة الألف والنُّون.
قالوا: وإنَّما مُنِعَ نحو (سَكْرَان) من الصَّرف لتحقق العلَّتين الفرعيَّتين، وما هما؟
(الوَصْفِيَّة) فرعٌ عن الموصوف، لأنَّها وصف إذا قيل (عَطْشَان) هذا وصف لشخصٍ متَّصف بالعطش، إذاً الوصف مفتقرٌ إلى الموصوف، وكونه بزائدين وهما الألف والنُّون هذا فرعٌ عن المزيد، وإنَّما مُنِع نحو (سَكْرَان) من الصَّرف لتحقق العلَّتين الفرعيَّتين فيه، أمَّا فرعيَّة المعنى فلأنَّ فيه الوَصْفِيَّة وهي فرعٌ عن الجمود، لأنَّ الصِّفة تحتاج إلى موصوفٍ يُنْسَب معناها إليه والجامد لا يحتاج إلى ذلك.
وأمَّا فرعيَّة اللفظ فلأنَّ فيه الزِّيادتين المضارعتين لألفِّي التَّأنيث في نحو (حَمْرَاء) في أنَّهُما في بناءٍ يخصُّ المذكَّر كما أنَّ ألفِّي (حَمْرَاء) في بناءٍ يخصُّ المؤنَّث، إذاً (حَمْرَاء) هذا سيأتي التَّفصيل فيه.
قيل التَّأنيث هنا حاصلٌ بألفٍ وهمزة وهذا فيه نظر، لأنَّه لا يجتمع علامتان على اسمٍ واحد، لا بُدَّ من واحدٍ منهما، على كُلٍّ المراد هنا أنَّ (حَمْرَاء) فيه علامتان زائدتان للدَّلالة على التأنيث وهو خاصٌّ بالمُؤَنَّث، هنا (فَعْلَانَ) له مؤَنَّث إذاً هو صار خاصاً بالمُذَكَّر، إذاً فيه زيادتان خاصَّتان بالمُذَكَّر، إذاً أشبه (حَمْرَاء وصَحْرَاء).
وأنَّهما لا تلحقهما التَّاء فلا يقال (سَكْرَانْة) كما لا يقال (حَمْرَاءَة) مع أنَّ الأول من كلٍّ من الزِّيادتين ألف: (سَكْرَانْ وحَمْرَاء) الألف، والثاني: حرفٌ يُعَبِّر عن المتكلِّم في (أَفْعَل ونَفْعَل) الذي هو (حَمْرَاء) الهمزة، والنُّون بعد الألف (نَفْعَلُ) فلما اجتمعا في نحو (سَكْرَان) الفرعيَّتان امتنعا من الصَّرف، على كُلٍّ هذا تعليل فيه نظر.
هنا قال ابن عقيل: بشرط ألا يكون المُؤَنَّثْ في ذلك مختوما بتاء التأنيث وذلك نحو (سَكْرَانْ وعَطْشَانْ وغَضْبَانْ) فتقول هذا (سَكْرَانُ ورَأْيِتُ سَكْرَانَ)، إذاً هذا (سَكْرَانُ) ممنوعٌ من التَّنوين ولم يُمْنَع من الخفض لعدم وجود عامله فلا اعتراض حتى لو نُوِّن في الشعر وقيل صُرِفَ حينئذٍ صُرِفَ لكون المقتضي للجَر منتفي حينئذٍ لا يُعْتَرض بكونه هذا ممنوعاً من الصَّرف، نقول نعم صُرِف لعدم وجود المقتضي للخفض لكن إذا اجتمعا فلا إشكال؟؟؟.
فـ (سَكْرَان) هنا نقول: ممنوعٌ من الصَّرف للوصفية وزيادة الألف والنُّون وحينئذٍ يُسْلب التَّنوين و (رَأْيِتُ سَكْرَانَ) ولا تقل (سَكْرَاناً)(وَمَرَرْتُ بِسَكْرَانَ) بالفتحة نيابةً عن الكسرة فتمنعه من الصَّرف للصِّفَة وزيادة الألف والنُّون، والشرط موجودٌ فيه لأنَّك لا تقول للمؤنثة (سَكْرَانَة) باللغة الفصحى، وإنَّما تقول (سَكْرى) وكذلك (عَطْشَان وغَضْبَان) فتقول (امْرأَةٌ عَطْشَى وغَضْبَى) ليس فيه التَّاء، إذاً:
............................. سَلِمْ
…
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ
ولا تقول: عَطْشَانَة، ولا غَضْبَانَة، فإن كان المُذَكَّر على (فَعْلَانْ) والمُؤَنَّثْ على (فَعْلَانَة) صرفتَ فتقول: هذا رَجُلٌ سَيفَانٌ، يعني: طويل، وَرَأَيْتُ رَجُلاً سَيفَانَاً، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَيفَانٍ، فتصرفه لأنَّك تقول للمؤنَّثة (سَيفَانَةُ) أي: طويلة.
إذاً: (فَعْلَان) .. (فَعْلَانَةٌ) مصروفٌ و (فَعْلَانْ) .. (فَعْلَى) و (فَعْلَان) لا مؤَنَّث له هذا ممنوعٌ من الصَّرف، وأمَّا (فَعْلَان) .. (فَعْلَانَة) فهذا معدود قيل أنَّه (اثنا عشر لفظاً) وقيل (أربع عشرة لفظاً) جمعها ابن مالك في قوله:
أَجِزْ فَعْلَى لِفَعْلَانَا
…
إِذَا اسْتَثْنَيْتَ حَبْلَانَا
وَدَخْنَانَا وسَخْنَانَا
…
وسَيِفَانَاً وَصَحْيَانَا
وَصَوجَانَاً وَعَلَاّنَا
…
وَقَشْوَانَاً ومَصَّانَا
وَمَوتَانَاً وَنَدْمَانَا
…
وَأتْبِعْهُنَّ نَصْرَانَا
هذه اثنا عشر (فَعْلَانْ .. فَعْلَانَا) ما عداها ممنوعٌ من الصَّرف، زاد المُرَادي لفظتين فتصير أربعة عشر لفظاً:
وَزِدْ فِيهِنَّ خَمْصَانَا
…
عَلَى لُغَةٍ وَأَليَانَا
أربعة عشر لفظاً تحفظها حينئذٍ تعرف أنَّ ما عداها ممنوعٌ من الصَّرف.
ثم قال:
وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلَا
…
مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا
وَوَصْفٌ اصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلَا ..
إذاً: إذا اجتمع في الاسم هاتان العلَّتان: كونه وصفاً وقيَّدَه بكونه أصليَّاً احترازاً من الوصف العارض كما سيأتي، وكونه على وزن (أَفْعَلَ) على هذا الخصوص دون غيره. بشرط: أن يكون (أَفْعَلَ) ألا تتَّصل به تاء التأنيث حينئذٍ نَحْكُم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف يعني: أنَّ الوصف إذا كان على وزن (أَفْعَلَ) وكان مؤَنَّثُه ممنوعاً من التَّاء حينئذٍ لا ينصرف، لأنَّه قال:(مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ) إذاً لم يُخْتَم بالتَّاء، فهو كقوله:
. . . . . . . . . سَلِمْ
…
مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيثٍ خُتِمْ
إذاً: كلٌّ منهما (فَعْلَانَا وأَفْعَلَ) الأوَّل بزيادة الألف والنُّون والثاني وزن الفِعْل، (أَفْعَلَ) إذا لم يكن مختوماً بالتَّاء فهو مثل (فَعْلَانَ) المزيد فيه الألف والنُّون بشرط: ألا يكون مختوماً بالتَّاء، ذاك يشمل ثلاثة أنواع وهنا يشمل أربعة أنواع.
إذاً يعني: أنَّ الوصف إذا كان على زن (أَفْعَلَ) وكان مُؤَنَّثُه ممنوعاً من التَّاء .. غير مختوم بالتَّاء لا ينصرف، فَفُهِم منه أنَّ (أَفْعَلَ) إذا لم يكن وصفاً انصرف لأنَّه قال (وَصْفٌ) قيَّده (أَفْعَل) قد يكون اسماً كـ (أَفْكَل) قيل هذا اسمٌ للرِّعْدَة حينئذٍ يكون مصروفاً أو لا؟ يكون مصروفاً، لأنَّنا قيَّدنا (أَفْعَل) بكونه وصفاً فإذا لم يكن وصفاً كـ (أَفْكَل) صار مصروفاً.
وفُهِم منه أن (أَفْعَل) إذا كان الوصف به على خلاف الأصل لم يمتنع، لأنَّه قال (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) احترز به عن الوصف غير الأصلي، وذلك كما سيأتي مثاله في النظم أربعاً:
مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ ..
قيل (أَرْبَعْ) على وزن (أَفْعَلْ) وهو في الأصل: اسمٌ للعدد .. معدود .. فقط هذا، حينئذٍ إذا اسْتُعْمِل استعمال الصِّفات وصِف به بِنَسْوَةٍ معدوداتٍ بأَرْبَعة فصار وصفاً، فهذا التَّركيب لا شكَّ أنَّه وصف (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ) هل نصرفه أو نمنعه من الصَّرف؟ لأنَّه على وزن (أَفْعَل) وهو صفة، نقول اجْتَمع فيه العلَّتان (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ) هذا على وزن (أَفْعَل) وكذلك هو وصفٌ لكن الوَصْفِيَّة هنا عارضة والأصل فيه أنَّه اسمٌ فلا يضر حينئذٍ في بقاءه على الأصل كونه موصوفاً به في هذا التَّركِيب.
إذاً: فُهِمَ من قوله:
وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلَا ..
أنَّه إذا كان (أَفْعَلْ) الوصف به على خلاف الأصل لم يمتنع كـ (أَرْبَع) من أسماء العدد، وفُهِم منه كذلك أنَّ الوصف إذا لم يكن على وزن (أَفْعَلْ) بل كان على وزن (فَاعِل أو مَفْعُول) حينئذٍ لا يمنع من الصَّرف، لأنَّ الوصف أعم من أن يكون على وزن (أَفْعَل) أو غيره فـ (ضَارِب) هذا وَصفٌ أَصْلِي لكنَّه لا يُمْنَع من الصَّرف، لانتفاء القيد الثاني: وهو كونه على وزن (أَفْعَل).
فلم يُؤَثِّر ذلك الوصف في المنع كـ (ضَارِب) وفُهِم منه أيضاً: أنَّ (أَفْعَل) الصِّفة إذا أُنِّثَ بالتَّاء حينئذٍ انصرف (أَرْمَل وَأَرْمَلَة)(أَرْمَل) هذا للفقير فإن مُؤَنَّثَه (أَرْمَلة) لأنَّه قال (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ).
قوله: (وَزْنُ أَفْعَلَا) شمل (أَفْعَلَ: فَعْلَاء وأَفْعَلَ .. فُعْلَى) وأَفْعَلَ لا مُؤَنَّثَ لها.
(أَفْعَلْ) في اللغة على أربعة أنحاء لا خامس لها: أفْعَلَ .. فُعْلَى .. أَفْضَلْ .. فُضْلَى، يعني: مُؤَنَّثُه على (فُعْلَى) و (أَفْعَلْ) مُؤَنَّثُه على (فَعْلَاء): أَحْمَرْ .. حَمْرَاء، وأَصْفَرْ .. صَفْرَاء.
و (أَفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له كـ: آدَر، وأكْمَر، هذا لا مُؤَنَّث له لأنها صفات خاصَّة بِالذُّكُور، و (أفْعَلْ .. أفْعَلَةٌ) يعني بالتَّاء هذه أربعة:(أفْعَلْ .. فُعْلَى وأفْعَلْ .. فَعْلَاء) و (أفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له، و (أفْعَلْ .. أفْعَلَةٌ) الثَّلاثة الأوَّل ممنوعة من الصَّرف والرابع الأخير هو الذي احترز به بقوله (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ بِتَا).
إذاً: دخل في قوله (أَفْعَل) أطلق هنا، لأنَّه استثنى حالة واحدة و (أَفْعَلَ) ما دام أنَّه على أربعة أنحاء واستثنى حالة واحدة حينئذٍ قوله (وَوَزْنُ أَفْعَلَا) شمل الثَّلاثة الأحوال (أفْعَل .. فَعْلَاء وأفْعَلْ .. فُعْلَى) و (أَفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له فكلُّها ممنوعةٌ من الصَّرف.
(وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) هذا مبتدأ ويحتمل أنَّه معطوفٌ على قوله (مَنعْ) الضَّمير المستتر ويحتمل أنَّه مبتدأ وسوَّغ الابتداء به وصفه بـ (أَصْلِيٌّ) .. (أَصْلِيٌّ) هذا نعتٌ احترز به عن العارض يعني: شَمِل مااسميَّته عارضة كـ (أَدْهَمْ).
(وَوَزْنُ أفْعَلَا) هذا معطوفٌ على (وَصْفٌ)، (وَزْنٌ) مضاف و (أَفْعَلَا) مضافٌ إليه ممنوعٌ من الصَّرف مجرور بالفتحة والألف للإطلاق، (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ) (مَمنُوعَ) بالنصب حال من (أَفْعَلَا) يعني حال كون أَفْعَلَا:(مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ بِتَا)(بِتَا) يعني بتاءٍ قصره للضَّرورة، (بِتَا) هذا متعلِّق بقوله (تَّأْنِيثٍ)، (كَأَشْهَلَا) وذلك كأشهلا .. الألف للإطلاق، فـ (أَشْهَلَا) هذا ممنوعٌ من الصَّرف لكونه وصفاً أصلياً وعلى وزن (أَفْعَلَا) والشَّهَلُ: قيل في العين أنْ يَشوب سَوادَها زُرْقَة، فهو وصفٌ أصلي وجاء على وزن (أَفْعَلَا).
وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلَا
…
مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا ..........
أي: ويمنع الصَّرف أيضاً اجتماع الوصف الأصلي وَوَزْنُ أفْعَلَا بشرط: ألا يقبل التَّأنيث بالتَّاء، إمَّا لأنَّ مُؤَنَّثَه (فَعْلاء) كـ (أَشْهَلْ .. شَهْلاء)(أَشْهَلْ) للمُذَكَّرْ (وشَهْلاء) للمُؤَنَّث، أو (فُعْلَى) كـ (أَفْضَلْ .. فُضْلَى)، أو لأنَّه لا مُؤَنَّثَ له كـ (أكْمَر وآدَر) فهذه الثَّلاثة ممنوعةٌ من الصَّرف للوصف الأصلي وَوَزْن أفْعَلَا، فإن وزن (أَفْعَلَا) هذا قيل أنَّ الفعل أولى به لأنَّه فيه زيادة تدلُّ على معنى.
(وَوَزْنُ أَفْعَلْ) فإن وزن الفعل به أولى، لأنَّ في أوَّله زيادةً تدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم، يعني: إذا استعمله في الفعل (أَحْمَدُ الله وَأَشْكُرُ الله) الهمزة هذه الَّتي في (أَفْعَلْ) استعملت في الفعل ولها معنى وهي تدلُّ على المُتَكَلِّم، أثَّرَت أو لا؟ هي زيادة أَثَّرت في كونها دلَّت على المتكلِّم (أَشْكُرُ وآكُلُ وأَذْهَبُ وَأَشْرَب إلى آخره).
إذاً: هذه الزِّيادة الَّتي في (أَفْعَلْ) دخلت على الفعل فأثَّرت فيه، ودخولها على الاسم لم تُؤَثِّر، لأنَّ في أوَّله زيادة تدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم فكان ذلك أصلاً في الفعل، لأنَّ ما زيادته لمعنى أصلٌ لما زيادته لغير معنى، هذه الزِّيادة الَّتي في (أَفْعَل) الهمزة زِيدَت في الفعل وأَثَّرت لها معنى في الفعل ولم تُؤَثِّر في الاسم .. (أَفْعَل) التَّفْضِيل.
وحينئذٍ نقول: الزِّيادة الَّتي تدلُّ على معنى أصلٌ للزِّيادة الَّتي لا تدلُّ على معنى، وهذا واضح، لأنَّ العرب لا تزيد حرفاً إلى لمعنى، فإذا زِيد لا لمعنى نقول هذا فرعٌ أو أصل؟ نقول: فرع وليس بأصلٍ.
فإن أُنِّثَ بالتَّاء انصرف نحو (أَرْمَل) بمعنى فقير، فإنَّ مُؤَنَّثَه (أَرْمَلَة) لضعف شبهه بلفظ المضارع، لأنَّ تاء التَّأْنِيث لا تلحقه، وأجاز الأخفش منعه لجريانه مجرى (أَحَمَرَ) لأنَّه وصفٌ وعلى وزنه.
والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن (أفْعَلْ) هذا كلام الأشموني وغيره:
وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلَا ..
يقول: الأولى أن نقول: وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنٌ للفِعْلِ هو أولى به، لأنَّ عندنا بعض الكلمات ليست على وزن (أَفْعَلْ) كما إذا صُغِّرَ (أَفْعَلْ) فحينئذٍ يمنع من الصَّرف للوصف وكونه على وزنٍ الفعل أولى به وهو ليس على وزن (أَفْعَلْ) وهذا اعتراضٌ دقيق.
والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى، لأنَّ (أَفْعَلْ) عرفنا أنَّ فيه زيادة إذا كان فعلاً أَثَّرَت هذه الزِّيادة فيه وهو: همزة المُتَكَلِّم في الفعل المضارع وَنَفْسُهَا زائدةٌ في (أَفْعَل) التَّفْضِيِل ولم تُؤَثِّر، والزِّيادة الَّتي تُؤَثِّر في المعنى أصلٌ والَّتي لا تُؤَثِّر هي فرعٌ، فكون (أَفْعَلْ) في الفعل أولى من كونها في الاسم.
والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن (أَفْعَلْ) ولا الفعل مجرَّداً ليشمل نحو: أُحَيْمِر، وَأُفَيْضِل، من المُصَغَّر فإنَّه لا ينصرف لكونه على الوزن المذكور نحو: أُبَيْطِر، نقول: أُحَيْمِر، وَأُفَيْضِل، هذا ممنوعٌ من الصَّرف: أحْمَر، وَأفْضَل، إذا صُغِّرَ (أُحَيْمِر) ليس على وزن (أَفْعَلْ) وكذلك (أُبَيْطِر) هذا أشبه: أُحَيْمِرْ، وَأُفَيْضِلْ .. أُبَيْطِرْ، و (أُبَيْطِرْ) هذا فعل.
لكونه على الوزن المذكور نحو: (أُبَيْطِرْ) ولا يرد نحو: بَطَلْ وَجَدَلْ .. جَدِلْ، بفتح وكسر الدَّال، وَنَدُسْ وَنَدِسْ كَـ: عَضُد وَكَتِف، فإن كلَّ واحدٍ منها وإن كان أصلاً في الوَصْفِيَّة وعلى وزن فعلٍ لَكِنَّهُ وزنٌ مشتركٌ فيه ليس الفعل أولى به من الاسم فلا اعتداد به، هذا سيأتي في الوزن الخاص بالفعل، أنَّ الأوزان على ثلاثة أنواع:
وزنٌ مشترك بين الفعل والاسم كـ (فَعِلْ وَفَعَلْ وَفَعُلْ) هذه أسماء جاءت على هذا الوزن وجاءت أفعال على هذا الوزن، حينئذٍ إذا وُجِدَ الاسم على هذا الوزن لا نقول يُمْنَع من الصَّرف، لأنَّه لم يرد على وزنٍ خاصٍّ بالفعل وإنَّما جاء على وزنٍ مشترك بينهما.
وقد يكون الاسم على وزنٍ خاصٍّ به فيبقى على صرفه ولا إشكال فيه، وقد يرد على وزنٍ خاص بالفعل أو الفعل أولى به حينئذٍ يُمْنَع في الحالتين من الصَّرف.
وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلَا
…
مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلَا
أي: وتَمنع الصِّفة أيضا بشرط كونها أصليَّة أي غير عارضة إذا انْضَمَّ إليها كَونُهَا على وزن (أَفْعَلْ) ولم تقبل التَّاء نحو (أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ) فإن قبلت التَّاء صُرِفَتْ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَرْمَلٍ) فقير فتصرفه لأنَّكَ تقول للمؤنثة (أَرْمَلَةْ) بخلاف (أَحْمَرْ وَأَخْضَرْ) فإنَّهُمَا لا ينصرفان إذ مُؤَنَّثَهُمَا على وزن (فَعْلَاء) ولا يُقَال (أَحْمَرَةٌ وَأَخْضَرَة) فَمُنِعَا للصِّفَةِ ووزن الفعل.
وإن كانت الصِّفة عارضة كـ (أَرْبَعْ) فإنَّه ليس صفةً في الأصل، وهذا احترز عنه بقوله:(أََصْلِيٌّ) بالمفهوم وسيصرِّح بهذا المفهوم. فإنَّه ليس صفةً في الأصل بل اسم عددٍ ثُمَّ استعمل صفة في قولهم (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ)(أَرْبَعٍ) هنا يعرب صفة وهو على وزن (أَفْعَلْ) هل يمنع من الصَّرف؟ نقول: لا، لا يمنع من الصَّرف؛ لكون الصِّفة هنا عارضة لا أصليَّة فلا يؤثر ذلك في منعه من الصَّرف، وهذا المفهوم صَرَّح به بقوله:
وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ
…
كَأَرْبَعٍ، وَعَارِضَ الإِسْمِيَّهْ
فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ
…
فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ
وَأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى
…
مَصْرُوفَةٌ وَقَدْ يَنَلْنَ الْمَنْعَا
(وَأَلْغِيَنَّ) هذا فعل أمر مُؤَكَّد بنون التوكيد الثَّقِيلَة (أَلْغِيَنَّ) أنت، يعني: لا تعتدَّ يعني: حُكْمٌ مُلْغَى لا يُعْتَدُّ به من الإلغاء، (وَأَلْغِيَنَّ) هذا تصريحٌ بمفهوم قوله (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ)، ألغين ماذا؟ (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) قلنا: هذا تصريحٌ بمفهوم قوله: أَصْلِيّ، وإضافة (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) من إضافة الصِّفة للموصوف يعني: الصِّفة العارضة، (أَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) أي: أَلْغِيَنَّ الوَصْفِيَّة العارضة واشترط أصليَّة الوَصْفِيَّة يعني: ما وُضِع أصالةً في الوَصْفِيَّة وأمَّا ما وضع وهو خالٍ عن الوصف ثُمَّ استعمل استعمال الصِّفات هذا لا يمنع من الصَّرف.
حينئذٍ إضافة (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) من إضافة الصِّفة للموصوف أو بمعنى (مِن) .. عَارِضٍ من الوَصْفِيَّة، ومثلها (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ).
وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ
…
كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . .
في نحو قولك:
مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ ..
فإنَّه اسمٌ من أسماء العدد لكنَّ العرب وصفت به فهو منصرفٌ على الأصل .. نظراً للأصل، ولا نظر لما عرض له من الوَصْفِيَّة وأيضاً فهو يقبل التَّاء فهو أحق بالصَّرف من (أَرْمَل) لأنَّ فيه مع قبول التَّاء كونه عارض الوَصْفِيَّة وكذلك (أَرْنَب) اسمٌ للحيوان المعروف فإذا قيل (هَذَا رَجُلٌ أَرْنَبْ) يعني: ذليل نقول هذا صار وصفاً لكنَّ الوصفة هنا عارضة ليست أصليَّة.
وكذلك (أَرْنَبْ) من قولهم (رَجُلٌ أَرْنَبْ) أي ذليل فهو منصرف لعروض الوَصْفِيَّة إذ الأصل: الأرنب المعروف.
وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ
…
كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . .
(أَلْغِيَنَّ عَارِضَ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف و (الوَصْفِيَّةْ) مضافٌ إليه، (كَأَربَعٍ) يعني وذلك (كَأربَعٍ) جار مجرور متعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، وذلك (كَأَربَعٍ).
(وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) هذا معطوف على قوله (عَارِضَ الوَصْفِيَّة)، (وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني: لا يُعْتَدُّ بعارض الاسْمِيَّة يعني: وألغِ (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) على الوصف، يعني العكس، قلنا الأصل: أن يكون الوصف أصلاً (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) إذاً لو كان اسماً فعرضت عليه الوَصْفِيَّة ملغى، طيب! لو كان في الأصل هو وصف وعرضت عليه الاسْمِيَّة هل نلغي الاسْمِيَّة ونراعي الأصل أو نراعي الحال؟
هو يقول (وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني ما كان الأصل فيه: أنه وصف وعرضت عليه الاسْمِيَّة (أَلْغِيَنَّ عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني: اعتبر الأصل وهو أنه وصف فيمنع من الصَّرف .. عكس المسألة الأولى، (وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّة) يعني إذا كان الأصل: أنَّه اسمٌ (كَأربَعٍ) فعرضت عليه الوَصْفِيَّة لا اعتبار بالوَصْفِيَّة نراعي الأصل: وهو أنَّه اسمٌ، فنمنعه أو نصرفه؟ نصرفه باعتبار الأصل، والعكس كذلك إذا كان الأصل فيه: أنَّه وصفٌ فعرضت عليه الاسْمِيَّة حينئذٍ نلغي الاسْمِيَّة ونراعي الأصل فنمنعه من الصَّرف.
(وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) أي وألغ (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) على الوصف، فتكون الكلمة باقيةً على منع الصَّرف الأصلي، ولا ينظر إلى ما عرض لها من الاسْمِيَّة، مَثَّل لذلك:(فَالأَدْهَمُ القَيْدُ)(فَالأَدْهَمُ) الفاء هذه تفريع متعلِّق بقوله (وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) لأنَّه مَثَّل للأوَّل (كَأربَعٍ) وانتهى.
وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ
…
كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . .
انتهى من عروض الوَصْفِيَّة، ثم قال (وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ فَالأَدْهَمُ) كأنَّه قال (كالأدْهَم)، (فَالأَدْهَمُ) الفاء هذه فاء تفريع، (فَالأَدْهَمُ) مبتدأ و (القَيْدُ) هذا بدل كل من كل أو عطف بيان على (الأَدْهَمُ) من تفسير الأخفى بالأجْلى، لأنَّ (القَيْدُ) أجلى من (الأَدْهَمُ) كما تقول (الْبُرّ .. الْقُمْح والعَقَار .. الْخَمْرُ).
فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ
…
فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ
(الأَدْهَمُ القَيْدُ)(لِكَونِهِ) هذا جار مجرور متعلِّق بقوله (مُنِعْ) كأنَّه قال:
(فَالأدْهَمُ اِنْصِرَافُهُ مُنِعَ لِكَونِهِ وُضِعَ فِي الأصْلِ وَصْفاً) ولو اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَال الأسماء لأنَّه صار اسماً، (الأَدْهَمُ) هذا من أسماء القيد فإنَّه صفةٌ في الأصل لشيء فيه سواد، ثم اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَال الأسماء فَيُطْلَق على كل قَيْدٍ (أَدْهَمْ)، حينئذٍ صار اسماً مع كونه في الأصل: هو وصف لِمَا فيه سواد، ولذلك يقال للخيل (أَدْهَمْ) إذا كان فيه شيءٌ من السَّواد، حينئذٍ نقول: نراعي الأصل وهو كونه وصفاً ونلغي ما عرض عليه من الاسْمِيَّة فلا نمنعه من الصَّرف.
(فَالأَدْهَمُ) الذي هو (القَيْدُ)(اِنْصِرَافهُ مُنِعْ)، (اِنْصِرَافُهُ) مبتدأ و (مُنِعْ) خبر، لماذا؟ (لِكَونِهِ وُضِعَ فِي الأَصْلِ) في أصل الوضع في لسان العرب (وَصْفاً) والاسمِيَّة طارئةٌ عليه، حينئذٍ نمنعه من الصَّرف مراعاةً للأصل.
إذاً (لِكَونِهِ) هذا متعلِّق بقوله (مُنِعْ)، (لِكَونِهِ) الهاء هذه تعود على (الأَدْهَمُ)، (لِكَونِ الأدْهَمَ وُضِعْ)(لِكَونِهِ وُضِعْ) الهاء هنا ما إعرابها؟ اسم (الكون) مصدر في محل رفع، (وُضِعْ) ما إعراب (وُضِعْ)؟ خبر (الكون) والضمير يعود على (الأَدْهَمُ)، (فِي الأَصْلِ) يعني أصل الوضع .. لسان العرب أوَّل ما وضع (وَصْفاً) هذا حالٌ من ضمير وُضِعْ، (وُضِعْ) حال كونه (وَصْفاً).
(فأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الاسْمِيَّة) فلذلك إذا ألغيته اِنْصِرَافُهُ انصرافه الأدهم مُنِعْ يعني يبقى على الأصل: وهو أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، يرد عليك أنَّه اسمٌ تقول: لا الاسمِيَّة عارضة والاعتبار بالأصل لا بالفرع.
فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ
…
فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ
نظراً للأصل وطرحاً لما عرض من الاسمِيَّة.
وَأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى
…
مَصْرُوفَةٌ. . . . . . . . .
هذه أسماء من حيث اللفظ فقط .. يعني: نحكم عليها بأنَّها اسمٌ، ليست هذه الأسماء صفات لا في الأصل ولا في الاستعمال فحقُّها حينئذٍ الصَّرف ولذلك صرفها أكثر العرب، ومنعها بعضهم لِمَا لاحظ فيها معنى الصِّفة، (أَجْدَلْ) هذا اسمٌ للصَّقر (وأَخْيَلٌ) هذا قيل للطَّائِرِ ذُي النُّقَطِ ذِي الخِيلان جَمْع خَال منقَّط يسمى (أَخْيَلْ)، (وَأَفْعَى) اسمٌ للحَيَّة هذه مصروفة، لأنَّها في الأصل: وضعت أسماء لم توضع صفات ولكن فيها دلالةٌ على معنى الوَصفِيَّة، أكثر العرب لاحظوا الأصل وهو كونها اسماً فصرفوها، أكثر العرب لاحظوا أنَّها أسماء يعني في أصل الوضع فأخذت الحكم الأصلي وهو: كونها (مَصرُوفةٌ) ولذلك قال: (مَصرُوفَةٌ).
(أَجْدَلٌ) هذا مبتدأ (وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى) معطوفان (مَصرُوفَةٌ) هذا خبر، فحَكم بكونها (مَصرُوفَةٌ)، ثُمَّ قال (وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا) قد يعطى هذه الألفاظ المنع نظراً لما فيها من الصِّفات، (مَصرُوفَةٌ) لأنَّها أسماءٌ مُجَرَّدَة عن الوَصفِيَّة في أصل الوضع، ولا أثَرَ لما يُلْمَح في (أجْدَلَ) من الجدل وهو الشِّدَّة .. فيه معنى القوَّة، ولا في (أَخْيَلَ) من الخُيُول وهو كثرة الخِيلان جمع خَال، ولا في (أَفْعَى) من الإيذاء لعروضه عليهنَّ، لأنَّه إذا قيل (أَجْدَلٌ) هذا اسمٌ للصَّقْر فيها معنى الجدل وهو القُوَّة .. فَهِم منه، وكذلك (أَخْيَلْ) لكثرة الخِيلان فهو يدلُّ على وصفٍ فيه، وكذلك (أَفْعَى) إذا قال: هذه أفْعَى إذاً مُؤذِية .. فيها وصفٌ، هذه الأوصاف هل وضعت هذه الألفاظ لها أم أَنَّهَا ملموحةٌ؟ الثَّاني، لذلك أكثر العرب لم يُرَاعوا هذه الصِّفات لأنَّها طارئة والأصل فيها: أنَّها أسماء.
إذاً: ليست هذه الأسماء صفات لا في الأصل ولا في الاستعمال فَحَقُّهَا الصَّرف، ولذلك صرفها أكثر العرب ومنعها بعضهم لما لاحظ فيها من معنى الصِّفة، ولذلك قال (وَقَدْ) للتَّقلِيل (يَنَلنَ المنْعَا) يعني يُعْطان المنع و (المنْعَا) هنا (أَلْ) هذه مع الألف نقول الألف للإطلاق وليست نائبةً عن التَّنوِين، لِلَمْحِ معنى الصِّفة فيها، فأمَّا (أَفْعَى) فلا مادَّة لها في الاشتقاق لكن ذِكْرُهَا يقارنه تَصَوُّرُ إيذائها فأشبهت المُشْتَق، يعني: هذه كأنَّ فيها معنى المُشْتَق لكن بالطروء لا بأصالة الوضع، فأشبهت المشتق وجرت مجراه على هذه اللغة.
قال هنا الشَّارح: أي إذا كان استعمال الاسم على وزن (أَفْعَلَ) صفةً ليس بأصلٍ وإنَّما هو عارضٌ (كَأَرْبَعٍ) فألغه، يعني: ألغي هذا الوصف أي لا تَعْتَدَّ به في منع الصَّرف كما لا تَعْتَدُّ بعروض الاسْمِيَّة فيما هو صفة في الأصل كَأَدْهَم للقيد، هذا من أسماء القيد (أَدْهَم) ومثله قيل (أَرْقَم) لنوعٍ من الحَيَّات و (أَسْوَد) للحَيَّة.
فإنَّ (أَدْهَم) صفةٌ في الأصل لشيءٍ فيه سواد ثُمَّ اسْتُعْمِل اسْتِعْمَال الأسماء، فالاسْمِيَّة عارضة والوَصْفِيَّة حينئذٍ تكون هي الأصل، فَيُطْلَقُ على كُلِّ قَيْدٍ (أَدْهَم) ومع هذا تمنعه نظراً إلى الأصل.
فِرَاخُ القَطَا لَاقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا ..
وأشار بقوله (وَأَجْدَلَ) إلى آخره إلى أنَّ هذه الألفاظ (أَجْدَلَ) للصَّقرِ (وأَخْيَلَ) لِطَائِر (وَأَفْعَى) للحَيَّة ليست بصفات فكان حقها أن لا تُمْنَع من الصَّرف ولكن منعها بعضهم لِتَخَيُّلِ الوصف فيها، لكن هنا الوصف إذا نُظِر إلى المنع يكون مقارناً لأصل الوضع، لم يوضع اللفظ للوصف، لكن لمح الوصف مقارن للوضع، ليس بشيءٍ طارئٍ وإنَّما وضِعَ وضع الأسماء واسْتُعْمِلَ في مسماه ولُوحِظ فيه الوصف مع أصل الوضع فليس بطارئٍ مطلقاً.
ليست بصفات فكان حقها أن لا تمنع من الصَّرف ولكن منعها بعضهم لِتَخَيُّلِ الوصف فيها، فَتَخَيَّلَ في (أَجْدَلْ) معنى القوة (وأَخْيَلْ) معنى التَّخَيُّل وفي (أَفْعَى) معنى الخُبْث -الإيذاء- فمنعها لوزن الفعل والصِّفة المُتَخَيَّلَة والكثير فيها الصَّرف إذ لا وصفية فيها مُحَقَّقَة. لكن سُمِع منعها من الصَّرف كالبيت السابق:
فِرَاخُ القَطَا لَاقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا ..
فَمَا طَائِريِ يَوْماً عَلَيْكِ بِأَخْيَلَا ..
بِأَخْيَلَا منعه من الصَّرفْ.
إذاً قوله: (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) بَيَّنَ المفهوم بقوله:
وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ
…
كَأَرْبَعٍ. . . . . . . . .
لا بُدَّ من أن يكون وزن (أَفْعَلْ) أن يكون دالاً على صفةٍ أصليَّة .. في أصل الوضع، فإن كانت في أصل الوضع اسم ثُمَّ عَرَضَت عليه الوَصْفِيَّة فالوَصْفِيَّةُ ملغاةٌ.
(وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) كذلك ألغها ومَثَّل له بـ (الأَدْهَمُ)(فَالأَدْهَمُ القَيْدُ)(فَالأَدْهَمُ) الأصل فيه: أنَّه صِفَةٌ في الأصل لكل ما فيه سواد، ثُمَّ (اِنْصِرَافُهُ مُنِعْ) مع كونه مُسْتَعمَلاً اسْتِعْمَال الأسماء لكون الاسم هنا عارضاً والأصل فيه: أنَّه وصفٌ فأُلْغِيت الاسْمِيَّة كالعكس في (أَربَعْ)، وأمَّا (أَجْدَلٌ وأَخْيَلٌ وَأَفْعَى) فهذه مصروفة في كثير من لسان العرب، لأنَّها في الأصل: موضوعةً وضع الأسماء، لكن لَمَّا كان فيها شيءٌ من اللَّمَحِ بالوصف، بعض العرب لاحظ ذلك الوصف فمنعها من الصَّرف، ولذلك قال (وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا) يعني: يُعْطَينَ المنع.
ثُمَّ قال:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ ..
نقف على هذا، والله أعلم، وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ على نَبِيَّنَا مُحَمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!