الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* تتمة وجوه صوغ العدد على وزن فاعل
* كم وكأي وكذا
* كم .. الإستفهامية وتمييزها
* كم .. الخبرية تمييزها
* كأي وكذا .. وتمييزها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -:
وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ
…
مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ
أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ
…
إِلَى مُرَكَّبٍ بِمَا تَنْوِيْ يَفِي
وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا
…
وَنَحْوِهِ وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا
وَبَابِهِ الْفَاعِلَ مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ
…
بِحَالَتَيْهِ قَبْلَ وَاوٍ يُعْتَمَدْ
سبق أنَّ ما كان على زنة فاعل من العدد إنَّما يكون من اثنين إلى عشرة:
وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ إِلَى
…
عَشَرَةٍ كَفَاعِلٍ. . . . . . . .
يعني: وصفاً (كَفَاعِلٍ) مصوغٍ (مِنْ فَعَلَا)، ثُمَّ يكون مَختوماً بالتاء في حال التأنيث، ويكون مُجرَّداً عن التاء فيما إذا كان المراد به: مُذكَّر، هذا الحال الأول: أن يُستعمل مُفرداً.
الحال الثاني: أن يُستعمل مُركَّباً، أو ألا يُستعمل مُفرداً لِيَعُمَّ حالة النصب، فإن لم يُستعمل مفرداً فحينئذٍ إمَّا أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وهذا كما قال:(تُضِفْ إِلَيهِ) ..
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي
…
تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ
يعني: إذا أردت به معنى بعض ما أضيف إليه، ثَانِي اثْنَيْنِ، إذاً: هو واحدٌ من اثنين، أو بعض اثنين، ثالث ثلاثة، أي: أحد الثلاثة، أو بعض الثلاثة، أو واحدٌ من الثلاثة.
النوع الثاني: إذا لم يُستعمل مُفرداً أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه وهذا أشار إليه بقوله:
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا
يعني: أنْ يضاف إلى أقل مِمَّا اشْتُقَّ منه، مثلاً: ثلاثة أو ثالث (ثالث) هذا اشْتُقَّ من الثلاثة الذي هو أدنى من الثلاثة اثنين حينئذٍ تضيفه إليه: ثالث اثنين، أي: جاعل الاثنين ثلاثة، بمعنى: مُصيِّر أو جاعل، هذا يَجوز فيه الوجهان، وأمَّا النوع الأول فيَتعيَّن فيه الإضافة: ثاني اثنين .. ثالث ثلاثة .. رابع أربعة .. خامس خمسة .. سادس ستة، واجب الإضافة، لماذا؟ لأنَّه ليس فيه معنى: جاعل أو مصير، يعني: ليس فيه ما يدلُّ على أنَّ اللفظ أُريد به وصفٌ.
بخلاف: ثالث ثلاثة .. ثالث اثنين، أي: مُصيِّر الاثنين ثلاثة، إذاً: أحدث معنىً زائداً على ما أراده بقوله: ثاني اثنين .. ثالث ثلاثة، ذاك لم يُفِد إلا أنَّه واحدٌ من الثلاثة، أو واحدٌ من الاثنين .. رابع أربعة .. واحدٌ من الأربعة، تاسع تسعة أي: واحدٌ من التسعة.
وأمَّا تاسع ثمان، وهذا نقول: أي مُصيِّر الثمانية تسعة، هذا أحدث معنىً، حينئذٍ جاز فيه أن يعامل معاملة (ضارب) كما تقول: ضارب زيدٍ، وضاربٌ زيداً، بالوجهين كذلك تقول: ثالث اثنين، بالإضافة: وثالثٌ اثنين، حينئذٍ يُعامل مُعاملة: ضاربٌ زيداً، وضاربٌ زيداً هذا ليس بِجملة ولو نَصب.
قلنا: جاء زيدٌ ضاربٌ عمراً، (ضاربٌ) هذا نعت وهو مفرد، وفيه ضمير مستتر يعود على زيد، جاء زيد ضارباً عمراً (ضارباً) هذا حال، وفيه ضمير مستتر يعود على زيد، (عمراً) هذا مفعولٌ به، لا نقول هذا التركيب جملة، لو كان جملة لقلنا: في محل نصب، ونحن أعربنا (ضارباً) بأنَّه منصوب لفظاً، كأنك قلت: جاء زيدٌ ضاحكاً، فلا فرق فيه، بين أن نقول: جاء زيدٌ ضاحكاً .. جاء زيدٌ ضارباً عمراً، حال كونه ضارباً عمراً، حينئذٍ نقول: هذا ليس بجملة.
إذاً: ثالثٌ اثنين، هذا ليس بجملة، إذاً: له استعمالان من حيث عدم الإفراد:
- إمَّا أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وهذا يَتعيَّن فيه الإضافة.
- وإمَّا أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه، يعني: العدد الذي هو أدنى مِمَّا اشْتُقَّ منه، إن اشْتُقَّ من الثلاثة حينئذٍ ما كان على زنة فاعل يُضاف إلى ما هو أدنى من الثلاثة أو الاثنين، إن اشْتُقَّ من خمسة حينئذٍ يُضاف إلى ما هو أدنى من الخمسة وهو أربعة، تقول: خامسُ أربعةٍ .. خامسٌ أربعةً.
ثُمَّ قال:
وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ
…
مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ
أحد عشر إلى تسعة عشر قد يُراد بهذا التركيب .. المركَّب قد يُراد به: مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ، يعني: يُراد به بعض ما أضيف إليه، المراد بثاني اثنين، أي: بعض الاثنين، أو واحد الاثنين، إذا أردت بالمركَّب: أحد عشر، حينئذٍ إذا أردت به مثل ثاني اثنين فكيف تصنع به؟ هو مركَّب من جزئيين: أحد عشر، حينئذٍ نظر النُّحاة فيه فعاملوه مُعاملة (ثاني)، ثُمَّ أضافوه إلى مركَّبٍ آخر، قالوا: أحد عشر، على ما سيذكر النَّاظم:
وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ
…
مُرَكَّبَاً. . . . . . . . . . . . . . . .
(مُرَكَّبَاً) هذا حال من (مِثْلَ)، (إِنْ أَرَدْتَ) هذا شرطٌ، و (أَرَدْتَ) فعل فاعل .. أرَدْتَ أنْتَ، (مِثْلَ) هذا مفعولٌ به، (مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ)، (مِثْلَ) مضاف، و (ثَانِي اثْنَيْنِ) مضافٌ إليه قُصِد لفظه، (مُرَكَّبَاً) هذا حال، ويجوز العكس: أن يكون (مُرَكَّبَاً) مفعولاً به، أردت مركَّباً مثل ثاني اثنين، حينئذٍ الظرف (مِثْلَ) هذا تَقدَّم .. كان نعتاً، حينئذٍ ينتصب على الحاليَّة فصار (مِثْلَ) هذا حال، و (مُرَكَّبَاً) هذا مفعول به.
وأصل التركيب: إن أرَدْتَ مركَّباً مثل ثاني اثنين، وهذا جيِّد، إذا أردت مركَّباً، لأنَّ الحكم هنا على المركَّب، كلامنا مُنْصَب على أحد عشر إلى تسعة عشر، إذا أردت هذا المركَّب (مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ) حينئذٍ قال:(فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ)، يعني: أنَّك إذا أردت بالمركب من أحد عشر إلى تسعة عشر، ما أردت بثاني اثنين من الإضافة على معنى: بعض (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) المركَّب الأول مضافٌ إلى المركب الثاني .. إضافة ثاني إلى اثنين، هذا هو الأصل.
إذاً: إذا أردت صَوْغ الوصف المذكور من العدد المُركَّب بمعنى بعض أصله كثاني اثنين (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) صدر المركَّب الأول: فاعل أو فاعلة، فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث، يعني: تأتي بالصدر الأول .. عندنا مركَّباً أربعة ألفاظ، لأنَّنا سنضيف مركَّب إلى مركَّب، المركب الأول مركَّب من كلمتين .. لفظين، وكلاهما بِمنزلة الجزء الواحد، سنضيفه إلى مركَّبٍ آخر.
إذاً صار عندنا أربعة ألفاظ: صدران وعجُزَان، صدر الأول وصدر الثاني، عجز الأول .. عجز الثاني، فحينئذٍ إذا أردت تأتي بتركيبين، كيف تصنع؟ تأتي بِما كان على زِنَة فاعل الذي هو مقابل لـ: ثاني ثُم اثنين، (ثاني) هذا مُقابِل لمركب: أحد عشر مثلًا أو حادي عشر، و (اثنين) هذا مُقابل لمركَّب آخر، فتضع مكان ثاني اثنين مركَّبين كلٌّ منهما مؤلف من أربع كلمات.
(فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) صدر أولهما فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث، وصدر ثانيهما الاسم المُشتق منه، لأنَّك تقول: ثاني اثنين، إذاً: صدر الأول يكون على زِنَة فاعل أو فاعلة على حسب التذكير والتأنيث، وصدر الثاني يكون العدد الذي اشْتُقَّ منه فاعل. وصدر ثانيهما، يعني: المُركَّب الثاني: الاسم المشتق منه وعجزهما، العجز: عشرٌ في التذكير وعشرةٌ في التأنيث، يعني: يكون مُقابل .. على القياس، فتقول في التذكير: ثاني عشر اثني عشر، ماذا صنعت؟
أولاً: أردت معنى ثاني اثنين، والعدد هنا ليس مُفرداً كثاني اثنين وإنَّما هو مركَّب، حينئذٍ تأتي بالمركَّب الأول تنظر إلى صدره تجعله على زنة فاعل، لأن مقام الحديث مقام ما كان على زنة فاعل، فتقول: ثاني عشرة، لأنَّك جئت بالمذكر ثاني ولم تقل: ثانية، تأتي بفاعل في المذكر، وفاعلة في المؤنث، هنا قلت في ثاني، حينئذٍ عشرة، ثاني اشتققته من اثني.
إذاً تقول: ثاني عشر اثني عشر، أضفت الأول إلى الثاني مُراداً به معنى ثاني اثنين، فلا بُدَّ أن يكون صدر المركَّب الأول مشتَّقاً من اثنين وهو اسم فاعل، وأن يكون الثاني .. الصدر الثاني المشتق منه، أن تُنَزِّل المركَّبين بِمنْزلة ثاني اثنين، (ثاني) هذا اسم فاعل هو الذي جئت به في ثاني عشرة، (اثنين) المضاف إليه جئت في محله بمركب كذلك فقلت: اثني عشرة.
إذاً: تأتي بزنة فاعل في المذكر وفاعلة في المؤنَّث تضعه صدر المركَّب الأول، لأنَّه مُقابل لثاني، وتأتي في صدر المركَّب الثاني بما اشْتُقَّ منه صدر المركَّب الأول وهو (اثني) فتقول: ثاني عشرة .. اثني عشر، كأنك قلت: ثاني اثنين، هذا في التذكير إلى تاسع عشر تسعة عشر.
إذاً: ثاني عشر اثني عشر، يعني: أنا بعض الاثني عشر، هذا المراد، أنا بعض الاثني عشر يعني: واحدٌ منهم، هذا المراد بهذا التركيب، ولا أدري هل هذا مسموع أو لا؟
ثاني عَشْر اثني عَشَر، إلى تاسع عَشْرة تسعة عَشَر، (تاسع) نقول: هذا مشْتَقٌّ من التسعة، حينئذٍ أرَدْتَ أنْ تَجعله مضافاً إلى تسعة، كما تقول: تاسع تسعةٍ، يعني: واحدٌ من التسعة، فتأتي في مُقابل (تاسع) مركَّب من جزئيين صدرُه تاسع، تاسع عشرة كما هو، وتأتي بصدر المركَّب الثاني (تسعة)، إذاً: تاسع عَشْرة تسعة عَشَر.
وفي التأنيث: ثانية عَشْرة .. اثنتي عَشْرة، هذا في التأنيث تأتي بالأول على وزن (فاعلة)، والثاني: اثنتي، لأنَّك أضفته إلى ما اشتق منه، كما قيل: ثانية اثنتين ثاني اثنين، أضفته إلى المُذكَّر، لأنَّ المراد به التذكير، ثانية اثنتين كذلك أردت به التأنيث.
هنا مثله فتقول: ثانية عَشْرة اثنتي عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة تسع عَشْرة، فتأتي بأربع كلمات كلها مَبنيَّة، ولذلك قال:(بِتَرْكِيبَينِ) تثنية (تركيب)، ومعلومٌ أنَّ التركيب موجبٌ للبناء، إذاً: يُضاف الأول إلى الثاني، أضفت كلمتين إلى كلمتين، مُركَّب عددي إلى مُركَّب عددي.
إذاً: تأتي بأربع كلماتٍ مبنيَّة، وأول التركيبين مضافٌ إلى ثانيهما إضافة ثاني إلى اثنين، وهذا الاستعمال هو الأصل عندهم وبقي استعمالان.
إذاً: وَإِنْ أَرَدَتَ مُرَكَّبَاً مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْن أنَّه واحدٌ من مضاف إليه حينئذٍ تأتي بِتَرْكِيبَينِ، والحديث فيما كان على زِنَة (فاعل)، أين تضع فاعل من التركيبين؟ تضعه في صدر الأول، مذكَّراً أو مؤنَّثاً على القسمة السابقة.
وتأتي بِما اشْتُقَّ منه ما كان على زِنَة (فاعل) تضعه صدر الثاني، ثُمَّ عَشْر وعَشَرة على حسب التأنيث السابق ليس فيه جديد، وإنَّما تضع فاعل وما اشْتُقَّ منه في صدر كلٍّ من المركبين، وتضيف الأول إلى الثاني، والذي يضبط لك: أنَّك تَجعله في مقام ثاني اثنين، (ثاني) جاء محله مُركَّب فَيُصدَّر باسم فاعل مُذكَّراً أو مؤنَّث، و (اثنتين) هذا تضع في محله مركَّباً كذلك ويُصَدَّر بما اشْتُقَّ منه فاعل، وتضيف الأول إلى الثاني إضافة ثاني إلى اثنتين، هذا هو الأصل عندهم، وهذا هو المشهور.
(أَوْ) الحالة الثاني: أَوْ أَضِفِ فَاعِلاً إلى مُركَّبٍ، (فَاعِلاً) هذا مفعول (أَضِفِ)، و (أَوْ) هنا عاطفة جملة على جملة، أو أضف فاعلاً (بِحَالَتَيْهِ) تذكيراً وتأنيثاً، إنْ كان مُذكَّراً تأتي به على زِنَة (فاعل)، وإن كان مُؤنَّثاً تأتي به على زِنَة (فاعلة).
أضف إلى مركَّبٍ: جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (أَضِفِ)، (أَضِفِ) حُرِّك للوزن، أضف فاعلاً (بِحَالَتَيْهِ) هذا صِفة لـ:(فَاعِل) مُتعلِّق بِمحذوف، فاعلاً كائناً (بِحَالَتَيْهِ) صفة له، يعني: يُذكَّر مع المذكَّر ويُؤنَّث مع المؤنَّث، (إِلَى مُرَكَّبٍ) مُتعلِّق بقوله:(أَضِفِ).
يَفِي بِمَا تَنْوي، (بِمَا) مُتعلِّق بقوله:(يَفِي)، و (مَا) هذه موصولة، و (تَنْوِيْ) هذه صِلة (مَا) تنوي أنْتَ، بِمَا يَفْي تَنْوي، (يَفِي) جواب (أَضِفِ) فهو مجزوم، (يَفِي) بالياء، كيف بالياء؟ قيل: أُشْبِعت كسرته، والمعنى: أنَّك إذا فعلت ذلك وفَى الكلام .. تَمَّ بالمعنى الأول الذي تنويه، حينئذٍ ماذا تقول؟ أو أضِفِ فاعلاً بحالتيه إلى مُركَّبٍ، فتقول: ثاني اثني عَشَر، جئت بفاعل وأضفته إلى مركَّبٍ، هذا أسهل من الأول وأحسن من جهة اللفظ، أمَّا ثاني عَشْرة اثنتي عشر، هذا فيه تطويل .. أربع كلمات.
أمَّا هذا: ثاني اثني عَشَر .. ثالث ثلاثة عَشَر، فتأتي بِزِنة (فاعل) وتضيفه إلى المركَّب.
أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ ..
أَضِفِ ما كان على زِنَة (فاعل) مذكَّراً أو مؤنَّثاً إلى مركَّبٍ واحد، فلا تأتي بتركيبين، وإنَّما تأتي في مَحلِّ ثاني مثله بِزِنة (فاعل)، واثنتين تأتي في مِحلِّه بِمركَّب من أحد عَشَر إلى تسعة عَشَر.
ثُمَّ الثالث أشار إليه بقوله:
وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا
…
وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . .
يعني: أنَّه يُحذف من المركَّب الأول العَجُز، ومن المُركَّب الثاني الصَّدْر، هذا ظاهر كلام النَّاظم بِخلاف ما مشى عليه ابن عقيل: أنَّه يَحصل فيه حذف ليس فيه استغناء بأحد المركبين عن الثاني، لأنَّ قوله:(فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) يعني: يُستغنى بالأول عن الثاني، هذا ظاهر كلام ابن عقيل.
لكن الظاهر أن صُنْع المصنف كغيره من النُّحاة: (وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا) إذًا: عندنا استغناء، (بِحَادِيْ عَشَرَا وَنَحْوِهِ).
يعني: أنَّه يُحذف من المُركَّب الأول العَجُز، يعني: عَشْرة، ومن المركب الثاني الصدر، حينئذٍ تقول: حادي عَشَر .. ثاني عَشَر، أصله: ثاني عَشَر اثني عَشَر، ماذا صنعت؟ حذفت العَجُز (عَشَر) من الأول، صار: ثاني اثني عَشَر، وحذفت الصَّدر من الثاني، تَحذف العَجُز من الأول، وتحذف الصدر من الثاني، صار: ثاني عشر، أصله: ثاني عَشَر اثني عَشَر، حذفت عشر الأولى من المركب الأول قلت: ثاني اثني عشر صار مثل السابق أو حالتيه إلى مركَّبٍ، ثُمَّ تحذف الصدر من الثاني فصار: ثاني عَشَر، هذا الظَّاهر.
إذاً: يُحذف من المركَّب الأول العَجُز، ومن المركب الثاني الصَّدر، وفيه حينئذٍ ثلاثة أوجه:
- بناؤهما وهو المشهور .. أنَّهما مبنيَّان.
- الثاني: إعراب الأول وبناء الثاني: حادي عَشَر، (حادي) مُعرب والثاني مبني، وهذا له نظير، مثل: اثنا عَشْرة واثنتا عَشَر، الأول مُعرب إعراب المثنَّى، والثاني: مبني.
- الثالث: إعرابهما .. كلاهما معربان.
إذاً: ثلاثة أوجه فيما إذا اسْتُغني بصدر الأول عن عَجُزه، وبِعَجُز الثاني عن صدره، حصل استغناء .. اكتفاء بصدر الأول عن عَجُزه .. حُذِف العَجُزْ، وبِعَجُز الثاني عن صدره، إذاً: رُكِّب مُرَكَّب واحد من التركيبين، أخذت من هذا صَدْرَه، ومن هذا عَجُزه، حصلت النتيجة بالحذف من الأول ومن الثاني، وفيه ثلاثة أوجه:
- بناء التركيب كله، وهذا هو المشهور، لأنَّه صار مثل: أحد عَشَر.
- والثاني: إعراب الأول وبناء الثاني، وهذا له نظير.
- وإعرابهما.
وفُهِم من المثال: (حَادِيْ عَشَرَا) هذه الألف للإطلاق، فُهِم من المثال: أنَّ (عَشَرَا) مبني لنطقه به، إذاً: امتنع الوجه الثالث: إعرابهما معاً، إذاً: لا يتأتَّى في مَثال النَّاظم، وإنَّما يتأتى بناء الثاني مع بناء الأول أو إعرابه، لأنَّ (حَادِيْ) هذا لا يظهر فيه البناء ولا الإعراب، (حَادِيْ) بإسكان الياء مثل: مَعديكرب، حينئذٍ هو معتل فلا يظهر فيه لا إعراب ولا بناء، إذاً: يحتمل المذهبين الأول والثاني، بناؤهما معاً، أو إعراب الأول ويكون تقديراً، والثاني مبني، وأمَّا الثالث فلا يحتمله كلام النَّاظم، لأنَّه لفظ به بالفتح:(عَشَرَا) صار مبني.
إذاً: فُهِم من المثال أنَّ (عَشَرَا) مبني لنطقه به، فيحتمل الأول والثاني دون الثالث، من احتمال أن يكون (حَادِيْ) مبنيَّاً أو مُعرباً لعدم الحركة فيه، ومثَّل (بِحَادِيْ عَشَرَا) قالوا دون غيره: ليتضمن التمثيل فائدة .. تنبيه، وأنَّه في مثل هذا التركيب حصل فيه قلبٌ وإعلال.
التنبيه على ما التزموه حين صاغوا: أحداً وإحدى، على (فَاعِل) و (فَاعِلة) من القلب وجعل الفاء بعد اللام .. حصل فيه قلب: حادي على وزن: (عَالِف)، الفاء التي هي الواو صارت متأخِّرة، ثُمَّ قُلِبت الواو ياءً، و (عالفة) مثله لكنَّه مؤنَّث، فقالوا: حادي عَشَر وحادية عَشْرة، والأصل: واحد وواحدة، فصار: حادٍ وحاديةٍ، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها فوزنُهما (عالف) و (عالفة) يعني: أراد أن ينبِّه على أنَّه حصل قلب في هذا دون غيره.
وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا
…
وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . .
(نَحْوِهِ) هذا معطوف على (حَادِيْ عَشَرَا)، والمراد به: اثنا عَشَر إلى تسعة عَشَر، إذاً إذا:
. أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ
…
مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ
تُضيف الأول إلى الثاني، وتَجعل صدر الأول ما كان على زِنَة (فاعل) مؤنَّثاً أو مذكَّراً، وتأتي بصدر المركب الثاني ما اشْتُقَّ منه اسم الفاعل السابق الذي جعلته صدراً للأول، أو تأتي بزنة (فاعل) وتضيفه إلى المركَّب، أو ثالثاً: يحصل حذفٌ من كُلٍّ من التركيبين، تحذف العَجُز من الأول، والصَّدْر من الثاني، ثُمَّ فيه ثلاثة أوجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا
وَبَابِهِ الْفَاعِلَ مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ
…
بِحَالَتَيْهِ. . . . . . . . . . . .
يعني: هذا الاستعمال الأخير لِمَا كان على زنة (فاعل): أنَّه يُستعمل في نيِّف العقود من عشرين إلى تسعين، فيُقال: حادي أحدٌ وعشرون .. ثانيٍ وعشرون .. ثالثٌ وعشرون .. رابعٌ .. تاسعٌ .. خامسٌ وخمسون، تأتي به مؤنَّثاً ومذكَّراً، لكنَّه يكون سابقاً على لفظ العقد، ومعطوفٌ عليه بالواو على جهة الخصوص.
(وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا)(اذْكُرَاً) الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، اذكر قبل عشرين، (قَبْلَ) هذا ظرف مُتعلِّق بـ (اذْكُر) وهو مضاف، و (عِشْرِينَ) مضافٌ إليه، اذكر قبل عشرين، إذًا: لا بعده.
(وَبَابِهِ) باب عشرين وهو: الثلاثين إلى التسعين، (الْفَاعِلَ) اذكر الفاعل المصوغ (مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ)، (مِنْ لَفْظِ) هذا إمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بمحذوف نعت لـ (الْفَاعِلَ) أي: الفاعل المصوغ، أو يكون جار مجرور مُتعلِّق بقوله:(اذْكُر) اذكر من لفظ العدد، والأول أحسن: أن يكون مُتعلِّقاً بمحذوف صفة لـ (الْفَاعِلَ).
إذاً: اذكر قبل عشرين وبابه ما كان على زنة (فاعل) المصوغ (مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ بِحَالَتَيْهِ) مُذكَّراً مع المذكَّر، ومؤنَّثاً مع المؤنَّث، (بِحَالَتَيْهِ) التذكير والتأنيث، (قَبْلَ وَاوٍ) على جهة الخصوص، (يُعْتَمَدْ) الجملة نعتٌ لـ (وَاوٍ) .. لواوٍ معتمدة، يعني: لا غيرها فهي خاصَّةٌ من بين سائر حروف الجر.
أي: يُعتمد عليها دون غيرها من حروف العطف، يعني: أن اسم الفاعل من العدد إذا ذُكِر مع عشرين وبابه، يعني: العقود إلى التسعين يُذكَر بحالتيه من التذكير والتأنيث قبل الواو، وهذا واضحٌ .. هذا الاستعمال الأخير.
يعني: أنَّ العشرين وبابه إلى التسعين يُعطف على الفاعل بحالتيه، فتقول: الحادي والعشرون، (الحادي) على زنة (فاعل)، (والعشرون) جئت به أولاً ثُمَّ عطفت عليه (العشرون) بالواو، الأول: معطوفٌ عليه، والثاني: معطوفٌ، ولذلك سبق أولاً: أنَّه قد يكون معطوفاً.
إلى التاسع والتسعين، والحادية والعشرون إلى التاسعة والتسعين، ولا يجوز أن تُحذف الواو وتُركَّب فتقول: حادي عشرين كما تقول: حادي عشر، هذا لا يَصِح لعدم السَّماع. فتقول: حادي عشرين كما تقول: حادي عشر إلحاقاً لكل فرع بأصله، فإنه يجوز أحد عشر بالتركيب ولا يجوز أحد عشرين بالتركيب.
تتمة: لم يذكروا في العشرين وبابه مُشتقَّاً، يعني: ما ذكره سابقاً
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . .
وهذا لا يُذكَر هنا، إذاً: حاصل ما ذكره، كما قال هنا ابن عقيل: "سبق أنَّه يبني فاعلٌ من اسم العدد على وجهين:
- أحدهما: أن يكون مُراداً به بعض ما اشْتُقَّ منه، كـ: ثاني اثنين.
- والثاني: أن يُراد به جعل الأقل مساوياً لِمَا فوقه، كـ: ثالث اثنين" وذكر هنا أنَّه إذا أُرِيد بناء فاعل من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الأول وسكت عن الثاني، فدل على أنَّه لا يُؤتى منه، لأنَّ الكلام في باب فاعل، وذكر له من حيث هو .. ذكر له معنيين فيما سبق إذا لم يُفرد: إمَّا أنْ يُراد به بعض ما أضيف إليه: ثاني اثنين، وهذا يأتي المُركَّب مِثله، ولذلك قال:
وَإِنْ أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ..
وسكت عن قوله:
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . . .
فدلَّ على أنَّه لا يُصاغ من العدد المُركَّب للدَّلالة على هذا المعنى خلافاً لسيبويه، وسيأتي أنَّ مذهب سيبويه يُجوِّزه.
إذاً: وذكر هنا: أنَّه إذا أُريد بناء فاعلٍ من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الأول، وهو أنَّه بعض ما اشْتُقَّ منه، يجوز فيه ثلاثة أوجه، يعني: كيف تصيغه على هذا المعنى؟ إمَّا أنك تأتي به على الوجه الأول أو الثاني أو الثالث، فأنت مُخَيَّر بين واحدٍ من هذه الأوجه الثلاثة، لكن يلزمك أن تُعربه أو تبنيه على ما يذكره النُّحاة:
- الوجه الأول وهو الشائع الكثير عندهم الذي جعلوه أصلاً - وحقيقةً لا أدري هل هو مسموع أو مُتَكلَّف من عندهم لا أدري عنه –: أن تجيء بتركيبين .. الأول: عبارة ابن هشام في (التوضيح) أوضح: أن تأتي بأربعة ألفاظ .. أربع كلمات:
- أولها: الوصف فاعل أو فاعلة .. أول كلمة تستفتح بها: الوصف فاعل أو فاعلة، مركباً مع العشرة.
- والثالث ما اشْتُقَّ منه الوصف.
- كذلك مُرَكَّباً أيضاً مع العشرة.
- وتضيف جملة التَّركيب الأول إلى جملة التركيب الثاني.
إذاً: عندنا أربع كلمات على التوالي، الكلمة الأولى: تأتي بها على زنة (فاعل) أو (فاعلة)، والكلمة الثالثة: تأتي بها ما اشْتُقَّ منه الفاعل، والثانية والرابعة لفظ عشرة .. العَجُز هذا مُطَّرد، ثُمَّ تضيف الأول إلى الثاني، كـ: ثاني اثنين.
إذاً تقول: ثاني عَشر اثني عَشَر (ثاني عَشْرة) مضاف، و (اثني عَشَر) مضافٌ إليه في محل جر، والعامل فيه هو المركب.
قال ابن عقيل: " أن تجيء بتركيبين صدر أولهما: (فاعل) في التذكير و (فاعلة) في التأنيث، وعجزهما: (عَشْرٌ) في التذكير و (عشرةٌ) في التأنيث، وصدر الثاني منهما في التذكير: أحد واثنان وثلاثة بالتاء إلى تسعة، وفي التأنيث: إحدى واثنتان وثلاث بلا تاء إلى تسع ".
يعني: الحكم السابق قبل التركيب هو بعد التركيب، الأحكام السابقة مُطَّردة كما هي: العشرة في التذكير والتأنيث، وكذلك الثاني الذي هو صدر الثاني: ثلاثة واثنين إلى آخره أيضاً يُراعى فيه التذكير والتأنيث، والمراد هنا: أنْ تأتي بفاعل في صدر الأول وما اشْتُقَّ منه في صدر الثاني، ثُمَّ الأحكام السابقة كلها مُطَّردة كما هي.
وفي التأنيث: إحدى واثنتان وثلاث بلا تاء إلى تسعٍ على الأصل في القاعدة، نَحو: ثالث عَشَر ثلاثة عَشَر، انظر! (ثالث) اللفظ الأول على زنة (فاعل)، و (ثلاثة) هذا في الثاني .. صدر الثاني، أو إن شئت قل: اللفظ الثَّالث تأتي بِما اشْتُقَّ لفظ (ثالث)، ثُمَّ تضيف الأول للثاني، فـ (ثالث عَشَر) مضاف، و (ثلاثة عَشَر) مضافٌ إليه.
وهكذا إلى تاسع عَشَر تسعة عَشَر، انظر! عَشَر .. عَشَر في الموضعين هذا المُذكَّر .. تعلم أنَّه مذكَّر، لأنَّ العَشَر هنا في التركيب موافقاً للقياس، فإذا قلت: ثالث عَشَر (ثالث) هذا يُطابق، نحن قلنا: المذكَّر والمؤنَّث هنا في (ثالث) موافق للقياس، إنْ كان مؤنَّثاً قلت: ثالثة .. رابعة .. خامسة بالتاء، وإن كان مذكَّراً جَرَّدته من التاء.
إذاً: ثالث عَشَر، تعلم أنَّه مذكَّر، لأنَّ الأول مُجرَّد من التاء وهو مُطابق، وعَشَر هذا مُجرَّدٌ من التاء وهو مطابق.
كذلك: ثلاثة عَشَر، (عَشَر) الثاني هذا علمنا أنَّه كالأصل .. التركيب الأول، و (ثلاثة) بالتاء لأنَّه مُخالف. وهكذا إلى تاسع عَشَر تسعة عَشَر، وثالثة عَشْرة ثلاث عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة تسع عَشْرة، وتكون الكلمات الأربع مبنيَّةً على الفتح.
والمركَّب الأول مُضاف إلى الثاني، والمركَّب الثاني يكون في محل جر، والعامل فيه هو المركَّب الأول، والمعنى: أنَّه بعض أحد عَشَر، أو بعض الثلاث عَشَر إلى آخر ما ذكره، هذا الوجه الأول.
الوجه الثاني: إذا أردت بالمركَّب ثاني اثنين، ماذا تصنع؟ الوجه الأول: تأتي بتركيبين، هنا لا .. عفونا عن التركيبين.
قال: " أن تحذف (عَشَر) من الأول اسْتغناءً به في الثاني، وتُعرِب الأول لزوال التركيب وتضيفه إلى التركيب الثاني " تحذف (عَشَر) من الأول فقط، ولذلك قال:
أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ
…
إِلَى مُرَكَّبٍ. . . . . . . . . . .
يعني: تأتي بِزِنة (فاعل) وتضيفه إلى الثاني، إنْ جعلته ابتداءً هكذا لا إشكال، ولكن ابن هشام يرى أنَّه في الأصل: مركَّب يعني: التركيبين السابقين، فحذفت من الأول: العَجُز فبقي لفظ واحد، وإذا بقي لفظ واحد .. الصدر حينئذٍ زال مُوجب البناء فعاد إلى أصله، لأنَّه إنَّما بُنِي لتركيبه تركيب (خمسة عَشَر)، فإذا حذفت العَجُز حينئذٍ لم يكن مُركَّباً، فعاد إلى أصله وهو: الإعراب فأعربته.
وأمَّا المركَّب الثاني بقي على حاله وهو مضافٌ إليه، ولماذا بقي على حاله؟ لبقاء التركيب، وإذا بقي التركيب فهو على أصله من البناء.
إذاً: أنْ تَحذف (عَشَر) من الأول استغناءً به في الثاني، وتُعرب الأول لزوال التركيب وتضيفه إلى التركيب الثاني، هذا عبارة ابن هشام هناك.
الثاني قال ابن عقيل: " أن يُقتصر على صدر المركَّب الأول فيُعرب لعدم التركيب، ويضاف إلى المركَّب الثاني باقياً الثاني على بناء جزئيه " تقول في التذكير: هذا ثالث ثلاثة عَشَر، (هذا) مبتدأ، و (ثالث) بالضَّمِّ مُعرب، لأنَّه في الأصل: ثالث عَشَر ثلاثة عَشَر، حذفنا عَجُز الأول فرجع إلى أصله وهو الإعراب لزوال موجب البناء وهو التركيب، فصار: هذا ثالثُ، بالرَّفع .. رجع إلى أصله، فـ (ثالث) هذا خبر، وهو مضاف، و (ثلاثة عَشَر) مبنيٌّ على فتح الجزئيين مضاف إليه في محل جر.
وتقول في التأنيث: هذه ثالثة ثلاث عَشَر، الأصل: ثالثة عَشْرة ثلاث عَشْرة، فحُذِف عَجُز المُركَّب الأول فقيل: ثالثة .. رجع إلى أصله وهو الإعراب، فقيل: ثالثة ثلاث عَشَر، هذا الوجه الثاني وأشار إليه بقوله:
أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ
…
إِلَى مُرَكَّبٍ. . . . . . . . . . .
وإن كان ظاهر النَّظم أنَّه جيء به ابتداءً، يعني: ليس فيه حذفٌ.
الثالث: أنْ تَحذف العقد من الأول، والنَّيِّف من الثاني، يعني قوله:(حَادِيْ عَشَرَا) قلنا: حذفنا العقد الذي هو (عَشَرَا) العَجُز من الأول، وحذفنا الصدر من الثاني، إذاً: فيه حذفٌ، ولذلك قال هنا: أنْ تَحذف العقد من الأول، الذي هو (عَشَر) والنَّيِّف من الثاني .. صَدرُه، وحينئذٍ لك في وجهان.
قال: " وفيه حينئذٍ وجهان الأول: أن يُعرب الأول ويبنى الثاني " حكاه الكسائي.
يُعرب الأول: (حَادِيْ عَشَرَا) يُعرب الأول ويبنى الثاني، وهذا له نظير: اثنا عَشَر، ووجه: أنَّه حُذِف عَجُز الأول فأُعِرب لزوال التركيب وهذا واضح، ونَوَى صدر الثاني فبناه، ولا يُقاس على هذا الوجه لِقِلَّته.
الثاني: أنْ تعربَهما معاً مُقدِّراً حَذف عَجُز الأول وصدر الثاني، لزوال مقتضى البناء فيهما حينئذٍ، يعني: أنت حذفت من الأول العَجُز، ومن الثاني: الصدر، إذاً: زال التركيب من الأول ومن الثاني وعاد إلى الأصل وهو الإعراب، هذا جيِّد.
لزوال مقتضى البناء فيهما حينئذٍ، فيُجرى الأول على حسب العوامل، وَيُجَرُّ الثاني بالإضافة، لأنَّه ملازم للإضافة، أمَّا إذا اقْتَصرت على التركيب الأول بأنْ استعملت النَّيِّف مع العَشْرة ليفيد الاتِّصاف بمعناه مُقيَّداً لمصاحبته العَشْرة كما هو ظاهر النَّظم، فإنه يَتعيَّن بقاء الجزئيين على البناء.
إذاً: يُقتصر على الأول لكن على الحذف، ابن عقيل هنا يقول في الصورة الثالثة:" أنْ يُقتصر على المركَّب الأول باقياً على بناء صدره وعجزه، نحو: هذا ثالث عَشَر " ظاهره: أنَّك تَحذِف الثاني مباشرة ويبقى على الأول، وليس هذا كلام النُّحاة هنا.
إذاً: أن يُقتصر على المركب الأول باقياً على بناء صَدْرِه وعَجُزه، نحو: هذا ثالثَ عَشر، وحَذفت الثاني، وثالثةَ عَشْرة وإليه أشار بقوله:
وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا
…
وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: ثاني عَشَر إلى تاسع عَشَر، وفي التأنيث حادية عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة، فتُذكِّر اللفظين مع المذكر، وتؤنِّثهما مع المؤنَّث.
ثُمَّ قال: "ولا يُستعمل فاعلٌ من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الثاني، وهو أن يُراد به جعل الأقلِّ مساوياً لِمَا فوقه" جماهير البصريين والكوفيين على المنع، فلا يُقال: رابع عَشَر ثلاثة عَشَر، كما تقول: رابع ثلاثة .. ثالث اثنين، مُصَيِّر الثلاثة أربعة، رابع ثلاثةٍ، يعني: جاعل الثلاثة أربعة. وكذلك الجميع ولهذا لم يذكره المصنف واقتصر على ذكر الأول، لكن هذا مذهب جماهير النُّحاة البصريين والكوفيين.
وأمَّا مذهب سيبويه فإنَّه يُجوِّز ذلك، ولك حينئذٍ في ذلك وجهان: أن تأتي بمركبين صدر أولهما أكبر من صدر ثانيهما بواحد: ثالث اثنين، الأول أكبر من الثاني بواحد، لأنك تريد به مُصيِّر الاثنين ثلاثةً، إذاً: المُركَّب مثله تعامله معاملة ثاني اثنين، فتقول: رابع عَشَر ثلاثة عَشَر، ويجب في هذا الوجه إضافة المركَّب الأول إلى المركَّب الثاني، وهذا كالسابق (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ).
الوجه الثاني: أن تَحذِف عَجُز المركَّب الأول، فتقول: رابع ثلاثة عَشَر، لأنَّه لَمَّا زال التركيب عاد إلى أصله وهو الإعراب، فيجوز لك في هذا الوجه إضافة الأول إلى الثاني، وتنوين الأول ونصب الثاني مَحلاً به، يعني: أنَّه يُعامل معاملة ضاربُ زيدٍ وضاربٌ زيداً كما سبق.
قلنا:
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا
…
فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ. . . . . . . . . .
إذاً: يجوز فيه وجهان، هذا مثله تقول: رابعٌ ثلاثة عَشَر .. رابعُ ثلاثة عَشَر، يجوز فيه الوجهان، كما تقول: ضاربُ وضاربٌ.
قال هنا الشَّارح: " (وحادي) مقلوب واحد، (وحادية) مقلوب واحدة " لذلك نَصَّ النَّاظم على حادي دون غيره لزيادة فائدة، وإلا لا علاقة له هنا بهذا وإنَّما يُذكر في فن الصَّرف. جعلوا فاءهما بعد لامهما، هذا يُسمونه قلب مكاني، ولا يُستعمل (حادي) إلا مع عَشَر، ولا تستعمل (حادية) إلا مع عَشْرة مُذكَّر ومؤنَّث.
ويُستعملان أيضاً مع عشرين وأخواتها: حادي وتسعون، وحاديةٌ وتسعون، وأشار بقوله:(وَقَبْلَ عِشْرِينَ) البيت إلى أنَّ فَاعِلاً المصوع من اسم العدد يُستعمل قبل العقود ويعُطف عليه العقود، نَحو: حادي وعشرون، وتاسعٌ وعشرون إلى التسعين، وتعربه هو والسابق على أصله: تاسعٌ إمَّا أن يكون نعتاً .. إمَّا أن يكون مفعولاً به إلى آخره، و (الواو) حرف عطف، و (عشرون) يأخذ حكم ما سبق، مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ .. زيدٌ وعمروٌ .. تاسعٌ وعشرون مثله، يعني:(زيد) على حسب موقعه من الإعراب، و (الواو) حرف عطف، و (عشرون) هذا مثل: عمرو .. معطوف على سابقه، قد يكون منصوباً وقد يكون مجروراً.
وقوله: (بِحَالَتَيْهِ) معناه: أنه يُستعمل قبل العقود بالحالتين اللتين سبقتا، وهو أنْ يُقال:(فاعل) في التذكير، و (فاعلة) في التأنيث.
إذاً: هذا ما يَتعلَّق بالعدد إذا كان مصوغاً على زِنَة (فاعل).
وخلاصة هذه الأبيات الأخيرة ما كان على زِنَة (فاعل) أنْ يُقال: لك في اسم الفاعل أنْ تستعمله بحسب المعنى الذي تريده على سبعة أوجه، كلها منظومة إلا واحد .. ترتيبها فقط:
الأول: أنْ تَستعمله مُفرداً: ثالثٌ .. رابع، ثالثةٌ .. رابعةٌ، تستعمله مُفرداً ليفيد الاتِّصاف بمَعْناه مُجَرَّدَاً، فتقول: ثالثٌ ورابعٌ.
الثاني: أنْ تَستعملَهُ مع أصلِهِ الذي اشْتُقَّ مِنه: (ثالث) هذا مُشتق من ثلاثة، تَستَعملُه مع أصله ليُفيدَ أنَّ المَوْصُوفَ به بَعْضُ تعلك العِدَّة المُعيَّنَة لا غَير، فتقول: خامس خمسةٍ، أي: بعض جماعةٍ مُنحَصِرةٍ في خَمسة، ولذلك: بَعْضٍ بَيِّنِ كما قال هنا، ويجب حينئذٍ إضَافتُهُ إلى أصلِهِ كما يجبُ إضَافة البَعضِ إلى الكل.
الثالث: أن تَستعملَهُ مَع مَا دُونَ أصلِه، يعني: أصله الذي اشتُقَّ منه: (ثالث) اشْتُقَّ من ثلاثة، إذاً: تستعمله لا مع ما اشتق منه كما هو الثاني، وإنَّما تَستعمله مع دون ما اشْتُقَّ منه، الذي هو دونه .. أسفل منه، فـ:(ثالث) دونه اثنان، فتقول: ثالث اثنين. مع ما دون أصله ليُفِيد معنى التَّصيير والجعل، فتقول: هذا رابع ثلاثةٍ، أي: جاعل الثَّلاثة بنفسه أربعةً، ويجوز حينئذٍ إضافته وإعْمَاله كما يجوز الوجهان في: جاعل ومُصيِّر ونَحوهما، يعني: اللفظ نفسه (جاعل) .. (صَيَّر) .. (صار) هذا يجوز فيه الوجهان، لأنه اسم فاعل.
ولا يُستَعمَل بهذا الاستعمال: (ثانٍ) كما ذكرناه، فَلا يُقالُ: ثاني واحدٍ، ولا ثانٍ واحداً، لا بالإضافة ولا بالنَّصب.
الرابع: أن تستعْمِلَهُ مع العَشْرَة ليُفيدَ الاتِّصَاف بِمعْناه مقيَّداً بِمصاحبة العَشْرَة، إنْ أُريد به البعض صار مثل: ثاني اثنين، وإن أُريد به جاعل ما دونه مساوياً له صار مثل: ثالث اثنين، فتقول: حادِي عَشَر بتذكيرهما، وحاديةَ عَشْرةَ بتأنيثهما وكذا البواقي، تُذَكِّرُ اللَّفظَين مع المُذكَّر وتُؤَنِّثُهما مع المُؤنَّث، ولذلك تقول: الجزء الخامس عَشَر، والقصيدة الخامسة عَشْرة.
الخامس: أن تستعمِلَهُ معَها ليُفِيد معنى: ثاني اثنين، وهو انْحصار العدة فيما ذُكِر على الأوجه الثلاثة المذكورة في النَّظم.
السادس ولم يذكره النَّاظم: أنْ تَستعملَه معها لإفادة مَعنى: رابع ثلاثة، فتأتي بأربعة أَلفَاظ ولكن يكونُ الثالث مَنها دونَ ما اشتُقَّ منه الوَصفُ فتَقولُ: رَابعَ عَشْرة ثَلاثَةَ عَشَر، أجازه سيبويه ومَنَعه الجمهور، وعلى الجواز يَتعيَّن بالإجماع أنْ يكون التركيب الثاني في موضع خفضٍ.
ولك أنْ تَحذف العشرة من الأول: رابع عَشْرة ثلاثة عَشَر، احذف (عَشَر) من الأول، تقول: رابع ثلاثة عَشْرة، وليس لك مع ذلك أن تَحذف النَّيِّف من الثاني للإلباس، يعني: الصدر الثاني لا يُحذف كما هو الشأن في سابقه.
السابع: أن تستعمله مع العشرين وأخواته، حينئذٍ يكون مُتقدِّماً وتعطف عليه العقد بالواو ولا يُشتقُّ منه.
قال - رحمه الله تعالى -: (كَمْ، وَكَأَيِّنْ، وَكَذَا).
أي: هذا مبحثها، وهذه ثلاثة ألفاظ يُكنَى بِها عن العدد، العدد هناك صريح: ستة وسبعة وخمسة وثلاثة .. هذا عددٌ صريح، قد يُكنَى عن العدد ببعض الألفاظ، منها المشهور في لسان العرب: كم، وكأيٍّ، بالتنوين وقد لا يُكتب التنوين، في النُّطق تُنَوَّن: كأيٍّ، وكذا، إذاً: هذه ألفاظ يُكنَى بِها عن العدد، ولهذا أردف بها (باب العدد).
(كَمْ) هذا اسم مُبهم الجنس والمقدار، (كَمْ) تسأل عن أي شيء، إن كانت استفهاميَّة تستفهم عن ماذا، وإن كنت تخبر تُخبر عن ماذا، فهو في نفسه مبهم (كَمْ): كم طالباً نَجح؟ حينئذٍ نقول: (كَمْ) لوحدها مبهمة من حيث الجنس، ومن حيث المقدار.
(كَمْ) الرَّاجح عند الجمهور: أنَّها بسيطة، يعني: غير مُركَّبة، وذهب الكِسَائي والفَرَّاء إلى أنَّها مركَّبة .. مركبة من كاف التَّشبِيه، و (مَا) الاستفهاميَّة، وأنَّ ألف (ما) الاستفهاميَّة حُذِفت كما تحذف من قوله:(بِمَ)(عمَّ) تُحذف الألف، وسيأتي هذا في محله.
ثُمَّ سكنت الميم للتَّخفيف فقيل: (كَمْ) على كُلٍّ الصواب هو قول الجمهور: أنَّها بسيطة، يعني: غير مُركَّبة، وهي على قسمين: استفهاميَّة، وخبريَّه.
استفهامية بمعنى: أيُّ عددٍ، لأنَّها مُتضمِّنة معنى همزة الاستفهام ولذلك بُنيت، أيُّ عددٍ فالسؤال بِها عن كِميَّة الشيء، إذا أرَدْتَ أنْ تعرف كميَّة الشيء، أولاً: ما هو الشيء وما كميَّته؟ لأنَّ ثَمَّ أمرين:
الأول: جنس، والثاني: مِقْدَار، (كَمْ) تسأل عن شيء، ما هو الذي تسأل عنه؟ كتاب مثلًا .. جِنْس الكتاب وعدده، إذاً: تسأل عن كِميَّة الشيء، فيأتي المُميِّز كاشفاً عن هذه الحقيقة، إذاً: استفهاميَّة بِمعنى أيُّ عددٍ، فالسؤال بِها عن كِميَّة الشيء.
وخبرية، بمعنى: عدد كثير، هذه تُستعمل للافتخار، كم مالٍ ملكت؟ كثير .. يفتخر، وتُستعمل للافتخار والتكثير، إذاً: خبرية بِمعنى عدد كثير، وكُلٌّ منهما .. من الاستفهامية والخبرية يفتقر إلى تمييز.
قال النَّاظم:
مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا
…
مَيَّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصَاً سَمَا
(كَمْ) الاستفهاميَّة تُمَيَّز بِما ميَّزت به عشرين، وما هو تمييز العشرين؟ واحد، قال: بواحدٍ مفردٍ منكَّرٍ منصوب، إذاً: تمييز (كَمْ) يكون واحداً لا جمعاً .. مُنكَّراً لا معرَّفاً .. منصوباً لا مجروراً، لأنَّه قيَّده هنا قال:
مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا
…
مَيَّزْتَ عِشْرِينَ. . . . . . . . .
(مَيِّزْ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، (فِي الاِسْتِفْهَامِ) متعلِّقٌ به، (كَمْ) مفعول به قُصِد لفظه، ميِّز كَمْ .. (كَمْ) مفعولٌ به لأنَّه مَحلٌّ للتمييز، (بِمِثْلِ) هذا مُتعلِّق بـ (مَيِّزْ)، ميِّز بِمثل ما ميَّزت .. بِمثل تمييز عشرين، فـ (مَا) يَحتمل أنَّها مصدريَّة، فتؤول مع ما بعدها بمصدر فيكون مضافاً إلى (مِثْلِ)، بِمثل تمييز عشرين.
ويَحتمل أنَّها موصولة، وحينئذٍ تكون مضافاً إليه وواقعة على تمييز العشرين، بِمثل تمييز ميَّزت به عشرين، فإذا جعلتها مصدريَّة حينئذٍ لا تَحتاج إلى عائد، وإذا جعلتها موصولة لا بُدَّ من التقدير:(مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) مَيَّزت به عشرين، فَحُذِف العائد للعلم به.
(بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ) به (عِشْرِينَ)، إذا جعلت (مَا) موصولة، (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ) به (عِشْرِينَ)، أي: مفرداً منصوباً، لأنَّه لم يُسمع إلا كذلك، فالعِلَّة في ذلك السَّمَاع، وَعُلِّل: أمَّا كونه مفرداً فلازمٌ مُطلقاً خلافاً للكوفيين، فإنَّهم يُجيزون جمعه مُطلقاً.
إذاً قوله: (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) ليس مَحلَّ وفاقٍ بين النُّحاة، بل هذا مذهب البصريين: أنَّ تَمييز (كَمْ) الاستفهامية يكون مُفرداً لا جَمعاً، وأمَّا الكوفيون فَجَوَّزوا أن يكون مُميّز (كَمْ) الاستفهامية جمعاً، خِلافاً للكوفيين فإنَّهم يُجيزون جمعه مُطلقاً، أي: سواءٌ أُرِيد به الأصناف أو لا: كم عبيداً مَلَكتَ؟ انظر! (عبيدًا مَلَكت) صارت استفهاماً .. يستفهم عن عدد العبيد.
وجاء بالتَّمييز هنا جمعاً: عبيداً، وهذا مُمتنع عند البصريين، يجعلونه حال. كم عبيداً مَلَكتَ؟ وجعله البصريون حالاً والتَّمييز محذوف، في مثل هذا التركيب إذا جاء بعد (كَمْ) الاستفهامية جمع وهو مُمتنع عند البصريين: كم عبيداً ملكت؟ قالوا: (عبيداً) هذا ليس بتمييز، التَّمييز محذوف، وإنَّما هذا حال.
والتَّمييز محذوف، أي: كم نفساً ملكت حالة كونهم عبيداً أي: مملوكين، وهذا فيه تكلُّف (كم نفساً) (نفساً) قدَّروا التمييز مفرد: كم نفساً ملكت حالة كونهم عبيداً؟ أي: مملوكين، (عبيداً) هذا كيف جعلوه حال وهو جامد؟ قالوا: أي مملوكين، ومذهب الأخفش التفصيل: إن كان السؤال عن الجماعات نحو: كم غلاماناً لك إذا أردت أصنافًا .. جماعات، المُراد به الأصناف، إن كان السؤال عن الجماعات يعني: الأصناف حينئذٍ جاز، كم غلاماناً لك إذا أردت أصنافاً، (الغلمان) قد يكون عجم وعرب ونحو ذلك.
حينئذٍ: إذا كان السؤال عن الأصناف جاز الجمع وإلا فكان مفرداً: كم غلماناً لك، إذا أردت أصنافاً من الغلمان جاز وإلا فلا، فالمعنى عليه: كم صنفاً من أصناف الغلمان استقروا لك، فالسؤال فيه عن عدد أصناف الغلمان، لا عن عدد آحادهم.
إذاًَ: تمييز (كَمْ) النَّاظم حكم بكونه مُفرداً خلافاً للكوفيين المطلقين بأنَّه يكون جمعاً، وخلافاً للأخفش المُجوِّز أن يكون جمعاً إذا أُريد به الأصناف .. الجماعات دون غيره، وأمَّا النَّصب، لماذا منصوب؟ قالوا: النصب فيه ثلاثة مذاهب:
- الأول: أنَّه لازمٌ مُطلقاً، يعني: يَجب أن يكون منصوباً دائماً .. لا يكون مجروراً وإنَّما يكون منصوباً دائماً فهو ملازمٌ للنصب.
أي: سواءٌ دخل على (كَمْ) حرف جر أو لا، خِلاف ما ذكره النَّاظم، إذاً: ملازمٌ للنصب، مطلقاً دخل على (كَمْ) حرف جر أو لا.
- الثاني: ليس بلازمٍ بل يجوز جرُّه مُطلقاً حملاً على الخبريَّة.
- الثالث: أنَّه لازمٌ إن لم يدخل على (كَمْ) حرف جر.
وهذا الذي ذكره النَّاظم وهو الظاهر: أنَّه يجب نصبه إلا إذا دخل على (كَمْ) حرف جر، حينئذٍ يجوز الوجهان: النصب والخفض، والنصب أرجح من الخفض.
أنَّه لازمٌ إن لم يدخل على (كَمْ) حرف جر، وراجحٌ على الجرِّ إن دخل عليها حرف جرٍّ وهذا هو المشهور، وهو الذي قدَّمه هنا في النَّظم.
مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا
…
مَيَّزْتَ. . . . . . . . . . . . . . . .
بِمثل تمييز عشرين بكونه مُفرداً لا جمعاً خلافاً للكوفيين منصوباً ملازماً للنصب إلا إذا دخل عليه حرف جر، (كَكَمْ شَخْصَاً سَمَا) (كَكَمْ): كقولك، الكاف داخلة على مقولٍ محذوف، (كَمْ) هذا مبتدأ، و (شَخْصَاً) تَمييز، (سَمَا) الجملة خبر، (سَمَا) فعل ماضي وفيه ضمير يعود على (كَمْ)، لأنَّه جملة فعليَّة وهو خبر، لا بُدَّ أن يعود شيءٌ على المبتدأ الذي هو الرابط، وهنا ضمير (سَمَا) هو يعود على (كَمْ)، إذاً: والجملة في محل رفع خبر (كَمْ).
إذاً: (كَمْ شَخْصاً سَمَا)(كَمْ) في محل رفع مبتدأ، و (شَخْصاً) هذا منصوب تمييز، و (سَمَا) الجملة خبر، ومن قوله:(شَخْصاً) هذا فيه تأكيد ليس فيه زيادة على ما ذكره بقوله: بِمثل تَمييز عشرين، هنا المثال قد لا يُؤخذ منه إلا أنَّ التَّمييز قد يكون مُضمَّناً معنى الاستفهام، التَّمييز الذي وقع السؤال عنه يكون مُضمَّناً معنى الاستفهام.
ولذلك قال المكُودِي: " وفُهِم من قول الاستفهام – هذا السَّابق ليس في المثال - أنَّها تُقدَّر بِهمزة الاستفهام والعدد " ولذلك تقول في المثال: أعشرون شخصاً أم أقل أم أكثر سَمَا؟ يعني: (كَمْ) الاستفهاميَّة كما سيأتي من الفوارق بينها وبين الخبَريَّة: أنَّها تُضَمَّن معنى الاستفهام.
حينئذٍ يصح أن يدخل على العدد المسئول عنه همزة الاستفهام: كم شخصًا سَمَا .. أعشرون شخصاً أم أقل أم أكثر سَمَا؟ فهو في قوة هذا القول، لكن هذا مأخوذ من قوله:(مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ) لأنَّه أطلق الاستفهام، فحينئذٍ (كَمْ) على المشهور أنَّها بُنيت لتضمُّنها معنى همزة الاستفهام، وإن كان ثَمَّ شَبهٌ آخر، وهو: الوضع، لأنَّها على حرفين.
وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا
…
إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا
أصلها: (أَجِز أَنْ) أُريد التخفيف فأُلقيت حركة الهمزة إلى آخر ما قبلها .. هو ساكن، ثُمَّ حُذِفت وقال:(أَجِز انْ) .. (أَجِزَ انْ) إذاً: (أَنْ) هذه مصدرية، و (تَجُرَّهُ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ)، و (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر: أجز جرَّه، (تَجُرَّهُ مِنْ)(تَجُرَّهُ) الضمير هنا يعود على التَّمييز، أين هو التَّمييز؟ عاد على (مَيَّزْتَ)، أو على (مَا)؟ إن جعلنا (مَا) موصولة عاد على (مَا)، لأنَّ (مَا) تَصدُق على التمييز وهذا لا إشكال فيه واضح، عاد على الاسم، وإن كانت (مَا) مصدريَّة حينئذٍ عاد على المصدر الذي اشْتُقَّ منه (مَيِّزْتَ) مثل:((اعْدِلُوا هُوَ)) [المائدة:8] أي: العدل.
هنا: (أَجِزَ انْ تَجُرَّهُ) تَجُرَّ التمييز الذي اشْتُقَّ منه (مَيِّزْتَ)، إذاً: يجوز فيه الوجهان، و (وَأَجِزْ) هذا أمر بالجواز فدل على أنَّه ليس بلازمٍ، هذا أول فائدة من هذا التعبير، (أَجِزْ) إذاً: ليس بواجب وإنَّما هو جائز، (أَجِز أَنْ تَجُرَّهُ) يعني: تجر التمييز (مِنْ مُضْمَرَا)، يعني: يكون تَمييز (كَمْ) الاستفهامية مَجروراً لا منصوباً، ولذلك قلنا المشهور وهو ظاهر كلام النَّظم هناك: أنَّه لازمٌ إلا إذا دخل على (كَمْ) حرف جر.
وهنا قال: (أَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا) لا ظاهرة (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا).
يعني: إذا دخل على (كَمْ) حرف جرٍّ ظاهر: بكم درهمٍ اشتريت؟ (كم درهماً)؟ بالنصب على الأصل، هذا واجب النَّصب، (كم درهماً) على ظاهر النَّظم: واجب النَّصب، لأنَّه قال:(بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) ومُميِّز (عِشْرِينَ) واجب النصب، وهنا استثنى حالة واحدة: وهي إذا دخل حرف الجر على (كَمْ)، حينئذٍ تقول: كم درهماً .. كم كتاباً اشتريت، واجب النصب.
فإذا دخل حرف الجر على (كَمْ) .. بكم درهمٍ .. درهماً، قال:
أَجِزً انْ تَجُرَّهُ مِنْ. . . . .
…
إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ. . . .
يعني: إذا دخل على (كَمْ) الاستفهامية حرف جر حينئذٍ جاز أن تَجُرَّه (مِنْ)، فحينئذٍ تقول: بكم درهمٍ؟ الباء داخلة على (كَمْ)، و (كَمْ) بعدها (مِنْ) حرف جر مُضمرة .. مُقدَّرة، فـ (درهمٍ) ليس مجروراً بإضافة (كَمْ) إليه على ظاهر كلام النَّاظم، وإنَّما مجرور بـ (مِنْ) مُقدَّرة.
إذًا الخلاصة: يَجوز في تَمييز (كَمْ) الاستفهاميَّة أنْ يكون مجروراً، وذلك إذا دخل عليها حرف جر.
هنا أطلق: (حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا) لم يُقيِّده بالباء، ولا بـ:(على)، ولا بـ:(في)، ولا بـ:(إلى) فهو عام، كل حرف جر جاز دخوله على (كَمْ) فالحكم له.
(وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ)(تَجُرَّهُ) الجملة هذه (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر مفعول به لـ: (أَجِزَ)، وقوله:(أَجِزَ) دلَّ على أنَّه ليس بلازم، تَجرَّه للتَّمييز، (مِنْ) ما إعراب (مِنْ)؟ فاعل، (تَجُرَّهُ) يعني: تجرَّ (مِنْ) التمييز، (مُضْمَرَاً) هذا حال من (مِنْ)، يعني: حال كون (مِنْ) وهو حرف جر (مُضْمَرَا)، يعني: لا يظهر، وجوَّز بعضهم إظهاره: بكم من درهمٍ اشتريت؟ يعني: بكم درهمٍ اشتريت؟ فإذا جُرَّ حينئذٍ ودخلت الباء على (كَمْ) المشهور عند النُّحاة أنَّه يجب إضمار (مِنْ) ولا يجوز إظهارها، وعند بعضهم يجوز إظهارها.
(إِنْ وَلِيَتْ) هذا قيدٌ في الجواز، (أَجِزَ) بشرط (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ)، (كَمْ) هذا فاعل (وَلِيَ)، (حَرْفَ جَرٍّ) هذا مفعول به، (حَرْفَ) مضاف و (جَرٍّ) مضاف إليه، (مُظْهَرَا) هذا نعتٌ لـ (حَرْفَ جَر) .. (حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا) يعني: ظاهراً.
إذاً: الأصل في تَمييز (كَمْ) أن يكون منصوباً، ويجوز جَرُّه إذا دخل حرف جَرٍّ على (كَمْ) حينئذٍ يكون جَرُّه بـ (مِنْ) مُقدَّرة مضمرة لا بإضافة (كَمْ) إليه وهذا ظاهر كلام النَّاظم هنا.
قال الشَّارح: " (كَمْ) اسمٌ، والدَّليل على ذلك: دخول حروف الجر عليها، ومنه قولهم .. " وهو دلالته على معنى عددٌ، قلنا: يُسأل: أيُّ عددٍ؟ هذه (كَمْ) الاستفهاميَّة تدلُّ على هذا، وكذلك تدلُّ على التكثير فيما إذا كانت خبَريَّة .. إذا دلَّت على معنى فوُجِد فيها حدُّ الاسم.
ومنه قولهم: على كم جذعٍ سقفت بيتك؟ - قديم هذا - وهي اسمٌ لعددٍ مُبهم، ولا بُدَّ لها من تَمييز، نحو: كم رجلاً عندك؟ وقد يُحذف للدَّلالة، نحو: كم صمت؟ أيْ: كم يوماً صمت،؟ إذا دلَّ عليه دليل، لأنَّه منصوب .. تَمييز جاز حذفه.
وتكون استفهاميَّة وخبَريَّة، فالخبَريَّة سيأتي، والاستفهاميَّة: يكون مُميزهَا كمُميز عشرين وأخواته، فيكون مفرداً منصوباً نَحو: كم درهماً قبضت؟ ويَجوز جَرُّه بـ (مِنْ) مضمرة، (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ)، نحو: بكم درهمٍ اشتريت هذا؟ يعني: بكم من درهمٍ؟ هذا الأصل، فحُذِفت (مِنْ) وبقي عملها، قيل: ويَجوز إظهارها، فإن لم يدخل عليها حرف جر وجب نصبه .. فهو واجب النصب، لذلك المذهب الثالث: لزوم النصب إلا في هذه الحالة.
إذاً:
مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا
…
مَيَّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصاً سَمَا
وَأَجِزً انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا
…
إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا
(مِنْ مُضْمَرَا) ظاهره منع ظهور (مِنْ) عند دخول حرف الجر على (كَمْ) وهو المشهور، ولذلك قلنا: أجاز بعضهم .. قلة أجازوا إظهار (مِنْ) حرف جر، وأمَّا ظاهر كلام النَّاظم هنا، لأنَّه قال:(مِنْ مُضْمَرَا) دل على أنَّه لا يَجوز إظهارها.
ظاهره: منع ظهور (مِنْ) عند دخول حرف الجر على (كَمْ) وهو المشهور، لأنَّ حرف الجر الدَّاخل على (كَمْ) عِوضٌ من اللفظ بـ (مِنْ) المضمرة: بكم من درهمٍ، قالوا: الباء عِوَضٌ عن (مِنْ) حينئذٍ لا يُجمع بينهما، وقيل: يجوز بكم من درهمٍ اشتريت؟ يجوز إظهار (مِنْ).
وإذا جُرَّ بـ (كَمْ) دخل عليه حرف جر، قلنا: جاز الوجهان: بكم درهمٍ اشتريت؟ جاز النصب وهو الأرجح، والجر أيضاً، وفيه قولان:
- أحدهم: أنَّه بـ (مِنْ) مضمرة كما سبق، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفرَّاء.
- والثاني: أنَّه بالإضافة، وهو مذهب الزَّجَّاج.
حينئذٍ: كم درهمٍ؟ (كَمْ) مضاف و (درهمٍ) مضافٌ إليه، وأمَّا: بكم من درهمٍ، هذا يرد عليه إشكال وهو: أن القاعدة أنَّه لا يعمل الحرف محذوفاً مضمراً، وإذا أمكنت الإضافة لا مانع أن يُقال بأنَّه مضاف ومضاف إليه.
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ
…
أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ
هذا النوع الثاني من نوعي (كَمْ) وهي الخبرية، قلنا: يراد بٍِها عددٌ كثير، من يستعملها للافتخار والتكثير.
(وَاسْتَعْمِلَنْهَا): (كَمْ)، (مُخْبِرَاً)، (اسْتَعْمِلَنْهَا) ليس الضمير عائد إلى (كَمْ) الاستفهامية لا .. (كَمْ) من حيث هي، (اسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً)(مُخْبِرَاً) حالٌ من الفاعل.
(كَعَشَرَهْ أَوْ مِائَةٍ) يعني: مُميِّزُها يكون (كَعَشَرَهْ أَوْ كمِائَةٍ)، (كَعَشَرَهْ) ماذا يكون تمييز (عَشَرَهْ)؟
جَمعاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ ..
(أَوْ مِائَةٍ) للمفرد .. المائة تضاف إلى مفرد، إذاً: في الحالين يكون مُميِّز (كَمْ) الخبرية مُضافاً، إلا أنَّه يكون جمعاً مراعاةً للعشرة، ويكون مفرداً مراعاةً للمائة.
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ..
فيكون جمعاً مجروراً (كَعَشَرَهْ) كتمييز العشرة، قوله:(كَعَشَرَهْ) مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِلَنْ)، نون التوكيد الخفيفة، والهاء هنا ضمير مُتَّصل مبني على الفتح في مِحلِّ نصب مفعول به، (مُخْبِرَاً) هذا حالٌ من الفاعل .. من الهاء، (كَعَشَرَهْ) هذا مُتعلِّق بقوله:(اسْتَعْمِلْ)، أي: يكون جمعاً مجروراً.
(أَوْ مِائَةٍ)(أَوْ) حرف عطف معطوف على (عَشَرَهْ)، (مِائَةٍ) بالجر معطوف على (عَشَرَهْ) فيكون مفرداً مجروراً، إذاً: يكون جمعاً ويكون مفرداً، تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة يَجوز أن يكون جمعاً، ويَجوز أنْ يكون مُفرداً، أمَّا إفراده فلمشابِهة (كَمْ) للمائة والألف، كيف شابَهت (كَمْ) المائة والألف؟ قالوا: في الدَّلالة على الكثرة، ومُميِّزهُما مفرد: كم غلمانٍ عندي؟ كثير، فهي أشبهت المائة .. المائة كثيرة، والألف كذلك كثيرة، فحينئذٍ إذا اسْتُعملت (كَمْ) مُراداً بها العدد الكثير صارت مُشابِهةً للمائة والألف، فحينئذٍ صار تمييزها تمييز المائة والألف وهو مفرد.
وأمَّا جمعه فليكون في اللفظ تصريحٌ بما يدلُّ على الكثرة: كم دراهمَ؟ كثير .. فجمع الكثرة يدل على الكثرة، وحينئذٍ يُراعى فيه مدلوله، وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، يعني: مع جواز الوجهين وإن قَدَّم النَّاظم العشرة على المائة إلا أنَّ العكس هو الأفصح خلافاً لما ذكره النَّاظم هنا، قد يكون من أجل الوزن.
وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، وليس الجمع شاذَّاً بل هو مسموع، يعني: من باب أفصح وفصيح، والجرُّ هنا بإضافة (كَمْ) على الصحيح حملاً لها على ما هي مُشابِهةٌ له من العدد، إذاً: الصواب عند الجمهور: أنَّ تمييز (كَمْ) الخبرية مجرورٌ بإضافة (كَمْ) إليها.
وعند الفرَّاء بـ (مِنْ) مُقدَّرة، وَنُقِل عن الكوفيين أنَّ (مِنْ) مُقدَّرة، قيل: ويدلُّ عليه .. ولذلك يجوز إظهارها في بعض الأحوال: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ)) [النجم:26] عدد كثير (مِنْ مَلَكٍ) هذا يدلُّ على ماذا؟ الآن عندنا: كم عبدٍ ملكت؟ هذا التركيب يَحتمل أنَّ (عبدٍ) – (أنَّ عبدٍ) حكاية - مجرور بالإضافة.
ويحتمل أنَّه مجرور بـ (مِنْ) مُقدَّرة، حينئذٍ إذا قيل: بأن الأصل ألا يكون عمل حرف الجر باقياً بعد حذفه، نقول: قد سُمِع هنا: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) فحَمل اللفظ المجمل: (كم عبدٍ) من حيث العامل على ما صُرِّح فيه وهو في أفصح الكلام أولى من حمله على شيءٍ آخر مُراعاةً للقواعد العامة، فكونه صُرِّح به في الآية يُرجِّح مذهب الفرَّاء من أنَّ العامل (مِنْ) مُقدَّرة.
حينئذٍ: (كَمْ مِنْ مَلَكٍ) هذه تبقى على أصلها، (مِنْ) حرف جر، و (مَلَكٍ) هذا تمييز جُرَّ بـ:(مِنْ) ظاهرة، إذا قيل: كم مَلَكٍ .. كم عبدٍ، الأوْلَى أن نقول مجرور (عبدٍ) و (ملكٍ) بالإضافة أو بـ (مِنْ) مُقدَّرة؟ بـ (مِنْ) مُقدَّرة، هذا وجهٌ جيِّد للتَّصريح به، وأمَّا القاعدة التي نُدنْدِن حولها دائماً: بأنَّه لا يعمل محذوفاً، نقول: إذا جاء في أفصح الكلام فهو الحاكم، إذا جاء وصَحَّ:(كَمْ مِنْ مَلَكٍ) قلنا: هو التمييز وهذا الظَّاهر، أنَّ (مَلَكٍ) هنا تمييز ومجرور بـ (مِنْ) حينئذٍ نَحمل عليه سائره، ولا إشكال في هذا.
إذاً مذهب الكوفيين: أنَّ تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة مجرورٌ بـ (مِنْ) مُقدَّرة مُضمرة، وقد تظهر كالآية التي ذكرناها آية النجم، ومذهب البصريين: لا بِـ (مِنْ) مُقدَّرة، وإنَّما بالإضافة.
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ
…
أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ. . . . .
كَمْ من رِجالٍ، أو:(كَمْ) مضاف و (رِجَالٍ) مضاف إليه على الوجهين، (كَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ)(كَمْ) هذا مبتدأ، والخبر محذوف أيْ: كم رجالٍ عندي .. كم مرة عندي؟ و (مَرَهْ) هذا لغةٌ في المرأة، أصله: مرأة، نُقِلت حركة الهمزة للواو، ثُمَّ حُذِفت الهمزة، مرأةٌ هذا الأصل، نُقِلت حركة الهمزة إلى الراء (مَرْ) ساكنة، ثُمَّ حُذفت الهمزة صارت مرة، فهي لغة على التخفيف.
وشرط جَرِّ تَمييز (كَمْ) الخبرية: الاتصال، فإن فُصِل نُصِب حملاً على الاستفهاميَّة، فإن ذلك جائزٌ في السَّعَة، وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرور، أو جملة، يعني: سُمِع فَصله (كَمْ) عن التمييز، والتمييز عن (كَمْ)، بالجار والمجرور، أو بالظرف، أو بالجملة.
وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرورٍ كقوله:
كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ نَالَ العُلَا ..
كَمْ مُقْرِفٍ .. (كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ)(مُقْرِفٍ) هذا تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة، فُصِل بينه وبين (كَمْ) بقول:(بِجَوْدٍ) وهو جار مجرور.
كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مَوْتَاةٍ .. أو: مَومَاةٍ ..
فيه ذا وذاك .. (كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مُومَاةٍ) بالجر (كَمْ موماةٍ) هذا تمييز فُصِل بينه وبين (كَمْ) بـ (دُوْنَ مَيَّةَ) وهو ظَرفٌ، والصَّحيح اختصاصه بالشِّعْر، هذا جائز لكنَّه في الشِّعْر على جهة الخصوص، وجَوَّزه الكوفيون اختياراً، فإن كان الفصل بِجملة لا بجار ومجرور أو ظرفٍ نحو:
كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلاً عَلَى عَدَمِ ..
تَعيَّن النَّصب، (فَضَلاً) هذا تَمييز، والذي عيَّن نصبه كونه فُصِل عن (كَمْ) بالجملة وهي:(نَالَنِي). تعيَّن النصب لأنَّ الفَصل بالجملة بين المتضايفين لا يَجوز، فإذا قيل:(كَمْ نَالَنِي فَضَلاً) تعيَّن النصب، هذا على مذهب البصريين: أنَّ (كَمْ) مُضافة إلى التمييز، حينئذٍ لا يَجوز الفصل بهذه العلَّة: أنَّه لا يُفصل بين المتضايفين مثل: غلام زيدٍ بَجملةٍ، أمَّا إذا قلنا: العامل هو (مِنْ مُضْمَرَا) لا يتعيَّن النصب، (كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلٍ) من فضلٍ، يبقى على الأصل، لأنَّه لا يُمنع، وجَوَّزه الكوفيون -الفصل بالجملة- بناءً على أنَّ الجرَّ بـ (مِنْ) لا بالإضافة.
إذاً:
وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ
…
أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ
إذاً: عرفنا (كَمْ) الاستفهامية، و (كَمْ) الخبرية، الاستفهاميَّة والخبَريَّة يتفقان ويختلفان .. يفترقان، يعني: ثَمَّ أمور تَجمع بينهما .. أحكام، وَثَمَّ أمور تُفَرِّق بينهما .. يفترقان في بعض الأحكام، فيَّتفقان في تسعة أمور، ويفترقان في ثمانية.
- فيتفقان في أنَّهما اسمان .. كلٌّ منهما اسمٌ لوجود معنى الاسم .. كلمةٌ دلَّت على معنى في نفسها، فالاستفهاميَّة تدلُّ على عددٍ أيُّ عددٍ، والخَبَريَّة تدلُّ على عددٌ كثير، ويدخل حرف الجر عليها.
- اتفقا في أنَّهما مبنيان، أمَّا (كَمْ) الاستفهاميَّة و (كَمْ) الخبَريَّة من حيث اللفظ وُجِد فيهما الشَّبه الوضعي، فيُنظر إليه قد يجتمع نوعان .. شبهان، والأحسن أن يُعَلَّق بالمعنى، لأنَّ (كَمْ) الاستفهاميَّة ضُمِّن معنى همزة الاستفهام، و (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، عدد كثير: رُبَّ كريم لقيته، نقول: هنا للتكثير مثلًا، أو للتَّقليل، فإذا أراد به التكثير فهي للتكثير.
حينئذٍ نقول: (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، و (كَمْ) الاستفهامية ضُمِّنت معنى همزة الاستفهام، هذا إن راعينا المعنى وهو أجود، ولا بأس أن يُقال: بأنَّه أيضاً فيه الشَّبه الوضعي. أنَّهما اسمان مبنيَّان وبناؤهما على السكون الأصل:
وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ..
- الرابع: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامهما، إلا أنَّه في الجملة يَختلفان من حيث نوعية المُميِّز، ذاك منصوب وذا مجرور .. ذاك يكون جمع إلى آخر ما ذكرناه، إذاً: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامها، وأنَّهما يجوز حذف مُميِّزهما إذا دلَّ عليه دليل، ومنع بعض النُّحاة حذفه في مُميِّز الخبرية، الاستفهامية: كم صمت .. كم يوماً صُمْت؟ يجوز حذفه إذا دلَّ عليه دليل، وكذلك الخبرية، لكن منع بعضهم في الخبرية.
وأنَّهما يلزمان الصدر، يعني: لهما صدارة الكلام، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر: بكم درهمٍ اشتريت؟ إذاً: (كَمْ) هنا اسم مجرور بالباء، ولذلك قلنا: هي اسمٌ دخول حرف الجر عليها، إذاً: جُرَّت: كتاب كم؟ مثلا فتضيفه، إذاً: يلزمان الصدر فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر فتُجرُّ (كَمْ) بالمضاف، وتُجرُّ بحرف الجر.
وأنَّهما على حدٍّ واحدٍ في وجوه الإعراب، يعني: إعرابهما واحد لا يَخرج عن إحدى عَشْرة صورة، وأنَّهما على حدٍّ واحدٍ في وجوه الإعراب وهو أنَّ (كَمْ) بقسميها إن تَقدَّم عليهما حرف جر أو مضاف حينئذٍ في مَحل جر، إمَّا بالمضاف وإمَّا بِحرف الجر، إذا نطقت بِمضافٍ قبل (كَمْ) حينئذٍ المضاف مضاف، و (كَمْ) في مَحل جر مضاف إليه، إن قلت: بكم اشتريت؟ حينئذٍ نقول: (كَمْ) هذا مجرورٌ بالباء.
أنَّ (كَمْ) بقسميها إنْ تَقدَّم عليهما حرف جر أو مضاف فهي مجرورة، نحو: بكم درهمٍ اشتريت؟ أو مضاف نحو: غلام كم رجلٍ عندك؟ (غلام) مبتدأ وهو مضاف، و (كَمْ) مضافٌ إليه في محل جر، فهي مجرورة يعني: محلاً، لأنَّها مبنية.
وإن لم تُضَف أو يدخل عليها حرف جر، فإن كانت كنايةً عن مصدرٍ أو ظرفٍ فهي منصوبةٌ، إن كانت كناية عن المصدر فهي مفعولٌ مُطلق، وإن كانت كنايةً عن الظرف فهي مفعولٌ فيه، قد يُكنى بها عن المصدر: كم ضربةً ضربت، حينئذٍ: كم ضربةً؟ (كَمْ) هنا كنايةٌ عن عددٍ، والمراد به: مصدر فهي في محل نصب مفعول مطلق: كم ضربةً ضربت؟ (كَمْ) مبنيةٌ على السكون في محل نصب مفعول مطلق.
أو ظرفٌ، نَحو: كم يوماً صُمت؟ هنا المسئول عنه ما هو؟ الأيام، إذاً: كُنِّيَ بها عن الظرف فهي في محل نصب مفعول فيه أو ظرف.
فالمصدر نَحو: كم ضربةً ضربت؟ أو ظرف نَحو: كم يوماً صمت؟
وإلا يدخل عليها حرف جر، أو تُضاف، أو يُكنَى بها عن المصدر، أو يُكنَى بها عن الزمان، يعني: إذا انتفت هذه الأربعة فإنْ لم يلها فعلٌ .. لم يأتِ بعدها فعل، مثل: كم رجلٍ في الدَّار؟ لم يتلها فعلٌ، أو وليها فعلٌ لكنَّه لازم، نَحو: كم رجلٍ قام؟ هذا تلا (كَمْ) سواءٌ كانت استفهاميَّة أو خبَريَّة فالحكم عام: كم رجلٍ قام؟ إذاً: تلا (كَمْ) فعلٌ لكنَّه لازمٌ.
أو مُتعدٍّ لكنَّه رافعٌ لضميرٍ يعود على (كَمْ): كم رجلٍ ضرب عمراً .. كم رجلٍ قام؟ تلاها فعلٌ لكنَّه لازم، كم رجلٍ ضرب عمراً؟ تلاها فعلٌ مُتعدي ورفع ضميراً يعود على (كَمْ) أو الفاعل (كَمْ).
أو سببيَّها، نَحو: كم رجلٍ ضرب أخوه عمراً؟ في هذه الأحوال تُعرب مبتدأ، سواءٌ كانت استفهاميَّة أو خبَريَّة تُعرب مبتدأ .. في محل رفع مبتدأ، متى؟ إذا لم يتلها فعل: كم رجلٍ في الدار؟ ما جاء بعدها فعل، أو جاء بعدها فعل لكنَّه لازم: كم رجلٍ قام؟ أو جاء بعدها فعل متعدي رافع لضمير مستتر يعود على (كَمْ): كم رجلٍ ضرب عمراً؟
هذه الصورة: لا يتلوها فعل، أو يتلوها فعل لازم، أو متعدٍّ رافع لضميرها، أو متعدٍّ رافع لسببيِّها، يعني: عمل في اسم مضاف إلى ضمير، وهذا الضمير يعود على (كَمْ) مثل: كم رجلٍ ضرب أخوه عمراً؟ في هذه الأحوال الأربعة تُعرب مبتدأ.
وإن وليها فعلٌ مُتعدٍّ ولم يأخذ مفعوله فهي مفعول، هذا مثل (مَنْ) الشَّرطيَّة هناك .. أسماء الشَّرط، إذا تلاها فعلٌ مُتعدٍّ ولم يستوفِ مفعوله فـ (كَمْ) مفعولٌ به، تجعلها في محل نصب مفعولٌ به، مثل: كم رجلٍ ضربت؟ إذاً: لم يستوفِ مفعوله، حينئذٍ تقول:(كَمْ) الاستفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، لأنَّ الذي تلاها لم يستوفِ مفعوله، والمراد بالمفعول: ما يشمل المفعول الواحد والأكثر، ليدخل نحو: كم تعطي زيداً درهماً؟ فتكون مفعول ثاني، كم تعطي زيداً درهماً؟ (زيداً) هذا المفعول الأول، أين مفعوله الثاني؟ (كَمْ) هي المفعول الثاني، كم تعطي زيداً درهماً؟ فـ (كَمْ) هذه في محل نصب مفعول ثاني.
إذاً: إذا كان تالياً لها فعلٌ مُتعدٍّ لم يستوفِ مفعوله كانت (كَمْ) هي المفعول، سواءٌ كانت المفعول الوحيد إذا لم يَتعدَّ إلا لواحد، أو كانت المفعول الثاني.
وإن أخذه، يعني: استوفى مفعوله مثل: كم رجلٍ ضرب زيدٌ عمراً عنده؟ أخذ مفعوله، حينئذٍ: نعربها مبتدأ.
إلا أنْ يكون المفعول ضميراً يعود عليها، حينئذٍ تكون من باب الاشتغال، يَجوز فيه الرَّفع على الابتداء والنصب، والرَّفع أرجح، نَحو: كم رجلٍ ضَرَبْتُه .. ضَرَبْتَه؟ بالفتح أو الضَّمْ، هنا (ضَرَبْتُه) اتّصل بضمير وعمل فيه، لو ألقي هذا الضمير .. أُسقط لتسلَّط (ضَرَب) على (كَمْ) فصارت من النوع السابق، الذي تلاها فعل مُتعدي لم يستوفِ مفعوله، فصارت في محل نصب مفعول به.
إذاً: هذه إحدى عَشْرة صورة، ثنتان للجر، وهما: إذا أُضِيفت (كَمْ) .. غلام (كَمْ) أو دخل عليها حرف جر، وثلاثٌ للنصب، وخمسٌ للرَّفع، وواحدة مُحتملة للرَّفع والنصب، والأمثلة كما سبق.
إذاً: يتفقان في الإعراب من كل وجه، الأحكام السابقة إحدى عشرة صورة كلها تصدق على الخبرية والاستفهامية.
مِمَّا يتفقان عليه أيضاً: تمييز كُلٍّ منهما لا يكون منفياً، لا يصح أن يُقال: كم لا رجلاً جاءك؟
الأخير مِمَّا يتفقان عليه: أنَّ كُلَّاً منهما بسيطٌ غير مُركَّب (كَمْ) الاستفهامية و (كَمْ) الخبرية، هذه تسعة أمور يتفقان الخبرية والاستفهامية.
ويفترقان في ثمانية:
في أنَّ تمييز الاستفهامية أصله: النصب، لا نقول: لا يكون منصوباً .. انتبه! نقول: أصله النَّصب، وتمييز الخبرية أصله: الجر، - تكلَّم عن الأصل - وفي أنَّ تمييز الاستفهامية مُفرد، وتمييز الخبرية يكون مفرداً وجمعاً، هذا بلا خلاف، وأمَّا الاستفهامية فمحل خلاف، قلنا: البصريون على أنَّه يَتعيَّن أن يكون مفرداً، وجَوَّز الكوفيون أن يكون جمعاً.
وفي أنَّ الفصل بين الاستفهامية وبين مُميِّزها جائزٌ في السَّعة، تقول: كم في دارك رجلاً؟ هذا جائزٌ في السَّعة في (كَمْ) الاستفهامية - لم نذكره هذا -، ولا يُفصل بين الخبرية ومُميِّزها إلا في الضرورة، إذاً: فرقٌ بين الاستفهامية والخبرية من حيث الفصل، فالاستفهاميَّة: يَجوز فصل التمييز عنها، فتقول: كم في دارك رجلاً؟ جاز، وأمَّا الخبرية فلا يجوز.
وفي أنَّ الاستفهامية لا تدلُّ على التكثير، والخبَريَّة للتكثير، اخْتُلِف في الاستفهامية هل تدل على الكثير أم لا؟ الرَّاجح عند الجمهور: أنَّها لا تدلُّ على التكثير، والخبرية تدل على التكثير.
وفي أنَّ الخبرية تَختصُّ بالماضي كـ (رُبَّ)، ولذلك قلنا: الأولى أن يُجعل بناؤها لتضمُّنها معنى (رُبَّ)، ولذلك أخذت حكمها، (رُبَّ) كما سبق أنَّه لا يليها إلا فعلٌ ماضي، مثلها (كَمْ) الخبرية بخلاف الاستفهامية.
وفي أنَّ الخبرية تَختصُّ بالماضي كـ (رُبَّ) فلا يجوز: كم غلامانٍ لي سأملكهم؟ أنت الآن تفتخر بعدد كبير (سأملكهم) هذا في المستقبل ما تفتخر بشيءٍ مستقبل، وإلا كلنا افتخرنا بأشياء! فحينئذٍ نقول: الافتخار يكون بِما حصل ووقع، وإنَّما يكون بالماضي لا بالمستقبل، فلا يجوز: كم غلامانٍ لي سأملكهم؟ كما لا يجوز: رُبَّ غلامانٍ سأملكهم، ويَجوز: كم عبدٍ سأشتريه؟ كثير هذا ما فيه بأس؛ لأنَّ الاستفهام إنشاء لم يقع: كم عبدٍ سأشتريه؟ اشتر ما شئت، وفي أنَّ الكلام مع الخبرية مُحتمل للتَّصديق والتكذيب بِخلافه مع الاستفهامية، لأنَّ الخبرية كاسمها مُحتملٌ التصديق والتكذيب، والاستفهامية إنشاء.
وفي أنَّ الكلام مع الخبرية لا يستدعي جواباً بَخلافه مع الاستفهامية، يعني: لا ينتظر جواب: كم كتاباً اشتريت؟ خمسة، يَحتاج إلى جواب: كم عبدٍ ملكت؟ ما يحتاج إلى جواب، تُخبِر عن شيء حصل ووقع.
وفي أنَّ الاسم المُبدَل من الخبرية لا يقترن بالهمزة، بَخلاف المبدل من الاستفهامية، فيُقال في الخبرية: كم عبيدٍ لي؟ خمسون بل ستون، وفي الاستفهامية: كم مالُك أعشرون أم ثلاثون؟ يعني: يَجوز أن يُبدل من مُميِّز (كَمْ) بالاستفهام، يعني: أن يكون مقروناً بِهمزة الاستفهام.
في أنَّ الاسم المبدل من الخبرية -نفسها ليس من التمييز- من الخبرية أنَّه لا يقترن بالهمزة بخلاف المبدل من الاستفهامية، فيقال في الخبرية: كم عبيدٍ لي؟ خمسون، (خمسون) هذا بدل من (كَمْ)، بل ستون، ما جاء بالهمزة، لأنَّ (كَمْ) الخبرية ليست متضمِّنة لهمزة الاستفهام، بخلاف: كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ (عشرون) هذا بدلٌ من (كَمْ)، وهنا اقترن بالهمزة، بأنَّه بدلٌ مِمَّا تَضمَّن همزة الاستفهام وذلك لِعدم تَضمُّن المبدل منه مع الهمزة في الخبرية بِخلافه في الاستفهامية.
هذا ما يَتعلَّق بـ (كَمْ) الخبرية والاستفهامية.
ثُمَّ قال:
كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ
…
تَمْيِيْزُ ذَيْنِ أَو بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ
(كَكَمْ كَأَيِّنْ) كيف إعراب هذه؟ (كَكَمْ) الكاف حرف جر، (كَأَيِّنْ) الكاف حرف جر، (كَأَيِّنْ) كلمة واحدة، (كَأَيِّنْ) مبتدأ، فليست الكاف هذه حرف جر، وإن قيل أنَّها في الأصل: كاف تشبيه، لكنَّها صارت كلمة واحدة، حينئذٍ (كَأَيِّنْ) ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ)) [آل عمران:146].
(كَأَيِّنْ) نقول: كلمة واحدة تدلُّ هذه على ما تدلُّ عليه (كَمْ)، إذاً قال:(كَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا) كلها كنايات عن العدد.
عرفنا (كَمْ) أنها استفهامية وخبرية، هنا قال:(كَأَيِّنْ وَكَذَا) مثل (كَمْ) أَيُّ الكمين: الاستفهامية أم الخبرية؟ الجمهور على أنَّ (كَأَيِّنْ) لا تأتي إلا خبريةً ولا تأتي استفهاميَّة، وجوَّز بعضهم أنَّها استفهامية، لكن ينبغي حمل كلام النَّاظم، هنا ابن مالك: يرى أنَّ (كَأَيِّنْ) تأتي استفهامية وخبرية، وعليه قوله:(كَأَيِّنْ كَكَمْ) مُطلقاً دون قيد، على كلامه هو .. يُشرح كلامه برأيه هو .. مذهبه هو لا برأي غيره.
ولذلك تخصيص الأشْمُوني وغيره بأن (كَمْ) هنا خبريَّة، نقول: هذا فيه نظر! لأنَّ (كَأَيِّنْ) عند النَّاظم تأتي استفهاميَّة، وقِلَّة من أثبت أنَّها استفهامية، لكن ما دام أنَّه ذهب إلى هذا المذهب نَحمل كلامه عليه.
وأمَّا على قول الجمهور، تقول:(كَأَيِّنْ) هذا مبتدأ، (كَكَمْ) هذا خبر، يعني:(كَمْ) الخبرية في الدَّلالة على تكثير عددٍ مبهم الجنس والمقدار، إذاً:(كَأَيِّنْ) مثل (كَمْ) الخبرية، تُستعمل في الدَّلالة على عددٍ مُبهم الجنس والمقدار، وإذا قلنا: استفهامية كذلك يُستفهم بها عن عددٍ مُبهم الجنس والمقدار.
(كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا) هذا عطف على (كَأَيِّنْ)، (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ)، (وَيَنْتَصِبْ) هذا الجملة مستأنفة، وكان حقُّهما أن يضافا إليه، يعني: بدلاً من أنْ يُقال: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ) الأصل: أن يُضافا إليه. وكان حقُّهما أنْ يضافا إليه (كَكَمْ) تضاف لكن منع من ذلك أنَّ في آخر (كَأَيِّنْ) تنويناً يستحق الثبوت لأجل الحكاية، وفي آخر (ذَا) اسم إشارة وهما مانعان من الإضافة، لأنَّه قال:(كَمْ) وهذا يحتمل أنَّه (كَمْ) الخبرية.
حينئذٍ تمييز (كَأَيِّنْ وَكَذَا) الأصل: أن يكون محمولاً على (كَمْ) الخبرية، و (كَمْ) الخبرية سبق أنَّه كتمييز عشرة ومائة وهما مضافان، إذاً: لماذا لم يضاف (كَأَيِّنْ)؟ نقول: (كَأَيِّنْ) في آخره نون أشبهت التنوين، وهذا يمنع الإضافة، (كَذَا)(ذَا) اسم إشارة في أصله، واسم الإشارة لا يُضاف إلى ما بعده، إذاً: وُجِد مانع من الإضافة.
كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ ..
هذه جملة مستأنفة، (تَمْيِيْزُ) هذا فاعل، (ذَيْنِ) اسم إشارة إلى (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، إذاً: تمييزهما يكون منصوباً، ولذلك جاء في القرآن كذلك، (أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ) أو صل به مِنْ تُصِب، يعني: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، وإن كان ظاهر النَّظم أنَّه يعود إلى المذكور، إنَّما المراد به: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، أو التقدير بتمييز (ذَيْنِ) بالنظر للمجموع فيصدق على واحد، فالضمير هنا قوله: بِهِ الصواب: أنَّه يعود إلى (كَأَيِّنْ)، حينئذٍ ينتصب أو يُجَرُّ بـ (مِنْ) ظاهرةً ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] (نَبِيٍّ) هذا تمييز جُرَّ بـ (مِنْ) ظاهرةً، وهذا الحكم خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ) خلافاً لِمَا قد يتبادر إليه ظاهر النَّظم.
إذاً: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ)(أَوْ) هذا للتفصيل أو للإباحة، جَوَّز المكودي أن يكون للإباحة على تضمين (يَنْتَصِبْ) انصب، يعني: الإباحة لا تكون إلا بعد طلب، (يَنْتَصِبْ) يعني: انصب (أَوْ) صارت للإباحة، (أَو صِلْ بِهِ مِنْ تُصِبْ) (تُصِبْ) جواب الطلب:((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] صل تُصِب، (صِلْ مِنْ) ما إعراب (مِنْ)؟ مفعول به.
قال هنا: " تُستعمل (كَمْ) للتكثير، فَتُمَيَّزُ بِجمعٍ مجرورٍ كعشرة أو بمفرد مجرورٍ كمائة، نحو: كم غلمانٍ ملكت -هذا استفهام- وكم درهمٍ أنفقت" كم غلامانٍ ملكت؟ كثير، إذا أراد أن يُخبِر عن الغير: وكم درهمٍ أنفقت؟ أنت يعني، كثير، والمعنى: كثيراً من الغلمان ملكت، وكثيراً من الدراهم أنفقت، ولو ضُمَّت أجود، كم غلامانٍ مَلَكْتُ؟ كثير، يُخبر عن عددٍ وعن نفسه لا يُخبر عن غيره، على كُلٍّ جائز.
ومثل (كَمْ) في الدَّلالة على التكثير (كَذَا وكَأَيِّنْ)، يعني: هذان اللفظان، ومُميِّزهما منصوبٌ أو مجرورٌ بـ (مِنْ) وهو الأكثر، لكن إجراء النَّظم على ظاهره هذا فيه نظر، بل الصواب أنَّ قولهم: تصله بـ: (مِنْ) هذا خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ)، قال تعالى:((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] وملكت كذا درهماً، كيف يُجر هذا؟ كذا من درهمٍ، هذا ليس بفصيح، بل الظَّاهر أنَّ:(كَأَيِّنْ) هو الذي يُجَرُّ تمييزه بـ (مِنْ) وأمَّا (كَذَا) لا.
وتستعمل (كَذَا) مفردةً كهذا المثال، ومركَّبة نَحو: ملكت كذا كذا درهماً، ومعطوفاً عليها مثلها: ملكت كذا وكذا درهماً.
و (كَمْ) لها صدر الكلام استفهاميةً كانت أو خبرية فلا تقل: ضربت كم رجلاً، ولا ملكت كم غلمانٍ، وكذلك (كَأَيِّنْ) بِخلاف (كَذَا) نحو: ملكت كذا درهماً.
الحاصل: أنَّ (كَمْ) يُلحق بها (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، ونقول:(كَأَيِّنْ وَكَذَا) بينهما اتفاق وافتراق مع (كَمْ) فـ: (كَأَيِّنْ) توافق (كَمْ) في أمورٍ خمسة، وتخالفها في أمورٍ خمسة:
- توافقها في الإبهام، يعني: كلٌّ منهما مبهم في الجنس والمقدار، ولذلك عوملت معاملة (كَمْ) مبهمة في الجنس والمقدار، هذا الأول.
- والثاني: الافتقار إلى التمييز، كُلٌّ منهما مفتقرٌ إلى التمييز.
- والبناء، قلنا: البناء لمحمول على (كَمْ)، و (كَمْ) إنَّما (كَمْ) الخبرية إنَّما بُنيت لأي عِلَّة؟ ليس هنا الشَّبَه الوضعي (كَأَيِّنْ) هذه ثلاثة أحرف، قلنا المعنى، لأنَّها تدلُّ على التكثير، ولذلك مراعاة المعنى مُقدَّم هنا، لأنَّ العبرة بالمعاني وأمَّا اللفظ كأنَّه (كَمْ) وضع على حرفين، لا إشكال فيه، يُراعى لكن ليس هو الأصل، لا تُفرَّع عليه الأحكام.
إذاً: والبناء هذا الثالث .. في الإبِهام والافتقار إلى التمييز، والبناء للشَّبه المعنوي بـ (رُبَّ) التي للتكثير.
- ولزوم التصدير (كَمْ) و (كَأَيِّنْ) كُلٌّ منهما لازمٌ للتصدير، يعني: لا يعمل فيهما ما قبلهما.
- وأنَّ كُلَّاً منهما على نوعين - هذا المشهور -: استفهامية وخبرية بمعنى: كثير.
والجمهور أنَّها على نوعٍ واحدٍ وهو الخبَريَّة، ولا تكون استفهامية البتَّة، حينئذٍ نقول: هي لإفادة التكثير وهو الغالب، والاستفهام وهو نادر، هكذا جعله الأشْمُوني، لكن المشهور عند ابن مالك: أنَّها على قسمين (كَأَيِّنْ) مثل (كَمْ)، تكون استفهاميَّة وتكون خبَريَّة، وإن كانت الاستفهاميَّة قليلة، الخبَريَّة هو الكثير ولذلك اعتبرها الجمهور ومنعوا الاستفهاميَّة.
وتخالفها في أنَّها مركَّبة، و (كَمْ) بسيطةٌ على الصحيح كما سبق .. (كَمْ) بسيطة غير مركَّبة، و (كَأَيِّنْ) قيل: أنَّها مركَّبة، وتركيبها من كاف التَّشبيه و (أَيِّنْ) المنَوَّنَة، (كَأَيِّنْ) كاف التَّشبيه و (أَيِّنْ) المنوَّنة، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون (كَأَيِّنْ) لأنَّ التنوين لَمَّا دخل في التركيب أشبه النون الأصلية .. نون المثنَّى، ولهذا رُسِم في المصحف نوناً، ومن وقف بِحذفه (كَأَي) اعتبر حكمه في الأصل وهو الحذف في الوقف.
إذاً: فيه وجهان (كَأَيِّنْ) من حيث الوقف: قد يُوقَف عليها بالنون (كَأَيِّنْ) اعتباراً أنَّ التنوين هنا أشبه النون الأصلية كنون المثنى، وبعضهم حذف هذه النون باعتبار كونه تنويناً قبل التركيب، لأن أصله: الكاف و (أَيِّنْ)، (كَأَيِّنْ) رُكِّبَت (أَيٌّ) وهذه اسمٌ في الأصل مُركَّب من حرفين الهمزة والياء، ومُنَوَّن (كَأَيِّنْ) فليست هي نون أصليَّه، وإنَّما هي نون التنوين.
قد يُلاحظ بعد التركيب فيوقف عليه كما يوقف على التنوين يعني: (كَأَي) في الوقف، وإذا لُوحظ أنَّه انسلخ عن معناه الأصلي قبل التركيب حينئذٍ وُقِف عليه بالنون، هذا وجه وهذا وجه.
ومن الفوارق أنَّ مُميِّزها مجرور بـ (مِنْ) غالباً، ومنصوباً في غير الغالب، ولذلك جاء في القرآن في مواضع كثيرة كلها مجرورة بـ (مِنْ) وهذا هو الأفصح، وقد ينصب في غير الغالب.
وفي أنَّها لا تقع استفهاميةً عند الجمهور، هذه من الفوارق.
وفي أنَّها لا تقع مجرورة فلا يدخل عليها حرف الجر.
وفي أنَّ مُميِّزها لا يقع إلا مفرداً: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146](نَبِيٍّ) هذا مفرد.
إذاً: هذه الفوارق بين (كَأَيِّنْ) و (كَمْ).
وأمَّا (كَذَا) فتوافق (كَمْ) في أربعة أمور وتخالفها في أربعةٍ أخرى:
توافقها في البناء، والإبهام، والافتقار إلى التمييز، وإفادة التكثير.
وتخالفها في: أنَّها مركَّبة، يعني:(كَذَا) مركَّبة، كاف التَّشبيه مع ذا الإشارية، يعني: اسم إشارة (ذَا):
بِذَا لِمُفْرَدٍ ..
هو نفسه، وتركيبها من كاف التَّشبيه و (ذَا) الإشارية، هذا أنَّها مركَّبة.
وأنَّها لا تلزم التصدير، بل لا تقع في أول الكلام .. (كَذَا) لا تقع في أول الكلام، فتقول: قبضت كذا وكذا درهماً، لكنَّها لا تُستعمل ابتداءً هكذا، وإنَّما تقع حكايةً لقول، تقول: زيدٌ ذهب إلى كذا كذا، ولا تقول: أنا ذهبت كذا كذا، وإنَّما تحكي قول غيرك أو فعل غيرك.
إذاً: لا تلزم التصدير فتقول: قبضت كذا وكذا درهماً، حاكياً حديث غيرك لا ابتداءً، ولذلك السيوطي يقول: الذَّوق يقضي بذلك، وأنَّها لا تُستعمل غالباً إلا معطوفاً عليها: كذا وكذا، يعني: تأتي بها مكررة مع العطف هذا هو الغالب فيها.
عِدِ الْنَّفْسَ نُعْمَى بَعْدَ بُؤسَاكَ ذَاكِرَاً
…
كَذَا وَكَذَا لُطْفَاً بِهِ نُسِيَ الْجُهْدُ
قال في (التسهيل): "وقَلَّ ورود (كَذَا) مفرداً"(كَذَا) لوحده، ومكرراً بلا واو، إذاً: لها كم استعمال؟ ثلاثة: قبضت كذا درهمٍ، قبضت كذا كذا درهم، مُكررة بدون واو، قبضت كذا وكذا، الثالث: هو الكثير الغالب في لسان العرب: أنْ تُستعمل مكررة معطوفاً عليها بالواو الثاني على الأول، وأمَّا: كذا كذا، هذا نادر.
قال في (التسهيل): " وقَلَّ " إذاً: سُمِع لكنَّه قليل "وقلَّ ورود (كَذَا) مفرداً ومكرراً بلا واوٍ".
ومن الفوارق: أنَّها يَجب نصب تمييزها، إذاً قوله: بـ (مِنْ) هناك فيه نظر، فلا يجوز جَرُّه بـ (مِنْ) قال بعضهم: اتفاقاً، ولا أدري ابن عقيل هنا أجراه على ظاهره، ولا بالإضافة خلافاً للكوفيين إذ قالوا: يجوز أن يكون تمييزها جمعاً مجروراً بالإضافة.
وقد يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وقد يكون مفرداً منصوباً، هذا على مذهب الكوفيين .. جوَّزوا فيه ثلاثة أوجه: جمعاً مجروراً بالإضافة، وأن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأن يكون مفرداً منصوباً، لأنَّه يُكنَى بِها عن جميع أنواع العدد، وهذا من حيث التعليل له نظر، وهي تُعامل مع تمييزها مثل معاملة العدد المَكْنِي بها.
إذاً: هذه الفوارق بين (كَذَا) و (كَأَيِّنْ).
فائدة: أمَّا (كَأَيِّنْ) ففيها خمس لغات، قيل: كثرة اللغات لكثرة الاستعمال، مثل (سوف):
- أفصحها (كَأَيِّنْ) هذا اللفظ .. هذا الفصيح، وبه قرأ السبعة إلا ابن كثير.
- ويليها (كَائِنْ) على وزن (كاعِنْ) وبِها قرأ ابن كثير وهي أكثر في الشِّعْر من الأولى وإن كانت الأولى هي الأصل.
- الثالثة (كَأْيِنْ) مثل (كَعْيِن) بهمزةٍ ساكنة فياءٍ مكسورة، أفصحها (كَأَيِّنْ)، ويليها (كَائِنْ) مثل (كاعِنْ).
- والرابعة: مثل: (كَيْعِنْ) بياءٍ ساكنة فهمزة مكسورة.
- الخامسة: (كَأَنْ) على وزن (كعن).
إذاً: المشهور الأول وهو الأفصح: (كَأَيِّنْ) وكثرة اللغات لكثرة الاستعمال.
قيل: تأتي (كَذَا) المركَّبة من الكاف و (ذَا) كنايةً عن غير العدد: قال فلانٌ كذا، وهو الحديث مفردةً ومعطوفة، يعني: اللفظ الواقع في التحديث عن شيءٍ فُعِل أو قيل، ويُكْنَى بِها عن المعرفة والنكرة ومنه الحديث:{يُقال للعبد يوم القيامة: أَتَذْكُرُ يوم كذا وكذا} يعني: يوم حصل كذا وكذا، فحينئذٍ (كَذَا) لم يُكْنَى بها عن العدد، وإنَّما كُنِي بها عن فعلٍ أو قولٍ:{أَتَذْكُرُ يَوم كذا وكذا} يعني: اليوم الذي وقع فيه فعل كذا، أو قيل فيه كذا.
وتكون (كَذَا) أيضاً كلمتين على أصلهما، وهما كاف التَّشبيه و (ذَا) الإشارية نحو: رأيت زيداً فاضلاً وعمراً كذا، تبقى على أصلها، وقد تُزاد عليها هاء التَّنبيه:((أَهَكَذَا عَرْشُكِ)) [النمل:42](أَهَكَذَا) هاء التَّنبيه .. كاف تشبيه .. (ذَا) اسم إشارة.
إذاً: هذا ما يَتعلَّق بـ (كَمْ وكَأَيِّنْ وكَذَا).
ثُمَّ قال: (الحِكَايَةُ).
نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!