الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الإسم المعرب وأقسامه بإعتبار آخره
* الأصل في الأفعال البناء
* شرط إعراب الفعل المضارع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه ثلاثة أوجه من أوجه شبه الاسم بالحرف، قلنا: الشبه الوضعي، والشبه المعنوي، والشبه الاستعمالي، إذاً: حاصل البيتين: أن البناء الواجب يكون في ستة أبواب: المضمرات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وأسماء الإشارة، وأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة، وبعض الظروف هذا يأتي في باب الإضافة، إلا ما استثني كما ذكرنا في أسماء الشرط: أي الشرطية، وأسماء الاستفهام: أي الاستفهامية، كذلك يستثنى من الأسماء الموصولة: اللذان واللتان، كما استثني هذان هاتان، لضعف الشبه بما عارضه من المجيء على صورة التثنية، وكذلك أي الموصولية لما عارض هذا اللفظ من لزوم الإضافة، إذاً بعض المستثنيات من هذه الأبواب معدودة، وما عدى الباب يعتبر أصلاً في البناء.
هل يزاد على هذه الثلاثة أو الأربعة؟ زاد ابن مالك في شرح الكافية التي هي أصل لهذا النظم نوعين: الشبه الإهمالي، والشبه اللفظي، الشبه الإهمالي: أن يشبه الاسم الحرف في كونه لا عاملاً ولا معمولاً، ومثل له بأوائل السور:((الم)) [البقرة:1]((ق)) [ق:1]((ص)) [ص:1] وهذا جارٍ على القول بأن مفاتح السور لا محل لها من الإعراب، هذا المثال فيه نظر، وكذلك جعل بعضهم من هذا النوع الأسماء قبل التركيب، وهذا أيضاً فيه نظر، وأسماء الهجاء المسرودة وهذا أيضاً فيه نظر، وأسماء العدد المسرودة وهذا أيضاً فيه نظر.
على كل هذا الشبه الإهمالي في إثباته نظر.
النوع الخامس أو السادس: الشبه اللفظي، وهذا وارد وهو ثابت، وهو أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعاني، قد تأتي حرفية وتأتي اسمية، الاسمية إذا بنيت على وجه حينئذٍ نقول: أشبهت الحرف، في ماذا؟ قالوا: في الشبه اللفظي، كون اللفظ واحداً، مع كوننا يمكن أن نقول: أشبهت الحرف قد في ماذا؟ الوضع، نعم أحسنت، الوضع؛ لأن قد الاسمية هذه جاءت على حرفين، وهذا هو الأصل في وضع الحروف، حينئذٍ نقول: هذا شبه وضعي، وقد يجتمع عدة أوجه من الشبه في لفظ واحد.
لذلك المضمرات هنا قال محيي الدين: فإن فيها الشبه المعنوي إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعاني التي تتأدى بالحروف، وفيها الشبه الافتقاري؛ لأن كل ضمير يفتقر افتقاراً متأصلاً إلى ما يفسره، وفيها الشبه الوضعي، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين، وما زاد في وضعه على ذلك فمحمول عليه طرداً للباب على وتيرة واحدة.
إذاً: وجد عدة أوجه للشبه، لكن المعتمد المغلَّب في جانب التعليم هو كونها وضعت على حرف أو حرفين.
ثم قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا
…
مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا
لما أنهى المبني من الأسماء شرع في بيان المعرب، -معرب الأسماء-، وهو قال في الترجمة: المعرب والمبني، ثم قال:
وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ: قدم ما قدمه في الترجمة، ثم لما أراد أن يعلل ويسرد، قال: وَمَبْنِي لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي: علل المبني، ثم ذكر أنواع المبني، قدم في الترجمة المعرب لشرفه، وفي التقسيم كذلك قدم المعرب لشرفه، ثم لما أراد أن يفصل المعربات كثيرة، والمبني يمكن حصره، ولذلك حصره في بيتين، وكل ما سيأتي مختص بالمعربات، حينئذٍ ما كان محصوراً الأولى أن يقدم في العرض على ما لم يكن محصوراً.
حينئذٍ نقول: أوجه الشبه، هذه محصورة في ثلاثة أو أربعة، حينئذٍ قدمها لمناسبة سرعة الإنهاء من هذه الأسباب، ثم يشرع بعد ذلك في المعربات، إذاً: بدأ في التقسيم بالمعرب لشرفه، ثم بدأ بالتعليل للمبني، ثم ذكر أوجه الشبه، ثم بعد ذلك شرع في بيان معرب الأسماء.
كذلك يقال: التعليل في جهة المبني وجودي، وهنا عدمي، والوجودي أشرف من العدمي، ولذلك قدم التعليل للمبني لهذه العلة.
وفي التعليل بالمبني لكون علته وجودية، وعلة المعرب عدمية، والاهتمام بالوجودي أولى من العدمي، وأيضاً لأن أفراد معلول علة البناء محصورة بخلاف علة الإعراب، فقدم علة البناء ليبين أفراد مدلولها.
إذاً: المحصور مقدم على غير المحصور.
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا
…
مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ: هنا صرح الناظم بتعريف معرب الأسماء، مع كونه يمكن فهم هذا التعريف مما سبق؛ لأنه قال:
وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي
…
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي
مفهومه: أن ما لا يشبه الحرف أو سلِم من شبه الحرف فهو معرب، إذاً: لماذا صرح هنا بما يفهم ضمناً في السابق؟ نقول: توطئةً لتقسيم المعرب إلى ما إعرابه ظاهراً وما إعرابه تقديراً، إذاً: صرح الناظم نقول: بتعريف معرب الأسماء مع انفهامه من تعريف المبني فيما سبق توطئةً لتقسيمه إلى ظاهر الإعراب ومقدره؛ لأنها قال: كأرض وسُما، زاد فائدةً، كأرض وسُماء، أرض: هذا إعرابه ظاهر، وسما: كهدى مقصور، هذا إعرابه مقدر.
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ: معرب هذا مضاف مبتدأ وهو مضاف والأسماء مضاف إليه، والإضافة على معنى: من، يعني: معرب من الأسماء؛ لأن الأسماء ليست كلها معربة، بل بعضها معرب، وبعضها الآخر مبني، إذاً: الإضافة على معنى: من، وضابطها موجود هنا وهو أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه، يعني: كل معرب في هذا الباب اسم، والكلام في معربات الأسماء،-ليس على الإطلاق-، وليس كل اسم يكون معرباً.
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ (مَا) .. هذه واقعة على اسم، اسم موصول بمعنى: الذي، خبر معرب، مفهومها ومصدقها: اسم قد سلما، الألف للإطلاق، من شبه الحرف: هذا تعريف للمعرب، إذاً: ما هو المعرب؟ هو الاسم الذي سلم من شبه الحرف، الشبه المذكور السابق، يعني: الشبه المدني من الحرف، وليس مطلق الشبه، لماذا؟ لأن: أي الشرطية، قلنا: هذه معربة، هل سلمت من شبه الحرف؟ لا، لم تسلم من شبه الحرف، وكذلك: اللذان واللتان، وأي الموصولة لم تسلم من شبه الحرف، ومع ذلك قلنا: معربة، كيف نقول: المعرب هو الذي سلم من شبه الحرف، ثم نقول:(أيٌّ)، لم يسلم من شبه الحرف؟!
إذاً: الذي عُلل هنا وأدخل في الحد الشبه المذكور السابق، فحينئذٍ ما قد سلما من شبه الحرف، الإضافة هنا في شبه الحرف للعهد الذكري، والمعهود هو شبه الحرف المتقدم، أي: المُدني على جهة الخصوص، سلم من الشبه القوي.
إذاً: الاسم المعرب نوعان: اسم سلم مطلقاً من شبه الحرف، اسم معرب وهو قد أشبه الحرف، لكنه شبه ضعيف، فهو داخل في الحد، ولذلك نجعل من شبه الحرف هنا الإضافة للعهد الذكري، والمعهود هو الشبه المدني، فحينئذٍ لا يعترض على المصنف بأن أي الشرطية، أو اللذان واللتان ونحوهما مما وجد فيها الشبه، ولكن عارضه ما هو من خواص الأسماء فأعربت.
فنقول: معرب الأسماء نوعان: نوع خلص من مشابهة الحرف مطلقاً، ونوع وجد فيه نوع شبه، لكنه ضعيف غير مدني، فهو داخل في الحد، والمنفي ما هو؟ هو الشبه المدني القوي القريب من الحرف، من شبه الحرف، إذاً: من الشبه المعهود السابق وهو المدني، أي: الذي لم يعارضه معارض من خواص الأسماء فيرده إلى أصله.
وبجعل الإضافة عهدية دخلت: أي ونحوها من المعربات التي أشبهت الحرف شبهاً ضعيفاً، فلا يقال حينئذٍ: التعريف غير جامع بخروج أيٍّ ونحوها؛ لأن فيها شبهاً بالحرف.
كأرضٍ وسُما، يعني: معرب الأسماء نوعان: نوع يظهر فيه إعرابه عليه على الحرف الأخير، وذلك فيما إذا كان صحيح الآخر، كأرض تقول: هذه أرضٌ، ورأيت أرضاً، واشتريت أرضاً، ومررت بأرضٍ، الإعراب ظاهر، وسُما كهدى، هذا كالفتى، جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، نقول: هذا الإعراب مقدر، وأعرابه تقديري لماذا؟ لأنه معتل الآخر، والمعتل هنا عند النحاة ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً.
والياءُ وَالواوُ جميعًا والألفْ
…
... هُنَّ حروفُ الاعتِلالِ المُكتَنِفْ
حينئذٍ ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً نحكم بأنه معتل وأن الإعراب مقدر عليه.
كأرض وسُما: سُما هذا بالقصر لغة في الاسم، وهو فيه ثماني عشرة لغة، إذاً: هذا البيت تضمن فيه أمرين، أو ضمنه المصنف أمرين: أولاً تعريف معرب الأسماء، ثم قسمه إلى نوعين، لكن قوله:
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا
…
مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ
هل هذه هي العلة فحسب، أم أنها جزء علة؟ نقول: هذا البيت تضمن تعليل الإعراب بسلامة الاسم من شبه الحرف؛ لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعِلِّية؛ لأنه قال: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا: الذي سلم من شبه الحرف هو المعرب للإعراب، هو علة الإعراب، معرب: هذا اسم مفعول، حينئذٍ إذا علق الحكم وهو الحد هنا على مشتق، نقول: التعليق والحكم على المشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، كما نقول:((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)) [المائدة:38] لأي شيء؟ للسرقة، فإذا وجدت السرقة بشرطها وجد الحكم وهو القطع، ما الذي دلنا على أن السرقة الحدث هو العلة؟ كونه عُلق الحكم وهو: فاقطعوا على مشتق، هنا عَلق التعريف وهو حكم في المعنى على لفظ، وهو معرب الأسماء، فدل على أنه علة في الإعراب، لكن هل هو جزء علة أو علة تامة؟ هذا محل نظر، ظاهر كلامه أنه علة تامة، والصواب: أنه جزء علة، فلا يرد أن الناظم لم يعلل إعراب الاسم، ولكن هنا العلة ناقصة، بخلافها في المبني فهي تامة، فلا يرد أن علة إعراب الاسم ليست السلامة فقط، بل توارد المعاني التركيبية المختلفة عليه مع السلامة.
إذاً: أُعرب الاسم لماذا؟ الأصل أنه لا يسأل عنه .. الأصل أنه لا يسأل عن علة إعراب الاسم؛ لأنه جاء على الأصل، وما جاء على الأصل لا يبحث عنه ولا يسأل عنه، أليس كذلك؟ لا تقل: لم أعرب الاسم، لكن لما ألحق به الفعل المضارع، حينئذٍ بحث عن وجه الشبه بينهما، فاكتشفوا علة وعلقوا عليها الحكم، وهي توارد المعاني التركيبية المختلفة على الاسم، قالوا: الاسم يطلبه العامل على أن يكون فاعلاً أو مفعولاً به، أو مضافاً أو مضافاً إليه، أو حالاً أو تمييزاً، قالوا: هذه محآلٌّ قد يوجد الاسم فيه وهو واحد، وتختلف المعاني باختلاف العوامل المسلطة عليه، وهذا إنما يكون بعد التركيب؛ لأنه لا إعراب ولا بناء إلا بعد التركيب، فلا إشكال، زيد .. جاء زيدٌ، رأيت زيداً، مررت بزيدٍ، هذا زيدٌ، زيدٌ أخوك، أخوك زيدٌ، زيد واحد اللفظ واختلفت المعاني باختلاف العوامل المسلطة عليه.
جاء زيدٌ ليس ضربت زيداً، هو نفسه مثلاً، الأول وصفته بالمجيء والثاني وصفته بأنه مضروب، وقد يكون ضارباً، ضرب زيدٌ عمرواً، فاختلف الحكم، إذاً: تواردت المعاني المختلفة التركيبية على لفظ واحد، ومثالهم المشهور عند النحاة: ما أحسن زيد، هكذا بالإسكان، ما أحسن زيد، قالوا: زيد هنا يحتمل أن يكون منصوباً ويحتمل أن يكون مجروراً ويحتمل أن يكون مرفوعاً، وباختلاف هذه الأحوال يختلف الحكم ويختلف الوصف والمعنى، فإذا قلت: ما أحسن زيداً، صارت (ما) هذه تعجبية، وزيداً مفعول به، وإذا قلت: ما أحسنُ زيدٍ صارت (ما) هذه استفهامية، وزيد: مستفهم عنه، وإذا قلت: ما أحسنً زيدٌ صارت نافية.
إذاً: زيد نفي تارةً وتعجب منه من حسنه تارةً، واستفهم عن جزئه أو أجزاءه تارةً أخرى، واللفظ واحد والمعاني تركيبية؛ لأنها لا توجد إلا بعد التركيب، ما الذي ميز:(ما) التعجبية، عن: ما النافية، عن: ما الاستفهامية؟ هذا بالاستلزام لا أقصد ما نفسها، لكن ما الذي دلنا على أن السياق هنا تعجب أو نفي أو استفهام هو الحركات التي تعاقبت على زيد، فلما قلت: ما أحسنْ زيداً عرفنا أن ما تعجبية وأحسنْ هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر وجوباً، وزيداً هذا مفعول به وهو متعجب من حسنه، ولما رفعته: ما أحسنَ زيدٌ عرفنا أنه منفي .. حسنه منفي، ولما جررته علمنا أنه مستفهم عنه، الذي دلنا على هذا هو الإعراب.
إذاً: علة إعراب الاسم هو توارد وتعاقب المعاني التركيبية على صيغة واحدة لا يميز هذه المعاني ويفصلها عن بعضها إلا الإعراب، فولا الإعراب ما عرفنا أن هذه ما تعجبية ولا استفهامية.
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ .. إذاً: سلامته من الحرف جزء علة في إعرابه، وكذلك يضاف إليه توارد المعاني المختلفة عليه، فلا اعتراض على المصنف حينئذٍ:
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا
…
مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا
وينقسم المعرب أيضاً إلى متمكن أمكن، وهو المنصرف، وإلى متمكن غير أمكن، متمكن يعني: في باب الاسمية؛ لأن غير المتمكن هو الذي خرج بالكلية عن باب الاسمية وهو الذي أشبه الحرف، فيما سبق المضمرات وغيرها، أمكن .. ما المراد بمتمكن أمكن؟ أريد اللفظ، متمكن: عرفنا أنه معرب، أمكن: أمكن من غيره من المعربات في الاسمية، زيد: هذا ينون تنوين صرف، أحمد معرب أو لا؟ معرب، زيدٌ معرب، أيهما أمكن في باب الاسمية؟ زيد، لماذا؟ لأنه مصروف وأحمد غير منصرف.
إذاً: متمكن في باب الإعراب والاسمية، أمكن من غيره؛ لأنه يقابله ماذا؟ متمكن غير أمكن، وهو الممنوع من الصرف، إذاً: ينقسم المعرب إلى متمكن أمكن .. متمكن في باب الاسمية، وأمكن من غيره في باب الاسمية أيضاً وهو المنصرف، كزيد وعمرو، وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف، أي: الممنوع من الصرف كأحمد ومساجد ومصابيح.
وغير المتمكن هو المبني، والمتمكن هو المعرب، وهو قسمان كما ذكرنا.
ثم لما أنهى ما يتعلق بالاسم من جهة إعرابه وبناءه ثنى بالفعل: وَالفعل مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي كذلك، كما أن الاسم منه معرب ومبني، إلا أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، هذا مذهب البصريين، مذهب البصريين: أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، لماذا؟ لما ذكرناه سابقاً: أن الاسم قد تعتري وتعتوره معانٍ لا يميزها إلا الإعراب، بخلاف الفعل، فالأصل فيه ألا تعتوره معانٍ مختلفة، سواء كان الماضي أو الأمر، وأما المضارع فهذا بعضه معرب وبعضه مبني بشرطه كما سيأتي.
إذاً: لما فرغ المصنف من بيان المعرب والمبني من الأسماء شرع في بيان المعرب والمبني من الأفعال، ومذهب البصريين: أن الإعراب أصل في الأسماء، فرع في الأفعال، فالأصل في الفعل البناء عندهم، فإذا جاء الاسم معرباً لا يسأل عنه، وإذا جاء الفعل مبنياً حينئذٍ لا يسأل عنه؛ لأن الأصل في الأفعال البناء، كما أن الأصل في الحروف البناء.
وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء وفي الأفعال مطلقاً، لماذا؟ أصل في الأفعال وفي الأسماء، والأول هو الصحيح، الذي هو مذهب البصريين، لماذا قال الكوفيون أنه أصل فيهما؟ ليس عندهم من المبني من الأفعال إلا الفعل الماضي، وفعل الأمر عندهم معرب مجزوم بلام مقدرة، والفعل المضارع في غالب أحواله يعتبر معرباً حينئذٍ لوجود بعض المعاني التي تعتري الفعل المضارع كما سيأتي وهذا مسلم عند البصريين، قالوا: بكونه معرباً في الفعل كما أنه معرب في الأسماء، يعني: أصل في الأفعال كما أنه أصل في الأسماء، يعني: توارد المعاني يوجد في الأفعال ويوجد في الأسماء، فصار أصلاً فيهما وهذا منتقد.
قال رحمه الله:
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً .. هذه ثلاثة أنواع،
فِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً
…
فعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ
وَمَاضِيَ الأَفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ
…
بِالنُّونِ فِعْلَ الأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ
والترتيب هنا مخالف لما سبق، هنا قدم الأمر: وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. وهناك قدم الفعل المضارع: ِفعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ، لماذا قدم هناك الفعل المضارع؟ لأنه في مقام بيان العلامات وهو أشرف من غيره، ثم قال: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ .. ثم قال: وَسِمْ بِالنُّونِ فِعْلَ، قدم ماذا؟ قدم الماضي على فعل الأمر، لماذا؟ لكون الماضي متفقاً على بنائه، وفعل الأمر مختلف فيه، وهنا قدم ماذا؟ قد فعل الأمر، ثم أتى بالماضي ثم أتى بالمضارع، عكس ما سبق على التوالي .. هناك قدم المضارع ثم الماضي ثم الأمر، هنا قدم الأمر ثم الماضي ثم المضارع، لماذا؟ قدم الأمر للاستدلال به أو للاستدلال بهذا التقديم على أن الراجح فيه أنه مبني، مع التنصيص على الحكم، كأنه يقول: أن بناء فعل الأمر كالمتفق عليه من جهة بنائه كما هو متفق عليه في الماضي.
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ .. سوَّى بينهما، إذاً: هما في درجة واحدة، ولذلك عند البصريين لا خلاف عند أكثرهم أن فعل الأمر كالفعل الماضي، وإنما نازع بعض الكوفيين في كونه معرباً لعلة تمسكوا بها.
إذاً: وَفِعْلُ أَمْرٍ: قدمه هنا للدلالة على أن الراجح فيه أنه مبني، بل هو مساوٍ للماضي في البناء، ثم ثلَّث بالفعل المضارع؛ لأنه خرج عن أصله، وما جاء عن الأصل سواء كان ماضياً أو أمراً فهو أولى بالتقديم على ما خرج عن الأصل وهو الفعل المضارع، إذاً: ثلاثة أفعال:
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ ومضيٌ يجوز الوجهان، وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. هذا يحتمل أن الألف هذه ألف الفاعل .. ألف الاثنين، ويحتمل أنها ألف الإطلاق، على حسب توجيه وَمُضِيٍّ، وَمُضِيٍّ بجر مضيٍ وتقدير مضاف حذفه الناظم لمماثلته المعطوف عليه، وأبقى المضاف إليه بحاله، يعني: أصل التركيب: وفعل أمرٍ .. وفعل مضيٍ بنيا، هذا أصل التركيب، قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على حاله .. كحاله كما سيأتي، فحذف المضاف فعل مضيٍ وأبقى مضي على حاله.
وقوله: بُنِيَا، الرافع لضمير التثنية خبر عن المذكور والمحذوف، فحينئذٍ أخبر بالمثنى عن مفرد أو عن مثنى؟ مثنى معنىً لا حقيقةً، بُنِيَا، لا بد من التطابق بين المبتدأ والخبر، وفعل أمر .. فعل: هذا مبتدأ، أين خبره؟ بني، أليس كذلك؟ هذه الألف ألف الاثنين، وفعل أمر واحد، كيف يخبر عنه بقوله: بنيا؟ نقول: أصل التركيب: وفعل أمرٍ .. وفعل مضيٍ بنيا، هذا لا إشكال فيه، يعني: صار بنيا الألف هذه عائدة على فعل أمر المذكور وفعل مضي المحذوف، فعادت على اثنين: على مذكور وعلى محذوف، فلما أبقى المضاف إليه كحاله كأن المضاف صار موجوداً؛ لأن أثره موجود، وإذا كان أثره موجود حينئذٍ فهو كالموجود.
فقوله: بُنِيَا، هذا يعود الاثنين، فلا يلزم الإخبار عن المفرد بمتحمل ضمير التثنية، وهو بنيا، ويجوز رفع مضيٌ عطفاً على فعلُ، على أنه أقيم مقام المضاف عند حذفه، وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ .. أصله: وفعل مضيٍ حذف المضاف فعل ثم أقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، هذا وجهٌ، أو على أنه بمعنى ماضٍ، ومضيٍ بمعنى: ماضٍ، ولكنه تغيرت صيغته ولم يجعله مضافاً إليه، يعني: لم يكن ثم لفظ فعل موجوداً، بل مضي بمعنى: ماضي، وهذا فيه تكلف.
ويحتمل أن ألف بني للإطلاق وأن ضميره يرجع إلى فعل أمر مراداً به الجنس، ضمن نوعيه فعل الأمر وفعل المضي، يعني: كما قلنا هناك بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ، يحتمل أن وأتت هذا معطوف على المضاف إليه، فحينئذٍ بتاء صار اسماً مشتركاً بين التائين، وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ، يحتمل أن مضي هذا معطوف على أمر، وحينئذٍ يصير فعل، هذا ليس خاصاً بالأمر بل صار جنساً مشتركاً يصدق على الأمر وعلى الماضي، وفعل أمر هذا من إضافة الدال إلى المدلول، يعني: فعل يدل على الأمر، والفعل الدال على الأمر، -أي أمر اصطلاحي أو لغوي-؟ إذا قيل: فعل الأمر المراد به الاصطلاحي؛ لأن هذا اسمه فعل الأمر من إضافة الدال إلى المدلول، فعل أمر يدل على الأمر الاصطلاحي بتوفر شرطه، يعني: وجود علامتيه.
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا: إذاً الحكم على الفعل فعل الأمر بأنه مبني، والحكم على الفعل فعل الماضي أنه مبني، يبنى على أي شيء؟ ما بين المصنف رحمه الله تعالى وجه البناء، بل حكم عليه أنه مبني، وأحال على المُوَقِّف، فحينئذٍ نقول: فعل الأمر هل هو معرب أو مبني؟ على الخلاف الموجود بين البصريين والكوفيين، هنا قال:
المبنيُّ من الأفعال ضربان: ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني، هذا نوع، وهذا خاص بفعل الأمر، نحو: اضرب، هذا مبني عند البصريين ومعرب عند الكوفيين، لماذا؟ قالوا: أصله مشتق ومقتطع من الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر هذا أصله، اضرب، أصله: لتضرب، مجزوم بلام الأمر ظاهرة، وأصله: لتضرب فحذفت اللام تخفيفاً، -دعوى الحذف والتخفيف هذه لا حدود لها-، لتضرب، هذا أصله، اضرب أصله لتضرب، فعل مضارع مقرون بلام الأمر فهو مجزوم، حذفت اللام تخفيفاً ..
ثم صار تضرب، هذا الأمر .. تضرب، التبس بالفعل المضارع المرفوع في حال الوقف، يعني: إذا وقفت على تضرب .. لو وصلته، قلت: تضرب، وتضرب يا زيد، لما حصل لبس، وإنما التبس بالفعل المضارع في حال الرفع عند الوقف لا عند الوصل، فحينئذٍ ماذا صنعوا؟ حذفوا التاء من أجل الفرق بين المضارع في حال الرفع عند الوقف، وبين فعل الأمر، حذفت التاء، صارت الضاء هنا ساكنة، وحينئذٍ لا يمكن الابتداء بالساكن، فاجتلبت همزة الوصل للتمكن من الابتداء بالساكن، ثم التقى ساكنان ففصلت الهمزة على أصل بالكسر فقيل: اضرب.
إذاً: اضرب، هذا ليس أصلاً بل هو فرع، من أين؟ من قوله: لتضرب، حذفت اللام تخفيفاً، ثم بعد ذلك اشتبه والتبس بالفعل المضارع المرفوع في حالة الرفع، فحذفت التاء دفعاً لهذا اللبس، ثم صار الحرف ساكناً فاجتلبت همزة الوصل فقيل: اضرب، يرد هذا المذهب: أن الحرف لا يعمل محذوفاً، وهذا سيأتي معنا في حروف الجر هناك، الحرف لا يعمل محذوفاً سواء كان حرف جر، أو كان حرف جزم، فحينئذٍ قولهم: اضرب يا زيد، اضرب: هذا فعل أمر مجزوم عند الكوفيين؛ مجزوم لأنه معرب، ما العامل فيه؟ قالوا: اللام، أين هي؟ محذوفة، وهل يعمل المحذوف في الموجود؟ نقول: لا، الصواب: لا، لا يعمل المحذوف في الموجود.
لو كان فعلاً، جاء زيدٌ، من جاء؟ زيدٌ .. زيدٌ، هذا مرفوع فاعل، ما العامل فيه؟ جاء، أين هو؟ محذوف، لو قال لك قائل: من جاء؟ قلت: زيدٌ، زيد ما إعرابه؟ فاعل، والعامل فيه .. أين هو جاء ما في جاء هنا، محذوف؛ لأنه وقع في جواب سؤال، قلت لك: من جاء، أنت تجيب بماذا؟ زيد فقط، كلمة: زيد، والأصل: جاء زيدٌ، حذف جاء، وبقي الفاعل على حاله، فقلت: زيدٌ، زيدٌ إعرابه فاعل لفعل محذوف جوازاً، تقديره: جاء زيد، ما الذي جوز حذفه؟ كونه واقعاً في جواب سؤال وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، كيف جوزنا هنا أن يعمل الفعل في اللفظ المذكور وهو محذوف؟ نقول: لأنه أصل، الأصل في العمل للأفعال، ولذلك قدرنا في البسملة هناك الفعل؛ لأنه أصل في العمل.
فحينئذٍ يقوى على أن يعمل مذكوراً ومحذوفاً، ودائماً الأصول هكذا، الأصول تعمل محذوفةً ومذكورةً، أما الحرف فالأصل فيه ألا يعمل، الحرف وهو ملفوظ الأصل فيه ألا يعمل، فإذا عمل الحرف وهو ملفوظ به حينئذٍ جاء على خلاف الأصل، وما جاء على خلاف الأصل فهو ضعيف، فإعماله وهو ملفوظ به ضعيف، هذا الحرف، فإذا حذف كان من باب أولى وأولى أن يكون أضعف في العمل، فكيف يبقى تأثيره بعد حذفه؟ إذاً: القول بكون اضرب مجزوم بلام الأمر محذوفة، نقول: هذا قول ضعيف؛ لأن الحرف لا يعمل محذوفاً، بل هو وهو ملفوظ به ضعيف، فمن باب أولى ألا يعمل محذوفاً.
إذاً: هذا ما اختلف فيه بين البصريين والكوفيين، وهو مبني عند البصريين على الأصل، هل يحتاج البصريون إلى إثبات بنائه إلى دليل؟ نقول: لا؛ لأنه ثبت أن البناء أصل في الفعل، فحينئذٍ ما جاء على الأصل لا يطالب بدليل، فإذا قال البصري: الفعل فعل الأمر مبني لا نقول له: ائت بالدليل؛ لأنه استدل بالأصل، يعني: واقع عنه حالاً.
حينئذٍ من قال: خرج عن الأصل قيل له: ائت بالدليل؟ ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ)) [البقرة:111] فإن أثبته دليلاً صحيحاً قبل على العين والرأس، ويستثنى من الأصل، وإن لم يأت فحينئذٍ نستصحب الأصل، هذا هو الأصل فيه.
إذا قلنا: أنه مبني على الصحيح على أي شيء يبنى؟ المشهور عند النحاة أن الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، هذا هو المشهور عند النحاة، فالأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، فإذا كان المضارع مجزوماً بالسكون حينئذٍ بني على السكون، وإذا كان مضارعه جزم بحذف حرف العلة حينئذٍ يبنى فعل الأمر على حذف حرف العلة، وإذا كان مضارعه يجزم بحذف النون بني فعل الأمر على حذف النون، الأمثلة نحتاجها أم لا؟ ما نحتاج أمثلة.
لم يضرب: هذا فعل مضارع مجزوم بالسكون، اضرب: هذا فعل أمر مبني على السكون؛ لأن مضارعه يضرب إذا دخل عليه جازم جزم بالسكون، يغزو .. لم يغزُ .. لم يدعُ .. لم يرمِ .. لم يخشَ، نقول: هذه جزمت بحذف حرف العلة، أغز يا زيدُ، ارم يا عمرو .. اخش يا زيدُ، نقول: هذه كلها مبنية على حذف حرف العلة، ماذا بقي؟
المجزوم بحذف النون، لم يقوما .. لم يقوموا .. لم تقومي، إذاً نقول في فعل الأمر قوما: مبني على حذف النون، قوموا: مبني على حذف النون، قومي: مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه يجزم بحذف النون، في هذه الأمثلة واضح بين: أن فعل الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، وهذه القاعدة في مثل هذا لا بأس بها: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه.
لكنها أورد عليها بعض الإيرادات من حيث ماذا؟ عدم الشمول؛ لأنها لا تشمل بعض الأشياء، ويدخل تحتها بعض ما كان الأصل أنه خارج عنها، يرد عليها: أمر جمع المؤنث صحيحاً كان أو معتلاً، إذا أمرت نسوة ماذا تقول؟ قمن، ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ)) [الأحزاب:33] مضارعه، ما هو مضارعه .. مجزوم؟ النسوة يقمن، قمن؟ مبني على السكون، هنا يقول: على ما يجزم به مضارعه! خص نوعاً من أنواع المضارع، فحينئذٍ لا يدخل تحته أمر المؤنث، صحيحاً كان أو معتلاً، لماذا؟ لأن مضارعه مبني وليس مجزوماً: النسوة يقمن، فحينئذٍ نقول: الأمر منه مبني على السكون، كما أن مضارعه مبني على السكون.
وقوله: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، لا يدخل تحته هذا الصنف، إذاً: أمر جمع المؤنث صحيحاً كان أو معتلاً، فإنه مبني على السكون ومضارعه ليس مجزوماً فإنه مبني على السكون أيضاً، نحو: قمن، هذا أمر، وهو مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، وتقول في المضارع: النسوة يقمن .. ارمين .. يرمين .. النسوة يرمين، هذا معتل اتصلت به نون الإناث، فهو مبني على السكون، النسوة يرمين، الأمر منه: ارمين .. أرمين، أليس كذلك؟ حينئذٍ بني على السكون كما أن أصله مبني على السكون.
إذاً: اختصاص القاعدة بما جزم مضارعه أخرج المبني، فهذا الفرد ليس داخلاً تحت هذه القاعدة، فزيد على القاعدة لإخراج هذا النوع لو كان معرباً، الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، الأصل أن نأتي بالقيد للإدخال أو للإخراج، للإخراج أو للإدخال؟، هنا نريد أن ندخل هذا النوع أم نخرجه؟ ندخله، وهم قالوا: لو كان معرباً إذاً: إذا كان مبنياً لا يأخذ الحكم، وهذا قيد فاسد، لكن أرادوا أن يجمعوا بين نظيرين، لماذا؟ قولهم: لو كان معرباً، أرادوا أن يجمعوا بين نظيرين؛ لأنهم قالوا: ما يجزم به مضارعه.
إذاً: عينوا الفعل المضارع أنه مجزوم، فكيف يضم إليه النوع المبني؟! هذا متعذر، لكنهم خصوا القاعدة بالمعرب فحسب، حينئذٍ تكون القاعدة أغلبية فهي خاصةٌ بالفعل المضارع المعرب المجزوم، إذاً: إذا كان مبنياً هذه القاعدة لا تنطبق على المبنيات، فحينئذٍ يؤخذ حكم فعل الأمر الذي بني مضارعه من غير هذه القاعدة.
كذلك يرد عليها بعد الزيادة أيضاً: الأمر الذي باشرته نون التوكيد، فإنه يبنى على الفتح صحيحاً كان أو معتلاً:((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] ليضربنَّ .. ليأكلنَّ، نقول: هذا فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، الأمر منه: انبذنَّ، اضربنَّ مبني على الفتح، مضارعه مبني على الفتح، وهذا مبني على الفتح:
الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، هل هذا النوع يمكن أن نأخذه من هذه القاعدة؟ الجواب: لا؛ لأنه مبني، -والكلام في المعرب-، لا تشمل هذه القاعدة الأمر الذي لا مضارع له، نحو: هاتِ، هذا اسم فعل، أو فعل أمر؟ الصحيح أنه فعل أمر، مجزوم على حذف حرف العلة، هاتي هذا هو الأصل، في الخطاب للمذكر .. -المفرد المذكر-، هاتِ: هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والكسرة دليلة على المحذوف، مثل: ادع، واخش، وارم، هل له مضارع، هاتِ؟ ليس له مضارع، إذاً: كيف نأخذ من القاعدة حكم هذا النوع؟ لكن هذا يجاب عنه بأنه قليل، لا يعلم حكم الأمر الذي مضارعه ليس معرباً على تلك الزيادة.
إذاً: هذا خلل في هذه القاعدة: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، نقول: هذه قاعدةٌ أغلبية، ولا يصح أن يؤخذ منها أحكام أفراد فعل الأمر على جهة التفصيل، ولذلك نقول: أحوال فعل الأمر للمبني على أربعةٍ باستقراء كلام العرب:
الحالة الأولى: أنه يبنى على السكون، ظاهراً أو مقدراً، يعني: السكون قد يكون ظاهراً وقد يكون مقدراً، إذا كان صحيح الآخر غير معتل الآخر، ولم يتصل به ضمير تثنية، ولا ضمير جمع، ولا ضمير المؤنثة المخاطبة، يعني: ليس من الأمثلة الخمسة، اضرب يا زيد، نقول: هذا يبنى على السكون؛ لأنه فعل أمر صحيح الآخر، يعني: لامه ليست حرفاً من أحرف العلة الثلاثة، اضرب: الباء ليست واوً ولا ياءً ولا ألفاً، حينئذٍ يبنى على السكون، وهذا السكون هنا ظاهر:((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] قمٍ، نقول: هذا فعل أمر أو لا؟ فعل أمر، مبني على السكون، لماذا بني على السكون؟ لأنه صحيح الآخر، يعني: لامه ليست واوً ولا ياءً ولا ألفاً، فحينئذٍ يبنى على السكون، وليس من الأمثلة الخمسة.
وأين السكون؟ مقدر، ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] قم: هذا فعل أمر مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، وهذه الحركة ليست أصلية، والحركة العارضة كاسمها عارضة، لا اعتبار لها، إذ لو كان لها اعتبار لرجعت الواو التي حذفت للتخلص من التقاء الساكنين، قم: أصله قوم، واو ساكنة وميم ساكنة، التقى الساكنان حينئذٍ لا يحرك الأول بالكسر، لماذا؟ لأن الواو ثقيل، تعين الطريق الثاني وهو حذفه؛ لوجود الدليل عليه وهو ضمة قبله، قُم حينئذٍ لما حركت الميم وهي ساكنة في الأصل، ومن أجلها حذفت الواو .. لما حركت بحركة عارضة لم ترجع الواو، فدل على أنها ليست هي الأصل، وأن السكون الذي حذف من أجله الواو معتبر لكنه من جهة التقدير لا من جهة اللفظ.
إذاً: يبنى على السكون ظاهراً أو مقدراً .. ظاهراً في نحو: اضرب يا زيد، ومقدراً في نحو: قم الليل، متى؟ إذا كان صحيح الآخر، ولم يكن من الأمثلة الخمسة، لم يتصل به ضمير تثنية، ولا ضمير جمع، ولا ضمير المؤنثة المخاطبة، أو اتصلت به نون الإناث، يعني: يبنى على السكون إذا اتصلت به نون الإناث: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ)) [الأحزاب:33] أقمن ما إعرابه؟ .. لاتصاله بنون الإناث: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ)) [الأحزاب:33] هذه كلها أفعال أمر، أطعن: هذا فعل أمر مبني على السكون، لماذا بني؟ أجيبوا .. لاتصاله بنون التوكيد .. بنون الإناث، أولاً: لماذا بني؟ نقول: لا يسأل عن الفعل المبني، لماذا بني؟ لأنه جاء عن الأصل، لم بني السكون هنا؟ لاتصاله بنون الإناث، ونون الإناث حرف أم اسم؟ ما الدليل؟ وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ.
ومسندٍ: إذاً أسند إليها، فدل على أنها اسم فهي فاعل، إذاً: أقمن الصلاة .. أطعن الله، نقول: هذا فعل أمر اتصلت به نون الإناث فيبنى على السكون.
والمدغم بفك إدغامه عند اتصاله بالنون، امدُدْنَ .. مَدَّ هذا مشدد مدغم، إذا اتصل به نون الإناث فك الإدغام، فصار: امددن، وهذا فيه تفصيل طويل، اضرب يا رجل .. قم الليل .. مد .. اضربن يا هندات وارمين، مد، ما إعرابه، كيف يعرب مدَّ؟ مد الحبل يا زيد، أمر أو لا، مدَّ، أمر .. أولا هو أمر أو لا؟ أمر ما هو الدليل؟ دل على الطلب ويقبل ياء افعلي، مدي يا هند .. مد يا زيد .. مدي، إذاً: قبل يا الفاعلة، إعرابه كيف مُدَّ؟ فعل أمر مبني على السكون، أين السكون؟ مُدَّ: فعل أمر مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين.
كيف التقاء الساكنين وهو فتحة؟! يجوز أن يقال: مُدُوا .. مُدي .. مُدَّ، في التحريك: مدوا على الإتباع، والسكون مقدر، مُدَّ: للتخلص من التقاء الساكنين، لكنه طلباً للخفة؛ لأن الأصل الفعل أنه لا يدخله كسر، مُدِّي: هذا أضعفها بالكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، ففيه ثلاث لغات: أشهرها وأحسنها: مُدَّ، ثم مُدُّوا، ثم مُدِّي، ومُدُّوا: الدال مضمومة هنا للإتباع التي ذكرها اليوم، حركة الإتباع، فتقول: مدوا فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع، مدي: فعل أمر مبني على السكون المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين وهي الكسرة على الأصل، مَدَّ: نفسه لكنها فتحاً.
إذاً: هذا الحالة الأولى: أنه يبنى على السكون ظاهراً أو مقدراً إذا كان صحيح الآخر، ولم يكن من الأفعال الخمسة.
الثاني: يبنى على الفتح، فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة: اضْرِبَنّ .. اضْرِبْنَ، اضْرِبَن .. اضْرِبَن، ليس اضْرِبْنَ، اضْرِبَن يا زيدُ: هذه نون التوكيد الخفيفة، اضرِبَ .. اضرِبَن .. اضرِب: هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، اضْرِبَنَّ، اضرب: تقول: هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة.
الثالث: يبنى على حذف حرف العلة، إذا كان آخره معتلاً، يعني: واو أو ياء أو ألف، يدعوا تقول: ادع، كما ذكرناه سابقاً، يخشى اخش، يرمي ارم، بشرط ألا يتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة، أو ضمير المؤنثة المخاطبة، أو نون الإناث، أو نوني التوكيد، لا يتصل به هذا ولا ذاك؛ لأنه إذا اتصل به ضمير تثنية أو واو جماعة أو ضمير المؤنثة المخاطبة حينئذٍ بني على حذف النون وهو الحالة الرابعة: أنه يبنى على حذف النون، متى؟ إذا اتصل به ألف اثنين أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، اضرِبَانِِّ يا زيد .. هنا فعل أمر اتصل به نون التوكيد الثقيلة، فبني على حذف النون؛ لأن الألف هذه ألف تثنية، يعني: فاعل، مثل يضربان، هنا نقول: فعل الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، الأفعال الخمسة أوالأمثلة الخمسة تجزم بحذف نونها، حينئذٍ إذا اتصل ألف الاثنين بفعل الأمر نقول: بني على حذف النون، اضربا .. اضربا، اضربوا، اضربي، نقول: هذا مبني على حذف النون، إذاً: قاعدة هنا أن الفعل فعل الأمر يبنى على واحد من أربعة:
إما على السكون، وإما على الفتح، وإما على حذف حرف العلة، وإما على حذف النون.
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. مضيٍ: هذا اتفق على بنائه وأنه مبني، والأصل فيه ماذا؟ الأصل فيه البناء، ومتى يبنى؟ نقول: يبنى على الفتح أو الضم أو السكون، وهو الذي ذهب إليه هنا من؟ ابن عقيل.
ما اتفق على بنائه وهو الماضي، وهو مبني على الفتح نحو: ضرب، وانطلق، ما لم يتصل به واو جمع فيضم، أو ضمير رفع متحرك فيسكن، وهذا مذهب الجمهور: أن الفعل الماضي له ثلاثة أحوال: يبنى على الفتح ظاهراً أو مقدراً، ويبنى على الضم، ويبنى على السكون.
يبنى على الفتح: إذا لم يتصل بآخره شيء، نحو: ضرب وعصى، ضرب: فعل ماضي، ضرب زيد: ضرب فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، لم بني؟ لا يسأل عنه؛ لأنه جاء على الأصل، لماذا بني على الفتح، أو لماذا حرك؟ نقول: لأنه أشبه المضارع كما سيأتي، لم كانت عين الحركة فتحة؟ طلباً للخفة.
إذاً: هذه الحالة الأولى: أنه يبنى على الفتح، وذلك إذا لم يتصل به شيء، سواء كان هذا الفتح ظاهراً أو مقدراً، ظاهراً نحو: ضرب، ومقدراً، نحو: عصى .. ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ)) [طه:121].
أو اتصل به تاء التأنيث الساكنة، ضربت هندٌ، ضرب: فعل ماضي مبني على الفتح، واتصلت به تاء التأنيث الساكنة، إذاً: لم تخرجه عن الأصل، أو اتصلت به ألف الاثنين نحو: ضربا الزيدان .. الزيدان ضربا، ضربا: هذا فعل ماضي مبني على الفتح، والألف هذه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، إذاً: اتصل الفعل الماضي بألف الاثنين وبقي على أصله، إذاً: الحالة الأولى يبنى على الفتح ظاهراً أو مقدراً سواء اتصلت به تاء التأنيث أو ألف الاثنين لا يخرجه عن أصله.
الحال الثانية: أنه يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، هي التي عناها بقوله: ما لم يتصل به واو جمع فيضم، إذاً: يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، ضمير: هذا احترازاً من الاسم الظاهر: ضرب زيدٌ، فإنه يكون مبنياً على الفتح، ضمير رفع: احترازاً من ضمير نصب، نحو: أكرمنا، فهو مبني على الفتح على الأصل، وبالمتحرك احترازاً عن الساكن، ما عدى الواو: ضربنا، إذاً: ضمير رفع متحرك، خرج بالضمير الاسم الظاهر، وبالمتحرك الساكن، ما عدى الواو نحو: ضربا .. هذا ضمير ساكن الألف، أليس كذلك؟ يكون مبنياً معه على الفتح.
يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، إذا وجدت فيه هذه القيود الثلاثة حينئذٍ بني على السكون، مثل ماذا؟ التاء، ونا، ونون الإناث ثلاثة، ضربت .. قمت .. ضربنا .. النسوة، قمن، هذه كلها الثلاثة مبنية على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، واضح هذا؟
الحالة الثالثة: أنه يبنى على الضم، متى؟ إذا اتصل به ضمير جمع، وهو واو الجماعة، ضربوا .. قاموا، قالوا هذا مبني على الضم، لماذا؟ لأن الواو لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مضموماً، إذاً: هذا حال، هذا قول الجمهور: التفصيل في حال الفعل الماضي، يبنى على الفتح، ويبنى على السكون، ويبنى على الضم.
المذهب الثاني: أن يبنى على الفتح والسكون فقط لا على الضم، وهذا رجحه ابن هشام في: أوضح المسالك، يعني: نفس المذهب السابق إلا أنه أسقط البناء على الضم، وجعل الفتحة فيه مقدرة، قاموا: فعل ماضي مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة.
إذاً، المذهب الثاني: أن الماضي يبنى على الفتح والسكون، ونحو ضربوا الفتح مقدر.
المذهب الثالث: يبنى على الفتح في جميع الأحوال مطلقاً سواء اتصل به ضمير رفع متحرك أو اتصل به واو الجماعة أو لا، يبنى على الفتح مطلقاً، وهذا هو الأرجح والأصح.
أما نحو: ضرَبْتُ، فنقول: هذا مبني على فتح مقدر؛ لأن هذا السكون عارض، الأصل: ضرَبَتٌ بتحرك الباء بالفتح على الأصل، ضرَبَ: فعل ماضي اتصل ضمير رفع، قيل: ضرَبَتُ، حينئذٍ من قاعدة العرب: أنه لا يوجد في كلمة واحدة، أربع متحركات متوالية، دفعاً لهذا التوالي سكن آخر الفعل، فحينئذٍ هذا السكون ليس سكون بناء، وإنما هو سكون عارض، فإذا علمت العلة من وجود هذا السكون رجعنا إلى الأصل في إعراب الفعل الماضي عند التجرد، يعني: قبل اتصال تاء الفاعل، فضرَبْتُ نقول: أصله ضرَبَتُ سكنت الباء دفعاً لتوالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، حينئذٍ بقي على أصله، فنقول: ضرب، فعل ماضي مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون دفع توالي أربع متحركات، فيما هو كالكلمة الواحدة.
وأما: قاموُا، فهذا واضح بين أن هذه الضمة إنما جيء بها لأجل مناسبة الواو؛ لأن الواو لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مضموماً، إذاً نقول: الفعل الماضي الصحيح أنه مبني على الفتح مطلقاً سواء اتصل به ضمير رفع متحرك، أو اتصل به واو الجماعة، وأما مذهب الجمهور فهذا فيه نظر.
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا
…
وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا
هذا شروع في الفعل المضارع، أعربوا، من الذي أعرب، العرب أو النحاة؟ يحتمل ويحتمل؟ يحتمل أعربوا .. العرب أو النحاة، يحتمل هذا وذاك، وأعربوا، أي: العرب نطقوا بالمضارع معرباً، أو النحاة حكموا للفعل المضارع بالإعراب، واضح؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك.
وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا: وأعربوا، أي: العرب بمعنى: نطقوا به معرباً، أو النحاة بمعنى: حكموا بإعرابه، أعربوا مضارعاً، يعني: فعلاً مضارعاً على خلاف الأصل؛ لأن الأصل فيه أن يكون مبنياً، هذا الأصل في الفعل المضارع، ولكن لكونه أشبه الاسم أخذ حكمه، أشبه الاسم في وجه شبه سيأتي، لوجود هذا الشبه قالوا: أخذ حكم الاسم وهو الإعراب، ما وجه الشبه؟ فيه قولان:
القول الأول وهو المرجح: أن الفعل المضارع تتوارد عليه معانٍ مختلفة، وهذه معانٍ تركيبية يعني: إنما توجد بعد تركيبه، لا يتميز وتتميز هذه المعاني المختلفة إلا بالإعراب، لما وجدت فيه علة إعراب الاسم وهي توارد المعاني المختلفة، حينئذٍ ألحق الفعل المضارع بالاسم فأخذ حكمه وهو الإعراب، قلنا: ما أحسنَ زيداً .. ما أحسنُ زيدٍ .. ما أحسنَ زيدٌ، هذه ثلاثة أحوال.
قال: ومثلها في المثل المشهور: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن، قالوا: تشربَ .. تشربُ .. تشربِ، هذا يحتمل كم معنى؟ ثلاث، لا تأكل السمك، هذا واحد، لا: ناهية، وتأكل: هذا فعل مضارع مجزوم بلا، وجزمه سكون مقدر على آخره، هذا ثابت: لا تأكل السمك، هذا مفروغ منه، بقي: وتشربَ اللبن، وتشرب: هذا يجوز فيه من حيث الإعراب ثلاثة معاني، وتشربَ .. وتشربِ .. وتشربُ، أما: وتشربِ اللبنَ، فهذا عطفاً على مدخول لا الناهية، حينئذٍ يكون مجزوماً، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء ساكنين.
المعنى على هذا: لا تأكل السمك، ولا تشرب اللبن، منهي عن هذا وذاك، سواء جمعت بينهما أو أفردت أحدهما عن الآخر، فأنت منهي عنه، هذا في حالة الجزم، وتشربِ، وتشربَ: على جعل الواو واو المعية، وتشربَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرةً وجوباً بعد الواو، المعنى على هذا: لا تأكل السمك مع شربك، إذاً: لا تجمع ولك أن تفرد، يعني: لا تأكل السمك مع شربك اللبن، فإن أكلت السمك وحده دون شرب للبن لا بأس، وإن عكست فلا بأس.
لا تأكل السمك وتشربُ .. بالرفع، يعني: ولك شرب اللبن، الثاني مباح، لا تأكل السمك منهي عنه، وتشربُ، نقول: هذا على الإباحة، إذاً: هذه معانٍ مختلفة تركيبية على صيغة واحدة، الفعل واحد المثال واحد، ما الذي ميز هذه المعاني من حيث النهي والجمع والإفراد؟ هو الإعراب.
إذاً: وجدت فيه علة إعراب الأسماء، فانتقل الحكم حكم الإعراب من الأسماء إلى الفعل، لكنه لم يجعل أصلاً فيه كما جعل أصلاً في الأسماء؛ لأن هذه المعاني يمكن تمييزها بغير الفعل، لا تأكلِ السمكَ، ولك شربُ .. حذفنا الفعل، لا تأكلِ السمكَ شارباً اللبن، جئنا بالحال نصاً، لا تأكلِ السمكَ ولا تشرب، جئنا بالحرف على أصله، لما أمكن أن نفر عن اللبس والاختلاف في فهم المعنى التصريح بالاسم أو بلا الناهية عن الإعراب، صار الإعراب فرعاً في الفعل المضارع دون ماذا؟ صار الإعراب فرعاً في الفعل المضارع ولم يكن أصلاً.
إذاً: وأعربوا مضارعاً، لماذا أعرب الفعل المضارع مع كون الأصل فيه أنه مبني؟ نقول: لكونه أشبه الاسم، أشبه الاسم في ماذا؟ في توارد المعاني المختلفة عليه، هذه العلة هي الصحيحة وهي التي نكتفي بها.
لكن إعرابه مطلقاً؟ قال: لا، إنْ عَرِيَا .. مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ .. نُونِ إنَاثٍ، يعني: كأنه قال لك: وأعربوا مضارعاً لا مطلقاً، بل إن عري من نون توكيد، وعري هنا، بمعنى: خلا، وعري من باب رضي، بمعنى: خلا، ويأتي من باب قعد بمعنى آخر، إن خلا الفعل المضارع من نون توكيد مباشرٍ ولو تقديراً.
وإن عرى من نون إناث، إذاً: شرط إعراب الفعل المضارع أن يكون خالياً، يعني: لم يتصل به لا نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة المباشرة ولا نون الإناث، فإن لم يعرَ فحينئذٍ رجع إلى أصله وهو البناء، هذا مأخوذ من مفهوم المخالفة.
وأعربوا، هذا ليس على إطلاقه بل قيده بحرف الشرط: إن عري .. يعني: إن خلا من النونين، فإن لم يخل من النونين حينئذٍ الحكم وهو الإعراب منتف، لماذا؟ لأنه قيد الإعراب بشرط، وإذا كان كذلك وحينئذٍ يزول المشروط بزوال الشرط وهو الإعراب، فإن لم يتصل .. فإن اتصل به نون التوكيد ونون الإناث حينئذٍ رجع إلى أصله وهو البناء.
وأعربوا مضارعاً .. على خلاف الأصل، وإلا مطلقاً، بل إن عري .. قلنا: عري بكسر الراء ماضي يعرى، كرضي يرضى، أي: خلا، وأما عرى يعروا كعلا يعلو فبمعنى: عرض، عَرِيَا .. مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ، ولو تقديراً كما سيأتي، وإن عري من نون إناث، يعني: نون موضوعة للإناث، وإن استعملت مجازاً في الذكور.
ولذلك ابن مالك في هذه الألفية باستقراء أنه لا يعبر بنون النسوة، وإنما يقول: نون الإناث، لماذا؟ لأنها قد تستعمل في غير النسوة، النسوة عقلاء .. عاقلات، حينئذٍ إذا استعملت النون في غير النسوة ويقال: هي نون النسوة هذا محل إشكال، فإذا استعملت في غير نون النسوة حينئذٍ لا تسمى بهذه، لذلك نقول: لم يقل: نون النسوة لأنها تشمل العاقل ولغير العاقل، الناقة، أو النوق يسرحن، يسرحن: هذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث.
إذاً: نون الإناث التعبير بها أولى من التعبير بنون النسوة، كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ، هذا مثال لأي شيء، للمعرب أو للمبني؟ يَرُعْنَ، كقولك: يَرُعْنَ .. يَرُعْنَ: هذا مضارع راع بمعنى: أفزع، يَرُعْنَ النسوة .. يَرُعْنَ: هذا فعل مضارع مبني، على السكون لاتصاله بنون الإناث، من فتن، ونون الإناث ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، مَنْ فُتِنَ، يعني: مَنْ فُتِنَ بِهنَّ، وحينئذٍ هذا مثال للمبني لا للمعرب.
إذاً: الفعل المضارع نقول: له حالان: حال إعراب، وحال بناء، حال إعرابه له ثلاثة أحوال:
إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مجزوماً، وهذه كلها سيفرد لها المصنف أبواب .. المرفوع سيذكره في بيت، ثم يذكر باباً للمنصوبات أو الفعل المضارع المنصوب والنواصب، وكذلك الجوازم، وهنا ذكر المبني.
.......................
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ
…
وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا
نُونِ إنَاثٍ ..............................
قال ابن عقيل هنا: والمعرب من الأفعال هو المضارع، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث، فهو شرط عدمي، يعني: عدم اتصال هذين اللفظين بالفعل المضارع هو المسوغ لإعرابه، فإن وجد هذا الشرط المنفي، يعني: من جهة الوجود حينئذٍ انتفى الإعراب ورجع إلى الأصل.
مثال نون التوكيد المباشرة: هل تَضْرِبَنَّ .. تَضْرِبَنَّ: هذا فعل مضارع مبني على الفتح، لماذا بني، هل نسأل: لماذا بني؟ بل نسأل؛ لأن الفعل المضارع لما صار معرباً في أكثر أحواله صار الإعراب فيه كالأصل والبناء كالفرع، فإذا بني حينئذٍ نحتاج إلى سؤال: لم بني الفعل المضارع في هذا؟ سيأتينا، هل تَضْرِبَنَّ؟ إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة بالفعل المضارع وبني معها على الفتح، والفعل معها مبني على الفتح، ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة، فإن لم تتصل به لم يبنَ.
ابن عقيل هنا شرح ماذا؟ شرح المبني ولم يشرح المعرب، مع كونه نص ابن مالك على قوله: وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً؛ لأن إعرابه واضح بين لا يحتاج إلى تفصيل، فإعرابه إما أن يكون رفعاً وهذا إذا تجرد عن الناصب والجازم، وإما أن يكون نصباً وهذا يستلزم العلم بالمنصوبات، يعني: أدوات النصب، وإما أن يكون مجزوماً، وهذا يستلزم العلم بأدوات الجزم، وهذه إحالة على ما سيأتي، وإنما الذي يعنيه الناظم هنا: هو البناء فحسب، وأما الإعراب فسيأتي ذكره.
إذاً: إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة بالفعل المضارع وكانت مباشرةً له حينئذٍ بني معها على الفتح، إن لم تتصل به، بمعنى أنها لم تباشره، ولذلك قيد ابن مالك هنا، قيد بماذا؟ من نون توكيدٍ مباشرٍ، بمعنى: أنها اتصلت بالفعل ولم يفصل بينهما فاصل، وهل يتصور أن تكون نون التوكيد الثقيلة مع الفعل المضارع وبينهما فاصل؟ نقول: نعم، هذا يتصور، فإن وجد الفاصل لفظاً أو تقديراً حينئذٍ رجع الفعل إلى أصله وهو الإعراب، إذاً: ليس كلما رأيت نون التوكيد الثقيلة بجوار الفعل المضارع فهو مبني، بل لا بد أن نعرف: هل هذه النون مباشرةً للفعل أم لا؟ فإن باشرته بمعنى: أنه لم يفصل بين الفعل والنون فاصل، فحينئذٍ هو مبني، فإن فصل بينهما فاصل فحينئذٍ نقول: هو معرب، فإن لم تتصل به لم يبن، وذلك كما إذا فصل بينه، يعني: بين الفعل وبين النون فاصل ملفوظ به كألف الاثنين.
لو قلت: هل تضربانِّ؟ أصلها ماذا؟ انظروا إلى ابن عقيل: هذه لا ينطق بها، هل تضربان، هذا أكد فعل مضارع أسند إلى ألف الاثنين، فاعله ألف الاثنين، حينئذٍ هذه النون ليست متصلة .. ليست مباشرةً بالفعل المضارع، لماذا؟ لوجود الفاصل الملفوظ به وهو ألف الاثنين، فانتفى أن يركب بين نون التوكيد والفعل، لماذا؟ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء، لأنه هناك اغتفر .. ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] لكون الفعل ركب مع نون التوكيد تركيب خمسة عشر؛ لأن العرب تركب بين شيئين، وأما ثلاثة أشياء فلا، فلذلك امتنع بناؤه.
هل تضربانِّ، ما أصله؟ هل تضرباننن .. النون الأولى: نون الرفع، والنونان الأخريان نون التوكيد، هذه كم نون؟ ثلاث نونات، نون الرفع ونون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة عبارة عن نونين: الأولى الساكنة وهي المدغمة في الثانية المتحركة، إذاً: ثلاث نونات، العرب تكره توالي الأمثال، وإذا كانت زائدة هذا أعظم وأعظم.
فحينئذٍ دفعاً لكراهة توالي الأمثال حذفت نون الرفع، فصار ماذا؟ تضربانَ، بالفتح على الأصل، ثم كسرت نون التوكيد بعد ألف الاثنين تشبيهاً لها بنون المثنى مسلمان، إذاً: هل اتصلت النون هنا بالفعل؟ الجواب: لا، فإذا لم تتصل بالفعل حينئذٍ انتفى شرط بنائه؛ لأن شرط بناء الفعل المضارع مع نون التوكيد أن تكون مباشرة، بمعنى: أنه لا يفصل بينهما فاصل، وهنا قد فصل بينهما فاصل، وهو ألف الاثنين، إذاً أصله: هل تضربان .. تضربان، لا ينطق به، ثم بعد ذلك جاءت نون التوكيد، فاجتمعت ثلاث نونات، فحذفت الأولى وهي نون الرفع كراهة توالي الأمثال، أي: الممنوع وذلك إذا كانت كلها زائدة فصار هل تضربانِّ، ولم تحذف الألف مع كون الألف ساكنة، والنون الأولى ساكنة، التقى ساكنان هنا: الألف والنون، لم تحذف الألف لماذا؟
قالوا: لئلا يلتبس بفعل الواحد، لو حذفت الألف لقيل: هل تضرِبَنّ على الأصل، كسرت النون من أجل وجود الألف، فإذا حذفت رجعت إلى أصلها بالفتح، فحينئذٍ هل تضربن، هل هذا مثنى أو مفرد؟ هذا ملتبس، متى هذا؟ إذا حذفنا الألف، ولكن نبقيها دفعاً لهذا اللبس، إذا نحذف نون الرفع ولا نحذف نون التوكيد، لماذا؟ نقول: لم تحذف نون التوكيد لماذا؟ لفوات المقصود منها بحذفها، أليس كذلك؟ نون الرفع حرف معنى أو لا؟ حرف معنى لا شك؛ لأنه يدل على الفاعلية .. يدل على أنه مرفوع، ونون التوكيد كذلك حرف معنى.
أيهما يتضرر الفعل بفواته: حذف نون الرفع، أو نون التوكيد؟ لو حذفت نون التوكيد لما صار الفعل مؤكداً .. لو عكسنا وحذفنا نون الرفع هل يتضرر الفعل؟ نقول: لا، بدليل أنه لم يسبقه ناصب ولا جازم، فدل على أن هذا الفعل مرفوع، نعلم من يقرأ: هل تضربان، يعرف أن هذا الفعل مرفوع، أين النون؟ محذوفة، هل وجد ناصب؟ لا، هل وجد جازم؟ لا، إذاً: حذفت دفعاً لتوالي، أو كراهة توالي الأمثال.
إذاً: ولم تحذف نون التوكيد لفوات المقصود منها بحذفها، أي: لعدم ما يدل عليها، بخلاف نون الرفع فإنها وإن أتي بها لمعنىً مقصود لكن لا يفوت بحذفها، لوجود الدليل عليها وهو أن الفعل معرب لم يدخل عليه ناصبٌ ولا جازمٌ للعلم حينئذٍ بأن نون الرفع مقدرة.
وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد فاصل مقدر كواو الجمع، أو ياء المخاطبة.
إذاً: إذا أردنا الضابط في هذا نقول: إذا أسند الفعل إلى الواحد فالنون مباشرة، وإذا أسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو يا المخاطبة، فالنون نون التوكيد غير مباشرة، هذه خلاصة الأمر: إذا أسند إلى الواحد: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] الفاعل واحد، حينئذٍ نقول: هذه النون مباشرة، فالفعل مبني معها على الفتح؛ لكونه مركباً تركيب خمسة عشر، وإذا فصل بينهما فاصل، ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة حكمنا عليه بأنه معرب لانتفاء شرط وهو كون هذه النون غير مباشرة، إذا فصل بينه وبين نون التوكيد فاصل واو الجمع، هل تَضرِبُنّ يا زيدون، هل تَضرِبِنّ يا هندُ؟ أصل: تَضرِبُنّ تَضرِبُونَنَّ .. تضربون ثم نون التوكيد، حذفت النون نون الرفع كراهة توالي الأمثال، تضربون النون، حذفت لكراهة توالي الأمثال، ماذا حصل؟ التقى ساكنان، الواو ساكنة والنون الأولى ساكنة، هل يمكن تحريك الأول؟ الجواب: لا، ماذا حصل؟ حذفت، ما المجوز لحذفه كونه حرف علة ووجود دليل يدل عليه، هل تضربُن الباء هذه مضمومة لمناسبة الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، هل هذا الفعل مبني أو معرب؟ تضربُن اتصلت به نون التوكيد الثقيلة، هل هذا الفعل المضارع معرب أو مبني؟ نقول: معرب، لماذا أعرب، وقد اتصلت به نون التوكيد الثقيلة؟
نقول: شرط بنائه باتصال نون التوكيد أن تكون مباشرة، ألا يفصل بينها وبين الفعل فاصل، وقد فصل هنا، وإن كان فاصلاً مقدراً وهو الواو المحذوفة؛ لأن المحذوف لعلة تصريفية كالثابت، وهنا قد حذفت الواو لعلة تصريفية، وهي التخلص من التقاء الساكنين، هل تضربُنّ؟ نقول: هل حرف استفهام، تضربُنّ فعل مضارع مرفوع، بثبوت النون المحذوفة دفعاً لتوالي الأمثال، الفاعل ضمير مستتر تقديره .. هيا، أين الفاعل، تضربُنّ أين الفاعل .. أين الواو؟ إذاً: والفاعل هو الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، أو تقول: والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وحذف للتخلص من التقاء الساكنين، قدم هذا أو ذاك لا إشكال.
إذاً نقول: الفاعل هنا ليس ضميراً مستتراً وإنما هو: لينبذنَّ، نقول: الفاعل أين هو؟ ضمير مستتر، وأما مع الواو فنقول: الواو هي الفاعل، هل تضرِبِنّ يا هند، يقال فيها ما قيل في السابق: تضربينن حذفت النون لدفع توالي الأمثال، ثم التقى ساكنان الياء النون الأولى فحذفت الياء، تضرِبِنّ وإعرابه كما سبق.
وهذا هو المراد بقوله:
.......................
مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ
…
وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ ..............................
فإن لم تكن النون مباشرةً بأن فصل بينهما فاصل ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، حينئذٍ حكمنا عليه بأنه معرب على الأصل.
وذهب الأخفش: إلى أنه مبني مع نون التوكيد مطلقاً، ونقل عن بعضهم أنه معرب مطلقاً، إذاً: فيه ثلاثة أقوال يأتينا إن شاء الله.
الثاني من حالتي بناء الفعل المضارع: أن يتصل به نون الإناث، ونون الإناث ليست هي كنون التوكيد، نون التوكيد حرف، ونون الإناث اسم فاعل، إذا اتصلت بالفعل المضارع حينئذٍ بني معها على السكون:((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ)) [البقرة:233] يرضعن: هذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث.
إذاً قوله: وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً أراد به أن يبين أن الفعل المضارع معرب، لكن بشرط عدمي، وهو ألا تتصل به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة بشرط أن تكون مباشرة، فإن لم تكن فهو معرب على الأصل، وألا تتصل به نون الإناث، فإن اتصلت به إحدى النونين فهو مبني، وسيأتي التفصيل فيه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…