الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة (العدد) وحده
* الأعداد من (3_10) وتمييزها
* تمييز المائة والألف
* الأعداد المركبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظِم - رحمه الله تعالى -: (الْعَدَدُ)
(الْعَدَد) هذا كسبب وبطل، على وزن (فَعَل) وهو في اللغة: اسمٌ للمعدود، والمراد هنا: الألفاظ الدَّالة على المعدود، المعدود مثلًا: كتاب .. كتابان .. ثلاثة .. أربعة، المعدود نفس الكتاب، واللفظ الذي دلَّ على العدد هو الذي عناه النَّاظم هنا، فـ:(الْعَدَد) لفظٌ له لفظ، والمعدود: الشيء الذي حُسِب وعُدَّ، هذا معناه في اللغة: اسمٌ للمعدود.
وفي الاصطلاح: المشهور أنَّه .. وإلا الأصل أنَّه لا يَحتاج إلى التعريف، العدد معروف: الواحد والاثنان والثلاث .. إحدى عشر .. عشرون .. الألف .. المائة، ما يحتاج إلى تعريف، لكن جَرَت عادة النُّحاة أنَّهم يُعرِّفونه بقولهم: ما يساوي نصف مجموع حاشيتيه الصغرى والكبرى، كل عدد إلا الواحد له حاشيتان: صغرى وكبرى.
مثلًا: ثلاثة، يقال: له حاشية صغرى، يعني: العدد الذي هو دونه الاثنان، فالاثنان بالنِّسبة للثلاث حاشية صغرى، والأربعة بالنِّسبة للثلاث حاشية كبرى، تجمعهما الحاشية الصغرى والكبرى ثُم تقسمها على اثنين يطلع العدد، فالاثنان مثلًا: واحد وثلاثة أربعة، تقسمه على اثنين خرج العدد، كذلك الخمسة: أربعة وستة هذه عشرة، تقسمها على اثنين خمسة.
كذلك العشر مثلًا: تسعة وأحد عشر، تجمعهما الحاشية الصغرى والكرى عشرون، حِينئذٍ تقسمه على اثنين يعطيك عشرة .. نصفها، لكن ما في فائدة من هذا.
على كلٍّ: هكذا قالوا: ما يساوي نصف مجموع حاشيتيه الصغرى والكبرى، وقيل: القريبتين كذلك، أو البعيدتين لكن مع التَّساوي، يعني: بالنسبة للأربعة مثلاً: له حاشية سفلى قريبة، وحاشية سفلى بعيدة، كل ما كان دون الأربعة مثلاً فهو حاشية سفلى: قريبة وبعيدة، قريبة واحدة مثلاً: ثلاثة، والاثنان حاشية سفلى لكنَّها بعيدة، والخمسة حاشية كبرى قريبة، والست بعيدة.
إذا جمعت القريبتين مباشرًة حِينئذٍ نقول: تقسم العدد على اثنين، كما ذكرناه، كذلك البعيدتان، يعني: بالنسبة للأربعة: الاثنين والست، ست واثنين ثمانية، تقسم على اثنين بأربعة.
إذًا: بشرط أن تكون البعيدة متقاربة، يعني: في مرتبة واحدة، يعني: تأخذ الاثنين بالنسبة للأربعة والست بالنسبة للأربعة، ما تأخذ الاثنين وتأخذ السبعة لا، هنا لم يتوافقا، لأنَّ الذي بين الاثنين والأربعة واحد، يعني: مرتبة واحدة، وبين السبع والأربعة مرتبتان، حِينئذٍ ما يعطيك النتيجة.
إذًا: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين على السواء، هكذا عرَّفه النُّحاة.
إذًا: المراد بالعدد هنا: الألفاظ الدالة على المعدود:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
(ثَلَاثَةً) بدأ بالثلاثة لأنَّ الواحد والاثنين يخالفان الثلاثة والعشرة في حكمين، الثلاثة والعشرة وما بينهما لهم حكمٌ خاص، وهو ما يُعنوَن له عندهم في هذا الباب بـ:(مخالفة القياس) والواحد والاثنان موافقين للقياس.
أولاً: يُذكَّران مع المُذكَّر، يعني: الواحد والاثنان، يُذكَّران مع المُذكَّر، ويؤنَّثان مع المؤنَّث، يقال: واحد واثنان، ويقال: واحدة واثنتان، في المؤنَّث:(واحدة) بالتاء، و (اثنتان) كما سبق في باب المثنَّى، وواحدٌ واثنان يُقال في المُذكَّر.
وأمَّا الثلاثة وأخواتها فهذه تجري على العكس من ذلك، ولذلك إذا وافق العدد المعدود تذكيرًا وتأنيثًا قيل: وافق القياس، هذا الأصل، لأنَّ الصِّفة توافق الموصوف في التذكير والتأنيث، وأمَّا إذا خالف فيُقال فيه على غير القياس، أو: مخالفٌ للقياس، وهنا الواحد والاثنان باعتبار التَّذْكير والتَّأنيث موافقان للقياس، فيُذكَّر مع المذكر ويؤنَّث مع المؤنَّث.
وأمَّا الثلاثة والعشرة وما بينها، فالعشرة المراد بها قبل التركيب .. إذا لم تُركَّب، حِينئذٍ نقول: تجري على خلاف القياس، هذا الحكم الأول.
الحكم الثاني: أنَّهما لا يُجمع بينهما وبين المعدود، إذا عَدَدْتَ شيئًا بواحد لا تقل: واحد رجلٍ، تقول: عندي واحد، أو: رجلٌ واحدٌ، حِينئذٍ يصير نعتًا، أمَّا المعدود الذي هو التمييز تضيفه إليه هذا مُمتنع، واحد رجلٍ هذا لا يَصِح، كذلك لا يُقال: اثنا رجلين، هذا لا يَصِح، لماذا .. ما التَّعليل - وهذا يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما -؟ لأنَّ قولك: رجلٌ واحد، لفظ:(رجل) يُفيد الجنسيَّة ويُفيد الوحدة، كما سبق معنا في باب:(لا) النَّافية للجنس.
فإذا قلت: لا رجل، حِينئذٍ سُلِّط النفي هنا على الجنس، إذًا:(رجل) يدلُّ على الجنس، ونَفْسُه يدلُّ على الوحدة .. من اللفظ يدلُّ على الوحدة، وقولك: رجلان، يُفيد الجنسيَّة وشَفْع الواحد، يعني: واحدٌ وزيادة، (رجلان) دلَّ على التَّثنيَّة.
(رجلان) يفيد الجنسيَّة وشَفْع الواحد، فلا حاجة حِينئذٍ للجمع بينهما، فلا يُقال: واحد رجلٍ، لأنَّ مدلول الواحد دلَّ عليه لفظ رجل، ماذا تريد بـ: واحد رجلٍ؟ تريد على أنَّ الرجل معدود بالواحد، إذًا: رجل لوحده دلَّ على الواحد والواحد مدلول الرَّجل، إذًا: لا فائدة من الجمع بينهما، وإنَّما يعتبر تكرارًا وحشوًا.
كذلك: اثنان رجلان، (رجلان) يدلُّ على ماذا؟ يدلُّ على شفع الواحد، يعني: واحد وزيادة وهو ما دلَّ عليه لفظ اثنان، إذًا: لا حاجة أنْ يُقال: اثنا رجلين، نقول: هذا لا يَصِح.
وأمَّا البواقي فلا تُستفاد العِدَّة والجنس إلا من العدد والمعدود جميعًا، إذا قيل: ثلاثة رجال، (رجال) لا يدلُّ على الثلاثة فحسب، وإنَّما قد يكون المراد بـ:(الرجال) ثلاثة فما زاد وليس خاصًَّا بالثلاثة، هو موضوع لأقلِّ الجمع ثلاثة فصاعدًا، لكنَّه ليس نصًا ولا مفهومًا أنْ يراد به الثلاثة فحسب، بخلاف (رجلين) إنَّما يدل به العدد اثنان فقط، (رجل) يدلُّ على واحد.
إذًا: مفهومه الدلالة على العدد .. يفهم العدد منه، وأمَّا (رجال) فهذا لا يفهم منه العدد، فلا يُقال بأنَّ (ثلاثة) هي داخلةٌ في الرجال نعم صحيح، لكن من حيث إنَّ (رجال) يدلُّ على جمع، يعني: اثنان فصاعدًا، أو إن شئت قل: ثلاثة فصاعدًا، حِينئذٍ أقلُّ الجمع ثلاثة، لكن هل لفظ (رجال) موضوعٌ لِمَا دلَّ عليه (ثلاثة)؟ لا، لأنَّه قد يكون عشرة، ثُم خصَّصْته فقلت: ثلاثة رجال، فهو قابلٌ للتَّخصيص بالعدد.
إذًا: ما عدا الواحد والاثنين فلا تستفاد العِدَّة والجنس إلا منهما جميعًا الذي هو العدد والمعدود، لا بُدَّ أنْ يُذكرا معًا، فـ:(رجال) يدلُّ على الجنسية، و (ثلاثة) يدلُّ على العدد بخلاف الواحد والاثنين، وذلك لأنَّ قولك:(ثلاثة) يفيد العِدَّة دون الجنس، و (رجال) يفيد الجنس دون العِدَّة، فإن قصَدْتَ الإفادتين جمعت بين الكلمتين.
إذًا: واحد واثنان، نقول: يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين:
أولًا: أنَّهما على القياس يذكَّران مع المذكَّر ويؤنَّثان مع المؤنَّث، بخلاف الثلاثة والعشرة وما بينهما.
ثانيًا: لا يُجمع بينهما وبين المعدود، يعني: لا تمييز لهما، هذا المراد، إذ المعدود في الثلاثة والعشرة وما بينهما يُسمَّى تمييزًا سواءً كان مضافًا أو كان منصوبًا، وأمَّا هنا في باب واحد واثنين لا نحتاج إلى التمييز.
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
(ثَلَاثَةً) بالنَّصب مفعول مُقدَّم لقوله (قُلْ)، لأن المراد به مُجرَّد لفظه (ثَلَاثَةً) الحكم هنا على العدد، ألفاظ العدد قد يُطلق ويُراد به اللفظ عينه .. نفس اللفظ:(ثَلَاثَةً) وقد يراد به المعدود، حِينئذٍ هنا (ثَلَاثَةً) قُصِد لفظه، المراد به هذا العدد بقطع النَّظر عن المعدود، ما هو المعدود بالثلاثة؟ قد يكون كتاب .. قد يكون بيت .. قد يكون قلم إلى آخره، هذا يُسمَّى معدود، وأمَّا اللفظ نفسه وهو (ثَلَاثَةً) نقول: هذا عددٌ.
المقصود هنا قولنا: (ثَلَاثَةً) المقصود العدد نفسه، قد يُجرَّد من التاء وقد تتصل به التاء، فالحكم على اللفظ نفسه لا على المعدود، (ثَلَاثَةً) قلنا: بالنَّصب مفعول مُقدَّم لـ: (قُلْ) على التضمين، لأنَّ المراد به مُجرَّد لفظه، أو إذا أردنا به المعدود حِينئذٍ نقول: لتضمين (قُلْ) معنى: (اذكر).
(ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ) نقول: هذا مُتعلِّق بـ: (قُلْ)(قُلْ بِالتَّاءِ) يعني: اذكره بالتاء، إذا ضُمِّن (قُلْ) معنى:(اذكر) يعني: اذكر ثلاثةً بالتاء، (لِلْعَشَرَهْ) كذلك مُتعلِّق بقوله:(قُلْ) فالجار والمجرور بالتاء، و (بِالتَّاءِ ولِلْعَشَرَهْ) متعلقان بقوله:(قُلْ).
(ثَلَاثَةً) جوَّز بعضهم الرَّفع، عرفنا وجه النَّصب (ثَلَاثَةً) على أنَّه مفعول لـ:(قُلْ)، وأمَّا الرَّفع فهذا جوَّزه البعض وهو الكثير ونفاه البعض، فإذا قيل:(ثَلَاثَةٌ) حِينئذٍ يكون مبتدأ، بِالتَّاءِ نعته، و (قُلْ) خبره على تقدير: قُلْهُ، حِينئذٍ لا بُدَّ من ضمير يعود على المبتدأ، لأنَّ (قُلْ) صارت جملة فعليَّة وهو الخبر، لا بُدَّ من رابط، ما هو الرَّابط؟ قيل: محذوف التقدير: قُلْهُ.
(ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ) يعني: اذكر للعشرة، و (لِلْعَشَرَهْ) اللام هنا بمعنى:(إلى)، والغاية داخلةٌ فيما قبله، يعني: من الحكم، فالحكم هنا مُنصبٌّ على الثلاثة، كما أنَّه منصبٌ على الأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة كذلك، فهذه الألفاظ من ثلاثة إلى العشرة، والعشرة داخلة في الحكم.
(فِي عَدِّ) هذا مُتعلِّق كذلك بقوله: (قُلْ) قُلْ في عَدِّ، أي: معدودِ، (مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) يعني: إذا عَدَدْتَ شيئًا آحاده وأفراده مذكرة، يعني: إذا كان المعدود الذي هو التمييز الذي أريد إضافة العدد ثلاثة إلى العشرة وما بينهما إليه، يُنظر إلى الآحاد، لا باعتبار اللفظ نفسه وإنَّما ينظر إلى الآحاد، فإن كان مذكرًا قال:(ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ) .. (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ).
حِينئذٍ تتَّصِل التاء .. تاء التأنيث بـ: (الثلاثة) إذا كان التمييز الذي أضيف إليه لفظ (ثلاثة) بالنَّظر إلى آحاده وأفراده، يعني: واحده مذكَّراً، فالعبرة حِينئذٍ بالمفرد: ثلاثة رجالٍ، لا تقول:(رجال) هذا مذكر، إنَّما تقول:(رجال) هذا جمع (رجل)، و (رجل) هذا مذكر، إذًا:(ثلاثة) يكون بالتاء، لماذا؟ لأنَّه قال:(فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ) وآحاد (رجال) واحده: (رجل) وهو مذكر.
(فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) جرِّد ثلاثة من التاء في الضِّد .. ضد ما آحاده مذكرة وهو ما آحاده مؤنَّثة، حِينئذٍ من الثلاثة إلى العشرة ينظر إلى واحد التمييز الذي أضيف إليه العدد، فإن كان مذكرًا حِينئذٍ اتَّصلَت التاء باسم العدد، وإن كان مؤنَّثا حِينئذٍ جُرِّد العدد من التاء، ولذلك قال:(فِي الضِّدِّ) وهو ما آحاده مؤنَّثة، ولو مجازًا .. ولو مجازًا جَرِّد، يعني: جَرِّده من التاء.
إذًا: من الثلاثة إلى العشرة نقول: ينظر فيه من جهة التأنيث والتذكير ينظر إلى المضاف إليه الذي هو التمييز، إن كان واحده مذكرًا حِينئذٍ عكست، وإن كان واحده مؤنَّثاً كذلك عكست، ولهذا يُعبَّر عن هذا القسم: من الثلاثة إلى العشرة، بأنَّه على غير القياس .. مُخالف للقياس، والواحد والاثنان على القياس موافقٌ للقياس.
والعشرة المراد به هنا: ما قبل التركيب، يعني: ليست العشرة هنا في الموافقة والمخالفة هي العشرة في أحد عشر إلى تسعة عشرة، نقول: لا، هناك الحكم يَختلف، هناك تجري على القياس، وأمَّا قبل التركيب فهي التي معنا: عندي عشرةُ رجالٍ وعشرُ إماءٍ، لماذا قلت: عشرة رجالٍ؟ نقول: عشرة بالتاء هنا بالنَّظر إلى الآحاد، وهو (رجال) واحده (رجل) وهو مذكر.
حِينئذٍ نقول: ننظر إلى الواحد فنعطي حكم العدد عكسه، فإن كان مذكرًا أُنِّث، وعشر إماء، (عشر) بدون تاء، (إماء) لأنَّ (إماء) جمع (أمةٍ) والأمة مؤنَّث، إذًا (عشرُ) نقول: هذا بدون تاء.
(فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) يعني: جَرِّد العدد ثلاثة إلى العشرة من التاء في الضِّدِّ، وهو ضِدُّ ما سبق، يعني: ما آحاده مؤنَّثة.
مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما، إنْ نظرنا إلى التمييز كما سيأتي قد يكون اسم جنس، حِينئذٍ لا يُنْظر إليه باعتبار التاء وعدمه، لأنَّه في الغالب يُجرُّ بـ:(من) وكقوله مثلًا: ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) [البقرة:260](الطَّيْرِ) هذا هو المُميِّز، وحِينئذٍ إذا جُرَّ بـ:(من) فالأصل أن يكون اللفظ على أصله.
ولذلك سيأتي أنَّ ألفاظ العدد قد تستعمل ويراد بها اللفظ من حيث هو لفظ، ويكاد يكون إجماع، حِينئذٍ أنْ يُستعمل بالتاء إذا أصلها كذلك، فيقال: الثلاثة نصف الستة، هنا لا يجوز أنْ يُقال: بدون التاء، لماذا؟ لأنَّنا قصدنا العدد نفسه دون المعدود .. ليس عندنا معدود: الثلاثة نصف الستة.
ولذلك حكا ابن مالك أنَّه في هذا الموضع يكون ممنوعًا من الصَّرْف، لأنَّ المراد به علم جنس.
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ ..........
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
إذًا قوله: (ثَلَاثَةً لِلْعَشَرَهْ) خرج واحد واثنان، لأنَّه بدأ العد من الثلاثة، حِينئذٍ ليس لهما هذا الحكم الذي رتَّبه على الثلاثة إلى العشرة، فخرج واحد واثنان، وواحدةٌ واثنتان، فهي جاريةٌ على القياس، فتخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في هذا الحكم كما ذكرناه.
وتخالفهما أيضًا في أنَّها لا تضاف إلى المعدود، بل ليس لها تمييز يضاف إليه، لأنَّ الثلاثة إلى العشرة التمييز يكون مجرورًا:(وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ) وأمَّا الواحد والاثنان، والواحدة والاثنتان ليس لهما تمييزٌ تضاف إلى المعدود، فلا يُقال: واحد رجلٍ، ولا اثنا رجلين، لأنَّ قولك:(رجل) يفيد الجنسيَّة والوحدة، وقولك:(رجلين) يفيد الجنسيَّة وشفع الواحد فلا حاجة إلى الجمع بينهما كما ذكرناه سابقًا.
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ. . . .
(مَا آحَادُهُ) هنا ماذا نفهم منه؟ أنَّه إذا أضيف إلى الجمع من الثلاثة إلى العشرة - وهو جمع كما سينصُّ عليه - يكون النَّظر فيه إلى الواحد، ولا ينظر فيه إلى اللفظ نفسه، ولذلك قيل: فُهِم منه أنَّ المعتبَر تذكير الواحد وتأنيثه لا تذكير الجمع وتأنيثه، وعلى رأي الزَّمَخْشَري: أنَّ كل جمعٍ مؤنَّث، فـ:(رجال) من حيث الجمع مؤنَّث، حِينئذٍ نقول: ثَلاثُ رجالٍ، ولا نقول: ثلاثة رجال لو اعتبرنا الجمع، وإنَّما نَعتبِر الواحد، وهذا ما نَصَّ عليه هنا:(آحَادُهُ).
إذًا: النَّظر يكون فيه إلى الواحد لا إلى الجمع، لأننا لو اعتبرنا الجمع حِينئذٍ الجمع قد يكون حقيقيًا وقد يكون مجازيًا يراعى فيه التأنيث مطلقًا، (كل جمعٍ مؤنَّث) هكذا قال الزَّمَخْشَري، فإذا كان كل جمعٍ مؤنَّث:(وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) من ثلاثة إلى عشرة.
إذًا: كل مُميِّز للعدد من الثلاثة إلى العشرة يكون جمعًا، إذًا: لا يمكن أن تَخلُ التاء من الثلاثة إلى العشرة، وهذا ليس الأمر كذلك.
إذًا قوله: (مَا آحَادُهُ) فهم منه: أنَّ المعتبر تذكير الواحد وتأنيثه، لا تذكير الجمع وتأنيثه، فيقال: ثلاثة حمامات، كما يُقال: ثلاثة رجال، فالنَّظر للواحد.
وقال الكِسَائي: "تقول: مررت بثلاث حمامات، بغير هاء" لكنَّه قليل هذا، وإن كان الواحد مذكرًا وقاس عليه ما كان مثله، لكنَّ المعتمد هو أنَّه يُنْظر إلى الواحد لا إلى الجمع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نَحو: ((سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ)) [الحاقة:7] هنا جمع بين طرفين: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ) ما قال: (سَبْعَة لَيَالٍ) لماذا؟ (سَبْعَ) بدون تاء: (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) يعني: ما كان المميِّز مؤنَّثا بالنَّظر إلى واحده (جَرِّدْ) اسم العدد من التاء، حِينئذٍ قال:(سَبْعَ لَيَالٍ) ولم يقل: (سَبْعَة) لأنَّ (لَيَالٍ) جمع (ليلة)، و (ليلة) هذا مؤنَّث.
وقال كذلك: ((وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ)) [الحاقة:7](ثَمَانِيَةَ) بالتاء، لماذا؟ لأنَّ (أَيَّام) جمع (يوم)، واليوم هذا مذكر، إذًا: في آية واحدة جمع بين النَّوعين، وهذا أعلى فصاحة.
هذا إذا ذُكِر المعدود، فإن قُصِد ولم يذكر في اللفظ يعني: حُذِف، إذا ذُكِر أضيف إليه لا إشكال فيه، حِينئذٍ لا بُدَّ من القاعدة المطَّرِدة وهو التذكير مع المؤنَّث، والتأنيث مع المذكر، فإن قُصِد ولم يذكر في اللفظ فالفصيح أن يكون كما لو ذُكِر، يعني: إذا كان مقصودًا المعدود وحُذِف من اللفظ حِينئذٍ الأفصح أنك تعامله معاملة الموجود.
فإذا قيل لك: كم عندك من الرجال؟ تقول: ثلاثةٌ، ويجوز أن تقول: ثلاثٌ بدون تاء، ولا يَتعيَّن هنا التأنيث، وإنَّما يكون من باب فصيح وأفصح، فالأفصح أن تقول: ثلاثةٌ، يعني: ثلاثة رجال .. كأنك نطقت به، لأنَّه مقصود، وإذا حذفت التاء قلت: ثلاثٌ، حِينئذٍ نقول: هذا سائغٌ كذلك وفصيح.
فالفصيح أن يكون كما لو ذُكِر، فتقول: صمت خمسةً وتريد أياماً، وسرت خمسًا تريد ليال، خمس ليال، خمسةً يعني: خمسة أيام.
ويجوز أن تحذف التاء في المذكر، ومنه:{وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال} هذا وارد في النَّص، (بِسِتٍّ) هنا جَرَّده من التاء، هل يدلُّ تَجرِيده من التاء على أن المُميِّز مؤنَّث؟ لا يدل، لأنَّ ذلك الحكم إذا ذُكِر المعدد .. المُميِّز، وأمَّا إذا حذف فلا، فيجوز فيه الوجهان: التذكير والتأنيث، والأفصح التأنيث.
حِينئذٍ {فَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ} الأصل: بستة أيامٍ، لأنَّ الصَّوم يكون في اليوم لا في الليلة، فدلَّ على أنَّ المحذوف هو اليوم .. أيام، واليوم هذا مذكر، والأصل أنْ يقول: بستة أيام، لكن حذف، والقاعدة إنَّما تكون مُطَّرِدة أو واجبة فيما إذا ذُكِر المعدود، وأمَّا إذا لم يذكر حِينئذٍ نقول: يجوز فيه الوجهان، والأفصح أن يُعامل معاملة المذكور.
وبعضهم ألحق بهذا: ما إذا تَقدَّم الموصوف، المعدود إذا تَقدَّم جاز فيه التذكير والتأنيث، حِينئذٍ تُحمل هذه القاعدة على أمرين، يعني:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بشرط أن يذكر المعدود، فإن حُذف مع قصده أو تَقدَّم ولو لم يُحذف، حِينئذٍ أنت مُخيَّر بين أمرين، والأفصح أن يُعامل معاملة الموجود.
إذًا: ويجوز أنْ تُحذف التاء في المذكر، ومنه:{وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال} أمَّا إذا لم يقصد معدود، وإنَّما قُصِد العدُّ المطلق، هذا الذي افتتحنا به الكلام: أنَّه قد يراد باللفظ اللفظ من حيث هو: ثلاثة .. ستة .. سبعة، تريد أن تحكم على هذا اللفظ بقطع النَّظر عن معدود، أو أن يكون له معدود.
حِينئذٍ نقول: هنا قُصِد به اللفظ المطلق فحسب، أمَّا إذا لم يقصد معدود فليس عندك معدود، وإنَّما قصد العدُّ المطلق كانت كلها -كانت هي- كلها بالتاء .. لزمت التاء، حِينئذٍ ليس عندنا مذكر: ثلاثة نصف ستة، هكذا تقول: ثلاثةُ، بمنعها من الصَّرْف: نصف ستة، وهنا ليس عندنا معدود، هنا تريد أن تحكم على اللفظ بأنَّه نصف الستة، حِينئذٍ نقول: هذا اللفظ المراد به عين اللفظ، ليس عندنا شيء معدود.
ولا تنصرف لأنَّها أعلامٌ مؤنَّثة، وذكر ابن مالك أنَّها عَلَم جنس، حِينئذٍ هي مؤنَّثة وعلم فمنعت من الصَّرف للعمليَّة والتأنيث، فتقول: ثلاثةُ نصف ستة .. أربعةُ ضعف اثنين، (أربعةُ) بدون تنوين، لأنَّها ممنوعة من الصَّرْف.
إذًا: قد يُقصَد المعدود، وقد يُقصَد اللفظ عينه، وإذا قصد المعدود قد يذكر وقد يحذف، الأحوال: ثلاثة .. قد يقصد اللفظ عين اللفظ هذا أولًا، وقد يقصد المعدود، ثُم قد يذكر وقد يحذف، ثلاثة.
إذا قصد اللفظ .. عين اللفظ لزمت التاء، ابن مالك يقول: أصلها بالتاء، هي الأصل فيها، وحذف التاء فرع، إذًا: ثلاثةُ نصف ستة، هذه حالٌ.
حالٌ ثانية: أن يقصد المعدود، عندك شيء تعدُّه: ثلاثةُ رجال .. ثلاثُ إماء، عندك شيءٌ معدود، هذا المعدود الثلاثة والرجال الذي هو المُميِّز .. الذي يضاف إليه، قد يذكر وقد يُحذف، إن ذُكِر جاءت القاعدة، وإن حُذِف حِينئذٍ لا يجب، وإنَّما يُختار أن يعامل معاملة المذكور.
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
يعني: أنَّ ألفاظ العدد من ثلاثة إلى عشرة، إذا كان واحد المعدود مذكرًا لحقته التاء، فإن كان واحده مؤنَّثا لم تلحقه التاء، ولذلك قال:(فِي الضِّدِّ) الذي هو المؤنَّث (جَرِّدْ) يعني: من التاء.
. . . . . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
هذه لا بُدَّ لها من مُميِّز، الثلاثة إلى العشرة لا بُدَّ لها من مُميِّز، والمراد بالمُميِّز هنا: ما يكشف حقيقتها، لأنَّ أسماء العدد من المبهمات، وهذا البحث بعضهم يذكره في باب التمييز، وسبق أنَّ باب التمييز قد يكون في المفردات، وقد يكون في الجمل، يعني: النِّسبة.
من المفردات المقادير والمساحات إلى آخره، ومنها: العدد، لأنك تقول: عندي عشرون .. عشرون ماذا؟ عشرون كتابًا، عندي ثلاثة .. ثلاثة ماذا؟ ثلاثة ريال .. ثلاثة ملايين، يختلف الحكم، فحِينئذٍ (ثلاثة) صار لفظًا مبهمًا يحتاج إلى مُميِّز يكشف حقيقة هذا اللفظ المبهم.
حِينئذٍ نقول: العامل فيه هو ما أضيف إليه إن كان مجرورًا أو نصبًا إن كان منصوبًا كما في: (أحد عشر)((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4].
(وَالْمُمَيِّزَ) إذًا: لا بُدَّ لها من مُميِّز، لأنَّها من قبيل المبهمات، فإذا كانت مبهمة حِينئذٍ تحتاج إلى ما يكشف عن ذاتها ليس عن هيئتها، وإنَّما عن ذاتها وحقيقتها وماهيتها، ما المراد بها .. ما هو هذا المعدود؟ عندي ثلاثةٌ .. ثلاثة ماذا؟ فيحتمل، فإذا جئت بالمُميِّز كشفت حقيقة هذه الثلاثة، عندي شيءٌ معدودٌ بالثلاثة، عندي عشرون .. عندي شيءٌ معدود بالعشرين .. عدده عشرون، ما هو هذا الشيء؟ كتابًا، إذًا: جاء التمييز هنا كاشفًا وموضحًا ومبينًا ومُفسِّرًا لحقيقة هذا الشيء المعدود بالعشرين أو الثلاثة إلى آخره، إذًا: هذه وظيفة المُميِّز هنا.
(وَالْمُمَيِّزَ) ما حكمه هنا من الثلاثة إلى العشرة؟ قال: (اجْرُرِ) اجرر المُميِّز، يعني: يجب جر تمييز هذه الألفاظ من الثلاثة إلى عشرة، بحرف جر أو بالمضاف بالإضافة؟ (اجْرُرِ) ماذا تقول أنت؟ عندي ثلاثة رجالٍ، (ثلاثةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (رجال) مضاف إليه، و (عندي) خبر.
إذًا: صار التمييز هنا مضافًا إليه، وإذا كان مضافًا حِينئذٍ المضاف يكون مجرورًا بالمضاف، إذًا: نفس الذي كُشِف بالمُميِّز هو الذي عَمِل الجَرَّ في التمييز.
ويجوز الجرُّ عند بعضهم بـ: (من)، وهذا جعلوه غالبًا في اسم الجنس واسم الجمع، وهو أن يقال: عندي ثلاثةٌ من الرجال، وعندي ثلاثةٌ من النساء، وهذا جائزٌ عند بعضهم وهو مُطَّرِد، ولذلك قال ابن هشام:"مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جِنْسٍ كـ: شجرٍ وتَمرٍ، أو اسم جمعٍ كـ: قومٍ ورهطٍ، خُفِض بـ: (من) ".
(اجْرُرِ) إذًا بـ: (من) ليس بالإضافة، إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ، خُفِض بـ:(من) تقول: عندي ثلاثةٌ من التمر، وعشرةٌ من القوم، هذا أفصح هنا، ومنه:((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) [البقرة:260].
وقد يُخفض - (وقد) للتقليل– يُخفض بإضافة العدد نفسه: ((وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48](رَهْطٍ) هذا اسم جمع، دلَّ على الجمع وليس له واحدٌ من لفظه، وفي الحديث:{لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ} ، وإن كان جمعًا خفض بإضافة العدد إليه، نَحو: ثلاثةُ رجالٍ.
إذًا: اجرر المُميِّز، متى؟ إذا كان جمعًا، وأمَّا إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ يجوز فيه وجهان:
- خفضه بالإضافة: ((تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48] وجاء في فصيح الكلام.
- وإن كان الأكثر أن يكون مجرورًا بـ: (من) عندي تسعة من القوم .. تسعة من الرَّهط، عندي تسعة من البقر .. من الغنم، هكذا تقول، تَجرَّه بـ:(من) تسعة غنمٍ يجوز لكنَّه على قِلَّة، وقد جاء في القرآن.
إذًا: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) أي: مُميِّز الثلاثة وأخواتها لا يكون إلا مجرورًا بإضافة العدد إليه، لكن يُستثنى منه ما ذكرناه: اسم الجمع واسم الجنس.
(جَمْعَاً) هذا ما إعرابه (اجْرُرِ جَمْعَاً)؟ حال من المفعول به، اجرُر المُميِّز حال كونه جمعًا، والحال وصفٌ لصاحبها .. قيدٌ لعاملها، إذًا: لا يكون المُميِّز هنا إلا جمعًا.
(بِلَفْظِ قِلَّةٍ) قوله: (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هل يُخصِّص قوله: (جَمْعَاً) بأنَّه جمع تصحيح أو جمع تكسير .. مدلول جمع التَّصحيح ما هو قِلَّة أو كثرة؟ جمع التكسير ينقسم إلى قسمين: جمع قِلَّة، وجمع كثرة، وجموع القِلَّة محصورة .. أربعة فقط، وما عداه فهو جمع كثرة: أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ
…
ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّةْ هذه كلها نقول الأربعة جموع قِلَّة، وجمع القِلَّة يبدأ من الثلاث على الصحيح إلى العشرة، وأحد عشر إلى ما لا نهاية جمع الكثرة، هذا المشهور، والصحيح أنَّهما يتفقان مبدأً ويختلفان انتهاءً.
جمع القِلَّة وجمع الكثرة يبدءان من الثلاث، ثُم يسيران إلى العشرة فيقف جمع القِلَّة، ثُم يسير جمع الكثرة هذا الصحيح، وأمَّا قول الكثير: بأنَّ جمع الكثرة يبدأ من أحد عشر، وجمع القِلَّة ينتهي عند العشرة هذا ليس عليه دليل .. هذا مُجرَّد اصطلاح خاص .. استنباط .. اجتهاد، فهو مُخالفٌ لِمَا عليه أهل اللغة.
إذًا: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ) جمع التَّصحيح جمع قِلَّة، وجمع التَّصحيح المؤنَّث السالم جمع قِلَّة، حِينئذٍ قوله:(بِلَفْظِ قِلَّةٍ) قد لا يُفْهِم بأنَّ المراد به جمع التكسير، لكن المراد به جمع التكسير، وسيأتي أنَّه قد يكون جمع تصحيح في أحوالٍ ثلاثة.
إذًا: (جَمْعَاً) أي: مُكسَّرًا، هذا الأصل فيه، لأنَّ ألفاظ العدد أقرب إلى جمع التكسير لفظًا، فتحصل المطابقة لفظًا.
(جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (جَمْعَاً)، (بِلَفْظِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(جَمْعَاً) لأنَّه مصدر، و (لَفْظِ) مضاف، و (قِلَّةٍ) مضاف إليه، احترز به من جمع كثرة، لكنَّه ليس باحتراز مُخرِج عنه بالكليَّة، وإنَّما أراد به (فِي الأَكْثَرِ) يعني: ما يُخالف الأكثر ألا يكون جمع مُكسَّر بلفظ الكثرة، وألا يكون جمع تصحيح بخلاف جمع التكسير.
إذًا: (فِي الأَكْثَرِ) يعني: المراد أنَّ المُميِّز يكون جمع تكسيرٍ بلفظ القِلَّة، يُقابل الأول .. ألا يكون جمع تكسير بأن يكون جمع تصحيح، يقابل الثاني: أن يكون جمع تكسير لكن لا جمع قِلَّة، إذًا: عندنا قيدان في الأكثر يرجع إليهما معًا، ولكل واحدٍ، حِينئذٍ يُحترَز بالأول .. جمع تكسير، نقول: أخرج جمع التَّصحيح، لكنَّه ليس مطلقًا، وإنَّما أخرجه من حيث الكثرة، وأمَّا على جهة القِلَّة فهو وراد كما سيأتي.
كذلك قوله: (لَفْظِ قِلَّةٍ) إذًا: جمع التَّكسير لا يأتي تمييزًا بلفظ الكثرة؟ نقول: لا، يأتي، لكن بِقلَّة.
إذًا: (جَمْعَاً) أي: مُكسَّرًا، (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) أي: من أبْنيَة القِلَّة، إذا جعلنا (بِلَفْظِ) المراد به أبْنيَة القِلَّة حِينئذٍ جعلناه مُخصّصًا بأنَّ المراد بقوله (جَمْعَاً): جمع تكسير، إذا راعينا اللفظ بأنَّ المراد (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) يعني: ببناء قِلَّة، وهذا إنَّما يكون في جمع التكسير.
(جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) .. (فِي الأَكْثَرِ) مفهومه أنَّه يُميَّز قليلاً بِجمع الكثرة، كذلك على الصحيح يُميَّز قليلًا بجمع التَّصحيح.
قال الشَّارح: "تثبت التاء في ثلاثة وأربعة وما بعدهما إلى عشرة"(في ثلاثة) يعني: في اللفظ: (ثلاثة)، وفي اللفظ:(أربعة)، وما بعدهما إلى عشرة، وما بعد (إلى) داخلٌ في الحكم، "إن كان المعدود بهما مذكرًا، وتسقط إن كان مؤنَّثا، ويضاف إلى جمعٍ" هذا شرحٌ لقوله: (اجْرُرِ) بأنَّ المراد بالجر هنا إنَّما يكون بالإضافة، يعني: بالمضاف، "نحو: عندي ثلاثة رجالٍ، وأربع نساء، وهكذا إلى عشرة" عشرة رجال، وعشر إماء.
فانظر هنا: عندي ثلاثة رجال، نقول:(ثلاثة) بالتاء لأنَّ المضاف إليه وهو معدود جمع (رجل)، و (رجل) مذكر، وهو مَذكُورٌ هنا في اللفظ، وهو جمع تكسير، وأربع نساء، هنا بدون تاء، لأنَّ (نساء) ليس له واحد، إذًا: هنا ماذا صنع؟ ليس له واحد مطلقًا من لفظه، له واحد من معناه امرأة.
إذًا: ينظر فيه إلى واحده باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ، وهذا (نساء) اسم جمعٍ، أربعٌ من النساء، يجوز فيه .. يُجر بـ:(من)، "وهكذا إلى عشرة" عشرة رجالٍ كذلك، و (عشرة) مراد النَّاظم هنا أطلقها (لِلْعَشَرَهْ)، انظر لم يُقيِّدْها بكونها مركبة، لأنَّ العشرة لها حالان:
- حالةٌ توافق القياس فتُذكَّر مع المذكر، وتؤنَّث مع المؤنَّث وذلك إذا رُكِّبَت، أحد عشر إلى تسعة عشر.
- وحالٌ أخرى تخالف القياس: وهي فيما إذا أُفرِدت، عشرة رجال .. عشر إماء، فـ:(رجال) يُقال فيه مثل ما قيل في: ثلاثة رجال، وهذا الحكم هنا تُقيِّده فيما إذا ذُكِر المعدود، وأمَّا إذا حُذِف وقُصِد حِينئذٍ فلك وجهان، والأفصح مراعاته كما لو كان موجودًا، وكذلك أخرج ما إذا قُصِد اللفظ عينه، يعني: نفس اللفظ، ليس المقصود المعدود، حِينئذٍ تلزم التاء، كل الأعداد من الثلاثة إلى العشرة، نقول: عشرة نصف العشرين، هنا قُصِد اللفظ عينه ولم يُقصد معدود .. ليس عندك شيءٌ معدود.
وأشار بقوله: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) إلى أنَّ المعدود بها إن كان له جمع قِلَّة وكثرة لم يُضف العدد في الغالب إلا إلى جمع قِلَّة، جموع التكسير على ثلاثة أنواع:
- جمع تكسير جمع قِلَّة، سُمِع فيه جمع القِلَّة، ولم يسمع فيه جمع الكثرة.
- والثاني: عكسه، سُمِع فيه جمع الكثرة ولم يُسمَع فيه جمع القِلَّة.
- والثالث: ما سُمِع فيه النَّوعان معًا، جمع قِلَّة وجمع كثرة.
هذا سيأتينا بحثه في موضعه.
إذًا: إذا سُمِع له جَمع قِلَّة وجمع كثرة فالأفصح والأكثر أن يضاف إلى جمع القِلَّة، إذا لم يُسمَع له إلا جمع قِلَّة ما لنا حِيْلة! هو نفسه، وإذا لم يُسمع إلا جمع كثرة، كذلك ليس لنا حِيْلة! لأنَّه لا بُدَّ أن يضاف إلى جمعٍ وجمع تكسير، حِينئذٍ نقول: يضاف إلى جمع تكسير .. جمع قِلَّة وهو الأكثر هذا فيما إذا سُمِع له جمع كثرة، فيُخيَّر بين الأمرين ويُقال: الأكثر أن يضاف إلى جمع القِلَّة، وأمَّا إذا لم يسمع هذا شأنه آخر.
وأشار بقوله: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) إلى أنَّ المعدود بها إن كان له جمع قِلَّة وكثرة لم يضف العدد في الغالب إلا إلى جمع القِلَّة، فتقول: عندي ثلاثة أفلس، ولا تقل: فلوس، (فلوس) مسموع (فعُول) حِينئذٍ نقول:(فلوس) هذا جمع كثرة، و (أفلس) هذا جمع قِلَّة، عندك اللفظان: عندي ثلاثة أفلسٍ، هذا الشائع والكثير، أمَّا: ثلاثة فلوس يَجوز، لكنَّه خلاف الشائع.
وثلاث أنفس ونفوس، عندنا:(أنفس) و (نفوس) سُمِع فيه النَّوعان، ويقِلُّ عندي ثلاثة فلوس وثلاث نفوس.
ومِمَّا جاء على غير الأكثر قوله تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228](قُرُوءٍ) .. (أقراء)(قُرُوء .. فُعُول) وهو جمع كثرة، و (أقراء) جمع قِلَّة، فأضاف ثلاثة إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة وهو (أقراء) والسَّبب أنَّه شاذ، يعني: قد يُعدَل .. لأنَّه قرآن هنا، لا بُدَّ أنَّها حكمة .. من حكمة في ترك الأكثر ثُم الإقدام على الأقل، نقول: لأنَّ (أقراء) هذا شاذ كما سيأتي إن شاء الله.
فإن لم يكن للاسم إلا جمع كثرة لم يُضَف إلا إليه: ثلاثةُ رجال.
إذًا: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) نقول: مفهومه أنَّه قد يكون جمع كثرة لكنَّه قليل، وهذا إذا سُمِع له جمع قِلَّة وأضيف إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة نقول: هذا مُخالف للأكثر، أمَّا إذا لم يُسمَع إلا جمع كثرة لا نقول: مُخالف.
وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ
…
وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ
(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) أضف للفرد، هذا مُتعلِّق بـ:(أَضِفْ)، (وَمِائَةً) هذا مفعولٌ به مُقدَّم، (وَالأَلْفَ) معطوفٌ عليه: أَضِفْ مِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ.
إذًا: (وَمِائَةً وَالأَلْفَ) أسماء عدد، والمراد به هنا: المائة وتثنيتها وجمعها، والمراد بالألف وتثنيتها وجمعها، حِينئذٍ:(أَضِفْ) للفرد، فليكن حِينئذٍ تمييزه مضافًا وهو مفرد، يُخالف السَّابق في كون ذاك جمعًا، وهذا إنَّما يكون مثله مضافًا إلا أنَّه مفرد.
(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) يعني: أنَّ مائًة وألفًا يضافان إلى مفرد، فتمييزهما حِينئذٍ يكون مفردًا، وفهم من إطلاقه (مِائَةً وَالأَلْفَ) أنَّ تثنية ألفٍ ومائة وجمعهما كذلك، نَحو: ألفا رجلٍ .. عندي مائة رجل، ومائتا رجل، وعندي ألف رجل، وألفا رجل، وآلاف رجلٍ، آلاف ومائتا رجلٍ.
إذًا: يضاف مطلقًا المائة والألف سواءٌ كانا مفردين في اللفظ أو مثنيين أو مجموعين، حِينئذٍ تمييزهما يكون مفردًا مضافًا.
وشذَّ تمييز المائة بمفردٍ منصوب، وإنَّما يكون مضافًا لذلك قال:(أَضِفْ) يعني: وجوبًا، وسُمِع مفردًا منصوبًا لكنه شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، كقوله:
إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْنِ عَامَا ..
(مائتي عامٍ) هذا الأفصح .. هذا الواجب، أمَّا (مِائَتَيْنِ عَامَا) على أنَّه مُفرد منصوب نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.
(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) نَحو: عندي مائة درهم (درهم) واحد، (مائة) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (درهمٍ) مضافٌ إليه، والعامل في الدِّرهم هنا هو نفس العدد (مائة)، و (عندي) هذا خبر مُقدَّم، ومائتا ثوبٍ .. عندي مائتا ثوبٍ، (عندي) خبر مُقدَّم، و (مائتا) هذا مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (ثوبٍ) مضاف إليه.
هنا لا تقل تمييز، ولا تقل عدد، ولا اسم عدد إلى آخره، تُعرِب كما هو الشأن في الأسماء، وإنَّما هذا من حيث الإقدام لا من حيث الإعراب، يعني: لا يُعرب إنَّما يُقال: مضاف ومضاف إليه، إذا سئلت: ما الذي أفاده (مائتا ثوبٍ) ثوبٍ ماذا أفاد؟ نقول: هو مُميِّز، كشف حقيقة المائتين، عندي مائتا .. هذا مُبهَم .. مُجمَل يحتاج إلى إيضاح، إذا قلت: ثوبٍ، عَرفْتَ أن الشيء المعدود بالمائتين، وأمَّا من حيث الإعراب فتقول:(مائتا) هذا مبتدأ، ولا تقل: اسم عدد، إنَّما نوعه، كما تقول هناك: زيدٌ قادمٌ، (زيدٌ) تقول: مبتدأ، ولا تقل: هذا اسمٌ، إنَّما تقول: هذا مبتدأ، حِينئذٍ تذكر الإعراب فحسب.
هنا كذلك: عندي مائتا ثوبٍ، (مائتا) هذا مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و (ثوبٍ) مضاف إليه، من حيث المعنى:(مائتا) اسم عددٍ مُجمل يحتاج إلى مُفسِّر، و (ثوبٍ) هذا مضاف إليه هو المُفسِّر وهو المميز، و (مائتا) النون هنا حُذِفت للإضافة لأنَّه مُثنَّى (مائة)، فإذا قيل لك: لماذا جئت به مفردًا مضافًا؟ تقول: لأنَّ تمييز المائة في لسان العرب إنَّما يكون مفردًا مضافًا، هكذا سُمِع والحجَّة في السماع، ولا نحتاج إلى تعليل في مثل هذه التَّراكيب، لأنَّها أمور تُحفظ كما هو الشأن في فنِّ الصَّرف.
إذًا: مائتا ثوب، وثلاثمائة دينارٍ، هنا جُمعت:(ثلاثمائة) أضيفت (ثلاث) إلى المائة، ثُم قيل: ثوبٍ، هذا مضاف إلى المائة لا إلى الثلاث، وألف عبدٍ .. عندي ألف عبدٍ، (عندي) خبر مُقدَّم، و (ألف) هذا مبتدأ مؤخَّر وهو مضاف، و (عبدٍ) مضاف إليه، وانتهينا.
وأمَّا من حيث المعنى فتقول: (ألف) هذا اسم عدد يحتاج إلى مُميِّز، وهو عبدٍ، وجيء به مفردًا مجرورًا لأنَّه مُميِّزٌ بالألف، فلا يصح: عندي ألف رجالٍ، لأن هذا يكون تَمييزًا للثَّلاثة إلى العشرة.
وألفا أمةٍ، (ألفا) بدون نون، لأنَّه مثنَّىً وهو مضاف وأضيف إلى (أمةٍ) وهو مضاف إليه، وكذلك: عندي ثلاثة آلاف فرس، (عندي) خبر، (ثلاثة) هذا مبتدأ مُؤخَّر، وهو مضاف، و (آلاف) مضاف إليه، و (آلاف) مضاف، و (فرس) مضاف إليه، هكذا تُعربه .. إعراب كما هو الشَّأن في غيره.
وأمَّا أحكام العدد والتمييز وإلى آخره، هذه إنَّما تكون في مقام التَّعليم من أجل أنْ تنتهي إلى القاعدة السابقة أو التركيب السابق، عند السؤال والبحث حِينئذٍ تقول: هذا عدد، وهذا مائة وتمييز، وفي لسان العرب يكون مفردًا مجرورًا، وتمييز (أحد عشر) يكون مفردًا منصوبًا وإلى آخر ما يذكر من قواعد.
إذًا: (مِائَةً وَالأَلْفَ) سواءٌ كانَا مُفردين من حيث اللفظ، أو مثنيين، أو مجموعين يُلزم أن يكون المُميِّز مفردًا مجرورًا، لا يجوز أن يكون جمعًا ولا منصوبًا، وما سُمِع من نصبه فهو شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، هذا الأصل فيه.
ثُم قال: (وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْرَاً قَدْ رُدِفْ)(مِائَةٌ) هذا مبتدأ، و (بِالجَمْعِ) .. (وَمِائَةٌ قَدْ رُدِفْ) لذلك إذا أرَدْتَ المُتعلَّقات اعرب الخبر قبل، (وَمِائَةٌ) مبتدأ (قَدْ رُدِفْ) هذا خبره، (بِالجَمْعِ) هذا مُتعلِّق به، و (نَزْرَاً) قَدْ رُدِفْ حال كونه نزرًا، يعني: قليلًا، إذًا: قد يكون تمييز مائة مجرورًا، وهذا أشار به إلى قراءة حمزة والكِسَائي:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةِ سِنِينَ) هذا جاء بالجمع، بإضافة (مائة) إلى (السنين)، فـ:(سِنِينَ) تَمييزٌ، وفي ذلك شذوذٌ من جهة واحدة، وسَهَّلَه شِبْه المائة بالعشرة.
على كلٍ: هذا خلاف الأفصح.
(وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْرَاً قَدْ رُدِفْ)(رُدِفْ) هذا مُغيَّر الصِّيغة، أي: تُبِع بالجمع، (مِائَةٌ) تُبِع (بِالجَمْعِ نَزْراً) أي: قليلاً.
إذًا: أراد النَّاظم أن يُبيِّن بهذا البيت: أنَّ تمييز المائة والألف إنَّما يكون في الفصيح الكثير، الذي هو القاعدة العامة: أن يكون مجرورًا، وأن يكون مفردًا، فلا يخرج عن هذين النوعين إلا ما شذَّ، وإنَّما قَدَّم النَّاظم: مائة وألفًا، على ما دونهما من العدد، يعني: إلى أحد عشر، لاشتراكهما مع ثلاثة عشر وما بينهما في كون تمييزهما مجرورًا بالإضافة.
الأصل أن يقول: (ثَلَاثَةً)، ثُم قال:(لِلْعَشَرَهْ) ثُم يقول: (أَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) هذا الأصل، لماذا قَدَّم المائة والألف؟ لأنَّ تمييز أحد عشر وما بعده يكون منصوبًا، وأمَّا تمييز الثلاثة والعشرة يكون مجرورًا، فناسب لذلك أن يذكر المجرور بجوار المجرور.
قال هنا: قد سبق أنَّ (ثَلَاثَةً) وما بعدها إلى (عشرة) لا تضاف إلا إلى جمعٍ، وذكر هنا أنَّ (مائةً وألفًا) من الأعداد المضافة كذلك، وأنَّهما لا يُضافان إلا إلى مفردٍ، نَحو: عندي مائة رجلٍ، وألف درهمٍ، وورد إضافة (مائة) إلى جمعٍ قليلًا، ومنه قراءة حمزة والكسائي التي ذكرها.
والحاصل: أنَّ العدد المضاف على قسمين:
- أحدهما: ما لا يضاف إلا إلى جمعٍ، وهو من ثلاثة إلى عشرة.
- والثاني: ما لا يضاف إلا إلى مفرد، وهو مائة وألف، وتثنيتهما نحو: مائتا درهم، وألفا درهمٍ، وأمَّا إضافة (مائة) إلى جمعٍ فقليل، بل حكم بعضهم على أنَّه شاذٌّ.
وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ
…
مُرَكَِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ
وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ
…
وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا
وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا
…
بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا
(وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) يعني: رَكِّب (أَحَدَ) مع (عَشَرْ) هنا شرع في الكلام على العدد المضاف .. المركَّب، العدد المضاف سبق هذا، والآن العدد المركَّب.
(وَأَحَدَ اذْكُرْ) اذكر أحد، يعني: لفظ (أَحَدَ) اذكره، إذًا:(أَحَدَ) هذا يكون مفعولاً مُقدَّمًا، (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) .. (بِعَشَرْ) هكذا حكاها مُجرَّدًا من التاء، (وَصِلَنْهُ)(صِلْ) هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتَّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والهاء ضمير مُتَّصل مبني على الضَّمِّ في مَحلِّ نصب مفعول به.
(وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ مُرَكَّبَاً) حال كونك مُركِّبًا (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) إذًا: (أَحَدَ) لا (إحدى)، و (عَشَرْ) لا (عشرة)، إذًا: جمعت بين مذكر ومذكر، متى؟ (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] (كَوْكَبًا) هذا المقصود بالعدِّ فهو المعدود، فالكوكب هو المعدود، قلت:(أَحَدَ عَشَرَ) جئت به مذكرًا في الأول والثاني.
(وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ) بتأنيث الأول (إِحْدَى) وهو مؤنَّث (أَحَدَ) و (عَشْرَةْ) بالتاء وهو مؤنَّث (عَشْر).
وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ
…
مُرَكَِّبَاً. . . . . . . . . . . . . .
قلنا: هذا مُرَكِّبَاً ومُرَكَّبَاً يجوز فيه الوجهان، بكسر الكاف أي: حال كونك مُركِّبًا هذا حالٌ من فاعل (صِلْ) أو (اذْكُرْ): اذكر أحد (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) حال كونك مُرَكِّبَاً أنْتَ .. أنْتَ الذي ركَّبت ويجوز أن يكون بفتح الكاف حالًا من (عَشَرْ) أي: مُرَكَّبَاً معه، أي: مع (أَحَدَ).
(وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ مُرَكَّبَاً) يعني: (عَشَرْ) نفسه مركَّبًا مع (أَحَدَ) هذا يَحتمل .. يَحتمل أنَّه حالٌ من فاعل (اذْكُرْ) ويحتمل أنَّه حالٌ من (عَشَرْ) لكن إذا جعلته من فاعل (اذْكُرْ) كسرته: مُركِّب، وإذا كان من (عَشَرْ) صار هو الذي رُكِّب فهو مركَّب.
(وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ) يعني: في التأنيث، (لَدَى) هنا بمعنى:(في)(إِحْدَى عَشْرَةْ) بإسكان الشِّين.
(وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ) عَشِرَة .. عَشْرَه، يجوز فيه الوجهان، هذا نأتي عليه غدًا إن شاء الله تعالى.
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!