الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* إعادة الأعداد المركبة مع بعض الإضافات
* تميز العدد المفرد من (20_90) ـ
* اضافة العدد المركب إلى غير مميزه
* صوغ العدد على وزن فاعل على وجوه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (العَدَدُ).
وعرفنا حقيقته في اصطلاح النُّحاة، وقلنا: يكفي ذكر الأعداد وما يَتعلَّق بها عن الحد.
قال النَّاظم:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
بيَّن بهذين البيتين حكم الثلاثة إلى العشرة، بأنَّها تخالف القياس، احترز بالثلاثة في قوله:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ..
احترز به عن الواحد والاثنين، وقلنا هذان العددان يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين:
أولاً: أنهما على القياس، يعني: يُذَكَّران مع المُذَكَّر ويُؤَنَّثان مع المؤنَّث، فيقال: واحد واثنان، وكذلك يُقال: واحدةٌ بالتأنيث واثنتان، والثلاثة وأخواتها إلى العشرة هذه تُخالف على خلاف القياس، فتذكَّر مع المؤنَّث، وتؤنَّث مع المذكَّر.
كذلك لا يُجمع بينها وبين المعدود فلا يُقال: واحد رجلٍ، ولا اثنا رجلين، وعرفنا العلَّة فيما سبق، بخلاف الثلاثة إلى العشرة، لأنَّ الثلاثة يدلُّ على العدد (وَالْمُمَيِّزَ) يدلُّ على الجنس، فلا بُدَّ من الجمع بينهما.
وأمَّا الثلاثة إلى العشرة فقال هنا:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . .
…
. . . . . . .
إذاً: (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) تأتي بالتَّاء، (فِي الضِّدِّ) الذي هو المؤنَّث، أو (عَدِّ مَا آحَادُهُ) مؤنَّثه (جَرِّدْ) العدد الثلاثة إلى العشرة من التاء، وقوله:(مَا آحَادُهُ) قلنا: أشار به إلى أنَّ النظر إنَّما يكون في المفرد لا في اللفظ، إذ يُشترط كما نَصَّ عليه: بأن يكون (الْمُمَيِّزَ) جمعاً، وكل جمعٍ مؤنَّث، فلو اعْتُبِر اللفظ من حيث هو المضاف إليه حينئذٍ لَمَا بقي للتذكير مجال، وحينئذٍ لا بُدَّ من التذكير .. من نزع التاء، لأنَّ المضاف إليه يكون مؤنَّثاً مُطلقاً، وحينئذٍ يكون النَّظر إلى المفرد نقول: ثلاثة رجالٍ وثلاث إماءٍ، (ثلاثة رجال) باعتبار المفرد وهو واحد، (وثلاث إماءٍ) باعتبار المفرد وهو (أمةٌ) وهو مؤنَّث.
وأمَّا (الْمُمَيِّزَ) إذا كان اسم جنس كـ (شجر)، أو اسم جمعٍ كـ (قوم) قلنا: الأفصح والأكثر أن يؤتى به مجروراً بـ (مِنْ) ويجوز إضافته كما ذكرناه سابقاً.
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ
…
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
قوله: (مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) ثُمَّ قال: (جَمْعَاً) دلَّ على أنَّه يُضاف إلى الجمع، والنظر يكون باعتبار المعنى، لأنَّه في الأول قال:(مَا آحَادُهُ)، ثُمَّ قال:(اجْرُرِ الْمُمَيِّزَ جَمْعَاً) كيف يكون (آحَادُهُ) مذكَّر أو مؤنَّث ثُمَّ يقول الجمع؟ نقول: الجمع باعتبار اللفظ على الأصل، وأمَّا الآحاد فهذا باعتبار المعنى.
هنا قاعدة: اعتبار التأنيث في واحدٍ المعدود إن كان اسماً فبلفظه .. إن كان اسماً فيُنْظَر حينئذٍ إلى اللفظ تقول: ثلاثة أشخُصٍ، و (أشخص) هنا جمع شخص، و (شخصٌ) مُذكَّر أو مؤنَّث؟ مُذكَّر، حينئذٍ تقول: ثلاثة أشخصٍ، ولو كان المراد بالأشخص نِسوة.
لو أردت بالأشخص النسوة حينئذٍ نقول: النَّظر إلى اللفظ من غير نظرٍ إلى المعنى المقصود من مصدق اللفظ، فقد تريد بالشخص أنثى، وقد تريد بالشخص ذكراً، حينئذٍ: ثلاثة أشخصٍ، نقول: هنا يُعتبر فيه اللفظ من حيث هو لا باعتبار المعنى، ولو كان المصدق الذي يصدق عليه لفظ شخص وهو الآحاد، لأنَّه قال:
فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ ..
هنا آحاد (أشخص .. شخص) وهو مذكَّر حينئذٍ تأتي بالتاء، ولو كنت قاصداً بالأشخص النِّسوة، لأنَّ هذا شيءٌ خارجٌ عن اللفظ، إذاً: إن كان اسماً فبلفظه تقول: ثلاثة أشخصٍ، قاصداً نِسوة، وثلاث أعين، قاصداً رجال، لأنَّ العين هذه في الأصل: أعيُن جمع عين وهي مؤنَّثة.
لأنَّ لفظ (شخصٍ) مذكَّر، ولفظ (عينٍ) مؤنَّث، هذا ما لم يتَّصل بالكلام ما يقوي المعنى، أو يكثر فيه قصد المعنى، إذاً: قد تريد بالثلاثة هنا المعدود: أن يكون مذكَّراً أو مؤنَّثاً باعتبار المعنى لكن باعتبار اللفظ حينئذٍ يُنظر إليه باعتبار التذكير والتأنيث، فلو استعملت الشخص مُراداً به النسوة .. لو قلت: عندي ثلاثة أشخص، حينئذٍ أنَّثت، كيف تؤنِّث وأنت تريد بالشخص المؤنَّث؟ حينئذٍ نقول: النَّظر يكون إلى اللفظ (والشخص) هذا مذكَّر.
كذلك: ثلاث أعيُن، إذا أردت بالعين هنا الرجل نقول:(أعيُن) جمع عين (والعين) هذه مؤنَّثة أو مذكَّرة؟ مؤنَّثة، تقول:(هذه عين .. عينٌ فيها) إذاً: هذه يرجع إليها الضمير بالتأنيث، وحينئذٍ تقول: ثلاثُ أعيُن، ولو قصدت بالعين الرجل، فلا يُنظر إلا إلى اللفظ من حيث هو، هل هو مُذكَّر في لسان العرب أم لا؟ أمَّا ماذا تعني به؟ هذا شيءٌ آخر.
إذاً: إن كان اسماً فبلفظه من حيث هو لا باعتبار مصدقه، فقد يصدق الشخص على المؤنَّث فتقول: ثلاثة أشخص، وقد تصدق العين على المُذكَّر فتقول: ثلاث أعيُن، ولا تنظر إلى المعنى.
قلنا: هذا ما لم يتَّصل به ما يقوي المعنى، يعني: قد يتَّصل به ما يقوي المعنى من حيث انتشار الاستعمال، أو من حيث القرينة. ما لم يتَّصل بالكلام ما يقوي المعنى، أو يكثر فيه قصد المعنى، فإن اتَّصل به ذلك جاز مُراعاة المعنى.
فالأول كقوله:
ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ ..
وقوله:
وَإنَّ كِلَابَاً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ..
والقياس: عشرة أبطن، لأنَّ (البطن) مُذكَّر أو مؤنَّث؟ مذكَّر، حينئذٍ القياس: عشرة أبطن، لأنَّ (البطن) مذكَّر بحسب اللفظ، ولكن راعى فيه المعنى وهو: القبيلة، اسْتُعْمِل (البطن) مُراداً به: القبيلة فلذلك أنَّث، وإلا الأصل أن يقول: عشرة أبطن، لأنَّ (أبطن) هذا جمع (بطن) والبطن مُذكَّر، حينئذٍ يقول: عَشَرة أَبْطُنٍ.
لكن هنا لَمَّا اسْتُعْمِل (البطن) مُراداً به القبيلة والقبيلة مؤنَّث، حينئذٍ راعى المعنى، متى؟ إذا غَلَب الاستعمال، وهذا عند من يعرف إذا أُطْلِق (البطن) المراد به: القبيلة. فـ (البطن) مُذكَّر بحسب اللفظ ولكن راعى فيه المعنى وهو: القبيلة.
والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، جمع نفسٍ و (النَّفس) مؤنَّث:((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)) [الشمس:7] ولم يقل: ما سواه، إذاً: أعاد إليه الضمير بالمؤنَّث، نحن نقول: ثلاثة أنفس، صحيح أو لا؟ ليس بصحيح، ثلاث أنفس، لأنَّ (أنفس) جمع نفس وهو مؤنَّث، حينئذٍ القاعدة: التَّذكير (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) جرِّده من التاء إذا كان مُؤنَّثاً .. إذا كان (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ) مؤنَّث حينئذٍ تُجرِّد العدد من التاء فتقول: ثلاث أنفس، لكن النَّفس يُطْلَق ويُراد به: الإنسان كثيراً، حينئذٍ إذا روعي هذا المعنى صحَّ اتَّصاله بالتاء.
والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، وثلاث ذودٍ، فإنَّ (النَّفس) كثيراً ما يُستعمل مقصوداً به: الإنسان والإنسان هذا مذكَّر، والقياس: ثلاث أنفس، لأنَّ (النَّفس) مؤنَّثة فراعى المعنى وهو مُذكَّر لكثرة استعمال (النَّفس) في الإنسان، وكذلك (الذَّود) من الإبل من الثلاثة إلى العشرة وهو مؤنَّث لا واحد له من لفظه.
إذاً القاعدة: أنَّه يُراعى الواحد، فإن كان اللفظ نفسه مذكَّراً أُنِّثَ العدد، وإن كان مؤنَّثاً ذُكِّر العدد، ولو كان مَصْدَق، يعني: ما يقع عليه ذلك اللفظ مؤنَّثاً أو مُذكَّراً، قد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث اللفظ المُذكَّر فيؤنَّث العدد، وقد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث العدد فيُراعى حينئذٍ.
إذاً: ننظر إلى اللفظ .. الاسم الواحد: إن كان لفظه مؤنَّثاً ذَكَّرنا العدد ولو كان مَصْدَقُه مُذكَّراً، وقد يُراعى هذا المعنى حينئذٍ يؤنَّث العدد، وننظر إلى اللفظ نفسه فإن كان مؤنَّثاً من حيث هو اللفظ مثل (عين ونفس) من حيث هو، حينئذٍ نُجرِّد الاسم العدد من التَّاء ولو كان مصدقه مذكَّراً، إن راعينا ذلك المعنى الذي يَصدُق عليه الواحد حينئذٍ جاز لنا التأنيث.
وإن كان صفةً فبموصوفها المنوي لا بها، ولذلك جاء قوله تعالى:((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:160](عَشْرُ أَمْثَال) جمع (مثل) وهو مُذكَّر، وقلنا: العشرة مِثل الثلاثة عند عدم التركيب فتخالف القياس، تُذكَّر مع المؤنَّث، وتؤنَّث مع المذكَّر.
وهنا المِثْل الذي هو واحد الأمثال مُذكَّر وقال (عَشْرُ) والقياس أن يقول: (عشرة أمثالها) لم قال هنا: (عَشْرُ) بالتذكير مع كون (مَا آحَادُهُ) هنا مذكَّر؟ لأنَّ (أَمْثَال) ليس هو المعدود، وإنَّما هو صفةٌ لموصوفٍ محذوف فروعي في العدد من جهة المعنى، والأصل: عشر حسناتٍ أمثالها.
حينئذٍ روعي الموصوف المحذوف المنوي، ولذلك قاعدة العرب: أن الأصل إذا حُذِف الشيء قد يكون مُراعىً منوياً وقد يُحذف ولا يراعى بأن يصير نسياً منسياً، إذا صار منوياً حينئذٍ يُلاحظ في القواعد، وهذا واضح بَيِّن هنا.
أي: عشر حسناتٍ، إذاً: هنا صفة فبموصوفها المنوي روعي العدد فَذُكِّر مع الأمثال، وتقول: ثلاثة دوابٍّ، إذا قصدت ذكوراً، لأنَّ الدَّابة صفة في الأصل، وثلاث دوابٍّ، إذا قصدت إناثاً، ولا يُعتبر لفظ المفرد إن كان علماً، فتقول: ثلاثة الطَّلحات، سبق أنَّ (طلحة) يُجمع بواوٍ ونون باعتبار المعنى، وهذا من المآخذ على مذهب البصريين هناك، لأنَّه قد وقع نوع تعارض.
هناك راعوا المعنى فقالوا: لا يُجمع بألفٍ وتاء، وإنَّما يُجمع بواوٍ ونون، يعني: احترزوا باتِّصال التاء هناك .. بألا يكون متَّصلاً بالتاء من نحو: طلحة وحمزة، قالوا: لا يُجمع بواوٍ ونون لأنَّه مؤنَّث، وهنا راعوا المعنى، وهناك لم يُراعوا المعنى، قَدَّموا اللفظ هنا على المعنى، وهناك قَدَّموا المعنى على اللفظ، واللفظ واحد هو: طلحة وحمزة، فكيف يُراعى جانب التذكير هنا، ويُراعى جانب التأنيث هناك؟ ولا شَكَّ أنَّ المعنى أقوى من اللفظ، وخاصَّةً إذا اعتبرنا التاء هذه تاء تأنيث فهي في نية الانفصال، هذا محل إشكال عند البصريين، ولذلك قلنا الصواب هناك: أنَّه يُجمع بواوٍ ونون: طلحون وحمزون، ولا إشكال موافقةً لمذهب الكوفيين.
قالوا هنا: لا يُعتبر لفظ المفرد إن كان عَلَماً نحو: ثلاثة الطَّلحات، وخمسٌ الهندات، فهنا اعْتُبِر معنى المفرد لا لفظه، فتقول: ثلاثة الطَّلحات، الأصل: ثلاث الطَّلحات، لأنَّ (الطَّلحات) هذا جمعٌ واحده (طَلْحَة) وهو مؤنَّث من حيث اللفظ، الأصل: ثلاث الطَّلحات، قالوا: لا، هنا نُراعي المعنى، لأنَّ (طلحة) مُسمَّاه مُذكَّر.
كذلك يُقال: خمسٌ الهندات، (هندات) جمع (هند)، و (هند) في اللفظ مؤنَّث، حينئذٍ قالوا: خمس الهندات، وهذا غريب عندهم، فهنا اعْتُبِر معنى المفرد لا لفظه.
وإذا كان في المعدود لغتان: التذكير والتأنيث كالحال، لفظ الحال قلنا: هذا يُذكَّر ويُؤَنَّث، حالٌ حسنٌ، وحالٌ حسنةٌ، حينئذٍ جاز الحذف والإثبات تقول: ثلاث أحوالٍ، وثلاثة أحوال، يجوز فيه الوجهان.
إذاً: القاعدة عندهم في قوله (مَا آحَادُهُ): النظر إلى الواحد إن كان اسماً حينئذٍ يُنظر إلى اللفظ: ثلاثة أشخُص، ننظر إلى اللفظ (شخص) فهو مُذكَّر حينئذٍ نؤنِّث العدد، ولو كان مُسمَّى الشَّخص مؤنَّثاً، ثلاثة أنفس، ننظر إلى اللفظ واحده (نفسٌ) فنُذكِّر اسم العدد لكون هذا مؤنَّثاً هذا هو الأصل، ولو كان مُسمَّاه مذكَّراً، فلا ننظر إلى المعنى في الأصل، ويَجوز اعتبار المعنى لكنَّه فرع إمَّا بغلبة استعمال، وإمَّا بقرينةٍ أخرى كما ذكرناه.
ثُمَّ إنْ كانت صفةً فبموصوفها المنوي لا بها، وعليه يُخَرَّج قوله تعالى:((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:160](عَشْرُ) بترك التاء مع (أَمْثَالِهَا)، و (أَمْثَال) جمع (مِثْل) وهو مذكَّر، وإنَّما يُراعى فيه هنا المنعوت الـ؟؟؟ وأمَّا العَلَم فعندهم لا يُراعى من حيث اللفظ، وإنَّما يُنظر فيه إلى المعنى، الأعلام يُنظر فيه إلى المعنى، فما كان مَختوماً بالتاء حينئذٍ يُؤنَّث له أو يُذكَّر .. العَلَم المذكَّر إن كان اتصلت به التاء، يؤنَّث له العدد أو يذكَّر؟ يؤنَّث نعم، ولذلك يُقال: ثلاثة الطَّلحات، أنَّثوا له العدد باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ.
وقالوا: خمس الهندات، (هندات) جمع (هند) وهو مُؤنَّث من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، أو هو مشترك لكنَّه غلب استعماله في الإناث، حينئذٍ قالوا: خمس الهندات، باعتبار المعنى، لأنَّ مَصْدَق (هند) مؤنَّث، فذكَّروا له العدد، وإذا كان المعدود فيه لغتان حينئذٍ جاز الوجهان، تجريد اللفظ .. الاسم العدد من التاء واتِّصال التاء فتقول: ثلاث أحوالٍ، وثلاثة أحوالٍ.
. . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
قلنا: المُراد بالجمع هنا: جمع التكسير، وبالقلَّة: الأربعة الأوزان، وقوله:(فِي الأَكْثَرِ) هذا يعود إلى النوعين: الجمع، فقد لا يكون جمع تكسير، و (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) .. (الأَكْثَرِ) أن يكون بلفظ قلةٍ، وقد لا يكون بلفظ القِلَّة.
وذكرنا أن جمع التكسير على ثلاثة أنحاء، لأنَّه: إمَّا جمع قِلَّة، وإمَّا جمع كثرة، قد يكون لجمع التكسير جمع قِلَّة فقط، ولم يُسمع فيه جمع كثرة، وقد يكون بالعكس، وقد يكون له الجمعان.
متى نقول: (فِي الأَكْثَرِ)؟ إذا كان له جمعان: جمع قلَّة، وجمع كثرة، حينئذٍ نقول: الأفصح والأكثر: أن يُضاف اسم العدد إلى جمع قِلَّة، ولا نضيفه إلى جمع الكثرة هذا الفصيح وهذا الأكثر، إن لم يكن له إلا جمع قِلَّة فلا محال أنَّه يُضاف إلى جمع القِلَّة، وإن لم يكن له إلا جمع كثرة فلا محال أن يُضاف إلا إلى جمع الكثرة.
فتمييز الثلاثة إلى العشرة يكون جمعاً مُكَّسَّراً من أبنية القِلَّة، وقد يتخلف كل واحدٍ من هذه الثلاثة فيضاف للمفرد وذلك إن كان (مائةً) نحو: ثلاث مائةٍ وسبعمائة، وشَذَّ في الضرورة قوله:
ثَلَاثُ مِئِينٍ لِلْمُلُوْكِ وَفَى بِهَا ..
ويُضاف لجمع التَّصحيح في ثلاث مسائل -احترازا من جمع التكسير-، قد يضاف إلى جمع التَّصحيح – وهذه نسينا أن ننبه عليها بالأمس - يضاف إلى جمع التَّصحيح في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أن يُهمل تكسير الكلمة، يعني: لا يُسمع في لسان العرب أنَّهم كسَّروا الكلمة، يعني: ما حُفظ لها جمع تكسير، نحو: سَبْعَ بَقَرَاتٍ .. سَبْعَ سَمَوَاتٍ .. خمس صلوات، (صلوات .. صلاةٌ) جُمع بألفٍ وتاء، هل سُمع جمع تكسير للصلاة؟ ما سُمع، ليس عندنا إلا (صلوات) وهو جمع تصحيح، هو جمع تصحيح (صلوات)؟ نعم، جمع مؤنَّث سالم يُسمَّى: جمع التصحيح، كذلك: بقرات جمع بقرة، لم يُسمع تكسيره.
الثانية: أنْ يُجاور ما أُهْمل تكسيره نحو: سنبلات، فإنَّه في التنزيل مجاور لسبع بقرات، يعني: قد يكون له جمع تكسير ولكنَّه يُؤتى به على صيغة جمع التَّصحيح للمجاورة، مثل تنوين مجاورة:((سَلاسِلاً وَأَغْلالًا)) [الإنسان:4] قلنا: (سَلاسِلا) هذا مَمنوعٌ من الصَّرف ولكنَّه نُوِّن لمجاورة (أَغْلالًا) و (أَغْلالًا) مصروف، هنا مثله، قد يُضاف إلى جمع التصحيح مع كون ذلك اللفظ له جمع تكسير، والسبب في ذلك: المجاورة .. كونه جاور اسم عدد أُضيف إلى ما أُهْمِل تكسيره كـ: (سنبلات).
والثالثة: أن يَقِل استعمال غيره، يعني: يكون له جمع تصحيح وجمع تكسير، لكنَّ الأكثر من حيث الاستعمال جمع التصحيح فحينئذٍ يُراعى فيه الأكثر، نحو: ثلاث سعادات، سُمع (سعائد) لكنَّه قليل، (سعائد) هذا جمع تكسير و (سعادات) جمع تصحيح، يُضاف إلى (سعادات) ويَجوز إضافته إلى (سعائد)، لكن الأفصح أنْ يُضاف إلى (سعادات) لأنَّه أكثر استعمالاً من (سعائد).
ويَجوز: ثلاث سعائدَ أيضاً، والمختار في الأخيرتين التَّصحيح، الذي هو: أنْ يُجاور ما أُهْمِل تكسيره المختار التصحيح، مع كونه له جمع تكسير، وكذلك أنْ يَقِلَّ استعمال غيره مع كونه له جمع تكسير، فالأفصح حينئذٍ التَّصحيح، ويَتعيَّن في الأولى التصحيح لإهمال جمع التكسير .. ليس له جمع تكسير، وإنَّما تَعيَّن ذلك لوجود جمع التَّصحيح فحسب، وإذا كان كذلك حينئذٍ يَتعيَّن.
فإن كثُر استعمال غيره ولم يُجاور ما أُهْمِل تكسيره لم يُضف إليه إلا قليلاً، يعني: إذا لم يكن واحداً من الثانية أو الثالثة، الأولى أُهْمِل تكسيره فلا بُدَّ منه، الثانية والثالثة حينئذٍ نقول: إذا لم يكن من الثانية ولا من الثالثة لم يُضف إليه إلا قليلاً .. إلى جمع التصحيح، نحو: ثلاثة أحمدين، وثلاث زينبات (زينبات) .. (زينبات) له زيانب، و (أحمدين)(أحمد .. أفعل .. أفاعل .. أحامد) حينئذٍ له جمع تكسير وله جمع تصحيح (أحمدين) هذا جمع تصحيح بياء ونون (وزينبات) جمع تصحيح بألفٍ وتاء، نقول: هذا قليل ولذلك يُقال: يُحفظ ولا يقاس عليه.
ويُضاف لبناء الكثرة في مسألتين، لأنَّه قال:(بِلَفْظِ قِلَّةٍ)، قلنا:(فِي الأَكْثَرِ) هذا احترازاً مِمَّا إذا كان جمع تكسير وأُضيف إلى جمع الكثرة، يُضاف لبناء الكثرة في مسألتين:
الأولى: أن يُهمل بناء القِلَّة فلا يُسمع، نحو: ثلاث جوارٍ، وأربعة رجال، وخمسة دراهم، (دراهم) هذا ليس له جمع قِلَّة، و (رجال) ليس له جمع قلَّة، و (جواري) ليس له جمع قلَّة، حينئذٍ لا محال أن يُضاف إلى جمع الكثرة.
الثاني: أنْ يكون له بناء قِلَّة، سُمع بناء القِلَّة وبناء الكثرة، ولكن بناء القلَّة شاذٌّ قياساً أو سماعاً، حينئذٍ سماعه كعدم سماعه، فيُنَزَّل لذلك مُنَزَّلة المعدوم كأنَّه لم يُسمع له جمع قِلَّة.
فالأول نحو: ((ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228] قلنا: (قُرُوءٍ) هذا جمع قرءٍ، (وقرْءٍ) جمعه جمع قِلَّة على (أقراء) هذا شاذ، ولذلك عُدل عنه في القرآن إلى (قُرُوءٍ) جمع كثرة وسُمِع (أقراء) جمع (قرءٍ) بفتح القاف وإسكان الراء لكنَّه شاذ، وحينئذٍ عُدِل إلى جمع الكثرة.
فإن جمع (قرءٍ) بالفتح على (أقراء) شاذ، والثاني: ثلاثة شسوع، فإنَّ أشساعاً قليل الاستعمال، (أشساع) مسموع، ليس بشاذ لكنَّه قليل الاستعمال، أكثر منه (شسوع) وهو جمع كثرةٍ حينئذٍ يُضاف إليه.
إذاً: يُضاف إلى جمع كثرة في مسألتين:
الأولى: ألا يُسمع له جمع قلَّة.
الثانية: أن يُسمع لكنَّه قليل بالنسبة للكثرة أو شاذ، حينئذٍ يُعدل عنه إلى جمع الكثرة.
إذاً قوله:
. . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ
…
جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
قلنا: لكل لفظٍ من هذين اللفظين جمعاً، و (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هذا له محترزات، (جَمْعاً) يعني: جمع تكسير، وكذلك جمع التكسير يكون (بِلَفْظِ قِلَّة)، فإن لم يكن جمع تكسير يخرج إلى جمع التصحيح في المسائل الثلاث، وإذا لم يكن بجمع قِلَّة فإنَّما يكون بجمع كثرة في المسألتين اللتين ذكرناهما.
ثُمَّ قال:
وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ
…
وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ
إذاً: الثلاثة إلى العشرة والمائة يكون التَّمييز فيها مضافاً، إلا أنَّ الثلاثة إلى العشرة يكون جمعاً، والمائة والألف وما ثُنِّي منهما وجُمِع منهما كذلك يكون مضافاً لكنه مفرد.
وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ ..
يعني: قليل، وحكم بعضهم عليه بالشذوذ أن يُضاف إلى الجمع، وإنَّما الأصل فيه والفصيح: أن يكون مُفرداً، إذاً بهذه الأبيات الثلاثة نقول: العدد المضاف على قسمين:
ما لا يُضاف إلا إلى جمعٍ وهو من ثلاثةٍ إلى عشرة، وعرفنا الجمع المراد به هنا.
والثاني: ما لا يُضاف إلا إلى مفرد وهو: مائةٌ وألفٌ وتثنيتهما وجمعهما، مهما جُمِع الآلاف أو المئات فإنَّما يُضاف إلى المفرد، وما سُمِع من إضافته إلى الجمع فهو خلاف الأصل.
ثُمَّ قال:
وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ
…
مُرَكِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ
وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ
…
وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ
هذا شروعٌ منه من ذكر العدد من أحد عشر إلى تسعة عشر، وهذا ما يُسمى بالعدد المركب، الأول العدد المفرد وهذا العدد المركَّب.
وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ ..
يعني: قل: أحد عشر، متى؟ (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) إذا أردت بأنَّ المعدود ذَكَر حينئذٍ تأتي بـ:(أَحَدَ عَشَرْ)، وإذا كان مؤنَّثاً حينئذٍ قلت:(إِحْدَى عَشْرَةْ) الأول: بتذكير الجزئيين والثاني بتأنيث الجزئيين: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4](كَوْكَبًا) هذا تمييز وهو مذكَّر، حينئذٍ تُذكِّر الجزئيين الصدر والعجز، فتقول:(أَحَدَ عَشَرَ) وتقول: إحدى عشرة امرأة (امرأة) هذا تمييز مؤنَّث، وحينئذٍ تؤنِّث له الجزئيين فتقول:(إحدى) الجزء الأول .. الصدر (عشرة) هذا العجز .. الجزء الثاني.
إذاً: أحد عشر وإحدى عشر، يكون النظر فيهما باعتبار المُميِّز، لا بُدَّ أن يكون مفرداً منصوباً كما سيأتي، وحينئذٍ تنظر إليه: إن كان هذا المفرد المنصوب مُذكَّراً ذكَّرت الجزئيين، وإن كان مؤنَّثاً أنَّثْتَ الجزئيين.
(وَأَحَدَ اذْكُرْ) اذكر أحد، هذا مفعول مُقدَّم لقوله:(اذْكُرْ)، (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) (بِعَشَرْ) هذا مُتعلِّق بقوله:(صِلَنْهُ)، والهاء في (صل) المتصلة بها في محل نصب مفعول به، (وَصِلَنْ) هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة.
هنا قال: (وَأَحَدَ) لفظ به مُذكَّراً، ثُمَّ قال:(بِعَشَرْ) لفظ به مُجرَّداً من التاء، إذاً: التجريد ولفظ أحد مقصودٌ في هذا التركيب، (مُرَكِّبَاً) لهما، قلنا:(مُرَكِّبَاً) يجوز فيه الوجهان، (مُرَكِّبَاً .. مُرَكَّبَاً)(مُرَكِّبَاً) على أنَّه حالٌ من فاعل (اذْكُرْ) اذْكُرْ أَحَدَ عَشَرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ، يعني: صله به حال كونك مُرَكِّبَاً لهما.
(مُرَكَّبَاً) بالفتح أيضاً حال لكنَّه من عشر، وَصِلَنْهُ بِعَشْرٍ حال كونه مركَّباً مع (أَحَدَ) (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) اذكر أحد قاصداً حال كونك (قاصداً) إذا قصدت المذكَّر (مَعْدُودٍ ذَكَرْ) قلت: أحد عشر بغير تاء نحو: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4].
وهمزة (أحد) مبدلةٌ من واو، وقد قيل: وحد عشر على الأصل، يعني: نُطق به وهذا فيه كشفٌ عن الأصول، وهو أصلٌ مهجور، وإن كان لغةً إلا أنَّه أصلٌ مهجور، يُقال: أحد عشر ووحد عشر، بإبدال الهمزة واو، أيُّهما أصلٌ وأيُّهما فرع؟ (أحد) فرعٌ (ووحد) هذا أصلٌ، وهذا تصريحٌ بالأصل.
وقد قيل: وحد عشر على الأصل وهو قليل، وقد يُقال: واحد عشر على أصل العدد.
إذاً: (أحد) فيه ثلاث لغات، ما هي؟ (أحد) هذا الفصيح وجاء في القرآن (وحد عشر، واحد عشر)(واحد) على الأصل: واحد .. اثنان.
إذاً:
وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ
…
مُرَكِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ
هذا في التذكير.
وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ ..
(قُلْ) إذا قصدت المؤنَّث قلت: إِحْدَى عَشْرَةْ امرأةً بإثبات التاء، وقد يُقال: واحدة عشرة، يعني: بإثبات التاء، كما قيل: واحد عشر يُقال: واحدة عشر، هذا فيه ثِقل.
إذاً: (قُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ) إذا قصدت التأنيث (إِحْدَى عَشْرَةْ)، انظر! النَّاظم هنا نَطَق بـ (عَشْرَةْ) بإسكان الشين، وهناك قال:(وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) بإثبات الفتح، إذاً: الفتح يكون مع المذكَّر: أَحَدَ عَشَرْ، والتسكين .. تسكين الشين يكون مع المؤنَّث فتقول: إحدى عَشْرَة امرأة، بسكون الشين وزيادة التاء: إحدى عَشْرَة امرأة، هذه هي اللغة الفصحى.
وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ ..
هذه اللغة الثانية: إحدى عَشِرَة بكسر الشين، (الشِّينُ) مبتدأ، والشين كسرةٌ فيها عن تميمٍ، ما إعراب (كَسْرَهْ)؟ الشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا: مبتدأ وخبر ولذلك نطقت به على الترتيب حتى تفهم: والشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا، (كَسْرَةٌ) مبتدأٌ ثاني و (فِيهَا) هذا خبر الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
إذاً: (وَالشِّينُ) سابقاً من (عَشْرَةْ) التي قيَّدها في البيت الثاني، والمراد به التأنيث لا التذكير، (وَالشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ)(عَنْ تَمِيمٍ) جار مجرور متعلِّق بما تعلَّق به فيها، لأنَّه لا بُدَّ له من متعلَّقٍ يتعلَّق به.
وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ ..
أي: مع المؤنَّث فيقولون: إحدى عَشِرة، واثنتا عَشِرة بكسر الشين، وبعض تميم يفتحها وهو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهو لغة الحجاز، إذاً: الشين من عشرة بالتأنيث فيه ثلاث لغات:
-اللغة الفصحى تسكين الشين.
-وعن تميمٍ فيها كسرة يعني: تُكسر عَشِرة.
وفيها لغةٌ وهو لبعض تميم فتحها: إحدى عَشَرة .. إحدى عَشْرة .. إحدى عَشِرة، ثلاث لغات، والأفصح: التسكين وهو لغة الحجاز.
وأمَّا في التذكير فالشين مفتوحة، ولذلك ذكر النَّاظم هنا اللغة الثانية عندما قال:
وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ
…
وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ
نطق بـ (إِحْدَى عَشْرَةْ) بإسكان الشين فدلَّ على أنَّها مخالفة لقوله (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) فالحكم متعلِّق بالتأنيث، إذاً في التذكير الشين تكون مفتوحة.
وقد تُسْكن عين عشَر فيقال: أَحَدَ عْشَر بإسكان العين وكذلك: أخوات وهذا في المذكر لتوالي الحركات ولإفادة المبالغة في الامتزاج.
إذاً يُقال: أَحَدَ عَشَر مع المذكَّر، ويُقال: إحدى عَشْرة مع المؤنَّث، الشين من المذكَّر تكون مفتوحة لا غير، والشين من المؤنَّث الأفصح أن تكون: ساكنة كما نطق بها النَّاظم، وجوَّز لغةً أخرى وهي: لغة تميم الكسر، وفيها لغةٌ ثالثة وهي: الفتح.
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا
وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا
…
بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا
(فَافْعَلْ) هنا يبدأ الكلام (فَافْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا قَصْدَا)، (فَافْعَلْ) الفاء زائدة (افْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ما هو (غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى)؟ اثنان واثنتان إلى تسعة عشر.
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ..
(افْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا) ما هو الذي فعلته معهما .. ماذا صنعت بالعشرة هناك .. وافَقَت أم خالَفَت؟ وافقت، و (أَحَدَ وَإِحْدَى) وافقت أم خالفت؟ وافقت، إذاً: وافق الجزءان هناك، وهنا حكم بالبيت الأول على الجزء الثاني وهو: العجز بأن تفعل فيه هنا (مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ما فعلته هناك من موافقة القياس، فيُذَكَّر مع المذكَّر ويُؤَنَّث مع المؤنَّث.
وأمَّا الصدر فله حكم ما قُدِّم وهو: أنَّه مخالفٌ للقياس، ولذلك قال:
وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا
…
بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا. . . . . . . .
بعد التركيب لا قبل التركيب (مَا قُدِّمَا) وما هو الذي (قُدِّمَا)؟ مخالفة القياس.
إذاً: عندنا نظران:
تقول: ثلاث عَشَر امرأة غير صحيح، ثلاث عَشْرة امرأة .. ثلاثة عَشْرة رجلاً .. ثلاثة عَشَر رجلاً، إذاً: عَشَرة هذا يُطابق المعدود .. التَّمييز إن كان مذكَّراً: عَشَرة امرأة، ثُمَّ ثلاثة إلى التسعة التي قبل عشرة الجزء الأول تنظر إلى المرأة فإذا به واحدٌ مؤنَّث فتخالفه فتقول: ثلاث بدون تاء، لأنَّه قبل التركيب هو مخالف، ثُمَّ بعد التركيب حكمه واحد، إذاً من الثلاثة إلى التسعة حكمها مخالفة القياس قبل التركيب وبعد التركيب.
وأمَّا العشرة فلها حالان: قبل التركيب فهي كالثلاثة والتسعة، وبعد التركيب فهي مطابقة وموافقة للقياس، هذا مراده بهذين البيتين.
(وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ)(مَعَ) هذا متعلِّق بقوله (فَافْعَلْ) الفاء هذه إن قلنا بأنَّها زائدة لا إشكال فيه، وإن قلنا بأنَّها واقعة في جواب الشرط فلا بُدَّ من تقدير (أمَّا)(وأمَّا مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى فَافْعَلْ) وهذا لا نحتاجه، وإنَّما نقول (فَافْعَلْ مَعَ غَيْرِ)(مَعَ غَيْرِ) متعلِّق بقوله (فَافْعَلْ).
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ. . . . . .
(افعل ما)(مَا) اسم موصول بمعنى الذي مفعولٌ به لقوله: (افْعَلْ) افْعَلْ مَا فَعَلْتَ مع أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَه مَعْهُمَا وهو: كونه تكون فيه العشرة موافقة للقياس.
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا مَعْهُمَا. . . . . . . . . . .
(مَعْهُمَا) هذا متعلِّق بقوله (فَعَلْتَ) و (فَعَلْتَ) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب (مَا فَعَلْتَ معهما) الضمير يعود هنا على (أَحَدٍ وَإِحْدَى)، (وَغَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ليس المراد به: أحدٍ وإحدى وإنَّما المغاير لهما و (فَعَلْتَ مَعْهُمَا) المراد به: (أَحَدٍ وَإِحْدَى) إذاً (غَيْرِ) المراد به: المغاير يعني: ليس الحكم منصبَّاً على لفظ (أَحَدٍ) ولفظ (إِحْدَى) وإنَّما الحكم الذي هو مغايرٌ لهما وفعلته معهما.
(أَحَدٍ وَإِحْدَى) اسم العدد الذي هو غير (أَحَدٍ وَإِحْدَى) تفعل معهما ما فعلت مع (أَحَدٍ وَإِحْدَى)، فقوله:(مَعْهُمَا) يعود على (أَحَدٍ وَإِحْدَى) و (غَيْرِ أَحَدٍ) يصدق على الثلاثة والأربعة والخمسة إلى آخره.
(فَافْعَلْ قَصْدَاً) ما إعراب (قَصْدَا)؟ حالٌ من الضمير المستتر في (افْعَلْ) على التأويل بمشتق، وهو اسم فاعل، أي: قاصداً يعني: عادلا، ويجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً على حذف مضاف أي: فعل قصدٍ أي: اقتصاد، ومعنى البيت: أن ما فعلت مع أحدٍ وإحدى من إسقاط التاء في المذكر وإثباتها في المؤنث افعله فيما فوقهما من غيرهما فشمل ذلك العدد من اثني عشر واثنتي عشرة إلى تسعة عشر وتسع عشرة، هذا المقصود به العشرة .. الجزء الثاني.
وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا
…
بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا
(مَا قُدِّمَا)(مَا) مبتدأ هنا، و (قُدِّمَا) فعل ماضي مغير الصيغة والألف للإطلاق (مَا قُدِّمَا) أي: في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنَّث في الإفراد يعني: قبل التركيب، لأنَّه هو الذي قُدِّم (ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ) فيما سبق.
هنا قال: (مَا قُدِّمَا) الحكم الذي قدِّم في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث (لِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ إِنْ رُكِّبَا)، (مَا) مبتدأ (قُدِّمَا) صلة الموصول، أين الخبر؟ (لِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ) هذا متعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ.
(وَمَا بَيْنَهُمَا) يعني: والذي بينهما .. بين الثلاثة والتسعة (الأربعة إلى الثمان)(وَمَا) هذه معطوفة على قوله: (ثَلَاثَةٍ) فهي في محل جر، و (بَيْنَهُمَا) متعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (إِنْ رُكِّبَا) هذا شرطٌ (رُكِّبَا) الألف هذه فاعل تعود على الثلاثة والتسعة.
إذاً قوله: (وَمَا بَيْنَهُمَا)، (مَا) معطوف على (تِسْعَةٍ) واقعةٍ على ما بين الثلاثة والعشرة.
لمَّا فرغ من ذكر العدد المضاف ذكر العدد المركَّب، فيُرَكَّب عَشَرةٌ مع ما دونها إلى واحد نحو: أحد عَشَر واثنا عشر وثلاثة عشر وأربعة عشر إلى تسعة عشر، هذا للمذكَّر.
وتقول في المؤنَّث: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وثلاث عشرة، وأربع عشرة .. إلى تسع عشرة، فللمذكر أحدٌ واثنا، وللمؤنَّث إحدى واثنتا، وأمَّا ثلاثة وما بعدها إلى تسعةٍ فحكمها بعد التركيب كحكمها قبله فتثبت التاء فيها إن كان المعدود مذكَّراً وتسقط إن كان مؤنَّثاً، وأمَّا عشرة وهو الجزء الأخير فتسقط التاء منه إن كان المعدود مذكَّراً وتثبت إن كان مؤنَّثاً، على العكس من ثلاثةٍ فما بعدها، ولذلك لو قيل بأن لها حالين كان أجود، أمَّا الثلاثة والتسعة وما بينهما فلها حالٌ واحدة قبل التركيب وبعد التركيب وهي: المخالفة .. مخالفة القياس، وأمَّا العشر فلها حالان: مفردة فهي مثل الثلاثة والتسعة، ومركَّبة وهي مطابقة .. موافقة للقياس.
فتسقط التاء منه إن كان المعدود مذكَّرا وتثبت إن كان مؤنَّثا على العكس من ثلاثة فما بعدها فتقول: عندي ثلاثة عشر رجلاً وثلاث عشرة امرأةً، وكذلك حكم عشرة مع أحد وإحدى واثنين واثنتين، فتقول: أحد عشر رجلاً واثنا عشر رجلاً بإسقاط التاء، وتقول إحدى عشرة امرأةً واثنتا عشرة امرأة بإثبات التاء، ويجوز في شين عشرة مع المؤنِّث التسكين، هو اللغة الفصحى وهو الأصل، ويجوز أيضا كسرها وهي لغة تميم وبعضهم فتحها.
إذاً:
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى فَافْعَلْ مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا قَصْدَاً أي: قاصداً عادلاً، أي: من اثنين واثنتين إلى تسعٍ وتسعةٍ، وبين بهذا البيت حكم العشرة إذا رُكِّبت مع التسعة فما دونها، هذا البيت الأول:
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ..
ثُمَّ بيَّن بالبيت الذي يليه حكم التسعة وما تحتها إذا رُكِّبت مع العشرة.
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا فَافْعَلْ. . . . . . . .
(مَا فَعَلْتَ) يعني: في العشرة من التجريد من التاء مع المذكَّر وإثباتها مع المؤنَّث، ومَا قُدِّمَا لثلاثةٍ وتسعةٍ إِنْ رُكِّبَا، (مَا) هذه مبتدأ واقعة على الحكم المنسوب للعشرة، والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله، فتُحذف التاء في التذكير وتثبت في المؤنَّث، فتقدير البيت الثاني: الذي قُدِّم لثلاثةٍ وأخواتها من الحكم السابق مستقرٌّ لها في التركيب .. ثابت، فلا فرق بينهما.
وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ وَعَشْرَا
…
إِثْنَيْ إِذَا أُنْثَى تَشَا أَوْ ذَكَرَا
وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ وَارْفَعْ بِالأَلِفْ
…
وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَي سِوَاهُمَا أُلِفْ
(وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ)، (أَوْلِ) فعل أمر يتعدى إلى اثنين (عَشْرَةَ) الفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت و (عَشْرَةَ) هذا مفعولٌ أول (أَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ) متى؟ (إِذَا أُنْثَى تَشَا) وأول عشراً اثني إذا تشاء ذكراً، فتقول: عندي اثنا عشر رجلاً، ماذا صنعت؟ النظر أولاً إلى رجلاً (رجلاً) هذا مذكَّر (العشر) قلنا: هذا الحكم واحد سابق .. مما سبق يعني: معلومٌ من الحكم السابق.
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ..
دخل فيه اثنان واثنتان، فالعشرة حكمها واحد: من أحد عشر إلى تسعة عشر تذكَّر مع المذكر وتؤنَّث مع المؤنَّث، هنا أراد أن يبين -دفعاً لوهمٍ- أن يبين أنَّ قوله (وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ) أن الحكم لا يشمل اثنين واثنتين، لأنَّ قد يُقال بأن الحكم بالتخالف مطلقاً حتى في الاثنين والاثنتين، فتقول: عندي اثنتا عشر رجلاً بالتخالف، وعندي اثنا عشرة امرأة بالتخالف، نقول: لا، هذا الوهم يجب دفعه، حينئذٍ حكم اثني واثنتي حكم أحدى وإحدى فيذكَّر مع المذكَّر ويؤنَّث مع المؤنَّث، فتقول: عندي اثنا عشر رجلاً هذا للمذكَّر .. مثنى مذكر، وتقول: عندي اثنتا عشرة امرأة، حينئذٍ أُنِّثَ مع المؤنَّث، هذا مراده بالبيت.
إذاً: لماذا صرَّح مع كونه داخلاً فيما سبق؟ دفعاً لهذا الوهم الذي قد يرد، صرَّح به مع دخوله فيما سبق دفعاً لتوهم أنَّ اثنين في حال تركيبه مع العقد كثلاثٍ فما فوق، يخالف، فإذا كان المعدود رجلاً قلت: عندي اثنتا عشر رجلاً، لأنَّه قال:(وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ).
وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى
…
مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا
قد يُظن أن الحكم عام، دفعاً لتوهم أن اثنين في حال تركيبه مع العقد كثلاثٍ فما فوق في هذه الحالة يُجرَّد من التاء عند التأنيث وتلحقه عند التذكير، فقال:(وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ) أولها يعني: اجعلها تاليةً لها، اجعل (عَشْرَةَ) تاليةً وتابعةً لـ (اثْنَتَيْ) وعشراً أوله اثني .. اجعله تابعاً، متى؟ (إِذَا أُنْثَى تَشَا) فقل: اثنتا عشرة، (أَوْ ذَكَرَا) إن تشأ ذكراً، فقل: عندي اثنا عشر رجلاً.
إذاً: فتقول: جاءتني اثنتا عشرة امرأة واثنا عشر رجلاً، إذاً قوله:(عَشْرَةَ) مفعولٌ أول لـ (أَوْلِ) و (اثْنَتَيْ) مفعولٌ ثاني، (وَعَشْرَاً أُنْثَى)(عَشْرَاً) هذا معطوفٌ على (عَشْرَةَ) و (أُنْثَى) هذا معطوفٌ على (اثْنَتَيْ) حينئذٍ فيه ترتيب، لأنَّه قال:(إِذَا أُنْثَى تَشَا) هذا راجع إلى الأول.
وقوله: (أَوْ ذَكَرَا) هذا راجعٌ إلى الثاني، معطوفٌ على (أُنْثَى) وفيه ردُّ الأول للأول والثاني للثاني يعني:
أَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ إِذَا أُنْثَى تَشَا ..
الأول له، وعشراً اثني إذا تشا ذكرا، (تَشَا) هذا بدون همزة أصله: شاء .. تشاء، أين الهمزة؟ حُذِفت ضرورة، وجوَّز المكودي أن تكون محذوفة تخفيفاً لهمزة (أَوْ) .. (تَشَاءُ أَوْ) هذا فيه ثِقَل، حُذِفت من أجل التخفيف لا من أجل اللغة.
إذاً:
إِذَا أُنْثَى تَشَا أَوْ ذَكَرَا ..
(ذَكَرَا) الألف للإطلاق، لفٌّ ونشرٌ مرتَّب، وقوله:(تَشَا) مضارع شاء قصره للضَّرورة، وقال المكودي:" ويجوز أن يكون حذف الهمزة من (تَشَا) لاجتماعها مع همزة (أَوْ) ".
(وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) والياء في اثْنَيْ واثْنَتَيْ لِغَيْرِ الرَّفْعِ، ما هو غير الرفع؟ النصب والجر، إذاً: عندي اثني عشرة صحيح؟ هو يقول (وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) عندي اثني عشر رجلاً؟ لا يصح، مررت باثني عشر رجلاً .. رأيت اثني عشر رجلاً.
(وَارْفَعْ بِالأَلِفْ) عندي اثنا عشر رجلاً، إذاً: اثنا واثنتان هذا حكمهما سبق في الملحق بالمثنى، إذاً: بالرفع يكون ألف، وفي النصب والخفض يكون بالياء، وَالْيَا في اثنين واثنتين (لِغَيْرِ الرَّفْعِ) و (غَيْرِ الرَّفْعِ) هو النَّصب والجر، (وَارْفَعْ بِالأَلِفْ) نيابةً عن الضَّمَّة لأنَّه ملحقٌ بالمثنى، هذا الجزء الأول: اثنا عشر .. اثنتا عشرة .. اثني عشر .. اثنتي عشرة، الجزء الأول يكون معرباً.
وأمَّا الجزء الثاني وهو (عَشْرَا وعَشْرَةَ) فإنَّه مبنيٌّ على الفتح مطلقاً في حالة الرفع أو النصب أو الخفض، في الأحوال الثلاثة، وأمَّا ما عدا اثني واثنتي.
وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَيْ سِوَاهُمَا أُلِفْ ..
الجزء الثاني علمنا من السابق أنَّه مطلقاً مبنيٌّ على الفتح، وإنَّما اختصَّ الجزء الأول من باب اثني واثنتي لما سيأتي، وأمَّا ما عداهما وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر فهو مبنيٌّ على فتح الجزأين، إذاً: الأول يكون مبنياً بالفتح والثاني كذلك، فتقول: جاء أحد عشر رجلاً فـ (أحد عشر) هذا مركب عددي، نقول: في محل رفع فاعل، وأمَّا هو اللفظ فهو مبنيٌّ، والأول الصدر وهو أحد عليه فتح، (وعشر) هذا عليه فتح.
إذاً: مبنيٌّ بفتح الجزأين طلباً للتَّخفيف، ورأيت أحد عشر كوكباً، ومررت بأحد عشر رجلاً، إذاً: يلازم البناء على فتح الجزأين مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً، بخلاف اثني واثنتي إنَّما يتغير الأول بحسب العوامل المسلطة عليه.
(وَالْفَتْحُ) هذا مبتدأ و (أُلِفْ) خبره و (فِي جُزْأَيْ) متعلِّقٌ بالفتح، (الْفَتْحُ فِي جُزْأَي) لأنه مصدر (الْفَتْحُ): فَتَحَ يَفْتُح فَتْحَاً فهو مصدر وتعلَّق به قوله: (فِي جُزْأَيْ).
وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَي سِوَاهُمَا أُلِفْ ..
(فِي جُزْأَي) أصله: جزئيين حُذِفت النون للإضافة وهو مضاف و (سِوَا) مضافٌ إليه، و (سِوَا) مضافٌ والضمير مضاف إليه، ما هو الضمير؟ الهاء فقط، أمَّا الميم هذه حرف عماد، والألف للتثنية، (سِوَاهُمَا أُلِفْ)، أمَّا العجز ما علة بناءه؟ قيل: فعلة بناءه تضمنه معنى حرف العطف، والمراد هنا حرف العطف: الواو، إذ الأصل قبل التركيب: أعطيتك خمسةً وعشرةً، وحُذِفت الواو ورُكِّب العددان اختصاراً .. طلباً للاختصار: خمسةً وعشرةً، حُذِفت الواو وأُرِيد التركيب، اللفظ الثاني مع الأول طلباً للاختصار، ودفعاً لما يتبادر من العطف أن الإعطاء دفعتان: أعطيتك خمسةً وعشرةً هذا يحتمل أعطيتك يوم السبت خمسة ويوم الأحد عشرة، يحتمل أن الحكم هنا .. الإعطاء علة دفعتين، والأصل فيه أن المراد به: أنَّه مرةً واحدة .. دفعة واحدة. دفعاً لهذا الوهم مع طلب الاختصار ضُمِّن الثاني معنى الواو وحذفت.
وأمَّا الصدر الأول .. خمسةَ: فعلَّة بناءه وقوع العجز منه موقع تاء التأنيث في لزوم الفتح، ما قبل تاء التأنيث فاطمَة الميم مفتوحة، عائشَة الشين مفتوحة، قائمةٌ، مسلمةٌ .. ما قبل تاء التأنيث لازم الفتح، نُزِّل الصدر منَزَّلة ما قبل تاء التأنيث فلزمه الفتح، ولذلك أُعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة لوقوع العجز منها موقع النون، اثنان .. عشر، وقع (عشر) موقع النون، ولذلك ما قبل النون يكون معرباً، واثنتان .. اثنتا عشرة، (عشرة) وقعت موقع النون، وما قبل النون يكون معرباً، ولذلك أُعرب الصدر الأول.
ولذلك أُعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة لوقوع العجز منها موقع النون، وما قبل النون محل إعرابٍ لا محل بناء، ولوقوع العجز منهما موقع النون لم يضافا بخلاف غيرهما فيقال: أحدُ عشرِكَ كما سيأتي، ولا يقال: اثنا عشرك، استثنى مما يجوز إضافته من المركبات يُستثنى اثنا عشر، لأنَّه لا يضاف لأنَّ (عشر) هذا بمنزلة النون .. كأنه كلمة واحدة .. كأنَّه بقي على أصله: اثنان واثنتان، ونُزِّل عشر من اثنان منَزَّلة النون، ونُزِّل عشرة من اثنتان منزَّلة النون، وهذا علة إعرابها على الأصل.
إذاً يُقال: اثنا عشر رجلاً واثنتا عشرة امرأتان، والجزء الأول يكون معرباً إعراب المثنى والجزء الثاني يكون ملازماً للبناء على الفتح، وما عدا (اثنا واثنتا) يكون بفتح الجزئيين، ولذلك قال:
وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَيْ سِوَاهُمَا أُلِفْ ..
أي: سوى اثنتي عشرة واثني عشر.
قال الشارح: "وذكر هنا أنَّه يقال: (اثنا عشر) للمذكَّر بلا تاءٍ في الصدر والعجز" اثنان ليس فيه تاء، لكن مراده: أنَّه لا يأتي اثنتان. "بلا تاءٍ في الصدر والعجز نحو: عندي اثنا عشر رجلاً، ويقال: اثنتا عشرة امرأة للمؤنَّث بتاءٍ في الصدر والعجز، ونبَّه بقوله: (وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) على أن الأعداد المركَّبة كلها مبنية: صدرها وعجزها، وتبنى على الفتح" وعلة البناء في الثاني (عشر) لتضمنه حرف العطف الواو، والجزء الأول لِتَنَزُّلِه منزَّلة ما قبل تاء التأنيث، وحُرِّك مع كون الأصل البناء على السكون ليعلم أن له أصلاً في الإعراب، لأنَّ خمسةٌ .. عشرةٌ معربة في الأصل، وكانت الحركة الفتحة لخفة الفتحة .. طلباً للخفة.
إذاً: ثلاثة أسئلة لِمَ بُني؟ نقول: يذكروا العلتين في الجزئيين.
لِمَ حُرِّك وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا؟ لأنَّ له أصلاً في الإعراب.
لِمَ كانت الحركة فتحة دون ضمة أو كسرة؟ طلباً للخفة.
وتبنى على الفتح نحو: أحد عشر بفتح الجزأين، وثلاث عشرة بفتح الجزئيين، وأجاز الكوفيون إضافة صدر المركب إلى عجزه فيقولون: هذه خمسة عشرٍ فيكون الصدر على حسب العوامل والعجز مجرورٌ دائماً واستحسنوا ذلك إذا أُضيف نحو: خمسة عشرك، قالوا: هذا معرب الأول: جاء خمسة عشرك .. رأيت خمسة عشرك .. مررت بخمسة عشرك، استحسنوه إذا الثاني (عشر) كان مضافاً إلى الكاف أو: خمسة عشر زيدٍ مثلاً.
إذاً: أجاز الكوفيون إضافة صدر المركَّب إلى عجزه فيقال: هذه خمسة عشرٍ فيكون الصدر على حسب العوامل يعني: معرب لا مبني، إذاً: بناء أحد عشر ليس متفقاً عليه، هذه الخلاصة.
ويستثنى من ذلك اثنا عشر واثنتا عشرة فإن صدرهما يُعرب بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجرَّاً كما يُعرب المثنى، وأمَّا عجزها فيُبني على الفتح فتقول: جاء اثنا عشر رجلاً ورأيت اثني عشر رجلاً، وفُهِم من كلام النَّاظم .. شرح الشَّارح: أنَّه لا يجوز تركيب النَّيِّف مع العشرين، لأنَّه خصَّ الحكم بأحد عشر واثنتي عشر إلى تسعة عشر، بقي واحدٌ وعشرون واثنان وعشرون .. واحدٌ وثلاثون .. واحدٌ وخمسون .. واحدٌ وتسعون .. تسعٌ وتسعون هذه باقية، حينئذٍ نقول: هل يجوز إضافتها؟ تخصيص الحكم بجواز الإضافة بما عدا هذا المذكور .. النَّيِّف مع العقد، نقول: هذا يدلُّ على أنَّه لا تجوز إضافته.
فُهِم من كلامه أنَّه لا يجوز تركيب النَّيِّف، النَّيِّف المراد به: من واحد إلى تسعة، مع العشرين وبابه، ما هو العشرون وبابه؟ الثلاثون والأربعون إلى التسعين، والعشرون يراد به ما بعده (نَّيِّف وعشرون) (نَّيِّف) المراد به: من واحد إلى تسع .. يعني: واحدٌ وعشرون اثنان وعشرون إلى آخره.
إذاً: لا يجوز تركيب النَّيِّف مع العشرين وبابه بل يتعين العطف، فتقول: خمسةٌ وعشرون إذاً: هو معرب لا مبني: عندي خمسةٌ وعشرون ريالاً .. رأيت خمسةً وعشرين طالباً .. مررت بخمسةٍ وعشرين طالباً، فتقول: خمسةٌ وعشرون ولا يجوز خمسةُ عشرين هذا ممتنع، ولعله للإلباس في نحو: رأيت خمسة عشريناً فإنه يحتمل خمسةً لعشرين رجلاً، على كلٍّ: لم يُسمع.
وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا
…
بِوَاحِدٍ كَأَرْبَعِينَ حِينَا
تمييزه يكون جمعاً أو مفرداً؟ مفرداً، حكمه النصب أو الخفض أو الرفع؟ انظر في المثال! النصب، إذاً (كَأَرْبَعِينَ حِينَا)(وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا) من العشرين وبابه .. باب التسعين مَيِّزه (بِوَاحِدٍ)، ثُمَّ قال:(كَأَرْبَعِينَ حِينَاً)(حِينَاً) هذا معرفة أو نكرة؟ نكرة، إذاً:(بِوَاحِدٍ)، مُنَكَّرٍ، (حِينَاً) منصوب أو مرفوع؟ منصوب إذاً: تأخذ القيدين من المثال، (بِوَاحِدٍ) ليس كل واحد وإنَّما يكون بواحدٍ مُنَكَّرٍ منصوبٍ ((وَاحِدٍ) نصَّ عليه، بقي قيدان .. شرطان:
كونه نكرة وذكر المثال (حِينَاً) نكرة، وبالنصب لا بالخفض ولا بالرفع، إذاً: تمييز العشرين وبابه (لِلتِّسْعِينَا) اللام هنا للغاية فهي بمعنى (إلى) وما بعده فهو داخلٌ فيما سبق، إذاً التسعون وما بعده إلى تسعٍ وتسعين فهو داخلٌ في الحكم، تمييزه يكون مفرد واحد منكَّر منصوب، (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ)(مَيِّزِ) ما إعرابه؟ فعل أمر، مبني أو معرب؟ (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ)(مَيِّزِ) جرَّه بالكسرة كيف تقول مبني؟ لالتقاء الساكنين، و (الْعِشْرِينَ) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء.
وبابه هذا تقدير معنى، (لِلتِّسْعِينَا) جار مجرور متعلِّق بقوله:(مَيِّزِ)، (مَيِّزِ) العشرين إلى التسعين، (بِوَاحِدٍ) كذلك متعلِّق بقوله:(مَيِّزِ)، (الْعِشْرِينَ) هذا معمول (مَيِّزِ)، (لِلتِّسْعِين) متعلِّق بـ (مَيِّزِ)، (بِوَاحِدٍ) متعلق بـ (مَيِّزِ) المتعلقات ولو كثرت .. لو جاءت مائة قد تتعلق بفعل واحد.
(وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا) يعني: إلى التسعين (بِوَاحِدٍ) منكَّرٍ منصوبٍ، وإنَّما كان مفرداً نكرة، لأنَّه ذُكِر لبيان حقيقة المعدود، لأنَّنا نقول: عندي عشرون، قلنا (عشرون) هذا مُبهم .. مُجمل، حينئذٍ إذا كان كشف هذا المبهم يحصل بالنكرة وهو الأصل في الاسم حينئذٍ لا يُعدل عنه إلى المعرفة، فالعلة هنا هي العلة في باب الحال والتَّمييز، قلنا: باب الحال والتَّمييز لا يكون الحال ولا التَّمييز نكرتين، لأنَّ كشف الذات أو الهيئة قد حصل بالنكرة إذاً: لا نعدل إلى المعرفة، لأنَّ المعرفة نكرةٌ وزيادة، وقد حصلت بالنكرة، إذاً: الزيادة تعتبر حشواًَ.
إذاً: إنَّما كان مفرداً نكرة، لأنَّه ذُكِر لبيان حقيقة المعدود، وهو يحصل بالمفرد النكرة التي هي الأصل، ومنصوباً لتعذُّر الإضافة مع النون التي في صورة نون الجمع، لأنَّ هذه الألفاظ: عشرون وبابه إلى التسعين ملحقةٌ بجمع المذكَّر السالم .. إعرابه إعراب جمع المذكر السالم، النون هذه مشابهة للنون في جمع المذكر السالم، وهذه إذا أضيف الاسم سواءٌ كان الملحق أو الأصل حينئذٍ يتعين حذفها عند الإضافة وهنا يمتنع حذفها، فكيف يضاف؟ نقول: هذا يمتنع أن يكون مضافاً، لأنَّ النون هذه ستبقى وإذا بقيت حينئذٍ لا يمكن أن توجد الإضافة.
إذاً:
وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا
…
بِوَاحِدٍ. . . . . . . . . . .
بِوَاحِدٍ مفهومه أنَّه لا يكون جمعاً، وأجاز الفراء جمع تمييز باب عشرين إذاً: المسألة ليست متَّفقاً عليها وإنَّما هي قول الجماهير: أن يكون واحداً مفرداً لا جمعاً. وأجاز النَّاظم -ابن مالك- في (شرح التسهيل) عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً، عندي عشرون درهماً هذا الأصل، عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً، ميَّز الأول بالجمع وميَّز الثاني بالمفرد، متى؟ عند قصد أن يكون لكل واحدٍ منهم عشرين.
لو قال: عندي عشرون درهماً لعشرين رجلاً كل رجل لهم درهم واحد، لكن لو قال: عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً كل رجل له عشرون درهماً، إذا كان هذا القصد قال ابن مالك:" يجوز أن يكون الأول مجموعاً والثاني مفرداً " إذاً ليس مطلقاً كما هو قول الفراء.
وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا
…
بِوَاحِدٍ. . . . . . . . . . .
مُنَكَّرٍ منصوبٍ (كَأَرْبَعِينَ حِينَاً) فُهِم من المثال أنَّه لا يكون إلا منصوباً: وخمسين شهراً، ويتقدَّم النَّيِّف بحالتيه أي: بثبوت التاء في التذكير وسقوطها في التأنيث يعني: إذا قلت: (بِوَاحِدٍ) هذا قد يكون مُذَكَّراً وقد يكون مُؤَنَّثاً، العشرون إلى التسعين هذه ملازمة للتذكير ولا تؤنَّث: عشرون امرأة .. عشرون رجلاً .. تسعون نعجة .. تسعون رجلاً إلى آخره، تبقى كما هي، فهي ملازمة للتذكير.
وإنَّما يُنظر في النَّيِّف الذي قبله: واحدٌ وعشرون .. اثنان وعشرون .. ثلاثةٌ وعشرون، حينئذٍ الواحد والاثنان يوافقان .. يطابقان المعدود: عندي واحدٌ وعشرون رجلاً .. عندي اثنا وعشرون امرأة، لا يصح، هل نقول: اثنتا وعشرين أو اثنتان؟ اثنتان، لماذا؟ لا إضافة، والدليل: الواو فاصل، لا يمكن أن يضاف إلى ما بعده، فتقول: عندي اثنتان وعشرون امرأةً .. امرأةً اثنتان طابق، عندي ثلاثةٌ وعشرون امرأة، ليس صحيح، ثلاثٌ وعشرون امرأة، صحيح.
إذاً: ثلاثةٌ وعشرون امرأة غلط، (العشرون) يبقى كحاله لا يُذكَّر ولا يؤنَّث، وإنَّما الواحد والاثنان يطابقان، والثلاثة إلى التسعة على الأصل يعني: قبل التركيب، يُذَكَّر مع المؤنَّث ويؤنَّث مع المذكَّر، فتقول: عندي ثلاثٌ وعشرون امرأة، وعندي ثلاثةٌ وعشرون رجلاً، (رجلًا) ثلاثةٌ، ثلاثٌ (امرأةً) على الأصل.
إذاً: يُقَدَّم النَّيِّف بحالتيه، أي: بثبوت التاء في التذكير وسقوطها في التأنيث، ثُمَّ يُذكر العقد (العشرون إلى التسعين) معطوفٌ على النَّيِّف، فيقال في المذكر: ثلاثةٌ وعشرون رجلاً، وفي المؤنَّث: تسعٌ وتسعون نعجةً، إذاً: هو مفرد منصوب نكرة، حينئذٍ جئت بالأول مخالفاً له: عندي تسعٌ وتسعون نعجةً.
قال الشَّارح: "قد سبق أنَّ العدد مضافٌ ومركَّب، وذكر هنا العدد المفرد" مضاف ثلاثةٌ إلى التسعة، ومركَّب أحد عشر إلى تسعة عشر.
"وذكر هنا العدد المفرد وهو: من عشرين إلى تسعين، ويكون بلفظٍ واحدٍ للمذكَّر والمؤنَّث" يعني: إذا لم تستعمل النَّيِّف، فتقول: عندي عشرون رجلاً .. ثلاثون كتاباً .. ثلاثون امرأةً مثلًا، فحينئذٍ نقول: العدد يبقى كما هو لا يُذكَّر ولا يؤنَّث.
ويكون بلفظٍ واحدٍ للمذكَّر والمؤنَّث، ولا يكون مُميِّزه إلا مفرداً منصوباً نحو: عشرون رجلاً وعشرون امرأةً، وَيُذْكَر قبله النَّيِّف ويُعطف هو عليه، فيقال: أحدٌ وعشرون رجلاً، وإحدى وعشرون امرأةً، هنا طابق، واثنان وعشرون رجلاً، واثنتان وعشرون امرأةً، وثلاثةٌ وعشرون بالتاء في ثلاثة، وكذا ما بعد الثلاثة إلى التسعة للمذكَّر، ويُقال للمؤنَّث: إحدى وعشرون، واثنتان وعشرون، وثلاثٌ وعشرون، بلا تاءٍ في ثلاثٍ، وكذا ما بعد الثلاث إلى التسع.
تلخص من هذا وما قبله: أنَّ أسماء العدد على أربعة أقسام:
- مضافة: من الثلاثة إلى التسعة.
- ومركَّبة: أحد عشر إلى تسعة عشر.
- ومفردة: وهو عشرون وثلاثون إذا لم تستخدم العطف.
- ومعطوفة: إذا جئت بالنَّيِّف وما بعده، على أربعة أقسام.
وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا
…
مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا
المركب ما المقصود به؟ قال: (وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً)(مُرَكَّباً) يعني: أحد عشر إلى تسعة عشر، مَيَّزوه بما (مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ)، والذي (مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ): واحد لا جمع .. مُنَكَّر لا معرفة .. منصوبٌ لا مخفوض ولا مرفوع.
إذاً: ((أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] أحد عشر رجلاً (رجلاً) تأتي به مفرد ومنصوب وهو نكرة، (وَمَيَّزُوا) أي: العرب (مُرَكَّباً) مفعولٌ به، لأنَّه الذي وقع عليه التمييز، (مَيَّزُوا مُرَكَّباً) شَمل أحد عشر وتسعة عشر وما بينهما، فإذا أُطلق المركَّب في العدد انصرف إلى هذا النوع، ولذلك سبق أنَّ الأقسام رباعية:
مركَّبة: يُطلق على الأحد عشر إلى التسعة عشر.
(بِمِثْلِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (مَيَّزُوا)، (مَيَّزُوا بِمِثْلِ)، (مَا) (مِثْلِ) مضاف و (مَا) موصولة واقعة على التمييز: بمثل تمييزٍ مُيِّزَ به عشرون .. (بِمِثْلِ مَا) بمثل تَمييزٍ، (مُيِّزَ) عشرون به، (مُيِّزَ) مُغيَّر الصيغة، و (عِشْرُونَ) نائب فاعل، والجملة صِلة الموصول، وهنا ليس فيه عائد على (مَا) الموصولة فلا بُدَّ من التقدير، (مَا مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ) (بِه) يعني: بالتمييز، لأنَّنا قلنا:(مَا) هذه تصدق على تمييزٍ (بِمِثْلِ) بتمييزٍ مُيِّز عشرون به.
(عِشْرُونَ) وبابه، أي: بمفردٍ مُنَكَّرٍ منصوب، وإنَّما كان مُفرداً منكَّراً لِمَا مرَّ، لأنَّه حصل التمييز وحصل الكشف والإبهام بالمفرد فلا يُعدل عنه إلى الجمع، وبالمنكَّر فلا يُعدل عنه إلى المعرفة، ومنصوباً لامتناع جعل ثلاثة أشياء كالشيء الواحد، لأنَّ العرب لا تضيف بين ثلاثة أشياء .. ثلاث كلمات لا تُركِّب، هذا الأصل، وسيأتي أنَّهم ينتقدون هذه القاعدة، لأنَّهم سيركِّبون أربعة ألفاظ: أحد عشر .. ثلاثة عشراً.
كالشيء الواحد لو قيل: خمسة عشر عبدٍ، وسبق أنَّ الكوفيين جوَّزوا: خمسةُ عشرك، إذاً:
مَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا
…
مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا
فَسَوِّيَنْهُمَا يعني: المركَّب والعشرين وبابه، (سَوِّيَنْهُمَا) سَوِّي بينهُمَا في الحكم، فالتمييز حينئذٍ يكون واحداً لا جمعاً، مُنَكَّراً لا معرفةً، منصوباً لا مخفوضاً ولا مجروراً.
وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا
…
مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا
نحو: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] واثنتي عشرة عيناً، وأمَّا:((قَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا)) [الأعراف:160](أَسْبَاطًا) هذا جمع، وكيف جاء تمييز؟ (أَسْبَاطًا) الصواب: أنَّه ليس تمييزاً لئلا تنتقد القاعدة، وإنَّما هو بدل من اثنتي عشر، والتمييز محذوف، أي: اثنتي عشرة فرقةً، و (أَسْبَاطًا) هذا بدل من: اثنتي عشرة.
ولو كان (أَسْبَاطًا) تمييزاً لذَكَّر العددين، لأنَّ (أَسْبَاط) جمع (سِبْط) وهو قال: اثنتي عشرة (عشرة) قلنا: مُطابِقة، لو كانت (أَسْبَاطًا) تمييز .. نطبِّق القاعدة: اثنتي عشرة، نقول: اثني عشر مثل: (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) لأنَّ (اثني) يكون مع المُذكَّر، (أَسْبَاط) .. سِبْط، فالسبط مذكَّر، إذاً يقول: اثني ولا يقول: اثنتي.
كذلك العشرة إذا رُكِّبت مُطابقة للتمييز، وإذا كان (سِبْط) هو التمييز لقال: عشر بترك التاء، لكنَّه قال:(اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا) إذاً: فرقةً، هنا وافقت، (فرقة) مؤنَّث، ولو كان (أَسْبَاطاً) تمييزاً لذُكِّر العددان بِحذف التاء منهما، وأُفرد التمييز لأنَّ السبط مذكَّر.
قال الشَّارح: "أي تمييز العدد المركَّب كتمييز عشرين وأخواته فيكون مفرداً منصوباً نحو: أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة".
وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ
…
يَبْقَ الْبِنَا وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ
وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ ..
استثنى منه: اثنا عشر، واثنتا عشرة، هذا لا يُضاف إلى ما بعده، لأنَّ (عشر) هذا مُنَزَّلةٌ مُنَزَّلة النون فلا يضاف إلى ما بعده، (وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ)(عَدَدٌ) نائب فاعل لِـ أُضِيفَ، أي: غير اثني عشر واثنتي عشرة، لأنَّهما لا يُضافان، ويستغني العدد المركَّب إذا أُضيف عن التمييز.
(يَبْقَ الْبِنَا) في الجزئيين، إذا (أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ) العدد المركَّب قد يضاف، وهناك العِلَّة التي ذكروها فيها نظر.
(يَبْقَ الْبِنَا) في الجزئيين على حاله، نحو: أحدَ عَشْرَك، (يَبْقَ الْبِنَا) على أصله، بفتح الجزئيين هذا هو الأكثر، لأنَّ (الْبِنَاء) يبقى مع الألف واللام بالإجماع فكذا مع الإضافة، إذا أضيف العدد المركَّب حينئذٍ قال هنا:(يَبْقَ الْبِنَا) وهذا مذهب البصريين: أنَّه يَجب بقاء البناء، ولا يجوز أن يُعرب، فتقول: هذه خمسةَ عَشْرَك، أضفت (خمسة عشر) إلى الكاف فقلت: هذه خمسةَ عَشْرَك، يعني: أعطيته مال، حينئذٍ نقول: خمسة عشر، هذه أُضيفت إلى الكاف، فصارت مضاف والكاف مضافاً إليه، ومررت بِخمسة عَشْرَك، بفتح آخر الجزئيين.
(وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ)(عَجُزٌ) الذي هو الثاني (قَدْ يُعْرَبُ) لكنَّها لغةٌ رديئة، (قَدْ) هنا للتَّقليل، وفُهِم منه أنَّها لغةٌ قليلة، وقال في (التوضيح):" وهي لغةٌ رديئة " يعني: لا يُلتفت إليها.
قوله: (وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ) أشار به إلى الحالة الثانية: وهو أن يُعرب عجزه مع بقاء التركيب كـ: (بَعْلَبَكَّ)، حكاه سيبويه عن بعض العرب، نحو: أحد عَشْرِك، أضفت الأول إلى الثاني، كأنَّك أعربته .. بل عربته فقلت: أحد عَشْرِك، أبقيت الجزء الأول على بناءه، ثُمَّ أضفته إلى الثاني فأعربت الثاني الذي هو العجز، فقلت: هذا أحَدَ عَشْرِك.
مع أَحَدَ عَشْرِ زيدٍ، لا تقل: مع أحَدِ، لا، يبقى الأول مبني: مع أَحَدَ عَشْرِ زيدٍ، أضفته إلى العَلَم.
واستحسنه الأخفش، يعني: الوجه الثاني وهو: أن يُعرب العَجُز، ويبقى الصدر على البناء، واستحسنه الأخفش واختاره ابن عصفور وزعم أنَّه الأفصح، ومنع في (التسهيل) القياس عليه، ابن مالك في (التسهيل) منع أن يُقاس عليه، إذاً: لم يَجعله مستحسناً.
وقال ابن مالك: "لا وجه لاستحسانه لأنَّ المبني قد يُضاف نحو: كم رجلٍ عندك" إذاً: يضاف ويبقى على إضافته، وكذلك: خمسة عَشْرَك، الأصل: أنَّه يضاف ويبقى على إضافته ولا نحتاج إلى إعرابه، كم رجلٍ عندك .. ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) [هود:1] نقول: هذا أُضيف وهو مبني وبقي على بناءه.
وأجاز الكوفيون وجهاً ثالثاً: وهو أن يُضاف الأول إلى الثاني كما في: عبد الله، نحو: ما فعلت خمسةُ عَشْرِك؟ يعني: أعْرَبُوه على الأصل في: عبد الله، ما فعلت خمسة عَشْرِك .. رأيت خمسة عَشْرِك، كأنَّك تقول: جاء عبدُ الله، ورأيت عبد الله، ومررت بعبد الله، فتعربه إعراب المتضايفين: هذه خمسةُ عَشْرِك، إذاً ليس مبنياً.
إذاً: يُضاف المركَّب من أحد عشر إلى تسعة عشر وفيه ثلاثة مذاهب:
- مذهب البصريين: وجوب بقاء الجزئيين على البناء ولو مع الإضافة.
- وجهٌ آخر حكاه سيبويه: وهو بقاء الأول على البناء والثاني يُعرب، وإذا أُعرب حينئذٍ يكون ملازماً للخفض، لأنَّه ملازم لكونه مضافاً إليه وهو مجرور وَالثَّانِيَ اجْرُرْ هذا الأصل فيه.
- وأجاز الكوفيون أن يُعرب مُطلقاً الجزءان، وحينئذٍ يُعرب إعراب المتضايفين: جاء عبدُ الله .. هذه خمسةُ عَشْرِك، (خمسةُ) هذه خبر مرفوع ورفعه ضمة ظاهر على آخره، ليس مبنياً، مُعرب وهو مضاف و (عشر) مضاف إليه، و (عشر) مضاف، (والكاف) مضافٌ إليه، مثل ما تقول: عبد الله.
وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ
…
يَبْقَ الْبِنَا. . . . . . . . . .
(يَبْقَ الْبِنَا) ما إعراب (يَبْقَ)؟ جواب الشَّرط مجزوم بِحذف الألف .. حرف العِلَّة، (يَبْقَ الْبِنَا) فاعل قَصَره هنا للضَّرورة .. مرفوع، (وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ)(عَجُزٌ) مبتدأ، و (قَدْ) هنا حرف تقليل، فُهِم أنَّها لغة قليلة، (يُعْرَبُ) هو .. الجملة خبر.
وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ ..
قلنا: يستثنى منه اثنا عشر، واثنتا عشرة، هذا الأصل فيه، وأمَّا: ثمان عشرة، إذا رُكِّب ففيه أربع لغات .. (ثمان) نفسها فيه أربع لغات، يعني في الياء: فتح الياء، وسكونها، وحذفها مع كسر النون، وفتحها.
فتح الياء: ثَمَانيَ عشرة، سكونها: ثمانيْ عشرة، وحذفها مع كسر النون: ثمانِ عشرة، وفتحها: ثمانَ عشرة، إذاً: فتح الياء مع بقاءها وسكونها، تبقى الياء فَتُفْتَح وتسكن هذه لغتان، تُحذف الياء فتبقى النون مكسورة أو مفتوحة، وقد تُحذف ياؤها أيضاً في الإفراد، كلامه الأربع لغات في التركيب، وفي الإفراد كذلك قد تُحذف الياء ويُجعل إعرابها على النون، ومنه قول الشاعر:
لَهَا ثَنَايَا أَرْبَعٌ حِسَانُ
…
وَأَرْبَعٌ فَثغْرُهَا ثَمَانُ
إذاً: حذف الياء وجعل الإعراب على النون، هذه لغةٌ قليلة في (ثمانِ) إذا أُفردت، وأمَّا إذا رُكِّبت ففيها أربع لغات.
قال في (شرح الكافيَّة): " لبضعةٍ وبضعٍ حُكم تسعةٍ وتسعٍ " يأتي اللفظ: بضعة وبضع، ما المراد بالبضع؟ (بضعة) من ثلاثةٍ إلى تسعة: بضعةٌ وعشرون، هذا مُجمل: يحتمل أنَّه واحد وعشرون .. يحتمل أنه تسع وعشرون إلى آخره، يحتمل من الثلاثة إلى التسعة، وبضعٌ: من الثلاثِ إلى تسعٍ.
إذاً: لبضعةٍ وبضعٍ حكم تسعةٍ وتسعٍ، من حيث ماذا؟ في الإفراد والتَّركيب، وعطف عشرين وأخواته عليه، تقول: بضع نسوةٍ أو بضعة نسوةٍ؟ مثل الثلاثة والعشرة، تقول: بضع نسوةٍ .. بضعة رجالٍ .. بضعة صبيانٍ تبقيه على التذكير والتأنيث باعتبار الثلاثة والتسعة.
نحو: لبثت بضعة أعوامٍ، (عام) مُذكَّر، (بضعة) بالتأنيث: وبضع سنين، بدون تاء (سنين) جمع سنة، حينئذٍ يُذكَّر له العدد: وعندي بضعة عشر غلاماً، بعد التركيب تُعامِله مُعاملة ثلاثة عشر، وبضع عشرة أمة (بضع) بدون تاء، وبضعة وعشرون كتاباً، (بضعةٌ) بالتأنيث، لأنَّ (كتاباً) المُميِّز مذكَّر، وبضعٌ وعشرون صحيفة.
إذاً: لبضعة وبضعٍ حكم التِّسعة والتسعٍ، في الإفراد يُذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر فيضاف قبل التركيب، ثُمَّ إذا رُكِّب فالحال نفسه، وكذلك يُعامل مُعاملة المعطوف والمعطوف عليه مع ثلاثٍ وعشرين.
قال الشَّارح: " يجوز في الأعداد المركبة إضافتها إلى غير مُميِّزها ما عدا اثني عشر".
إذاً:
وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ ..
يُشترط ألا يُضاف إلى تمييزه، بل يُضاف إلى غيره.
ما عدا اثني عشر فإنَّه لا يضاف، فلا يُقال: اثنا عَشْرِك، وإذا أُضيف العدد المُركَّب فمذهب البصريين أنَّه يجب بقاء الجزئيين على بنائهما، فتقول: هذه خمسة عَشْرَك، ومررت بخمسة عَشْرَك، بفتح آخر الجزئيين، وقد يُعرب العَجُز مع بقاء الصَّدْر على بنائه، هذا أجازه سيبويه، فتقول: هذه خمسة عَشْرِك، ورأيت خمسة عَشْرِك، ومررت بخمسة عَشْرِك، وقلنا: أجاز الكوفيون إعرابه إعراب عبد الله فيكون مُعرباً، والأول يُعامل على حسب ما تقتضيه العوامل ويكون مضافاً إلى ما بعده ويكون ملازماً للخفض بالكسر.
وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ إِلَى
…
عَشَرَةٍ كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلَا
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى
…
ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا
هذا شروعٌ منه في الإتيان بأسماء العدد على صيغة فاعل، نقول: ثالث ورابع وخامس وعاشر إلى آخره.
وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ ..
(صُغْ) يعني: اشتق وخذ، (مِنِ اثْنَيْنِ) من لفظ اثنين، فُهِم منه أنَّه عَلَّق الحكم على الاثنين (فَمَا فَوْقُ) فالواحد لا يُقال بأنَّه مشتقٌّ من الوحدة، لأنَّه مأخوذٌ على زنة فاعل بل هو مسموعٌ هكذا وضع .. وضع وضعاً أولياً على زنة فاعل، وأمَّا ما أراده النَّاظم إنَّما يبدأ من اثنين.
(وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ) الفاء عاطفة هذه، إذاً قوله:(مِنِ اثْنَيْنِ) فُهِم منه أنَّ اسم الفاعل المذكور لا يُصاغ من أحدٍ، (فَمَا فَوْقُ) الفاء عاطفة .. حرف عطف، و (مَا) هذه معطوفة وهي موصولة واقعةٌ على العدد الفائق اثنين، (فَمَا فَوْقُ) فعددٌ فوق اثنين.
(فَمَا فَوْقُ) هنا حذف المضاف إليه ونوي معناه، يعني: فما فوقه، وبعضهم قَدَّره (فما فوقها) الظاهر: بالتذكير، فما فوقه يعني: فوق الاثنين، فوق الاثنين هل له غاية أم لا؟ قال: نعم، (إِلَى عَشَرَةٍ) وصفاً صُغ من اثنين فما فوقه من الأعداد إلى العشرة، (إِلَى) هذا بيانٌ للغاية، وقوله:(إِلَى عَشَرَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (صُغْ)، صغ ماذا؟ قال:(كَفَاعِلٍ)(فَاعِلٍ) هذا صفةٌ لموصوفٍ محذوف هو مفعولٌ لـ (صُغْ).
صُغ وصفاً كفاعلٍ، هذا تحليلٌ من جهة المعنى: وصفاً كفاعلٍ، أمَّا من حيث الإعراب فتقول:(كَفَاعِلٍ) هذا مفعول بـ (صُغْ) على حذف الموصوف عند التقدير، أي: صُغْ وزناً كفاعلٍ، أو صُغْ صِفةً كوزن فاعلٍ، إذاً لا بُدَّ من التقدير.
(كَفَاعِلٍ) أي: على وزن فاعلٍ، (مِنْ فَعَلَا) كذلك على حذفٍ وهو نعتٌ لـ:(فَاعِلٍ)، إذاً:(كَفَاعِلٍ) هذا صفةٌ لموصوفٍ محذوف وصفته كذلك محذوف، إذاً: هو في المنتصف، حُذِف موصوفه وحُذِفت صفته كذلك: صغ وزناً كفاعلٍ المصوغ من فَعَل، (كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلَا) لا يأتي الكلام هكذا وإنَّما يقال: كفاعلٍ المصوغ من فَعَل، إذاً: حُذِف صفته كما أنَّه محذوف الموصوف.
(كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلَا) يعني: كضرب، نحو: ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ وخامسٍ وسادسٍ وسابعٍ وثامنٍ وتاسعٍ وعاشرٍ، لأنَّ ما بعد (إِلَى) داخل إلى (عَشَرَةٍ) فهو داخل، إذاً: تصوغ من اثنين فتقول: ثانٍ، وتصُوغ من ثلاثةٍ فتقول: ثالث ورابع وهكذا.
وثالثٍ إلى عاشر، وأمَّا واحد فليس بوصفٍ بل هو اسم وُضِع على ذلك من أول الأمر، ومثله: واحد، ولذلك قال النَّاظم:(مِنِ اثْنَيْنِ) احترازاً من واحدٍ.
التنصيص على قوله: (مِنْ فَعَلَا) يعني: المصُوغ (مِنْ فَعَلَا)، فائدته: بيان أن هذا، أي: في الجملة وصفٌ لا اسمٌ جامد، قوله:(مِنْ فَعَلَا) أشار إليه بأن ثانٍ إلى عاشر وصفٌ في المعنى وليس باسمٍ جامد، إذاً: يدل على ذاتٍ أو على شيءٍ مُتَّصفٍ بما دلَّ عليه الحدث، إذاً: هو مُشبهٌ (فَعَلَا) من هذا الوجه، فليس باسمٍ جامد وإنَّما يدلُّ على ما دلَّ عليه (فَعَلَا) فهو وصفٌ من حيث المعنى.
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا ..
يعني: يبقى على تذكيره بدون تاء، لأنَّه في الأصل: مذكَّر فاعل، إذا أردت به المؤنَّث زد عليه التاء فتقول: ثالثةٌ رابعةٌ خامسةٌ عاشرةٌ، وإذا لم تُرِد به مؤنَّث أبقه على أصله، ولا نقول جرِّده من التَّاء، لأنَّ أصله مذكَّر .. الأصل: التذكير.
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا ..
(وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ) هذا حال من الهاء .. (وَاخْتِمْهُ) مفعول به، (بِالتِّا) هذا مُتعلِّق بقوله (اخْتِمْهُ) حذف الهمزة للضرورة.
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى
…
ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا
هذا في الأصل لا نحتاجه، بل يبقى على أصله، فإن أردت به المؤنَّث اختمه بالتاء، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ يبقى على أصله، تقول: عندي طالبٌ ثانٍ .. هذا طالبٌ عاشرٌ.
(وَمَتَى) هذا اسم شرطٍ، (ذَكَّرْتَ) اسم الفاعل، (فَاذْكُرْ فَاعِلاً) (فَاذْكُرْ) هذا الوزن: فَاعِلاً ثانياً ثالثاً رابعاً عاشراً، (بِغَيْرِ تَا) هذا صفة لـ (فَاعِلاً)، (اذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَاءٍ) حذف الهمزة للضرورة فهو صفةٌ لـ (فَاعِل).
إذاً: مقصوده بهذين البيتين: أنَّ أسماء العدد من اثنين إلى عشرة كما نصَّ النَّاظم عليها يُصاغ منها وزن فاعل كما يُصاغ من الأفعال، كما تقول: ضارب وضاربة تقول: ثانٍ وثانية، فإنْ كان مُذكَّراً اكتفي به، وإنْ كان مؤنَّثاً لحقته تاء التأنيث الفارقة بين المذكَّر والمؤنَّث، حينئذٍ تقول في التأنيث: ثانيةٌ إلى عاشرة، وفي التذكير: ثانٍ إلى عاشرٍ كما تفعل باسم الفاعل، نَحو: ضارب وضاربة، وقائم وقائمة.
وإنَّما نبَّه على هذا مع وضوحه لئلا يُتوهَّم أنَّه يُسلك به سبيل العدد الذي صيغ منه في إثبات التاء مع التذكير وحذفها مع التأنيث، يعني: لماذا نَصَّ عليه؟ قال: قد يتَوهَّم مُتوهم أنَّه يُقال: عندي طالبةٌ ثالث مُخالفة، أو عندي طالبٌ ثالثةٌ يأتي بالمخالفة، مثل الثلاثة، قال: دفعاً لهذا الوَهَم نصَّ عليه النَّاظم، وهذا اعتذار طيِّب.
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى
…
ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا
يعني: متى ما كان المعدود مُذكَّراً فَأَتِ به على زِنة فاعل بدون تاء، و (مَتَى) قلنا: هذا اسم شرط .. ظرف زمان مُتعلِّق بقوله: (ذَكَّرْتَ) الذي هو فعل الشَّرط كما سبق، يكون النَّاصب له ظرف زمان أو مكان مُتعلِّق بفعل الشرط، هذا الصَّحيح.
قال الشَّارح هنا: " يُصاغ من اثنين إلى عشرة اسمٌ موازنٍ لفاعل كما يُصاغ من فَعَلَ نحو: ضارب من ضرب، فيقال: ثانٍ وثالثٌ ورابعٌ إلى عاشر، بلا تاءٍ في التذكير وبتاءٍ في التأنيث" إذاً: هذا النوع الأول: أن يُصاغ منه على وزن فاعلٍ فيبقى مفرداً.
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا
هذا النوع الثاني لاستعمال فاعل إذا اشْتُقَّ من ثلاثة وأربعة على زنة فاعل، إمَّا أن يُستعمل مُفرداً وهو الذي سبق بيانه في البيت السابق، وإمَّا أن يُستعمل غير مُفرد، حينئذٍ له حالان ذكرهما في هذين البيتين:
أشار في الحالة الأولى: إلى أنَّه يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه: ثاني، هذا اشتقَّ من اثنين ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40]، ثالث اشْتُقَّ من ثلاثة تقول: ثالث ثلاثة .. رابع أربعةٍ .. خامس خمسةٍ، هذا استعمالٌ: أنْ يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه.
والاستعمال الثاني: أنْ يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه: (ثالث) اشْتُقَّ من ثلاثة، ثالث اثنين، اشْتُقَّ مع ما قبله .. استعمل مع ما قبل الذي اشْتُقَّ منه، تضيفه إلى ما دونه، أشار إلى الأول بقوله:
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيْهِ. . . . . . . . . . . . .
بيَّن الحكم مباشرة، (وَإِنْ تُرِدْ) هذا شرطٌ، (تُرِدْ) بماذا؟ بالوصف السَّابق الذي جئت به على وزن (فاعل)، (إِنْ تُرِدْ) به .. بذلك الوصف المذكور، (بَعْضَ) هذا مفعول (تُرِدْ)، (بَعْضَ الَّذِيْ) يعني: بعض العدد، هذا واقع (الَّذِيْ) اسم موصول مضاف إليه، (بَعْضَ) قلنا: مفعولٌ به وهو مضاف، و (الَّذِيْ) مضافٌ إليه، يَصدُق على العدد المضاف إليه اسم الفاعل.
(وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ) بعض العدد الذي بُني اسم الفاعل منه، (تُضِفْ إِلَيهِ) يعني: إذا أردت أن تدل على أنَّ هذا اسم الفاعل الذي أخذته من الاسم المشتق منه على أنَّه بعضٌ منه أضفه إليه، فتقول: ثاني اثنين .. بعض الاثنين، أنا ثاني اثنين .. أنا بعض الاثنين، أنا ثالث ثلاثة .. أنا بعض ثلاثة، إذا أردت هذا المعنى فأضفه إلى ما اشتق منه.
إذا أردت أن تدل باسم الفاعل على أنَّه بعض الشيء .. العدد الذي اشْتُقَّ منه أضفه إليه، فتقول: ثاني اثنين، ما المراد بثاني اثنين؟ إذا قلت: أنا ثاني اثنين يعني: أنا بعض الاثنين، إذاً: معك آخر واحد ليس معك اثنين وأنت الثالث، أنا بعض الاثنين .. أنا ثالث ثالثة إذاً: أنت ومن معك كلكم ثلاثة وأنت بعضٌ من الثلاثة، إذا أردت هذا المعنى: أنَّك بمعنى بعض حينئذٍ تضفه إلى ما اشْتُقَّ منه، فثالث اشْتُقَّ من ثلاثة فتقول: ثالث ثلاثة أي: بعض الثلاثة.
(وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ) خصَّ البعض هنا، (وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ) العدد (الَّذِيْ بُنِي مِنْهُ) اسم الفاعل (تُضِفْ إِلَيهِ) هذا جواب الشرط، حذف مفعوله أي: تضف اسم الفاعل من العدد إليه، (تُضِفْ إِلَيهِ) الضمير هنا يعود إلى ما اشْتُقَّ منه الذي عبَّر عنه (بُنِي) بُنِي منه، حينئذٍ ثالث اشْتُقَّ وبني من ثلاثة قال:(تُضِفْ إِلَيهِ) أضف ثالث إلى ما اشْتُقَّ منه وهو ثلاثة فتقول: ثالث ثلاثة.
(مِثْلَ بَعْضٍ)(مِثْلَ) هذا صفة لموصوفٍ محذوف الذي هو المفعول به، (تُضِفْ إِلَيهِ) اسم الفاعل من العدد حال كونه (مِثْلَ بَعْضٍ) يعني: في المعنى، ولذلك نقدِّر ثاني اثنين: أنا بعض الاثنين، (مِثْلَ بَعْضٍ) أي: كما يضاف البعض إلى كله نحو: ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40] هم اثنان، النبي صلى الله عليه وسلم ثَانِيَ اثْنَيْنِ .. هو بعض الاثنين، هذا المعنى المراد.
((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) [المائدة:73] أي: بعض الثلاثة، إذاً: يكون المعنى هنا بالبعضية .. يُفَسَّر بهذا، كأنَّك تضيف لفظ البعض إلى الكل، وتقول: ثانيةُ اثنتين، يعني: بعض الاثنتين، يعني امرأة إذا قالت: أنا ثانية اثنتين يعني: أنا بعضٌ من ثنتين، وثالثة ثلاثٍ إلى عاشر عشرةٍ، وعاشرة عشرٍ.
وإنَّما لم ينصب يعني: يتعين الإضافة، لأنَّه قال:(تُضِفْ إِلَيهِ) أوجَب الإضافة، ومع كونه فاعلاً من فعل، قلنا: هناك أراد به أنَّه وصفٌ .. مثله، وفعل فاعل مثل: ضرب ضارب، ضارب الأصل فيه: أنَّه يجوز أن ينصب ما بعده وأن يجر، وهنا تعينت الإضافة ولم يُجَوَّز الوجهان الذي هو: النصب والإضافة.
هنا تعين ولم ينصب، لأنَّه ليس في معنى ما يعمل ولا مُفَرَّعاً عن فعلٍ يعني: ليس المراد به: الحدث، لأنَّ كونه بعض الشيء هذا ليس بحدثٍ، بخلاف ثالث اثنين يعني: مصيِّر الاثنين ثلاثة، إذاًَ فيه حدث، جاعل الاثنين ثلاثاً حينئذٍ له وجهان هناك من حيث النصب والإضافة، وأمَّا هنا فلا، لأنَّه ليس فيه معنى ما يعمل ولا مفرَّعاً عن فعلٍ فالتُزِمَت إضافته، لأنَّ المراد: أحد اثنين .. ثاني اثنين، وإحدى اثنتين .. ثانية اثنتين، وأحد عشرةٍ وإحدى عشرٍ فتضيفه وهذا مذهب الجمهور: أنَّه يُلزم فيه الإضافة.
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ. . . . . . . . . . . . .
تضف إليه اسم فاعلٍ من العدد حال كونه (مِثْلَ بَعْضٍ) يعني: يُفَسَّر بالبعضية، ولذلك قال:(بَيِّنِ) أي: ظاهر البعضية، هذا النوع الأول.
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيهِ. . . . . . . . . . . . .
أي: (وَإِنْ تُرِدْ) بالوصف (بَعْضَ) العدد الَّذِيْ بُنِي هو مِنْهُ تضفه أي: الوصف (إِلَيهِ) أي: العدد حالة كون الوصف (مِثْلَ بَعْضٍ) في معناه يعني: يُفسَّر بهذا اللفظ، أو في إضافته إلى كله يعني: أنَّ اسم الفاعل من العدد إذا أُضِيف إلى موافقه يجب إضافته إليه على معنى بعضٍ: ثاني اثنين، معناه: بعض اثنين.
النوع الثاني في غير المفرد .. اسم الفاعل: أن يراد به أنك جعلت الأقل مساوياً لما كان أعلى منه.
(وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ)(وَإِنْ تُرِدْ) باسم الفاعل من العدد (جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا فَوْقُ) فوقه، يعني: إذا أردت بالوصف المصوغ من العدد أن تجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا).
(وَإِنْ تُرِدْ) باسم الفاعل من العدد (جَعْلَ الأَقَلِّ)، (جَعْلَ) هذا مفعول به لقوله:(تُرِدْ) وهو مضاف إلى الأَقَلِّ وهو مفعوله الأول (مِثْلَ) هذا مفعول ثاني مَا فَوْقُ مثل عددٍ فوقه يعني: فوق العدد الذي صيغ منه اسم الفاعل.
قال: (فَحُكْمَ جَاعِلٍ) هذا من حيث الإعراب، هنا ابن عقيل يقول:
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . .
أي: وإن تُرد بفاعل المصوغ من اثنين فما فوقه جعل ما هو أقل عدداً مثل ما فوقه: ثالث اثنين، إذا أردت أنك جاعل الاثنين ثلاثةً حينئذٍ يُنظر فيه إلى المعنى، فكأنك جعلت ثالث مضمَّناً معنى جاعل أو مصير، فتقول: جاعل الاثنين ثلاثةً هذا التقدير: أنا ثالثُ ثلاثةٍ .. أنا ثالثٌ ثلاثةً .. أنا ثالثُ اثنين، ما مرادك بهذا التركيب؟
مرادك: أنك جعلت الأقل مساوياً لما اشْتُقَّ منه، ما الذي اشْتُقَّ منه ثالث؟ ثلاثة، فكأنك جعلت الاثنين مساوياً لثلاثة بكونك أضفت نفسك إليه فقلت: أنا ثالث اثنين يعني: جاعل الاثنين ثلاثةً رددت الاثنين إلى ما اشْتُقَّ منه الوصف وهو: ثالث فتقول: أنا رابع ثلاثةٍ يعني: جاعل الثلاثة أربعةً رددت المضاف إليه إلى ما اشْتُقَّ منه اسم الفاعل، حينئذٍ يجوز لك وجهان: الإضافة والتنوين: ثالثُ اثنين، وثالثٌ اثنين، بالإضافة وبالتنوين مع النصب.
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . .
أي: إذا أردت بالوصف المصوغ من العدد أنَّه يجعل نفس الوصف .. الوصف يجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له، تحت ما اشْتُقَّ منه يعني: يضاف إلى ما هو أقل مما اشْتُقَّ منه، إذا كان اشْتُقَّ من الأربعة حينئذٍ تضفه إلى ما هو أقل من الأربعة وهو: الثلاثة تقول: رابع ثلاثةٍ، حينئذٍ وضيفته: أن يجعل هذا الأقل مساوياً لما اشْتُقَّ منه، فتقول: رابع ثلاثةٍ أي: مصيِّر الثلاثة أربعاً.
أنَّه يجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) احكما له حكم جاعلٍ، لم يقل: فاعل وإنَّما قال (جَاعِلٍ) ليبين لك أنَّه بمنزلته في المعنى والعمل، و (جَاعِلٍ) معلوم أنه مثل ضارب، وضارب يجوز فيه الوجهان: الإضافة والنَّصب.
(فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) فإن كان بمعنى المضي وجبت إضافته، وهذا لا إشكال فيه، وإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز فيه الوجهان يعني: جازت فيه إضافته وجاز تنوينه وإعماله فتقول: هذا رابعُ ثلاثةٍ ورابعٌ ثلاثةً، (رابعٌ) هذا اسم فاعل تعربه على حسب ما قبله، إذا قلت:(رابعٌ) خبر وهو اسم فاعل، والفاعل ضمير مستتر، وثلاثةً مفعولٌ به مثل: ضاربٌ زيداً .. حكم واحد.
هذا رابعُ ثلاثةٍِ، ورابعٌ ثلاثةً أي: هذا مصيِّر الثلاثة أربعةً وتؤنث الوصف مع المؤنث كما سبق، فالوصف المذكور حينئذٍ فاعلٌ حقيقةً، لأنَّك تقول: ثلَّثتُ الرجلين .. هذا الأصل، إذا انضممت إليهم فصرتم ثلاثة، وكذلك ربَّعتُ الثلاثة إلى عشر: عشَّرتُ التسعة يعني: صرتُ عاشراً لهم.
ففاعل هنا بمعنى: (جَاعِلٍ) وجارٍ مجراه لمساواته له في المعنى والتَّفرُّع على (فَعَلَ) يعني: من حيث المعنى ومن حيث العمل هو دالٌّ على وصفٍ، وإذا كان كذلك حينئذٍ يعامل معاملة (جَاعِلٍ) من حيث العمل، بخلاف الفاعل الذي يراد به معنى أحد ما يُضاف إليه ثاني اثنين السابق، فإن الذي هو في معناه لا عمل له ولا تَفَرُّع له على فَعَلَ فالتُزمت إضافته كما سبق.
يعني: لم يتضمن معنى الحدث الذي تضمنه الثاني، لأنَّ الثاني تضمن معنى مصيِّر: أنا صيَّرت إذاً: فيه حدث متعدٍ: أنا صيَّرت الثلاثة أربع .. رابعُ ثلاثةٍ .. لي تأثير .. لي حدث، وأمَّا ثاني اثنين: أنا واحدٌ منهم، ليس فيه زيادة معنى.
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . .
الأقل مثل ما فوقه، (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) احْكُمَاً الألف هذه بدلاً عن نون التوكيد الخفيفة، (فَحُكْمَ) مفعولٌ به لقوله (احْكُمَا) وهو مضاف و (جَاعِلٍ) مضافٌ إليه.
قال هنا: " وإنَّما قال (جَاعِل) ولم يقل (فاعل) تنبيهاً على أن اسم الفاعل بمعنى (جَاعِل) ففيه ما في فاعل وزيادة وهو اسم الفاعل حقيقةً، لأنَّهم قالوا: ربَّعتُ الثلاثة أُربِّعُ بمعنى: صيرتهم بنفسي أربعةً".
إذاً: ذكر في هذين البيتين استعمالين، والأول .. البيت السابق ذكر استعمالاً مفرداً، وذكر في هذين البيتين استعمالين مركَّبين:
الأول: بمعنى بعض ويضاف إلى ما اشْتُقَّ منه: ثاني اثنين .. رابع أربعة إلى آخره.
والثاني: بمعنى مصيِّر الأقل للمساوي له.
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ
والتقدير: تضيف إليه اسم الفاعل في حال كونه مماثلاً للبعض أي: في معناه.
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . .
فوقه يعني، حذف المضاف إليه ونوى معناه يعني: أنَّك إذا أردت باسم الفاعل من العدد أن يصير العدد الذي مثله تحته فاحكم له أي: لاسم الفاعل بـ (حُكْمَ جَاعِلٍ) فإذا كان بمعنى الماضي وجب إضافته تقول: هذا ثالث اثنين أمس، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز فيه الوجهان.
قال الشارح: " لفاعل المصوغ من اسم العدد استعمالان " يعني: ما ذكره النَّاظم أو على جهة التعميم:
أحدهما: أن يُفرد: ثانٍ وثاني وثالث ورابع.
الثاني: أن لا يُفرد .. يضاف إلى غيره، وحينئذ إما أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وإمَّا أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه .. أدنى منه درجة.
ففي الصورة الأولى التي هي: أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، ففي الصورة الأولى: يجب إضافة فاعل إلى ما بعده مضاف ومضاف إليه، إذاً: هذا ثاني اثنين، (ثاني) خبر وهو مضاف و (اثنين) مضاف إليه، ((إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) [المائدة:73] (ثَالِثُ) ما إعرابه؟ خبر (إِنَّ)، و (ثَالِثُ) خبر وهو مضاف و (ثَلاثَةٍ) مضاف إليه، ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40] (ثَانِيَ) حال، وهو مضاف و (اثْنَيْنِ) مضاف إليه.
إذاً: ففي الصورة الأولى: يجب إضافة فاعل إلى ما بعده، فتقول في التذكير: ثاني اثنين، وثالث ثلاثةٍ ورابع أربعةٍ إلى عاشر عشرةٍ، وتقول في التأنيث: ثانية اثنتين، وثالثة ثلاثٍ، ورابعة أربعٍ إلى عاشرة عشرٍ، والمعنى: أحد اثنين، وإحدى اثنتين، وأحدُ عشرٍ، وإحدى عشرة، إذا قيل: عاشرُ عشرةٍ يعني: أنا واحدٌ من العشرة .. أنا بعضٌ منهم.
وهذا هو المراد بقوله: (وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ) البيت .. أي: وإن تُرد بفاعل المصوغ من اثنين فما فوقه إلى عشرة (بَعْضَ الَّذِيْ بُنِي فاعل مِنْهُ) انظر! (بَعْضَ الَّذِيْ) قدَّم وأخَّر في البيت، (بَعْضَ الَّذِيْ بُنِي فاعل مِنْهُ) أي: واحداً مما اشْتُقَّ منه فأضف إليه مثل بعضٍ، والذي يضاف إليه هو الذي اشْتُقَّ منه، ثاني اثنين، اثنين هذا الذي اشْتُقَّ منه (ثاني) فصار مضافاً إليه، والأول: مضاف ويعرب على حسب العوامل.
وفي الصورة الثانية يجوز وجهان:
أحدهما: إضافة فاعل إلى ما يليه.
والثاني: تنوينه وَنَصْب ما يليه به كما يُفعل باسم الفاعل نحو: ضارب زيدٍ وضاربٌ زيداً .. فيه وجهان، فتقول في التذكير: ثالثُ اثنين، وثالثٌ اثنين، ورابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثلاثةً: ثالثُ اثنين (ثالث) على حسب موقعه من الإعراب وهو مضاف و (اثنين) مضاف إليه، وأمَّا ثالثٌ اثنين، (ثالثٌ) هذا حسب موقعه من الإعراب والفاعل ضمير مستتر و (اثنين) مفعولٌ به، وهكذا إلى عاشرِ تسعةٍ، وعاشرٍ تسعةً.
ولا يستعمل هذا الاستعمال (ثانٍ) فلا يقال: ثاني واحدٍ، ولا ثانٍ واحداً .. لا يستعمل، لا يقال: ثاني واحدٍ، يعني: يضاف إلى ما هو دونه، ثاني اثنين نعم، أمَّا هل هو مثل: ثالثُ اثنين فنقول: ثاني واحدٍ؟ قالوا: لا، وكذلك لا يقال: ثانٍ واحداً.
فتقول في التذكير: ثالثُ اثنين وثالثٌ اثنين، وتقول في التأنيث: ثالثةُ اثنتين وهكذا إلى عاشرةِ تسعٍ وعاشرةٍ تسعاً والمعنى: جاعلُ الاثنين ثلاثةً، وهذا هو المراد بقوله:
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . .
أي: وإن تُرِد بفاعلٍ المصوغ من اثنين فما فوقه جعل ما هو أقلُّ عدداً مثل ما فوقه فاحكم له بحكم جاعل: من جواز الإضافة إلى مفعوله، وتنوينه ونصبه.
وَإِنْ أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ
…
مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.!!!