الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الحكاية .. وحدها
* الحكاية بأي وبمن وأوجه الخلاف بينهما
* التأنيث وعلامته
* بم تستدل على تأنيث مالا علامة فيه؟
* صيغ يستوي فيها المذكر والمؤنث
* أوزان ألف التأنيث المقصورة المشهروة
* أوزان ألف التأنيث الممدودة المشهورة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النِّاظِم رحمه الله تعالى: (الحِكَايَةُ).
أي: هذا باب الحكاية، وهي مأخوذةٌ من المحاكاة، حَاكَيْتَ الشيء إذا مَاثَلتَه أو شابهتَه، حِينئذٍ تكون الحكاية المراد بها في اللغة: المماثلة أو المشابهة، هذا في المعنى اللغوي.
وأمَّا في اصطلاح النُّحاة فيعنون بالحكاية: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير، كقولك: مَن زيداً؟ إذا قيل: رأيتُ زيداً، جاء زيدٌ، من زيدٌ؟ تحكيه كما هو، إن كان مفرداً .. إذا كان مثنىً .. إذا كان مجموعاً .. مرفوعاً .. منصوباً .. مخفوضاً، تحكي اللفظ بهيئته، وإنما يكون ذلك في كلامٍ سابق، يعني: يقول القائل: جاء زيد، أنت ما تعرف زيد، جاء زيدٌ .. من زيدٌ؟ تحكيه كما هو.
رأيت زيداً، بالنصب مفعول به، أنت ما تعرف زيد، فتقول: من زيداً؟ بالنصب، مررت بزيدٍ بالخفض، تقول: من زيدٍ؟ هذا يُسمَّى: حِكَايةً، إيراد اللفظ المسموع بهيئته من غير تغيير، يعني: إن كان مرفوعاً فهو مرفوع، وإن كان منصوباً فهو منصوب، وإن كان مخفوضاً فهو مخفوض، كذلك إذا كان مثنىً فهو مثنىً.
أو إيراد صفته، نَحو: أيًّاا؟ لمن قال: رأيت زيداً، أيًّاا؟ هذا صفة لزيد، كذلك تحكيه كما هو، إن كان مفرداً فمفرد، إن كان مثنىً فمثنىً، جمعاً فجمعاً، كذلك في حالة الرفع أو النصب أو الخفض، جاء زيدٌ، أيٌّ؟ رأيت زيداً، أيًّاا؟ مررت بزيدٍ، أيٍّ؟ تحكيه كما هو.
لكن (أيٍّ) هذا ليس هو عين المحكي، بل هذا صفةٌ له، حِينئذٍ: جاء زيدٌ، أيٌّ؟ نقول: هذا صفةٌ.
إذاً: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير، أو إيراد صفته، والمعنِي بالصفة هنا أن يُؤتى بـ:(أيّ).
وأمَّا حكاية اللفظ أو معناه في القول هذه كذلك واردة، لكن النَّاظم لم يتحدث أو يتكلم عنها، ولذلك نقول: الحكاية على ثلاثة أقسام:
- حكاية الجمل وهي مُطَّرِدة بعد القول، نَحو:((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] هذا حكاية الجملة، يقول القائل جملةً ثُم تحكيها، هذا مطرد بعد القول، وما اشتُقَّ منه كما سبق معنا هذا. حكاية الجمل سواءً كان جملة اسْميَّة أو جملة فِعليَّة مُؤكَّدة أو غير مُؤكَّدة مطلقاً، كل جملة إذا أرَدْتَ أن تحكيها فالمطرد في لسان العرب أنَّك تأتي بالقول:((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30](إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) هذه جملة مَحكيَّة بالقول، ولذلك نقول: هي في مَحلِّ نصب مقول القول.
ويجوز حكايتها على المعنى، وذلك إذا حصل تغيير إمَّا بالتقديم والتأخير، وإمَّا من جهة الحركات، فتقول في حكاية زيدٌ قائمُ فتقول: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، ماذا صنعت؟ قدَّمت وأخَّرت، هو قال: زيدٌ قائمٌ، (زيدٌ) مبتدأ، و (قائمٌ) خبر، أنت قلت: قال عمروٌ، هذا (قال) الفعل، و (عمروٌ) فاعله لا إشكال فيه: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، هل هذا حكاية للمسموع بلفظه أو بِمعناه؟ بمعناه، لأن هو جعل (زيداً) مبتدأ، زيدٌ قائمٌ، وأنت قلت: قائمٌ زيدٌ، إذاً: قدَّمت وأخَّرت.
لو قال: إنَّ زيدٌ قائماً، فقلت أنت: قال عمروٌ إنَّ زيداً قائمٌ، حكيته باللفظ أو بالمعنى؟ بالمعنىح لأنَّك غَيَّرت الإعراب، ما حكيته كما هو، إذا حكيته كما هو حِينئذٍ قلنا: جئت باللفظ المسموع كما هو، لكن يَتعيَّن المعنى إذا كان لحنٌ في الكلام، إذا قال: إنَّ زيدٌ قائماً، إذا حكيته لا بد من إصلاحه .. لا تحكيه كما هو، تقول: قال عمروٌ إنَّ زيدٌ قائماً، لا بد من تغييره على الأصل وردِّه إلى الأصل، ثُم يكون حكايةً بالمعنى.
إذاً: يجوز حكاية الجملة على المعنى، فتقول في حكاية زيدٌ قائمٌ: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، بتقديم الخبر على المبتدأ، فإن كانت الجملة ملحونة تَعيَّن المعنى على الأصح .. وجب، وبعضهم يرى أنك تحكيها كما هي: قال عمروٌ إنَّ زيدٌ قائماً، وصحح ابن هشام في الأوضح: أنَّه يجب أنْ تحكيها بالمعنى، يعني: تُغيِّر الإعراب فتردَّه إلى أصله.
هذا لم يَتعرَّض له النَّاظم: حكاية الجمل، والظَّاهر أنَّه سبق معنا في التنصيص عليه.
- ثانياً: حكاية المفرد، وأغلب ما تكون في الأعلام لكثرة دورانها في ألسنتهم، من زيداً .. من زيدٌ .. من زيدٍ؟ هذا كثير، حكاية المفرد كما هو.
- النوع الثالث: حكاية حال المفرد، وهذا النوع الثاني والثالث داخلٌ في التعريف: إيراد اللفظ المسموع على هيئته، وإن كان هذا يشمل الجملة، إلا أنَّه على تقدير النَّاظم لم يذكر الجملة، حِينئذٍ يَختصُّ بالأعلام.
أو إيراد صفته، يعني: صفة المحكي، وأكثر ما يكون بـ:(أيٍّ) الاستفهاميَّة، وهي التي ذكرها النَّاظم، وبعضهم ألحق بها (ما) الاستفهاميَّة، كلٌ منهما استفهاميتان.
وحكاية المفرد في غير الاستفهام شَاذَّة كقول بعضهم: ليس بقرشياً، رداً لمن قال: إنَّ في الدار قرشياً، قال قائل: إنَّ في الدار قرشياً، أراد أن يحكي، قال: ليس بقرشياً، هذا شاذٌّ لأنَّه في مقام (ليس)، والحكاية إنما تكون في الاستفهام فقط، (أيٌّ) و (من) من في حكاية الأعلام وغيرها، و (أيٌّ) في حكاية الصفات، أمَّا غير الاستفهام فهذا شاذٌّ.
قال النَّاظِم هنا:
احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ
…
عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِيْنَ تَصِلْ
هذا النوع الأول، لأنَّ النَّاظم ذكر ثلاثة أنواع من الحكاية:
- الحكاية بـ: (أيّ).
- والحكاية بـ: (مَنْ).
- وحكاية العَلَم بعد (مَنْ).
(احْكِ بِأَيٍّ) .. (احْكِ) هذا فعل أمر مبنيٌ على حذف حرف العِلَّة وهو الياء، احكي .. حكا يحكي، مثل: رمى يرمي، إذاً: مبنيٌ على حذف حرف العِلَّة، (بِأَيٍّ) الباء هذه للآلة أو ظرفيَّة، يعني: تكن (أي) هي سبباً أو آلةً في الحكاية، فالباء للآلة أو ظرفيَّة.
(احْكِ بِأَيٍّ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْكِ)، (مَا لِمَنْكُورٍ) .. (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في مَحلِّ نصب مفعول به، وهي واقعة على الحروف المَحكيَّة، (لِمَنْكُورٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صِلَة (مَا) ما ثبت لِمَنْكورٍ.
(سُئِلَ عَنْهُ بِهَا) .. (سُئِلَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، و (عَنْهُ) نائب فاعل، والجملة صِفَة لـ:(مَنْكُورٍ) .. مَنْكُورٍ مسئولٍ عنه، (بِهَا) بـ:(أَيٍّ) الضمير يعود إلى (أَيٍّ)، و (بِهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(احْكِ) احْكِ بِها بـ: (أَيٍّ)، (مَا) يعني: الذي ثبت (لِمَنْكُورٍ سُئِلَ عَنْهُ) تسأل عن منكور، يعني: نكرة.
جاء رجلٌ، تسأل عن (رجل) حِينئذٍ تسأل بأي شيء؟ بـ:(أَيٍّ)، قال:(احْكِ بِأَيٍّ) بهذا اللفظ بعينه، ما ثبت لـ:(مَنْكُورٍ) والذي ثبت لـ: (مَنْكُورٍ)، إذا قلت: جاء رجلٌ، الذي ثبت لمنكور هنا أنَّه مُفرد مُذكَّر مرفوع، ما ثبت لمنكورٍ تجعله في (أَيٍّ)، ولذلك تقول: أيٌّ، بالإفراد، والتذكير، والرَّفع، فثبت لـ:(أَيٍّ) من التذكير والرفع والإفراد ما ثبت للمسئول عنه المنكور في قولك أنت: جاء رجلٌ، وتقول: رأيت رجلاً، أقول: أيًّاا؟ فثبت لـ: (أَيٍّ) ما ثبت لمنكورٍ في المسئول عنه، وهو كونه منصوباً مفرداً مذكَّراً، مررت برجلٍ .. أيٍّ؟ ثبت لـ:(أَيٍّ) ما ثبت للمنكور.
احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ
…
عَنْهُ ..
يعني: مسئول عنه (بِهَا) بـ: (أَيٍّ) مطلقاً، سواءٌ كان (فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ) .. (فِي الْوَقْفِ) هذا مُتعلِّق بقوله:(احْكِ)، (أَوْ) للتنويع والتقسيم، (حِينَ تَصِلْ) .. (حِينَ) هذا منصوبٌ على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بقوله:(احْكِ)، (أَوْ) معطوفٌ على (الْوَقْفِ).
(فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ) تصل ماذا؟ تصل أيًّاا بِما بعدها، أيًّاا .. أيَّا في الوقف: أيًّاا يا فتى .. أيٌّ يا فتى .. أيٍّ يا فتى، هذا في الوصل، يعني: لم تقف عليها.
إذاً نقول القاعدة: أنَّه يُحكى بـ: (أيٍّ) وصلاً ووقفاً، (وصلاً) يعني: تصلها بما بعدها .. تكون في دَرْجِ الكلام، فيحكى بـ:(أَيٍّ) في الوصل في دَرْج الكلام فتقول: أيٌّ يا فتى .. أيٌّ يا هذا .. أيٍّ يا هذا؟ تحكي بها في الوصل، أو (أيًّاا) .. (أيٌّ) .. (أيٍّ) هذا في الوقف، يعني: لا تصلها بما بعدها، هذا خلافاً لـ:(مَنْ).
أي: يُحكى بـ: (أَيٍّ) وصلاً ووقفاً ما لمنكورٍ مذكورٍ مسئولٍ عنه بها، كما ذكره النَّاظم هنا، يُحكى بـ:(أَيٍّ) وصلاً ووقفاً (مَا) ثبت (لِمَنْكُورٍ) مذكورٍ مسئولٍ عنه بها من إعرابٍ وتذكيرٍ وإفرادٍ وفروعهما، يعني: فروع الإفراد الذي هو التَّثنيَّة والجمع والتذكير وفرعه وهو التأنيث.
فيقال لمن قال رأيت رجلاً: أيًّا؟ وجاء رجلٌ: أيٌّ؟ بالرَّفع، ولمن قال جاء رجلان: أيَّان؟ تُلحِق (أيّ) بألف التثنية والنون .. أيَّان، لأنَّه يجب في الحكاية بالصفة هنا بـ:(أَيٍّ) أن يكون مطابقاً للمسئول عنه .. لا بد أن يكون مطابقاً له، إن كان مفرداً فمفرد .. إن كان مثنَّىً فمثنىً .. إن كان جمعاً فجمعاً.
فإذا قلت: أيّ؟ هذا كان في مُقابل المسئول عنه إذا كان مفرداً، وإذا قال: جاء رجلان، تقول: أيَّان؟ مررت برجلين .. أيَّيْن؟ رأيت رجلين .. أيَّيْن؟ تأتِ به مثنى كما هو الشأن في حاله، وهكذا، ولمن قال: رأيت امرأةً .. أيَّةً؟ تؤنِّثُه، ولمن قال: رأيت غلامين .. أيَّيْن؟ أو بنِين .. أيِّيْن؟ على أنَّه جمع مذكَّر، أو: رأيت بنات، يقول: أيَّات؟
إذاً: يطابق المسئول عنه المنَكَّر .. النَّكِرة، فإذا كان مفرداً أفرَدْتَه، إن كان مذكَّراً قلت: أيًّاا؟ إن كان مؤنَّثاً قلت: أيَّةً؟ وإن كان مثنَّىً، قلت: أيَّان؟ وإن كان مؤنَّثاً قلت: أيَّتان؟ وإذا كان جمعاً، قلت: أيِّيْن .. أيُّوْن؟ وإذا كان جمع مؤنَّث، قلت: أيَّات؟ إذاً: يكون مطابقاً له مطلقاً.
هذا في الوقف، وكذا في الوصل .. مثله في الوصل، فلا فرق بينهما وصلاً ووقفاً، فيقال: أيًّاا يا هذا، وأيَّةٌ يا هذا، مطلقاً إلى آخره.
ولا يُحكى بها جمع تصحيحٍ إلا إذا كان موجوداً في المسئول عنه، أو كان المسئول عنه صالحاً لأن يُوصف بجمع التصحيح كـ:(رجال) رجالٌ مسلمون، رجالٌ هذا يصلح أن يُوصف بجمع التصحيح، حِينئذٍ يجوز أن يسأل عنه بها.
ولا يُحكى بها جمع تصحيحٍ إلا إذا كان موجوداً في المسئول عنه، أو صالحاً لأن يوصف به، نحو: رجالٌ، فإنَّه يوصف بجمع التصحيح، فيقال: رجالٌ مسلمون، وهذه هي اللغة الفصحى في (أَيٍّ) في الحكاية: أن تكون مطابقةً للمسئول عنه مطلقاً إفراداً وتثنيةً وجمعاً .. رفعاً ونصباً وخفضاً، هذه اللغة الفصحى.
وفيه لغةٌ أخرى يحكى بها ما له من إعراب وتذكيرٍ وتأنيثٍ فقط، يعني: لا يُثنَّى ولا يجمع، تبقى كما هي، فإذا قال: جاء رجلٌ .. جاء رجلان .. جاء رجالٌ .. رأيت امرأةً .. رأيت امرأتين، كلها تقول: أيٌّ .. أيًّاا .. أيٍّ، مُطلقاً، هذه اللغة الثانيَّة، فيقال: أيًّاا، أو: أيًّاا يا هذا، في الوقف أو في الوصل، لمن قال: رأيت رجلاً، أو رجلين، أو رجالاً.
وأيَّةٌ، أو: أيَّةٌ يا هذا؟ لمن قال: رأيت امرأةً، أو امرأتين، أو نساء، يؤنَّث فقط .. استدراك على ما سبق، وأيًّاا وأيَّةٌ فقط، ولا يُثنَّى ولا يُجمع.
إذاً: (أَيٌّ) فيها لغتان:
- المطابقة مُطلقاً.
- ولزوم الإفراد مع التذكير في المذكَّر، ومع التأنيث في المؤنَّث، ثُم لا تُثنَّى ولا تُجمع، فإذا قال: جاء رجلان، تقول: أيٌّ؟ حِينئذٍ طابقه في ماذا؟ طابقه في التذكير هذه واحدة، وفي الإعراب، جاء رجلان، تقول: أيٌّ؟ بالرَّفع، ولا تقل: أيًّاا، لماذا؟ لأنَّ المسئول عنه نكرة وهو مرفوع: جاء رجلان، حِينئذٍ تقول: أيٌّ؟ هل تثنيه؟ لا، إذاً: وافقه في التذكير وفي الإعراب، وخالفه في التَّثنية، لأنَّه لم يُثنَ بِخلاف اللغة الفصحى السابقة، إذاً: فيه لغتان.
قوله: (احْكِ بِأَيٍّ) أيُّ اللغتين، أو هو عام؟ النَّاظم أطلق هنا:(احْكِ بِأَيٍّ) وعرفنا أنَّ في (أَيِّ) لغتين: لغة فصحى وهي المطابقة مطلقاً، واللغة الثانية المطابقة في الإعراب والتذكير إفراداً أو تأنيثاً دون التثنية والجمع، ظاهره أنَّه مطلق .. أنَّه مُحتمل للغتين، لكن الغالب أن يُحمل كلام النَّاظِم على الأفصح، بدليل أنَّه ذكر اللغة الثانية، أو اللغة الأفصح في (مَنْ) التي تلحقها حروف الحكاية.
حِينئذٍ نَحمل قوله: (بِأَيٍّ) على اللغة الفصحى: (احْكِ بِأَيٍّ) مع احتمال أنْ يُحمل على الثانية فلا إشكال، من حمله على اللغتين فلا بأس، ومن خَصَّه بالأفصح وخاصةً بقرينة ما بعده (مَنْ) فلا إشكال.
إذاً: (احْكِ بِأَيٍّ) نقول: هذا (أَيٍّ) محتمل للغتين: الفصحى وهي أولى في الترجيح هنا.
قال: (احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ) قوله: (مَا لِمَنْكُورٍ) احترز به عن المعرفة، فإذا كان المسئول عنه معرفة، حِينئذٍ لا يؤتى بـ:(أَيٍّ)، فإذا قال: جاء زيدٌ، لا يقل: أيٌّ؟ أو: جاء الزيدان، لا يقل: أيَّان؟ وجاء الزيدون .. وجاءت الزينبات، حِينئذٍ نقول: هذا لا يصح، لماذا؟ للاستعمال، خُصَّ بالتنكير فقط، ولذلك نَصَّ هنا على أنَّ المسئول إنما يكون مُنكَّراً، فإن كان معرفةً حِينئذٍ لا يُحكى بـ:(أَيٍّ).
إذاً قوله: (لِمَنْكُورٍ) هذا للاحتراز .. احترز به عن المعرفة.
. . . . . . مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ
…
عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ
إنْ سئل بـ: (أَيٍّ) عن منكورٍ مذكورٍ في كلامٍ سابق حُكي في (أَيٍّ) ما لذلك المنكور من إعرابٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ وإفرادٍ وتثنيةٍ وجمعٍ، وهذه اللغة الفصحى، ويفعل بها ذلك وصلاً ووقفاً، فتقول لمن قال جاءني رجل: أيٌّ؟ ولمن قال رأيت رجلاً: أيًّاا؟ ولمن قال مررت برجلٍ: أيٍّ؟
وكذلك تفعل في الوصل: أيٌّ يا فتى، وأيًّاا يا فتى، وأيٍّ يا فتى؟ وتقول في التأنيث: أيَّةٌ؟ وفي التَّثنِيَّة: أيَّان، وأيَّتان؟ (أيَّان) للمُذكَّر، و (أيَّتان) للمؤنَّث رفعاً، وأيَّيْن وأيَّتيْن جراً ونصباً، (أيَّيْن) هذا للمُذكَّر، و (أيَّتيْن) للمؤنَّث، وفي الجمع: أيُّوْن وأيَّات، (أيُّوْن) هذا لجمع التصحيح، و (أيَّاتٌ) لجمع المؤنَّث السالم، وأيِّيْن وأيَّاتٍ جراً ونصباً، الأول للمُذكَّر، والثاني للمُؤنَّث.
و (أَيٌّ) المحكيِّ بها استفهاميَّة كما سبق بيانه، وهي معربةٌ، يعني: لا مبنيَّة، ولذلك تُنوَّن تقول: أيٌّ، وأيًّاا، وأيٍّ، والمبني في الأصل لا يُنوَّن، إذاً: هي استفهاميَّة وهي معربة، لكن اختلف في حركاتها والحروف اللاحقة لها، لأنَّه يقال: أيَّان، ألحق بها حرف .. أيُّون .. أيَّات ألحق بها حرف ألفٌ وتاء، فاختلف في حركتها والحروف اللاحقة لها.
فقيل: إعرابٌ، فـ:(أيٌّ) الحركة هذه الضَّمَّة ضَمَّة إعراب، و (أيٍّ) و (أيًّاا)، و (أيَّان) ألف التثنية هذه، حِينئذٍ يكون حرف إعراب، و (أيُّون) الواو حرف إعراب، و (أيَّاتٍ) نقول: هذه الحركة حركة إعراب.
فقيل: إعرابٌ، فـ:(أيٌّ) بالرَّفع مبتدأ خبره محذوف مؤخَّرٌ عنها، لأن الاستفهام له الصَّدْر، تقديره في قام رجل: أيٌّ قام، فإذا قلت: قام رجلٌ، أيٌّ؟ نقول:(أيٌّ) هذا مبتدأ خبره محذوف، لماذا صَحَّ أن يكون مبتدأ؟ لأنَّه استفهام، فهو من المعارف .. فهو معرفة، والخبر محذوف، حِينئذٍ يُقدَّر بعد المبتدأ، ولا يجوز أنْ يَتقدَّم لأنَّ (أيًّاا) لها صدر الكلام.
و (أيًّا) مفعول (افعل) محذوف، يعني: مفعولٌ لفعلٍ محذوف، إذا قلت مثلاً: ضربت رجلاً، أيًّا؟ (أيًّا) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، تقديره: أيًّا ضربت؟ لو قلت: ضَرَبْتَ أيًّا؟ صار ماذا .. هل يَصِح أن يقول: ضَرَبْتُ أيًّا، أو: ضَرَبْتَ أيًّا؟ لا يصح، لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، فلو وقع مفعولاً وجب تقديمه:((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] اسم شرط مثله.
إذاً: (أيًّا) يكون مفعولاً لفعلٍ محذوف مُؤخَّر عنها لِمَا مرَّ، تقديره في ضَرَبْتُ رجلاً: أيًّا ضَرَبْتَ؟
و (أيٍّ) بالجر .. بحرف جر محذوف، وهذا المحذور هنا، تقديره في مررت برجلٍ: بأيٍّ مررت؟ لو قال: مررت برجلٍ، قلت: أيٍّ؟ بالخفض، ما الخافض له؟ حرف جر محذوف، تقديره: بأيٍّ مررت، وهذا عند بعضهم يعتبر شاذّاً، وهو حذف حرف الجر وإبقاء عمله:(أيٍّ).
وبعضهم يُفصِّل، يقول: لا، الشُّذوذ إنما إذا حُذف حرف الجر وحده، أمَّا إذا حذف مع عامله فهو قياسي ليس بشاذ، وهنا حذف مع عامله، لأنك تقول: أيٍّ .. بأيٍّ مررت؟ حذف الباء ومُتعلَّق الباء، وهذا لا يعتبر عند بعضهم شاذّاً، وإنما هو قياسي، وإنما يُحكم عليه بكونه شاذّاً إذا حذف حرف الجر وبقي عمله لوحده، مثل: أشارت كُلَيْبٍ .. إلى كُلَيْبٍ، حذف (إلى) وبقي (أشارت) هذا شاذٌّ.
وأمَّا: بأيٍّ مررت، حذف العامل (مرَّ) وحرف الجر، هذا قياسي.
وكذا يُقال في: (أيَّان) و (أيَّتان) و (أيُّون) و (أيَّات) رفعاً، و (أيَّيْن) و (أيَّتيْن) و (أيِّيْن) و (أيَّات) نصباً وجراً، ويلزم على هذا القول إضمار حرف الجر، يعني: ضَعَّفوا هذا القول بكون حرف الجر مضمراً، هذا عند من يرى أنَّه مطلقاً حرف الجر لا يعمل محذوفاً سواءٌ ذُكر عامله أو حُذف، فانُتقِد هذا القول بهذا.
وقيل: حركات حكاية، وهذا هو المشهور، ولذلك سبق معنا: أنَّ الحركات سبعٌ، منها حركة الحكاية، حركة الحكاية مُغايِرة لحركة الإعراب، حِينئذٍ يكون مُعرباً لكن الإعراب مُقدَّر، وقيل: حركات حكاية وحروفٌ .. حروف حكاية، فهي مرفوعة بضَمَّةٍ مُقدَّرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية أو حرف الحكاية، على أنَّها مبتدأ والخبر محذوف، يعني: إذا قلت: قال رجل .. أيٌّ؟ (أيٌّ) مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، والخبر محذوف: أيٌّ قام؟
رأيت رجلاً .. أيًّا؟ (أيًّا) هذا مبتدأ مرفوع، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، أيٌّ هو؟ مررت برجلٍ .. أيٍّ؟ (أيٍّ) مبتدأ مرفوع، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، لأنَّ هذه الكسرة الموجودة هنا، و (أيًّا) الفتحة، و (أيٌّ) الضَّمَّة، هي محاكاة، نحن نقول: باب الحكاية، حاكيت ذلك اللفظ، قلنا: تذكيراً، وإفراداً، وتأنيثاً، وتثنيةً، وجمعاً، حِينئذٍ يلزم منه أن تكون الحركة كذلك مَحكيَّة، فيبقى في اللفظ (أيّ) ونحوه أن يكون الحركة هي حركة المسئول عنه، ثُم هو يَحتاج إلى إعرابٍ فيكون مبتدأ وخبره محذوف، سواءٌ كان مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً فهو مبتدأ، والحركة مُقدَّرة، والخبر محذوف مطلقاً في جميع ما ذكرناه.
وقيل: الحركة والحرف في حالة الرَّفع أعرابٌ، وفي حالتي النَّصب والجر حركة حكاية وحرف حكاية. هذا فيه تضعيف، الصواب: أنَّه يُقال بأنَّها حركة حكاية وليست بحركة إعرابٍ، وكذلك الحرف حرف حكاية وليس حرف إعراب، يعني:(أيَّان) لو قال: جاء رجلان، فقال: أيَّان؟ نقول: (أيَّان) هذا مبتدأ مرفوع ورفعه الألف المقدَّرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحرف الحكاية، لأنَّ قوله: رجلان، مرفوعٌ بالألف .. حكيت الألف نفسها، الألف الموجودة في (أيَّان) هي التي موجودة في (رجلان) فالألف هذه مَحكيَّة وليست حرف إعراب، حِينئذٍ تُقدِّر حرف الإعراب عليه، كذلك:(أيُّون) و (أيَّاتٍ).
إذاً:
احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ
…
عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ
ثُم انتقل إلى النوع الثاني وهو المحكي بـ: (مَنْ) قال: (وَوَقْفاً احْكِ) ووقفاً لا وصلاً، أخرج الوصل، وهذا من الفوارق بين (مَنْ) و (أَيٍّ): أنَّ (أَيًّا) يُحكى بها في الوقف والوصل مطلقاً، وأمَّا (مَنْ) فقال:(وَقْفاً احْكِ) يعني: لا وصلاً، فقدَّم هنا المفعول، أو الحال: احْكِ حال كونك واقفاً لا واصلاً، حِينئذٍ قَدَّمه من أجل الحصر.
(وَوَقْفاً) هذا حالٌ من مفعول: (احْكِ) احْكِ أنْتَ حال كونك واقفاً.
(مَا لِمَنْكُوْرٍ) .. (مَا) مفعول (احْكِ مَا) مفعول .. ثبت لمنكورٍ، أي: منكورٍ مذكور، فاشترط هنا أن يكون نكرة مع كون (مَنْ) هذه معرفة.
(احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (احْكِ) حِينئذٍ تكون الحكاية بـ: (مَنْ) كما تكون الحكاية بـ: (أَيٍّ)، لكن (أيًّا) تكون الحكاية بها وصلاً ووقفاً، وأمَّا (مَنْ) فتكون في الوقف دون الوصل.
قوله: (لِمَنْكُوْرٍ) أي: منكورٍ مذكور، وإنما اشتُرِط في لحاق العلامة المذكورة بـ:(مَنْ) كونها سؤالاً عن نكرة، لأنَّ المعارف إذا استفهم بـ:(مَنْ) عنها ذُكِرَت بعد (مَنْ) غالباً، إمَّا مَحكيَّة أو غير مَحكيَّة، لأنَّ الاستفهام عن المعارف ليس في الكثرة مثل الاستفهام عن النَّكرات، فلم يُطلب التخفيف بحذف المسئول عنه كما في النَّكرات.
إذاً: خُصِّصَ أنْ يكون المسئول عنه في (مَنْ) هو النَّكرة، وهذا كالشَّأن في (أَيٍّ) فهما يتفقان من هذه الحيثيَّة.
وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ
…
وَالنُّونَ حَرِّكْ مُطْلَقَاً وَأَشْبِعَنّْ
(بِمَنْ) حِينئذٍ تقول إذا قال: جاء رجلٌ .. مَنْ؟ ثُم تُحرِّك النون بِحركة رجل، ثُم تُشْبِع الضَّمَّة فتولِّدُ منها حرفاً مُجانساً لها، فتقول: مَنُو؟ الأصل: جاء رجل، احكه .. لو قلت: أيٌّ؟ بالرَّفع، (مَنْ) احك بها رجل، تقول: مَنُو، حَرَّكْتَ النون بِحركة المحكي، رأيت رجلاً .. مَنَا؟ مررت برجلٍ .. مَنِي؟
إذاً: ثُم تُشْبِع الضَّمَّة والكسرة والفتحة حرفاً من جنسه، فتتوَلَّد عن الضَّمَّة واو، وعن الفتحة ألف، وعن الكسرة ياء، إذا قال: قال رجلٌ .. مَنُو؟ رأيت رجلاً .. مَنَا؟ مررت برجل .. مَنِي؟ إذاً: حَكَيْتَ به نكرة، ثُم حَرَّكته بحركة المحكي، ثُم قال:(أَشْبِعَنْ) يعني: أشْبِعَن حركة الضَّمَّة فتتولَّد عنها حرفٌ وهو الواو، وكذلك الفتحة والكسرة.
(وَالنُّونَ حَرِّكْ) أيُّ نون؟ نون (مَنْ) حرِّك لأنَّها ساكنة في الأصل، (مَنْ) قلنا: اسم استفهام، وهي مبنيَّة على السكون، إذا حكيت بها حِينئذٍ لها حكمٌ خاص، فتحرِّك النون بِحركة المحكي، كما هو الشأن في (أَيٍّ) فتقول: جاء رجلٌ .. مَنُو .. مَنَا .. مَنِي؟ حرَّكت النون بِحركة المحكي في الرَّفع والنَّصب والخفض، ولذلك قال:(مُطْلَقَاً) يعني: مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً.
حرِّك النون مطلقاً، حرِّكها بماذا؟ بحركة المحكي، إن كان المحكي النكرة مرفوعاً حرَّكت النون بالضَّمَّة، تقول: مَنُو؟ وإذا كان المحكي منصوباً حرَّكته بالفتحة مفرداً، فتقول: مَنَا؟ وكذلك في الخفض.
إذاً: احْكِ وَاقِفاً (مَا لِمَنْكُوْرٍ) المسئول عنه أن يكون نكرة، (بِمَنْ)، (وَالنُّونَ حَرِّكْ) مِنْ (مَنْ) تَحريكاً مطلقاً، يعني: باعتبار المحكي رفعاً ونصباً وخفضاً، (وَأَشْبِعَنْ) أشْبِع الحركة، (أَشْبِعَنْ) من يُعرب (أَشْبِعَنْ)؟ فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، هذه خفيفة أو ثقيلة .. ما الدليل على أنَّها خفيفة أو ثقيلة؟ الخفيفة تُقلَب ألف وهنا لم تقلب، فدلَّ على أنَّها مُخفَّفَة من الثقيلة.
(أَشْبِعَنْ) كتبت بالنون هنا كما هي، وأمَّا النون الخفيفة فهذه تبدل وقفاً ألفاً، فلمَّا لم يُبْدِلها ألفاً علمنا أنَّه أراد به النون الثقيلة ولكن خفَّفها من أجل الوزن، لأن القاعدة عندهم: لا يوقف على مُشدَّد، عَمَّ .. عَمْ هكذا يقف عليه، شَدَّ .. شَدْ، يقف عليه بساكن.
هنا (أَشْبِعَنْ) حذف إحدى النونين لِمَا ذُكِر.
إذاً: (وَالنُّونَ حَرِّكْ) .. (النُّونَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (حَرِّكْ) وهو فعل أمر، (مُطْلَقَاً) هذا نعتٌ لمصدر محذوف، أي: تحريكاً مطلقاً، أي: في أحوال الإعراب المحكي الثلاثة.
(وَأَشْبِعَنْ) .. (أَشْبِعَنْ) هذا فيه إشارة إلى أنَّ الحروف إشباع، مَنُو ومَنَا ومَنِي، الحروف هذه إشباع وليس علامات .. ليست بعلامات، فهي إشباع دفعاً للوقف على المُتحرِّك، لأنَّك لو وقفت عليها .. لو قلت: مَنُ بالنون .. وقفت عليها ستقف عليها بالساكن، حِينئذٍ ما صار حكايةً، ونحن نريد أن نحافظ على هذه الضَّمَّة، (مَنُو) لا يمكن إلا بأن يوقف على حرفٍ مُشْبَع من الضَّمَّة، حِينئذٍ صَحَّ الوقف على النون وهي مُحرَّكة بالضَّمَّة، وعلى النون وهي مُحرَّكة بالفتحة، وعلى النون وهي مُحرَّكة بالكسرة.
إذاً قوله: (وَأَشْبِعَنْ) فيه إشارة إلى أنَّ الحروف إشباع، دفعاً للوقف على المُتحرِّك.
وقيل: الحروف اجْتُلِبَت أولاً للحكاية فلزم تحريك ما قبلها، لا! يعني: أولاً جُلِبَت هذه الحروف الواو وقبلها ساكن، فُحرِّك من جنس الواو، ثُم جُلِبَت الألف (مَنَا) فالتقى ساكنان وحُرِّكَت النون لمناسبة الألف، وجيء بالياء (مَنِي) وحُرِّكت النون من أجل الياء، لا .. العكس هو الصَّواب، لأنَّ المحكي هنا معرب بالحركات:
جاء رجلٌ .. مَنُو؟ إذاً: الأصل فيه أن يكون مَحكِياً بالحركات، من أجل الوقف عليه مُحرَّكاً بالضَّمَّة قلت: مَنُو، إذاً: الحروف اجْتُلِبَت من أجل الحركات، لا الحركات من أجل الحروف، فالأصل هو الحكاية بالحركة.
وقيل: الحروف اجْتُلِبَت أولاً للحكاية فلزم تحريك ما قبلها.
وقيل: بدلٌ من التنوين، وهذا أبعدها.
إذاً: (وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ) .. (مَنْ) هذه تستعمل في العاقل، حِينئذٍ نُقيِّد قوله:(مَا لِمَنْكُوْرٍ) العاقل، بِخلاف (أَيٍّ) تستعمل في العاقل وفي غيره، والمراد بالمنكور هنا: المنكور العاقل لأنَّ (مَنْ) في الأصل للعاقل، بخلاف المنكور السابق في (أَيٍّ) فإنَّ المراد به ما يَعمُّ العاقل وغيره، لأنَّ (أَيًّا) يستعمل فيهما.
إذاً: (احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ) هذا عام يشمل العاقل وغير العاقل، لأنَّ (أيًّا) في الأصل تستعمل لهما.
(وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ) نقول: هذا مُقيَّد بالعاقل، لأنَّ (مَنْ) لا تستعمل إلا في العاقل.
وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ
…
وَالنُّونَ حَرِّكْ مُطْلَقَاً وَأَشْبِعَنّْ
وَقُلْ مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ لِي
…
إِلْفَانِ كَابْنَيْنِ وَسَكِّنْ تَعْدِلْ
(وَقُلْ) في المثنى المُذكَّر .. إذاً: عرفنا في المفرد أنك تقول: مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، يعني: بتحريك النون بِحركة المحكي، ثُم تُشْبِع الحركة حرفاً من جنس الحركة.
هنا قال: (وَقُلْ) في المثنى المُذكَّر (مَنَانِ)، لو قال: رجلان .. قال رجلان، منَانْ؟ هي (مَنْ) وأضفت عليها الألف والنون، لماذا؟ لأنَّ المحكي مُثنَّى، حِينئذٍ تُثنِّي (مَنْ) فتقول: مَنَان، هذا في حالة الرَّفع، رأيت رجلين .. مَنين؟ بتسكين النون، جاء رجال .. مَنُون؟ تأتي بالواو والنون، مثل (أَيّان).
(وَقُلْ) في المُثنَّى المُذكَّر (مَنَانِ) لحكاية المرفوع، (وَمَنَيْنِ) الأصل فيها بإسكان النون لكن للنَّظم هنا لم يتمكن من تسكين النون، ولذلك عوَّضَه بالتَّنْصيص عليه وقال:(وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) يعني: سكِّن النون الأخيرة التي بعد الألف وبعد الياء، لا تُحرَّك وإنما تقول:(مَنَانْ) بالوقف، و (وَمَنَيْنْ) بالوقف، لماذا .. لماذا نُسكِّن؟ لأنَّ (مَنْ) لا تستعمل إلا وقفاً، والعرب لا تقف إلا على ساكن، حِينئذٍ لا يُتصوَّر في (مَنْ) أن تكون مَحكيَّة إلا في الوقف، وأمَّا الوصل فلا.
حِينئذٍ (قُلْ مَنَانْ)(مَنَانِ) بكسر النون، نقول: هذا في الوصل لا في الوقف، (وَمَنَيْنِ) كذلك بكسر النون هذا في الوصل لا في الوقف، و (مَنْ) هذه لا تُحكى في الوصل إنما تحكى في الوقف، فلذلك قال:(وَسَكِّنْ تَعْدِلْ)(سَكِّنْ) يعني: سَكِّن النون الأخيرة من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) لأنَّه لا يكون إلا وقفاً كذلك.
و (مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ) قول القائل: لِي إِلْفَانِ لابْنَيْنِ، لو قال لك: احْكِ إلفان، (لي) خبر مُقدَّم، و (إلفان) تثنية (إلف) مبتدأ مؤخَّر (لابنين) مُتعلِّق بقوله، لو أرَدْتَ أن تحكي (إلفان): قال لي إلفان بابنين، تقول: مَنَان؟ بالرَّفع، احك ابنين، تقول: مَنيْن؟ بالياء، لأنَّ (ابنين) هذا مَحكيٌ وهو مجرورٌ بالياء، فكذلك الحكاية يكون بالياء.
(وَسَكِّنْ) آخرهما، (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) .. (تَعْدِلْ) أي: تُقم العد، لأنَّ هذا حكم العرب، وإنما حرَّكه هنا النَّاظم من أجل الضرورة فحسب، يعني: النون من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) والعِلَّة ما ذكرناه أنَّه لا يكون إلا وقفاً.
إذاً: في حالة التَّثنية والإفراد نَصَّ عليهما بِما ذُكِر.
(وَقُلْ لِمَنْ قَالَ أَتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ) هذا في ماذا؟ (وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث .. عرفنا مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، في المفرد المذكَّر.
قالت امرأةٌ، تقول: مَنَه؟ أصلها: مَنَةٌ، قالت امرأةٌ .. مَنَةٌ؟ ألحقت (مَنْ) تاء التأنيث، ولَمَّا كانت في الوقف خاصَّةً حِينئذٍ قلبتها هاءً، لأنَّه مذهب البصريين أنَّ التاء المربوطة تُقلَب هاءً في الوقف، فتقول: مَنَه، بهاء التأنيث.
(وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث لمن قال: أَتَتْ بِنْتٌ، قل له: مَنَه؟ بفتح النون وقلب التاء هاءً، وقد يُقَال: مَنَتْ، بالتاء الساكنة، بإسكان النون وسلامة التاء، يعني: دون قلبها، وكذا يُقال في النَّصب والجر، ولم يُمكن إثبات حرف المَدِّ في (مَنَه) لماذا لا نقول:(مَنَات) نثبتها؟ قالوا: لا يُمكن إثبات حرف المد في (مَنَه) للدَّلالة على الإعراب، لماذا؟ لأنَّ هاء التأنيث لا تكون في الوقف إلا ساكنة، والحكاية هنا لا تُتصوَّر إلا في الوقف، إذاً: لا يُمكن العدول عن السكون فهو لازم، فاكتفوا بحكاية التأنيث وتركوا حكاية الإعراب.
إذاً: لو قال أتّتْ بِنتٌ، تقول: مَنَه؟ رأيت بِنتاً، تقول: مَنَه؟ مررت بِبِنْتٍ، تقول: مَنَه؟ هنا آثروا التأنيث على الحركة في الحكاية، لماذا؟ لأنَّك لو حَكَيْتَ فقلت: مَنَاه؟ ثُم وقفت عليه بالساكن هنا اجتمع ساكنان، وإن كان مغتفراً إلا أنَّه يُمدُّ زائداً على المد الطبيعي.
كذلك لو قلت: منوه .. منيه، فحِينئذٍ يجتمع عندك حرف الإشباع والتاء، وتقف على التاء بالهاء فتكون ساكنة فيجتمع ساكنان، قالوا: إذاً نُؤثِر التأنيث على حركة الإعراب فلا نأت بحركة الإعراب ونقدم التأنيث، لأنَّ التأنيث أصلٌ، والإعراب هنا فرعٌ، إذاً: فاكتفوا بحكاية التأنيث وتركوا حكاية الإعراب، لأنَّ الإعراب فرع التأنيث، وإذا تعارضا، يعني: الفرع الأصل، كان مراعاة الأصل أولى وهو التأنيث.
إذاً: قدَّموا هنا وآثروا التأنيث على حركة الإعراب، إذاً: إذا سُئل عن منكورٍ وهو مُؤنَّث مفرد حِينئذٍ اللفظ واحدٌ نصباً ورفعاً وخفضاً، أن يقال:(مَنَه).
(وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) أي: وقل في المثنَّى المُؤنَّث لمن قال: لي زوجتان، فقل: مَنْتَان؟ بإسكان النون قبل التاء، هنا التاء للتأنيث، والألف والنون هذه للحكاية، أو: لي زوجتان مع أمتين، تقول: مَنْتيْن؟ فـ: (مَنْتَان) لحكاية المرفوع، و (مَنْتَيْن) لحكاية المخفوض والمنصوب.
(وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) لم يَنُصَّ هنا على المثنى كيف تأتي به، لكن تُبقي (مَنْ) كما هي فتقول:(مَنْتَان) لم تُحرِّك النون هنا بقيت ساكنة، لماذا؟ ما عندنا وقف هنا (مَنْتَان) النون ليست الثانية .. الأولى، (مَنْتَان) لماذا سَكَنت؟ لأنَّنا حَرَّكناها في (مَنُو) هناك لمُحاكاة الحركة، وهنا (مَنْتَان) ليس عندنا حركة عندنا ألف، فجئنا بالألف، فالألف هي حرف الحكاية والنون تبقى على أصلها ساكنة (مَنْ) أليست هي (مَنْ) بفتح الميم وإسكان النون؟ تبقى كما هي (مَنْتَان) .. تَان.
إذاً: زِدْتَ التاء وهي للتأنيث والألف هو حرف الحكاية، وليس عندنا حركة حكاية حتى نُحرِّك (مَنْ) كما حركناها في المفرد، (مَنُو) هناك حَرَّكنا النون للمفرد لأنَّه ليس عندنا ألف، وليس عندنا ياء، وليس عندنا واو، وإنما عندنا حركة وهي الضَّمَّة، أين تظهر؟ ليس لها مَحل إلا النون، حِينئذٍ قلت: مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، وأمَّا (مَنْتَان) و (مَنْتَيْن) بقيت (مَنْ) ساكنة كما هي لعدم وجود ما يقتضي تحريكه، وهذا هو الأفصح.
ولذلك قال: (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى) قبل تاء المثنَّى (مُسْكَنَهْ) مُسْكنةٌ، (النُّونُ) مبتدأ، و (مُسْكَنَهْ) خبر، و (قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى) .. (قَبْلَ) منصوب على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بقوله:(مُسْكَنَهٌ) مُسْكنةٌ قبل وهو مضاف، و (تَا) قُصِر للضرورة وهو مضاف إليه، (تَا الْمُثَّنَى) .. (الْمُثَّنَى) مضاف إليه.
(قَبْلَ) مضاف، و (تَا) مضاف إليه، (تَا) مضاف، و (الْمُثَّنَى) مضافٌ إليه.
(وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) يعني: النون التي هي نون (مَنْ)، وكذا النون الأخيرة، فتقول:(مَنْتَان) .. (مَنْتَيْن)، النون الأولى وهي نون (مَنْ) باقيةٌ على أصلها لا تُحرَّك لعدم وجود المقتضي للتحريك وهو الحركة، والنون الأخيرة لأنَّ (مَنْ) إنما يُحكى بها في الوقف لا في الوصل، وإنما لم ينُصَّ عليها اكتفاءً بقوله:(وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) السابق فالحكم عام.
إذاً: وكذا النون الأخيرة، لأنَّه لا يوقف على مُتحرِّك، ولم يُنبِه عليه لفهمه من المُقايسة من قوله:(وَسَكِّنْ تَعْدِلْ).
إذاً قوله: (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) لا يُفهَم منه أنَّ النون الأخيرة تكون مُتحرِّكة بل هي باقيةٌ على أصلها وهي السكون لقوله فيما سبق: (وَسَكِّنْ تَعْدِلِ)، وأنَّ (مَنْ) إنما يُحكى بها في الوقف لا في الوصل، والوقف لا يكون إلا بالسكون.
(وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) مُسْكنةٌ، قالوا: تنبيهاً بإسكانها على أنَّ التاء ليست لتأنيث الكلمة اللاحقة لها، بل لحكاية تأنيث كلمة أخرى، إذا قلت: مَنْتَان؟ التاء هنا لتأنيث (مَنْ) أو لتأنيث (امرأتان) المسئول عنه؟ الثاني، ولذلك هنا أُلقِي السكون على حاله لم يَتحرَّك (مَنْتَان) للدَّلالة على أنَّ هذه التاء في (مَنْتَان) و (مَنْتيْن) إنما جيء بها لتأنيث المسئول عنه لا لتأنيث (مَنْ) .. (مَنْ) ليست مُؤنَّثة وإنما هي مُذكَّر.
حِينئذٍ التاء هنا ليست للدَّلالة على أنَّ هذا اللفظ (مَنْ) مُؤنَّث، وإنما المسئول عنه هو المُؤنَّث.
(وَالْفَتْحُ نَزْرٌ)(مَنَتَان) .. (مَنَتَيْن)، يعني: تحريك النون من (مَنْتَان) و (مَنْتَيْن) خلاف الأصل وخلاف الأفصح، (وَالْفَتْحُ نَزْرٌ) يعني: قليل، فتح ماذا؟ فتح النون قبل تاء المثنَّى، فتقول:(مَنَتَان) و (مَنَتَيْن)(نَزْرٌ) قليل.
وإنما كان الفتح أشهر في المفرد، والإسكان أشهر في التَّثنيَّة، لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتطرِّفة، أيُّ مفرد؟ لأنَّك تقول:(مَنَه) مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً، الفتح في (مَنَه) شهير، والفتح في (مَنْتَان) .. (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن) غير شهير .. قليل، لماذا فُرِّق بين المفرد والمثنى؟ قالوا: وإنما كان الفتح أشهر في المفرد والإسكان أشهر في التثنية، لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتَطرِّفة، ما معنى مُتَطرِّفة؟ يعني: آخراً.
لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتَطرِّفة وهي ساكنة .. ساكنةٌ للوقف، فحُرِّك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان، ولا كذلك:(مَنْتَان) يعني: (مَنَه) لو بقيت على سكونها، والهاء ساكنة أحْوجَنا أنْ نُحرِّك الأول من أجل التَّخلُّص من التقاء الساكنين، وأمَّا (مَنْتَان) فليس عندنا حاجة إلى تحريك الأوَّل.
إذاً: تحريك النون بالفتح في (مَنَه) هذا شهير، بل هو الأصل فيها، وتحريك النون في (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن) هذا خلاف المشهور، إذاً: انتهينا من المثنَّى، قال:
. . . . . وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ
…
بِمَنْ بِإِثْرِ ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ
لو قال: (ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ) .. كَلِف بِنِسوةٍ، (كَلِف) يُقال: الكَلَف شيءٌ يعلو الوجه كالسِّمْسِم، والكَلَف أيضاً: لونٌ بين السَّواد والحُمْرة وهي حُمرة كَدِرَةٌ تَعلق بالوجه.
(ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ) ماذا تقول في الحكاية؟ احْكِ بِنِسوة! قال: (وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ بِمَنْ)(مَنْتَات) فتأتي بألفٍ وتاء، قال:(وَصِلِ) أنْتَ فاعل، (التَّا) حذف الهمزة للضرورة، هل نقول: لغة .. هل يُقال (التَّا) هكذا دون هَمزٍ؟ (تَاً) هذا في إذا لم تَتَّصِل بها (أل)، وأمَّا (تَا) هكذا حُكِي أنَّه لغةٌ فيها، با، وتا، وأظنه ثا معها ثلاثة ألفاظ، وأمَّا (التَّا) فلا، وإنَّما تبقى على أصلها.
(وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ) هذا معطوف على (التَّا) و (التَّا) مفعولٌ به، (بِمَنْ) في حكاية جمع المؤنَّث السالم، (بِإِثْرِ) يعني: بعد قول القائل (ذَا) هذا مبتدأ، (كَلِفْ) كَلِفَ .. كَلِفٌ، يجوز أن يكون فعلاً وأن يكون اسماً، (بِنِسْوَةٍ) هذا مُتعلِّقٌ به، حِينئذٍ إذا أرَدْتَ أن تحكي (نِسْوَة) تأتي بـ:(مَنْ) وتزيد عليها ألفٌ وتاء، فتقول:(مَنَاة) بتحريك النون للتَّخلُّص من التقاء الساكنين.
إذاً تقول في المفرد المُؤنَّث: (مَنَه) مُطلقاً، وفي المثنَّى المُؤنَّث:(مَنْتَان) و (مَنْتَيْن)، وتُحرِّك النون على قِلَّة، (مَنَا) و (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن)، وتقول في الجمع:(مَنَات).
وَقُلْ مَنُونَ وَمَنِينَ مُسْكِنَا
…
إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا
وقل في حكاية جمع المُذكَّر السَّالم (مَنُونَ) في حكاية المرفوع بواوٍ ونون، وتحريك النَّون بِما يُناسِب الواو، (وَمَنِينَ) في المجرور والمنصوب (مُسْكِنَاً) آخرها، لأنَّه قال:(مَنُونَ) بتحريك النون، و (مَنِينَ) بتحريك النون، (مُسْكِنَاً) آخرهما، هذا حالٌ من فاعل (قُلْ)، و (مَنُونَ) هذا قُصِد لفظه مفعولٌ به، و (مَنِينَ) معطوف عليه، متى؟ (إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ)(جَا) فعل ماضي مبني على الفتح، أين الفتح؟
قلنا: جا يجي .. جاء يجيء، فيه لغتان، مر معنا كثير في النَّظم، (جاء) بالهمز هذه لغة، و (جا) هذه لغة أخرى بدون همز، المضارع من الأولى:(يجيء)، والمضارع من الثانية:(يجي) حِينئذٍ (جا) فعلٌ ماضي مبني على الفتح المُقدَّر على الألف، فليس ثلاثياً إنَّما هو ثنائي.
فهنا (جَا) هذا نعتبره لغة ولا نقول: ضرورة، (جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا) جمع (فَطِن) كـ:(كرماء)، (قَوْمٌ) احْكِ قوم، ماذا تقول؟ (مَنُون)، إذا سألت عن (قوم) فتحكيه تقول: مَنُون؟ حِينئذٍ نفهم أن المسئول عنه (قَوْم)، (مَنِيْن) المسئول عنه (لِقَوْمٍ).
إذاً: إذا كان المحكي جمع مذكر سالم، إذا كان مرفوعاً تأتي بـ:(مَنُون)، وإذا كان منصوباً أو مجروراً تأتي بـ:(مَنِيْن)، (إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا).
(وَإِنْ تَصِلْ فَلَفْظُ مَنْ لَا يَخْتَلِفْ) فتقول: مَنْ يا فتى؟ في الأحوال كلها، لو قال: جاء رجلان، وجاء رجلٌ، وجاء امرأتان، وجاء رجال، وجاء مسلمون، من يا فتى؟ في الكل .. الجميع، لماذا؟ لأنَّه لا تُحكى بالحكاية السابقة .. التفصيل السابق إلا في الوقف، وأمَّا في الوصل فتلزم حالةً واحدة وهي (مَنْ) مَنْ يا فتى؟
هذا هو الصحيح، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلاً، فتقول: مَنُو يا فتى؟ وتشير إلى الحركة (مَنَتْ) ولا تُنوِّن، وتَكْسِر نون المثنَّى، وتفتح نون المجموع، تُنوِّن (مَنَات) ضَمَّاً وكسراً، وهو مذهبٌ حكاه يونس عن بعض العرب، وحُمِل عليه قول الشاعر:
أتَوا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُمْ ..
هنا في الوصل أثبت الواو وحَرَّك النون، وهذا شاذٌّ عند سيبويه والجمهور من وجهين:
- الأول: إثبات العلامة وصلاً، (مَنُون) الواو.
- الثاني: تحريك النون.
وهذا أشار إليه النَّاظِم بقوله: (وَنَادِرٌ مَنُونَ فِي نَظْمٍ عُرِفْ) وهذا البيت لتأبَّط شراً.
(نَادِرٌ) هذا خبر مُقدَّم، (مَنُونَ) مبتدأ مُؤخَّر، (عُرِفْ) .. (فِي نَظْمٍ عُرِفْ) .. (فِي نَظْمٍ) مُتعلِّق بقوله (نَادِرٌ): ومَنُون نَادِرٌ فِي نَظْمٍ عُرِفَ .. معروفٍ، فهو صفة لـ:(نَظْمٍ).
إذاً: لا يُقال (مَنُونَ) في الوصل، وإنَّما يؤتى بالأصل وهو:(مَنْ) .. من يا فتى؟ مُطلقاً، وأمَّا قوله هنا:(فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُمْ) .. (أَنْتُمْ) نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.
إذاً: ثَمَّ فرقٌ بين (مَنْ) و (أَيٍّ).
قال الشَّارح هنا: " وإن سئل عن المنكور المذكور بـ: (مَنْ) حُكِي فيها ما له من إعرابٍ " يعني: تُحرِّك نون (مَنْ) بحركة المسئول عنه، (حُكي فيها) .. في (مَنْ)، (ما له) الذي له .. المسئول عنه من إعرابٍ: إنْ كان ضَمَّة ضممت نون (مَنْ) .. إنْ كان فتحة فتحت .. كسرة كسرت.
وتُشْبَع الحركة التي على النون، يعني: تأتي بحرف مد من جِنْس الحركة: ضَمَّة واو .. فتحة ألف .. كسرة ياء، فيتولَّد منها حرفٌ مجانسٌ لها، ويُحكى فيها ما له من تأنيث وتذكير وتثنيةٍ وجمعٍ، ولا تفعل بها ذلك كُلَّه إلا وقفاً، أمَّا وصلاً فلا، فتقول لمن قال جاءني رجلٌ: مَنُو؟ ولمن قال رأيت رجلاً: مَنَا؟ ولمن قال مررت برجلٍ: مَنِي؟
وتقول في تثنية المذكر: (مَنَان) رفعاً، و (مَنَيْن) نصباً وجراً، وتُسَكَّن النون فيهما، فتقول لمن قال جاءني رجلان: مَنَان؟ ولمن قال رأيت رجلين: مَنَيْن؟ ولمن قال مررت برجلين: مَنَيْن؟ مُتوحِّد، وتقول للمؤنَّثَة: مَنَه؟ -أصلها تاء: (مَنَةٌ) هذا الأصل- رفعاً ونصباً وجراً، فإذا قيل: أتَتْ بِنْتٌ فقل: مَنَه؟ رفعاً، وكذا في الجرِّ والنَّصب.
وتقول في تثنية المؤنَّث: (مَنْتَان) رفعاً، و (مَنْتَيْن) جرَّاً ونصباً، بسكون النون التي قبل التاء، وسكون نون التثنية وقفاً، وقد ورد قليلاً فتح النون التي قبل التاء:(مَنَتَان) و (مَنَتَيْن)، وأشار إليه بقوله:(وَالْفَتْحُ نَزْرٌ).
وتقول في جمع المؤنَّث: (مَنَات) بالألف والتاء الزائدتين كـ: (هِنْدَات)، وإذا قيل: جاء نِسْوَة، قلت: مَنَات؟ وكذا يُفعل في الجرِّ والنَّصب، وتقول في جمع المذكر رفعاً:(مَنُونْ)، و (مَنِينْ) بكسر النون نصباً وجرَّاً بسكون النون فيهما، فإذا قيل: جاء قومٌ، تقول: مَنُون؟ وإذا قيل: مررت بقوم، أو: رأيت قوماً، فقل: مَنِين؟
هذا على اللغة الفصحى في (مَنْ) إذ (مَنْ) فيها لغتان:
- إحداهما وهي الفصحى: أنْ يُحكى بها ما للمسئول عنه من أعرابٍ وإفرادٍ وتذكيرٍ وفروعهما على ما تَقدَّم، هذه نفسها.
- والأخرى: أن يُحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فتقول لمن قال: قام رجل، أو رجلان، أو رجال، أو امرأة، أو امرأتان، أو نساء:(مَنُو) في الرَّفع، و (مَنَى) في النَّصب، و (مَنِي) في الخفض.
واللغة الأولى هي التي ذكرها النَّاظِم وهي الفصحى.
إذاً: يلزم حالةً واحدة، مثلما قلنا في:(أَيٍّ) قلنا: (أَيْ) هذه فيها لغةٌ أخرى ولم يذكرها النَّاظم، إلا إذا عمَّمنا قوله:(احْكِ بِأَيٍّ) وهي ملازمة (أَيٍّ) للإفراد، ثُم يسأل بها عن المذكَّر المفرد، والمذكَّر المؤنَّث والمجموع: أَيٌّ .. أَيٌّ .. أَيٌّ مُطلقاً، وإذا كان في المؤنَّث قلت: أيَّةٌ؟ تقول: جاء امرأة .. جاء امرأتان .. جاء نساءٌ، تقول: أيَّةٌ، في الكل.
مثلها: (مَنْ) لكن مع معاملتها معاملة المفرد، تقول: جاء رجالٌ، مَنُو؟ رأيت رجالاً، مَنَا؟ مررت برجالٍ، مَنِي؟ تبقى كما هي على أصلها في المفرد.
إذاً: فيها لغتان:
- إحداهما وهي الفصحى: أنْ يُحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وإفرادٍ وتذكير وفروعهما، وهي التي ذكرها الناظم فيما سبق.
- والأخرى: أنْ يُحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، يقال في الجمع:(مَنُو) في الرَّفع، و (مَنَا) في النَّصب، و (مَنِي) في الجرِّ.
(مَنْ) تُخالف (أيًّا) في باب الحكاية في خمسة أشياء، يعني: الفرق بين (مَنْ) و (أيًّا):
- الأول: أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بحكاية العاقل، فلا يُحكى بها غير العاقل، ولذلك إذا قيل: جاء حمارٌ، نقول: أيٌّ؟ ولا تقل: مَنُو؟ إلا إذا كان المراد به المَجاز، جاء حمار تقصد به رجل بليد، نقول: مَنُو؟ صَحَّ.
أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بحكاية العاقل، و (أيٌّ) هذه عامةٌ في السؤال، يعني: تستعمل في العاقل وغيره.
- الثاني: أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بالوقف، و (أَي) عامةٌ في الوقف وفي الوصل.
- الثالث: أنَّ (مَنْ) يَجب فيها الإشباع فيقال: مَنُو ومَنَا ومَنِي، بخلاف (أَيٍّ) .. (أَيُّ) ليس فيها إشباع: أَيٌّ .. أيًّا .. أَيٍّ.
- الرابع: أنَّ (مَنْ) يُحكى بها النَّكرة، ويُحكى بها بعد العَلَم، وهو الذي سيأتي معنا، و (أَيٌّ) تَختصُّ بالنكرة.
- خامساً: أنَّ ما قبل تاء التأنيث في (أَيٍّ) واجب الفتح: (أيَّةٌ) هذا واجب الفتح، تقول:(أيَّةٌ) و (أيَّتَان)، وفي:(مَنْ) يجوز الفتح والإسكان.
ثُم قال:
وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ
…
إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ
يعني: يُحكى العَلَم بـ: (مَنْ) على جهة الخصوص، وهذا من الفوارق بينهما.
(وَالْعَلَمَ) بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ به منصوب على الاشتغال، (وَالْعَلَمَ) احْكِ العَلَم، (احْكِيَنَّهُ) فُهِم منه: أنَّ حركاته حركات حكاية، لأنَّه قال:(احْكِيَنَّهُ) دلَّ على أنَّ الحركة في العَلَم المحكي حركة حكاية، فإذا قلت: جاء زيدٌ، مَنْ زيدٌ؟ زيدٌ الرَّفع هنا رفع حكاية، حِينئذٍ مَنْ زيدٌ؟ (زيدٌ) هذا خبر.
وأنَّ إعرابه مُقدَّر وقد صَرَّح به في غير هذا الكتاب.
إذاً: (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) عرفنا أنَّ المراد بالحركة هنا حركة حكاية في العَلَم، وأطلق العَلَم فيشمل الكُنْيَة، ويشمل الاسم، ويشمل اللقب، واحترز به عن بقية المعارف، فلا يُحكى من المعارف إلا العَلَم.
إذاً قوله: (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) أخذنا فوائد، (احْكِيَنَّهُ): أنًّ الحركة حركة حكاية، وأنَّها مُقدَّرة، (الْعَلَمَ) أطلق فدخل فيه الاسم والكُنْيَة واللقب، وأخرج به سائر المعارف، لأنَّه قَدَّمه هذا الأصل فيه، دون بقية المعرف، والتخصيص هنا بـ:(الْعَلَمَ) لأنَّ الأعلام لَمَّا كانت كثيرة الاستعمال جاز فيها ما لم يَجز في غيرها، هذا كالاستثناء وإلا الأصل أنَّ (مَنْ) لا يُحكى بها إلا المنكور.
(وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ) ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم من بعد (مَنْ) لا تَتقيَّد بالوقف، لأنَّه قال هناك:(وَوَقْفاً احْكِ) وهنا أعاد الفعل قال: (الْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) ولم يُقيِّده بالوقف ولا بالوصل، فدلَّ على العموم، أنَّه لا يُقيَّد بالوقف. ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم بعد (مَنْ) لا تتقيَّد بالوقف وهو قضية إطلاقهم.
وخرج بقوله: (مِنْ بَعْدِ مَنْ) من بعد (أَيّ) فلا يُحكى العَلَم من بعد (أَيّ) فلا يُقال: جاء زيدٌ، أيٌّ؟ لا يصح، لأنَّ (زيد) عَلَم، و (أَيٌّ) لا يُحكى بها الأعلام بل النكرات.
وخرج (أَيٌّ) فلا يُحكى العَلَم بعدها كسائر المعارف.
(إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا) .. (إِنْ عَرِيَتْ مِنْ) يعني: لم يسبقها .. تَجرَّدت .. عَرِيَت، (مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ) يعني: مقترن، إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ اقْتَرَنْ بِها، فقوله:(مِنْ عَاطِفٍ) مُتعلِّق بقوله: (اقْتَرَنْ)، وقوله:(بِهَا) مُتعلِّق كذلك بقوله: (اقْتَرَنْ)، وجملة (اقْتَرَنْ) هذه ما إعرابها؟ مِنْ عَاطِفٍ مُقتَرنٍ بِهَا .. لا، (مِنْ عَاطِفٍ) ليس مُتعلِّق بـ:(اقْتَرَنْ)، مُتعلِّق بـ:(عَرِيَتْ)، (مِنْ عَاطِفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(عَرِيَ) عريت من أي شيء؟ (مِنْ عَاطِفٍ) وهو مُتعلِّق بها، اقْتَرَنْ بِها .. مِنْ عَاطِفٍ مُقْتَرِنٍ، فالجملة صفة لـ:(عَاطِف)، و (بِهَا) مُتعلِّقٌ بها.
إذاً: إذا سبقها عاطفٌ فلا يحكى بِها العَلَم .. بَطَلَت .. بَطَل عملها، يعني: في الحكاية المعنوية، وإذا خلت عن العاطف حِينئذٍ جاز الحكاية بها.
(إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ) أي: صورةً، لأنَّه للاستئناف، وأطلق العاطف وقيل: يَختصُّ بالواو والفاء، وقيل: الواو خاصَّةً.
قال الشَّارح هنا: "يجوز أن يحكى العَلَم بـ: (مَنْ) إن لم يَتقدَّم عليها عاطف، فتقول لمن قال: جاءني زيد، مَنْ زيدٌ؟ ولمن قال: رأيت زيداً، من زيداً؟ ولمن قال: مررت بزيدٍ، من زيدٍ؟ بالخفض، فتحكي في العَلَم المذكور بعد (مَنْ) ما للعَلَم المذكر في الكلام السابق من الإعراب، وهذه لغة الحجاز" أهل الحجاز: أنَّهم يحكون المحكي بنفسه بعد (مَنْ) سواء كان مرفوعاً، أو منصوباً، أو مخفوضاً.
وأمَّا بنو تميم فلا يحكون، بل يجيئون بالعَلَم المسئول عنه بعد (مَنْ) مرفوعاً مطلقاً: جاء زيد، مَنْ زيدٌ؟ رأيت زيداً، مَنْ زيدٌ؟ مررت بزيدٍ، مَنْ زيدٌ؟ فعندهم مُطلقاً الرَّفع .. رفعاً ونصباً وخفضاً، لأنَّه مبتدأ خبره (مَنْ)، إذاً: يلزم أن يكون مرفوعاً، فإذا كان منصوباً المحكي وجب رفع (زيد) في الحكاية.
أو خبر مبتدؤه (مَنْ)، فإن اقترن بعاطف تَعيَّن الرفع عند الكل، يعني: عند الحجازيين، لو قال: رأيت زيداً، تقول: ومن زيدٌ؟ حِينئذٍ وجب الرَّفع، مررت بزيدٍ، ومن زيدٌ؟ وجب الرَّفع عند الجميع، فإنْ عَرِيَت عن عاطفٍ حِينئذٍ جاز عند الحجازيين أن تقول: مَنْ زيداً، ومَنْ زيدٍ، ومَنْ زيدٌ؟
و (مَنْ) مبتدأ، والعَلَم الذي بعدها خبرٌ عنها، سواءٌ كانت حركته ضَمَّة، أو فتحة، أو كسرة، لو قلت: مَنْ زيدٌ؟
مَنْ زيدٌ؟ في لغة الحجاز (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٌ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة، مَنْ زيدٌ؟ في لغة الحجاز (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٌ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية، بدليل: مَنْ زيداً؟ (مَنْ) مبتدأ، و (زيداً) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية، مَنْ زيدٍ؟ (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٍ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية.
إذاً: (مَنْ) مبتدأ، والعَلَم الذي بعدها خبرٌ عنها، سواءٌ كانت حركته ضَمَّة، أو فتحة، أو كسرة، وحركة الإعراب تكون حِينئذٍ مُقدَّرة، أو خبر عن الاسم المذكور بعد (مَنْ)، فإن سبق (مَنْ) عاطفٌ لم يَجُز أنْ يُحكى في العَلَم الذي بعدها ما قبلها من الإعراب، بل يَجب رفعه على أنَّه خبرٌ عن (مَنْ) أو مبتدأ خبره (مَنْ).
فتقول لقائل: جاء زيدٌ، أو رأيت زيداً، أو مررت بزيدٍ: ومَنْ زيدٌ؟ في الجميع تَعيَّن الرَّفع، ولا يُحكى من المعارف إلا العَلَم، فلا تقل لقائل: رأيت غلام زيدٍ، من غلامَ زيدٍ؟ هذا لا يَصِح، بل يجب رفعه مطلقاً: رفعاً ونصباً وجراً.
ويشترط لحكاية العَلَم بـ: (مَنْ) ألا يكون عدم الاشتراك فيه مُتيَقَّناً، لأنك تستفهم عن شخص فيه اشتراك مع غيره، قال: جاء زيدٌ .. رأيت زيداً، يَحتمل زيد من هذا؟ فتقول: مَنْ زيداً؟ لكن إذا كان ما يقبل الاشتراك تقول: مَنْ زيداً؟! هذا ما يَصِح، إذاً: يُشترط لحكاية العَلَم بـ: (مَنْ) ألا يكون عدم الاشتراك فيه مُتيَقَّناً، فلا يُقال: مَن الفرزدق؟ لمن قال: سمعت شعر الفرزدق، إلا على جهة الإنكار، أمَّا حكاية فلا.
لأنَّ هذا العَلَم تُيُقِّنَ انتفاء الاشتراك فيه .. ليس فيه اشتراك، فلا يصح أن يُقال: من الفرزدق؟
قيل لأحد الطلاب: هذا الحديث صَحَّحَه الدارقطني، قال: ومَنْ الدارقطني؟!
- ويُشترط أيضاً أن يكون عَلَماً لعاقل.
- وألا يُتْبَع في حكايته بتابعٍ من توكيدٍ، أو بدلٍ، أو بيانٍ، أو نعتٍ بغير (ابنٍ) مضافاً إلى عَلَم، يعني: لو كان منعوتاً تقول مثلاً: جاء زيدٌ الفاضل، لا يصح حكايته فلا يُقال: من زيدٌ الفاضل؟ لأنَّه منعوت، جاء زيدٌ أخوك، فلا يُقال: من زيدٌ أخوك؟ وإنما يُشترط في حكاية العَلَم: ألا يكون متبوعاً مُطلقاً إلا بـ: (ابنٍ) مضافٍ إلى علم، لو قال: جاء زيدُ ابن عمروٍ، تقول: ومن زيدُ بن عمروٍ؟ تستفسر عنه، لأنَّه مُحتمل .. لأنَّه كالشيء الواحد.
بخلاف النعت بـ: (ابنٍ) مضافٍ إلى عَلَم، لأنَّه مع المنعوت كشيءٍ واحد، وفي العطف خلاف كما سيأتي، وإنما اشترطوا انتفاء التابع لأنَّهم استغنوا بإطالته عن الحكاية، لأنَّ إطالته بالتابع تُبيِّنه، يعني إذا قيل: جاء زيدٌ الفاضل، يُعرَف هذا في الغالب، جاء زيدٌ أخوك عُلِم هذا، لا يحتاج إلى الحكاية، إنَّما تحكي وتستفهم عن شيءٍ لا يعرف .. قابل للشَّركة، وأمَّا إذا لم يقبل الشَّرِكة .. الاشْتَرك مع غيره فلا يُحكى.
وأمَّا المعطوف فهو داخلٌ في كلامه، ولذلك قال الصَّبَّان:" شَمِل كلامه العَلَم المعطوف على غيره، والمعطوف عليه غيره، وفيه خلاف منعه يونس، وجَوَّزه غيره، واستحسنه سيبويه " منع .. جواز .. استحسان، فيقال لمن قال: رأيت زيداً وأباه، رأيت زيداً وأباه عَطَفَ عليه، في الأول قلنا: النَّعت، والبدل، والتوكيد، والنَّعت بغير (ابن) مضاف إلى عَلَم، قلنا: وفي العطف خلاف هو الذي ذكرناه الآن.
فلو قال: رأيت زيداً وأباه، هذا فيه نوع اشتراك، فتقول: من زيداً وأباه؟ من قال: رأيت أخا زيدٍ وعمراً، من أخا زيدٍ وعمراً؟ إذاً: العطف والمعطوف عليه هذا فيه خلاف بين النُّحاة.
وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ
…
إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ
إن عاطفٍ اقترن بها.
ثُم قال رحمه الله: (التَّأْنِيْثُ).
(التَّأْنِيْث) هذا تفعيل من: أنَّثَ .. يُؤنِّثُ .. تأنيثاً، التأنيث مقابل للتذكير، وهنا لم يقل: التأنيث والتذكير، كما قال:(المُعْرَبُ وَالمَبْنِي) لأنَّه في السَّابق ذكر المعرب وذكر معه المبني، يعني: عَنون لشيئين .. ترجم لشيئين وذكر كل واحدٍ منهما تحت ترجمة.
وهنا قال: (التَّأنِيْث) ولم يقل: التذكير، ويُقال: المعرفة والنكرة، كلٌ منهما يقابل الآخر، لكنَّه إذا عَنوَن بشيئين متقابلين ذكرهما معاً، وأمَّا هنا فقيل: لماذا لم يقل: التأنيث والتذكير؟ نقول: هنا لأنَّه ذكر التأنيث وهو الذي يحتاج إلى علامة وتمييز عن غيره، وأمَّا التذكير فهو الأصل فلا يحتاج، حِينئذٍ لا يُعترَض على النَّاظم.
(التَّأنِيْث) قيل: لو قال: التأنيث والتذكير لكان أحسن، لأنَّه نظير قوله سابقاً:(المُعْرَبُ والمَبْنِي) و (النَّكِرَةُ وَالمَعْرِفَةُ)، وفيه نظر! لأنَّه لم يَتكلَّم عن التذكير هنا، فكيف يُترجِم به في الترجمة .. كيف يذكره في الترجمة ولم .. ؟ وهذا عندهم معيب: إذا ترجم ولم يأت بما ترجم به معيب، بخلاف العكس: لو ذكر شيئاً ولم يترجم له قالوا: هذا تبرعٌ من عنده وزيادة، وأمَّا إذا ترجم فلم يذكر هذا لا .. هذا معيبٌ عندهم في التصنيف.
إذاً: (التَّأنِيْث) فرع التذكير، لأنَّه يَحتاج إلى علامة، لأنَّه الأصل في الأسماء .. التذكير هو الأصل في الأسماء؛ إذ ما من شيءٍ يُذكَّر أو يُؤنَّث إلا ويطلق عليه: شيء .. لفظ (شيء)، ولفظ (شيء) هذا مُذكَّر، دل على أنَّ الأصل في التأنيث التذكير، يعني: اللفظ المؤنَّث إذا قيل: عائشة .. فاطمة .. قائمة، هذا اللفظ مَصْدَق (عائشة) يَصُدق عليه أنَّه شيء، فدل على أنَّه مذكرٌ في الأصل.
إذاً: ما من مُذكَّر أو مُؤنَّث إلا ويصدق عليه شيءٌ، و (شيءٌ) مُذكَّر في لغاتهم، ومن احتيج إلى علامة تُميِّز المؤنَّث من المُذكَّر، لأنَّ الأشياء الأُوَلْ تكون مفردةً لا تركيب فيها، الأشياء الأُوَل السابقة مفرد مثلاً والمُذكَّر والنَّكرة هذا لا يحتاج إلى معرفة .. لا يحتاج إلى شيءٍ يُعرِّفُه .. إلى علامة.
لأنَّ الأشياء الأُوَل تكون مفردةً لا تركيب فيها، والثَّوانِي، يعني: الفروع، تحتاج إلى ما يُميِّزُها من الأُوَل، ويَدلُّ على مَثْنَوِيَّتها، بدليل احتياج التَّعريف إلى علامة .. التعريف لا بد له من علامة، لأنَّه فرع التنكير، واحتياج النفي كذلك إلى علامة، لأنَّه فرعٌ عن الإيجاب.
ولذلك قلنا: الأصل في الجملة أنَّها موجبة، قلنا: الجملة تكون مَنفيَّة وتكون موجبة، أيهما أصل؟ الإيجاب، لماذا؟ لأننا نقول: متى نَحكم عليها بكونها مَنفيَّة؟ إذا سبقها (ليس) .. (ما) إلى آخره، فدلَّ على أنَّ ما يحتاج إلى علامة فرعٌ عَمَّا لا يحتاج إلى علامة.
إذاً: الأصل في الألفاظ .. في الأسماء التذكير، بدليل: أنَّنا لا نَحكم على اللفظ بأنَّه مؤنَّث إلا بوجود علامة، ولذلك قال النَّاظِم:
عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ
…
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ
وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ بِالضَّمِيرِ
…
وَنَحْوِهِ كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ
(عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ)(عَلَامَةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضافٌ إليه، (تَاءٌ) هذا خبر، (أَوْ) عاطفة فقط؟ (أَوْ) للتنويع هنا، لأنَّه ذكر علامتين في الجملة:
- (تَاءٌ) تاء التأنيث.
- والألف، والألف هذه يدخل تحتها نوعان: الألف المقصورة، والألف الممدودة، المقصورة مثل:(حبلى وسلمى) والممدودة مثل: (صحراء وحمراء). وهي ألفٌ مقصورة وممدودة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة.
إذاً: (حبلى) هي الأصل، و (صحراء) هذه فرع، حِينئذٍ صارت واحدة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة، أبدلت منها همزة، لأنَّهم لَمَّا أرادوا أن يؤنثوا بها ما فيه ألفٌ لم يمكن اجتماعهما لتماثلهما والتقائهما ساكنين، فأُبْدِلت المتطرِّفة للدَّلالة على التأنيث همزة لتقاربهما، وخُصَّت المتطرِّفة لأنَّهما في مَحلِّ التَّغيُّر.
يعني: (صحراء) الهمزة الثانية هذه هي ألف التأنيث .. ألف حبلى، صحراء، الراء ثُم الألف .. الألف هذه من الكلمة، ثُم أريد تأنيثها بألفٍ مقصورة، وهي ألف حبلى، فجئت بالألف فاجتمع عندنا ألفان، ولا يمكن النُّطق بهما، ولا يمكن حذفهما، حِينئذٍ قلبت الثانية ألفاً فصار: صحراء، هذا سيأتي في التثنية والجمع هناك.
إذاً: ألف همزة (صحراء) ليست أصلية، وهي للتأنيث وأصلها مقصورة قلبت همزةً لتطرُّفها وعدم اجتماعها مع الألف السابقة، إذاً: فأبدلت المتطرفة، يعني: الثانية للدَّلالة على التأنيث همزةً لتقاربهما، يعني: الألف والهمزة، وخُصَّت المتطرِّفة الثانية لا الأولى، لأنَّها في مَحلَّ التَّغيُّر، والتغيُّر إنما يلحق الأواخر لا الأوائل، ويدلُّ لذلك سقوطها في الجمع كصحارى، ولو لم تبدل لم تُحذف، حِينئذٍ نقول: صحراء، الهمزة هذه بدلٌ عن الألف.
حِينئذٍ قوله: (أَوْ أَلِفْ) ألفٌ واحدة وهي الألف المقصورة، سواءٌ كانت أصلية، يعني: لم تُبْدَل كما في ألف: (حبلى وسلمى) أو أُبْدِلت همزةً كما في: (صحراء وحمراء) إذاً: النوعان نوعٌ واحدٌ عند البصريين، ومذهب الكوفيين: أنَّها أصلٌ أيضاً .. كلٌ منهما أصل، لكن المشهور الأول: أن همزة صحراء .. الهمزة هذه همزة تأنيث لكنَّها مُبْدَلة عن ألف: حبلى.
عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ
…
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ
التاء على قسمين:
- متحركة وتَختصُّ بالأسماء، مثل: فاطمة، ومسلمةٌ، تدخل في الأعلام وتدخل في الصفات.
متحركة وتختص بالأسماء كـ: قائمة.
- وساكنة: وهذه تَختصُّ بالأفعال، تقول: قامت هندٌ .. هندٌ قامت، هذه التاء مُختصَّة بالأفعال وهي ساكنة، وهذا الفرق بينها وبين المختصَّة بالأسماء، تلك مُتحرِّكة وحركتها حركة إعراب: مسلمةٌ .. قائمةٌ .. فاطمة، نقول: هذه حركة إعراب، وأمَّا: قامت، فهي ساكنةٌ.
والألف كذلك مفردة، وهي المقصورة كـ:(حبلى)، وألفٌ قبلها ألفٌ فتقلب هي همزةٌ وهي الممدودة كـ:(حمراء) فالألف رُدَّت إلى نوعٍ واحد.
وقوله: (تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) .. (أَوْ) هنا للتنويع، أتى بـ:(أَوْ) التي لأحد الشيئين، إشارةً إلى أنَّ العلامتين لا يجتمعان في كلمة واحدة: إمَّا علامةٌ هي التاء فتنتفي الألف، وإمَّا علامةٌ هي الألف فتنتفي التاء .. واحد من شيئين. إشارة إلى أنَّ العلامتين لا يجتمعان في كلمةٍ واحدة، فلا يُقال في (ذكرى): ذكراتٌ، لا يُقال باجتماع التاء والألف.
وأمَّا: (علقاةٌ وأرطاةٌ) اجتمع فيها ألفٌ وتاء، نقول: الألف هنا ليست للتأنيث .. ليست ألف: (صحراء) وإنما الألف هنا للإلحاق بـ: (جعفر) فإذا كانت للإلحاق فحِينئذٍ لا بأس أن يجتمع الألف مع التاء.
وأمَّا: (علقاةٌ وأرطاةٌ) فألفهما مع وجود التاء للإلحاق بـ: (جعفر)، ومع عدمها للتأنيث، وقَدَّم التاء على الألف في قوله:(عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) لأنَّها أكثر، وأظهر دلالة من الألف، لأنَّها لا تلتبس بغيرها .. التاء لا تلتبس بغيرها بخلاف الألف، الألف كما سيأتي قد تأتي للإلحاق .. قد تأتي للتكثير .. قد تأتي للتأنيث، حِينئذٍ لها احتمالات، فيلتبس هل هذه للإلحاق .. هل هذه للتكثير كما في:(قَبَعْثَرا) قد يظن الضان أنها ألف للتأنيث ليست كذلك، بل هي ألف التكثير.
كذلك: (عَلْقَى) إذاً: قَدَّم التاء على الألف لأنها أكثر وأظهر دلالةً من الألف لأنَّها لا تلتبس بغيرها، بخلاف الألف فإنها تلتبس بغيرها فيحتاج إلى تمييزها، وإنما قال:(تَاءٌ) ولم يقل: هاءٌ، لِمَا ذكرناه سابقاً أنَّ مذهب البصريين: أنَّ الهاء بدلٌ عن التاء، فإذا قلت: قائمه، وقفت عليه بالهاء وهي ساكنة، والأصل: قائمةٌ.
وإنما قال: (تَاءٌ) ولم يقل: (هاءٌ) ليشمل الساكنة كتاء: قامت هندٌ، ولأنَّ مذهب البصريين: أنَّ التاء هي الأصل، والهاء المُبْدَلة في الوقف فرعها، وعكس الكوفيون: جعلوا الهاء هي الأصل، والتاء هي الفرع.
عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ
…
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ
هذا فيما يكون مؤنَّثاً تأنيثاً معنوياً، المؤنَّث المعنوي ما هو؟ ما حكمنا عليه بكونه مُؤنَّثاً، لكن بغير علامٍة، يعني: بغير اتِّصال تاء أو ألف، فكيف حكمنا عليه بكونه مؤنَّثاً مع عدم وجود العلامة؟ (عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ) تاء تأنيث، (أَوْ أَلِفْ) بنوعيها، (وَفِي أَسَامٍ) لم تظهر فيها هذه العلامة لا التاء ولا الألف .. لم تتَّصِل بها، ولكن حكمنا عليها بكونها مؤنَّثاً والتأنيث معنوي، لماذا؟ قالوا:(قَدَّرُوا التَّا) يعني: التاء مُقدَّرة، ولذلك قلنا: كل تأنيث إنما يكون لفظياً فيما سبق .. الممنوع من الصَّرف، التأنيث لا يكون معنوياً، وإنما كله لفظي.
وحِينئذٍ: زينب، وسعاد، وكتف، وهند، نقول: هذا مؤنَّثٌ تأنيث لفظي، لماذا؟ لأنَّ التاء مُقدَّرة، وإذا كان كذلك فليس عندنا تأنيث معنوي.
(وَفِي أَسَامٍ) هذا جمع: أسماء، و (أسماء) جمع اسمٍ، فهو جمع الجمع، (وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا) أي: العرب أو النُّحاة، (قَدَّرُوا التَّا) فيه، (كَالْكَتِفْ) قَدَّروا التاء فيما لا يعقل، (كَالْكَتِفْ) فيقال: كُتَيْفَة إذا صَغَّروه، من أين جاءت هذه التاء في التَّصغِير؟ قالوا: لأنَّ التاء فيه مُقدَّرة، فلذلك التصغير يَردُّ الأشياء إلى أصولها كالجمع.
حِينئذٍ يقال في (يد): يُدَيَّةٌ، وفي (عين): عُيَيْنَةٌ، وفي (أُذن): أُذَينَة، أذن، وعين، وكذلك: كتف، هذه ليست متَّصِلة بها علامة تأنيث .. التاء، لكن لَمَّا صُغِّرَت التَّصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فحكمنا عليها بكونها مؤنَّثا تأنيثاً معنوياً.
(وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ) فتقول: كُتَيْفَة .. يُدَيَّة، وكذلك: عُيَينَة، وأُذينَة، كيف نعرف هذا التقدير .. كيف نعرف أنَّ العرب خَصَّت هذا اللفظ بتاءٍ مُقدَّرة؟ قالوا:(وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ) يعني: تقدير التاء في الاسم بعلامات ظاهرة يُنطَق بها، منها الضمير .. عَوْد الضَّمير، إذا عاد الضمير على لفظٍ بالتأنيث وليس فيه تاء علمنا أنَّه مُؤنَّث، فتقول مثلاً كما قال تعالى:((النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحج:72] فـ: (النَّارُ) مُؤنَّث، لأنَّ الضَّمير هنا عاد عليها بالتأنيث، كذلك:((حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) [محمد:4] لم يَقُل: (أوزاره) قال: (أَوْزَارَهَا) فدلَّ على أنَّ الحرب هنا مؤنَّثٌ تأنيثاً معنوياً.
((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)) [الأنفال:61] ما قال: (فَاجْنَحْ لَه) قال: (فَاجْنَحْ لَهَا)، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)) [الشمس:1] .. ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)) [الشمس:7] حِينئذٍ نقول: هذه الضمائر كلها تعود على اللفظ وهو مُجرَّدٌ من التاء، فدل على أنَّ التاء مُقدَّرة.
إذاً: (وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ) تقدير التاء (بِالضَّمِيرِ) يعني: مرجع الضمير العائد على ذلك الاسم، فإن رجع إليه مُؤنَّثاً دلَّ على أنَّ هذا اللفظ مُؤنَّث، وكيف تعرف هذا؟ ليس من رأسك، لأنك إذا أردت أن تُركِّب رَكَّبْت، لكن ترجع إلى لسان العرب: هل أعادوا الضمير عليه مُذكَّراً أو مُؤنَّثاً؟ فحِينئذٍ تحكم عليه بكونه مذكَّراً إذا أُعيد عليه بالتذكير، أو مؤنَّثاً إذا أُعيد عليه بالتأنيث.
إذاً: الأول الضمير .. يعرف بمرجع الضمير.
(وَنَحْوِهِ) نحو الضمير، مِثل ماذا؟ مَثَّل له:(كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) رد ماذا؟ (كَالرَّدِّ) ردِّ التاء، قلنا: التَّصْغِير يرد الأشياء إلى أصولها، (كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) يعني: صَغِّر الكلمة، فإن رجعت التاء رددتها حِينئذٍ عرفت أنَّها مُقدَّرة، فتقول هِنْد: هُنَيْدة، هنا رَدَدْتَ التاء في التصغير.
إذاً: (وَنَحْوِهِ) يعني: ونحو الضمير، ومثَّل له بمثال واحد:(كَالرَّدِّ) يعني: ردِّ التاء .. إرجاعها، لأنَّها هي الأصل بقاؤها، (كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) فتقول: كَتْف .. كُتَيْفَة، هِنْد .. هُنَيْدَة، إذاً: صَغَّرْته فرجعت التاء.
كذلك الإشارة إليه: ((هَذِهِ جَهَنَّمُ)) [يس:63] أشرت إليه بِمؤنَّث فدلَّ على أنَّ (جَهنَّم) مؤنَّث.
إذاً: الإشارة إليه، فتقول: هذه هندٌ، وتلك كتفٌ (تلك .. تِـ)، هذا لمؤنَّث: تلك كتف، وهذه هند، وهذه جنهم، وما في معناها.
وتأنيث خبره: إذا أنَّثْتَ الخبر علمت أنَّ المبتدأ مُؤنَّث، لأنَّه يلزم منه التَّطابق، إذا ورد في لسان العرب .. في القرآن أو في غيره خبر مُؤنَّث، والمبتدأ مُجرَّد عن التاء فاحكم على المبتدأ بأنَّه مُؤنَّث، لأنَّه لا يُخبر بالتأنيث إلا عن المؤنَّث.
كذلك نعته: في النَّعت لأنَّه يُشترط فيه التطابق.
كذلك حاله: الحال لا بد أن تكون مطابقة، ووجودها في فعله:((وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ)) [يوسف:94](الْعِيرُ) نقول: هذا مُؤنَّث لوجودها في الفعل.
كذلك بعضهم زاد: أنْتِ، وضربَكِ، يعني: الكسرة، لكن الكسرة هذه معروفة من البِنْيَة، يعني: لا تصلح هنا، وياء (تفعلين) كذلك من البِنْيَة.
والعدد: يعني سقوط التاء من العدد، تقول: ثلاث هنودٍ، وعلمنا أنَّ (ثلاث) هنا يأخذ حكم؟ (ثلاث هنودٍ) النَّظر للآحاد هند فيخالفه، إذا كان مُؤنَّثاً أسْقَطْتَ التاء، هنا أسقطت التاء فتقول: ثلاث هنودٍ، ومنه قوله:
وَهِي ثَلاثُ أَذرُعٍ وَإِصْبَعُ ..
ثَلاثُ أَذرُعٍ تفهم من هذا: أنَّ الذِّرَاع مُؤنَّث لأنَّه أسْقَط التاء من العدد فقال: ثلاث.
إذاً: هذه مِمَّا يُعرف بها التقدير، يعني: عود الضمير، والتصغير، واسم الإشارة، والنعت والخبر وهذه أشهرها في لسان العرب، فإذا وجد واحدٌ من هذه ما هو مؤنَّث حكمنا على اللفظ بأنَّه مُؤنَّثٌ تأنيثاً معنوياً، وفي أصله التاء.
أصل الاسم أن يكون مُذكَّراً، والتأنيث فرعٌ عن التذكير، ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكَّر عن علامةٍ تدلُّ على التذكير، ولكون التأنيث فرعاً عن التذكير افتقر إلى علامةٍ تدلُّ عليه وهي التاء، والألف المقصورة أو الممدودة، والتاء أكثر في الاستعمال من الألف، ولذلك قُدِّرت في بعض الأسماء كـ: عين، وكتف.
قد يُقال: لماذا لا نُقدِّر الألف؟ والألف فرع، والتاء أصل، ولذلك هي الأكثر.
ويستدل على تأنيث ما لا علامة فيه ظاهرة من الأسماء المؤنَّثة بعود الضمير إليه مُؤنَّثاً، نحو: الكتف نهشتها، والعين كحلتها، وبما أشبه ذلك وصفه بالمؤنَّث: أكلت كتفاً مشوية، (مشوية) هذا بالتاء دلَّ على أنَّ (كتف) هذا مُؤنَّث، لأنَّه يشترط فيه التطابق.
وكردِّ التاء إليه بالتصغير: كُتَيْفَة، يُدَيَّة.
ثُم شرع في بيان مَحال هذه التاء، التاء في الغالب أن يفصل بها بين وصف المؤنَّث من المذكَّر: ضارب وضاربة .. قائم وقائمة، أنْ يؤتى بالتاء فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث، وهذا إنما يكون في الوصف .. الكثير الغالب في الوصف، وقلَّتْ للفصل في الجوامد .. قلَّت في الفصل بين اللفظين المذكَّر والمؤنَّث في الجامد، يعني: لا في الصفات، فالأكثر في الصِّفات كـ: قائمة وقائم، ومسلم ومسلمة، أمَّا في الجوامد فهو قليل، كـ: امرئ وامرأة، وحمار وحمارة، (حمار) هذا مُذكَّر، و (حمارة) مُؤنَّث، وهذا قليل، وإنسان وإنسانة، وغلام وغلامة هذا قليل، ولذلك قيل: هذا النوع لا ينقاس .. ليس بقياسي.
إذاً: وجود التاء فارقةً في الجوامد لا ينقاس عليه وإنما هو سماعي.
وجاءت لتمييز الواحد من الجنس كثيراً، كما سبق أنَّ اسم الجنس الجمعي ما يُفرَّق فيه بينه وبين واحده بالتاء، التي هي تاء التأنيث هذه، حِينئذٍ جاء في تمييز الواحد من الجنس كثيراً كـ: تَمرٍ وتَمرة، وبقرٍ وبقرة، إذاً: وجدت في المفرد وأسقطت من الجمع.
وعكسه قليلاً كـ: كمئ للواحد، وكمئة للجمع.
وتأتي التاء للمبالغة كـ: راوية، ولتأكيد المبالغة كـ: علَّامة، ولتأكيد التأنيث كـ: نَعْجَة، وناقة، أو لتأكيد الجمع كـ: حجارة وفحولة، أو لتأكيد الوحدة كـ: ظلمة، وغرفة، وتأتي للتعريب يعني: للدَّلالة على أنَّ اللفظ أعجمي نحو: كيالجة في جمع: كيلج، وهو الميزان أو المكيال، وتأتي للنَّسب، يعني: عوضاً عن الياء كما قال بعضهم .. للدَّلالة على النسب نحو: الأشاعثة والأزارقة، في النسب إلى: أشعث، وأزارقة إلى: الأزرق، وهي عِوضٌ عن ياء النَّسب.
وتكون عوضاً من فاءٍ كـ: عِدَة، أو عينٍ كـ: إقامة، أو لام كـ: لغة، أو مدة تفعيلٍ كـ: تزكية.
إذاً: لا تَختصُّ بكونها فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث، يعني: تأتي في مواضع أُخَرْ ولكنَّها على جهة القِلَّة، والغالب ألا تلحق الوصف الخاصَّ بالمؤنَّث، كـ: حائض، فلا يُقال: حائضة؟ إلا على معنىً سيأتي معنا، أو طالق .. طالقة، حامل وحاملة، هذا لا يَصِح، وطَامِث، ومرضع إلى آخره، "لعدم الحاجة إليها بأمن اللبس" .. عِلَّة لأمن اللبس، قاله الكِسَائي.
وقال سيبويه: " لأنَّها في الأصل وصفٌ مذكَّر، كأنه قيل: شخصٌ حائضٌ وطالقٌ " فهو صفة لشخص، و (سخص) سبق معنا أنَّه يصدق على المذكَّر والمؤنَّث، ولذلك قلنا: ثلاث أشخص، أو شخوص.
وقال الخليل: " لأنَّها تؤدي معنى السبب " أي: ذات حيض، وذات طلاق، يعني: سببه أنَّها ذات، ولم يقل: ذات فهي سبب.
ثُم قال النَّاظم هنا:
وَلَا تَلِي فَارِقَةً فَعُولَا
…
أَصْلاً وَلَا الْمِفْعَالَ وَالْمِفْعِيلَا
إذاً: الأصل في التاء أن تكون فارقةً في الأوصاف، وأمَّا الجوامد فهذا على قِلَّة، قلنا: هذا يسمع ولا يُقاس عليه.
(وَلَا تَلِي) التاء .. تاء التأنيث (فَارِقَةً) فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث في أربعة أوزان: (فَعُول) و (مِفْعَال) و (مِفْعِيل) و (مِفْعَل).
(فَعُول) كـ: صبور، يقال: رجلٌ صبور، وامرأة صبور .. رجل شكور، وامرأة شكور، لا نحتاج إلى التاء هنا، سماع .. هكذا العرب، إذاً:(فعول) لا تتصل به التاء، سنأتي إلى قوله:(أَصْلاً).
(وَلَا الْمِفْعَالَ)(مِفْعَالَ) مِهْذَار: امرأةٌ مِهْذَار، ورجل مِهْذَار، يعني: كثير الهذيان .. الكلام .. ثرثار.
وَالْمِفْعِيل: مِعْطِير: رجلٌ مِعْطِير، يعني: طيب الرائحة، وامرأة مِعْطِير، لا نحتاج إلى تاء الفرق.
(كَذَاكَ مِفْعَلٌ) مِغْشَم: الذي يرتكب ما يهواه، نقول: رجلٌ مِغْشَم، وامرأة مِغْشَم.
إذاً: استوى هذه الألفاظ الأوزان الأربعة في المُذكَّر والمُؤنَّث، وهذا ما سبق معنا هناك في باب: جمع المذكَّر السالم، قلنا: ما يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، وذكرنا منه (فَعِيل) كما سيأتي.
(وَلَا تَلِي) تاء التأنيث (فَارِقَةً) هذه صفات لا تدخل عليها تاء التأنيث.
قال: (فَعُولاً) .. (فَعُولاً) هذا مفعول به لقوله: (تَلِي) فعولاً .. لا تلي التاء فعولاً، (فَارِقَةً) هذا حال من فاعل (تَلِي) يعني: فارقةً بين المُؤنَّث والمذكَّر.
قوله: (أَصْلاً)، (فَعُولاً) هذا يستعمل ويراد به الفاعل، ويستعمل ويراد به المفعول، وأيهما أصل الفاعل أو المفعول؟ الفاعل، إذاً: قوله (فَعُولَا أَصْلاً) يعني: لا تدخل على ما أريد به الفاعل، وأمَّا ما أريد به اسم المفعول فقد تدخل عليه، فيقال: ركوبة .. ناقةٌ ركوبة، وركوبٌ .. جمل ركوب، وناقة ركوبة، هنا تأتي التاء فارقةً، لا بأس أن تدخل التاء على (فعول) إذا أريد به المفعول، وأمَّا الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث فلا نحتاج إلى تاءٍ فارقةٍ بينهما هو (فعول) إذا كان بمعنى فاعل.
ولذلك قَيَّده الناظم قال: (أَصْلاً) يعني: إذا كانت بِمعنى: فاعل، (أَصْلاً) هذا حالٌ من (فَعُول).
احترز به من (فعول) بِمعنى: مفعول، فإنَّه قد تلحقه التاء نحو: أكولة بمعنى: مأكولة، وركوبة بمعنى: مركوبة، وحلوبة بمعنى: محلوبة، يعني: إذا وصف (فعول) مُؤنَّث تلحقه التاء: ناقة ركوبة، لا تقل: ركوب، صَحَّحَ بعضهم أنَّها قد تسقط منه، لكن الأفصح أن تأتي بالتاء، لماذا مع كونها على وزن (فعول)؟ تقول: لأنَّ المراد هنا بـ (فعول): المفعول، يعني: مركوبة، كذلك: محلوبة .. حلوبة، ناقةٌ حلوبة يعني: محلوبة.
(وَلَا الْمِفْعَالَ) .. (مِفْعَالَ) كما ذكرناه .. المثال السابق.
(وَالْمِفْعِيلَا) يعني: ولا (الْمِفْعِيلَا) الألف للإطلاق.
(وَلَا الْمِفْعَالَ) ما إعراب: (وَلَا الْمِفْعَالَ)؟ الواو حرف عطف، (لَا) هذه زائدة: لَا تَلِي فَعُولَا وَلَا الْمِفْعَالَ، (الْمِفْعَالَ) معطوف على قوله:(فَعُولَا)، (وَالْمِفْعِيلَا) لم يُعِد (لَا) هنا، معطوف على سابقه .. على (فَعُولَا) أي: لا تلي التاء هذه الأوزان فارقةً بين المذكر والمؤنث، فيقال: هذا رجلٌ صبور، ومِهْذَار، ومِعْطِير، (مِهْذَار) لكثير الهذيان في منطقه، و (مِعْطِير) طيب الرائحة.
وفهم من قوله: (وَلَا تَلِي فَارِقَةً) أنَّها قد تلي غير فارقةٍ، سبق أنَّ تاء التأنيث لا يشترط أن تكون دائماً فارقة، قد تكون للتوكيد .. قد تكون للمبالغة .. قد تكون عِوَض إلى آخره، إذاً: النَّفي هنا مُسلَّط على التاء بمعنى الفرق، لا يمنع أن تلحق التاء بمعنى من المعاني الأخرى، لأنَّه خصَّه، قال:(لَا تَلِي فَارِقَةً) إذاً: قد تليه وليست فارقةً.
وفهم من قوله: (لَا تَلِي فَارِقَةً) أنَّها قد تلي غير فارقةٍ، نحو: ملولة، وفروقة، (ملولة) من الملل وهو السآمَة، و (فروقة) من الفَرَق بفتح الراء وهو الخوف، فإن التاء فيهما للمبالغة ولذلك تلحق المذكر والمؤنث: رجلٌ ملولة، يَصِح مع كون (ملول) فعول بمعنى فاعل هنا، والتاء هنا ليست للتأنيث وإنما للمبالغة، كذلك: فروق، يعني الخوف.
حِينئذٍ نقول: هذا يصح أن يتَّصف به المذكر والمؤنث، لأنَّ التاء هنا ليست للتأنيث.
إذاً قوله: (وَلَا تَلِي فَارِقَةً فَعُولَا) المراد بكون التاء منفية في الدخول هنا إذا كانت فارقةً بين المذكر والمؤنث.
(كَذَاكَ مِفْعَلٌ): مِفْعَلٌ كَذَاكَ، (مِفْعَلٌ) هذا مبتدأ، و (كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، أي: لا تليه التاء فارقةً، فيقال: رجلٌ مِغْشَم، وامرأة مِغْشَم، وهو الذي لا ينتهي عَمَّا يريده ويهواه لشجاعته.
. . . . . . . . . . وَمَا تَلِيهِ
…
تَا الْفَرْقِ مِنْ ذِي فَشُذُوذٌ فِيهِ
يعني: إذا اتَّصلت تاء الفرق بين المذكر والمؤنث بواحدٍ من هذه الأوزان الأربعة: (فعول) و (مفعال) و (مفعيل) و (مفعل)، فاحكم عليه بأنَّه شاذٌّ.
حِينئذٍ يُقال: عدو وعدوة، ومِيْقَان ومِيْقَانة، ومسكين ومسكينة، مسكينة (مفعيلة)، نقول: هذا كله يُحفظ ولا يُقاس عليه، لأنَّ هذه الأوزان تستعمل فيما استوى فيه المذكر والمؤنث فلا نحتاج إلى تاء الفرق.
وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إِنْ تَبِعْ
…
مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً التَّا تَمْتَنِعْ
التَّاءُ تَمْتَنِعْ من (فعيلٍ)، إذاً: لا تدخل على ما كان على وزن (فعيل)، ولكن (فعيل) على قسمين:
- (فعيل) بمعنى فاعل.
- و (فعيل) بمعنى مفعول.
فإن كان بمعنى: فاعل، لحقته التاء في التأنيث: رجل كريم وامرأة كريمة، رجل ظريف وامرأة ظريفة أيضاً، حِينئذٍ اتَّصَلَت التاء بـ:(فعيل) لماذا؟ لكونه على زِنَة (فعيل) لكنَّه بمعنى: فاعل، وهنا المراد بالحكم إذا كان بمعنى: مفعول، ولذلك قَيَّده قال:(كَقَتِيلٍ) بمعنى: مقتول.
حِينئذٍ في الغالب إن تبع موصوفه التاءُ لا تدخل عليه، كيف تَبِع موصوفه؟ يعني: إن سُبِق بِموصوفه، فيقال: هندٌ قتيل، ولا يقال: قتيلة، ويقال: رجلٌ قتيل، ويقال: رجلٌ جريح وامرأةٌ جريح، يعني: إذا سبق موصوفه يعني: ما كان محلاً للمعنى ولا يُعنَى به الوصف الاصطناعي، ولذلك نقول: هندٌ قتيل، (هندٌ) مبتدأ، و (قتيل) هذا خبر وليس بصفة، لكنَّه في المعنى هو صفة.
إذاً المراد بقوله: (إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ) إنْ كان مَحلّ الصِّفة سابقاً بقطع النَّظر عن كونه منعوتاً أو لا، فيدخل فيه المبتدأ، ويدخل فيه الخبر، ويدخل فيه غيره.
إذاً: (وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ) بمعنى: مقتول، فاحترز به من (فَعِيلٍ) بمعنى: فاعل، إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفهُ التَّا تَمْتَنِع .. التَّا تَمْتَنِع إِنْ تَبِع مَوْصُوفهُ، فإن لم يتبع موصوفه جاز دخول التاء وخروجها.
إذاً: هذا هو الوزن الخامس مِمَّا لا تتصل به تاء الفرق، وهذا فيما إذا كان (فَعِيلٍ) بمعنى: مفعول، احترز به عن (فَعِيلٍ) بمعنى: فاعل، ثُم (فَعِيلٍ) بمعنى: مفعول قد يستعمل تابعاً لموصوفه، وقد يستعمل ليس تابعاً لموصوفه، ما يُعبَّر عنه بأنَّه يجري مجرى الأسماء.
إن تبع موصوفة التاءُ تمتنع، فإن لم يتبع موصوفه حِينئذٍ جاز اتِّصال التاء به.
قال الشَّارح هنا: "قد سبق أن هذه التاء إنما زيدت في الأسماء ليتميز المؤنث عن المذكر، وأكثر ما يكون ذلك في الصفات" أمَّا الجامد كما ذكرناه هذا قليل: غلام وغلامة، وإنسان وإنسانة، هذا لا ينقاس .. يسمع ولا يقاس عليه، "ويقل ذلك في الأسماء التي ليست بصفات كـ: رجل ورجلة، وإنسان وإنسانة، امرئٌ وامرأةٌ، وأشار بقوله:(وَلَا تَلِي فَارِقَةً فَعُولَا) إلى أنَّ من الصفات ما لا تلحقه هذه التاء، وهو ما كان من الصفات على وزن (فعول) وكان بمعنى فاعل، وإليه أشار بقوله:(أَصْلاً)، واحترز بذلك من الذي بمعنى: مفعول" وهذه تلحقه التاء كما ذكرنا "وإنما جعل اسم الفاعل ما كان بمعنى الفاعل أصلاً؛ لأنَّه أكثر من الثاني فهو أصلٌ له، أو لأنَّ بِنْيَة الفاعل أصل، أو لِمَا ذكره الشارح هنا، " .. وذلك نحو: شكور وصبور، بمعنى: شاكر وصابر، فيقال للمذكر والمؤنث: صبور وشكور بلا تاء، هذا رجلٌ شكور وامرأةٌ صبور" يستوي فيه المذكر والمؤنث، حِينئذٍ لا يُجمع بواوٍ ونون.
"فإن كان (فعول) بمعنى: مفعول، فقد تلحقه التاء في التأنيث، نحو: ركوبة بمعنى مركوبة" تقول: ناقةٌ ركوبة وحلوبة.
"وكذلك لا تحلق التاء وصفاً على (مفعال) كـ: امرأةٍ مِهْذَار، وهي الكثير الهذَرْ وهو الهيذان" ثرثارة يعني "أو على (مفعيل) كـ: امرأة مِعْطِير، من: عَطِرت المرأة إذا استعملت الطيب، أو على (مِفْعَل) كـ: مِغْشَم، وهو الذي لا يثنيه شيءٌ عَمَّا يريده ويهواه من شجاعته.
وما لحقته التاء من هذه الصفات الفرق بين المذكر والمؤنث فشاذٌّ لا يقاس عليه، نحو: عدو .. عدوة" (فعول) هذا "و: ميقان" مأخوذٌ من اليقين .. ميقان (مفعال) "وميقانةٌ، ومسكين" (مفعيل) "ومسكينة" وسُمِع: امرأةٌ مسكينة على القياس، سُمِع امرأة مسكين، هذا الأصل فيه ولا يقال: مسكينة، إلا على ما سُمِع.
لذلك قال:
. . . . . . . . . .
وَمَا تَلِيْهِ
…
تَا الْفَرْقِ مِنْ ذِي فَشُذُوذٌ فِيهِ
(وَمَا) هذا مبتدأ واقعة على الأوزان المذكورة، (تَلِيهِ) صِلة الموصول، (تَا الْفَرْقِ) تاءُ الفرق: فاعل وهو مضاف، و (الْفَرْقِ) مضاف إليه، (مِنْ ذِي) الأوزان الأربعة .. تليه من ذي، (فَشُذُوذٌ فِيهِ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ وهو جائز، (شُذُوذٌ) مبتدأ، (فِيهِ) هذا خبر، والجملة خبر (مَا) .. (مَا) مبتدأ، (فَشُذُوذٌ فِيهِ) هذا خبره .. هذا الجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
والفاء هنا ليست واقعة في جواب الشرط .. ليس عندنا شرط، وإنما إذا كان المبتدأ صيغة عموم أو فيه معنى العموم جاز وقوع الفاء في الجواب.
ثُم قال: " وأمَّا (فَعِيل) - هذا فيه تفصل – إمَّا أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول، فإن كان بمعنى فاعل لحقته التاء في التأنيث، نحو: رجل كريم وامرأة كريمة، وقد حذفت منه قليلاً .. قليل الحذف، قال الله تعالى:((مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ)) [يس:78](هِيَ .. هِيَ) مؤنَّث، (رَمِيمٌ .. رَمِيمةٌ) حذفت منه التاء على قِلَّة.
ومنه في وجهٍ، في قوله تعالى:((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56](قَرِيبةٌ) حذفت منه التاء على وجهٍ.
وإن كان بِمعنى: مفعول، وإليه أشار بقوله:(كَقَتِيلٍ).
إذاً قوله: (وَمِنْ فَعِيلٍ) هذا عام، يشمل (فَعِيلْ) ما كان بِمعنى: فاعل، أو بمعنى: مفعول، أخرج (فَعِيلْ) بمعنى: فاعل، بقوله:(كَقَتِيلٍ) فالمثال حِينئذٍ يكون للاحتراز، و (قَتِيلْ) هنا بمعنى اسم المفعول وهو: مقتول، ثُم (قَتِيلْ) عام يشمل ما تبع موصوفه وما لم يتبع، فأخرج ما لم يتبع موصوفه بقوله:(إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ)، إذاً قوله:(فَعِيلٍ) عام، خصَّصَه بـ:(قَتِيلْ)، و (قَتِيلْ) عام في نفسه، قد يكون تابعاً لموصوفه وقد لا يكون.
(إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ) حِينئذٍ نقول: إن تبع موصوفه التاءُ تمتنع، إن لم يتبع أخرجه بقوله .. بمفهوم الشرط، وإليه أشار بقوله:(كَقَتِيلٍ) فإمَّا أن يستعمل استعمال الأسماء أو لا، استعمال الأسماء المراد به: غير جارٍ على موصوف .. لم يسبقه موصوف، غير جارٍ على موصوف ظاهر، ولا منوي لدليل، فإنَّه تلحقه التاء.
تقول: رأيت قتيلاً، (قتيلاً) لم يسبقه شيء، حِينئذٍ فإنَّه تلحقه التاء، رأيت قتيلاً وقتيلة، فراراً من اللبس، ولذلك: رأيت قتيلةَ بني فلان، هذا لا يصح إسقاط التاء، لأنَّك لو قلت: قتيل بني فلان وأردت به التأنيث وقع في اللبس، لأنَّه لم يجرِ على موصوفه، بل هو مستعمل استعمال الأسماء.
فإن استعمل استعمال الأسماء، أي: لم يتبع موصوفه لحقته التاء، رأيت قتيلاً وقتيلةً، نَحو: هذه ذبيحةٌ ونطيحة وأكيلة، أي: مذبوحة ومنطوحة ومأكولة.
وإن لم يُستعمل استعمال الأسماء، أي: بأن يتبع موصوفه، قال ابن هشام:"لا يراد الموصوف الصناعي بل المعنوي، لأنَّك في نحو: هندٌ قتيل، لا تلحق التاء مع أنَّ (قتيل) خبرٌ لا نعت" يعني: ليس المراد هنا الوصف الصناعي بل المعنوي "حُذِفَت منه التاء غالباً، نحو: مررت بامرأة جريح، وبعين كحيل، أي: مجروحة ومكحولة، وقد تلحقه التاء قليلاً: خصلةٌ ذميمة، أي: مذمومة، وفعلة حميدة، أي: محمودة، وهذا مُحترَزَه بقوله: (غَالِبَاً) ".
لأنَّه قال:
. . . . . . . . . . إِنْ تَبِعْ
…
مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً. . . . . . .
(غَالِبَاً) أشار به: إلى أنَّه قد تلحقه تاء الفرق حملاً على الذي بمعنى: فاعل، كقول العرب: صفةٌ ذميمة، وخصلةٌ حميدة، وقوله كذلك:(غَالِبَاً) يؤخذ من صنيعه: أنَّ لحوق التاء فعيلاً بمعنى: مفعول خلاف الغالب، بخلاف لحوق التاء للأوزان الأربعة فشاذ.
يعني: إذا لحقت التاء (فَعِيلٍ) ليس بشاذ، لأنَّه قال:(غَالِبَاً) من غير الغالب أن تلحقه، ولم يحكم عليه بالشُّذوذ، بخلاف الأربعة الأوزان، قال:(فَشُذُوذٌ فِيهِ) حكم عليه بكونه شاذّاً.
إذاً: (وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إِنْ تَبِعْ) فإن لم يتبع لحقته التاء، إن كان (فَعِيل) لا كمعنى: قتيل، لحقته التاء، وإنما بهذه الشروط الثلاثة يكون (فَعِيل) وبمعنى: مفعول، ولم يتبع موصوفه، إن تَخلَّف واحدٌ منها لحقته التا، (غَالِبَاً) ومن غير الغالب: خصلةٌ حميدة، وخصلةٌ ذميمة.
(التَّا تَمْتَنِعْ) .. (التَّا) هذا مبتدأ، قصره للضرورة، و (أل) هنا عهدية، أيُّ تاءٍ؟ تاء التأنيث.
إذاً: (وَلَا تَلِي فَارِقَةً) تَمتنع هي، الجملة خبر عن التاء، وقوله:(مِنْ فَعِيلٍ) مُتعلِّق به، (كَقَتِيلٍ) هذا حال من (فَعِيلٍ).
. . . . . . . . . . إِنْ تَبِعْ
…
مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً. . . . . . .
هذا شرطٌ حذف جوابه.
إذاً: (وَلَا تَلِي فَارِقَةً) يعني: لا تتَّصِل هذه التاء بالوصف مع كون الأصل في الأوصاف التي تصدق على المذكر والمؤنث أن تتَّصِل به التاء فارقةً بين النوعين، ولذلك قال الصَّبَّان هناك:"الأصل في لحاق التاء الأسماء إنما هو تمييز المؤنث من المذكر، وأكثر ما يكون ذلك في الصفات المشتركة بين المذكر والمؤنث، فما كان مُختصَّاً - الصفات المختصَّة بالمؤنث – فالغالب ألا تلحقها التاء إن لم يُقْصَد بها معنى الحدوث كـ: حائض، وطالق، ومرضع، لعدم الحاجة بأمن اللبس، فإن قصد معنى الحدوث فالتاء لازمة، كـ: حاضت فهي حائضةٌ".
يعني: حاضت .. وجِد الحيض الآن، قال: قد تتَّصل به التاء، وطُلقت فهي طالقةٌ، وقد تلحقها وإن لم يُقْصَد الحدوث، وأمَّا في الأسماء فهو قليل، هذا ما يَتعلَّق بالتاء.
ثُم شرع فيما يَتعلَّق بالألف، وعدَّد أوزاناً مشهورة وترك الأوزان النادرة، ونمر عليها سريعاً.
وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ ذَاتُ قَصْرِ
…
وَذَاتُ مَدٍّ نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ
هذا شروعٌ منه في النوع الثاني مِمَّا يُميَّز به أو يُفرَّق بين المذكر والمؤنث.
وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ ذَاتُ قَصْرِ
…
وَذَاتُ مَدٍّ. . . . . . . . . . . .
هذا تقسيمٌ لـ: (عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) عمَّم هناك، وهنا فصَّل فقال:(وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ) مبتدأ، (ذَاتُ) يعني: صاحبة، (قَصْرٍ) لا تُمَد، قَدَّمها لأنَّها الأصل، (وَذَاتُ مَدٍّ) كـ: حمراء، والأول كـ: حبلى وسلمى.
(نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ) أي: نحو ألف اسم أنثى الغُرِّ، أي: الغراء، مثَّل للثانية، (أُنْثَى الْغُرِّ) رجل أغَرّ، أو المذكر يُقال: أغَرّ، والأنثى: غراء، (غُرِّ) هذا مصدر، (نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ) فيقال: غَرَّاء، يعني: أحال بالمثال، فـ:(غراء) الألف فيه (ذَاتُ مَدٍّ).
ثُم لكلٍ من هذين النوعين أوزان مشهورة في لسان العرب، وأوزان نادرة، أوزان مشهورة، يعني: هذا الوزن إن جاء اللفظ عليه فالألف ألف مَدٍّ، أو هذا الوزن مما اشتهر في لسان العرب إن جاء اللفظ عليه فألفه ألف قصرٍ.
وَالاِشْتِهَارُ فِي مَبَانِي الأُولَى
…
يُبْدِيْهِ وَزْنُ أُرَبَى وَالطُّولَى
وَمَرَطَى وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا
…
أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى
وَكَحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطْرَى
…
ذِكْرَى وَحِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى
كَذَاكَ خُلَّيْطَى مَعَ الشُّقَّارَى
…
وَاعْزُ لِغَيْرِ هَذِهِ اسْتِنْدَارَا
ذكر اثني عشر وزناً.
(وَالاِشْتِهَارُ) يعني: المشتهر، (فِي مَبَانِي) في أوزان (الأُولَى)، يعني: المقصورة، (ذَاتُ قَصْرٍ) هذا لَفْ ونشر مُرتَّب، لأنَّه ذكر (ذَاتُ قَصْرِ) و (ذَاتُ مَدٍّ)، ثُم بدأ بذكر أوزان الأولى.
(وَالاِشْتِهَارُ) وهذا مبتدأ، قوله:(يُبْدِيهِ) الجملة خبر، و (فِي مَبَانِي) مُتعلِّق بقوله:(الاِشْتِهَارُ)، و (مَبَانِي) مضاف، و (الأُولَى) مضافٌ إليه، يعني في المعنى: نعت لمحذوفٍ وهو ألف .. في مباني الألف الأولى، يعني: المقصورة، (يُبْدِيهِ) يعني: يظهره، الجملة خبر، أوزان:
- الأول: (وَزْنُ أُرَبَى) يعني: ما كان على وزن: (أُرَبَى) .. (فُعَلَى) بِضمِّ الأول وفتح الثاني، نَحو: أٌربى للداهية، وشُعبى لموضعٍ، وأُدَمى كذلك، وجعله في (التسهيل) من المشترك بين المقصورة والممدودة وهو الصواب .. أن يكون مشتركاً بين النوعين.
ومنه مع الممدودة اسماً: خُشَشَاء .. فُعَلَا .. أُرَبَى، خُشَشَاءُ للعظم الذي خلف الأذن، وصفة لناقة عُشراء، وامرأة نفساء، وهو في الجمع كثير نحو: كرماء، وفضلاء، وخلفاء، إذاً الصواب في هذا الوزن: أنَّه ليس خاصَّاً بذات القصر بل هو عام .. مشترك بين النوعين.
(أُرَبَى) بِضَمِّ الفاء وفتح الثاني.
- (وَالطُّولَى) هذا الثاني، بِضَمِّ الأول وسكون الثاني، (فُعْلَى) اسماً لـ: بُهْمَى لنَبْتٍ، أو كـ: حبلى، والطُّوْلَى، أو مصدراً كـ: رُجْعَى وبُشْرى.
- الثالث: (مَرَطَى) على وزن: (فَعَلَى) بفتحتين .. فتح العين والفاء، اسماً كـ: بَرَدى لنهرٍ بدمشق، أَوْ مَصْدَرَاً كـ:(مَرَطَى) هذا نوعٌ للمشي وهو السُّرعة، (أَوْ صِفَةً) كـ: حَيَدَا، يُقال: حمارٌ حَيَدا، أي: يحيد عن ظِلّه لنشاطه، قال الجَوْهَري:" ولم يجئ في نعوت المذكر شيءٌ على (فَعَلَى) غيره".
- الرابع قال: (وَوَزْنُ فَعْلَى) بفتح الأول وإسكان الثاني، جمعاً كـ: صرعى، جمع صريع، وجرحى جمع جريح، أَوْ مَصْدَرَاً كـ: دعوى، ونجوى، أَوْ صِفَةً لأنثى (فَعْلَى) كـ: شبعى، وكسلى، إذاً:
(وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا
…
أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى) فَصَّل هنا مع كونه يأتي في غيره، (فَعْلَى جَمْعَا أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى (شَبْعَى) هذا مثالٌ للصفة.
- الخامس: أشار إليه بقوله: (وَكَحُبَارَى)(فُعَالَى) بِضمِّ أوله وفتح ثانيه، (كَحُبَارَى) لطائر، ويقع على الذَّكَر والأنثى، وجمعاً كـ: سُكَارى.
ومنها: (فُعَّلَى)(سُمَّهَى) بِضمِّ الأول وتشديد الثاني مفتوحاً، (سُمَّهَى) هذا للباطل.
(سِبَطْرَى) على وزن (فِعَلَّى) بكسر الأول وفتح الثاني وتسكين الثالث (سِبَطْرَى) لضربٍ من المشي.
والذي يليه: (ذِكْرَى)(فِعْلَى) بكسر الأول وسكون الثاني، (فِعْلَى) مصدراً كـ:(ذِكْرَى) أو جمعاً كـ: ظِرْبَى، جمع: ظَرِبَان، وهي دويبةٌ كالهرة مُنتة الرِّيح، تزعُم العرب أنَّها تفسو في ثوب أحدهم إذا صادها، فلا تذهب رائحتها، قيل: وليس في الجموع ما هو على وزن (فِعْلَى) غيرها.
(وَحِثِّيثَى)(فِعِّيلَى) وهو مصدر بِمعنى الحَثِّ، وهِجِّيَرى للعادة، ولم يجئ إلا مصدراً .. (فِعِّيلَى) لا يأتي إلا مصدراً، بكسر الأول والثاني مشدداً.
(مَعَ الْكُفُرَّى)(فُعُلَّى) بِضمِّ الأول والثاني، وتشديد الثالث، (كُفُرَّى) لوعاء الطَّلْع، وحُذُرَّى وبُذُرَّى من الحذر والتحذير.
و (فُعَّيْلَى)(خُلَّيْطَى) .. كذاك (كَذَاكَ خُلَّيْطَى) للاختلاط، ويُقال: وقعوا في خليطى، أي: اختلط عليهم أمرهم.
(مَعَ الشُّقَّارَى)(فُعَّالَى) نحو: (شّقَّارَى) لنبتٍ، وخُضَّارَى لطائرٍ، بِضمِّ الأول وتشديد الثاني.
(وَاعْزُ لِغَيْرِ هَذِهِ اسْتِنْدَارَا) إذاً: اثنا عشر وزناً هي المشهورة، وهذه ترجع إلى لسان العرب والقاموس لتعرفها.
(وَاعْزُ) أي: انسب (لِغَيْرِ هَذِهِ) الأوزان المذكورة في المقصور (اسْتِنْدَارَا) يعني: نادراً، استفعال من النُّدْرَة، ومِمَّا ندر (فَعْيَل) خيسرى للخسارة، و (فَعْلَوَى) كـ: هَرْنَوى لنَبتٍ، هذا ما يَتعلَّق بـ: مَبَانِي الأُولَى.
قال: (يُبْدِيهِ وَزْنُ أُرَبَى وَالطُّولَى)(يُبْدِيهِ) قلنا: الجملة خبر، والضمير يعود على المباني، (وَزْنُ) هذا الفاعل، وهو مضاف، و (أُرَبَى) مضافٌ إليه، وما بعده كُلُّه معطوفٌ عليه.
(وَمَرَطَى وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا) هذا حال من (فَعْلَى)، (أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً) معطوفان عليه.
(وَكَحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطْرَى) وذلك كـ: (حُبَارَى) يعني: خبر مبتدأ محذوف، (سُمَّهَى سِبَطْرَى ذِكْرَى) معطوفات على (حُبَارَى) بإسقاط العاطف، و (حِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى كَذَاكَ خُلَّيْطَى) .. (وَحِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى) معطوفٌ على سابقه، و (مَعَ) مُتعلِّق بِمحذوف.
(كَذَاكَ خُلَّيْطَى) .. (خُلَّيْطَى) مبتدأ، و (كَذَاكَ) خبر، (مَعَ الشُّقَّارَى) مُتعلِّق؟؟؟ تَعلَّق به الخبر.
(وَاعْزُ) أي: انسب، (لِغَيْرِ) مُتعلِّق بـ:(وَاعْزُ) وهو مضاف، و (هَذِهِ) أي: هذه الأوزان؟؟؟ (اسْتِنْدَارَا).
لِمَدِّهَا فَعْلَاءُ أَفْعِلَاءُ
…
مُثَلَّثََ الْعَيْنِ وَفَعْلَلَاءُ
ثُمَّ فِعَالَا فُعْلُلَا فَاعُولَا
…
وَفَاعِلَاءُ فِعْلِيَا مَفْعُولَا
وَمُطْلَقَ الْعَيْنِ فَعَالَا وَكََذَا
…
مُطْلَقَ فَاءٍ فَعَلَاءُ أُخِذَا
هذه سبعة عشر وزناً، (لِمَدِّهَا) الألف التأنيث الممدودة، هذا خبر مُقدَّم (لِمَدِّهَا) أوزانٌ مشهورة، (فَعْلَاءُ) بفتحٍ وإسكان الثاني، اسماً كـ: صحراء (فَعْلَاءُ)، أو صفةً لمؤنَّث مذكَّره على (أفْعَل) كـ: حمراء، وعلى غير (أفْعَل) كـ: دِيْمة هطلاء، ولا يُقال: سحابٌ أهطل، بل سحابٌ هَطِل، وقولهم: فرسٌ أو ناقةٌ روغاء، أي: حديدة القياد، ولا يوصف به المذكر منهما، فلا يقال: جَملٌ أروغ، وكـ: امرأة حسناء، ولا يُقال: رجل أحسن.
والهطل: تتابع المطر والدمع وسيلانه، يُقال: هطلت السماء تهطل هطلاً وهطلاناً وتهطالاً، هذا ما يَتعلَّق بـ:(فَعْلَاءُ)، إذاً:(فَعْلَاءُ) يكون كـ: صحراء، وهو اسمٌ جامد، أو صفة لمؤنَّث مُذكَّره على وزن (أفْعَل) أفعل .. فعلاء، كما سبق معنا.
(أَفْعِلَاءُ مُثَلَّثََ الْعَيْنِ)(مُثَلَّثََ) هذا حالٌ من (أَفْعِلَاءُ) أفْعِلاء .. أربِعَاء .. أربَعَاء .. أربُعَاء، اسمٌ لليوم الرابع يعني: مُثلَّث العين.
(وَفَعْلَلَاءُ) نحو: عقرباء لأنثى العقارب، وقيل: لمكان.
(ثُمَّ فِعَالَا) نحو: قصاصا، للقصاص، ولا يُحفظ غيره، ولذلك لماذا عَدَّه هنا في المشهور إذا كان لا يُحفظ إلا قصاصا؟
(فُعْلُلَا فَاعُولَا) .. (فُعْلُلَاء) كـ: قرفصاء، ولم يجيء إلا اسماً.
و (فَاعُولَاء) كـ: عاشوراء.
و (وَفَاعِلَاءُ) كـ: قاصعاء لحجر من حجرة اليربوع.
ومنها: (فِعْلِيَاء) نحو: كبرياء وهي العظمة.
ومنها: (مَفْعُولَاء) مشيوخاء، جمع شيخٍ.
و (فَعَالَاء) .. (مُطْلَقَ الْعَيْنِ) يعني: مضموم ومفتوح ومكسور، نحو: دبُوقاء، للعذِرَة، وبرساء: لغةٌ في البَرْنَسَاء وهم الناس، قال ابن السِّكِّيت:" يُقال: ما أدري أيَّ البرنساء هو، أي: أيُّ الناس هو"، وكثِيراء بالكسر.
ومنها: (فَعَلَاء) مطلق الفاء، يعني: الفاء تُضمُّ وتفتح وتكسر، نحو: خُيلاء للتَّكبُّر، وجنَفاء اسم مكان، وسِيَراء لبردٍ فيه خطوطٌ صفرٌ.
إذاً: هذه سبع عشرة وزناً، لا يخرج عنها ما كان مَختوم بألف التأنيث الممدودة.
(فَعْلَاءُ) و (أَفْعِلَاءُ) بعطفٍ على حذف حرف العطف، (مُثَلَّثََ الْعَيْنِ) هذا حال من (أَفْعِلَاءُ) .. (مُثَلَّثََ الْعَيْنِ) يعني: يكون مضموماً أو مفتوحاً أو مكسوراً، (وَفَعْلَلَاءُ ثُمَّ فِعَالَا)(ثُمَّ) بمعنى الواو هنا، (فُعْلُلَا) يعني: وفُعْلُلا.
(فَاعُولَا وَفَاعِلَاءُ فِعْلِيَا مَفْعُولَا) إسقاط حرف العطف.
(وَمُطْلَقَ الْعَيْنِ فَعَالَا) يعني: وفَعَالَا مطلق العين، حال تَقدَّم على صاحبها.
(وَكََذَا مُطْلَقَ فَاءٍ)(كََذَا) خبر مُقدَّم، (فَعَلَاءُ) هذا مبتدأ، (مُطْلَقَ فَاءٍ) حالٌ منه، (أُخِذَا) الألف للإطلاق، والجملة صفة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!